logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





17-12-2021 11:56 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10

t21978_3766

علت الزغاريد للمرة الأخيرة قبل ان يغلق الباب بتنهيده خلف والدته و والدتها لا يصدق انه سيبقي بمفرده معها،اما رحمه فقد التفت تتابع شقتها المزينة و تمنت في تلك اللحظة وجود والدها رحمه الله، ولكن ما باليد حيله، و ربما كان حزنها و ذبولها من بعد وفاته سبباً في موافقه والدتها على زواجها من عبدالله رغم انه لا يتوافق مع المواصفات و المؤهلات الدراسية المطلوبة بالنسبة لها، ليس و كأنها من ارستقراطية البلد فهم مجرد اسره متوسطة الحال لها احلامها تتمني تحققها سريعاً.

ولكنها لن تلومها فكل ام ترغب بالأفضل لأطفالها، وهي متأكدة ان زوجها قادر على كسب ودها مع مرور الوقت يكفي حسن خلقه و شهامته و حبه لها، ولا شئ اقوي من الحب كما كان يقول والدها دائما، فرطت دمعه بتمرد فسبقتها اصابعه تمسحها وقد عاد جوارها قائلاً:

-بتعيطي ليه يا عبيطة؟ اوعي تكوني خايفة مني و النعمه اجبلك امك؟!
خرجت ضحكه صغيره وهي تمسح وجنتها قائلة:
-لا مش خايفه انا بس افتكرت بابا الله يرحمه!
قرر مشاكستها لاخراجها من اجواء الحزن فحرك رأسه غامزًا:
-مش خايفه يا سوسه وانا اللي فاكرك مؤدبه!
-ايه ده في ايه؟! ما تتلم يا راجل انت!!
خرج ردها بعفويه و ذهول، فملئت ضحكته المكان قبل ان يضمها اليه يقبل رأسها ليقول:
فصول نوفيلا أسانسير
نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

-يا جماعه ان ابغض الحلال عند الله الطلاق!

قال المأذون الشاب ذو الثلاثون عام، المدعي صلاح وهو يتفحص الزوجان من خلف مكتبه، اخفضت رحمه ذات السابعة و العشرون عام انظارها رافضه التحام اعينها البنيه الرقيقه مع اعين زوجها السوداء و قريباً زوجها السابق، جحظ عبدالله صاحب التاسعة و العشرون عام عينيه وتنهد بأسي لرد فعلها القطعي، ولم يجد القوه داخله للحديث او الموافقة، فاكتفي بضم ذراعه المصاب بألم و لكن والدتها تدخلت كعادتها اللطيفة:.

-هما متفقين يا شيخنا، معلش خلصنا بسرعه!
مصمصت والدته شفتيها لتؤكد بمكر:
-ايوه، خلصنا احنا مش فاضين!
خرجت شهقه مستنكره من والده رحمه لترد:
-اسم الله، يكونش وراكوا الديوان!
وضعت والدته ساق على الأخرى بكل عنجهية غير مباليه بالفارق المادي بينهم، رافضه ان تتذل هي و ابنها لهم او ان يكونا تحت ضروس تلك الشمطاء و قالت:
-وانتي مالك و مالنا يا حبيبتي مش خربتيها وقعدتي على تلها!
-خلاص يا ماما!

قال عبدالله و رحمه بآن واحد ثم نظر احدهم للآخر بعتاب، قاطعهم المأذون:
-يا جماعة احنا بنحاول نوقف الضرر مش نزوده، وحدوا الله!
ردد الجميع لا اله الا الله و كذلك الشاهدان الجالسان امام الباب بجوارهم، صديقيه محمود و جلال و فريق عمله البسيط بنفس الوقت فتدخل محمود وهو يري الحزن مرسوم على وجه الزوجان بطيب خاطر:
-يا جماعه ده شيطان ادوا نفسكم فرصه!

رمقته رحمه بغضب و حقد دون وعي وكأنه قتل احد افراد عائلتها فأنزوي للخلف بصمت، اعادت انظارها لزوجها الجالس امامها تكره انه اوصلهم لهذا الحد بل تكره انها لم تكن اختياره، كما كان اختيارها، وبكل عفويه اعادتها ذكرياتها إلى نقطه البداية...

دلفت المبني بعجله تهرب من حراره الشمس، و رغبتها الوحيده هي الراحة بعد سته ساعات متواصلة من تلقي المكالمات في مركز الاتصال الخاص بمقر عملها، وظيفه مملة لا تتناسب مع طموحاتها ولكنها كافيه حتى تصل لهدفها كمحاسبه او اداريه بأكبر الشركات، ضحكت بسخريه وكأن ذلك سيحدث، ضغطت زر المصعد مرات متتاليه كارهه تأخره و الحرارة...

بالداخل كان عبدالله يضع سماعه بأحدي اذنيه يستمتع للأغاني في طريقه لإحضار باقي عدته من الاسفل سريعاً كي لا يراه احد السكان و يطالبه بإستخفاف ان يقله بالمصعد فهو لم ينتهي من إصلاحه بعد، ما ان صفر المصعد معلناً عن وصوله حتى دفع الباب في الوقت الذي مد ذراعه لرفع عصا صغيره اعلاه تمنعه من الانغلاق ولكنه فوجئ بالباب ينفرط من يده و بجسده يهوي للأمام وإلى احضان بحوريه من السماء!

تشتت عقلها في لحظه و تجمدت امام الرجل و اذرعه المتحركه في الهواء لجزء من الثانية قبل ان يرتطم جسده الصلب بها دون سابق انذار، لف ذراعيه حولها بصدمه محاولاً انقاذهم من السقوط وبعد لحظات بهلوانيه تنفس الصعداء وقد نجح في اعادة توازن كلاهما دون الحاجه لطحن الجميلة اسفله، فأسرع قائلاً:
-حضرتك كويسه، انا اسف!

اتسعت عيناها وتعلقت ابصارهم باضطراب ما ان سمعت صوته الذكوري لحظات قبل ان تعود لرشدها فأزاحت ذراعيه بخجل و انزعاج، تنحنح وهو يبتعد و يراقب احمرار وجهها مستكملاً:
- حضرتك طالعه طيب؟
حركت رأسها لأعلي واسفل بتلقائيه مجيبه ببديهيه:
-ايوه طبعا...
-تمام، طيب ممكن معلش تستنيني دقيقه اجيب حاجه ونطلع سوا..
ظهر الاستهجان على ملامحها فاستكمل مبرراً:.

-حضرتك مش فاهمه، انا قصدي ان الاسانسير بايظ و انا بصلحه فهوصلك وانا طالع بالعده لان مينفعش تطلعي لوحدك دلوقتي!
ابتسمت بضعف واجابت:
-تمام مفيش مشكله، متشكره لحضرتك!
اتسعت ابتسامته برضا و ضم ابهامه وسبابته يستسمح انتظارها، هرع نحو حقيبته قبل ان ينضم اليها وفي الداخل سألها:
-حضرتك قولتي الدور الكام؟
-التالت...

اجابته وهي تخطف نظرات نحوه تتفحص سماره الجذاب وحركه ذراعه القوية، حمحمت فتعلقت ابصارهم مره اخري وشعرا بالهواء ينحسر بينهما حتى انقذهم جرس وصول المصعد بتنه خفية فتلعثمت قائلة:
-شكرا تعبتك...
-انا اللي اسف على الموقف ده، بس الصراحه ربنا بيحبني عشان اقع في الجمال ده كله!

وكأي فتاه مصرية اصيله فاقده لحس الإجابة على المجاملات ارتبكت انفعالاتها و هربت ضحكه غريبه منها ادت إلى ارتفاع كلا حاجبيه، فصمتت بخجل وعقدت حاجبيها متخذه منحني اخر وهتفت:
-مش بحب حد يقولي كده على فكره!
-انك جميله؟
تساءل بحاجب مرفوع فاجابته وهي تضم حقيبتها:
-لا انه يحرجني و يعمل الكلام و كده!
انكمشت ملامحه في محاوله لفك شفرات الحوار ليقول:
-يعمل الكلام؟!
زفرت و حركت يدها بتوتر قائله بدون تفكير:.

-اقصد انك بتتحرش بيا عشان...
قاطعها سريعا وهو لا يزال معلقاً بين الباب و ردهه الطابق ليقول بأصبع مرفوع:
-لا معلش انا كنت بعاكس، ايه تحرش دي!





اضطربت فعقدت ملامحها بغضب موبخه:
-احترم نفسك يا محترم!
-الله هحترم نفسي ازاي وانا محترم، اعقلوا الجمله!
جز على اسنانها عاجزه عن الاجابه فأنقذها وصول صوت عالي ينادي من اعلي المبني:
-يا عبدالله، انت علقت ولا ايه؟

بللت شفتيها وذهبت سريعاً هاربه من امامه ولكنه لم يترك الفرصة حين استدارت ترمقه نظره اخيره، فغمز لها واجاب زميله بمكر:
-ايوه يا حوده، متقلقش الاسانسير معلق حبتين بس ورا ورا مش هسيبه، هيروح مني فين!
غطت ابتسامه عريضة وجهها ما ان اغلقت باب شقتها، وهي تستمع لكلمات الوسيم، كأنها تستشعر صدق كلماته بانه لن يتركها حتى تصبح له رغم كل العوائق!..

خرجت من افكارها على صوت المأذون الذي انتبه لعمق نظراتهم و ملامحهم الحزينة:
-انا حاسس ان في شئ غلط انتوا متأكدين من قرار الطلاق ده؟ لاني شايف اسيبكم دقايق اخيره مع بعض قبل الانتهاء من الوضع؟
لينتفض الجميع على صوت والده رحمه العالي نسبياً:
-ماتخلصنا يا شيخ عايزين نروح، هما خلاص متأكدين!
-لا اله الا الله، في الاوقات اللي زي دي ربنا يقدر الواحد على فعل الخير ولا انا اللي نكدي مثلا ومش عايز اشتغل؟

قال المأذون بحذر، فأجابته والده عبدالله بشماته:
-معلش يا شيخنا وهي هتعرف الحاجات دي منين دي حتى الستاير فضحتنا عليها عشان لما ينفصلوا تاخد الشقه زي ما هي!
انعقد حاجبي المأذون ليقول:
-ستاير؟
ردت والده رحمه بغيظ:
-فضيحه ليه ياااختي مش حق بنتي ولا مش حقها...
-ستاير ايه و كلام فارغ ايه دلوقتي!
تدخل عبدالله بضيق فأخر همه شجارهم السخيف في الوقت الذي يفقد فيه زوجته و حب حياته، تدارك المأذون الموقف بخفه مدروسة:.

-لا حول ولا قوة الا بالله، يبدو ان الموضوع كبير للغاية، لا حضراتكم تتفضلوا معايا برا نشرب حاجه ثم نحكم بأمر الستائر!
انكمشت ملامح رحمه و عبدالله بتعجب لقوله بينما هرع محمود الذي فهم عليه و فتح الباب على امل انقاذ زواج صديقه و مساعده صلاح في استدراج امهاتهم للخارج بقوله:
-ايوه انا سمعت ان الشيوخ بيفصلوا في الحاجات دي دلوقتي...

حرك عينيه لصلاح ليجاريه لكنه رفض الانغماس في تلك الكذبة، يكفيه ما فعله من مغامرة ساذجة لاعطاء الزوجان وقت خاص، استدار لهما ما ان تخرجهم مضيفاً بابتسامه:
-فوقوا بالله عليكم وتذكرا بانه اذا تبقى بينك وبين الناس شعرة فلا تقطعها!

خرج وترك الاثنان ينظران لبعضهما ببلاهم، ازدرد عبدالله ريقه ببطء يبحث عن قول ينقذه من هذا الخراب ولكنه لم يجد، انتظرت هي بأمل طفيف اجبره ذلك المأذون المجنون داخلها بمحاولاته، ربما كان يجب ان تستمع لوالدتها بالذهاب لغيره فهو شاب ويبدو ان طريقته غير تقليديه و مريبة، لكن هذا الامل سرعان ما انفرط عندما مرت الدقائق بينهم بصمت فوقفت بحده لمناداتهم، فزوجها اتخذ القرار، وقف سريعاً هاتفاً بخفوت:
- استني!

استدارت بملامح واجمه لتجيب:





-افندم عايزني استني عشان تكمل سكوت!
-انتي مستعجله اوي ليه كده، للدرجه دي مبقتيش طيقاني؟
ضحكت بسخريه لتقول بألم:
-ارجوك قولي انك بتهرج، مين اللي يعاتب مين يا عبدالله؟
هز رأسه برفض وهو يتفحص وجهها بشوق ليستكمل:
-مش عايز عتاب اصلا، انا عايزك انتي؟
فركت جبينها بتعب واجابت بخفوت:
-بلاش تلعب بيا، كفايه لحد كده، انت اخترت خلاص!
-لا انتي اللي اختارتي مش انا!

جزت على اسنانها وهي تكبح دموعها لتقول:
-بتضحك على مين هاه، بتضحك على مين؟
وضع يد على ذراعه المصاب وهو يقترب منها قائلاً:
-ايه يعني لما اتصاب وانا بشتغل مش نهاية الدنيا ما اي حد عنده مخاطر في شغله ليه انتي مصره اني اسيب شغلي عشان غلطه سخيفه...
هبطت دموعها وهي تصيح بتلعثم:
-غلطه سخيفة، يا مؤمن ده انت دراعك متنيل لحد دلوقتي، انت انت...

حاولت الاستكمال بين دموعها المنهمرة ولكن ذكريات الحادث المشئوم كانت اقوي...

ركضت بين اروقه المشفى بهلع، تدعوا الله ان تكون المكالمة التي جاءتها تنذرها بوقوع حادث لزوجها مجرد مزحه او مكالمه خاطئة، مسحت دموعها لإبعاد الغشاوة وامسكت بيد ممرضة تمر بجوارها:
-لو سمحتي في حد وقع في حادثه اسانسير اسمه عبدالله تعرفي هو عامل ايه او هوهوموجود موجود فين؟

-اه الحمدلله ربنا كتبله عمر جديد، هو موقعش متقلقيش لحق نفسه اخر وقت واتعلق في حبال الاسانسير بس للاسف كتفه اتخلع و عنده كدمات تانيه و هتلاقيه موجود هناك في الأودة اللي على اليمين والدكتور هيقولك على الحاله بالظبط!

اجابت الممرضة قبل ان تمضي لاستكمال عملها، اغمضت رحمه عينيها تحمد الله و توجهت اليه سريعا، وجدته مستلقي على الفراش نائماً بضعف، رأسه مغطي بشاش ابيض ملوث بدمائه و الجبيره تصل من كتفه حتى اصابعه، دنت منه وامسكت كفه تقبله بحزن:
-حبيبي انت كويس؟
رمش ببطء قبل ان يضغط بكفه على كفها مطمئناً:
-انا كويس، متعيطيش!

اجهشت في البكاء وهي تضع رأسها على كفه تطرد كل خوفها و قلقها بانها ففقدتهلتنهي بها اسوء ساعه مرت عليها في حياتها، ربت على رأسها بضعف حتى هدأ بكاءها...
ولكن مأساتهم الحقيقية بدأت ما ان عاد للمنزل بعد ايام و صدمته بقرارها:
-انت لازم تسيب الشغلانه دي!
قطب حاجبيه بلا مبالاه ليتساءل:
-ليه؟
حاولت اخفاء ذهولها وقالت:
-يمكن عشان كنت هتموت وانت لسه عريس مبقالكش سبع شهور!
-يا شيخه دي مشيئة ربنا!

قالها وهو يهرب لمكان اخر فأتبعته بأصرار:
-ربنا مقالش نرمي نفسنا في التهلكه!
استدار نحوها بانزعاج:
-في ايه يا رحمه مانتي عارفه ان دي شغلتي ايه اللي جد يعني؟
-لا متحسسنيش ان معندكش مشاعر للدرجه دي هو انت مش حاسس بالمصيبه اللي كانت هتحصلك، انت متخيل ان دراعك اتخلع وانت متشعلق بين السما و الارض وانك واخد 8 غرز في راسك و كان ممكن يجيلك نزيف في المخ؟ انت بجد مش حاسس؟

ابتعد من امامها بأنفاس عاليه، ماذا يخبرها؟ بانه فاشل لا يملك شئ في الحياه سوي تلك المهنة و صنعتها، هي تعلم جيدا انه لا يملك شهاده الثانوية حتى وانه لم يفلح في التعليم فلما تضغط عليه و تؤرق حياتهم؟
ام انها ملت منه و تحاول الهروب مع اول عقبه؟
نفض افكاره المؤلمة وتأوه عندما ادارته نحوها متناسيه اصابته لكنه اردف بقوه:.

-بقولك ايه يا رحمه، انتي من الاول عارفه انا ايه و شغلي ايه وهي حياتي كده مينفعش اغيرها، ولو مخدتيش بالك ليه فانا ههقولك واسهل عليكي الطريق انا مبعرفش اعمل حاجه غير الشغلانه دي و لولا خالي اصلا علمهالي كان زماني ضايع في الشوارع!
قاطعته بعفويه:
-مش مهم محدش بيموت من الجوع ثم انا بشتغل يعني ممكن ندبر امورنا لحد ما تشوف شغلانه تانيه واكيد ربنا مش هيسيبنا!
تجمدت ملامحه وصمت حتى توترت قائله:
-مالك؟

-انتي عايزاني اقعد في البيت وتصرفي عليا؟
انعقد حاجبيه وهي تلعن الكبرياء الذكوري الذي لم يجعله يفهم سوي هذا من كلماتها فاكملت:
-لا انا عايزاك تحافظ على نفسك لاني اكتشفت ان لو جرالك حاجه انا هموت و هتدمر مش هستحمل ضربه زي دي تاني في حياتي بعد بابا الله يرحمه...
ولكنه استمر بحده كأنه لم يسمعها:
-انتي شكلك اتجنيتي، هي دي طريقه حبك ليا، بصي يا رحمه حسك عينك تقولي الموضوع ده تاني وقفلي على كده!

-يعني ايه اقفله، انت مجنون، بقولك ايه مش هستناك تموتني ناقصه عمر، يا انا يا ام الشغلانه دي؟
ضيق عيناه بغضب ليقول:
-طيب انا و هقعد زي الولايه جنبك لكن محمود و جلال ذنبهم ايه اخرب بيتهم!
نظرت له مذهوله:
-محمود ايه و زفت ايه دلوقتي، هو ده اللي همك؟ واحنا و حياتنا اللي بتبوظ مش واخد بالك منها؟!
ضرب طاوله صغيره امامه بقدمه و صاح مستنكراً:.

-كفايه بقي مش عايز اسمع حاجه، وبذلك أسرع للهرب من امامها وإلى الطرقات...

تآوهت بخفوت عندما ضمها اليه يقطعها من اسوء أفكارها، فبكت باستلام واستندت على كتفه لتقول:
-كفايه وجع قلب، كفايه!
تاااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية أسانسير
  17-12-2021 11:57 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

لم يجيبها واحكم قبضته حولها فقد مر شهر تقريبا منذ ان شعر بها بجواره، ضمته أيضاً لتطالبه بتمني:
-عشان خاطري اختارني انا، لو بتحبني بلاش تدمرنا!
قبل اعلي رأسها بصمت والف فكر و فكر يدور بعقله فدفعته بحده مستنكره بهزه من رأسها:
-تمام اوي، الموضوع انتهي ومش فارق معاك اصلا، انا بتحايل عليك ليه!..
اندفعت تفتح الباب بعناد، رمقت الجميع بجمود و تجاهلت تشاحن والدتها ووالدته الذي لن يتوقف ابداً وهتفت:.

-لو سمحت يا شيخ تعالي كمل عشان نخلص، شكرا على الوقت بس الموضوع منتهي...
تابعها عبدالله بغصة في حلقه يعلم و ما ان دلفت و اتبعها الجميع حتى عاد لمقعده بصمت و عيونه ترفض الانصراف عنها، نظر المأذون لمحمود قبل ان يتنهد قائلاً:
-إذاً فليكن، انا بكده أرضيت ضميري!

اتخذ مقعده و شرع في تجهيز الاوراق و اتخاذ الاجراءات اللازمة، فركت رحمه اصابعها بقهر تحاول كبت دموعها ولكن كسرة قلبها قوية، فهو ليس زوج تقليدياً بل حب حياتها عاشت معه اسعد ايام حياتها، و معه تعلمت الحب واصول العشق رغم ان زواجهم لم يتعدى شهور قلة، والان كل شئ ينتهي و و صفحات العشق تنطوي بلا رجعه ولكن هذا افضل من العيش بمراره ان فقدته بسبب عناده لا بل يكفي انها لم تكن في المرتبة الاولي لاولياته، هبطت دموعها فمسحتها سريعا، فمنذ اليوم لن يمسحها غيرها و يداوي جروحها، فمن كان يظن ان عشقها سيكون الجرح الاكبر، و رغم عنها ارجعتها ذكرياتها إلى يوم زفافهم،.

علت الزغاريد للمرة الأخيرة قبل ان يغلق الباب بتنهيده خلف والدته و والدتها لا يصدق انه سيبقي بمفرده معها، اما رحمه فقد التفت تتابع شقتها المزينة و تمنت في تلك اللحظة وجود والدها رحمه الله، ولكن ما باليد حيله، و ربما كان حزنها و ذبولها من بعد وفاته سبباً في موافقه والدتها على زواجها من عبدالله رغم انه لا يتوافق مع المواصفات و المؤهلات الدراسية المطلوبة بالنسبة لها، ليس و كأنها من ارستقراطية البلد فهم مجرد اسره متوسطة الحال لها احلامها تتمني تحققها سريعاً، ولكنها لن تلومها فكل ام ترغب بالأفضل لأطفالها، وهي متأكدة ان زوجها قادر على كسب ودها مع مرور الوقت يكفي حسن خلقه و شهامته و حبه لها، ولا شئ اقوي من الحب كما كان يقول والدها دائما، فرطت دمعه بتمرد فسبقتها اصابعه تمسحها وقد عاد جوارها قائلاً:.

-بتعيطي ليه يا عبيطة؟ اوعي تكوني خايفة مني و النعمه اجبلك امك؟!
خرجت ضحكه صغيره وهي تمسح وجنتها قائلة:
-لا مش خايفه انا بس افتكرت بابا الله يرحمه!
قرر مشاكستها لاخراجها من اجواء الحزن فحرك رأسه غامزًا:
-مش خايفه يا سوسه وانا اللي فاكرك مؤدبه!
-ايه ده في ايه؟! ما تتلم يا راجل انت!
خرج ردها بعفويه و ذهول، فملئت ضحكته المكان قبل ان يضمها اليه يقبل رأسها ليقول:.

-ايه حرام اهزر مع مراتي! اديني فرصتي بقي انا لحد دلوقتي مش مصدق ان امك وافقت على الجوازه، ارحميني!
رمشت بحرج لتجيب:
-ليه يعني ما انت زي الفل اهوه، اصلا هي بتحبك يابني بس عندها مشكله مش بتعرف تعبر!
رمقها بطرف عينيه ليجاريها:
-على يدي ياختي!
قرصت جانبه بدلال فدفع جبينها بجبينه بخفه قائلاً:
-المهم دلوقتي احنا بنتكلم عن امك ليه معلش؟!
ابتسمت بخجل وهي تعبث برابطه عنقه سعيدة بتفادي الحديث عن والدتها لتردف:.

-انا عارفه، اسأل نفسك!
انتقلت عيناه بتوق تلتهم ملامحها، مرر ابهامه على وجهها، ومال لخطف شفيها بشغف لكنها ابتعدت بخجل قائلة:
-ااستني!
-ايه تاني؟
-احنا لازم ناكل و نصلي ماما قالت كده!
فرك رأسه و وجهه بقوه قبل ان يتنهد باستسلام قائلاً:
-اتفضلي نتوضا و ننجز بقى هاه ننجز!
حركت رأسها من اعلي للأسفل وهرعت للغرفة كي تغلق الباب خلفها، فاتبعها سريعا قائلاً وهو يمسك الباب:.

-حيلك حيلك وانا هغير فين ولا هصلي بالبدله و الشراب اللي عفن من فرهده الفرح!
انكمشت ملامحها باشمئزاز لكنه نجح في التخلص من توترها فقالت:
-بالله عليك في حد في الدنيا يبدأ حياته الزوجية بالكلام ده!
تأفف بمرح وهو يتخطاها لإحضار ملابسه ليقول:
-انجزي يا ام نص لسان غيري و خلينا نصلي عشان نبدأ الحياة الزوجية اللي قربت افقد الامل فيها دي!

وبالفعل ما ان انتهيا من اداء الصلاة حتى املت عليه وصيه والدتها الثانيه و اوصلها لمائده الطعام َلكنها لم تخطف سوي لقيمات صغيرة فقط لأضاعه الوقت، لاحظت حماسته و نظراته المترقبة لانتهائها فاحمر وجهها متسائلة:
-مش هتاكل؟
-لا شبعان، كلي بس انتِ و رومي عضمك عشان البلاوي السوده اللي هتحصل!
حمحت و ابتعلت بصعوبة لتستكمل بخفوت:
-بطل رخامه، انا اكلت خلاص!

اتسعت ابتسامته وامسك يدها يشدها و جذبها خلفه سريعاً نحو الغرفة فهتفت بتوتر:
- في ايه، براحه هتوقعني!
-ايه يا قلبي انتِ، هو مفيش ادني مشاعر!
قالها وهو يستدير نحوها بتأفف لتقول بعناد وهي تعقد ذراعيها:
-لا مفيش!
-طيب مفيش ادني احساس بالمسؤولية؟
قالها بمرح و حاجب مرفوع فكبتت ابتسامه قبل ان تجيب بذات المرح:
-تؤ مفيش!
اقترب يضمها و حرك حاجبيه بمشاكسه متسائلاً:
-طيب و كده!
ضحكت وسط محاولاتها للابتعاد مجيبه:.

-لا بردو!
حاول تقبيلها فابتعدت هاتفه:
-استني!
اعادها لأحضانه باعتراض من كلاهما تاه بين شفتيهما، طوقها بين ذراعيه بحراره و ضمها لصدره يغمرها بحبه حتى تلاطمت انفاسهم بقوه اهتياج مشاعرهم، طافت يداه تلامسا جسدها الغص الذي يثير جنونه، و شغفه، ليتوهان بمتاهات الغرام، و تقف الكلمات عاجزه عن وصف روعه طقوس عاشقان غارقان في بحور مظلمه وكلاهما للأخر طوق النجاة،.

اجفلها السيل المنهمر من عيونها واخرجها من ذكريات صارت تطعنها، غير منبهه لجوز العيون امامها والتي توازيها حزنها و تكاد تنضم إليها قهراً ليقاطعهم المأذون:
-إمضاءك اذا سمحتي!
دفع بدفتر امامها مشيرا لرقعه بيضاء فارغه منتظرة خطوط بحروف اسمها، ارتعشت شفتيها وجففت عيونها لكن دون جدوي، رفعت انظارها ترمقه مره اخيره بنظرة تملئها خيبة الامل و الضياع قبل ان تغمض جفنيها وبنفس عميق وقعت عليها...

نفرت عروقه برفض و صرخ قلبه الماً وهو يتابعها ترثي حبهم، كيف يتركها؟ كيف يستمع لها حتى وان كانت تطلب الطلاق فكل ذره بجسدها تنتفض و تصرخ بلا...

إذن هكذا يعتصر القهر القلوب، شعور موحش موجع لا يرحم، خيم الوجوم وجهه غير آبه للمأذون المتكلم معه و رفضت عيناه اطاعته والابتعاد عن صوره وجهها الحزين وبعد ثوان انتقلت عيناه إلى قطعه الورق الملقاة امامه و المحددة لمصير قلبيهما، مرر اليه المأذون القلم وارتعشت اصابعه وهو يلتقطه، علت انفاسه تماماً كأنفاسها المضطربة، ساد الصمت الحذر المكان وتأهب جسده لكل ما هو حوله حتى شهيقها المكتوم صار يسمعه، التقت اعينهم بعتاب تصرخ عيونها باتهام وتخبره بأنها تخلي عنها حين حان الوقت و لمر يرد لها ما فعلته من قبل، ليعيده قلبه إلى موقف واحد...

دلف إلى المنزل بعد يوم شاق من العمل، فاستقبلته رحمه كالإعصار الأهوج، ضحك وهو يضمها ويتراجع خطوتين من قوة هجومها قائلاً:
-لا لا متقوليش اني وحشتك للدرجه دي، ده انا متأخرتش حتى!
اجابته بابتسامه واسعه وهي تتعلق برقبته:
-لا طبعا موحشتنيش للدرجه دي!

لوي فمه ساخراً:
-طيب اكدبي عليا، اخدعيني و استغلي الموقف!
ضحكت وهي تتقافز بحماس بين ذراعيه فتساءل:
-يا ماما اهدي وبعدين طالما مش وحشك فهميني اي سر سعادتك و حماسك ده؟
-جالي وظيفه احلامي، من بكره هبقي في المركز الاداري للشركة!
اتسعت ابتسامته تدريجياً بفخر ليقول:
-يابت اللعيبة، الف مبروك!
ضمها إليه فبادلته العناق قبل ان تهتز ابتسامتها لتقول:
-انت مبسوط عشاني صح؟
اجابها سريعاً:.

-اه طبعا، أيه السؤال السخيف ده؟
-اصل في حاجه تانيه..
-حاجه زي ايه؟
ارتفع حاجبه متعجباً من توترها قائلاً:
-ماتتكلمي في ايه؟
-اصل الوظيفة في محافظة تانية، بس دي نقله كبيره لينا انا هاخد مرتب الضعف وحياتنا هتبقي احسن!
ازال ذراعيه من حولها ببطء و راقبت الجمود يغطي وجهه فأكملت بخفوت:
-هيبقي في مشكله؟
طالعها ثانيه قبل ان يخفض انظاره قائلاً:
-مش عارف، انتي رأيك ايه؟ هينفع تسافري و تسبيني هنا؟

اسرعت بالإجابة وهي تضم كفه بين كفيها:
-انت ممكن تدور على شغل هناك بردو، انت شاطر واكيد هتلاقي شغل بسرعه!
ابتسم بتهكم ليقول:
-تفتكري واحد معاه اعداديه هيلاقي شغل بالسرعة دي، انا لولا خالي معلمني الصانعه دي كان زماني ضايع، انتي فاكره ان من السهل الاقي شغل..
استدار وهو يفرك جبينه بتعب مستكملاً:.

-بالنسبه ليا شغله زي اللي انا فيها دي اعلي حاجه هوصلها، مرتب ثابت و في مكان محترم و تأمينات و كلام ولا في الشغل الحكومي، يعني لو سبته و دورت على شغل جديد عمره ما هيكون كده!
اقتربت منه تضمه وتسند رأسها على ظهره متسائلة بصوت يقطره الاسي:
-يعني مش هينفع؟

التفت بتروي يعدلها بين ذراعيه ويزيد من ضمها اليه قائلاً:
-القرار ده مش بتاعي انا مقدرش اقولك اهدمي نفسك عشاني انا عارف ان ده حلمك من يوم ما اتقدمتي على شغل الكول سنتر في الشركه دي ومقدرش اقولك ضيعيه، لكن،
رفعت وجهه تطالعه منتظره تلك اللكن فاستكمل بلهجه مهزوزة:
-لكن انا مقدرش اسيب هنا و اجي معاكي، ومش عارف هتتظبط ازاي او لو في امل تتظبط اصلا!

اغمضت عيناها و اعادت رأسها على صدره باستسلام وعقلها غارق في تحليلاته و معادلاته، وضع ذقنه على رأسها غارقاً في حزنه ان قررت الابتعاد وساد الصمت بينهما فقط دقات قلبيهما و صوت انفاسهم ملئ المكان، مر الوقت وهم على هذا الحال قبل ان يسعل بخفه قائلاً:
-انا هدخل اغير!
-وانا هجهزلك الغدا...
عرضت فأجابها برفض:
-لا انا مش جعان دلوقتي، انا هسيبك تفكري و تقرري هتعملي ايه...

لاحظت تفاديه لعيناها و لون وجهه المخطوف و بحنان عاشقه لم تتحمل وجعه، اوقفته بابتسامه صغيره راميه بالعقل وأفكاره إلى الجحيم مقرره انقاذه من اضطرابه قائلة:
-مش محتاجه تفكير اكيد هفضل هنا معاك، الشغل طالما جالي مره هيجيلي الف مره لكن انت مش هعوضك في حياتي!، كوني اني بصحي في حضنك كل يوم الصبح دي بالدنيا و اللي عليها!

اتسعت ابتسامته تدريجياً قبل ان يرفعها بين ذراعيه و يغرق رأسه في رقبتها يستنشق عبيرها وقد ملى الرضا و السكون قلبه وعاد للحياة...
قبل رقبتها مره قبل ان يتجه نحو ثغرها فيخطفها في قبله ناعمه طويلة استمرت حتى تهدجت انفاسهم، مرر انفه على جانب وجهها بتوق عاشق ليقول بصوت آجش:
-انا بحبك اوي و عارف انك احسن حاجه حصلت او ممكن تحصل في حياتي!

مررت اصابعها بين خصلاته خلف رأسه لا تزال مغمضة الاعين، وقالت بين ابتسامتها الرقيقه:
-انا بحبك اكتر!
-اقسم بالله انا اللي بحبك و بموت فيكي!
هربت منها ضحكه خافته لتجيب بنصف عين:
-عبدالله كده هقلق عليك الرومانسيه دي خطر على صحتي و هتعبك معايا بعد كده!
لامس انفها بأنفه بعشوائية اغرقتها في ضحكاتها ليجيب:
-انا اسف يا روحي اني رومانسي، بس متزعليش بعد كده وتقولي مش بتحبني!

كتم اعتراضها المرحه بشفتيه مره اخري حتى انتهي بهم الحال ككل ليله بين ذراعي الاخر بابتسامه راضيه، و قلوب مغموره بحب و اكتفاء و هناء...

-يلا يا حبيبي امضي اللي مش باقي عليك متبقاش عليه!
اخرجه من اعمق ذكرياته صوت والدته الذي استطاع لمح نبره الحزن به على حاله ولكنها تخفيه بقوه مزيفه انتهجتها وقاية من حماته العقربة على حد قولها، فهي ترغبه قويا ليس ذليلاً امام غريمتها...


look/images/icons/i1.gif رواية أسانسير
  17-12-2021 11:57 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

-ضحكتيني و الله، امضي يا بابا خلصنا من الشبكه السوده دي!
اجابت والده رحمه بتهكم، فتجاهلها وعيناه تبحثت عن عيون زوجته امامه التي ترفض النظر إليه و جسدها ينتفض بين كل ثانيه والاخر من الكتمان، قرب القلم بأنفاس عالية، لكن دون جدوي رفضت اصابعه التحرك، حدقت به رحمه عندما طال الانتظار والتقت اعينهم ولم يخفي عليه شعاع الامل هناك و بدون اي تفكير رمي بالقلم بحده واستقام قائلاً:
-مش هطلق!

و بذلك هرع إلى الخارج، غير مبالي بالقنبلة المنفجرة بصوت والدتها العالي او والدته التي تتشابك معها دفاعاً عن حقه بزوجته و لكن صوت حذاء صغير يرعد خلفه هو ما خطف انتباهه، جذبت رحمه ذراعه تستوقفه خارج مكتب المأذون بقلب يتقافز متسائلة:
-افهم ايه من اللي بتعمله ده!
نفض ذراعه و ضغط على زر المصعد مجيباً:
-تفهمي ان انا مش هطلقك!
-يعني هتسيب شغلك؟
هتفت بانفعال مستنكره عندما طال صمته:.

-كنت عارفه انك مش هتسيبه وانا لسه على موقفي اتفضل طلقني!
قطع صوتها العالي و اجابته الحانقة صوت صفير يعلن عن وصول المصعد، فاستكملت:
-بقولك طلقني!
-وطي صوتك احنا يعتبر في الشارع
قالها وهو يضغط على ذراعها بغضب فاستكملت بنفس النبرة:
-مالكش دعوه، انا حره!
جز على اسنانه قبل ان يفتح المصعد ويدلف جاذبًا اياها خلفه فاعترضت:
-سبني متعصبنيش!
ضغط اول طابق بغضب ليتحرك المصعد و يقول:.

-عايزه ايه بقولك مش هطلق انتي مش بتفهمي!
دفعته وهي تحبس دموع الغضب لتجيب:
-ايوه مش بفهم والدليل اني اتجوزتك!
ضحك بتهكم ليقول بلا مبالاة:
-ماشي!
صفر المصعد ما ان وصل للطابق المنشود فأسرعت بضرب رقم أخر طابق مانعه اياه من الهروب، بالفعل تحرك المصعد لأعلي مره اخري وسط استنكاره لتصيح:.

-هو ايه اللي ماشي، بقولك طلقني انا لايمكن اعيش معاك وانت بتشتغل و متعلق بين السما و الارض، مش عايزه احبك و اصحي من نومي يقولولي مات!
-انتي اتجنيتي خلاص هتكفري، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، متفتكرنيش عبيط انا عارف ان امك اللي متخنه ودانك و مطوعاكي لكن فوقي بقي من الهبل ده!
هز جسدها غير مبالي بذراعه المتألم فقالت بضعف:.

-انا هبله يا سيدي، انا وحشه، لكن عارفه نفسي مش هقدر اعيش في أرق وقلق طول حياتي، لو بتحبني بجد طلقني!
اقترب يحتضنها فمدت ذراعيها تمنعه ولكنه اقترب رغماً عنها ليقول:
-افهميني ده شغل زي اي شغل في الدنيا يعني ممكن اشتغل على مكتب والسقف يقع على دماغي، دي اراده ربنا، انتي مؤمنه مينفعش تفكري كده حتى!
حاولت دفعه قائلة بلهجه مستهجنه:.

-و ربنا مقالش ارموا نفسكم في التهلكه و ربنا بردوا قال عيشوا بالمعروف وانا عمري ما هرتاح طول ما انت في الشغل ده، يا اخي كفاية انك كاسر نفسي و خاطري بتفضيلك لماديات عليا!
جز على اسنانه و انكمشت ملامحه بألم عندما اشتدت اصابعها على كتفه المصاب فتراجعت سريعا تبعد يدها قائلة:
-شفت، انا بتوجع في قلبي عشان انت بتتوجع، يعني انا هموت لو جرالك حاجه، انت حبك لعنه وانا عايزه انقذ نفسي منها!

تجاهل آلام كتفه واندفع بكل جسده يحصرها بين جدار المصعد و صدره، في الوقت الذي قرر المصعد الوصول للطابق مطلقاً صفيره المميز، فاندفع كفه بلا تفكير يضغط زر الهبوط ليقول بصوت غلبته المشاعر وهو يضع شفتيه على جانب وجهها:
-زي ما انا هموت لو سبتيني، ماهي دي لعنه بردو، انتي سارقه الحياه و النفس مني في بُعدك وانا عايش!
بكت رحمه باستسلام لتردف:.

-انت كداب، لو زي ما بتقول كده كنت اخترتني انا على اي حاجه في الدنيا!
قبل رموشها المبللة و رفع ذقنها رغم عنادها قائلاً:
-انتي اللي مش فاهمه اني ولا حاجه من غير الشغل ده!
علت انفاسها لقربه و هجوم شفتيه الناعم على بشرتها لكنها أكملت:
-زي ما انا ولا حاجه من غيرك، شوفت الفرق بين حبي و حبك ده لو كان موجد في قلبك!

قبل زاويه فمها ليطلق المصعد صفيره و كالعادة اسرعت يداه لإطلاقه من تلقاء نفسها قبل ان يغطي شفاها بشفاهه بجنون، و شراسه اذابتها بين ذراعيه، امسكت ياقته تقربه منها بشوق وهي تجذب نفس جميع محمل بعبق رائحته الرجولية، تحاربه في السيطرة على تلك القبلة و كل منهما يحاول اثبات حبه الاكبر للأخر...

في نفس الوقت بالخارج علا صوت احد السكان وهو ينادي حارس المبني الذي كان يصعد و يهبط بلا هوادة لا يدري ما يفعله لإيقاف المصعد الذي لا يتوقف وجن جنونه حتى انقطعت انفاسه:
-يا مرزوق هو في ايه بالضبط، الاسانسير متعطل بقاله ربع ساعه انا مش هطلع حداشر دور على رجلي...
اجابته المسكين بأنفاس متقطعة:.

-والله يا سعادة البيه انا اتقطع نفسي طالع نازل مش ملاحق اوصل للي بيلعب في الاسانسير ده و خايف يكون عيل صغير...
علا صوت نسائي من الطابق الخامس حيث مكتب المأذون فقال الساكن:
-اطلع شوف الصريخ اللي فوق ده يمكن المصيبة دي تباعهم، اتصرف يا مرزوق انا قرفت!
-حاضر، حاضر...

قالها بذعر وهو يصعد للشيخ صلاح خوفاً من ان يطرده السكان بسبب الاهمال إن كان طفلاً صغيراً، و ما أن وصل حتى رأي المصعد يهبط بجواره فلعن في سره حتى وصل إلى مصدر الضجيج فتساءل:
-حصل ايه يا مولانا!
-مفيش يا عم مرزوق، شجار بين اطراف الطلاق...
قال صلاح وهو يحاول التفريق بين السيدتان المشتعلتان وكلاهما ترغب في قتل الأخرى، عاد المصعد للصعود بجواره فتساءل بملامح منكمشة:.

-ابوس ايديكم قولولي مين بيلعب في الاسانسير!
اجابه محمود المطحون في المنتصف بين والده رحمه و والده صديقه:
-معلش يا باشا، ده واحد و مراته بيتصالحوا!
-يا مرزوق!
علا صوت الساكن من اسفل فهرع وهو يلعن اليوم الذي جاء به للعمل هنا متمتماً:
-الله يحرق مرزوق على اللي اخترع الاسانسير...

في الداخل كان الاثنان في حاله يرثي لها من المشاعر لا يدريان متي معني الاكتفاء من الاخر او قطع قبلتهم التي تحولت لصراع بين الأحبه، رن انذار الخطر بعقلها وهي تستشعر اصابعه الخشنة تلامس نصف جذعها الشبه عاري فضمت بلوزتها رغم اعتراضه تحكم اغلاق ازرارها بينما تركته ينهال من رحيق فمها كما يشاء متناسيان المصعد للحظه واحده ولكنها كانت كافية ليفوت الاوان!

-انت يا زفت، طلع في ايه مجنن الاسانسير كده؟
قال الساكن بغضب ليجيبه حارس البناء:
-ده واحد و مراته بيتصالحم يا باشا!
رمش الرجل بذهول ليجيب:
-بيصالحها ازاي؟ وفين في الاسانسي؟! خلاص ضاقت بيهم الدنيا!
احمرت وجنتي مرزوق و اجابه مدافعاً:
-دول بيتخانقوا ربنا يهديهم و يبعدهم عننا!
لوي الرجل شفتيه و كاد مرزوق أن يستكمل دفاعه قبل ان يقطعهم وصول المصعد امامهم أخيراً و تلك المرة توقف بالفعل وانفتح الباب!

تجمد عبد الله و رحمه ونظرا بجوارهم بصدمه للرجال المحدقين بهم بذات الصدمة، ...
فتسمرت غير قادره على دفع جسده الملاصق لجسدها بمجون،
مرر الساكن عيناه عليهما من اعلي لأسفل متوقفاً عند وجهيهما الاحمر و الملطخ بأحمر الشفاه في بعض المناطق قبل ان ينظر لمرزوق بجواره ساخراً:
-الخناقات اتغيرت اوي يا جدع!
اخفاها عبدالله خلفه بحرج حتى تعدل من ذاتها ثم قال بكل عفوية:
-طبعا انا لو حلفتلكم انها مراتي مش هتصدقوني!

لوي الرجل شفتيه بسخريه بينما جحظ مرزوق عيناها، فدفعته رحمه معلنه انتهاءها، امسك يدها وتخطاهم سريعا، و ضرب الرجل كف على كف و كأنهما مراهقان تم القبض عليهم بالجرم المشهود و ليسا رجلاً و زوجته!
كادا ينجحا في الهروب من المبني أجمع ولكن صوت صراخ والدته الحاد اوقفه، عادا للداخل فوقف مرزوق امام المصعد متأهب للمحاربة و لكنها استخدما الدرج دون النظر إلى وجهه المستنكر!

وصل عبدالله اولا ليجد والدتها تخنق والدته بحجابها و الثلاث راجل يبعدون تلاحمهم دون جدوي، اقترب يدفعها بعيداً عن والدته ليصيح:
-ايه الجنان اللي بتعملوه ده طيب احترموا اننا في الشارع و وشط ناس فضحتونا!
صعدت رحمه لتجده يصيح بوالدتها المنزوية بالحائط والتي ما ان رأت ابنتها حتى انهمرت ببكاء مزيف قائلة:
-شوفتي اللي كنتي بتعيطي عشانه وهتموتي عليه بيزوق امك و بيمد ايده عليها ازاي!

اتخذ خطوه مهدده تجاهها بذهول هاتفاً:
-انا مديت ايدي عليكِ، عيب تبقي ست كبيرة و في السن ده و تكذبي!
اوقفه جلال و محمود وكلاهما يتحدث لتهدئته فجاءته الرد من رحمه التي هتفت:
-احترم نفسك لو سمحت ومتكلمش امي كده!
-انا محترم غضب عنك!
صاح بغضب فجذبتها والدتها نحو الدرج هاتفه بشر:
-ما تعليش صوتك عليا انا وبنتي ولا عشان ستات لا يا حبيبي فوق لنفسك...
حاولت رحمه تهدئتها لتصيح بها:.

-بس اخرسي وليكي عين تتكلمي مش كفاية مجايبك السودة من الاول، هي كلمه واحده اول ما تطلقي منه تتجوزي سعد ابن خالتك ده برقبة عشره زيه!
صعقته كلماتها فدفع عبد الله بأصدقائه و تبعهم يوقفهم بصوت ارعد المكان:
-سعد ده ايه اللي تنجوزه يا وليه يا مجنونه دي مراتي ولسه على ذمتي!

انفعلت رحمه التي اصبحت منقسمه بين غريزة الابنة التي تناصر والدتها و غريزة العاشقة التي تحارب لنصر عاشقها ولكن الأبنة انتصرت بقله حيله حينما اعلنت تصديها لأهانته بإهانة مماثله:
-انت قليل الادب، واضح ان اختياري من الاول كان غلط بجد...
صعق لثوان قبل ان يقابلها بتلك بنظراته المرعبة ليقول بتهكم:
-تصدقي صح، و عارفه ايه كمان، انا قدرك الاسود و طلاق مش هطلق واعلي ما في خيلك اركبي أنتِ، وامك!

علا صوت والدتها بكل ما تعرفه من اهانات لم تتوقف، فتجاهلها و جذب والدته معه للرحيل ثم اجابها وهو على اول الدرج:
-انا مش هرد عشان شكلك خرفتي على كبر، يا شيخه كفايه خراب ارحمينا!

اختفي بذلك عن انظارهم فضغطت رحمه بكفيها على عيناها قبل ان تنهمر في البكاء، تشعر بالضياع رجعت لخانه الصفر بعد أن كان عذابها سينتهي، خطوه واحده كانت تنقصها، حتى انها شعرت بزوال الغيمة بينهم و كادت تتذوق طعم السعادة على طرف لسانها ولكن على ما يبدو فإن القدر يرفض تلاحمهم و العودة سوياً، ضمتها والدتها تربت على كتفيها لتقول:
-ولا يهمك منه بكره هيطلقك و رجله فوق رقبته وهجوزك سيد سيده!

هزت رأسها بالنفي لتتمتم بخفوت:
-انا بحبه يا ماما و مش عايزاه يطلقني ولا عايزه سيد سيده انتي ليه بتعملي كده!
شهقت والدتها مستنكره:
-نهار ابوكي اسود دلوقتي انا الغلطانه يا بت و انا اللي خاربه عليكي والله عال يا ست رحمه!..

تركتها بغضب فمسحت الابنة دموعها بتعب، انتبهت اخيرا لوجود المأذون و محمود اللذان يتابعانها بشفقه، فرفعت انفها بتكبر و اتبعت والدتها بخطوات واثقه وقلب يصرخ الماً، وبعقلها الف سؤال و سؤال...
كيف تتعامل مع أمها كي ترضيها وتقنعها بأنها غيرت قرارها حتى لا تزيد من صب البنزين على النار؟
كيف تمحي اهانتها واهانته؟
فهي لا تستطيع ان تقلل منها امام الجميع كما لا تستطيع ان تتركه وتعيش بدونه!


look/images/icons/i1.gif رواية أسانسير
  17-12-2021 11:58 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

اشعل عبدالله سيجارة يحرق بها تفكيره المتواصل، لا يزال في قوقعه صمته بعد مرور عده ايام على ما حدث و تائه في خططه لكيف سيسترجعها، لا يزال كلام والدتها عن وجود رجل اخر يطعن رجولته ولكنه سيكون احمق ان تركها تفسد حياته مع زوجته حتى وان كانت بحاجه خاصه لأعاده تربيه وهو الامر الذي لن يتأخر به ما ان تعود اليه، ليعلمها كيف تهينه امام الجميع، زفر بتعب وهو يفرك عيناه بعد أطفأ السيجارة التي اخذ منها نفس واحد، وقرر الاتصال بها...

فقد مر وقت كافي ليهدأ كلاهما قبل الحديث كزوجين عاقلين لانه لن يتركها ابدا و هي لا ترغب في تركه اصلا فلما سوجد هذا الخيار بالأساس، ابتسم بسخريه نعم بسبب والدتها و والدته و تدخلهم، لكن امر والدته سهل وتم السيطره عليه بعد ان اقنعها برغبته بإكمال الزواج ويعلم انها لا تزال تحمل الحقد في قلبها لوالده رحمه ولكن سيكون عليها اعطائهم مساحه وعدم الاحتكاك بها حتى يدير احواله...

والان حان وقت انهاء الامر فهو يعشقها وهي تعشقه ذلك هو على يقين منه، خاصة وقد شعر بكل ارتجافه و انين فر منها وهي بين ذراعيه غير قادره على مجابهه حراره مشاعره...

امسك الهاتف مقرراً الاتصال بها فليذهب كبرياءه للجحيم، هي اغلي ما يملكه في حياته منذ ان وقعت عيناه عليها و عافر شهور طويله حتى يصل إلى قلبها ثم يخطفها حظه من براثن والدتها التي لطالما رأت فيه خائب الرجا الفاسد الذي سيحطم حياه ابنتها، وابداً لن يعطيها فرصه التشفي بهما، كاد يفتح الهاتف حين رن بيده، اجابه سريعاً:
-ايوه يا محمود، عامل ايه؟
حمحم الاخر قائلاً:
-الحمدلله يا ريس، انت اللي عامل ايه دلوقتي؟

ارتفع جانب وجهه ليقول:
-زي ما انت شايف..
-متقلقش ان شاء الله خير وربنا هيصلح الحال، انت ابن حلال وهي بنت حلال و بتحبك بجد...
اجابه بهدوء:
-انا عارف يا محمود!
تنحنح محمود فهو يعلم بحساسيه بأمر زوجته ولولا حاجته لشهود يومها لما علما بالأمر هو او جلال، ثم اخبره:
-والله ده في يومها فضلت تعيط وتلوم امها انها خلتها تتشاكل معاك...
لمعت عيناه برضا ولكن رجولته منعته من إكمال الحديث عن زوجته فأنهاه بقوله:.

-تسلم يا محمود معلش انا هقفل...

اغلق الهاتف وخبط به على كفه الاخر بتفكير، متأكد من حبها له وربما كان حبها هذا هو السبب بوجودهم في هذا الموقف فهي عنيدة لن تقبل سوي ان تكون اولي اختياراته ولكنها غبيه لا تعلم انها كل اختياراته وكل امر بجوارها غير موافى شروط منافستها، لكن مشكلتها انها لا تحسب حساب بأنه رجل بسيط لا يملك سوي كرامته ولن يقبل ان يكون عاله على زوجته، الموت في احدي تلك الحوادث اهون من ذلك...

جلست رحمه على ركبتيها فوق مقعد الشرفة مستنده على سورها تتطلع على الشارع اسفلها بحزن ووجوم، رفعت ملعقة من الشوكولا تلتهمها قبل ان تعيد انظارها تتابع المارة بملل، فدلفت والدتها تضرب كف على الأخرى بغيظ لتوبخها:
-بسم الله الرحمن الرحيم، عفريت قاعد في البلكونة، طيب اتكسفي على دمك ب الكحكه المنكوشه دي و ادخلي...

رفعت حاجبها بلا مبالاة فقد عمدت إلى تجاهل والدتها خلال تلك الايام الفائتة كاعتراض و محاوله لترتيب امور حياتها وابعادها عن قراراتها و خبايا عقلها حتى تفهم انها لن تترك زوجها وانه لولا كبرياءها الاحمق لكانت معه وبين احضانه في شقتهم منذ الازل، مسحت طرف فمها بقميص بجامتها المختلف تماماً عن سروال البيجامة الأخرى التي ترتديها فقط لتزيد من حنقها لتجيب:
-انا حره، واحده مكتئبه وعايزه تعيش حياتها يا ستي!

-كتك القرف، هتفضلي طول عمرك هبله زي ابوكي!
جزت على اسنانها ليعلو صوتها باعتراض:
-لو سمحتي متغلطيش في بابا الله يرحمه، الله ده حتى الميت ليه حرمته!
شوحت بيدها بلامبالاة متمتمه:
-بلا نيله مخدتيش حاجه منه غير المبادئ و النفخه الكدابه!
-ربنا يسامحك!
قالتها بغيظ وهي تحتضن علبه الشوكولا تكمل التهامها فهتفت والدتها منبهه:
-انا رايحه لخالتك عشان تعبانه شويه ساعتين و راجعه ولمي شعرك الزفت ده فضحتينا!

لم تجيبها واستمرت في الاكل، بعد دقائق مسكت هاتفها تطالعه بأمل وكأنها تحايل الحبيب ان يهاتفها ويرحم شوقها، انتفض قلبها باعتراض وبكل جنون شوقها و قلب يعلو دقاته بأذنها ضغطت على اسمه، ثوان مرت ليعيطها بأن الرقم مشغول، اغلقت و لوت شفتيها ربما هي رساله من القدر!، تنهدت ورمت به بجوارها وعادت تستند بجانب وجهها على السور تطالع المارة بحزن يمزقها!

جهز عبد الله فنجان قهوته وجلس يتربع الاريكة بتأهب وهو يرص سجائره امامه تمهيداً لحرقه الدم، رفع هاتفه للاتصال بها، كاد يضغط اسمها حين قاطعه القدر كعادته وهذه المرة كان جرس الباب، تأفف بحنق وفتح ليقابله رجل في الاربعين من عمره سمين نسبياً ومعه ملف في يده فتساءل:
-افندم، حضرتك عايز مين؟
اجاب الرجل بوجوم:
-انت عبدالله محمد الرفاعي؟
-ايوه انا...

-انا محضر من المحكمة ولو سمحت امضي هنا عشان تستلم الاعلان!
اتسعت عيون عبدالله بتعجب ليردف:
-اعلان ايه بالظبط؟
-امضي واستلم الله يكرم وهتعرف من الاعلان!
قالها الرجل بأرتباك فخطف الملف من يده يمضي ويسحب ورقه الاعلان منه متمتماً شكره...

اتسعت عيناه و علت انفاسه ولم ينتظره الرجل وهرب من امامه، مرت عيونه الحاده على الكلمات وكل حرف منها يمزقه، حتى وقفت عند جمله حطمت رزانته و هدوءه فخبط كفه بالباب بكل عنف يسب و يلعن و يتوعد زوجته المصون!

جذب مفاتيحه واغلق الباب خلفه بقوه اهتياج مشاعره، مقررا الذهاب اليها وقتلها هي و والدتها معاً في الحال، غير مبالي انه لا يزال بملابس البيت و المكونة من سروال قصير اسود يصل لركبتيه تقريباً و قميص قطني ازرق، استقل اول سيارة اجره امامه و زمجر بعنوانها...

استقامت تتمطاء بتعب فانحصرت انفاسها بصدمه وسعلت بقوه وهي تري معذبها يترحل من سيارة اجره امام منزلها، اتسعت اعينها ودارت داخل مقلتيها باضطراب هرعت للداخل امام المرآه تطالع هيئتها و بجامتها الغير متناسقة واسرعت بخلع النص العلوي ومسحت به وجهها تتأكد من ازاله اي اثر من الشوكولا، واكتفت بمنامتها ذات الحمالات الرفيعة بأسفلها، فكت شعرها المتكتل اعلي رأسها وفركته بقوة لكنها انتفضت برعب و هربت الدماء من وجهها عندما طرق عبدالله الباب بقوة مرعبه، تجمدت ثوان ثم هتفت مسرعة وهي تركض لفتح الباب:.

-ايوه ايوه جايه يالي بتخبط!
فتحت الباب فدلف مسرعا بأنفاس متصارعة واغلق الباب خلفه ابتعدت خطوه مصطنعة المفاجأة:
-عبد الله، انت بتعمل ايه هنا؟ فيه ايه بتخبط بفظاعه ليه كده!
تراجعت بخوف وهي تتابع نظراته القاتلة وعيونه الغاضبة وشهقت عندما امسكها من منامتها يجذبها نحوه صارخاً في وجهها باتهام:
-بتعملي فيا انا كده يا رحمه!
-انا عملت ايه مش فاهمه!
اردفت بارتباك وجسدها يكاد يرتعش ليهزها مره بعنف متابعاً:.

-بترفعي عليا قضيه خلع يا رحمه، ده انا هنفخ امك!
اتسعت عيناها بذعر وحاولت التملص منه لكنه اعادها امامه فقالت بهلع:
-اقسم بالله ما حصل انت اتجننت يا عبدالله!
عبث بجيبه لإخراج الاعلان فانفلتت من قبضته و ركضت حول الاثاث بذعر فهي تعلم ثقل تلك الفعلة على الرجل بصفه عامة و الرجل المصري بصفه خاصة، اتبعها بسلاسه و غضب وهو يلوح بالورقة امامها قائلاً من بين اسنانه:.

-وايه اللي انت كتباه ده كمان، اخاف الا اقيم حدود الله، ده انا هقيم عليكي الحد وهدبح زي بتوع داعش انتي و اللي لعبت في دماغك...
عاد التفت حوله كالثور الاهوج صائحاً:
-فينها امك! يا محترمه يا كبيره!
احابته وهي تنتقل خلف مائده الطعام قائله:
-ماما عند خالتي...
زم شفتيه و رمي الورقة ارضاً بأنفاس عالية هوجاء ليقول بحده:
-تمام خدي نصيبك انتي!

صرخت بخضه عندما حاول الامساك بها واخذت تركض يميناً و يساراً حول المائدة متذكره مناورات الطفولة مع والدتها للهرب من العقاب، الفرق ان في هذه اللحظة هي تحارب لإنقاذ حياتها فزوجها يبدو كمن تلبسه عفريت كاد يمسكها فأفلتت سريعا قائله:
-يا مجنون اسمعني الموضوع في حاجه غلط!

-ايوه طبعا الموضوع كله غلط اصلاً، بس انتِ صح شهر كتير عليكِ فعلاً انا معنديش نظر، فسيبيني اصلح غلطتي و اريحك، عشان انا مقبلش انك لا تقيمي حد الله و ساعتها هقتلك بأيديه دي وابعتك عنده!
ركضت بخضه عندما قفز نحوها واحتمت بقطعه اثاث اخري قبل ان يتبعها بالجانب الاخر يحاصرها فأجابت:
-يابني ادم اهدي و اسمعني، بقولك والله ما اعرف حاجه عن الموضوع ده!

-اومال القضيه اترفعت لوحدها محدش يقدر يتعامل في المحاكم غيرك...
شحب وجهها لحظه قبل ان تبعد خصلاتها للخلف بأصابع مرتعشة متمتمه بتفكير عالي:
-ماما! لا لا مش معقول!
قطع تفكيرها برده المتهكم:
-مانا عارف انه اكيد امك هي راس الحيه، اللي اقنعتك تروحي ترفعي القضية عشان يخلا الجو لعريس الغفلة...
صمت قبل ان يقترب منها مهدداً بهدوء ينذر بالشر:.

-لكن ده بعينك و بعين اتخن تحين في اهلك ومش هطلقك لو بموتي، يا عيله مفيهاش راجل بجد!
جزت على اسنانها وهي تبتعد عنه لتهتف بنفاذ صبر:
-افهم يا غبي تعبتني و بلاش قله ادبك، انا والله العظيم ما اعرف حاجه عن الموضوع ده!

دوت ضحكته الساخرة وهو يتبع تحركاتها لينتهي به الحال بظهر الأريكة بمنتصف الردهة وهي تبعد عنه بمترين خلف الأريكة المقابلة لها ليلعن تلك الموضة التي تلقي بالأثاث بمنتصف الطريق وتلك الأرائك الضخمة عديمة الفائدة، أعاد انتباهه للغضب بداخله ليردف باتهام:
-قله ادب هو انتِ لسه شوفتي قله ادب، بصي هبهرك بعون الله!
جحظت عيناها لتهتف:
-انت دماغك نشفه ليه بقولك مش انا مش انا!

-كفاية كذب بقي انتِ مش بتتعبي من الكدب وانا الحيوان اللي طول الوقت ده فاكرك ملاك وقال ايه بحبك يا عبدالله ولازم اطلق، و هموت من غيرك لو حصلك حاجه يا عبدالله، وفي الاخر عبدالله خد على دماغه و طلعتي عجينه من امك!

علت انفاسها بغضب احمر ولم تشعر بنفسها الا وهي تركض وتقفز نحوه صارخه بقوه كالهنود الحمر اتسعت عيناه بذهول وهو يري هجومها وتجمدت حركته حتى اصطدمت قوه جسدها الضئيل بجسده القوي ولكنه كان كافيا لقلب جسديهما معاً وللحظه شعر بالامتنان لتلك الاريكة خلفه، استلقي بشبه ميل على ظهره بينما تربعت هي فوقه ثانيه قبل ان تكمل هجومها بتكتيف ذراعيه بذراعيها هاتفه بحده:.

-انا مش كدابه بقولك وبحبك غصب عنك وعن عينك مش محتاجه تصدقني يا خاين يا جبان،
لم يبالي بوضعه وحرك رأسه بغضب دون ان يحرك جسده فيقع كلاهما ليقول مستهزئاً:
-أنتِ حوله هو مين االي خاين وخان الثقه مش انتِ!
جزت على اسنانها شبه متقافزه فوقه من شده الغيظ لتقول:
-انت اللي خاين طبعا لما في وقتها مقولتليش تغور الدنيا و كفايه عليا انتِ، صح ولا مش صح يا استاذ...

اغمض عيناه يتنفس بانتظام، يحاول كبح رغبه تتولد داخله بان يقلبها من عليه على الارض القاسيه و ينهيها بأحدي حركات المصارعة الحرة لكنها قاطعت افكاره بقولها:
-بص انا عارفه ان الموضوع يحرق الدم بس انت لازم تفهم ان من يوم ما بابا أتوفى وانا عامله توكيل قضايا لماما، انا مكنش فيا حيل او نفس اتابع حاجه كنت زي الميته وهي كانت وكيلي عشان تضمن حقي من ورث بابا اللي اتقسم بيني انا و اخواته...

قالتها بنفس واحد طويل ثم جذبت اخر خلفه لتستكمل بتعب وهو يتابعها بصمت:
-والله العظيم انا عمري ما اعمل فيك كده حتى لو انت ندل و جبان و اتخليت عني!

رمش وهو يتفحص ملامحها ليتبين كذبتها و لكن الصدق بعينيها اذهله لا يقوي على استيعاب قذارة والدتها لتفعل هذا دون علمها، انقبضت اصابعه وانبسطت بتوالي وكانه يمر بحاله عصبيه ما، ثم استقام بنصف جسده فجأه فشهقت بخضه وتعلقت برقبته خوفاً، فتح فمه للتحدث او التساؤل عن الامر اكثر، ولكن وجهها الملاصق لوجهه وعينيها التي تطالعه بلمعه وكأنها تنتظر شيء هو ينتظره اكثر منها بمراحل اشعله و شتت افكاره وبدون تفكير مال عليها يحتضن شفتيها بقوه، تسمرت بين يديه ثوان معدودة قبل ان ترتخي وتبادله قوه مشاعره، قبض على كتفيها يعتصرها اليه، غارقاً بنكهتها الناعمة الرائعه ثم انتقل شغفه إلى رقبتها العارية بأشتياق، حاولت التملص او الاعتراض حتى لكنه شل تفكيرها وهو يطبق على خصلاتها مبعداً رأسها للخلف ليستكمل صك ملكيته على طول رقبتها بكل خبرة و تأني يحسد عليه، طار عقله وهو يستمع انين استجابتها ولكن سريعاً ما شعر بجسدها يرتخي ويبتعد بثقل مريب، رفع رأسه نحوها ليجدها تجاهد لفتح عيناها الناعسة فتساءل:.

-مالك يا رحمه؟
حاولت هزت رأسها بضعف تنفي وجود خطب ما وبللت شفتيها وهي ترتمي في احضانه، فعدلها وهزها بذعر قائلاً:
-رحمه، رحمه فوقي يا حبيبتي!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 2 < 1 2 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1765 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1272 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1321 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1138 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2070 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أسانسير ،












الساعة الآن 02:46 AM