logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





17-12-2021 11:31 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10






t21977_8827

على الجانب الآخر من الدردشة جلس شاب متربع على فراش داخل غرفة أنيقة تعبر عن ذوق ساكنها البسيط و يمسك هاتفه يكاد يغرق فيه بعينيه، ضغط الشاب بكفيه على الأزرار بغضب وهو يتمتم :
-راجل!! لا ده انتي قليلة الأدب بقى!

ادخلت والدته رأسها من باب غرفته الموارب متسائلة بعدما سمعته يتحدث أثناء مرورها :
-انت بتكلم مين يا أمير!
أشار إليها أمير بكفه وقد احتقن كل وجهه و قال :
-الله يرضى عليكي يا امي،، سبيني دلوقتي عشان هتشل!

مصمصت شفتيها بغيظ و هي تدعي له بالهداية و غمغمت بصوت غير مفهوم :
-الله يحرق النت اللي هيضيع دماغك ما قولتلك اتجوز انت داخل على التلاتين سنه مفيش فايدة.
فصول نوفيلا أمير تيتا
نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

داخل برج سكني عصري الطراز في أحد الأحياء الهادئة بالقاهرة ارتمت روان صاحبة التسعة عشر عاما، ذات القوام الأنثوي المرسوم ببراعة رغم قصر قامتها على فراشها وأخذت تعبث بأزرار هاتفها بمهارة غير عابئة بتأخر الوقت واقتراب الفجر، ثم ضغطت زر الإرسال بحماسة:
-أنا شكلي بكراش على حد!

أرسلتها إلى صديقها المقرب أو ما تلقبه بال (بيست) والذي تعرفت عليه منذ ستة أشهر على موقع للتواصل الاجتماعي ولكنه أثبت أنه خير جليس لها و لهمومها، أخرجت لبانة كانت تمضغها و وضعتها على الطاولة الخشبية بجوارها ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة وردية عندما أتاها صوت رده السريع:
-يعني ايه بكراش دي لا مؤاخذة؟

ضحكت بشدة و استمتاع على سذاجته و وقفت تسير على أطراف أقدامها كراقصة باليه ماهرة لخارج غرفتها ثم إلى الغرفة الموازية لها حيث تنام جدتها ملاكها، ابتسمت بخفة بعد أن دثرتها بالفراش و شعرت بوخزه ندم لشجاراتهم التي لا تتوقف رغم أنها كل حياتها وهي بمثابة كل ما تملك في الحياة فكلاهما بائس خلق للتخبط في الحياة، حركت رأسها وعادت إلى غرفتها ثم أسرعت بالرد على ذلك المنتظر بنشاط على الجهة الأخرى من غرفة الدردشة الخاصة بهما:.

-يعني شكلي أعجبت بواحد!
تأخر الرد ثوان بعد أن رآها ثم أرسل:
-واحد راجل يعني؟
لوت شفتيها بسخافته وهي تسب غباءه واجابت:
-ايه السخافة دي، اكيد يعني راجل، ابو شكلك!






على الجانب الآخر من الدردشة جلس شاب متربع على فراش داخل غرفة أنيقة تعبر عن ذوق ساكنها البسيط و يمسك هاتفه يكاد يغرق فيه بعينيه، ضغط الشاب بكفيه على الأزرار بغضب وهو يتمتم:
-راجل! لا ده انتي قليلة الأدب بقى!
ادخلت والدته رأسها من باب غرفته الموارب متسائلة بعدما سمعته يتحدث أثناء مرورها:
-انت بتكلم مين يا أمير!
أشار إليها أمير بكفه وقد احتقن كل وجهه و قال:.

-الله يرضى عليكي يا امي، سبيني دلوقتي عشان هتشل!
مصمصت شفتيها بغيظ و هي تدعي له بالهداية و غمغمت بصوت غير مفهوم :
-الله يحرق النت اللي هيضيع دماغك ما قولتلك اتجوز انت داخل على التلاتين سنه مفيش فايدة.
ترك أمير الهاتف من يده و أشار إلى أذنه قائلاً:
- أنا بسمع على فكرة، وداني شغاله والله!
انكمشت ملامحها بغيظ وقالت وهي تخرج و تغلق الباب:
-طبعا بتسمع دبة النملة لكن اقولك خد الزبالة تعمل اهبل و تنزل تجري!

خبط أمير على رأسه وقال بصوت عال كي يصل اليها:
-أنا لسه سامعك والله و باخد الزباله كل يوم على فكرة!
ضحك عندما اتته وصله توبيخ عالية ثم اتبعه صوت إغلاقها لباب غرفتها، زفر وعاد للمجنونة التي سرقت قلبه قبل عقله و سيضيع معها ما تبقي من زهرة شبابه إن لم تتعقل قريباً، نظر إلى الرسالة الأخيرة وعاد غضبه سريعا فانطلق يراسلها بحدة:.

-و مين ده إن شاء الله ومن امتي بتفكري في الحب، انتي مش مصدعه اهلي بعبارة أنا لا أصلح للحب، إيه اللي جرا، العداد هنج؟!..
ارسلها وزفر مستكملاً ما لا يستطيع ارساله:
-ولا عشان ساكتلك وبقول هبلة، لا يا ماما متسحلش أنا ست شهور وراكي وتقوليلي بيست و مش بيست، بيست دي هناك في الكويت عند امك، أبو أم اللي يحبك ويفكر فيكي وفي تخلفك يا عرة!
أتاه الرد بعد مدة:.

-يا غبي مبقولش حب بقول اعجاب بس مش متأكدة لأنه انسان جد كده و رخم وانا بحب الهلس!

غامت عيناه بغيط وهو يقول بصوت عال:
-ااااه يا تربية واطية، بحبك ازاي فهميني، من بين كل الناس المتربية ليه انتي أقع فيكي، لا لا مش هدعي على جدتك الست الطيبة المحترمة اللي معرفتش تربيكي!

أمسك هاتفه وتراقصت أصابعه فوق لوحته قبل أن يضغط زر الإرسال:
-لا انتي مش معجبة بزفت، انتي بس بيتهيئلك...
أتاه ردها عبارة عن صورة لفنان ترتسم على وجهه ابتسامة صفراء بسخرية ثم أرسلت:
-روح نام يا أمير أنا مش ناقصة وانت مش متظبط انهاردة!
فرك رأسه بتفكير مقرراً أن الوقت قد حان لاتخاذ القرار الحاسم، حرك أصابعه ثم أرسل ينهي حديثهم:
-تمام يا روان، سؤال أخير؟
أجابت روان سريعاً:
-اتفضل...

تنفس بقوة و حزم ثم أرسل:
-احنا كده لازم نتقابل ونعرف بعض صح ولا ايه؟!

اعتدلت روان وعقدت ساقيها اسفلها بذهول لمطلبه واسرعت تحفر لوحة هاتفها بسرعة كهربائية:.

-نتقابل، أمير انت عيان، ده انت مكسوف تبعت صورة ليك من يوم ما عرفتك، أمير احنا بدأنا نتكلم فويس من اسبوع!
علت دقات قلبها فنهرت غباءها بتمتمتها:
-ايه يا مجنونه متنخيش لأي مخلوق متبقيش هبلة زي أهلك، خدوا ايه من الحب واحد في امريكا بقاله سنين ومسألش عنكم و التانية مع جوزها في الكويت و سايبة بنتها ومشافتهاش ولا سألت من ساعتها...

زفرت باختناق تحاول نسيان مجرى حياتها كطفلة تائهة تخلى عنها الأمان، التقطت هاتفها لتقرأ رسالته:
-بطلي برود، اعملي حسابك هنتقابل، عشان حسابك تقل معايا!
ضحكت بشدة واجابته سريعاً:
-أنا كلمتك يا ابني؟
اتاها رده:
-أنا مش فاهم انتي هبلة بجد ولا بتستعبطي، على العموم روحي نامي و بكره يحلها الحلال...
عضت شفتيها بمشاكسة وأخبرته أصابعها سريعاً:
-تصبح على خير يا مجنون...

اضافت زهرة بأخر رسالتها و انتظرته بترقب يراسلها فوراً:
-وانتي من أهل الخير...

تعلقت عيونها بالقلب البراق الذي أرسله بنهاية جملته كعادتها كل ليلة وتنهدت تحاول ابتلاع تلك الابتسامة التي تحتل كل وجهها بلا مبرر...

أطفأ أمير الهاتف و وضعه على الشاحن، وقد تعلم قيمة إبقاء هاتفه به طوال الليل منذ اعتاد التحدث معها، تنهد ولن يفكر بمتاهات باقات الانترنت الخاصة بشريحته والذي يدفع بها الكثير و الكثير دون تذمر رغم التهام الشركة المحتالة نصف ما يدفع لأجله...

افترش سريره بتعب و وضع يده فوق رأسه يحاول اتخاذ القرار الصحيح بشأن حبيبته وقرر النوم في النهاية باستسلام، على أن يحادث جدتها بالأمر و إخبارها بتغير الخطة، ابتسم وهو يتذكر أول لقاء له بها وشكر الحظ الذي جعل مكان عمله في نفس مبنى سكنها...

قبل شهور مضت، وفي صباح مشرق خرج أمير من المقهى المختلط الخاص به ونظر للديكورات البراقة بفخر حين قطع اندماجه صوت فتاة صاخب يأتي من المدخل الخاص بالمبني الذي بأسفله مقهاه واتبعه صوت سيدة مسنة توبخها، اقترب اكثر وهو يحاول السماع بوضوح لما يدور وقد تعجب لبرود ردود افعال البشر من حوله وعدم اكتراثهم للأمر، توقف في مكانه حينما ظهرت شابة متوسطة الطول تميل للقصر، رفيعة بشكل رشيق جذاب و ممتلئة في الأماكن الصحيحة، رمش أهدابه بأعجاب خاصة عندما رأي وجهها الأبيض المستدير و عيونها العسلية المرسومة بخط أسود فوق جفنيها...

شعر برأسه تدور وهو يراقب شفتيها الكشميرية اللون تتحرك وضاقت عيناه ببطء وهو يحاول تفسير النقطة اللامعة أسفل منتصف شفتيها، خرج من عالم أحلامها المراهقة على صوتها الصاخب:
-راح فين الحيوان ده، أنا منبهة عليه الف مرة يجي في معاده يوم السبت مخصوص كده الدكتور مش هيدخلني المحاضرة و هيخصم مني خمس درجات وقتي!..

تأففت السيدة المسنة وقالت بغيظ:
-ممكن توطي صوتك شويه انتي آنسة رقيقة مش بلطجية، حرام عليكي فضحتينا في الشارع...
زمت روان شفتيها بعناد و قالت بصوت عال غير مبالية بنظرات الناس من حولها:
-أنا حرة واللي مش عاجبه يغور في ستين داهية!
حاولت روان تحريك المقعد المتحرك المخصص لتنقلات جدتها الصعبة او البعيدة لكن الجدة أوقفتها بحدة قائلة:.

-ممكن تروحي انتي، أنا ست كبيرة اه بس مش مشلولة ولا الكرسي نساكي اني بمشي، يلا لو سمحتي شوفي محاضرتك وانا هستني السواق هنا...
-يووه يا تيتا ابوس إيدك متتعبنيش...
قالت روان بغيظ، فأبعدت الجدة انظارها وهي تعقد ذراعيها معلنة بحزم:
-اتفضلي أنا مش محتجاكي في حاجة...
زمت روان شفتيها بغضب وتركت المقعد لترفع ذراعيها لأعلى قائلة بحدة:
-خلاص براحتك، أنا همشي...

لم تجبها جدتها و تجاهلتها، فما كان من روان إلا أن أوقفت تاكسي بعناد و دخلت إليه وهي تقول لسائق وجهتها وفي نفس الوقت ترفع هاتفها لمهاتفة السائق المسئول عن توصيل الجدة و الذي تأخر عن موعده بنصف ساعه و يتحجج بالطريق منذ الأزل...

اقترب أمير الذي كان يراقبهم بهدوء من الجدة اللي ظلت تتابع ابتعاد حفيدتها بنظرة تملئها الألم وقال بلهجة مبتسمة:
-صباح الورد يا تيتا!
التفت الجدة اليه والتي تبدو في الثمانين عام تقريبًا و تبدو كنسخة من حفيدتها بملامح جار عليها الزمن، أخذت تتفحصه من اصبع قدمه إلى أعلى رأسه ثم ابتسمت بخفه مجيبة:
-صباح الخير يا ابني؟

-أنا لقيت حضرتك منورة الدنيا قدام الكافيه بتاعي فقولت لو واقفة مستنية حد ياريت تتفضلي تستني جوا...
قال بأدب بالغ وابتسامة لم تفارق شفتيه ولكنها هزت يدها برفض قائلة:
-لا مفيش داعي السواق على وصول...
-يعني مستخسرة تدخلي مطرحي الجديد بوشك المنور ده و اعزمك على كوباية عصير فرش يمكن اقدر اخدعك واطلع بدعوة حلوة منك!

ضحكت الجدة بطريقة مميزة ببحتها اللطيفة على الأذان، فتقدم أمير بثقة يمسك مقعدها ويدفعها نحو مقهاه قائلاً:
-طب والله العظيم أحلى ضحكة اسمعها في الدنيا و وشك ده هيكون فتحة خير عليا!
لم ترفض الجدة تقدمه ولم تندثر ابتسامتها ولكنها قالت بحاجبي مرفوعين و حماس بريء يسر الأعين:
-انت ولد شاطر، و لسانك جميل أنا متأكدة انك هتنجح في شغلك...

وبالفعل جلس معها أمير بابتسامة حقيقية وهو يطلعها على ديكورات المقهى و جلسا يتحدثا سويًا لأكثر من ساعة شعرت فيها الجدة بسعادة بالغه و انتعاش لهذا الاهتمام المحبب لقلبها، تنهدت الجدة وهي تطالع هاتفها وتعدل نظارتها ببطء ثم أومأت رأسها بأسي وخيبة أمل، قائلة:
-شكل سامي مش جي...
تفحص أمير ملامحها الحزينة وسأل:
-مين سامي ده ابنك!
نظرت له الجدة بعيون يحيطهم جفون منكسرة من شدة ما تتحمل وقالت بخفوت:.

-لا ده السواق، ابني طه في أمريكا...
نظرت بعيدا وقالت:
-أنا هطلع تاني لحد روان ما ترجع...
-روان دي بنتك؟
سألها أمير بتلقائية وحدسه يخبره بأن الفتاة الخلابة هي المقصودة بهذا الاسم، فهزت الجدة رأسها بابتسامة تكاد لا تكتمل و قالت:
-لا بنت ابني، حفيدتي روان، هي كل حاجة بقيالي من ريحة ابني...
انعقد حاجبي أمير بتعجب و سأل:
-ريحة ابنك؟ انتي مش قولتي انه في أمريكا، يعني ممكن يرجع صح؟
نظرت لأسفل وهي تجيب بتلقائية:.

-لا مش ممكن، من ساعة ما راح امريكا من سبع سنين وهو مالوش حس ولا خبر ده حتي طلق مراته بعد ما سافر غيابي...
ضحكت بسخرية وقالت بابتسامة تحارب بها الدموع بعيون أم متحسرة :
-راضي طول عمره كان بيكره امريكا وبيقول اللي بيروح هناك عمره ما بيرجع ولو رجع مبيبقاش زي الاول، بتكون خدت خيره خلاص!

ربت أمير على يدها بابتسامة حزينة و بكل ما يتملكه من طيبة انحنى عليها يقبل يدها بحب تربى عليه تحت جناح والدته منذ وفاة والده المفجعة من سنوات مضت وقال بمشاكسة:
-و مين راضي بقي اللي عيون تيتا بتلمع وهي بتتكلم عنه؟
ابتسمت الجدة و رغماً عنها سقطت دمعة خائنة وهي تجيبه:
-راضي ده حبيبي و جوزي الله يرحمه، زمانه زعلان مني عشان مرحتلوش انهارده زي كل أسبوع!
-لا بالله عليكي متعيطيش وتندميني إني سألت،.

ساد الصمت بينهما و أخذت الجدة تلملم شتات نفسها ولكنه لم يتحمل ووقف قائلا بحزم وهو يدفع مقعدها:
-طيب مقولتليش ليه من بدري كنت وديتك. ، مش مهم احنا فيها فين المكان بالظبط...
قاطعته الجدة بذهول:
-لا يا أمير مفيش داعي أصلا روان قربت ترجع...
وقف أمام سيارته وأخبرها بحزن مصطنع:
-تيتا متزعلنيش منك ولا انتي بقي مش واثقه فيا وخايفه اخطفك...

ضحكت الجدة تلك الابتسامة مرة أخري والتي داعبت أوتار الحنين في قلبه وقالت:
-بس يا ولد يا مجرم انت، حقيقي أنا حبيتك بجد، انت أطيب حد قابلته من فترة طويلة أوي، وتستحق بدل الدعوة ألف، ربنا يفتحها عليك في شغلك و يسعدك في حياتك يا ابني...
-تعالي ادخلك العربية وهحط الكرسي ورا..
قال بعفوية ففاجأته بقولها وهي تنفذ :
-أنا هقوم بنفسي، الكرسي ده أنا بحتاجه بس في المشاوير الطويلة لأني للأسف بتعب أوي...

ابتسم أمير برضا وساعدها على النهوض وبالفعل غابا سويا حيث مدفن زوجها غير واعي للعاصفة التي ستهب في وجهه حين يعود مع الجدة...
خرج أمير من ذكرياته على صوت إشعار من هاتفه فقفز من فراشه يجذبه من قابس الشاحن و وجد رسالة منها وقرأها ببطء وابتسامة مرتسمة على فمه:
-وحشتني مع اننا لسه قافلين، انا نايمه فعلاً، سلام نمت خلاص،.

تجاهل الوجه الاصفر و لسانه المتدلي بآخر رسالتها و أخرج الهواء من فمه تدريجياً وهو يخبط بالهاتف على رأسه بتعب متمتمًا:
-الله يحرق الحب و سنينه قلبي هيقف يا شيخة من تفاهتك أومال لو قولتيلي بحبك يا أمير هيحصلي ايه؟!

اما هي فابتسمت بسعادة محتضنه وسادتها وقد اعطتها تلك المحادثة طاقة إيجابية لا تحلم بها، انفرجت عيونها بعد لحظة عندما عاد عقلها لمن اختار قلبها الأحمق الإعجاب به، أمير، ذات الاسم و شخصيتان كشتان، فأمير عن أمير هناك فرق...

وقفت في المطبخ عاقدة ذراعيه تطالع الذي يقف بمطبخهم يطبخ لجدتها حساء وكأنه يملك الحق و يسرق مكانها في حياة الجدة ثم قالت باتهام و غيرة:
-لا بجد ما تيجي تريح جوا شويه، ايه الحشرية دي!
رمقها هذا الأمير المزعج بلا مبالاة وجفف يداه قبل ان يحاول تخطيها بتجاهل، اعترضت طريقة بوجهه احمر لتجاهله وقالت:
-في بيتي و كمان قليل الذوق لا حقيقي اسم علي مسمي..

ابتلعت لسانها وانحصرت انفاسها عندما تقدم منها بتحدي غير عابئ ان الفارق بينه و بين جسدها صار لا يتعدى سنتيمترات معدودة وهمس:
-انتي قولتي اهوه في بيتك، يبقي مين اللي قليل الذوق!
تعلقت عيونه بشفتيها اكثر من اللازم فدفعته بحرج واحمرت وجنتها بخجل قائلة:
-بتبص علي ايه يا قليل الأدب!
-علي الروج اصل ريحته حلوة أوي، مش انتي حطاه بردو عشان الرجالة تبص؟

طالعته بصدمة لوقاحته وقبل ان يجيب تركها وخرج من امامها، وقفت كالتمثال تحاول استيعاب إهانته عندما تفاجأت به يعود امامها مرة أخرى و بكل وقاحة التقى ابهامه بشفتيها السفلى يزيل بضعاً من احمر شفاهها، فرغ فاهها بصدمة واشتغلت النيران بوجهها عندما امتص ابهامه بين شفتيه الرفيعة المزينة بلحيه و شارب يضيفان عليه هيبه رجولية بحته، وقال بعيون غائمة نجحت في سبر أغوار عينيها:.

-كنت عارف انه بطعم الفراولة بس كان لازم اتأكد...
لعق اصبعه مرة أخرى تأكيدية ثم تركها و ذهب، تنفست بحده واستندت علي الحائط خلفها تحاول تمالك دقات قلبها مما فعله للتو...
عادت من ذكرياتها برفض و قالت بصوت عالي:
-لا إياكي و الحيوان ده أصوم و أصوم وافطر علي بصله!
وبذلك خبطت وسادتها في وجهها مقررة الاستسلام للنوم...
تااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية أمير تيتا
  17-12-2021 11:32 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

في الصباح التالي وقف أمير أمام المقهى يحاول تقرير اما ان يوقفها ويخبرها بأنه صديقها الافتراضي او ان ينتظر ذهابها لجامعتها و الصعود و التحدث مع الجدة بشأن خطتهم لتقويمها، اخذ يقترب من مدخل المبني بتردد ليعود لمقهاه مره اخري، طأطأ بنفاذ صبر، فقطع تفكيره صوت زئير محرك لدراجة نارية يمتطيها شاب يرتدي خوذة سوداء و حدس داخله اخبره بأن لفتاته المتمردة علاقة به، ضاقت عيناه عندما رأي باب المبني يفتح ببطء و تخرج روان بكامل تجهيزاتها الغانية، جز علي اسنانه وهو يتفحص التربون الاحمر اعلى رأسها وتلك الخصلة الهاربة منه على جبينها و الرأس اللامع اسفل شفتيها فيما يعرف ب (البريسنج) ثم نزل بأنظاره لرقبتها و لمح وشم أسود يشبه الطيور يزين بشرتها ناصعة البياض، علت انفاسه الغاضبة وهو يتابع النزول بأنظاره فوق جسدها ليصل إلى سروالها الجينز الممزق من الركبتين و كاد يذهب ليشكرها على كرم اخلاقها لأنها تذكرت ارتداء شيء أسفله وأخيراً وصل لقدمها المزينة بخلخال فضي و سب السروال المثني لأبعد من كعبها بشبر ولسان حاله يصرخ داخله:.

-يا وقعة طين على دماغك و دماغ اللي عايزين يحبوكي، اموتها واخلص من مسخرتها ولا اعمل فيها ايه دي؟..
راقبها تتوقف و تلتفت حولها وهي تبحث عن شيء في حقيبتها و تعجب لتلك الهالة البريئة التي تصر على الإحاطة بها ربما تعود لعيونها الحزينة رغم جنون أفعالها، قطع تفكيره الشاب الذي خلع خوذته و هتف:
-ما تنجزي يا روني اتأخرنا...

اتسعت عيون أمير وهو يري نفس الشاب الحقير الذي اوقعه القدر معه من قبل وكان السبب الرئيسي في اتخاذه قرار بالوجود في حياتها رغماً عنها وعن لا مبالاتها الساذجة، رمي أمير سيجارة كانت بيده و اخذ عقله يدور بفكرة يجبرها بها على عدم الذهاب مع الفتي التالف، تحرك نحوها وحاول ان يتجاوز الصبي العامل بمقهاه الذي يتفانى في رش الماء وكأنه اخر يوم له بالعمل، توقف مكانه و لمعت عيناه بفكرة فالتفت يجذب خرطوم الماء من يد الصبي المتعجب و بابتسامه ماكرة ضغط اعلاه بقوة فاندفع الرزاز نحوها مباشرةً...

شهقت روان المنغمسة بالبحث عن هاتفها و سقطت الحقيبة من اعلى كتفها عندما شعرت بالماء البارد يغرق ملابسها، قفزت للخلف وهي تصيح بالغبي صاحب المقهى الجديد والمصر على مرافقه جدتها وإظهار عيوبها كي يسرق حبها :
-انت اعمي يا بني آدم، غرقتني!
ابتسم باصفرار وقال بكل برود بينما يرمي بخرطوم الماء بجواره:
-اسف مخدتش بالي انك معديه!
وضعت يدها بجانبها متهمة:
-انت كداب، انت قاصد!
-ماقولنا أسف مخدتش متستفزناش بقي!

قالها بحده وهو يأخذ خطوة مهدده نحوها واستكمل:
-وبدل الوقفة في الشارع اطلعي استري نفسي بأي حاجه عدله بدل اللي مش لابساه ده..
لوحت بذراعها في وجهه مستهجنه :
-لا افهم كويس، مش معني انك قريب من تيتا هتدخل في حياتي الزم حدودك، يا محدود الفكر و الذوق...
-لا ده انتي لسانك اللي عايز يتغرق...

قالها وهو يلتفت نحو خرطوم الماء بتهديد فركضت للخلف وهي تهتف و تقذفه بأنواع السباب الذي يتذكره عقلها الشبه مصدوم من جنون افعاله، صعدت الدرج وهي تغمغم لنفسها بغضب:
-مش ده اللي كنتي عايزه تديله فرصه و معحبة بيه و مش عارفه تيجي سكه وبتأنبي نفسك عشان دبش معاه، اشربي بقي، اهو طلع عرة شبهك انتي و اختياراتك العرة!..
وصلت لشقتها سريعاً و دلفت وهي تصيح بمنتصف الردهة :.

-تيتا، اعملي حسابك تقطعي علاقتك بأمير السخيف ده...
خرجت الجدة بعد مده قصيرة وهي ترتدي نظارتها بخطوات مدروسة متسائلة:
-و ده ليه ان شاء الله؟ انتي مش بتسمعي الكلام و كمان عايزة تمشيني بمزاجك، والله عال!
ضربت الارض بساقها وهي تشير لملابسها المبللة:
-اتفضلي شوفي غرقني ازاي و كان عايز يتطاول عليا في نص الشارع بكل قلة ذوق...
جلست الجدة و رفعت انفها بكل ثقه لتقول:
-اكيد عملتي حاجه ضايقته!

-تيتا جرالك ايه، انا حفيدتك مش هو يعني تدفعي عني انا، الله، انتي من ساعه ما زفت ده ظهر في حياتنا وبقيتي كل يوم تنزلي عنده الكافي و هو يطلع عندك ببوكيه الورد البيئة اللي شببه و انتي بقيتي متغيرة ومش بتحبيني زي الاول!
قالت روان باتهام وهي تلقي حقيبتها أرضاً فعقدت الجدة ذراعيها بعناد وهي تنظر بعيداً قائلة:.

-انا بحبك اكتر من اي حد، و مش باقيلي خد غيرك و انتي عارفه كده كويس و عشان كده مجنناني و مطلعه عيني ومش بتسمعي كلامي ابداً!
زفرت روان بحدة وتلون وجهها بشيء من الحرج لكنها قالت بإصرار:
-ما انتي يا تيتا اللي عايزه تربطي حياتي بالناس بتقول والناس بتعيد، ومش فاهمه ان الناس اصلا شايفاني وحشه عشان بابا و ماما رميني فطظ فيهم و في رأيهم انا هعمل اللي يبسطني و اعيش حياتي واديهم سبب مقنع يتكلموا عنه!

نظرت لها الجدة بحده قائلة بعتاب:
-بقي اهلك عشان قاعده معايا؟ وبعدين ايه المبدأ الهباب ده من بين كل مبادئ الدنيا اخترتي اللامبالاة!
ألتوى جانب فم روان بتأنيب ضمير واقتربت من جدتها تحتضنها رغم عن مقاومتها الواهنة و قالت:
-يا تيتا مقصدش اصلا انا بحبك اكتر حد في الدنيا و عارفة انك بتحبيني انا كمان حد في الدنيا، بس دي حياتي والناس لازم تعرف كده!
تأوهت بخضه وابعدت ذراعيها حينما قرصتها الجدة القائلة بغيظ:.

-ولما انتي عارفه مجنناني و عماله لا يا تيتا انتي بتحبي امير وانا لا وبلا بلا بلا، مش طايقه الراجل ليه فهميني؟..
-اهو كده بيعصبني و خلاص!..

قالتها روان بتأفف وقد احمرت وجنتيها ترفض أن تعترف بأن نفورها مته عائد لإعجابها به و بحنان شخصيته فمن من ابناء جيلهم سيهتم بأمر بسيدة عجوز تتحرك اغلب اوقاتها بمقعد متحرك، اغرقها هذا التفكير بالأسى فمنذ رحيل والدها و والدتها لم يدق بابهم سوى اصدقائها المكروهين من جدتها بلا اي مبرر، فجميعهم مساكين لكل منه حكايته المأساوية، قطعت الجدة تفكيرها بقولها:
-انتي كده خلاص مش هتروحي الحفلة دي؟

شهقت روان بهلع وقد ذكرتها جدتها بمخططاتها و قالت سريعاً:
-يا نهاري رامي مستنيني انا لازم اغير هدومي بسرعة!
هرعت للداخل متجاهله اعتراضات و دعوات جدتها على خياراتها من الأصدقاء و على ذلك الجيل بأكمله..

اما في الأسفل ما ان اختفت روان عن مرمي انظار أمير حتي توجه للشاب الشبة المرتجف على دراجته وحين كاد يصل اليه ادار رامي المحرك واطلق العنان للدراجة منطلقًا بسرعة..!
-خد يا جبان، لو شوفتك هنا تاني مش هرحمك، انت سامع!..
هتف أمير بغضب وزفر بحده لهروبه، كان يظن انه سيخشي الاقتراب منها مرة اخري بعد ان اكتشف لعبته القذرة، جز على اسنانه وهو يتذكر تلك الليلة القبيحة منذ سته أشهر...

-يا تيتا ممكن تهدي، متقلقيش انا واقف تحت اول ما تيجي هكلمها!
قال أمير للجدة على الهاتف وهو يجول لليسار واليمين على الرصيف امام المبنى دون توقف ثم استكمل بعد ان استمع لحديثها:
-لا انا متأكد انها مطفشتش ولا حاجه، هي حيوانه اه بس متقدرش تعمل فيكي كده، وانا بوعدك يا ستي لو في خلال ساعه ما جتش هقلب الدنيا واجبهالك من شعرها!
صمت يستمع اليها ثم تنهد قائلاً:.

-اهدي عشان خاطري و ثقي فيا، اقولك انزلي اقعدي معايا نستنوها سوا.
صمت ثم قاطعها برفض لايزال يتعجب من موقف حفيدتها العدائي ناحيته كلما رأته خلال شهور تقربه القليلة من الجدة والذي صار بسببها يعرف اكثر ما ينبغي عن حياتها وحياة حفيدتها :
-لا بتشوفني عندك بيركبها مية عفريت بلاش تزودوا خناقاتكم بسبب وجودي كالعادة...
تنهد ثم قال بعد ثوان:.

-خلاص حاولي ترتاحي انتي وخدي الدوا و سيبي الليله دي عليا، مع السلامة...

اغلق الهاتف و اخفاه بجيبه قبل ان يزفر بحده و يفرك رأسه بتفكير في محاولة لإيجاد حل لتقويم تلك الفتاة الملعونة، دخل إلى المقهى يلبي نداء أحد العمال وعقله مشغول بها، دقائق و عاد للخارج على امل عودتها فلمح صديقها الاخرق صاحب الدراجة النارية يقف عند مدخل الباب، بزخ الأمل داخله بانها قد تكون عادت معه، فرفع هاتفه سريعاً يهاتف الجده و سأل ان كانت قد صعدت لكنها اجابته بالنفي، برر سؤاله بانه دخل للمقهى دقائق و رغب في الاطمئنان إن كانت قد عادت، انهي الاتصال و عزم على التوجه للشاب الرفيع فارع الطول و هيئته المهملة بارتدائه سروال ثلجي اللون ممزق و مخجل من وجهه نظرة لا يليق بالرجال ويعلوه سُترة من الجلد الأسود بالكاد تصل إلى خصره بشكل مثير للاشمئزاز، التوت ملامح أمير وهو يقترب و يتفحص هيئة من تتخذهم روان رفقه لها وتثير جنون جدتها و العالم بهم، راقب انشغال الشاب بهاتفه وعندما اقترب سمعه يقول:.

-عيب عليك، ده انا بقالي تسع شهور بخطط للحوار ده، وبعدين بعد الصعبانيات دي كلها هتحن هتحن أنت عارف روان!
تجمد أمير في مكانه وقد علت ملامح الريبة محياه و اقترب يستمع بتأني لمحادثة اللاهي عن ما يدور حوله بحماقة ليصدمه الشاب بقوله:.

-لا هتدخل عليها انا اصلا قولتلها ان ابويا طردني انا وامي وان خالتي جوزها رفض يبيتني عندهم عشان بنته وهي أصرت استناها تحت بيتهم، مش بقولك قلبها ده نقطه ضعفها و قوتي عشان اوصلها يا ابني!
صمت الشاب غير واعي بمن يغلي و تفور دماءه بجواره وهو يستمع له بصدمه ثم علت ضحكة الشاب وهو يؤكد:
-طبعا تتصل تقولي صباحيه مباركه، دي جدتها نص ميته يا ابني مش هتحس بحاجه وانا قادر اخلي البت زي العجينه في، آآآآ...

انتفض الشاب بصدمه عندما اتته ضربه قوية خلف رقبته اطاحت بالهاتف من يده وحركت جسده خطوتين للأمام ولكن نفس اليد قبضت على رقبته تعيده مكانه فهتف بصدمه:
-انت مجنون يا جدع انت!
اشتعلت عيون أمير بنيران حامية وكاد يقذف الفتي بحمم بركانية من شده غضبه وأجاب:
-مجنون يا ازبل الناس يا عديم الرجولة، انت بتخطط تضحك على واحده كل مشكلتها انها طيبه و هبله يعني ياريتك فاكرها شمال يا ابن ال***!

حاول الفتي إبعاد يدي امير من حول عنقه بعنف وهو يصيح بتوتر:
-بنت مين؟! وبعدين أنت مالك هو انت قريبها!
-لا ده انت بجح ولازم تتربي!
قالها وهو يلكمه بيد ويمسكه بالأخرى يمنع سقوطه وفي نفس الوقت يحرك جسده في محاولة لتفادي هجوم الفتي العشوائي حتي تدخل مجموعه من المارة نجحوا في إبعاد رامي من بين براثن امير، ركض رامي يمتطي دراجته وهو يلقي السباب على أمير ويتهمه بالجنون حتي فر هارباً...

حاول امير التقاط انفاسه وهو يبعد الايدي المُلتفة حوله على امل تهدئته فهتف في حنق و ضيق:
-ما خلاص مشي، ابعدوا ايديكم عني بقي!
علت التمتمات من حوله و قال رجل يعمل بمتجر في الجوار:
-يا ابني عيب ده مكان عملك و هتقابل من الأشكال دي كتير بلاش تعمل لنفسك مشاكل و سمعه انك بتاع مشاكل!

هز امير رأس وحمد الله انهم لم يدركوا سبب الشجار فعديمة التربية لا تحتاج للمزيد من الاقاويل و الاتهامات، يكفي احكامهم المسبقة على أفعالها، ابتعد عنهم وهو يزفر ويستغفر الله ثم فرك رأسه بتعب وتساءل:
لما يهتم بها؟
نعم يعشق جدتها لكنه ليس مبرر لمحاولاته في التدخل بحياة الحفيدة ومعرفة كل كبيرة و صغيرة عنها؟
لما يصر على تنميه مشاعر مجنونة ترفضها رجولته الشرقية وتزيد من دقات قلبه المثيرة للشفقة نحوها؟

اخذ يجول بغضب امام المبني حتي صدح صوت رنين بمكان قريب من الشجار، تذكر سقوط هاتف الحقير وتوجه يرفعه ليقابله اسمها المضيء، جز على اسنانه حتي انهت مده الاتصال لكنها اتبعته برساله قادمة من احدي مواقع التواصل الاجتماعي ففتحها يقرأها:
-اياك تتحرك من مكانك، انت اقوي من كده بلاش تستسلم!
-اتلهي على عينك يا غبية!

قالها أمير باعتراض و صوت عال ثم اخذ يصعد بحريه في صندوق الدردشة الخاص بهم، ابتعد ما أن اطمئن قلبه بأنها قادمه و جذب مقعد يجلس عليه امام مقهاه ثم اخذ يتجول بين كلماتهم و ضحك بسخريه وهو يري حديث الشاب المسمى ب رامي كما يظهر في صفحته والذي يؤدي دور الحزين و التائه في الحياة بمهارة عالية، ترك صندوق الدردشة بعد فترة و فتح صفحتها الشخصية فقابلته صورة نصف وجهها، و تلقائياً ركز انظاره على رسمه عيناها مطولاً و على ذلك الخط الاسود الطويل الجذاب اعلى جفنها، تمردت دقات قلبه و تنهد يمقت ذلك الضعف الجديد المكتشف ثم اخذ يجول بصفحتها الافتراضية ليكتشف إنسانة أخري عكس ما تظهر في الحقيقة من جحود و لا مبالاة ففكر بسخرية إن كان الحزن و الشفقة هو السبيل لكسب ودها فهذا تماماً ما سيمنحها بشكل او بأخر تلك الفتاة ستكون له شاءت أم آبت، تذكر صفحة قديمة كانت له يوماً بنفس موقع التواصل الاجتماعي لكنه اهملها بعد ان قرر عدم الغرق في الحزن على فراق والده و قرر بعدها إنشاء حساب اخر كي لايري كل تلك الصور و المنشورات الحزينة الخاصة به، على امل دثر تلك الهالة الحزينة.

قطع تفكيره وصول سيارة و وترجل روان منها، تنفس بغضب وهو يراها تدور حول المكان ببحث عن صديقها الحقير، و رغب أمير لو توجه نحوها وصفعها على غباءها الذي جعلها مادة تجذب كل ما هو فاسد، لكن هو من يقدرها و يرغب في التقرب منها تتصدي له وتنفر منه كأنه الاحدب القبيح بهذا العالم فغمغم بسخرية:
-ولا هو لازم الفيس بوك عشان اعجب يا بنت الهرمة!

زفر بغضب و تابعها تصعد باستسلام ثم عادت لمعت عينيه وهو ينسج خيوط خطة جنونية، ابتسم بشيطانيه واخرج هاتفه يبحث عن حسابها الشخصي من جواله حتي وجدها، عاد لهاتف الشاب الملقي بجواره و تفاجأ بأن لهوه عنه اطفأ إضاءته و قفل الشاشة، لعن بصوت عال ثم ألقي الهاتف بغضب و غل بعيداً عنه، عاد لهاتفه ولوج إلى حسابه القديم وبعد ان تأكد من مسح الصور الخاصة به وجميع صلاته المباشرة مع أصدقاءه القدامى و تأكد انه اصبح مؤهل للاستخدام قام بأرسال طلب صداقة لها و رسالة محتواها:.

-خط الايلينر مش مداري حزن عنيكي على فكرة بس ده ميمنعش انك قمر!

ابتسم على طريقته المبتذلة في المغازلة و دعي الله ان تجيبه وان لا تحظره ما ان تري محتواها، انشغل في مقهاه نهاية هذا اليوم وما ان عاد إلى منزله حتي علا صوت هاتفه بأشعار، قذف بقميصه الذي كان يخلعه بعيداً وركض نحو الهاتف بابتسامة جانبية منتصرة و حدسه يؤكد له بأنها أعادت رسالته، لتكون تلك الرسالة بداية مشاعر مجنونه و علاقة حكم عليها تحمل غباء كلاهما..!

خرج أمير من ذكرياته على صوت الحارس وهو يضرب كف على كف ويقول لزوجته:
-الست لبني هتموت ناقصه عمر من حفيدتها دي، انا مطلع طلبات لشقه حاج مسعد جنبهم والتانين صوتهم جايب للشارع اللي ورا..!

احمر وجهه أمير بغضب و قد طفح به الكيل لحديث الجميع عنها و عن طباعها السيئة تلك الفتاة ستتهذب رغماً عن انفها الرائع المرسوم، أخذها درجتين درجتين في صعوده على الدرج حتي وصل إلى بابهم كاد يطرق عندما تكرمت هي بفتح الباب بنفس الثانية، عازمه على اللحاق ب رامي، ضاقت عيناه بغضب و وقفت روان تطالعه بأعين متسعه و حاجب مرفوع بتساؤل، لكنه انهي صدمتها بصدمه اكبر عندما أمسك ذراعها و دفعها للداخل ثم اغلق الباب بحده، دفعته روان بقوة وهي تعود للخلف هاتفه:.

-انت مجنون يا بني انت!
-ابنك! وماله يا اندر ايدج أيوه انا رفت مجنون، ايه انتي يا محدش مالي عينك مش همك اللي طالع واللي نازل بيتكلم عنك!
صرخ بها أمير و هو يقتحم مساحتها الشخصية و يجبرها على الزحف للوراء بذعر فهتفت هي الأخرى:
-انت ازاي تتهجم على بيوت الناس عيني عينك كده و بعدين انت مالك طظ في الناس اقولك طظ فيك انت كمان!
رفع كفه الأيمن يربت جانب رأسها باعتراض ثم قال من بين اسنانه بلهجه منذرة بالشر:.

-ما تتربي و قصري لسانك متخلنيش اخرب على اللي مربوكيش!


look/images/icons/i1.gif رواية أمير تيتا
  17-12-2021 11:33 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

خرجت الجدة سريعاً على صوتهم العالي فهرعت روان نحوها تحاول اخفاء خوفها منه و من ملامحه الغاضبة بقولها:
-اتفضلي يا تيتا شوفي الاستاذ اللي دخلتي بيتنا داخل يتهجم علينا ازاي!
ضرب كف على الاخر وهو يلعن بصوت عالي معترض، فتدخلت الجدة بقولها:
-استني انتي يا روان، في ايه يا امير يا ابني؟
-في ان الهانم نايمه على ودانها و العيل المتني اللي كان تحت ده بيسرح بيها وواطي أصلاً!

هللت من خلف جدتها بغضب و يداها تتحركان باندفاع و اعتراض :
-هو في ايه بالظبط؟ انت بتكلمني ليه كده، انا حره استهجهالك انا حرة، انت مين اصلاً عشان تتكلم عليا كده و على صاحبي!
اقترب منهم وهو يضم ابهامه بسبابته و يحرك اصابعه الثلاثة الباقية في حركه مهدده ثم قال:
-يمين بالله لو مش عشان جدتك واقفه كنت علمتك الادب من اول و جديد!
-استني بس يا امير، واد مين ده، انتي قولتي انك رايحه الحفلة مع داليا!

تلجلجت روان وهي تعقد ذراعيها بعناد مجيبه:
-عادي يا تيتا داليا مقدرتش تيجي و كنت هروح مع رامي!
-رامي يا تيتا هاه، الصعبانيات!
قال أمير بغضب وهو يشير بقبضته للخلف عسي ان تفهم الجدة تلميحه، عقدت روان حاجبيها بعدم فهم و قالت بحده:
-ايه العته اللي بتعمله ده!
توجه نحوها بغضب فالتفت للجانب الاخر من الجدة وهي تصيح بجدتها:
-ايه يا تيتا انتي سيباه يعاملني ازاي كده!

امسكت الجدة رأسها بتعب و غيظ منها ومن كَذِبها وقالت:
-انا بجد مش قادرة استحمل كدبك عليا، احنا مش اتفقنا نعيش طبيعي ونصارح بعض بكل حاجه!
لوت روان شفتيها المكتنزة ببراءة تحاول اخفاء حرجها خلفها ثم رمقته نظرة نارية وأردفت :
-يا تيتا ملحقتش اقولك والله وبعدين انتي سايبه البني ادم ده يتكلم من غير حق ليه!

زفرت الجدة وهي تستغفر الله وقالت بأنفاس عالية متذكرة المخطط الأسود الذي أخبرها به امير عن الشاب القذر و جعلها تقرر وضع حد لحفيدتها اكتشفت انها تأخرت كثيراً ولن تفلح بوضعه وحدها :.

-لا هيتدخل يا روان، انا خلاص جبت اخري من عمايلك، انا اللي طلبت من امير يتدخل طالما مش عايزاني اتصل بمامتك واقولها انا اسفه تعالي خدي حفيدتي لأني معرفتش اربيها وانتي كنتي صح انا جده فاشله وتجبريني اني اترجاها تخدك يمكن تنقذك من عمايلك، يبقي تسمعي الكلام من هنا و رايح امير هيتدخل يا روان عشان انا خلاص تعبت و خايفه اموت وانتي كده!

نظرت لها روان بذهول غير مصدقه رد فعل جدتها ومساندتها لذلك الغريب ف أشارت إلى صدرها متسائلة بلهجه تملئها الخدل:
-انتي بتتخلي عني عشان خاطره!
انتقلت اشارتها نحو أمير بغضب في نهاية جملتها فتركتها الجدة واتخذت مقعد جوارهم بتعب و ارهاق دائماً ما يتملكها كلما حاولت القسو عليها ثم أكملت بحسم :
-مفيش الهبل اللي في دماغك ده، انتي مش فاهمه انك بتضيعي نفسك وبتضيعي من أيدي، انتي مبقاش يهمك حد ولا حتى انا!

هزت روان رأسها بعناد وقالت من بين اسنانها:
-تمام يا تيتا انتي حره بس انا محدش بردو هيبقاله كلمه عليا انا حره و طظ في اي حد!

ضحك امير والذي أكسبه حديثها معها خطوة متقدمة عليها فهو متأكد انها قد تتبرع بكليتها قبل ان تتصل جدتها او اي احد بوالدتها رافضة أن تشمت باختيارها البقاء مع جدتها عليها وملخص ما وصل اليه هو ان والدتها امرأة مجردة المشاعر فلا تعجب ان والدها قد فر هارباً بعيداً عن الجميع، سند ذراعيه على خصره بتهكم متسائلاً:
-ميهمكيش حد، طيب حلو أوي!
تركها وتوجه نحو الجدة قائلاً:.

-انا عارف يا تيتا انك وعدتيها بانك عمرك ماتتصلي بمامتها!
صمت وهو يطالع روان بتهكم و ثقة فعكست نظراتها ذات التهكم و الثقة، ثم استكمل وهو يوجه حديثه للجدة:
-لكن انا موعدتش حد بحاجه، هاتي رقمها وانا هتصل بيها ويبقي برا عنك!
نظرت له الجدة بعيونها الشبه ناعسه و شفتيها المنحنية لأسفل بتفكير ثم قالت:
-انت صح، انا هديك رقمها!

رفعت الجدة هاتفها تعبث به لإخراج رقم والدتها فصرخت روان بجنون وقد دق إنذار الخطر بعقلها:
-انتي بتعملي ايه يا تيتا، اقسم بالله لو ادتهوله ما هسامحك العمر كله...
حدجتها الجدة نظرة غاضبه وبكل العناد التي اورثته لها اعطت الهاتف لأمير ووقفت مجيبه:
-احسن ما انا ما اسامحش نفسي لما يجرالك حاجه!
انهت جملتها بصرامه و توجهت لغرفتها تاركه الجمل بما حمل...

دارت حرب نظرات بين الطرفين الغاضبين كلاً لسبب حتي قررت روان التصادم معه بتوجهها نحوه ومحاولاتها لسحب الهاتف من يده قائلة:
-هات الزفت ده مش من حقك اصلا و متحلمش اني هسمحلك تدخل في حياتي يا مريض!
-مريض؟ ليه عمال استفرغ في قلب بيتكم، ولا عشان المرض في عيونك مش بتعرفي تداريه؟!

قالها وهو يرفع ذراعه لأعلى يرفض تماماً ان تنجح في اخذ الهاتف منه، لكمته بعنف في جانب جسده بشكل فاجأه، فارتفعت يده بشكل تلقائي تحيط عنقها بتهديد و هتف من بين أسنانه:
-متجبرنيش امد ايدي عليكي، انا اصلا مجنون و بتلكك!
دفعته عنها و حاولت جذب الهاتف مرة أخرى ولكنه دفعها بخفه بعيداً عنه وهم بنقل الرقم سريعاً على هاتفه فصرخت بجنون:
-انت مجنون، مالكش دعوه بينا و بحياتنا، انت مين عشان تكلم ماما!

ضحك بسخرية ليتهمها:
-وانتي خايفه ليه مش طظ في الناس!
ودت روان قتله و ارتبكت مشاعرها فان هاتف والدتها ستقتله وتقتل نفسها، أبداً لن تسمح لتلك السيدة بالانتصار عليهم و رؤية الشماتة في عينيها او ان تشعرها برضا بشأن زواجها من ذاك الكائن البشع و الاغتراب معه على ان تكون معها هي ابنتها الوحيدة، قطع امير تفكيرها بقوله:.

-هتقصري الشر و تدخلي تغيري هدومك و تقعدي تذكريلك كلمتين و لا تخيطي بناطيلك دي و تلمي الدور من سكات و لا اتصل بأمك!
انهي جملته وهو يلوح بالهاتف بحاجبين متداخلين و تحدي فتأففت بغضب وبعد تفكير توجهت لغرفتها بوجه احمر من تسب و تعلن وجوده في حياتها، اغلقت الباب بقوه وانغمست في نوبه من الغضب تحطم فيها كل ما تراه امامها فهتف أمير من الخارج:
-اكسري ما انتي اللي هتنضفيها مش جدتك العيانة!
-غور بقي بعيد عني!

صرخت من خلف الباب فغمغم بكلمات جارحه يتمني لو يلقيها بوجهها رائع الجمال، ثم استدار عندما فتحت الجدة بابها و رمقته بترقب و تساؤل و كأنها لا تصدق انه نجح بالفعل في السيطرة عليها ومنعها من الذهاب!
اشارت له بالاقتراب من غرفتها وما ان اقترب حتي همست:
-هي كده خلاص مش هتروح؟
رد بتلقائيه بشكل قطعي :.

-والله لو اتسخطت قرد ما هتنزل من البيت طالما الموضوع مع الواد إياه ده او اي واد مهما كان خلاص انا كده حبت أخرى، بس انتي اجمدي وخلينا كده متخلهاش تضحك عليكي!
هزت الجدة رأسها وهي تحاول منع كفيها من الاهتزاز والاستسلام لمشاعرها نحو فتاتها الوحيدة ثم همست بتأكيد وهي ترفع سبابتيها من كفيها المشبوكان:
-بس اياك تتصل بأمها، انت فاهم يا امير!
فرك ذقنه وهو يتكأ على بابها ويخبرها:.

-لا طبعا، بس سبيه تهديد مفتوح، انا عارف اللي فيها!
-ربنا يهديها، روان عمرها ما هتسامح امها انها اختارت تتجوز و تتغرب وتبعد عنها و مامتها لما هتصدق مكالمه مننا عشان تشمت فيا قبلها، انت متخيل انها متصله من كام شهر بس عشان تقولي انها جايبه عريس لروان وقال ايه هتنزل كام يوم تظبط ورقها و هتاخدها معاها، الجاحدة دي مابتتصلش تسأل على بنتها حتي تقوم تقولي عريس و كلام فارغ!

ضرب كف على الأخر وقال بلهجه متعجبه:
-انا مستغرب الست دي، قال عريس قال، هي مريضه نفسيه مثلاً او عندها جنان تكون مورثاه لبنتها!
ابتسمت الجدة بأسي و اجابته:
-يلا اهي هي اللي خسرانه مش انا، اصلا رفضت و قفلت السكة في وشها، قال تجوزها قال وتقولي انا امها!
صمتت ثم نظرت لأمير متسائلة بتوتر:
-هي متقدرش تخدها مني مش كده؟
-يا تيتا قولتلك ماتقلقيش لو حصل انا مش هسمحلها بده!

علا صوت هاتفه برنين مختلف فاتسعت عيناها عندما رأي اسم وصوره روان تضئ هاتفه و كتم الصوت، اغلق الخط وهمس:
-دي هي بتتصل بيا!
-يا نهاري طيب و بعدين هتعرف صوتك!
قالت الجدة بتوتر و خوف فطمأنها سريعاً:
-لا يا ستي متقلقيش، احنا بنتكلم فويس من زمان، هي مش ذكيه اوي كده و كمان انا بتكلم معاها بهدوء لكن لما بنتقابل وش لوش صوتي بيجيب اخر الشارع فمتقلقيش مش عرفاني!
رمقته الجدة بطرف عينيها وتمتمت:.

-حفيديتي ذكيه جداً اياك تفتكر انها غبيه، يلا انا هدخل انام في فرشتي لأن ركبي سايبه!
قالتها باعتيادية وهي تغلق الباب في وجهه كأنه غير واقف بمنتصف شقتهم وحيداً، نظر للباب المغلق بحقد ثم القي نظرة على باب روان المغلق و حمحم بحرج:
-انا كان مالي و مال الليلة السودة دي، قلة الذوق وراثه عندهم، لا ذكية طحن اومال مش اسمي امير علي الفيس بردو كانت عملت ايه يخربيت الذكاء!

خرج و اغلق الباب خلفه ثم ابتسم بسخافة فهو من اقحم نفسه في تلك الورطة منذ البداية بحبه لتلك العجوز و وقوعه بمصيدة حفيدتها، نزل الدرج وامتلئ عقله بذكريات اليوم الذي تلا مشاجرته مع الحقير صديقها و بداية تعارفه عليها إلكترونياً و ميلاد خطته مع العجوز، انتظر أمير منذ الصباح الباكر امام المقهى و ما ان رآها تخرج من المبني و تستقل سيارة مع شاب و فتاتان كانت قد اعتادت الذهاب معهم إلى الجامعة حتي صعد سريعا إلى الجدة التي استقبلته بترحيب حار:.

-حبيبي نورت، معلش تعبتك اوي معانا امبارح!
-لا مفيش تعب يا تيتا، بس في موضوع خطير و مهم لازم تعرفي!
قالها ما ان جلسا دون تضييع وقت فظهرت ملامح القلق على وجهها و هي تجيب:
-قول يا أمير وقعت قلبي!
حاول أمير سرد وقائع ما دار بينه و بين الفتي الاحمق بالأمس و خطته للإيقاع بحفيدتها بمرونة حتي لا تنفلت أعصابها و تثور في نوبة قلقها المعتاد و لكن كالعادة وضعت الجدة كفيها على وجهه بذعر حقيقي قائلة:.

-طيب و بعدين هنعمل ايه في المصيبة دي؟، البنت هتضيع مني بجد، انا اكلم مامتها احسن واقولها انتي صح يا ستي بنتك فلتت مني وتعالي خديها ولا جوزيها بعيد عني وسيبوني كلكم المهم تنقذها من الضياع انا مش قادرة اسيطر على البنت دي !
علت شهقات بكائها واخفت وجهها بين كفيها بقهر، فجثا أمير امامها يربت على ساقيها مؤكداً:
-ممكن تهدي و متقلقيش الواد ده بعد اللي حصل هيختفي اصلا و هيخاف يجي نحيتها تاني!

-لا انا مش متطمنه، امها كان عندها حق لما كلمتني من اسبوع انا ست كبيرة ومقدرش على مراهقة عندها تسعتاشر سنه واديك شايف النتيجة بنت عنيدة و معقدة و دماغها انشف من الحجر و مش متربيه!
قالت الجدة بذعر يبدو جلياً على محياها فضم أمير كفيها يقبلها بهدوء قائلاً بحنان:.

-صدقيني مفيش اللي بتقولي ده، روان صعبة في طبعها بس زي ما قولتلك هي كده قناع قدام الناس بس، يمكن موضوع والدها اللي سافر و سابها و مامتها اللي فضلت تتجوز و تتغرب عنها مأثر فيها اكتر ما هي مبينه، ده غير اني فضلت اتكلم معاها طول الليل و كان عندي ذهول من كم السذاجة و الانسيابية اللي بتتكلم بيها وبتحكي بيها عن نفسها و كأني مش شخص لسه متعرفة عليه على موقع وهمي!

زفر و حرك رأسه بخيبة أمل ثم ابتسم عندما تذكر لطافتها و مزاحها وهو يعود لمقعده مستكملاً:
-هي مجنونة اه بس مش وحشة اوي كده!
عندما نظر للجدة ارتفع حاجبه بتعجب و بدأت وجنتيه تحمر بخجل عندما لاحظ عيونها المتسعة التي تطالعه بنظرات مذهولة غريبة و كأنها تطالع كائن من كوكب أخر غير كوكب الأرض، حمحم بحرج قائلاً:
-مالك يا تيتا في ايه؟ بتبصيلي ليه كده؟!

لم يخفي عليه تلك اللمعة الخبيثة بعيون الجدة وابتسامتها المريبة وهي تقول بلهفه مؤكدة شكوكه:
-بس عارف التربية مش كل حاجه، روان فيها مميزات كتيرة بردو اي حد يتمناها!
ارتفع كلا حاجبيه بتعجب و تنحنح رافضاً الإجابة، فاستكملت الجدة:
-عارف روان دي اصلا طيبة جدا و على نياتها بس هي اللي دبش و لسانها متبري منها!
-ايوة عارف و مجرب يا تيتا!

قال بتهكم وهو يفرك رأسه متذكراً شجارها معه كلما رأته، فطأطأت الجدة بحرج قائلة:
-اصل هي بتقلق من الناس بسبب حياتنا و وحدتنا و كده بس عارف روان دي طباخه ماهرة و ست بيت محترمة بس هي اللي بتحب الدلع!
عض أمير على شفتيه محاولاً كبح ضحكة تحاول الهرب و قد اتضحت له نوايا و تلميحات الجدة فقال بصدق وهو يعتدل في مجلسه:
-والله يا تيتا مش عارف هو انا بقف اوي كده ولا انا اللي لقطة بجد!

احمرت الجدة بحرج فوبخته بتلقائية:
-ايه مالها روان حفيدتي، طيب حقيقي بجد لو انا مش جدتها وعندي حفيد كنت هتمني اني اجوزه ليها دي طيبه جداً واصيله فوق الوصف بس هي محتاجة تبطل تطفش العرسان او تلاقي اللي يروضها أو إلى يراضيها مش اكتر!
-ايوة طبعا يا تيتا مصدقك بس يروضها مبلوعه لكن يراضيها يبقي قليته احسن، بس سؤال هي بتطفشهم ليه وازاي؟
سأل باهتمام فأجابته بتعب وهي تلوى وجهها بامتعاض:.

-انا عارفة بقي دماغها الزفت دي، بس انا متأكدة ان الحب ممكن يغيرها!
مليء الحماس جملتها الأخيرة وهي تناظره بأمل، فأرتبك وهو يفتح مقدمه قميصه قائلاً بخفه:
-حب؟ طيب وهنلاقي فين و منين ده دلوقتي!
انعقد حاجبيها بشكل مضحك غير راضية عن كلماته فتحركت لتجاوره على الأريكة ووضعت يدها اعلى كتفه قائلة:
-انا متأكدة ان اللي انت فيه ده حب!
وقف بحده و اتسعت عيناه قبل ان تدور في المكان بهلع مجيباً:.

-حب ايه يا تيتا بس، انتي هتوديني في داهيه! انا لسه شايفها من شهرين، و حب ازاي اصلاً وهي لا بطقني ولا انا بطقها!
صفقت الجدة بحماس واستقامت جواره بعيون تملئها السعادة و البراءة مؤكدة:
-ما هو ده بداية الحب، ومش بعيد يكون ده الحب من أول نظرة!
هز راسه بالنفي سريعاً وقد بدأ العرق يتجمع اعلى جبينه من سرعه الاحداث التي تحيكها الجدة حوله وأردف:
-يا...

-هوس مسمعش ولا كلمه، لو انا غلط وانت مش مهتم قولي دلوقتي و هكلم واحدة اعرفها عندها حفيد يجي هو اولي بيها!
أصرت بعناد وهي تعقد ذراعيها منهيه الامر، اراد موافقتها و التملص من ذلك المأزق ولكن شيء خفي داخلة جعله عاجزاً عن الرد و الموافقة على مجيء رجل غيره ليحاول اكتشاف دواخلها والتي لمح منها ما يجذبه و يهواه في حديثهم الافتراضي القصير، زفر بحدة و جلس بوجه يملئه الضيق ولكن الجدة ابتسمت بقوة مؤكدة:.

-قولتلك حب من اول نظرة بس انت اللي لسه متعرفش!

نظر لها بغيظ قبل انا يضغط على عينيه متعجب مما يقحم نفسه به ولم يشعر بعدها إلا بنفسه يقضي ساعتين من الزمن يخطط مع الجدة المجنونة الطريق للوصول إلى قلبها و الاتفاق على مداهمه حصونها إلكترونياً قبل ان ينكشف لها على الواقع، دون ان يفصح لها بأن جزء كبير داخلة يريد الغوص في تلك الشخصية الرائعة التي تخفيها عنه بوجهها العابس و متأكد انه في حالة إفصاحه عن هويته ستنتهي اللعبة وسترفض كشف نفسها امامه!

كان صوت الرنين المعلن عن وصول مكالمه منها سبب في اخراجه من بحر ذكرياته، فتنحنح وهو يبتعد عن مقهاه كي لا تألف صوت المكان القريب ونظف حلقه قبل ان يجيب بهدوء:
-الو...
ابعد الهاتف عن اذنه عندما اتاه صوتها العالي بغضب:
-شوفت الحيوان الجبان اللي تيتا دخلته بيتنا، جاي يتحكم فينا ابن المبقعة فاكرني هسكت!


look/images/icons/i1.gif رواية أمير تيتا
  17-12-2021 11:35 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

ابعد الهاتف باشمئزاز وهو يبصق على الشاشة عسي ان تصل اليها بشكل وهمي لأهانتها له و لوالدته المسكينة ثم اعد الهاتف على أذنه و قال باصفرار و صوت يتقطر حنق:
-يابنتي لسانك ده عيب انتي بنت محترمة متشتميش حد وبعدين انتي مالك ومال امه هاه شوفتيها قبل كده!

-اتلهي ماشي و متستفزنيش انا مالي و مال أمه! بقولك الحيوان اتهجم عليا و منعني اروح الحفلة لا وبيهددني كمان يقول للست اللي خلفتني اني مش تمام و الافظع من كل ده ان تيتا موافقة انت متخيل!
طأطأ بسخرية مجيباً بصوته الهادئ المغاير تماما لصوته الجهوري والعالي كلما تقابلا:
-لا لا مالوش حق وتيتا كمان لا حقيقي مش ممكن على غدر الأهل!
-انت بتهزر وانا بتشل هنا، طيب اقسم بالله هقفل في وشك يا بارد!

ضحك وهو يجلس على طرف الرصيف البعيد بأخر الطريق قائلاً:
-احسن على فكرة، عشان انتي مقولتليش على الخروجة دي بس انتي اللي عنيدة وقصتيها عشان عارفة اني هعترض!
زفرت روان بحده وهي ترمي جسدها على فراشها قائلة:
-هو ده اللي انت سمعته من الهري ده كله، انا مقولتش عشان اتلهيت مش اكتر مش خوف على مشاعر البرنس!
اتسعت ابتسامته ليؤكد بغيظ مكتوم:.

-اه طبعا، كل واحد يعلق على اللي يخصه لو سمحتي، وانا قولتلك اني مش بطيق تخرجي مع الشباب دول وبردو بتخرجي!
ارتسمت ابتسامه مهتزة على شفتيها تثبت مدى ارتباكها العاطفي، وتعجبت انها بكلمات سخيفة منه هدأت و كأنها لم تكن كالبركان منذ ثوان لتشاكسه بقولها:
-إحنا أصحاب على فكرة!
تمتم بحنق بكلمات مخجلة سمعتها حيداً و زادت من ابتسامتها قبل ان يقول:
-ما انا عارف أنكم صحاب، لكن بردو مش بحب كده يا بارده!

علت ضحكتها فهي ليست غبية وعلى يقين ان كلاهما واقع في علاقة غير محددة الاسم و الملامح لكنها بالتأكيد ليست صداقة فقط، حمحمت ثم قالت ما جعل الدماء تنفجر في وجهه حرجاً:
-لا انا وانت اللي أصحاب على فكرة!
صمت لحظات طويلة فازدادت ضحكاتها بينما جلس هو علي الرصيف يغلي غيظاً من وقاحتها، فقطعت الصمت بقولها:
-انتحرت ولا ايه؟!

-انتي انسانه باردة اصلاً، خليكي كده عايشة في ماية البطيخ وفي الاخر هتطلعي بتحبيني و مش هتقدري تعيشي من غيري وساعتها هخليكي تلفي ورايا تتحايلي عليا ابصلك!
-يا شيخ اتلهي بلا وكسه هحب واحد معرفش شكله اصلا و خايف يبعتلي صورته، يا مؤمن ده انا بروفايلي في صور اكتر من حياتك كلها!
سعل بتوتر ليقول بمشاكسه:.

-يابنتي قولتلك أنا خايف عليكي من الفتنة مش اكتر، لأنك لو شوفتي صورتي لا هتقوليلي بيست ولا سفن آب هتفضلي لزقالي وهتعيطي وتتحايلي عليا اتجوزني يا امير عشان خاطري يا أمير وانا مش ناقص صداع و وجع قلب!
حركت روان رأسها بذهول و يدها تحارب لأغلاق الخط في وجهه لكنها اكتفت بقولها الساخر:
-اقفل يا انسان يا قديم يا تمنيناتي النشأة يا سئيل!

قهقه أمير غير قادر على التحكم في ذاته فعلت دقات قلبها لتلك الضحكة الرجولية المخاطبة لجنون أنوثتها ووجدت ابتسامه بلهاء تعلو كل وجهها، سعلت بارتباك لحماقتها وهتفت بضيق:
-بس يا بابا اما اروح اعمل نسكافيه يمكن اهضم الكلمتين اللي زي وشك دول!
حاول أمير ضبط انفاسه من الضحك ووبخها بقوله:
-لمي لسانك يا بت انا اكبر منك بسبع سنين!
-يا سم سبع سنين على...

صمتت لدي سماعها صوت أنين غريب قادم من غرفة جدتها حين كانت في طريقها إلى المطبخ لتقول:
-استني كده شكل تيتا بتنادي عليا!
-طيب اقفل ولا ايه؟
-لا بيس عادي تيتا عارفه اني بكلم صحابي الولاد!
قالت بلامبالاة و اعتيادية جعلت الدماء تفور في رأسه ليقول بغيظ:
-ماهي تيتا دي اللي مدلعاكي يا سافله!
-يا ابني لم لسانك انت خدت عليا اوي!
قالت بحنق وهي تفتح باب الجدة، فأجابها سريعاً:
-طيب اكتمي بقي عشان مخربش...

قطع جملته صوت صراخ روان وهي تلقي الهاتف من يدها ثم اتاه صوتها ضعيفاً من بعيد وهي تهتف:
-تيتا، تيتا انتي كويسه!
انتفض قلب أمير في صدرة برعب ووقف من مكانه باضطراب قبل ان يركض نحو مبناهم في اخر الطريق، حاول لفت انتباهها لوجوده فهتف:
-روان في ايه طمنيني، روان؟!
لكنها كانت في عالم اخر تجثو بجوار جدتها الملقاة ارضاً أمام فراشها و نست هاتفها ومن تحادثه، استمرت في هز الجدة و و صاحت بخضه:.

-تيتا عشان خاطري متخوفنيش كده فوقي و ردي عليا!
وضعت رأسها على صدر الجدة بذعم ثم جذبت نفس عميق مهزوز ما ان سمعت نبضاتها الخافتة، حاولت اعادة تشغيل عقلها و هتفت وسط دموعها المنسابة:
-الدكتور! متقلقيش يا تيتا انا هوديكي لدكتور حالاً!
حَبَت على ركبتها و يديها نحو هاتفها فانتبهت لصوت أمير العالي المنبثق منه، وضعت الهاتف على أذنها مجيبة بذعر و تلعثم:.

-امير اقفل، تيتا تعبانه اوي ومغمي عليها انا هتصل بالدكتور أو السواق انا مش عارفه اتصرف!
أنهت جملتها بشهقات بكاء عالية كطفلة صغيرة وجدت نفسها تائهة ووحيدة في منتصف الطريق، ليسرع بتهدئتها:
-ممكن تهدي مش طالبه خالص تنهاري دلوقتي، انا دقيقه وهكون عندك كلمي الدكتور بتاعها شوفي فين وانا هوصلها...
هزت رأسها بعنف و همست بين بكائها:
-بسرعه عشان خاطري انا خايفة اوي يا أمير تيتا هتسبني لوحدي، خلاص زهقت مني!

هتف بها بحده أمراً:
-اتصلي بالدكتور وبلاش هبل دلوقتي!
-حاضر حاضر!
اغلقت الهاتف وارتعشت اصابعها وهي تحاول الوصول لرقم الطبيب وما ان ضغطت الزر حتي علا رنين الباب، علت دقات قلبها باطمئنان لوصوله و كالمغيبة دون ان تنتبه او تلتفت لحقيقة إنها لم تخبره بعنوانها يوماً او بكيفيه وصولة لمكانها، ركضت نحو الباب وهي تضع الهاتف على اذنها منتظرة اجابه الطبيب، فتحت فأندفع أمير للداخل كالإعصار وتساءل بقلق يملئ صوته:.

-هي فين!
اشارت لغرفة الجدة وكل ذلك لم يستوعب عقلها ما يدور، ركضت خلفه وهي تضيف:
-في ارض اوضتها، انا بتصل بالدكتور اهوه و...
تسمرت روان عندما صفعها واقع ما يحدث و بقيت مكانها على باب غرفة الجدة تتابعه يحاول رفع جسدها بصعوبة، علت صافرة نهاية المكالمة بلا مجيب و توقف الزمن بشكل جعلها غير قادرة على استيعاب و ترجمة ما يحدث حولها، انتفضت كالملسوعة عندما هتف بها:
-متقفيش كده زقي الكرسي ده شويه!

تكسرت صدمتها كالجليد وتناثرت برودته بكل جسدها، اقتربت بخطوات ضعيفة نحو المقعد دون ان ترفع عينيها من عليه و بداخلها امل بأن الحقيقة القاسية التي يحاول عقلها غرسها بقلبها هي درب من المستحيل، اقتربت تسند جدتها معه ليضعاها على المقعد ثم نظرت له ببلاهة هامسة بتلعثم:
-انت، انت ولا هو!
توقف ثانية يرمقها نظرة تملئها الارتباك وغطي الخزي والتوتر ملامحة قبل يهمس بخفوت:
-مش وقته يا روان!

حركت رأسها لليمين و اليسار ثم اغمضت جفونها تستجمع شتات تلك المفاجأة وحين اعادت فتحها لم تناظره بل دفعت مقعد جدتها قائلة:
-يلا بسرعه!
اخذ مكانها في الثانية اللاحقة وقد لاحظ خصلاتها الناعمة المنسدلة حولها و بيجامتها قصيرة الأكمام وسروالها المطلق عليه (برموده) ثم قال:
-البسي انتي حاجه بسرعه!

تركته وركضت تجذب شال ترتديه جدتها وقت الصلاة من على الاريكة و تربون خاص بها كان ملقي بأرض غرفتها ثم هرعت تساعده على طرف الدرج و بمعاناة استطاع كلاهما النزول بالجدة، كان الصمت سيد الموقف طوال الرحلة إلى المشفى رغم قصر مدتها، و كانت روان تجلس بالخلف بجوار جدتها تربت عليها بحنان و تبكي بغزاره و خوف، فأخبرها امير بحنان:
-متقلقيش دقيقه وهنوصل كفاية عياط!

رمته بنظرة عتاب في المرآة الأمامية دون أجابه بل زادت من بكائها فقال:
-انتي فاهمة الموضوع غلط، بلاش تنسجي خيالات دلوقتي، نطمن على تيتا وهفهمك كل حاجه!
انعقدت ملامحها بغضب وقالت مستنكرة:
-غلط؟ لا مش هفهم غلط، انت واحد مجنون و حقير بتلعب بمشاعري و داخل تكلمني على انك شخص تاني وعلقتني بيه و عشان ايه مش عارفه اَصل لهدفك بس اكيد مش هتاخد وسام الشرف على عملتك دي!

زفر بنفاذ صبر و تلاقت انظارهم في المرآة وهو يؤكد:
-انتي السبب لو مكنتيش بشخصيتين و في الواقع حاجه و الفيس حاجه مكنتش عملت كده، انتي اللي كنتي مستقصداني بدبشك في الواقع بدون اي مبرر، و على الفيس اني بردو اللي دخلتيني جواكي و علقتيني بيكي فوق ما تتصوري، انا مبقاش ينفع افتح عيني و ابدأ يومي من غير ما افتح تلفوني و ابعتلك مسج او اشوفك بعتالي ايه و من غير اي مبرر منطقي فمش انتي بس الضحية هنا!

رمشت بتوالي تحاول كبح صراخها الغاضب لوقاحته واتهامه ثم ارتفع جانب وجهها بسخرية رغم الدموع المتدفقة من عينيها وقالت بحده:
-فعلاً مفيش مبرر خصوصاً لكل كلمة قولتلها دلوقتي!

ونظرت للخارج تطالع المشفى الذي ظهر امامهم و انتهي الحديث بوصولهم، وفي الداخل انشغل الجميع بحالة الجدة ووقف كلاهما بخارج الغرفة ينتظران الطبيب ليطمئنهم، لاحظ امير ابتعاد روان عنه قدر الإمكان و بكائها الذي لا يتوقف، فرك رأسه بغضب عليها فمن يرى شجارها مع جدتها طوال الوقت لا يراها الأن، التفت لباب الغرفة المغلقة وضرب بقبضته علي يده الأخرى بتوتر و نفاذ صبر ثم توجه يدق الباب بحده حتي فتحت الممرضة له، فهتف في وجهها:.

-ماتطمنونا ولا احنا مش بني ادمين!
-يا فندم متقلقش الدكتور شغال مع الحالة جوا!
-يعني هي كويسه ولا في خطر ولا ايه!
هزت رأسها بالموافقة وقالت:
-ايوه الحالة احسن بس لسه الوضع مش مستقر!
-وضع ايه!
قال مستهجناً و حاولت اغلاق الباب وهي تخبره:
-انا اسفه لازم ادخل!
كاد يمنعها لكن روان التي هرعت إلى جواره منذ ان دق الباب امسكت ذراعه تهدئه بقولها:
-خلاص يا امير، سيبها يمكن محتاجنها وكويس اننا اطمنا، آآه!

تأوهت بخفه عندما صدمها احد المارة بكتفه، التصقت بجسد أمير الذي ضمها نحوه بامتلاك وانفجر غاضباً:
-ماتفتح ولا انت ماشي في مستشفى أبوك!
نظر له الشاب بذهول تحول إلى غضب فأسرعت روان بوضع كفيها على صدر أمير تمنعه من التقدم نحو الشاب وقالت له باعتذار:
-معلش احنا اسفين بس تيتا تعبانه و هو اعصابه متدمرة!
-انتي بتعتذري!

قالها امير بغضب و لم يعيره الشاب اهتمام بعد كلماتها بل ذهب في صمت دون ان يجيب أياً منهم، الفتت اليه بغضب متهمة:
-انت بتستعبط، انا اعصابي بايظه خلقه وكفاية اوي اللي انت عامله اساسا!
اقترب منها حتي صار وجهه في وجهه وقال من بين اسنانه:.

-انا مش عامل حاجه انتي فاهمه، انتي اللي اجبرتيني ادخل ليكي الداخلة دي، شوفي انتي الاول عمايلك السودة و اللي مكنتش بقدر افتح بوقي واقولك لا عليها، بس خلاث اعملي حسابك من هنا و رايح كل ده هيتغير انا مش هسيبك تتسرمحي كده على مزاجك و هتتربي يعني هتتربي و رجلك فوق رقبتك!
انهي جملته بغضب وهو يحرك اصبعه في وجهها لتقول بذهول اتبعه الغضب:.

-انت ليه محسسني انك كنت جاي تطلب إيدي، انت مش واخذ بالك اني اكتشفت حقيقتك بالصدفة ثم ايه اختلف يعني غير اني بكرهك دلوقتي، وبعدين انت كنت مجرد البيست بتاعي مش اكتر من كده و حط خط تحت كلمه كنت دي مليون مرة!
حرك رأسه باستهزاء وقد انكمشت ملامحه قائلاً:.

-خليكي افضلي حطي في القاب تبرري بيها الحقيقة اللي مش عايزة تعترفي بيها لانك لامؤاخذه يعني في اللفظ معقدة، بيست ايه ده اللي تصحي على صوته و تنامي على صوته، انتي كان عندك خال اهبل؟!
التفت حولها تتابع العيون الفضولية التي تراقبهم من كل صوب و همست من بين اسنانها بوجه احمر:
-انا مش هرد عليك لأنك قليل الادب و انا اصلا مش عايزة اعرف واحد منحط زيك، اتفضل امشي من هنا و انا هجيب السواق يروحنا انا وتيتا!

رمقها بغضب و بدون كلمه توجه بعناد للجلوس امام غرفة الجدة عاقداً ذراعيه بطفولية، كادت النيران تشتعل من اذنيها بغيظ لكنها توجهت للمقعد البعيد عنه تجلس منتظرة خروج الجدة هي أيضاً...
في منتصف الليل داخل غرفة المشفى الخاصة بالجدة جلست روان تستريح وهي تستمع للطبيب يحادث أمير:
-لا متقلقش ما انت اتكلمت معاها بنفسك، هي نايمه عادي فخلوها الليل معانا والصبح هكتبلها على خروج!

هز أمير رأسه بالموافقة وقبل ان يترجم قلقه و توتره على لسانه قاطعه الطبيب المعتاد على تلك النظرات بقوله:
-لا مفيش خطر دي من علامات الشيخوخه و غصب عنها لازم تتعب، بأذن الله هترجع كويسه من تاني!

تركه الطبيب بالغرفة واغلق الباب خلفه، اتجه أمير يجلس بجوارها على الأريكة بعد ان خلع سترته وثني ذراعي قميصه الابيض، ثم رفع ابصاره نحوها ببراءة، انعقد حاجبيه بتعجب لشراسة نظراتها نحوه فحرك حاجبيه بلا مبالاة وفتح اول زر من قميصه لكنه أعاد بصره نحوها بحده يعيد فحصها بشكل دقيق، رأى ذراعها يخرج في مجون من الشال بكل اعتياديه فهتف:
-لمي لحمك اللي نازل من الشال ده، يخربيتك انتي مش حاسه بنفسك!..

رمقته بغضب وهي تخفي ذراعها بالشال قائلة:
-خليك في حالك، حاجه متخصكش يا عديم الذوق!
ضرب كف على الاخر وهبط بعيناه نحو سروال بجامتها الفاقد لربع طوله وقال بذهول:
-ايه ده، ايه ده بجد! انا ازاي مخدتش بالي وانتي نازله كده، ما كنتي اتنيلتي استنيتي في البيت ابرك!
تناست الشال ورفعت كلا ذراعيها في وجهه بغضب قائلة بصوت مكتوم حتي لا تزعج الجدة:.

-انت اللي ايه ده؟! صحيح اللي اختشوا ماتوا، مالك و مالي يا انسان يا بارد يا اللي ماشي تضحك على بنات الناس!
ارتسمت ابتسامه ثعلبيه على وجهه و اخذ يجول بنظراته على وجهها و جسدها بحرية وبطء أخجلها فتقوقعت على ذاتها موبخه:
-انسان قليل الادب!
جلس بكل ارتياحيه وهو يمط ذراعيه ثم قال بخبث:
-قليل الادب ليه؟! ما انتي بتلبسي الضيق و الملزق اكتر من كده واللي رايح واللي جاي بيبص عليكي ولا حلال ليهم و حرام ليا؟

انفجرت غاضبه و راحت تجثو على الاريكة بغل تغرقه بلكمات متتالية في ذراعه وكل ما تصل إليه منه بقوة مستمتعة بأنينه المكتوم..
اتسعت عيون أمير غير متوقع هجومها الطفولي و سعي لكبحه و تكبيل ذراعيها و بعد ثوان معدودة نجح في الأمر، ابتسم بانتصار وهو يعلق انظاره بعيونها الغاضبة ولكن تلك الابتسامة اختفت ما ان أدرك مدي قربها منه!

ارتبكت انفاسه بتوتر متساءل كيف انتهي به الحال شبه ممدد على الاريكة لاتزال ساقيه بالأرض وهي شبة ملقاه فوقه ذراعيها مطويان خلفها بفعل ذراعيه مما يجبر جسدها العلوي على الالتصاق بصلابة صدره، وصل توبيخها إلى مسامعه ولكنه لم يقدر على استيعاب ما تقوله، رفضت عيناه التنحي عن حركة شفتيها وردية اللون، فتحشرج الهواء في صدره و علت دقاق قلبه بانفعالات يحاول كبتها دون جدوي، اما روان فقد تصلبت ما ان انتبهت للوضع ثم انتقضت كل عضله في جسدها في محاولة للفرار من قبضته:.

-بس!
همس بعنف مكتوم فتسمرت وارتفعت انظارها الخجلة إليه و همست بارتباك:
-سيبني، انت مجنون، حد يدخل علينا!
زفر بعنف و احتقن وجهه وهو يجيب بحده:
-ومفكرتيش في ده ليه قبل ما تمدي ايدك عليا يا مستهتره وبعدين من امتي بيهمك الناس؟ اكتشفتي فجأة ان في ناس وان كلامهم بيأذي و بيطعن زي السكاكين لو طالك!
احتضنها بيد واحده و بالأخرى جذب وجهها نحوه ليستكمل بهدوء مريب و هو يتعمد اظهار إعجابه بوضعهم الحالي:.

-بس عارفه كده احسن، انتي مش بتخافي من كلام الناس اللي زي السم و مش في دماغك انك تهتمي بوقاية نفسك منه بانك تبعدي عن اي حاجه وحشه بالعكس بتشوفي الوحش فين وتجري عليه، ووخده الحياه عند وبتبوظي حياتك بأيدك و فكراها نصاحة بس للاسف مش فاهمه انك بتعاندي نفسك و مشاعرك وفي الاخر حتي جدتك وصلتيها انها تبقي بين الحياه و الموت اهيه، قوليلي أخاف أنا عليكي ليه؟

شحب وجهها و قد امتصت كلماته كل قطره دماء بجسدها وشعرت ببروده قبيحة تجتاح جسدها و بقلبها يتفتت لآلاف القطع بسبب رأيه القاسي بها و بأسلوب حياتها، تقطعت انفاسها باضطراب و خجل و عجزت عن الرد فأستكمل وهو يمسح على جانب وجهها وقد انساه الحزن في عيناها ما كان يخطط له:
-بس اعمل ايه في قلبي!، انا فعلاً خايف عليكي، و رغم اني عارف كل ده الا اني مجنون بيكي!

قالها وهو يمرر اصبعه على شفتيها المرتعشة لاختلاط انفاسهم العالية فكسرت الصمت أخيراً بخفوت وتهكم وقد دمعت عيونها:
-عشان كده قولت تضحك عليا و تخدعني؟! خوفك واهتمامك ده غريب اوي!
اغمض عيونه ليستعيد صوابة و يخرج من سحر تأثيرها ثم قال بجمود:
-انت اللي سايبه نفسك لأي حد يضحك عليكي، بس حطي في عقلك حاجه واحده لو انا راجل تاني مكنش مسك نفسه عنك ابداً، ده انتي حتي نفسك مش عارفة تحافظي عليها!

دفعها بخفه عنه كانت كافيه لتعود جاثيه على ركبتيها قبل ان يهندم من نفسه ويعود لمقعده بأخر الأريكة مقرراً انها تستحق ان تتقوقع بجواره و تفكر بكل حرف يتهمها به عسي ان تعود إلى صوابها...!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 2 < 1 2 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1767 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1273 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1322 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1138 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2073 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أمير ، تيتا ،












الساعة الآن 09:59 AM