عاشقة البحرأمام أمواج البحر الصافية... تحت أشعه الشمس المشرقة... الرمال تتسلل من أسفل قدميها لتداعبها..فأشعرتها بالبهجة... أمعنت النظر في الفضاء الواسع وعلى طول البحر المبهج ثم ركضت.. ركضت بفرحه.. وبهجه وكأنها طفله في الرابع من عمرها... طفله تري البحر لأول مره... ورغم أنها لم تكن المرة الأولي التي تأتي فيها البحر ولكن هذه المرة مختلفة تماما.فقد حضروا اليوم احتفالا بنجاحها... حصلت على درجات جيده في الثانوية والتي تؤهلها لدخول كليه الطب التي لطالما حلمت بهاضحكت مِلأ شدقيها ثم تعمقت في الماء أكثر وأكثر.. غطست في البحر والفضول يدفعها لرؤيه إبداع الله تحت تلك الصفحة الزرقاء... رمال وأصداف هو كل ما رأته تحت المياه لأنها بكل بساطه لازالت على الشاطئ حتى وإن وصل ارتفاع المياه إلى ما فوق صدرها.. زفرت في حنق ولكن ما ذنب البحر وهي القصيرة... كان قصرها مصدر سخريه الآخرين دائما... والان سينعتونها بالطبيبة القصيرة... ضحكت بمرح عندما فكرت في هذا الاحتمال ونظرت للسماء بهيام... تنهدت براحه وحمدت الله كثيرا على ما انعم عليها به وأنه لم يضيع تعب مجهودها لسنين... لم يضيع تعب والديها سدا.الحمام يطير بحريه... يرفرف بجناحيه في الهواء... أكثر ما تحبه في الطيور أنهم ليسوا مقيدين بمنهج الحياه... حريتهم سلاحهم.. وطعامهم يوفره لهم الله... نظرت للطيور بإمعان لتنتبه لذلك الطائر المتخلف عن زملاؤه فهرعت خارج المياه عندما لاحظت سقوطه الوشيك.. مدت يدها في الهواء وهي تقترب من المكان التي استطاعت التخمين أنه سيسقط عليه... جرت بأقصى سرعتها لتلتقطه قبل ان يجرح وبالفعل.. استطاعت التقاطه قبل أن يسقط وضمته لصدرها... دائما ما كانت تحلم أن تحتفظ بحمامه ولكن اجتهادها وجدها في الاستذكار أشغلها عن تفكيرها في الحمام...!!اتجهت لكرسي فارغ مرصوص على الشاطئ... جلست عليه ثم وضعت الطائر برفق على ركبتيها وظلت تمسد عليه براحه يدها"هذا الكرسي خاصتي ي آنسه"التفتت في فزع على أثر الصوت الرجولي القادم من خلفها.. وما إن رأت ذلك الشاب نهضت بفزع وقالت بتلعثم مرتبك: آسفه.. لم اعلم و..."كسر جناحه...!! "نظرت له نظرات بلهاء ثم قالت بتيه: نعماقترب الشاب ومد كفيه ليحمل الحمامة ويضمها بدل عنها... أردف وهو يمسد على الحمامة: المسكينة جناحها مكسورارتفع جانب شفتيها ببله.. كان غاضب منذ قليل وكاد يضربها لأنها جلست على كرسيه.. والأن يلين ويتصرف بلطف مع الحمامةاشتعل غضب غير مبرر داخلها فمدت يدها وانتشلت منه الحمامة ثم تركته وذهبت دون تعليقأما هو نظر لطيفها الذي يبتعد باستغراب ثم أردف باستغراب وهو يحك فروه رأسه: لماذا غضبت... بنات آخر زمان...!!!سارت غاضبه حانقه عليه... لماذا صرخ في وجهها من الأساس ولو كانت الحمامة تنطق لقالت "متي صرخ في وجهك؟ "مشت بخطوات متعصبة حتى وصلت أمام خيمه عائلتها... اقتربت منهم لتجد والدها يلوح لها و أردف مازحا: كنا سنأكل بدونك.. هيا اسرعي قبل نفاذ الطعاموكأنها لم تسمعه فتباطئه خطواتها بملل حتى بلغتهم وجلست على الكرسي المخصص لها ولم تنطقانتبهت إلى أخاها وهو يجذب الحمامة من بين يديها ثم قال: ما بها؟تذكرت ذلك البغيض وهو يقول لها: كسر جناحهافقالت وهي على وشك البكاء: المسكينة كادت تصطدم بالأرض و كسر جناحهاربت على فخذها ثم أردف بصوت حان: لا تقلقي لي صديق هنا يعمل كطبيب بيطري سيساعدنا بإذن اللهنظرت له بامتنان ثم تعلقت في رقبته بدلال... بدأت بتناول الطعام بين عائلتنا في أجواء دافئة.. مريحه.. و مرحهانتهي الطعام إلا من بعض الفتات و البقايا التي تخلفت بعد تناولهم الطعامأمسك الزوج بيد زوجته وسحبها معه ليستمتعا بماء البحر قليلااما "نايا" وشقيقها "طه" قد قررا الذهاب لصديقه البيطري من أجل طائر الحماموبخطوات متعجله اتجها نحو البناية التي يقطنون بها لتبديل ثيابهما المبتلة والتي علق بها حبات من الرماللم يمضي الكثير حتى أصبحا على كامل الاستعداد فركض طه على السلالم ليقوم بتجهيز السيارة لحين نزول اخته وبحوزتها طائر الحمام المصابأمام مشفى صديقه البيطري صف سيارته في المكان المخصص لذلك ثم صعد هو وشقيقته السلالم وقاما بحجز دورهما والذي لم يكن بالبعيددقائق مرت بين تمسيد نايا بكفها على طاير الحمام برفق.. بينما طه يطالعها بفخر... شقيقته التي أثبتت أنها على قدر عالي من المسؤولية... يدعو الله أن يسهل طريقها وييسره... هو اكثر من يعلم صعوبة الكلية فما باله بكليه الكب... ولكن لكل مجتهد نصيب... وهو يعلم أتم العلم أن مجهودها وتعبها لن يضيعا سدا ولابد من جزاءحان دورهما أخيرا... دلفا حجره الطبيب الشاب وقامت نايا بوضع الحمام برفق على الوسادة التي اشار هو عليهافحصها بدقه وهو تمعن النظر فيما يفعل... فضول ينتابها منذ صغرها لمعرفه اسرار الطب وكشف خباياه وها قد مَن الله عليها وسخر لها حلمها.. يكفي أن تستعد و تبذل المزيد من الجهد المضنى "فمن اراد العسل صبر على لسع النحل""انتهيت... ايام وستكون بخير فقط اهتموا بها"أومأ له طه برأسه ثم سحب أخته خلفه بهدوء خارجا من الغرفة.. بل من المشفى بأكملها بعدما دفع الحسابنظر لأخته فوجدها تمسد على الطائر وغشاوة من الدموع تتشكل على عينيها فمد إبهامه يمسح دموعها ثم قال بحنوه المعتاد: كفي حببتي لا تقلقي ستتحسن بأذن اللهفي صباح يوم جديد مبهج و غامضأول أيام الدراسةاستيقظ مبكرا حتى لا يتخلف عن أول يوم..هو يفضل هذا اليوم بشكل او بآخر.. سيري المزيد من المجدين الحالمين بالمجد لذا عليه ألا يفوت الفرصةاستعد وأعد نفسه جيدا.. نزل درجات السلم راكضا حتى بلغ سيارته المصفوفة في الجوار... ركب السيارة وانطلق بها حيث كليه الطب جامعه"***"حيث يعملوصل متأخرا قليلا بسبب زحام أول أيام الدراسة ولكن بالأخير... وصلبكل هيبه ووقار تقدم خطواته ليقف خلف مكتبه المعد خصيصا له ومن أمامه يجلس الملتحقين الجدد.. نظرات الفضول والرغبة في المعرفة وانتظار القادم والتشويق لما سيمرون به.. جميع تلك النظرات المنبعثة من أعينهم فجرت طاقه من الحماس لديه فأجلي حنجرته ثم أردف بصوته الرخيم: أنا دكتور /عماد السيوفيبإذن الله سأكون برفقتكم طوال العاممسؤول عن ماده (*****)لا انكر المجهود الذي سيبذله الطامع في العلو وفي مكانه راقيه ولكنه بالتأكيد يستحق وقبل أن اكمل أمنح لكم الوقت لمن يريد الاستفسار عن أمر فأنا موجودتلك اليد التي رفعت معلنه رغبه صاحبها في إلقاء سؤاله جعلته يومئ له بالموافقة فقام الشاب وعرض وسؤاله... أجابه عماد بصدر رحب محاولا إيضاح كل ما يتعلق بموضوع السؤاليد اخري من آخر المدرج جعلته يأذن لها في الميكروفون بالقيام حتى تسمعهوعندما وقفت.. تفجأ بحق ولكنه أبدع في اخفاء ملامح الدهشة عن وجههسمع سؤالها ثم قام بالإيجاب عنه وقد كان حقا سؤال مفيد يدور في رأس عدد من الطلابأجاب عن جميع الأسئلة التي وجهت إليه ومن خلالها عرف منهم من العازم على تحقيق الحلم ومن الذي لا يهتمانتهت المحاضرة الأولي بسلام فجمع معلقاته ليخرج ولكن ليس قبل ان يلقي نظره على "صاحبت الحمامات "ابتسم بسخريه متذكرا الموقف الذي تعرضا له أمام الشاطئ... يكاد يحزم انها مجنونه وستتعبه خلال العام الدراسي ولكن لا بأس سوف يلقنها الدرس جيدا لتتعلم ألا تجلس في مكان لا يخصهاوتمر الأيام والليالي بين جد واجتهاد.. تعب واستذكار... ملل وكلل... ولكن حلمها بأن تصبح طبيبه هوا الدافع الذي يدفعها دفعا للتقدم وعدم اليأسوهو كان حريصا دائما على تقديم الافضل لهم بل ويبث فيهم الامل والعدم اليأس... تقدير امتيازكان جائزتها بعد تعب مضني والكثير من المثابرة... كم تسعد حينما تري نظرات الفخر تشع من أوجه احباؤها... والدها ووالدتها وأخاها وأخيرا... هو... عمادذلك الشاب التي دائما ما تشعر بالارتباك في حضرته... شعور يدفعها لمعرفه المزيد عنه.. فالسطور العريضة التي عرفتها عنه خلال العام لم تشبع رغبتها بل زادت اشتعالا وتصميما على معرفه المزيد.. بل كل ما يخصهأجواء الاحتفال والفرحة والمتعة بثت في روحها المزيد من التصميم الأمل لبدء عام جديد و...طرقات على الباب استدعت انتباههم جميعا...سارت نايا بخطوات متمهلة لتري من الطارق فتفاجأت عندما فتحت الباب ب...عمادلم تبدي أي رد فعل ولم تنطق فابتسم الاخر ثم تنحنح قائلا: هل سأظل واقفا هنا؟فاقت من حاله الصدمة التي تلبثتها لثواني ثم أردفت بحرج: تفضلدخل للمنزل فاصطحبته نايا لغرفه الاستقبال ثم تركته بعدما قالت بتلعثم : سأخبر والديهز الاخر رأسه بإماءة موافقه وراقب تصرفاتها المرتبكة إلا ان اختفت من أمامهدقائق مرت عليه حتى وجد رجل كبير بالسن يتجه نحوه فانتصب في جلسته بينما جلس والد نايا.. نظر للشاب أمامه بتمعن يحاول سبر أغواره ومعرفه ماذا يريد سمعه يقول بصوت هادئ معرفا نفسه: مرحبا سيدي انا عماد السيوفيانتصب الأب في جلسته ثم اردف بصوت رخيم: أهلا بني.. أخبرتني ابنتي نايا أنك احدي الدكاترة في جامعه (****)هز رأسه بإماءة بسيطة ثم اردف: نعم سيدي... لا أريد ان أطيل عليك لذا سأسرع في غرض طلبينظر في عين الوالد ليستشف موقفه فأومأ الاخر له فزفر في راحه وتابع: جئت اليوم أطلب التقرب والزواج من ابنتك سيدينظر له في دهشه فلم يكن يتوقع أن يطلب مثل هذا الطلب.. لكنه لم يبدي أي رد فعل مما أربك عمادصمت قليل قطعه الأب بعد برهه قائلا: حسنا بني... لن أنكر انني تفاجأت من طلبك ولكن أترك لنا الفرصة في التفكير وبعدها سيصلك ردينهض عماد ومد يده ليصافح الوالد ثم قال بهدوء: حسنا سيدي... أستأذنك بالرحيلهز الأب رأسه ثم اصطحبه حيث الباببينما هي تجول الغرفة ذهابا وإيابا في توتر تري ماذا يريد؟ ولماذا جاء؟صوت والدها يناديها جعلها تقفز من مجلسها في ارتباك وخطط خطوات غير منتظمة نحو باب الغرفة... خرجت لتجد والدها ووالدتها وأخاها أيضا جالسون في غرفه الصالون فجلست هي الأخرى وقبل ان تنطق سمعت والدها يقول بصوته الرخيم: لقد طلب الزواج منكصدمه... دهشه... حيره... وتعجب مما سمعت.. يطلب الزواج منها هي... وقبل ان تخرج من حالت الدهشة التي تلبثتها سمعت. والدتها تقول: عندما تنهي تعليمها ي أبا طهرد الوالد قائلا: القرار قرارها ي أم طهاحمرت خدودها ولم تعلم ما تقول... احمرار وجنتيها بشكل ملحوظ جعل أخاها يضحك بشده ثم أردف مازحا: يا الله... صغيرتي القصيرة تُطلب للزواج.. كيف يفكر هذا الرجل... أم انه أتي إلى هنا تحت تهديد السلاح... هيا إعترفي ي فتاه بماذا هددتهنظر له بنظرات مشتعلة بسبب مزاحه السخيف اما والده فرد بصرامه: طه... كف عن المزاح بني ولنترك لها القرارازداد احمرار وجنتيها وقالت بخجل محبب: مثلما تري أبيابتسم لها وناظرها بفخرتم تحديد موعد الخطبة والاتفاق ان الزواج سيكون بعد اتمام تعليمها كما وافق عماد برحابة صدر لأنه في حاجه للوقت ليستعد للمنحة التي اتت اليه.. منحه في امريكاهذا كان مصدر فخر لها وحثها أكثر على المضي قدما فلن تقبل ان تكون اقل منه بل ستسعي للاجتهاد والحصول على أعلى المراتب.قصة عاشقة البحر للكاتبة فاتن نبيه