كانت (هيلانة) تجول فى قاعتها كليث جريح، تتمتم بكلمات غاضبة: -قتلوا تنيني.. الأوغاد، لن يفلتوا مني، سأريهم من أكون ومالذى أستطيع أن أفعله بهم... قاطعتها (أوار) قائلة بصوت مرتبك: -مولاتي!
توقفت (هيلانة) عن التجوال، ترمق (أوار) بتحفز، بينما قالت (اوار ) بلهفة: -لقد وجدنا الساحرة (سيلين) ، يبدو أن تلك التعويذة التى تطلقها كي تختفي عن أعين سحرتنا قد زال مفعولها، ولم تنتبه. قالت (هيلانة) بعيون تلمع: -و أين هي الآن؟
قالت (أوار) : -فى غابة (تبرزان) ، تتنقل بسرعة، بإتجاه نهر الخيزران الأعظم ومعها تلك اللعينة (ريتان). قالت (هيلانة) بصوت كالفحيح: -حسنا .. إذهبي الآن وتابعى تقدمها بحذر.
إنحنت (أوار) بإحترام قبل أن تغادر القاعة، بينما لمست (هيلانة) عقدها قائلة: -لقد حان الوقت لزيارتك أيها الجني، ولكن تلك المرة أحتاج إلى بعض الخصوصية، فلدي الكثير من الأمنيات وعليك أن تحققها لى... جميعها. لتلمع عيونها بالشر، عيون تليق ب (هيلانة) ، ملكة سحرة الظلام وتابعة الشيطان (ثالوث) .
قالت (ريتان) بسعادة وهي تتبع (سيلين) : -لا أصدق أنهم وافقوا على مساعدتنا بتلك السهولة.
قالت (سيلين ) وهي تتحرك بسرعة: -كانوا فقط يحتاجون لملكة، لرمز يجمعهم تحت رايته، ومن خير من نجمتهم (تارا) آخر سلالة الملكة (جيلان) ليتبعونها دون تردد، ويسيرون تحت رايتها ليحرروا مملكتنا من الظلام، ويعودون إلى أرضهم التى يعشقونها...
(أستيريا) ليست فقط مملكتنا كما تعرفين، بل إنها أرضنا الطيبة التى تمنحنا السحر والجمال، هي حضن دافئ يضمنا، وترياق لكل داء، هي أرضنا التى ان ابتعدنا عنها نزوي ببطئ، حتى نعود إليها فتعود إلينا الحياة... بقوة .
قالت (ريتان) : -معك كل الحق. لتصمت قليلا قبل أن تقول: -ترى كيف حال ملكتنا الآن ؟وهل حصلت على عقدها؟ قالت (سيلين) بغموض: -بل حصلت على ماهو أقوى من العقد بكثيير. عقدت (ريتان) حاجبيها قائلة: -أقوى من العقد؟!لا يوجد شيئ أقوى من عقد الملكة (جيلان) .
قالت (سيلين) بإبتسامة: -بل هناك يافتاة... الحب، فالحب هو دفء القلوب، هو تلك المشاعر الجميلة التى تجعلنا ننبض بالحياة، هو السعادة فى أنقى صورها. قد نعانق السماء حين نحب ونلامس النجوم، فالحب يجعلنا قادرين على فعل المستحيل.. نستطيع تغيير أقدارنا حتى، فقط إن وقعنا بالحب. إبتسمت (ريتان) موافقة، تتبعها وهي تشعر بسعادة خالصة بدورها.
ظلام دامس يحيط بها، ولفحات من الهواء البارد تضرب جسدها، تجمدت دمائها وتحولت إلى صقيع، دارت عيونها بالمكان تبحث عنه فى ظل شعاع من الضوء الأحمر غمر المكان ليظهر هذا الشيئ يتلوى متقدما منها، حتى توقف أمامها بهيئته كاملة. أضخم ثعبان رأته فى حياتها، وأغرب كائن على الإطلاق، ذا قرنين يخرجان من رأسه، و عيون حمراء يشقها خط أصفر لامع، صوت عميق يشبه الفحيح خرج من هذا الكائن وهو يقول بلهجة ممطوطة يشوبها الغضب: -لماذا إستدعيتني أيتها البشرية فى هذا الوقت؟ألم أحذرك من قبل أن تفعلى ذلك؟
إنحنت (هيلانة) بتبجيل قائلة: -عذرا سيدي، ولكن إستدعائي لك كان ضروريا، فلم أستطع أن أنتظر حتى المساء، سيفوت الأوان. تمايل الكائن ببطئ قائلا بضجر: -كفي عن الثرثرة وأخبريني عن هذا الأمر الجلل الذى أجبرك على إستدعائي. إستقامت (هيلانة) قائلة: -لقد قتلوا تنيني، هذا الكائن الذى أهديتني إياه عندما عقدنا إتفاقنا، وشارفوا على الوصول لمملكتنا، أحتاج مساعدتك.
تقدم الكائن بإتجاهها ببطئ وأحاطها بذيله الطويل قبل أن يشرف عليها مقتربا بوجهه المخيف من وجهها قائلا: -من هؤلاء الذين تخشينهم إلى هذا الحد؟حتى أننى أشعر برائحة الخوف تنبعث من كل جسدك. أطرقت (هيلانة) برأسها قائلة: - (سيلين) وأعوانهاو... و...
لترفع عيونها وتواجه نظرات (ثالوث) المرتقبة تبتلع ريقها بصعوبة قبل ان تقول: -و (تارا) . خيل ل (هيلانة) أن (ثالوث) قد إزداد حجمه وهو يستقيم بوجهه يختفى هذا الشق الأصفر من عينيه وهي تتحول إلى ظلام تام يظلله بعض النقاط الحمراء، لتنتفض عندما هدر قائلا: -وأخييييييرا.
كان يتقدمها مجددا شاهرا سيفه، يتطلع أمامه بحذر بينما تسير خلفه تتأمله بعشق، بقلب صار مالكا ومملوكا، تدرك بكل يقينها أنه حين إختار لها القدر (نوار) فارسا، كان يدرك أن العشق خلق لهما وحدهما دون غيرهما، كم تشعر بأنهما وجهان لعملة واحدة، يكملان بعضهما البعض، فإن كان (نوار) كتابا كانت هي اوراقه، وإن كان نهارا كانت هي شمسه وإن كان ليلا كانت هي نجمته.. (تارا) و (نوار) ، ملكة وفارسها... إلى الأبد
تقدمت بإتجاهه ليشعر بيد تسللت إلى يده الحرة لتتخلل أصابعها أصابعه، توقف متطلعا إلى تلك التى جاورته بعشق قائلا: - (تارا) إبقي خلفي كي أحميكي.
رفعت يده إلى خافقها تضعها عليه قائلة: -إستمع إلى دقات قلبي لتدرك أنها تدوي عشقا وليس خوفا، لم أعد أشعر بالخوف مطلقا.. أثق بك كثقتي فى تلك اللحظة بأنى قادرة على إسترجاع مملكتي وقهر كل من يحول دون ذلك.
أثارته دقات قلبها، ونظراتها الساحرة التى تغلغلت إلى كيانه فبعثرته، فمال يقبل ثغرها بعشق، تاركا مشاعره الثائرة تقوده وتمنحه مايرغب به دوما فى رحابها، إمتزاج أنفاسهم العاشقة.
ابتعد عنها مرغما كي يستعيدا أنفاسهما الضائعة، ليطالع عيونها التى غشيتها نظرة ناعسة راغبة، إبتسم ممررا يده على وجنتها الناعمة قائلا: -لا تغريني يافتاة وإلا لن نصل إلى مملكتنا أبدا.
بادلته إبتسامته بأخرى خجول، زادته عشقا، ليكاد أن يطيح بكل شيئ ويعاود تقبيلها حد الإرتواء ولكن صوت موسيقى عذبة تناهى إلى مسامعهما فأثار إعجاب (تارا) التى قالت بحماس: -ما هذا الصوت؟ومن أين يأتي؟
إبتسم (نوار) وهو يمد يده إليها قائلا: -تعالى معي، سأريكي.
تمسكت بيده يتجهان صوب الموسيقى حتى توقف (نوار) خلف إحدى الأشجار وهو يشير لها بالصمت، لتتطلع (تارا) إلى هذا الكائن العجيب بإنبهار، لقد كان مخلوقا يشبه وحيد القرن ولكن قرنه عملاقا .. به اثنان وأربعون قرنا مجوفا، يصدر من قرنه موسيقى عذبة شجية تجمع لها سائر الحيوانات، تقف بإجلال تستمع لتلك الموسيقى الملائكية.
قالت (تارا) بهمس: -ماإسم هذا المخلوق وكيف يصدر قرنه تلك الموسيقى الرائعة؟ أجابها (نوار) بهمس مماثل: -إنه (شادهافر) مخلوق سحري من مخلوقات مملكتنا، عندما تمر الرياح عبر قرنه السحري، تصدر تلك الموسيقى الخلابة فتسحر من يسمعها. طالعت هذا المخلوق بإنبهار قائلة: -إنها حقا نغمات... صمتت حين وصلتها كلمته: -ساحرة.
إلتفتت تنظر إليه على الفور فقد كانت نبراته تنطق بالعشق جذبت كل حواسها، وجدته يتأملها هي لا المخلوق، يسحرها بنظراته فتشعر بأنها تطير معه فى سماء السعادة، يكمل سحر تلك اللحظات نغمات رائعة.. تطوف بهما عشقا.
عادت عينا (ثالوث) كما كانت، حمراء يشقها خط أصفر لامع وهو يطالع (هيلانة) قائلا: -كنتي تخفين عني هذا الأمر، أليس كذلك؟ قالت على الفور بثبات: -نعم. قال (ثالوث) بسخرية: -تعترفين بثبات !ألا تخشيني أيتها البشرية الحمقاء؟
قالت بهدوء: -بل أخشاك بالطبع، كنت مخطأة، ظننت أننى قد أستطيع الحصول على دمائها لنفسي، فأحصل على الخلود.. طمع أحمق نقع به جميعا بشر وشياطين، ولكني أعدك بأن لا أكرر هذا الخطأ مجددا، لا أنكر أني أريد الخلود مثلك تماما، ولكني بالتأكيد لن أخاطر بالموت فى سبيل الحصول عليه، لذا سأمنحك إياها على طبق من ذهب، إن منحتني القوة لأحكم (أستيريا) سنوات عديدة دون تهديدات لسلطاني.
تراجع برأسه مطلقا ضحكة ساخرة عالية، أثارت حنق (هيلانة) ولكنها لم تحرك ساكنا، و (ثالوث) يعتدل مطالعا إياها مجددا قائلا هدوء: -تعجبيني يافتاة. ليبتعد عنها مستطردا: -حسنا، سأمنحك ماتريدين فى سبيل القضاء على (سيلين) وأعوانها، ولكن لا تقتلي (تارا) ، بل أحضريها لى حية.
لتضوي عينيه وهو يقول: -أريدها حية لأتلذذ بقتلها بنفسي، ويالها من لذة تثير دمائي شهوة تخيلها. نادته قائلة: -انتظر، إمنحني ماأريد كي أهزمها وأحضرها إليك. إلتفت إليها قائلا: -فى يدك سوار.
نظرت (هيلانة) إلى يدها فوجدت سوار يحيط معصمها، نظرت إليه مجددا وهو يستطرد: -إلمسي دائرته القرمزية و إلقى أوامرك فحسب وستتحقق، ولكن إحذري فلديك ثلاثة أوامر، إن فشلتي بعدها أصبحت روحك ملكي.
إقشعر جسد (هيلانة) ، فلامست السوار دون وعي، تلاشى (ثالوث) تدريجيا ومع إختفاءه، سمعت فحيحه الذى تردد فى الأرجاء: -إحذري إتحاد الفارس مع مليكته، إمنعيه بأي ثمن.
فتحت (هيلانة) عيونها لتطالع حجرتها، رفعت يديها تطالع سوارها قائلة بإنتصار: -لا تقلق ياصديقي، فإن كان فارسها (نوار) كما أخبرونى، فلن يقربها، فهو عدو للنساء منذ أن تخلت عنه والدته وإتبعت طريقنا، طريق الشيطان.
لتطلق ضحكة عالية شيطانية وهي تمسك سوارها تلمس دائرته القرمزية تأمر شيطانها بالأمر الأول، تبتهل أن يكون... الأخير.
الغابة قد تبدو ساكنة أحيانا، ولكنه سكون وهمي، فهناك صوت زقزقة العصافير يلوح بالأفق، أو صوت نسمات الهواء تداعب أوراق الشجر، أو صوت أنين الصخور حين تتخلل الرياح ثناياها، أو صوت أنفاس ثقيلة لحيوانات مفترسة تتربص بفرائسها.. الغابة لاتكن أبدا ساكنة كالقبور .. فإن وجدتها هكذا فإعلم أنه السكون الذى يسبق العاصفة.
توقفت (سيلين) تنظر حولها بريبة فقالت (ريتان) : -ماذا هناك يا سيدتي؟ قالت (سيلين) : -سكون الغابة يقلقني؟ قالت (ريتان) بحيرة: -لطالما كانت الغابة ساكنة، تلك هي طبيعتها.
قالت (سيلين) بحذر: -لم تكن أبدا ساكنة كالقبور، إستمعي.. لا صوت لزقزقة العصافير، ولا حفيف لشجر، وكأن الغابة أصابها... قاطعتها ريتان وهي تقول بلهجة مرتعبة ناظرة إلى نقطة خلف (سيلين) : -سحر أسود. إلتفتت ( سيلين) تنظر إلى مايرعب تابعتها، ليدب الرعب فى أوصالها بدورها وهي ترى مجموعة من الحيوانات المفترسة تقترب منهم، وعيونهم قد تغير لونها لتصبح حمراء... بلون الدم.
أطلقت (هيلانة) ضحكة ساخرة وهي تتابع مايحدث على بلورتها السحرية، قائلة بشماتة: -أريني الآن أيتها البلهاء كيف ستتخلصين من حيواناتي التى زدتها شراسة وإفتراسا بسحري. لتملس بلورتها بعيون تلمع قائلة: -تمنيت لو كانت (تارا) معكما، ولكن لا بأس.. مازال لدي أمران، فصبرا جميلا أيها الحمقى.
أطلقت ضحكة أخرى وعيونها تزداد لمعانا ترى تلك الحيوانات تقترب من فريستها، تستعد فى أي وقت للإنقضاض عليها وقتلها... دون رحمة.
شعرت (سيلين) بقرب النهاية، فإن كانت تملك القوة والسحر للقضاء على بعض تلك الحيوانات، لكنها بالتأكيد لن تستطيع القضاء عليهم جميعا، لتلمع عيناها فجأة وقد تذكرت أمرا، فأسرعت تفتح حقيبتها بهدوء كي لا تثير تلك الحيوانات، تمسك بصدفة غريبة اللون والشكل، رفعتها إلى فمها وهي تحرك عقدها متمتمة ببعض الكلمات داخلها، تلقى بتعويذتها، تبتهل أن يستمع مخلوق الغابة لندائها بسرعة، أعادت الصدفة إلى حقيبتها وهي ترى إحدى تلك الحيوانات يستعد للإنقضاض عليها بينما يتحفز البقية لإفتراسهما، فحركت يديها بحركات متتالية تتبعها (ريتان) لتنطلق من أيديهما أشعة من النور أصابت بعض الحيوانات وأردتهم قتلى، فإشتعل غضب البقية وهاجمت كل من (سيلين) و (ريتان) ، تنوى قتلهما.. دون شفقة.
توقفت (تارا) فجأة فتوقف (نوار) بدوره ناظرا إلى ملامحها .. يراها تركز ناظريها على نقطة ما تعقد حاجبيها بحيرة، فقال على الفور: -مابك حبيبتي؟ أشارت (تارا) إلى الأشجار قائلة: -إنظر ( نوار ) إلى تلك الأشجار وأخبرني، هل تزداد فروعها كثافة؟أم يهيأ لى؟
نظر (نوار) إلى الأشجار ليعقد حاجبيه وهو يرى أن أفرع تلك الأشجار تزداد كثافة حقا وتستطيل، ليترك يدها شاهرا سيفه وهو يقول: -بل هي كذلك بالفعل فإستعدي، تبدو كأفعال (هيلانة) ، وهذا يعني شيئا واحدا. لمست (تارا) عقدها بقلق و (نوار ) يستطرد: -أنها إكتشفت وجودنا وأصبحت ترانا وتحاول بكل قوتها القضاء علينا. لينتفضا سويا وتلك الأشجار تتوحش ويظهر لهم عيون... بلون الدم.
كانت تحاربان بكل قوتهما، تطلقان أشعة النور لتصيب من ترتطم بها، تبعد الأذى عنهما، قبل أن تشعران بخوار قوتهما حتى كادتا أن يستسلمان لقدرهما .. ولكن فجأة كانت تلك الحيوانات تطير لتقع أرضا وتموت، فنظرتا لمن كان السبب فى إبعاد تلك الحيوانات عنهم وقتلهم واحدا تلو الآخر، فإذا بمخلوق يشبه الثور، ذو قرون كبيرة وذيل طويل، يمتلك قوة أسطورية، حيث بركلة واحدة منه كان يبعد تلك الحيوانات لتسقط على بعد مسافة بعيدة، وقد فارقت الحياة. إنه (بوناكون) مساعد السحرة، هذا الذى لايؤذي البشر أبدا ولكنه فقط يؤذي من يحاول إفتراسهم.
توقف (بوناكون) أمامهما، يطالعهما بقوة فإنحنيا أمامه بإجلال قبل أن يستقيما مجددا، ليهز الكائن برأسه قبل أن يبتعد عنهما ويختفى من حيث أتى، لتقول (سيلين) بقلق: -حمدا لله، هيا بنا.. علينا الإسراع، فما حدث يؤكد أن (هيلانة) تسخر كل قوتها للقضاء علينا والحول دون وصولنا إلى المملكة، ويعني ايضا أن تعويذتي قد فقدت سحرها فأصبحنا مرئيون لها، ولم يعد بإمكاننا الإختفاء عن بلورة سحرة الظلام، ولا وقت لدينا للذهاب وإحضار عشب لتعويذة جديدة، ف (تارا) قريبة جدا وحياتها قد تكون الآن بخطر.. هيا أسرعي خلفى.
لتهرول (سيلين) تتبعها (ريتان) بينما كانت هناك عيون تتبعهما بحنق، تصرخ بغيظ هادرة: -لن تفلتا منى، سأسخر كل قوتي لأقضى عليكم... جميعا.
كان (نوار) يحاول بكل قوته أن يمنع وصول تلك الأفرع المتوحشة إلى حبيبته، تساعده بدورها بكل ماتملك من قوة، يضربان الأفرع بالسيف وكرات النور، فكانت تلك الأفرع تنكسر لينبت لكل فرع فرعان جديدان، شعرا بالإنهاك وبقرب النهاية، فى نفس اللحظة التى ظهر فيها كل من (سيلين) و (ريتان) ، يسرعان إلى جانبهما ويطلقان بدورهما أشعة النور على تلك الأفرع فتزداد، أصابت إحدى تلك الأفرع (نوار) فخضبت صدره بالدماء، شعرت (تارا) بالهلع، ولكنه أظهر لها أنه بخير وهو يواصل القتال بكل قوته، يخبرها بعينيه أنه لن يتخلى عنها أبدا ولن يرحل مهما كان ألمه، فمنحها القوة لتتطلع إلى محيطها، تبحث عن الخلاص، فما يفعلونه بالتأكيد يزيد الأمر سوءا ولا يبشر بالخير أبدا، تعلقت عيونها بجذوع الأشجار التى شعرت بها تنبض بالحياة، صرخت بقوة: -إتركوا الأفرع، وإجتثوا تلك الأشجار من جذورها، هيا صوبوا نحوها بسرعة.
ليقوم الجميع بتصويب كرات النور على الجذور بينما يقطعها (نوار) بسيفه الساطع، لتقع الأشجار أرضا ترتعش للحظة قبل أن تسكن وتخبو منها الحياة، ليقضوا عليها جميعا بعد دقائق، ويهللوا بسعادة.
أسرعت (تارا) إلى (نوار) تحتضنه بقوة فتأوه بضعف، كادت أن تخرج من بين ذراعيه وهي تتذكر بهلع أنه مصاب ولكنه استبقاها بين ذراعيه قائلا بهمس فى أذنيها: -راحتي فى وجودك بين ذراعي ياحبيبتي، فلا تسلبيني إياها.
إستقرت فى صدره هامسة بدورها: -ولكنك مصاب، وتحتاج لعلاج. ضمها بين أضلعه قائلا: -تمنحيني إياه دون أن تدرى، وجودك على صدرى يسكن نبضات القلب، وأنفاسك القريبة منى تشفي الروح والجروح.
إبتسمت بحب وتسارعت نبضات خافقها لتبتعد على الفور حين إستمعت إلى (سيلين) وهي تقول: - هيا أيها الفارس، لنعالج جرحك ثم نسرع إلى المملكة، فالقادم يحتاج إلى كل قوة لدينا كي نحارب الظلام ونهزمه، فقد آن الأوان . أفسحت لها (تارا) الطريق على الفور لتبدأ (سيلين) بعلاج فارسها ... وحبيبها.
أسرعت (أوار) تلبي نداء سيدتها الغاضب لتدلف إلى الحجرة وتتوقف فى صدمة، تتطلع إلى محتوياتها المحطمة بالكامل، لتنتفض على صوت (هيلانة) وهي تقول بغضب: -إستدعى سحرة الظلام، أخبريهم أن يجتمعوا و يستعدوا بكل قوتهم للقادمين، ف (تارا) آتية مع أعوانها، ولن أسمح لهم بإستعادة المملكة، أبدا.. لم يعد لدي سوى أمرا واحدا، لا تجبروني على اللجوء إليه .. وإلا أهلكتكم جميعا، إذهبى.. هيا، أغربي عن وجهي الآن.
أسرعت (أوار) تغادر الحجرة بخطوات مضطربة لتخبر السحرة بتعليمات مليكتها، تدعوهم لإجتماع عاجل، تشعر بالخوف يراودها وهي تشكك لأول مرة فى قدرة (هيلانة) على ردع (تارا) ، رغم إتحادها مع الشيطان نفسه من أجل ذلك، فلأول مرة تشتم (أوار) رائحة الخوف فى نبرات ملكتها منذ ان تولت أمر سحرة الظلام، تخشى أن يعود كل شيئ مثل الماضي فيحصل سحرة النور على مليكة تنهض بهم وتحميهم من جديد، تعيد إليهم سلطانهم وقوتهم بينما يعود سحرة الظلام إلى باطن الأرض يقتاتون فقط... على سواد قلوبهم.
نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة الفصل العاشر والأخير
همهمات سرت بالقاعة لدى إعلان ( أوار ) عودة (تارا) إلى المملكة، لتتأمل (هيلانة) الوجوه المضطربة بإمتعاض.. نهضت ببطئ تتطلع إلى وجوههم قائلة: -فلتعلوا أصواتكم وأخبروني بمايدور فى خلدكم، لا تضطروني لقراءة أفكاركم.
نهضت إحدى الساحرات قائلة بإضطراب: -تقولون أن (تارا) عائدة للملكة وتطالبونا بالتصدى لها، إنها (تارا) إبنة الملكة (نشروان) ، وحفيدة (جيلان) أم السحرة أجمعين، لا قبل لنا بتلك المواجهة وإلا كان مصيرنا الهلاك يامولاتي.
قالت (هيلانة) بصوت كالفحيح: -سحرة الظلام لا يهابون أي شيئ، حتى الموت. قالت الساحرة بحزم: -بل نهابه يامولاتي، لا أحد يرحب أن يفنى بين براثنه ولا حتى أنتى .
سرت همهمات موافقة بين الحضور فرمقتهم (هيلانة) قائلة ببرود: -إذا ستتخاذلون.. تستسلمون بسهولة وتعودون لباطن الأرض تقتاتون على الظلام فقط، بعد كل هذا؟ لتشير بيديها حولها وهي تستطرد قائلة: -ستعودون شرزمة تختبئ كالجرزان، تخضع فى خوف كما كنتم بالماضي أليس كذلك؟ قالت الساحرة بمرارة: -الحياة بحد ذاتها حتى وإن كنا خاضعين أفضل بكثير من مجابهة الموت الحتمي يامولاتي.
طالعتها (هيلانة) بغضب قائلة: -ما جعلني ملكتكم هو إصراري على تغيير أقدارنا البائسة، هو إيماني بأننا نستحق الأفضل، نستحق أن نكون ملوك العالم، ومازلت مصرة على ذلك .. أنا لا أخشى تلك ال (تارا) ، ولدي كل الرغبة فى مواجهتها، قتلت ملكة سحرة النور مرة وأنا على إستعداد لقتل آخر سلالة ( جيلان) بكل ما لدي من قوة.
قالت الساحرة بإصرار: -قتلتيها بالحيلة، لم تكن تواجهك وإلا كان مصيرنا الهلاك، تريدين مواجهة الملكة، فلتفعلي .. ولكن نحن لن نفعل، فلا قبل لنا بها. طالعتها (هيلانة) ببرود قائلة: -بئس القرار إتخذتم.
لترفع يديها فجأة بإتجاه الساحرة تسحب روحها بينما إنتفض الحضور، وعيون (هيلانة) تتحول إلى اللون الأحمر، يدركون أن شيطانها الآن حاضرا.. معها.
توقفت (هيلانة) لتقع تلك الساحرة أرضا جثة هامدة زرقاء، لتتطلع (هيلانة) بعيون من الدم إلى وجوههم قائلة بصوت أثار الرعب فى أوصالهم: -لن أقبل بوجود جبان بين صفوفي، إما أن تكونوا معي وتحاربون عدوكم بكل مالديكم من قوة، أو أحضر الموت إليكم وأسلب أرواحكم الفانية بيدي هاتين... الآن.
نهض جميع السحرة يقول أحدهما بوجل: -بل معك يامولاتي. ليقول آخر: -كلنا معك. بينما قالت إحدى الساحرات: -أخبرينا فقط، ماذا نفعل؟
تطلعت إليهم واحدا تلو الآخر وهي تقول بعيون قد عادت إلى طبيعتها تظللهما نظرة شر خالصة: -لا شيئ مطلقا، كونوا على طبيعتكم فقط، اقتلوا دون رحمة، أخرجوا الظلام من قلوبكم، ووجهوه إلى قلوب سحرة النور، فقط إفسحوا لى الطريق لأواجه (تارا) بمفردي.
لتلمس سوارها وهي تقول: -وأنا قادرة تماما على هزيمتها وتقديمها قربانا لشيطاني. لتومض عيونها باللون الأحمر، بينما تبادل السحرة النظرات فيما بينهم.
جاء الصباح وافترشت الشمس كبد السماء، ترسل أشعتها الذهبية لتبعث فى القلوب الدفء، تبعث الأمل... الأمل فى أن يكون هذا اليوم هو يوم البشرى لكل سحرة النور وسكان المملكة.. أن يكون هذا اليوم هو يوم الخلاص .. يوم النصر بعد سنوات من الذل والهوان..
علم الجميع بوصول (تارا) إبنة الملكة الراحلة (نشروان) إلى المملكة، يتبعها أعوانها من سحرة النور، فإجتمع كل السحرة الذين رأوا فى (تارا) خلاصهم . إتجهوا إلى ساحة السحرة حيث يجتمع الجميع إما فضولا ليروا مايحدث بين كل تلك القوى المتجمعة، وإما مؤازرين لأحد الطرفين. إنتظر الجميع رؤية حفيدة (جيلان) ، تلك التى ظنوها قد ضاعت أو ماتت ولكنها عادت بعقد جدتها تبغى إسترداد ملكها وإرجاع سحرة الظلام إلى مكانهم الذى جاءوا منه..
كانت (هيلانة) تجلس على عرشها الذى إستقر فى آخر تلك الساحة، تتوسط أتباعها المتحفزين، ينتظرون ظهور تلك النجمة التى يعقد سحرة النور عليها آمالهم..
لتطل هي، تتطلع كل العيون إليها، تحيطها هالة من البراءة والجمال، تقبع فى عينيها نظرة جعلت كل سحرة الظلام يشككون فى نتيجة حرب اليوم، نظرة الإيمان بأن اليوم هو يوم عودة الحقوق إلى أصحابها، اليوم هو يوم إنكسار سحرة الظلام .. إنه يوم الإنتقام لكل أرواح المظلومين .
تقدمت (تارا) لتتوسط الساحة يجاورها فارسها (نوار) من جهة بينما على الجهة الأخرى منها وقفت (سيلين ) ، وخلفهم (ريتان) ومجموعة كبيرة من السحرة الفرار، يتقدم منهم آخر من تبقى من سحرة النور، ينضمون إلى صفوفهم خلف ملكتهم.
تطلعت (هيلانة) إلى هؤلاء السحرة واحدا تلو الأخر، حتى إستقرت عيناها على (تارا) ، تثير حنقها تلك النظرة الراسخة بعينيها، وكأن الحرب قد حسمت لصالحها، تمتزج فى تلك العيون البراءة بالقوة لتهز أركان المملكة وتبعث القلق فى نفس أتباع (هيلانة) ، فنهضت تقف على الفور قائلة ببرود: -ما الذى جاء بك إلى مملكتنا أيتها الدخيلة؟
قالت (تارا) بهدوء: -لست بدخيلة، أنا (تارا) إبنة الملكة (نشروان) حفيدة الملكة (جيلان) وآخر سلالتها، وريثة عرشها والأحق بالحكم منك أيتها المغتصبة الغادرة سوداء القلب والعقل. قالت (هيلانة) بغضب: -أتجرؤين على سبي أيتها البلهاء؟ستدفعين الثمن غاليا، غاليا جدا.
تحدتها (تارا) بنظراتها فتجاهلتها وهي تنظر إلى (نوار) قائلة: -وأنت أيها الفارس الهمام، هل ستقاتل فى صفها؟! ألا تكره النساء كما قلت سابقا لجميع رفاقك؟ ظللت شفتيه إبتسامة ساخرة وهو يقول: -سأفعل، ولا شأن لك بما أقول أيتها اللعينة.
نهضت بغضب تسير مقتربة من إحدى الساحرات قائلة: -ستفعل.. اممم.. ستحارب مع إمرأة بل وتبذل روحك فداؤها؟ لتشير إلى ساحرة وقفت أمامها قائلة بسخرية: -ألم تتخلى عنك إحداهن؟ طالعهما (نوار ) ببرود قائلا: -لست كلكن سواء..
ليمسك بيد (تارا) ناظرا إليها بحب فطالعته بدورها بينما يستطرد قائلا: -فمنكن من هي مستعدة للتضحية بحياتها فى سبيل أحبتها، من هي مستعدة أن تزهق حتى روحها فى سبيل أناس لا تعرفهم فقط لتعيد إليهم حقوقهم.
ليتطلع مجددا إلى (هيلانة) الحانقة وتلك الساحرة التى خلت ملامحها من كل تعبير وهو يقول بسخرية: -شرذمة منكن فقط بلا قلب أو ضمير إعتنقن الغدر مذهبا فأصبحت لكن الشرور عائلة، أباكن الغدر وأمكن الخيانة وأخواتكن الظلم والخراب، لا يحزن لفراقكن مخلوق بل يعدها نعمة يشكر الله عليها فى كل وقت.
أطلقت (هيلانة) ضحكة ساخرة، ثم قالت بخبث: -إذا لن تحزن إن قتلتها.. أليس كذلك؟!
لتقوم بغرز السكين فى قلبها بسرعة فوقعت أرضا جثة هامدة، أطلق (نوار) صرخة مريرة وهو يرى والدته قتيلة أسفل قدمي (هيلانة) ، ليتقدم بإتجاهها فتمسكت (تارا) بيده، نظر إليها بأعين زائغة، فقالت له بعينين مغروقتين بالدموع، تشعر بهذا الألم الرابض بصدره: -لا تمنحها ماتريد، هي فقط تريد إبعادك عنى، تريد أن تقترب منها فيسهل عليها قتلك ثم قتلي، تعلم أن فى وجودنا معا قوة لا قبل لها بها، لا تذهب (نوار) ، فنضيع معا وتضيع مملكتنا.
شعرت بجسده المشدود يلين مع كلماتها وعيونه تستقر رويدا رويدا، تثبت نظراته ويعود إليه رشده، يومئ لها برأسه، فبادلته إيمائته، ثم طالعا (هيلانة) التى رأت نظرات الحب تمتزج بالقوة فى عيونهم بينما رأت السخرية فى عيون (سيلين) مما أصابها الغضب لتقول موجهة حديثها إلى (تارا) : -هراء.. دمك النقي.. نسبك وهذه الكلمات الفارغة عن الحب والوفاء، فليذهب كل شيئ إلى الجحيم حيث ستذهبين بدورك أيتها البلهاء أنتى وأعوانك الأغبياء، فمن الجنون أن تظنوا أنفسكم قادرين على هزيمتي وأنا معي شيطان الجن (ثالوث) .. هيا.. اهجموا سحرة الظلام، إذهقوا أرواحهم دون رحمة، إجعلوهم يدركون من نحن وماذا نستطيع أن نفعل بهم.
ليبدأ الهجوم وتنطلق كرات النور والنار فى كل مكان، ليشتعل الجحيم بالفعل بين جنبات المملكة.
كانت (هيلانة ) تشتعل غضبا، فرغم قوة سحرة الظلام إلى جانب قوتها إلا أنهم لم يحدثوا ضررا بالغا فى صفوف سحرة النور، يحميهم درع (تارا) التى أقامته حولهم ليصد أي محاولة هجوم من قبل أتباع الظلام، بينما سحرة الظلام قد تضررت صفوفهم بشكل خطير، ووقع منهم العديد من القتلى والجرحى..
خطت بضع خطوات بين جثث مخضبة بالدماء، تشتعل عيونها بلون الدم القاني، نظرت إلى (سيلين) التى تقتل مع الفارس (نوار) كل من يعترض طريقهما من سحرة الظلام، يحرسان ملكتهما كدرع لا يمس بينما تطلق (تارا) أشعة النور خاصتها فتصيب أهدافها بدقة لينهار كل السحر وتفشل كل التعاويذ.
ترى هل اقتربت النهاية حقا؟!
صرخت بكل قوتها: -محاااال. لتمسك إسوارتها تلمس حجرها القرمزي هادرة: -آمرك أيها الحجر المسحور، أن تنادى الموتى من القبور، ليلبوا نداء مليكتهم صاحبة العهد المحظور.
ليلمع الحجر ويضوى بقوة، ثم إهتزت الأرض وإنشقت، توقف القتال والكل ينظر إلى تلك الشقوق ومايخرج منها لتتسع عيونهم بقوة وهم يرون جنودا تخرج من باطن تلك الشقوق تباعا.. جنودا من الموتى.
نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة الفصل الختامي
تبلبلت الصفوف وتبعثر ثباتها، بعد أن حاول سحرة النور مقاومة تلك الجنود دون جدوى، ففى النهاية يستطيعون الوصول إليهم وقتلهم بينما لا يصيب تلك الجنود أي شيئ، ان غمسوا السيوف فى قلوبهم أو حتى ضربوهم بكرات النور، لا يستطيعون التخلص منهم ... مطلقا.
صرخت (تارا) قائلة: -تبا، إن هؤلاء الجنود لا يموتون، مهما فعلنا.
حاول (نوار) تفادى إحدى ضربات السيف من أحد تلك الجنود وهو يوجه ضربة إلى صدره إخترقته، فلم يسقط الجندي بل وجه إليه ضربة أخرى بسيفه، تفاداها (نوار ) بصعوبة وهو يسحب سيفه من صدر الجندي قائلا بحنق: -بالطبع لن يموتون، فهم أساسا.. موتى.
قالت (سيلين) وهي توجه إحدى أشعتها لأحد سحرة الظلام اللذين إستعادوا ثقتهم بأنفسهم ويحاولون الإنضمام إلى هؤلاء الجنود فى الهجوم على سحرة النور: -لابد وأن يكون لديهم نقطة ضعف، إن وجدناها إنتصرنا.
تأملت (تارا) أحد هؤلاء الجند للحظات بتركيز شديد، حتى كادت أن تصيبها إحدى كرات النار لولا (نوار) الذى صدها بسيفه، لتمنحه نظرة ممتنة قبل أن تصرخ بحزم: -رؤوسهم، إقتلعوا رؤوسهم ثم هشموها ففيها تربض أرواحهم المظلمة، هيا.
اتبع السحرة تعليماتها بدقة، فسقط الجند واحدا تلو الآخر، ليتعالى هتاف سحرة النور وهم يشعرون بقرب الفوز، خاصة وسحرة الظلام قد تراجعوا وقد بدأوا يشعرون بالخوف، بينما تصرخ (هيلانة) رافضة مايحدث، تحثهم على الصمود والحرب حتى تذهق أرواحهم، ترمق الجثث المتناثرة هنا وهناك بحسرة، بينما سحرة النور يقاتلون ببسالة ومهارة تقودهم (تارا) وفارسها فتردي جنود الظلام وسحرته صرعى..
إقتربت منها (تارا) يجاورها فارسها و (سيلين) ، يلمع العقد الذهبي فى صدر (تارا) بقوة لتدرك أنها النهاية، ان لم تمت على يد تلك الملعونة فسيأخذ حليفها روحها كما أقسم، فلقد عاهدته إن فشلت أن تسلمه روحها .. الجو يزداد برودة وسكنت الرياح تماما بينما تشعر بدمائها تتحول إلى جليد، ها هو الظل الأحمر يتمثل أمامها، يتلوى مقتربا منها، توقف الجميع عن القتال يطالعون هذا الكائن برهبة، ثعبان ضخم ذو قرنان يخرجان من رأسه وعيون حمراء يشقها خط أصفر لامع بينما يقول بنبرة عميقة باردة كالصقيع: -لقد فشلتى أيتها البشرية وحان الوقت لتفى بالوعد.
قالت (هيلانة) بجزع وهي تتراجع إلى الوراء: -إنتظر أرجوك، لا تسلبني روحي، إمنحني فرصة أخيرة وأعدك بالنجاح.
إقترب منها (ثالوث) يقول بصوت كالفحيح: -لقد منحتك الكثير، لم تعودى ذات فائدة لى، صرتى ضعيفة أيتها البشرية، وكل محاولاتك باءت بالفشل، حتى خطتك بجعل (نوار) يكره النساء عندما سحرتي والدته وجعلتها تتخلى عنه دون إرادة منها، كي لا يتحد يوما بملكته فشلت، وها هو ذا قد إتحد بها فأصبحت أقوى مايمكن أن تكون.
شعر (نوار) بالغضب وكاد أن يتقدم بإتجاههما فأمسكت (تارا) بيده تمنعه وهي تهز رأسها، تنهاه عن فعل ذلك، بينما قالت (هيلانة) بوجل: -كنت أثق بأنه لن يفعل، ظننت أن كرهه للنساء سيحول دون زواجه منها، فمشاعره قوية وتحركه.
هدر ( ثالوث ) قائلا: -كان الأولى بك أن تقتليه، لا أن تحيكي تلك الخطة البائسة أيتها الغبية، كنت أظنك أذكى من ذلك، حسنا لا بأس، سأريحك من عناء التفكير وأمزج روحك الفانية بروحي، سأجعلك خالدة أيتها البشرية الحمقاء رغم كل شيئ.
صرخت بينما يسلبها (ثالوث) روحها ببطئ وعيونه تتحول إلى ظلام تام، يظلله بعض النقاط الحمراء، يتلوى بتلذذ قبل أن تعود عينيه إلى طبيعتها وتسقط ( هيلانة ) بعدها جثة هامدة زرقاء اللون.. تراجع سحرة الظلام بخوف، ليرمقهم (ثالوث) بلا مبالاة قبل أن يلتفت ويواجه (تارا) وأعوانها، يتأملها بعيون مخيفة ولسان خرج من فمه بتلذذ أثار الرعب فى أوصال الجميع.
شهر (نوار) سيفه بينما تحفز الجميع مضطربا حين قال (ثالوث) : -مرحبا ياسليلة الملكة (جيلان) ، وأخيرا إلتقينا. قالت (تارا) بصوت قوي: -لقاء غير سار بالنسبة لى أيها الملعون.
لمعت عيون (ثالوث) وهو يقول: -ولكنه سار بالنسبة لى يامليكتي. تقدمت (تارا) منه خطوة وقالت بثبات: -أطالبك بالعودة إلى الجحيم وترك مملكة (أستيريا) وشعبها دون أذى، وإلا قضيت عليك الآن .. دون تردد.
أطلق (ثالوث) ضحكة ساخرة عالية قبل أن يقول: -هل كل البشر بهذا الغرور؟هل تظنين أنك تستطيعين تدميرى أيتها البشرية الحمقاء؟حتى إن كنت تملكين عقد (جيلان) ، وحتى إن إتحدتى بفارسك وأصبحت قوتك لا حدود لها ولا تستهان، حمقاء.. أنا أظل (ثالوث) شيطان الظلام وسيد الجان، أستطيع قتل كل خالد وكل فان.
أمسكت (تارا) بعقدها قائلة بصوت صادح: - فليتحد السحرة أجمعين لقتل عدونا، هذا الذى يبغى سلب أرضنا و أرواحنا بعد أن يفرق بيننا وينشر البغضاء فى قلوبنا، إنها أرضنا جميعا، فلندافع عنها بكل مالدينا.
لتنظر إلى عيون (ثالوث) الغاضبة قائلة بقوة: -هي الحرب إذا أيها الملعون.
هتف الجميع وهم يجمعون شتات أنفسهم، يبعدون البغضاء عن قلوبهم ويتركون فقط حب الوطن يتغلل فى قلوبهم، ليوجهوا كرات النور والنار إلى عدوهم الوحيد (ثالوث) الذى انتفض واقفا يرسل أشعة من النار فى كل مكان فيصيب بها العديد من السحرة بينما تحاول (تارا) بكل قوتها صد هجماته، أما (نوار) فقد شهر سيفه واقترب منه يحاول إصابة ذيله، ليضربه بهذا الذيل ويدفعه ليسقط بعيدا، بينما أصاب (سيلين) بشعاع من النار لتسقط أرضا، تطلعت (تارا) إلى محيطها، لتتوقف لثوان وهي تفكر فى طريقة لقتله فمن الواضح أنه يفوقهم قوة، وإن إستمر القتال على هذا المنوال، سيقع العديد من السحرة صرعى أو جرحى، لمعت عيناها فجأة، لتركض إليه بكل قوتها، تمسك عقدها بكلتا يديها فأضاء بقوة، ليراها (ثالوث) ويمسكها بذيله يرفعها ويقربها إلى وجهه وسط رعب الجميع.
الحب كالسحر، يمنح المحبين الطاقة اللازمة لمواجهة أعتى الصعاب هو شعور لا إرادي يقتحم القلوب دون إستئذان، يزيل منها كل الأوجاع ويترك فقط السكينة الحب هو سر الوجود والذى يمنح للكون الحياة إن وجد صاحبه الإزدهار والسلام وإن غاب حل الظلام والخراب وبرفقة من نحب فقط نشعر بالقوة لنواجه أي شيئ وكل شيئ .. ونحن على ثقة ... بالفوز.
كانت تقترب من وجهه المقيت، ترى عيونه الغريبة تلمع بإنتصار، لتهتز فجأة وتكاد أن تسقط مع صرخة هذا الكائن بالألم بعد أن ضربه (نوار) بسيفه، ليترك (تارا) لتقع بينما ضرب (ثالوث) بذيله ( نوار) ضربة قوية ألقته بعيدا مجددا، تحامل (نوار) على نفسه ونهض يشهر سيفه ينوى أن يعيد الكرة مرارا وتكرارا حتى يقتل هذا الكائن وينقذ محبوبته من براثنه، ولكنه مالبث أن توقف وصوتها يصله فى عقله، يصرخ به: -توقف أرجوك.
طالعها فوجدها تقف بجوار الكائن تطالعه برجاء مستطردة دون كلمة ولكنه مع ذلك يسمعها بوضوح: -لا أستطيع أن أتحمل فقدانك، سيقتلك الوحش. همس قائلا بمرارة: -وأنا كذلك لن أتحمل فقدانك، الموت عندى أهون من ذلك. سمعها فى عقله تقول: -فقط إتركه يأخذني وإبتعدوا جميعا، نهايته ستكون على يدي.. ثق بى يا (نوار) .
طالعها بتردد، فطالعته بثقة إمتزجت بالحب، ليومئ برأسه فى هدوء، يقاوم رغبته فى أن يركض لهذا الكائن ويغرز نصل سكينه فى جسده، خاصة وهو يراه يعاود حمل (تارا) وهي تستسلم له بكل هدوء، كادت (سيلين) أن تمطر (ثالوث) بكرات النور ولكن (نوار) كان قد اقترب منهم مجددا فأمسك يدها قائلا: -لا تفعلى، لقد حذرتنى من ذلك، وطلبت منا البقاء بعيدا.
قالت (سيلين) بدهشة امتزجت بالغضب: -ستموت وستفنى مملكتنا إن إنتصر هذا الشيطان وسلب أرواحنا جميعا. رفع (نوار) ناظريه بقلب وجل إلى تلك الفتاة التى تقترب بجسدها من وجه هذا الشيطان ليبرز أسنانه ويهم بإرتشاف دمائها، ليأخذ نفسا عميقا وهو يقول: -إننى أثق بها.
تألقت عينا (ثالوث) ببريق الدم وهو يقول: -من الجيد أيتها البشرية أنك تقبلتى مصيرك ومصير قومك، هذا يدل على ذكاءك وإدراكك ضعفك أمامي، سأتلذذ بشرب دمائك حتى آخر قطرة لأحصل على قوة بلا حدود تجعلني أقوى الشياطين على وجه الأرض.
قالت (تارا) بهدوء: -مهما كنت قويا فستجد الأقوى منك أيها الشيطان، إحذر.. فقد يدمرك غرورك يوما. أطلق (ثالوث) ضحكة ساخرة قبل أن يقول: -لا أحد يستطيع هزيمة (ثالوث) .
ليقترب بأنيابه من عنقها يغرزها فى وريدها، يسحب بضع قطرات من دمائها ثم يبتعد قليلا تاركا إياها تتغلغل فى جسده، شعر بالقوة تسرى فى عروقه، بالحياة تدب فى أوصاله بقوة، ثم فجأة إنتفض وتلوى بشدة تاركا (تارا) تقع على الأرض مجددا ولكن تلك المرة من إرتفاع شاهق، لتحملها فجأة سحابة من نور، أطلقتها (سيلين) نحوها فهدهدتها حتى وضعتها أرضا، فنظرت لها بإمتنان قبل أن تطالع هذا الوحش مجددا وهو يصرخ هادرا: -ماذا فعلتى بى أيتها البشرية؟
قالت (تارا) بإنتصار: -لست أنا من فعل بك هذا وإنما هو الحب الذى يسري بدمائي. كان (ثالوث) يشعر بكيانه يحترق ألما وبروحه على وشك مغادرة جسده ليقول بإختناق: -الحب!! قالت (تارا) : -نعم، ملكات سحرة النور يتزوجن فارسهن بدافع الواجب، ليصبحوا أقوى الملكات ويدافعن عن مملكتهن ضد الشر، أما أنا فتزوجت فارسي بدافع الحب.
نظرت إلى (نوار) بحب مستطردة: -أحببته حين كان عصفورا، وأحبني بدوره وحين عاد بشريا، ربض العشق فى قلوبنا، وعندما إتحدنا إمتزج هذا العشق بدمائنا، ولقد شربت أنت من تلك الدماء.
لتطالعه بثبات مستطردة: -عندما أخبرتني (سيلين) أنك شيطان الظلام، تقتات على الحقد والكره، أدركت شيئا واحدا، لا يهزم الكره سوى الحب ولا يوأد الحقد فى مهده سواه، هذا الذى يرسل فى أوصالنا ضياء لا ينتهي نوره، يرسل فى أوصالك سم يقضي عليك.. أليس كذلك؟
تحولت عيون (ثالوث) إلى اللون الأبيض وهو يتلوى ليقع أرضا قائلا بصوت كالفحيح أصابه وهن الموت: -ربما إنتصرتى اليوم أيتها البشرية، ولكن يوما ما سيظهر من ينتقم لى، أعدك بذلك. ليقع تحت أقدامها جثة هامدة، فقالت بإصرار: -سأكون على أتم إستعداد لمواجهته وهزيمته أيها الشيطان، أعدك بذلك.
وقفت (تارا) تخاطب شعب مملكتها، سحرة النور والظلام معا، بعد أن منعت سحرة الظلام من الرجوع لباطن الأرض وطالبتهم بالعيش فى المملكة بسلام، قائلة:
-كل منا يولد بقلب نقي لم يمسه الشر وإنما يختار كل منا طريقه فمنا من يظل قلبه نقي كالأطفال ومنا من يدنس قلبه بالشر الذى يأكل جسده رويدا رويدا ويفنى روحه النقية ليسقط صريع شهواته ويكون مصيره جحيم مستعرا فى حياته وبعد مماته، نحن لا نرى الخير إن كانت قلوبنا يعميها الحقد والكره، لانرى الخير إن وضعنا أكفنا أمام أعيننا ورفضنا أن نرى الحق والجمال، لن نرى الخير إن لم يملأ قلوبنا الأمل، الأمل فى غد أفضل نتحد فيه جميعا من أجل مستقبل مملكتنا ورخاءها، لن نرى الخير أبدا إن تركنا اليأس يعتم قلوبنا ولن نتذوق السعادة مطلقا إن تركنا الشر يجول بيننا، لم نهزم الشر سوى بالحب.. فعاهدونى أحبتى على العيش بسلام، بوفاء، بخير وحب، لتصبح مملكتنا أقوى الممالك على وجه الأرض.
تعالى الهتاف بين جنبات المملكة بإسمها مرارا وتكرارا، بينما إبتسمت ( تارا) تلوح لهم بحب، يطالعها الجميع بإعجاب، خاصة هذا الذى يعشق نبضاتها ويذوب بسكناتها. قال (عساف) بصدمة: -مالذى يحدث لها أيها الطبيب؟
نظر الطبيب إلى وجه (مهيرة) بحيرة قائلا: -لا أدرى، لم أرى مثل هذا من قبل، فهي بخير تماما، فقط وجهها يتحول ويصير أشبه بوجه الماعز. قال (عساف ) : -وصوتها أيضا، هل أصابها سحر ما؟
قال الطبيب: -ربما.. لا أدرى حقا. قال (عساف) بقلق: -وما العمل؟ قال الطبيب: -سننتظر ونرى، ربما زال هذا السحر بعد أيام. قال (عساف) بشفقة: -وربما لن يزول أبدا.
لتتسع عيون (مهيرة) بصدمة، تشعر بالرعب يسري فى أوصالها، بينما وقف بالخلف شخصان غير مرئيان، أحدهما فارسا أزرق العينان والثانية إمرأة حمراء الشعر متوهجا كصاحبته، ليقول الفارس: -هل يكفى هذا كعقابا لها على إسائتها لحبيبتي؟
لتقول المرأة بهدوء: -لا عقاب قد يكفينا، ولكن للأسف مضطرون لأن نلقنها فقط درسا صغيرا ثم نعيدها كما كانت، فلو علمت ( تارا ) بما فعلنا ستغضب بشدة، تدرك بالطبع طيبة قلبها وسماحته.
أومأ برأسه قائلا بصوت تسلل إليه نبرة حانية: -أعلم ولكم أعشقها لذلك. قالت المرأة: -حسنا لنعود لنجمتنا، فبالتأكيد قد إفتقدتنا الآن. نشرت غبارها السحري ليختفيا فى لحظات بينما يقول الفارس بهمس محب: -وأنا قد إفتقدت نجمتي بدورى.
ستبقى ضياءً يُنيرُ السماء وتبقى جَمالاً وتبقى القمر وتبقى شُموعاً لِذاكَ الظلام وتبقى سِراجاً لكل البشر فإن غِبتَ يوماً يغيبُ الضِياء وإن جِئْتَ لا لن يغيبَ القمر فأنتَ الكمالُ وأنتَ الجمالْ وإن كان كُلُّ الجمالِ ظَهَرْ وأنت الذي لم أجِدْ غيرهُ ملاكاً يُضيءُ سماء البشر فحقاً لأنتَ ربيعُ الزمان وأنتَ الشِّتاءُ وأنتَ المطر وأنت الخريفُ الذي لا يزال يُساقِطُ عِشْقاً بَهِيَّ الثَّمَرْ (محمود درويش)
كانت تجدل ضفائرها أمام مرآتها لتنحبس أنفاسها وهي ترى وجه فارسها يظهر فى المرآة، يطالعها بنظرات سارعت من دقاتها، إلتفتت ببطئ تطالعه بدورها فإقترب منها حتى أصبح أمامها تماما، ركع على إحدى ركبتيه حتى أصبح وجهه فى محازاتها، ليمسك ضفيرتها ويحلها، ويتخلل خصلاتها الحريرية بأصابعه قبل أن يطالع عيونها الرائعة قائلا: -كيف حال مليكتي بعد أن وحدت صفوف شعبها، وجمعتهم تحت راية العشق، لقد حققتي المستحيل يافتاة.
إبتسمت قائلة بخجل: -لم أكن لأفعل ذلك بدونك يافارسي، أنت من منحتني القوة لأواجه مخاوفى وأتحدى نفسي، أنت من جعلت كل هذا بالإمكان. مرر (نوار) يده على وجنتها قائلا: -أعشقك ياحبيبتي..
ليعلو ملامحه بعض الحزن وهو يستطرد قائلا: -عندما طالبتني (سيلين) بالذهاب إليك كي أعيدك للوطن، رفضت، كنت أعتقد وقتها أن كل النساء سواء، غادرات. قالت (تارا) بألم: -والدتك لم تكن كذلك يا (نوار) ، (هيلانة ) من سحرتها، رحمها الله .
اومأ (نوار ) برأسه قائلا: -رحمها الله، لم أكن اعلم وقتها أنها مسحورة، بل ظننت ان كل النساء مثلها، لم أكن اعلم أن هناك منكن من تستحق العشق، حين أصبحت عصفورا ووجدتنى فآويتني ثم داويتى جروحى الجسدية والنفسية، حين رأيت منك طيب المعشر ورقة الروح وجمال القلب، جعلتني عاشقا، أعدتى لى الرغبة فى أن أكون هذا الفارس الذى تستحقه ملكة مثلك، وعندما زوجنا وحش النهر وإتحدنا سويا شعرت بالإكتمال، وها أنا ذا أضع قلبى بين يديك وأدرك أنك قادرة على الحفاظ عليه كما أعاهدك على الحفاظ على هذا القلب خاصتك بين ضلوعى سالما، لن يمسه مخلوق .
إبتسمت بحنان فقال (نوار) بعشق وهو يقترب بوجهه من وجهها يهمس أمام ثغرها الوردي مستطردا: -أعشقك يانجمة أضاءت فى سماءنا فأنارتها، ياتعويذة حب داوت جروحى وحققت المستحيل، نعم أنتى تعويذة الحب التى أعادت المملكة لسابق عهدها بل جعلتها أقوى مما قد تصبح عليه يوما.. تعويذة حب سحرتني فجعلتني عاشقا لمليكتي وزوجتي وحبيبتي (تارا) نجمة أستيريا.
طالعته بمشاعر عاتية أطلت من عينيها وهي تهمس بدورها قائلة : -وأنا أعشقك يافارسي. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم