logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





11-01-2022 12:11 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10











t22014_2145هل يمكن أن يكون القلب طرفا فى صفقة ما!؟هل يمكن أن نعطي الحب بشكل مؤقت، كسلعة تنتهى، بنهاية وقت التعاقد؟و هل كان في إمكانها الوقوف أمام ذاك المتغطرس، عندما دق بابها يوما ما، من أجل صفقة حب!؟كل هذه الأسئلة؟ إجابتها في روايتي الجديدة صفقة حب.فصول رواية صفقة حبرواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأولكان ينظر من عليائه، عبر تلك النوافذ الزجاجية لمكتبه، على رزاز الأمطار، الذى بدأت زخاته، تحجب الرؤية، عن العالم الخارجى..كان يقف فى ثبات، يضع يده فى جيب بنطاله، وباليد الاخرى، يستند على ظهر كرسى مكتبه، وهو يراقب، ما يحدث، بالأسفل، حيث الطريق المكتظ، والكثير من الأشخاص، الذين يهرولون، رغبة فى اتقاء المطر..الا خيالاً، لم يميزه، فاقترب قليلا يلتصق بالزجاج، ليشاهد تلك الفتاة، وهى تتقافز بفرحة تحت زخات المطر التى، يهرول منها الكثيرين، هى فقط من كانت تحتضن الأمطار مرحبة، وتقفز مهللة لقطراتها، ابتسم فى حبور، لمرأها، وظل يتابعها، وهى تمرح بكل أريحية، ترفع وجهها للسماء، كطقس مقدس، تتبعه لنيل بركات المطر...أفاق من شروده، على صوت قرعات سريعة على باب مكتبه، ثم دخول الطارق، دون ان يأذن له، هاتفاً: -صباح الخير، محسن-صباح الخير، منير..-الجو بالخارج ممطر وموحل، ما كان لك ان تأتى اليوم، قالها منير، وهو يضع بعض الأوراق على المكتب، ورغم عفوية حديثه، الا انه مس وترا حساسا فى داخل محسن، جعله يهتف فى غضب: -الم اخبرك الف مرة، ألا تأتى، على ذكر تلك السيرة!؟.-أى سيرة..!؟، سأل منير متعجباً..-سيرة مرضى، وما يجب ان افعل، ولا أفعل..-انا لم أتى على ذكرها، ولن افعل، انا فقط أشفق عليك من جو كهذا ليس اكثر، وأتأسف لو ضايقتككلماتى، قالها بصدق شاعرا بالذنب، مما جعل نادر يتراجع عن غضبه، ويقول فى هدوء، : - لا عليك..يبدو ان حساسيتى المفرطة تجاه هذا الموضوع، تجعلنى دائما فى حالة تحفز للشجار..اقترب منير منه، واخذ يربت على كتفه متفهماً..فمنير ليس فقط، المسؤول القانوني عن مجموعة شركاته التى يديرها، لكنه صديق طفولته، وكاتم أسراره، انه بالنسبة له، توأمه، الذى لا يفارقه أبداًاستدرك محسن قائلا، : - فعلا الطقس اليوم، ممطر..لكن يبدو ان هناك من يستمتع بطقس كهذا، قالها مستديرا مرة اخرى للنافذة الزجاجية، ليشير لفتاة المطر المرحة تلك، الا انه لم يرى فى مكانها سوى الفراغ.يبدو انها رحلت بعد ان ابتلت تماما جراء، مكوثها تحت المطر لفترة طويلة، يا لها من مجنونة..-ماذا قلت..!؟، تسأل منير الذى انشغل ببعض الأوراق..-لا عليك، هات ما عندك فى تلك الأوراق..دخلت مودة الى حجرة المكتب، حيث تعمل، تنتفض فى سعادة وهى تخلع عنها معطفها المشرب تماما بالماء.وتنفضه فى قوة لعله يتخلص من بعض القطرات التى علقت به قبل ان يتشربها نسيجه، ثم ابتسمت فى سخرية وهى تراه، وقد تشرب المياه حتى الثمالة، يا لها من متهورة، لا تستطيع أبداً مقاومة الترحيب بزخات المطر الاولى، انها متعتها التى لازالت تحتفظ بها منذ ايام الطفولة الاولى، وشردت عندما تذكرت ابيها الراحل، وهو يختطفها من بين ذراعىّ امها، ليمرحا سويا تحت زخات المطر، كانت طفلتهما الوحيدة لفترة طويلة، تخطت العشر سنوات قبل ان يرزقهما الله بأخيها، يوسف...ان المكوث تحت تلك الزخات، يعيد لها ذكريات مضت، ولن تعود، ذكريات تحمل عبق الماضىالجميل، وروائح الراحلين..-رقصتِ تحت المطر من جديد!؟، كان سؤالا من رفيقتها، وشريكتها فى نفس المكتب، فى تلك الشركة التى عملت بها، كمتدربة، منذ ما يقارب الشهرين..-بالطبع، أجابت فى مرح، كيف يهطل المطر ولا أكون فى شرف استقباله..-لا يمكن ان تكونِ فتاة ناضجة فى الخامسة والعشرين من عمرها، فتلك افعال صبية صغار..-انا اعشق افعال الصبية، قالتها وهى تنفجر ضاحكة-الناس تهرول مختبأة من الأمطار، وتحتمى بها تحت مظلاتها، وانت تهرعين اليها، كيف تفعلين ذلك!؟.، سألتها فى استنكار..-أفعله بكل بساطة، ردت باسمة-بكل بساطة!؟، استفهمت رفيقتها، متعجبة..فوقفت مودة واستدارت من خلف مكتبها، وهى وتفتح ذراعيها، وتغمض عينيها فى خشوع، وهى تقول: - نعم بكل بساطة، هكذا، وفردت ذراعيها عن آخرهما، وهى تهمس فى قدسية، هكذا تستقبلين المطر مرحبة، وفجأة..اصطدمت بجدار بشرى، جعلها تشهق وتفتح عيونها مسرعة، وتتراجع خطوات للخلف، لتصطدم بأحد المقاعد، لتتعثر من جديد، فتعود بفعل قوة جذب قوية، لتصطدم بذاك الجدار البشرى من جديد، وكأنها شريط مطاطى، قبل سقوطها المرتقب...كان هو من جذبها اليه، هذه المرة..كانت الان، تستند على صدر ما، لا تعرف صاحبهولا من أين ظهر فجأة، رفعت هامتها، فهى بطولهاالمتوسط، بالكاد ناهزت صدره طولا، لتصدم عيونها...بذقن مدبب حليق، وأنف اغريقى، وعيون حازمة صارمة، كان وجهه عبارة عن لوحة، تعكس كلمة واحدة، مخيف..انتفضت هذه المرة مبتعدة عن مجال هذا الرجل الخطر.مع حرصها، كى لا تصطدم باى مقعد كان، فيكفيها تجربة واحدة، كانت فيها هناك، حيث اللا زمان، بين ذراعيه..تراجعت بضع خطوات حتى تفسح له المجال ليمر فى هدوء، لحال سبيله، الا انه لم يتحرك قيد انملة، بل نظر لرفيقتها فى الغرفة التى انتصبت واقفة فى احترام بالغ، وهى ترحب به فى قداسة: - مرحبا سيدى..كيف يمكننى خدمتك..!؟..-مرحبا أنسة هناء، من هذه!؟، وهو يشيرلخلف ظهره لمودة، والتى تقف خلفه تقريبا، دون حتى ان يستدير...-انها الانسة مودة، المتدربة الجديدة، هنا فى مكتب السيد منير، أعتقد انه أخبرك سيدى، فهى هنا منذ ما يقرب من الشهرين..قال ساخرا: - مودة، أهااا، ظهر ذلك فى الترحيبالمفرط عند دخولى...وقفت مودة تغلى، انه يسخر من اسمها، حسنا، ومن يكون هذا على ايه حال!؟، ذاك المتغطرس..والآن، يتحدثان عنها، وهى تقف هكذا مثل احد الأنتيكات على المكتب، لا ترد بكلمة، كادت تصيح بهما، هاى، أنا هنا، تشرفت بمعرفتكما، لكنها آثرت الصمت، خاصة انها لا تعلم من هذا، المتعجرف الذى يتحدث مع هناء بكل تلك الغطرسة، وثانيا، يكفيها موقف محرج واحد اليوم..خاصة مع شخص كهذا، وثالثا، وهو الأهم، انها لا تريد ان تفقد وظيفتها، التى تحصلت عليها بشق الانفس، فما تحمله من مسؤليات جسام تجاه اخيها الصغير، لايحتمل التفريط فى وظيفة كهذه، مهما كان الثمن، ثم استطرد فى حديثه الموجه لهناء، وقد نسى امرها تماما: -- أخبرينى، بالمناسبة، هل منير موجود..!؟.-بالطبع سيدى، تفضل، واندفعت تطرق باب مكتب.منير، ثم تفتحه فى هدوء، وتتنحى جانبا، ليمر محسن فى ثقة، فتغلق الباب خلفه..وتندفع لطلب القهوة، فى عجالة، متناسية مودة التى لا تزال مكانها، لم تتحرك، خاصة بعد سخريته منها-من هذا المتغطرس..!؟، سألت مودة بتأففابتسمت هناء، وهى ترى حال مودة، فقالت: - ألا تعلمين من هذا..!؟، فليرحمك الله..-لماذا!؟، سألت فى سذاجة..-ألا تعرفين من هذا!، والذى كدت تطيحين به، وانت تستقبلين أمطارك المزعومة!؟، وقهقهت فجأة، ثم أمسكت ضحكاتها، وأخفضت صوتها..-من يا ترى!؟، سألت مودة فى فضول-انه السيد محسن ضرغام، صاحب المجموعة ايتها التعيسة...ارتبكت، وفركت كفيها فى توتر، وهى تسأل هناء فى ترقب: - أتعتقدين، انه يمكنه، أن..ردت هناء فى سرعة مقاطعة إياها، : - بل يمكنه، ما لا تتخيليه، الله معكِ، أدع الله ان ينسى أمركِ، ولا يستغنى عن خدماتك، فهو معروف بالحزم والشدة، وانه لا يتهاون مع أى خطأ مهما كان بسيطاً، وهذا ما جعل مجموعته الاقتصادية تلك التى ورثها عن ابيه، من أقوى الشركات، فالكل يقيم له ألف حساب..أزدرت مودة ريقها بصعوبة، بعد تلك الكلمات الغير مطمئنة بالمرة، وظلت تدعو الله سراً، ان يتناسى أمرها، فى خضم أعماله الجسام، ويتركها لحالها..فهى لا قدرة لديها، لتفقد عملها، وتعود من جديد لدوامة البحث عن غيره، وما يستتبعها من مسؤولياتوإحباطات كذلك، يا الله، فلتدعه ينسى أمرى..لكن دعاءها جاء متأخراً، فها هو محسن ضرغام، يسأل عنها، رئيسها المباشر، السيد منير..-من تلك الموظفة الجديدة التى لمحتها، فى دخولى للغرفة..!؟، سأل محسن فى فضول حاول مداراته لكن ليس على منير الذى يحفظه ككف يده، والذى ابتسم بدوره، وهو يرد فى خبث محبب: - أها، محسن ضرغام، يعود من جديد، على يد متدربتنا الصغيرة..-أعود إلى أين!؟، هتف محسن متصنعا الحنق، مجرد سؤال برئ، فأنا لم أرها من قبل، ثم تغيرت نبرة صوته، لتكسوها الجدية، ثم انك تعلم جيداً يا منير، ان ذاك الباب، أغلقته بألف مفتاح، ولا عودة من جديد..، خاصة بعد أن...وصمت قليلا، وما كان فى حاجة ليكمل كلماته..فقد أدرك منير ما كان يريد ان يقوله، وتلك الإشارة الغير مباشرة لمرضه، الذى ما يحب ان يذكرها، أو أن يذكره بها، أى من كان، لذا قرر منير، تغيير دفة الحوار لوجهة أخرى حينما قال: - المتدربة الجديدةاسمها مودة شكرى، فتاة مجتهدة، تقدمت لشغل الوظيفة الشاغرة، التى أعلنا عنها منذ أكثر من شهرينوالصراحة، هى تملك كل المؤهلات، التى تميزها، وهى تتعلم بسرعة ملحوظة، و.فقاطعه محسن: - لكنها، بدت لى، قليلة الخبرة، وطائشة إلى حد كبير..-هذا جائز جدااا، وخاصة انها شابة صغيرة، فهى لا تتعدى الخامسة والعشرين من عمرها، وكلنا كنّا اكثر من طائشين على ما أعتقد فى مثل هذا العمر، قالها منير مبتسماً، وهو يتذكر ذكرياته الماجنة مع محسن فى ذاك السن، فكلمة طائشين، لم تكن كافية، لتصف تهورهما، ورعونتهما، كان ذاك، منذ ما يزيد عن عشر سنوات، مرا فيها بالكثير معا..-حسنا، قالها محسن، وهو يهم بالخروج، فى هدوء من باب الغرفة، الذى ما أن فُتح، حتى صمتت تلك الهمهمات التى كان يسمعها، ليحل محلها الصمت المطبق، ويرى هناء، ثم تلك المتدربة، واقفين فى ثبات تام..مر بهما، ثم ألقى التحية فى تعال، وتوجه للخروج من باب الحجرة، فتنفست مودة الصعداء، أخيرا..لكنها، كتمت انفاسها من جديد، عندما عاد أدراجه، مولياً وجهه لها خصيصاً، وهو يقول بنبرة حازمة، وصوت عميق رخيم: - أنتبهى لعملك جيداً، ولا تنسى انك لازلت تحت التمرين، وأشار بيده، دلالة على سهولة الاستغناء عنها فى أية لحظة..لم يسعها أمام هذا الوجه الصارم وتلك العينين القاتمتينبلون الفحم، الا أن، تومئ برأسها إيجاباً، وهى تكتم انفاسها، وقلبها يدق كالطبول فى صدرها..انصرف فى هدوء، وأخيرا استطاعت ألتقاط أنفاسهافى تسارع، تجلب لنفسها بعض الأكسجين من خلال تحريك بعض الأوراق أمام وجهها الذى أصبح فى لون حبات الفراولة الناضجة...استعادت توازنها أخيرا، و هناء تهتف فى سعادة: - يا لكِ من محظوظة، فلقد تغاضى عن فعلتك...لكن هى لم ترد، على الرغم من شعورها بالفرحة لانه تركها تكمل تدربها، فى مجموعته، الا أن، هاتفاً داخلياً، يلح عليها الان، بان هذا، ليس نهاية المطاف، مع ذاك المتغطرس...دخلت مسرعة، لشقتها المتواضعة فى ذاك الحى الشعبى العريق، حيث ترعرع أبويها، وأحب كل منهما الاخر، ليتزوجا فى نهاية المطاف فى تلك الشقة العتيقة، التى لم يبقى لها، هى وأخيها، من حطام الدنيا، غيرها، وبعض ذكريات، هنا وهناك، تطل من بعض الصور الفوتوغرافية التى تحتل جدران الشقة، التى كستها الرطوبة بفعل عوامل الزمن..دخلت، تنادى على أخيها مدللة أياه، بلفظة الدلال التى يمقتها، امعانا فى أغاظته: - يويو، أين أنت!؟، لا تخبرنى بأنك لازلت نائما...!؟.-ظهر صبيا فى الثانية عشرة من عمره، يجلس على كرسى مدولب، يشبها الى حد كبير، نفس الوجه القمحى الطفولى، والعيون التى بلون العسل، بخلاف واحد هو لون الشعر، فهو يملك شعرا كستنائياً، يشبه شعر أمها الراحلة كثيرا، أما هى، فقد ورثت شعر ابيها، الحالك السواد...ظهر يوسف عابساً، خاصة بعد نعتة ب يويو، والذى يكرهه كثيرا..-لما الجميل عابساً..!؟، سالت بمرح-لقد تأخرتِ كثيراً اليوم، وأنا وحيداً النهار بطوله، قالها بحنق تام، وهو يضرب على أحدى ذراعىّ كرسيه المدولب...كانت تعلم انها تتركه معظم النهار وحيداً، الا من بعض المرات التى يجود فيها أحد أبناء الجيران متطوعاً، للبقاء معه، لتسليته والترفيه عنه، الا انهم اطفال ايضا، ويملون بسرعة، لذا فسرعان ما يتركوه وحيدا، متحججين، ليذهبوا للعب الكرة..ليبقى هو بعدها، وحيدا متحسرا...يوسف، هو كل ما بقى لها، بعد تلك الحادثة التى أودت بحياة أبويهما، وكانت السبب فى ما يعانيه أخيها الأن، فبعد تلك الحادثة المشؤومة، فقد يوسف قدرتهعلى المشى بشكل طبيعى، والكثير من الأطباء أكدوا.إمكانية استعادته لتلك القدرة من جديد، اذا خضع، لعملية جراحية ضخمة، تتكلف الكثير مع، علاج طبيعى مكمل، لكن من أين لها، بمصاريف العملية الجراحية وما يتبعها، فهى لا تملك الا معاش ابيها الذى يكفيهما بالكاد، وخاصة مع ما تبتاعه من أدوية وعقاقير قد تساعد فى تحسين حالة أخيها، وتلك الشقة العتيقة، واخيرا عملها، والذى حتى الأن، ليس مضموناً..فهى لازالت متدربة، يمكنهم الاستغناء عنها فى أية لحظة، وما عاشته اليوم، كان كفيلاً جداً، ليؤكد لها تلك الحقيقة المؤلمة...ربتت على كتف أخيها، والحزن يعتصر قلبها، حزنا على حاله، ثم تنحنى، لتجلس على ركبتيها امام كرسيه وترفع ذقنه بكفها، لتنظر لعمق عينيه الدامعتين.-أعرف أنى أتركك لفترة طويلة، من النهار، لكن انه عملى الجديد، والذى سيحسن من حالنا، وعن طريقه يمكننى الادخار من أجل عمليتك الجراحية، كى تعود، لتجرى وتمرح مع أصدقاءك من جديد، فهل تسامحنى، أومأ برأسه إيجاباً، فقالت متصنعة المرحوهى تندفع لبعض الأغراض التى أحضرتها من أجله.-انظر ماذا جلبت لك!؟، وأخرجت قميصاً وبنطالاً من أحد الاكياس، لتضعهما عليه، وهى تقول: - ما أروعهما، أنهما مناسبان لك تماما، يا يويو..-كفى عن مناداتى ب يويو هذه، اسمى يوسف..-حاااضر يا، يويو، قالتها ضاحكة راغبة فى إغاظته، الا انه ابتسم، عندما ادرك، مقصدها..وقال مستدركاً. : -، جميل جدا ما أحضرتيه، انهما باللون الذى أحب، لكن عليك بالادخار، كما وعدتينى أليس كذلك!؟، الا أتحمل بعدك عنى، وبقائى وحيداً، حتى تجمعى المال المطلوب للجراحة..وضعت هديتها جانبا، و طوقت رأسه بين ذراعيها، تشعر بالالم يعتصرها عصرا، على حال اخيها، ورغبته، وأمله فى تحقيق معجزة، لتحصل على المال المطلوب، ليسير على قدميه من جديد..ولكن رغم ذلك كله، قالت فى ثقة: - لا تخف، سأحصل على المال، وستعود للسير والركض مع أصدقاءك من جديد، أقسم لك، بان ذلك سيحدث..ولن أدعك فى تلك الحالة طويلا..وقف ينظر من النافذة كعادته الايام الماضية، لعله يلمح تلك الفتاة التى تعشق المطر، لا يعرف لما رؤيتها تشعره بالسعادة، وانه لازال هناك من يستمتعون ببعض النعم البسيطة التى يغدقها علينا المولى سبحانه وتعالى، ولا نعيها، ولا ندركحاجتنا للاستمتاع بها، الا عند علمنا، بأننا سنحرم منها عما قريب..يشعر الان ان نظرته للامور، كل الامور، قد اختلفت تماماً، حد التناقض، عندما علم بمرضه.بدأ ينظر الى الامور التى كان يتجاهلها، ويجد لهابريقاً أخر مختلف تماماً، وبدأ يدرك ان ما اضاع فيهايام شبابه، وسنواته الاولى، كان قبض ريح، لا يسمن ولا يغنى من جوع، لم يضف اليه، سوىحسرات، وندم...تطلع من جديد، الى الطريق، لعله يلمحها، بعد انمرت الايام الثلاثة الماضية، دون ان يجد لها أثراً..وكأنها لا تظهر الا مع ظهور أولى قطرات المطرمعلنة عن نفسها، حورية المطر، انها مثل حورية.الأمطار، تظهر وتختفى، وفقاً لها...وها هو، منذ لمح قطرات المطر الاولى تدق بفرحة على زجاج نافذته، حتى قفز فى شوق إلى النافذة متطلعاً للطريق فى لهفة، وعيونه تتعلق بموضعتواجدها فى المرة السابقة، لكن هل ستأتى!؟.ربما كانت تمر بالصدفة من هذا الطريق فى المرةالسابقة والوحيدة، التى رأها فيها، أزدادت قطرات المطر دقاً على نافذته، تحجب الرؤية بعض الشئ..وكاد ان يفقد الأمل، فى ان يراها مجدداً...حتى ظهر معطفها الوردي، من بعيد، فألتصق بالنافذة ليجدها تقف فى نفس مكانها السابق، فى الرصيف المقابل لمدخل شركته، يبدو انها تنتظر الإشارة لتسمح لها بالمرور للرصيف الاخر، وها هى تقف تلاعب قطرات المطر، كعادتها..ولمعت فى عقله فكرة مجنونة، لما لا يذهب ليراها..نعم يراها عن قرب، فقط يراها، تلك العاشقة للأمطار، التى بهرته، بذاك العشق، لم ينتظر ليقرر.بل وضع أفكاره تلك حيذ التنفيذ، فاندفع من مكتبه، فى سرعة، جعلت سكرتيرته الحسناء تجفل، وتقفز فى فزع، لكنه لم يعبأ بها، واستمر فى ركضه، طالما هو وحيداً، فى الممر المؤدى للمصعد، فاذا ما ظهر بعض الموظفين، يتأنى فى مشيته، ويلقى التحية فى وقار، وأخيراً، وصل المصعد، وضغطزر الطابق الأرضى، ثوانى مرت، حتى وصل..لكنها ثقيلة، تعدت الدقائق، فى توقيته المتلهف...خرج، بوقار، حتى وصل لخارج الشركة، مندفع من بابها، ليصدم بأحدهم، وعيونه على الرصيف المقابل حيث كانت تقف، وللأسف، فقد فقدها..لم تكن هناك، لقد رحلت، زفر فى ضيق، وتنبهللكائن الذى يأسره الأن، ممسكاً بذراعيه، عندما اصطدم به، اخفض رأسه فى حسرة يتطلع لتلك الرأس.المنكسة فى اضطراب، وهو، ينطق بعبارات الأسف، والاعتذار، لترتفع تلك الهامة فى بطء، لتقابل نظراته، فتوقفت الكلمات فى حلقه، معطف وردى، انها هى ذات المعطف الوردي، لكن أين رأها من قبل يا ترى...!؟.لقد اصطدم بتلك النظرات من قبل..!؟، لكن أين يا ترى..!؟، ذم شفتيه، وانعقد ما بين حاجبيه، وهو يحاول التذكر، وقد اعتراه بعض الصداع، جراء توتره، واندفاعه، مما شوش قليلا على تفكيره..وذاكرته، حتى هتفت هى فى ندم: - أسفة، أسفة سيدى، أعذرنى بحق، فلم أقصد أن...ابعدها عنه قليلا، وتذكر، انها المتدربة الجديدة..نظر اليها، من قمة رأسها، حتى أخمص قدميها..هل حقاً، متدربته الجديدة، هى حورية المطر تلك.!؟نعم، انها هى..-أنتِ، المتدربة الجديدة، على ما اتذكر..!.-نعم، أنا هى يا سيدى، قالتها بصوت يحمل نبرة منكسرة، وهى تومئ برأسها إيجاباً..-هل من عاداتك الاندفاع لتسحقى الناس فى طريقك دوما..!؟، على الرغم من علمه انه خطاه هو، وان الاندفاع جاء منه، لا منها، لكن لا يعلم لما شعر برغبة ساحقة، فى تقريعها..-أنا، أنا، ترددت لا تعرف كيف تجيب، فله الحق فيما يدعى، فهى المرة الثانية، التى تصطدم به..ولعلها الاخيرة، هكذا خطر لها، فلابد انه يفكر فى التخلص منها الان، فهو ذاك الحازم الذى لا يقبل بمتهورين قليلى الخبرة تحت سقف مؤسسته، يا الله ساعدنى، هكذا هتفت، وهى تغمض عينيها تضرعاً، ولكنها تفاجأت، عندما أخذ يهزها بقلق، متسائلا: - هل أنتِ بخير..!؟، أجيبى، هل حدث لكِ، أى مكروه..!؟..أضاءت فى عقلها فكرة مجنونة، لعلها منقذها الوحيد.فأنهارت فجأة، تتظاهر بفقدان الوعى، لكنه ألتقطها سريعاً، بين ذراعيه، وهو يهتف، فى أفراد الأمن..عند البوابة، والذين هرعوا، فى ثوان، لنجدتها..لكنه، حملها دونهم، صارخاً فيهم، بطلب طبيبالشركة، والذى لسوء حظه، وحسن حظها لم يحضر بعد، مما ساعدها ولو قليلا، لتتقن دورها..فَلَو حضر الطبيب، فسيكتشف بسهولة، إغماءها المدبر، يا لها من محظوظة، هتفت لنفسها، وهو يضعها، على أحد الأرائك، أخيراً الحظ فى صالحها.انه يصالحها، بعد مرات عديدة، من مخاصمته لها..انتفضت عندما قرب من انفها بعض من العطر، بشكل فجائي، فقررت الإفاقة، فتحت عينيها فى بطء، لتفاجئ بعيون فحمية، تتطلع اليها من عليائها، فأنتفضت فى سرعة، لتقف، لكنه امسك بكتفيها ليعيدها، لمكانها من جديد، وهو يقول بلهجة تحمل بعض من اهتمام، استغربته، : - ابقى حيث انتِ، حتى تصبحى قادرة بشكل تام على النهوض..-أشكركِ، وأسفة مرة أخرى، فلم..قاطعها قائلاً فى شرود: - لا عَلَيْكِ، يا حورية المطر-عفواً، قالت متسائلة عندما لم تدرك ما قال..-لا شئ، قالها فى سرعة، هل انت بخير الان!؟.-نعم، نعم، ووقفت فى عجالة..-حسنا، فلنعود لعملنا..انتظرت حتى يذهب هو ويتركها، تذهب لحالها، لكنه أشار لها، حتى تتبعه، ليقفا معاً فى انتظار المصعد..وصل المصعد الخاص به اولا، فقال فى حزم، وقد عاد لطبيعته، يمكنكِ ان تستقلى معى مصعدى..كادت ان ترفض، فى إشارة شكر مهذبة، فهى لن ترتاح، حتى تكون ابعد ما يكون عن تلك العيون الصارمة، لكنه لم يمهلها وقتا، ليفسح لها الطريق.أمرا أياها بالدخول، فتنفذ أمره منصاعة، ليقفا متقاربان، فى ذاك الصندوق المربع، تشعر هى بالاختناق.، لا يفصله عنها الا بضعه أشبار، أما هو، بلامبالاة، ضغط على ذَر الرقم الخاص بالدور الذى تعمل فيه، وأخذ ينظر لها، بجانب عينه، نظرات متقطعة، وهو يمسك بمنديله، يمسح به بعض من مياه، ألتصقت به، عند اصطدامه بها، وهى ترتدى ذاك المعطف المبلل..-أسفة مرة ثالثة، على تلك الفوضى..هز رأسه متفهماً، دون ان ينبس بحرف واحد، وقد استعاد غطرسته المعتادة..وصل المصعد، فخرجت وهى تلقى التحية..وينغلق باب المصعد ليكمل رحلته، قبل ان يعيرها اهتماماً..أو حتى، يرد تحيتها...تااااابع اسفل
 
 




look/images/icons/i1.gif رواية صفقة حب
  11-01-2022 12:12 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني-يويو، حبيبى أين انت!؟، أظهر وبان عليك الامان...ظهر اخوها، وهو يستدير بكرسيه المدولب، ليدخل من الشرفة التى يقضى فيها معظم وقته، يشاهد اولاد حيهم، وهم يلعبون الكرة، ليمر الوقت به، سريعاً، ولا يشعر بالوحدة كعادته، منذ انتظامها فى عملها الجديد، لكن اليوم، الطقس بارد، وممطر، ما كان له البقاء فى الشرفة كل هذا الوقت..اندفعت اليه، تتأكد انه بخير..-ما كان لك البقاء فى الشرفة فى مثل ذاك الطقس الممطر، حبيبى قد تمرض..!؟..-وهل هناك مرض، أكثر مما أنا فيه..!؟.قالها بحسرة وهو يشير لكرسيه المدولب..صمتت لا تعرف بما تجيبه، لكنه استدرك قائلا: --مودة، هل لى بطلب منكِ، لكن عدينى الا ترفضى..!؟، رجاءاً-طبعا حبيبى، كل ما تطلبه، سيكون فى متناول يديكاذا استطعت، وانت تعلم ذلك..-حسناً، أريد الخروج ولو قليلاً، أرجوكِ..صمتت ولم تجيب، فأستدرك، والدموع تلمع فى حدقتيه، اشعر بالاختناق أختى، أريد الخروج من ذاك السجن..-لكن، الجو ممطر، وأخاف حقا، أن تمرض..-رجاءاً، لا ترفضى، من أجل خاطرى..-حسناً، أجابت دامعة، ثم اندفعت متصنعة المرح، هاتفة: -ولما لا، ستلبس الملابس الجديدة، وايضاً، صمتت لترى الإثارة فى عينيه، سنتناول البيتزا، قالتها صارخة بصوت عال، ليهتف هو بفرحة لم تراها مرسومة على محياه منذ زمن طويل..كان عملاً شاقاً، ان تساعده على أرتداء ملابسه، ثم تقوم بإنزال كرسيه المدولب، وتعود صاعدة، لتعود به شبه محمول، لتأخذه، حيث الشارع الرئيسى، ليتنزها قليلا، ثم يتناولا معشوقته البيتزا، وما ان خرجت من حيهم، حتى بدأت رحلة المرح..اندفعت تصعد احد الارصفة، التى تخلو تقريبا من المارة، لتدفع كرسى اخيها أمامها فى صخب طفولىتود تعويضه عن ساعات الوحدة الطويلة التى يقضيهادونها، تتعالى ضحكاتهما..خرج من شركته، يفكر فى تلك التى سقطت بين ذراعيه منذ ساعات، حورية المطر، كما يحب ان يطلق عليها بينه وبين نفسه، استقل سيارته، لم يكن بمزاج جيد، كى يعود للمنزل من توه فأشار على سائقه، بالتنزه قليلا، وربما يتناول عشاءه مبكراًكان الطريق لحد كبير خال فى تلك الفترة من اليوممما سمح للسيارة بالسير فى سلاسة، قاطعة الطريق.كان يجلس، ورأسه يعج بالكثير من الافكار التى يحاول ان يتناساها، او يتخلص منها، ليته يستطيع جمعها وقذفها من النافذة، ليتخلص منها للأبد، كان ينظر للجانب الاخر، لعله يصادف مطعماً جديداً يجربه، ويكسر ذاك الملل المسيطر على روحه..توقفت العربة فى تلك اللحظة، عند احد الإشاراتوفجأة جذب انتباهه، فتاة بمعطف وردى، هل هى.حقاً!؟، لقد بدأ المعطف الوردي، يسيطر على أفكاره بشكل خطر، هكذا حدث نفسه، الا تملك فتاة غيرها، مثل ذاك المعطف..!؟.لكنه لم يكن يهزى، أو يتخيل، لقد كانت هى بالفعلودقق النظر، ليجدها تدفع أمامها، شخص ما على كرسى مدولب..انطلقت العربة، فى تلك اللحظة، فهتف محسن فى السائق، ان ينحرف عند اول تقاطع للطريق، وينتظر، وجلس فى هدوء ينتظرها، حتى تصبح فى مجال رؤيته، وأخيراً ظهرت بنفس حيويتها، كانت تدفع الكرسى بسرعة كبيرة، مستغلة خلو الرصيف من المارة، وكلاهما يتضاحكان فى سعادة كبيرة..و انحرفت بالكرسى لتدخلاحد المطاعم المخصصة لتناول البيتزا..-حسنا، انتظرنى هنا، هتف محسن لسائقه، وهو يترجل من العربة، وقد قرر، أين سيتناول طعامه...دخل المطعم، ليجده مكتظاً عن اخره، كان يدور بعينيه يبحث عنها، عدة مرات، حتى استطاع..ان يجدها تقبع هى ومن يصاحبها، فى احد الأركان البعيدة، توجه بهدوء، الى حيث تجلس، وقد جذبأنظار رواد المطعم، بحلته الغالية الثمن، ومظهرهالرسمى الغير مناسب إطلاقا، لمطعم كهذا..-مساء الخير، قالها من خلفها جعلها تنتفض عند مرآه..-سيدى، أنت، أقصد، مساء الخير، ردت بعد كل ذاك التوتر الذى شملها، لظهوره المفاجئ، فى مكان كهذا، لا تتوقع ابدا رؤيته فيه..-هل يمكننى الجلوس بجواركما، فالمطعم بالفعل مزدحم جدا، قالها وهو ينظر لمرافقها، والذى لا يعدو كونه طفلا فى الحادية او الثانية عشرة، على أقصى تقدير ويحمل شبه كبير منها..-هذا ليس شأننا، نحن نحب الجلوس بمفردنا، هكذا هتف يوسف، فى ضيق من مشاركته غريب الطاولة.والجلوس بجوار أخته، والتى يعتبر نفسه رجلها الأوحد...-يوسف، هذا السيد محسن ضرغام، صاحب الشركة التى أعمل بها، قالتها، محذرة أخوها، ليلتزم حدود التأدب فى حديثه مع الرجل، يكفى ما فعلته هى فى الشركة اليوم...وأغماءها المزعوم لتتهرب من عقابه لاصطدامهاالثانى به...-مرحبا، انا محسن ضرغام، ومد يده ليوسف فى تودد جعل الاخير، يمد يده، باحترام، ليقول: - شرفت بمعرفة حضرتك، وأنا يوسف، أخو مودة الأصغر.اذا فهو أخوها، قالها محدثاً نفسه..-هل طلبتم ما سوف تتناولونه، سأل فى تودد، وهى تتصبب عرقا، لمجرد جلوسه هنا، بالقرب منهما، انها بالكاد تلتقط انفاسها، انه بكليته غريب عن المكان بما فيه...-انه مطعم بيتزا، ولا يقدم غيرها، أجاب يوسف ساخراً، ولقد اخترنا بالفعل، وطلبنا فى الطريق..تنحنحت مودة، من جراء رد أخيها الساخر، لكنه لم يعير ذلك اهتماماً، فتنفست الصعداء، وهو يطلب بيتزا بأنواع مختلفة من الجبن..جاء طلبهما، فقررت ان تنتظر حتى يأتى طلبه ليبدأوا الطعام معه، لكن يوسف لم ينتظر، وبدأ فى تناول طعامه بشهية، كان ينظر اليه وابتسامة على شفتيه، اما هى، فتحججت بانتظاره، وهى فى الحقيقة لا تستطيع ان تبتلع أى قضمة، حتى لا تقف فى حلقها من جراء نظراته المحببة تلك، والتى يرمق بها يوسف، انها لم تتوقع ان ترى منه مثل تلك النظرات التى تفيض عطف وتفهم..وصل طلبه، وبدأت هى فى تناول طعامها، وتنبهت انه يحرك القطعة فى طبقه، لكن لا يتناولها..-الا تحب البيتزا...!؟، سألت بعفوية، بدون تفكير..-الحقيقة، لا أفضل المعجنات كثيراً، أجابها بعفوية مشابهة، مما جعلها تسأل فى تسرع ندمت عليه: --اذن لما أتيت مطعم كهذا، لا يقدم الا المعجنات..!؟.عضت على شفتها السفلى ندماً، لما لا تمسك لسانها قليلا فى حضرته، لكن اخيراً أنقذها اخيها الذى هتف.فى صدمة، : - لا تحب البيتزا، انها رائعة، لابد وان تتذوقها، تناول هذه من أجلى..ووضع يوسف قطعة من البيتزا فى طبقه، وأكد عليه، ان يتناولها، ولعجبها، بدأ فى تناولها، دون اى اعتراض، بل انه أبدى أعجابه بها، وبدأ فى تناول البيتزا فى شهية جعلتها، تفغر فاها، استغراباًمما جعله ينظر اليها..-لما لا تأكلين...!؟، البيتزا بالفعل لذيذة..انتبهت لنفسها، وبدأت تأكل فى آلية، وهى تبتلع لقيماتها بصعوبة..كانت اصعب وجبة تناولتها على الإطلاق، لكن أخيرا انتهت على خير..أشار للنادل الذى أتى مسرعاً، أصرت على دفع ثمن طعامها هى وأخيها، لكن نظرة واحدة من عينيه القاتمة، جعلتها تبتلع أعتراضها، وتشكره فى هدوءاستأذن، ولكن لدهشتها، وجدته بانتظارهما فى الخارج..-هيا، سأوصلكما للمنزل، قالها فى إصرار لا يقبل المساومة، لكنها أعترضت هاتفة: - لا داعى، فالبيتقريب جداا، ونحن نفضل العودة سيراً كما أتينا..-الجو بارد، ولا أعتقد ان ذلك فى مصلحة يوسف..كان بحق البرد ينخر العظام، وها هى ترى اخيها يتثاءب فى وهن، فأذعنت، فتح السائق الباب الامامىوعاد ليحمل يوسف، لكن نادر لم يمهله، فلقد عاد حاملا يوسف بنفسه، ووضعه فى المقعد الامامى بجوار السائق، بينما فتح الباب الخلفى لها، لتقف مشدوهة، فيشير اليها، : - ألن تصعدى..!؟.-بلا، سأفعل، ودفعت نفسها دفعا داخل العربة، وهى مشدوهة، مما يحدث معها..لا تعرف كيف أعطت الإشارات للسائق حتى وصلتمنزلها، أسندت كفها، لتدفع نفسها خارج العربة الفارهة التى سدت مدخل شارعهم الضيق، وكان هو يفعل بالمثل، فوضع كفه بلا قصد على كفها، لينتفض كلاهما، ويجذب كفه كالمصعوق..ألتقت نظراتهما لثوان، وقطعتها هى، وهى تنزل من العربة، فى سرعة عجيبة..حمل يوسف، رغم اعتراضها المستميت، لكنه لم يأبه له كالعادة، وتوجه لمدخل البيت، يصعد درجاته..وكأنما يدفعها دفعاً للإذعان، فتوجهت مسرعة، تسبقه، لتفتح باب شقتها المتواضعة على مصرعيهلاستقبال، محسن ضرغام، بجلال قدره، يحمل أخيهابين ذراعيه، وكأنما أصبح حمل تلك العائلة قدرهصباحاً يحملها هى، بعد إدعاءها فقدان الوعى..هرباً منه، ومساءً يحمل أخاها، رغماً عنها، حتى باب شقتها..أخرجها من شرودها، وهو يهم بالانصراف..-سعدت بتناول البيتزا معكما، أبلغى يوسف سلامى..قالها بعد أن عاد من حجرة أخيها، والذى أصر على وضعه فى فراشه، غارقاً فى النوم..هزت رأسها إيجاباً، لا تستطيع التفوه، بكلمة واحدةمما دفعه لالقاء التحية، والانصراف من فوره..أما هى، فقد أغلقت خلفه باب شقتها، الا ان هناكفى عقلها، فُتح ألف باب، ليطل منهما الف تساؤل..وتساؤل..ولم يكن لديها، أى اجابة، شبه منطقية، تجيب على أى منها..عاد لسيارته، تتقاذفه الافكار، والخواطر، وسأل نفسه فى صراحة، أصبحت هى عادته مع نفسه فىالأوقات الاخيرة، ما بك!؟، ولما الاهتمام بأمرأةليست من ذاك الطراز الذى كنت تفضل!؟.ما الذى يجذبك اليها..!؟.انت لا تملك وقتا للحب..!؟، انت تعلم هذا جيدا..اذن لما التقرب منها، ما الذى تسعى اليه!؟.ما الذى يمكن ان تقدمه لك، امرأة مثلها، حياتهاليست بتلك السهولة التى توقعتها، ولديها الكثير.من الالتزامات والمسؤوليات، تجاه أخيها، ومستقبلهما...!؟.حورية المطر تلك، ليست تلك الرقيقة، الحالمة التى تتوقعها، انها عنيدة، قوية، وشرسة اذا اقتضى الامر، فهل تع مع من تتعامل..!؟.انها صنف مختلف من الفتيات..أحذر، الاقتراب يعنى الاحتراق..هكذا هتف عقله، فى تحذير أخير، لكن عندما يظهر القلب فى الصورة، يتوارى العقل، تاركاً الساحة.دخل لمكتبه، يتأوه ألما، طلب بعض الأعشاب التى تهدأ آلامه، فوجبة البارحة من البيتزا، قلبت أمعاءه رأسا على عقب، دوما ما كان يكره تناول المعجنات، فتأثيرها عليه، سئماذا فعل بنفسه، أرضاءاً لأخيها، تباً للمعجنات، قالها شاتماً فى غيظ، وهو يتناول كوب الأعشابوقف اما نافذته العزيزة، يحتضن كوبه بكلتا يديه..هى تأتى من هذا الطريق، ففى المرتين السابقتين..كانت قادمة من هناك، وتقف لحظات، حتى تعبر للرصيف المقابل، وتدخل الى بوابة الشركة، حيث اصطدما البارحة، تذكرها وهى بين ذراعيه..لكن سريعاً ما نفض هذا الخاطر من رأسه، وسأل نفسه بصدق، هل حقا يهتم لأمرها، هل، ينتوى التورط معها، انها ليست كالفتيات التى عرفهن فى الماضى، ايام شبابه الاولى، وليست بالتأكيد شبيهة بتلك التى ربط بها احلامه، وحياته..وكان يعتقد انه ستشاركه إياها للأبد، ولكن...كم كان واهما، و لكن، هو ايضا ليس الرجل نفسه، قالها هامسا، فلقد رحل هذا الرجل بغير رجعه، ذاك الرجل الذى كان يضع امور القلب والعاطفة، فى أولوياته دوما، رجل يؤمن بالحب، ليحل محله، محسن جديد، يعرف قيمة الحياة، وقيمة كل دقيقة فيها، ولن يضيع أشهره المتبقية، فى امور لن تجدى، ان كان يريدها حقاً، فليحصل عليها الان..او فليدعها..لا مجال لإضاعة الوقت..لكن كيف، كيف يصل اليها، كيف، وكيف..عشرات الأسئلة حاصرته، وهو ينتظر امام النافذة..ولم يظهر لها أى آثر، هل أتت من طريق أخر، أو ربما جاءت، ولم يلتفت لمقدمها، فى اثناء انغماسه فى أفكاره..لقد تخطت العاشرة صباحا، ولم تظهر..تحجج لنفسه، ليذهب لمكتب منير، لعله يراها، فيطمئن قلبه..دلف للمكتب فى وقاره المعتاد، فانتفضت هناء مرحبة.ورنت منه نظرة جانبية، وهو يلقى التحية، على مكتبها الشاغر، ويدلف لمكتب صديقه، لابد انها لم تأتى اليوم، ما الذى حدث يا ترى..!؟.تبادل الكثير من الأحاديث مع منير، حول صفقة جديدة يجهزون لها، لكن نصف الوقت، فكره يجذبه بعيدا، فيشرد حيث صاحبة المعطف الوردي، أين هى الان يا ترى، وما قد يكون حدث لها..ووجد نفسه دون تفكير يسأل منير، : - ترى أين المتدربة الجديدة اليوم..!؟.رفع منير رأسه من بين اوراقه، وقد دهش تماما لسؤال محسن، عن فتاة لم يرها الا مرة واحدة، على حد علمه طبعا ً...-وما حاجتك اليها..!؟، سأل منير متخابثاً..-لا شئ، لم أراها على مكتبها عند دخولى، يبدوانك تتهاون معها كثيرا...ابتسم منير، ولم يجب، رغبة فى استثارة صديقه..لكن محسن ظل صامتاً على الرغم من تلك الأسئلة التى تطل من عينيه تفضحه، واخيرا أشفق عليه منير مجيباً.-انها اتصلت فى الصباح الباكر تستأذن فى عدم القدوملمرض اخيها الأصغر، بالطبع أذنت لها، فالولد مقعدوليس له، الا أخته لتعتنى به..هز محسن رأسه مؤكداً، دون وعى، فالمفترض انه لا يعلم عنها اى شئ، لكن منير، كان رائعاً عندما، تجاهل ملاحظته ذلك، و كم شعر بالامتنان جراء عدم محاصرته بالأسئلة...نهض مسرعاً، وهو يتحجج ببعض الشؤون التى يجب إنهاءها، خارج الشركة..مرت عليها الليلة السابقة، كالكابوس، فلقد أرتفعت حرارة أخيها، ولم يكن فى إمكانها، الذهاب به لطبيب، وهو فى مثل حالته، او احضار طبيب له، فى ساعات الصباح الاولى، فقضت ليلتها، تحاول بكل طريقة تعرفها، ان تخفض من حرارته الملتهبة...واخيرا، انخفضت قليلا، مما سمح لها بالنوم قليلا، نوم متوترا، ملئ بالكوابيس المريعة، فتنتفض فى كل مرة، تتلمس كفها الطريق لجبهة أخيها، لتطمئن ان حرارته طبيعية، فتعاود الخلود للنوم من جديد، لتعاودها تلك الأحلام المزعجة، التى طل منها، وجهلم تره، الا منذ عدة ايام، لا تعلم، لما احتل أحلامها عنوة، لابد انها بدأت تهزى، هل التقطت العدوى من أخيها..!؟.كانت حالتها يرثى لها، وجه مجهد، وعيون ذابلة لم يعرف النوم لجفونها سبيلاً، وجسد يفتقد الحيوية التى يتميز بها، فبدا كتفاها متهدلين، ككتفى عجوز، عندما دق جرس الباب..سحبت نفسها بالضالين، من جوار أخيها، وهى تعدلحجابها على رأسها، وتجر قدميها جراً، تجاه باب شقتها، كم الساعة الان يا ترى!؟، كان عقلها لايزال مشوشاً، عندما فتحت الباب، برأس مثقلة ترفعها فوق عنقها بالكاد، لتطالعها بزة رمادية اللون.رفعت عينيها، لتصطدم بتلك العيون الفحمية الصارمة، انه هو!، هل هو حقا!، ام انها لاتزال تهزى، وتعيش فى أحلامها الليلية، حيث كان قابع هناك، بغير سبب مقنع!، كان هو من قطع الصمت.، وهو يتفحصها، بذاك المظهر الطفولى، المتمثل فى منامتها ذات الرسومات الهزلية، وحجابها الموضوع على رأسها بعشوائية، وعيونها الناعسة، التى اتسعت عن اخرها..، وهى تطالعه أمامها، قال فى هدوء: -صباح الخير آنسة مودة، أحضرت طبيب الشركة، من أجل يوسف، فهل تسمحين..!؟، قالها وهو ينحيها جانبا، قبل ان يسمع حتى جوابها، ويمرر الطبيب، لحجرة أخيها، التى كان يحفظ طريقها جيداً، منذ ليلة الامس، حين وضعه فى فراشه..لازالت تقف مشدوهة، تفرك عينيها، وقد استيقظت تماماً، عند رؤيته، وكأنها تناولت جرعات مضاعفة من الكافين، وما ان همت باللحاق بهما، حتى كان الطبيب قد انهى عمله، مغادراً الغرفة..ليسألها فى تعجب وهو يكتب بعض العقاقير والادوية: -لا تقلقى، فتلك نزلة برد عادية، وسيشفى منها بسرعة، لكن ما جذب انتباهى، هو موضوع قدميه، لديه فرصة كبيرة للشفاء، لو اجريت له جراحة..فلما لم تتم للأن..!؟، التأخر ليس فى مصلحته، قال كلماته تلك فى آلية، غير عابئ، بملامحها التى اعتلاها الحزن، وشعورها الطاغى بالعجز وقلة الحيلةلكن محسن، وصلت له كل تلك المشاعر، بحزفيرها، وكأنه يقرأها ككتاب مفتوح، مما اثار استعجابه هو شخصياً..-شكراً لك، يا دكتور، سيوصلك السائق للشركة..وتناول من يده، روشتة العلاج، قبل ان تطالها يدهاورحل معه، فى سرعة، كما حضر..وأغلق الباب خلفه، وهو يتطلع اليها، بنظرات، لم تستطع ان تفسرها، او، بالاصح، لم يكن لديها..لا القوة، ولا الرغبة فى تفسيرها، فالارهاق، بلغ منها مبلغاً لا يمنحها أى فرصة، للتفكير بشكل جيدوبذهن صاف..كانت فى طريقها لرؤية أخيها، الذى يرقد فى فراشهبلا حول ولا قوة، زال أحمرار وجنتيه، وبدأ تنفسهفى الانتظام، حتى حرارته عادت لطبيعتها بفضل الله.لكن، أكان هنا حقاً..!؟، تطلعت حولها، لعله ترك دليل ما يشى بوجوده المزعوم، لكن كل شئ كما كان..إلا ذهنها المشوش، فقد أضحى أكثر تشويشاً، وعدم الاتزان، يغمرها كلياً...لكن طرقات جديدة على الباب، أيقظتها من شردوهالتفتح من جديد، لتجد محسن، يقف فى ثباته المعهودوهو يحمل بعض الاكياس فى يديه، دخل، دون حتى ان تأذن له، يضع ما يحمل على طاولة فى منتصف.الردهة، وأستدار اليها، وهو يمد يده بكوب من القهوة الجاهزة، : - خذى تناولى هذا، لتكونِ فى حال أفضل..وكم كانت ممتنة لعطيته، كوب من القهوة، هو كل ما تحتاجه الأن لتستطيع دفع تشوشها بعيدا، وتستعيد بعضا من تركيزها، لتستطيع مواجهته..-شكرًا، كانت الكلمة الاولى التى نطقت بها، منذ قدومه، تناولت الكوب، وجلست ترتشفه فى نهم..لم ينطق بكلمة، وكم كانت ممتنة لذلك، فقد تركها تتجرع قهوتها، فى هدوء، لم ترفع نظراتها اليه..بينما هو كان يتلذذ بالتفرس فيها، مع كل رشفة، من كوبه..أنهت قهوتها، وانتهت الهدنة بينهما، بنهايتها، فقد وضعت الكوب الفارغ، على الطاولة، واستدارت لتواجهه، فى ثبات استمدته اخيراً: - سيدى، هل لى بان أسألك، لما تفعل معنا كل هذا..!؟.-لو كنت سألتينى البارحة هذا السؤال، لكنت رفعت كتفىّ، قائلاً لست أدرى، قالها فى هدوء مقيت، وبنبرة تخفى فى طياتها الكثير..-واليوم، هل أصبحت تعرف لما..!؟.أومأ برأسه موافقا فى تثاقل وهو يتجرع أخر رشفة فى كوبه، ويضعه جانبا، وهو يستند على حافة الطاولةيضع قدما على قدم، فى مظهر متغطرس كالعادة..كان مظهره، لا يناسب شقتها المتواضعة بأى حال من الاحوال، فالتناقض رهيب، ان هذا ليس مكانه المثالى بلا شك، فهو الان، يشبه أحد الصور المنزوعة من أحدى مجالات الأزياء الراقية، والملتصقة على حائط آيل للسقوط..-أريدك، قالها بشكل مفاجئ جعلها تجفل، وتنتفض كل خلية من خلاياها، ماذا يقصد بالضبط!؟.تطلعت إليه بنظرات نارية، قابلها بنظرات مشاكسةقبل أن يكمل فى بطء قاتل، : - أريد الزواج بكِ..ألقى قنبلته المدوية، لتصم أذنيها، ولا تسمع غير وجيب قلبها الذى تزايد للضعف، أما هو فكانه يلقى بخبر عادى، يقف فى برود، ينتظر رد فعلها..-لست بمزاج جيد، للمزاح، او الاستهزاء بى، سيدى من فضلك، عليك الانصرا، لم يمهلها لتكمل ما تريد قوله، بل هتف فى ذهول: - وهل من عاداتى المزاح معكِ...!؟..صمتت، وهى تتطلع اليه فى حيرة، هل هو فى وعيه...!؟.هكذا سألت نفسها، وهى تشيح بنظرها، عندما سمر نظراته على وجهها، محاولاً ان يستشف ما يعتمل بداخلها من تضارب، فى افكارها ومشاعرها..-أجلسى الان، وستفهمين كل شئ..لم تزعن لطلبه، هى فى بيتها بالمناسبة، ولا تتلقى الأوامر منه.، قررت أن تعارضه، لكنه هتف بلهجة تحذيرية، : - أنا لست صبورا، ولا أحب تكرار طلبى لأى من كان...جلست إتقاءا لشره، فهو يبدو غير طبيعى بالمرة، وطلبه العجيب هذا، بالزواج منها، يؤكد ظنها...جلس هو الاخر، وأخذ نفس عميق، ثم قال بلهجةواثقة، ونبرة عميقة: - ما سأطلعك عليه الأن، لا أحد يعلم به، سوى منير.، صديقى الذى أعده بمثابة أخ لى...-تقصد السيد منير، رئيسى فى الشركة..!؟..-كم منير تعرفين!؟، سأل ساخراً فى نفاذ صبر..بالطبع هو، وأرجو أن لا تقاطعيني، حتى أكمل ما أنا بصدد قوله، للنهاية، قال كلمته الاخيرة وهو يجز على أسنانه محذرا، فأومأت برأسها مزعنة..-منذ فترة، أكتشفت أنى مريض، وأنى لن أعيش طويلا، شهقت فى ذعر حقيقى، فنظر اليها فىضيق، فوضعت كفها، على فمها تكتم شهقاتها، وهى تنظر اليه بعيون مفتوحة بذعر، كيف يلومها على ردة فعلها، إزاء خبر كهذا..!؟.أستطرد، محاولا تجاهل ردة فعلها، كل ما أطلبه منكِ أنت تمنحنى عدة أشهر من حياتكِ، تكونى فيهازوجتى، وفى المقابل، سأمنحك، المال الذى تطلبينلتأمين مستقبلك، وإجراء الجراحة لأخيك، وتأمين مستقبله ايضا، بضعة أشهر لا غير، وبعدها ستكونين حرة وغنية، و-أرملة، هتفت مقاطعة له فى غضب هادر...من تظننى بربك، لأبيع نفسى مقابل المال، لولا ما سمعته الان عن مرضك، ولولا معروفك اليوم مع أخى، وأنك فى بيتى، لكان لى معك شأن أخر..سيد محسن، تشرفت بحضرتك، وأشارت للباب فى عنف، الا انه لم يرمش له جفن، ولم يتحرك قيد أنملة من موضعه، مما أثار حنقها فأصبحت أشبه ببركان على وشك إلقاء حممه، وما أن همت بثورتهاحتى وقف بشكل فجائي، قبالتها، وأشرف عليها بقامته المديدة، لتشعر بضألتها، وبتهديده الوشيك.لها، عندما وضع كفيه على كتفيها، ليجبرها على الجلوس مجدداً، لتجلس على عجل، رغبة فى الهربمن كفيه، التى كانت تضغط على كتفيها، كأنهما جمرتين من نار..بدأ يتكلم من جديد، بنبرة أكثر إقناعاً، نبرة رجل الاعمال التى يجيد استخدامها عند عقد صفقاته...-أسمعى، لم أفكر أبداً، بكل هذا الهراء التى تفوهت بهمنذ لحظات، فلنتفق انها صفقة..-صفقة!؟، هتفت بعدم تصديق، وهى فاغرة فاها..-نعم، صفقة، أنا أحتاج إمرأة، ما تبقى لى منأشهر، فى حياتى، وأنت تحتاجين المال اللازم لعلاجأخيك، ليعود للحياة من جديد..اعتقد انها صفقة عادلة، فكل منا سينال فى النهاية ما يحتاجه، لا تعطينى رأيك الأن، فكرى، وأنا فى انتظارك...نهض فجأة من مكانه، ليرحل مغلقا الباب خلفه، دون ان يتطلع خلفه، ولو للحظة..اما هى، فقد ظلت مكانها، لا تتحرك كدمية شمعية، بلا روح، ضربات قلبها، تعلو وتهبط بجنون، وإنفاسها، متقطعة، تلهث وكأنها، لفت الكرة الارضيّة ركضا، هربا منه..ولكن، هل من القدر، مهرب...!؟..عاد لمكتبه، يتسأل فى حيرة، ما الذى فعله، ما الذى دفعه ليعرض عليها عرضا كهذا، الا يعتبر ذلك نوع من انواع الاستغلال الرخيص، لحاجتها..هى ترغب فى شفاء أخيها، وقد تفعل فى مقابل ذلك أى شئ، حتى القبول بتلك الصفقة..حقاً هل ستفعل!؟، هل ستقبل..!؟.قاطع سيل أفكاره وخواطره دخول منير، الذى أكتشف على الفور، ان هناك خطب ما يشغل فكر صاحبه، ويؤرقه..-محسن، .!؟، هل هناك ما يشغل بالك..!؟، سأل منير متوترا...-نعم، هناك، لقد اقدمت على فعلة وانا لا اعرف..كيف نفذتها هكذا بلا اى تفكير...!؟.-ماذا هناك، أثرت قلقى...!؟.-لقد تقدمت بطلب زواج من المتدربة الجديدة، قالها محسن دفعة واحدة، كمن يلقى هما على كتفيه..فانتفض منير من كرسيه فاغرا فاه فى دهشة..-تقصد مودة، كيف ذلك..!؟..-لا أعلم، هذا ما حدث، ذهبت لبيتها بطبيب الشركة عند علمى بمرض اخيها، وساومتها على الزواج بى ما تبقى من أشهر فى حياتى، على ان تكون قادرة على علاج اخيها، وتأمين مستقبلهما بعد رحيلى..-هل فعلت ذلك، هل حقا ساومتها، على الزواج بك او علاج اخيها..!؟..-نعم، فعلت، ولا تنظر إلىّ هكذا، فأنا لا اعرف كيف اقدمت على فعلة كهذه...!؟..وعلى عكس المتوقع تماما، انفجر منير ضاحكاً...مما دفع محسن للنظر اليه باستعجاب، هل فقد عقله..وما الذى يدعو للضحك فيما قال..!؟.توقف اخيرا منير عن الضحك، وهو يمسح وجهه بكفيه، ويقول فى نبرة يقينية: - أخيراً، يا محسن، فعلتها..-فعلت ماذا.!؟، لا تتحدث بالألغاز الان، فأنا فى مزاج لا يسمح بذلك...-حسنا، سأفصح، وسأكون صريحا، لكن لا تتذمر، انت من طلب..نظر اليه محسن فى نفاذ صبر، فهتف بسرعة: - حسنا، حسنا بلا مقدمات، انت تميل اليها يا صديقى، ولن اقول تحبها، حتى لا تغضب، ألقى القنبلة الاخيرة، وهو يبتسم فى حبور، وهو يتابع قسمات وجه صاحبه، التى تبدلت وتغيرت عدة مرات فى ثوان معدودة، حتى استقرت على ملامح الغضب المختلطة بعدم التصديق، وهو يقول: - كفاك مزاح...انا اتحدث بجدية الان، عن اى ميل او حب تتحدث يا صديقى...قلب محسن ضرغام، لم ولن يخضع لامرأة، بعد ما كان، الحب لعبة خاسرة، انت تعلم تماما انى لم أعد أؤمن به، ربما دفعنى لما فعلت، هو رغبتى فى امرأة ما بحياتى...امرأة اعلم ان ليس لها مطالب، ولا تتعلق بى، ويكون وجودنا سويا، منفعة لكلانا، دون ايه التزامات..-لماذا هى بالذات...!؟، سأل منير فى خبث ولماذا ليست واحدة غيرها، فهناك الكثيرات يرحبن بمطلب كهذا، من محسن ضرغام، حتى ولو تصبح اى منهن زوجتك ولو ليوم واحد..!؟، ولم يكن لديه ما يجيب به، فأكتفى بهز كتفيه، وهو يقول بتهاون. : - ربما، لانها بحاجة لى ولنقودى، كما انا بحاجة اليها، هى صفقة ليس اكثر، لا تشملها المشاعر، او تلك الامور المتعلقة بالقلب...-حسنا، كما تشاء، قالها منير غير مقتنع، لكن ماذا لو رفضت، عرضك..!؟..-ستقبل، فأنت لا تعرف كم تحب أخاها..!؟، وكم تتمنى ان تراه يسير مرة أخرى على قدميه..!؟.-الم أقل لك، انك متعلق بها، للحد الذى يدفعك للمساومة على مشاعرها تجاه أخيها لتبقى قربك...كانت نظرات محسن له، نارية، لكنه لم يأبه، بل استطرد فى ثقة، وكأنما من واجبه ان ينصحه، حتى ولو رغما عنه، : - لكن أحذر يا محسن.هى لن تنصاع لك بسهولة، فهى تشعر الان بالمهانة، وانها سلعة تُباع وتُشترى، ويتم المساومة على مشاعرها فى كفة، ومصلحة أخيها فى كفة أخرى...انها فى امتحان صعب، كان الله فى عونها، وفى عونك، انت ايضا، فلن تخضع بسهولة، انها مقاتلةعلى الرغم من الفترة البسيطة التى عرفتها فيها، الا أننى اقولها لك وبكل ثقة، لن تستطيع إخضاعها لسلطانك بتلك البساطة التى تتوهمها...-ستخضع، وتكون اكثر من راضية، قالها محسن بغطرسته المعتادة، فابتسم منير، وهو يقول: - اتعشم ذلك، لكنى لا أملك تفاؤلك..


look/images/icons/i1.gif رواية صفقة حب
  11-01-2022 12:12 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالثجرت قدميها جرا، حتى وصلت لفراش اخيها وتأكدت انه بخير، يغط فى نوم عميق..فأنسحبت بهدوء، لتعود لحجرتها، او بالأدقحجرة أبويها، والتى اصبحت غرفتها، بعدوفاتهما، اصبحت تجد عزاءها فى احضان فراشهماالذى يحمل انفاسهما، وصورهما على الحوائط..تشعرها بوجودهما، عن قرب...أمسكت باطار احد الصور الموضوعة بجوار فراشهالتتطّلع اليها، للحظات بجمود، ثم تنفجر باكية..بشهيق، متقطع، يدمى القلب، انها تفتقدهما بشدة.تفقتقد أمانها، وهى بين أحضانهما، وشعورها بالسند والدعم، انها تشعر، انها وحيدة فى مواجهة هذا العالم، بلا ظهر او سند، يدعم جبهتها..يا الله، ماذا هى فاعلة الان، فى ذاك العرض المخزى، الذى عرضه عليها ذاك المتغطرس، اتبيع.روحها فى مقابل بضع آلاف من الجنيهات!؟، وشفاء أخيها..!؟، تسألت، ألا يتوقف على تلك الجنيهات التى تستهين بها...!؟، الم يقل الطبيب ان لديه فرصة كبيرة للشفاء، وانها مسألة وقت، بعد الجراحة ليستعيد مرة أخرى قدرته على السير من جديد..ماذا هى فاعلة، سألت من جديد، وهى تنظر لصورة أبويها، ربما تجد إشارة ما تلهمها، الإجابة المستعصية، لكن بلا جدوى، فقد ظلت صورة أبويها على حالها، من الجمود، وعقلها المسكين، يكاد ينفجر من تزاحم الافكار والخواطر...يا الله ساعدنى، هكذا هتفت، والدموع تترقرق من جديد فى مقلتيها، وهى تحتضن صورة أبويها، وتروح فى سبات عميق، تخلله الكثير والكثير من الأحلام التى، كان يطل منها وجه واحد، يساومها على حريتها، وحدث واحد، هو عودة أخيها للسير من جديد..ولكن، هل يمكن ان يتحقق الحدث الذى تتمناه، دون ان ترى الوجه المتغطرس مجدداً...!؟...مر اليومان السابقان، بهدوء حذّر، هى لم تذهب لعملها كالمعتاد ويبدو انه أعطى التعليمات لصديقهمنير رئيسها، فلم يتصل او يسأل احد عن سر غيابهاوالذى طال لليوم الثالث على التوالى، اما هو، فلم تسمع عنه، او منه، أية أخبار، وكم حمدت ربها على ذلك، فهى تريد ان تنقطع نهائيا عن ذاك العمل.لا تريد ان ترى وجهه، كانت تؤهل نفسها لرفض عرضه السخيف، بل انها وطدت نفسها، انها لم تسمع منه اى عروض، وان ذلك، ما كان الا هذياننتيجة أرهاقها، ليس أكثر..لكن، دوما تأتى الرياح بما لا تشتهيه السفن..سمعت دق على الباب، فجفلت، وتركت ما تعده من طعام، لتفتح فى حذّر، فتطالعها البزة الفاخرة المقيتةخاصته، انه هو، حاولت ان تغلق الباب، وهى تقول فى استهزاء: - طلبك غير متوفر هنا، ابحث فى مكان أخر، وشكراً..الا انه وضع قدمه، ليمنع اغلاقها للباب، فتدفعه بقوة جسدها، لتغلقه، وهو يبتسم فى سخرية، وهى تجز على أسنانها، هاتفة: - ارفع قدمك لو سمحت...-لكنه يستمر فى ابتسامته المقيتة تلك مستمتعا، وهى تكاد تنفجر غيظاً، الا ان صوتاً واحداً، هو من فُض تلك المعركة لصالحه، صوت يوسف، هاتفاً من الداخل-من على الباب يا دودى...!؟..فضعفت مقاومتها فجأة مما أتاح له الدخول بكل سلاسة.وفجأة اصبح فى منتصف الردهة، يضع ما يحمل على الطاولة التى تتوسطها، ليعود ويقترب منها، وهو يقول، فى نبرة منخفضة، كى لا يسمعه يوسف و الذى سمع صرير كرسيه المدولب يقترب: - كيف حالك اليوم يا، دودى؟!، وتتسع ابتسامته، وتزداد بريقاً، عندما يرى نظراتها تشتعل غضباً، حاولت مداراته، على قدر استطاعتها، عندما ظهر يوسف، وهو يهتف فى فرحة حقيقية، : - سيد محسن، مرحبا بك..-كيف حالك اليوم يوسف، لقد أتيت للاطمئنان عليك..وأحضرت لك بعض الأغراض التى قد تساعدك على قضاء الوقت، عندما تكون وحيدا..اقترب يوسف من الأغراض الموضوعة على الطاولة فى شغف، وبدأ يفضها من أغلفتها القيمة، فيشهقفى فرحة طاغية، وهو يهتف: - هل هذا لى..!؟.وهو يحمل ذاك الحاسوب اللوحى بين يديه..همت ان ترفض تلك الهدية المبالغ فيها والتى لن تستطيع رد ثمنها، لكن فرحة أخيها، لجمتها...-مودة لن تستطيع رد ثمنه لك..!؟، سأل أخيها مندفعاوكأنه علم ما يجول بخاطرها..-لا داعى لذلك، انه هدية، بمناسبة شفاءك، وبقربإجراءك عمليتك الجراحية، الم تخبرك أختك بذلك.!؟.اللعنة عليه، الف مرة، لقد ورطها كليا الان، كيف ستشرح الامر لأخيها، كيف تخبره، ان ثمن تلك العملية الجراحية، هو بيع نفسها لذاك المتغطرس، لعدة شهور، تكون فيها جارية له، تأتمر بأمره، وتكون طوع بنانه، اه، لو تستطيع الان ان تقتله..لكن لا، ألن يموت بمفرده فى النهاية..!؟، لما تتحمل تبعات جريمة ما، محكوم على صاحبها بالموت من الاساس!؟، نفضت عن ذهنها ذاك الخاطر الشرير، انها لم تفكر بمثل تلك الكراهية من قبل، ولا تعرف لما انقبض صدرها، لمجرد ان تستيقظ يوما..لتجد الحياة تخلو من وجوده فيها، انه لازال شابا..كم هى قاسية الحياة...!كفى، هتف عقلها، سيقودك ذلك الرجل للجنون، حتما، فأنت فى لحظات، تنقلبي من ناقمة عليه حد الرغبة فى قتله، الى متعاطفة معه، حد الشفقة...أفيقى، هتف عقلها فى حنق...-أنا لم أوافق بعد يا يوسف، على مقترح السيد محسن، هناك بعض المحاذير، قالتها وهى تنظر نظرة جانبية لذاك الوقح...-ايه محاذير مودة...! هتف اخيها فى حنق، انها فرصتى لأعود للسير من جديد، لن أسامحك لو رفضتى، أرجوك، أقبلى، من أجلى...شعرت بالوهن، أمام توسلات أخيها، وودت لو تنهض الان، لتخلع زوج من العيون الساخرة التىتطل منهما، العبثية، وتتفرس فيها فى تلك اللحظةألهمنى الصبر يا آلهى، تكاد تصرخ بها، وهى محاطة بذاك الضغط النفسى الرهيب، ما بين توسلاتأخيها الذى لا يع، ولا يفهم ما يدور، وبين ذاك المتغطرس، الذى يبتنزها بشكل غير مباشر..وهنا، نهض محسن فى تثاقل، وكأنما أنجز المهمة التى جاء من أجلها، ليعلن عن رحيله، مودعاً يوسف.الذى آثر الصمت، اعلانا عن خيبة امله فى أخته التى ترفض الفرصة المتاحة لعلاجه، لترافقه للباب، دون ان تتفوه بكلمة، اما هو، فقد وصل للباب..دون ان يلتفت خلفه، حتى اذا ما وصل خارجه، استدار مقتربا وهو يهمس: - وداعاً، يا دودى..وابتعد ترتسم على وجهه ابتسامة رضا عن نفسه..اما هى، فقد أغلقت الباب بكل ما أوتيت من قوةوهى تلهث من فرض غضبها...أستدارت، لتقابل نظرات اخيها اللائمة..وقد استدار بكرسيه مندفعا لحجرته، ليغلق الباب خلفهبعاصفة مدوية..انه يوم صفق الأبواب، هتفت ساخرة...ظلت تحاول السيطرة على أعصابها، حتى أنهتاعداد العشاء، فدخلت لحجرة أخيها، لتجده على حاله، حتى انه، لم يمس، ذاك الحاسب الذى أهداهله محسن، وذاك لا يحمل الا دلالة العصيان التامهل عليها ان تخبره!؟..أقتربت فى هدوء من أخيها، لتجلس القرفصاء امام كرسيه حتى تستطيع مقابلة عينيه، لكنه، كان يرفض اى تواصل معها، وهم بإدارة الكرسى فى اتجاه اخر، الا انها، منعته، وهى تقول: - اريد ان أبلغك امر هام، وعليك انت تعطينى رأيك فيه بكل صراحة..تنبه يوسف لكلام أخته الذى يحمل نبرة جدية، لا تستعملها عادة فى حديثها معه، فأنصت فى هدوء.وهى تقول محاولة إخراج كلماتها بثبات: - لقد، لقد تقدم السيد محسن ضرغام، لطلب يدى للزواج..فما رأيك..!؟..-حقا..!؟، هتف يوسف مندهشاً، انه خبر رائع-خبر رائع..!؟، هتفت باستنكار..-أكيد، طبعا، أجاب ببساطة، انه رجل محترموطيب، وغنى ايضا، كما انه يحبك...-يحبنى..!؟، رددت فى بلاهة، فاغرة فاها..-نعم يحبك، هذا واضح، أجاب يوسف بنبرة العالم ببواطن الامور، انا رجل، وأستطيع ان أؤكد لك ذلك.كادت تنفجر ضاحكة، نعم يحبها، فله الحق فى قول ذلك، فهو لا يعلم أى شئ عن تلك الصفقة، ولا تنوى أخباره بالطبع، فهو، اولا واخيرا، لا يزال طفلا..-وما رأيك..!؟، سألت فى مرح..-أقبلى بالطبع، فأنا أحبه حقا..صدمتها كلماته الاخيرة، فصمتت ولم تعقب، انه يحبه، ام يفتقد وجود رجل ما يلعب دور الاب، الذى يفتقده، كما تفتقده هى فى تلك اللحظات..!؟..لم تتطرق للموضوع مرة أخرى، وهى تضع الطعام لأخيها، الذى رضى عنها اخيرا، وبدأ فى تناوله، وألتهى فى حاسوبه الجديد، أما هى، فقد اشتعل فكرها، بالكثير من الخواطر، التى ستقض مضجعها، لكثير من ليالى قادمة...استيقظ من نومه، يشعر بصداع شديد، فمد يده ليتناول دواءه، ابتلع تلك العقاقير، وعاد ليضع رأسه على وسادته من جديد، لعله يذهب فى النوم، مرة أخرى، وتنقضى تلك النوبة السخيفة من الصداع، والذى اصبح يداهمه بكثافة، فى الآونة الاخيرة..أغلق عينيه، فتمثلت صورتها فجأة، فى مخيلته..وهى، تكاد تشتعل غضباً، عندما كان فى منزلها..منذ يومين، فأبتسم رغما عنه، ورغما عن ألام رأسه.لا يعرف، ما ذاك الشعور الذى يسيطر عليه فى حضورها، رغبة جامحة، فى استفزازها، ومشاكستها، ورؤية تلك الحمم، التى تتطاير من عينيها، تلك العيون التى تحمل من الرقة واللين، بقدرما تحمله من العناد والصلابة، لاحظ ذلك كثيراأثناء مخاطبتها لأخيها، وأثناء مخاطبتها له، النقيضتماما، فيما تحمله من مشاعر، لكليهما...فهل يوم ما، سيرى مشاعر الرقة واللين فى نظراتها الرائعة تلك، لأجله..تناول هاتفه الجوال، وبدأ يخط بضع كلمات فى رسالة نصية لها، وضغط زر إرسال، فى تردد..استيقظت على صوت من هاتفها، ينبأها بصول رسالةما، فتحتها فى تكاسل، وسرعان ما انتفضت عندما وعت ما تقرأه، لم أتلقى ردّك بعد، وأنا لا املك الكثير من الوقت كما تعلمين..-لماذا، أنا!؟..، كتبت وهى ترتجف، وتشعر انها تقترب من الوقوع فى فخه، بكل بلاهة..كان ذاك تساؤلها فى رسالتها، ولم تتلقى ردا، فقذفت الهاتف، بجوارها فى يأس، لكن سرعان ما ضج رنينه، لتجفل، وتطالعها نمرة غريبة، لا تعرف صاحبها، فتتناوله بحذر، وكأنه سينفجركلغم فى ايه لحظة، وحدسها يخبرها انه هو، وقد صدق، عندما أجابت بصوت مرتعش: - مرحبا..-مرحبا، يا دودى، قالها مازحا، على عكسها تماما..فلقد زفرت فى حنق وهى ترد فى توسل: - أرجوك، لا تبدأ، ودعنا ننهى الامر الان..تجاهل كلماتها الاخيرة، وهو يقول: - ما ردّك النهائى-لماذا أنا..!؟، سألت من جديد، سؤالها الذى لم تتلقى الرد عليه فى رسالتها، واستطردت فى حماسلديك الكثير من المعجبات، والتى تتمنى اى من هن، الاقتران بك..-يبدو انك تحريتى عنى جيدا..!؟، سأل مازحا، من جديد..-لم أكن بحاجة لأية تحريات صدقنى، فشهرتك بالغة السيط فى هذا المضمار، لا يمكن أخفاءها، و، كانت دوما، الموضوع الرئيسى لنميمة الكثيرين، لذلك أسألك من جديد..لماذا أنا..!؟..-أعتبريها أمنيتى الاخيرة...صدمتها كلماته، فعم الصمت، حتى قطعه مسترسلا-الا تكون الأمنية الاخيرة، واجبة النفاذ..!؟.-أنت تبتز مشاعرى، هتفت فى نفاذ صبر، واليأس يغلف كلماتها، ويضعف قدرتها، فى إثناءه عن رغبته...-بل قولى، استميل مشاعرك، فأنا اكره الابتزاز..خاصة فى المشاعر..انه بارع جدااا، فى اللعب بالالفاظ، و لىّ الكلمات-حسنا، قالت وقد جف حلقها، وخرج صوتها، وكأنه أَت من جوف بئر سحيقة، أنا موافقة، لتحقيقرغبتك الاخيرة، سيد محسن ضرغام..كسى الصمت، كليهما، حتى قطعه فى هدوء، ولم ينطق الا بكلمة واحدة: - حسنا..وأغلق الخط...استعدى، جاءها صوته عبر الهاتف، فى حماس عكسها تماما، فمنذ أعطت له موافقتها، وهى تشعر ان روحها غادرتها، وان حياتها لم يعد لها معنى..تشعر بالخواء الشديد، وكأنها تسير بغير هدى، فى طريق لا تعرف له نهاية، معصوبة العينين، تتنازعها الهواجس والظنون...-لما يا سيد محسن..!؟، سألت بلامبالاة..-اولا، لا أظن من الطبيعى مناداتى بسيد، فأنا سأصبح زوجك خلال ساعات، قاطعته صارخة، تقول ساعات...!؟.استطرد، بالطبع، فسنكتب كتابنا الليلة، الم أبلغك انى أريدك فى أسرع وقت، ثانيا، أليس من الطبيعى شراء احتياجات العروس، وانت لست عروس عاديةانت عروس محسن ضرغام، بجانب ذلك ففستان العرس، لابد ان يكون مناسب لك، ومن اختيارك..أليس كذلك؟..صمت تام، هو كل ما تلقاه، على الجانب الاخر، كل ما استطاع الوصول لأسماعه، على قدر ما أرهف السمع، هو صوت نحيبها المكتوم، والذى تحاول مداراته، على قدر استطاعتها..-هل انتِ بخير..!؟، سأل بقلق، اثار تعجبها، فهى تحاول مدارة حزنها، كيف استطاع قراءة صوتها..والتوصل لمعرفة، انها ليست بخير، ليست بخير على الإطلاق..لم تجب على سؤاله، فاستطرد، سأمر عَلَيْكِ خلال ساعة، فهل يناسبك ذلك!؟..-نعم، كلمة واحدة، أجابت بها، ولم يكن عندها القدرة على قول المزيد..-جيد، إلى اللقاء بعد ساعة..أغلقت هاتفها، وتطلعت للفراغ، دموعها لا تطاوعها.فيبدو انها جفت، بعد يومين كاملين من الهطول اللاأرادى، كلما تذكرت، انها اعطته كلمتها، فهى الان خطيبته بشكل رسمى، وستكون زوجته خلال ايامانتفض جسدها كله دفعة واحدة، عندما تذكرت تلك الحقيقة، كيف تكون زوجة، لشخص لم تلتقيه الا عدة مرات، ولم تكن كلها، مقابلات سارة، بجانب ذلك.هو مريض، كما أكد، فكيف لها التعامل معه، وما هى طبيعة مرضه ذاك، والذى حكم عليه بالموت فى مثل تلك السن الصغيرة، اكتشفت انها لا تعلم عنه اى شئ، لكن، ما اراحها قليلا، ان زواجها منه سيتيح لها علاج اخيها، اكبر أمنية لها فى حياتها، ستتحقق اخيرا، وهذا هو المهم، بل، انه الأهم..الأهم من اى شئ، واى شخص، واى مشاعر..كل ما يخصها، ستضعه رهن الإعتقال، حتى اشعار أخر، ستضع دقات قلبها، واحلام شبابها، وكل أمانيها، فى صندوق محكم، وتلقى به فى اعماق روحها...نفضت عنها، خواطرها، وذهب مسرعة، لتستعد لقدومه..انتهت من اعداد نفسها، وما ان انتهت من وضع اخر دبوس فى حجابها، حتى رِن هاتفها، انه هو بالتأكيد.أطمئنت على أخيها، وأبلغته بأنها لن تتأخر، كان يمكنها أن ترغب فى مجئ أخيها معهما، لكنها قررت التحجج ببقاءه بمفرده لتعود مسرعة، فهى لا رغبة لهافى الذهاب معه الى اى مكان، معه، هى كريشة فى مهب ريح عاصفة، لا قدرة لها على تحديد وجهتها..ركبت عربته فى صمت، دون حتى ان تلقى السلامنظر غير عابىء، وسأل فى هدوء: - كيف حال يوسف!؟.-بخير، أجابت باقتضاب..-هل أعجبه الحاسوب..!؟..-أه، كثيراً، شكراً لك...كل ردودها، جافة، لا تزيد عن بضع كلمات، ولا توليه اهتماما، نظراتها مركزة على الطريق أمامها، كان يختلس بعض النظرات الجانبية اليها من حين لاخر، يرى غضبها المكتوم، ولمعان الدمع فى عينيها، ونظراتها التى تشيحها عنه، حتى لا تتلاقى بعينيه، يعلم انه يضغط على أعصابها كثيراولكن، انه يريدها، يريدها حقا بجواره، فى اقرب فرصة ممكنة، الوقت ليس فى صالحه، ليهادنها..ويعطيها وقتها لتتقبل الامر، وتعتاد وجوده فى حياتها، ليته يملك الوقت، ما كان بخل به عليها..وصلوا لوجهتهم، توقفت السيارة، ليتضاعف وجيب قلبها، ليصم اذنيها، تماما، حتى انها لم تسمع نداءهالذى تكرر عدة مرات، لتترجل من العربة، واخيرا أطاعت بشكل آلى، لا تعرف كيف وصلت لمكتب المأذون، وما الذى قيل، وهى تجلس كالمشدوهة..كل ما وعته، هو وجود السيد منير رئيسها فى العمل، الذى ابتسم لها فى تعاطف، ولم تستطع الرد عليه بابتسامة مماثلة، فقد كانت كل ملامحها جامدة، كتمثال بلا روح، لم تستفيق الا على سؤال المأذون..هل توافق على الزواج بذاك الرجل الجالس، فى المقعد المقابل لها، والذى يبتسم الان، مشجعا، كانت فى شبه غيبوبة، وكان كل ما يجرى او يحدث حولها، لا يمت لها بأية صلة، لذا تاهت فى صمتها.ولم تجيب، حتى سمعت صوت من بعيد، يوقظها..-مودة، أجيبى، هل انت موافقة.!؟..-نعم، انا موافقة، أجابت فى سرعة، جعلت الجميعيضحك فى حبور، اما هى فكانت تعلم، انها أسرعت فى الإجابة بهذا الشكل المضحك، حتى لا يمكنها التراجع والتفكير فى الامر، ولو لثانية واحدة...انتفضت عندما سمعت المأذون يقول فى صوت جهورى، مبارك، لتعلو أصوات كل من كان بالغرفة من شهود، بدعوات الرفاء والبنين...وتمد يدها لتسلم على أناس لا تعرفهم، فيما عدا، منير، الذى هنأها بحبور، واحتضن صديقه، بقوةمعلنا فرحته، بشكل لا يوصف، صديقه، الذى كان يحدق فيها الان، وكأنها اول امرأة يقع نظره عليها..اختطف كفها، ولوح مودعا للجميع، وهى تلهث خلفه، هابطة الدرج، حتى سيارته..فتح لها الباب، فدخلت فى ثبات لا يعكس تماما، ما يعتمل بداخلها من مشاعر، انها لازالت فى طور عدم التصديق، هل حقا هى الان، زوجة ذاك الذى يجلس بجوارها، يقود سيارته، الى وجهة لا تعلمها، ويختلس النظرات اليها من حين لاخر..!؟..-والآن جاء دور احتياجات العروس، قالها فى نبرة تحمل سعادة حقيقية، جعلتها تلتفت اليه، وتقول بصوت شعرت للوهلة الاولى بانه ليس لها: - أرجوك.انا متعبة، هل يمكن ان نؤجل تلك الامور..!؟، كما انى تركت يوسف وحيدا، لفترة طويلة..فعلى ان اعود من اجله...-حسنا، لك ذلك، لكن غدا، سأمر عليك، لننجز مالم ننجزه اليوم، يا مودتى، قال كلمته الاخيرة فى لهجة مرحة، جعلتها تجفل، وتشتعل خجلا، أضاء وجهها بحمرة محببة، جعلته يراها، كما لم يرها من قبل، دافئة، ناعمة، مخملية، بريئة، وفى حاجةللحماية، والامان...صرف نظره عنها، وتيبست يده على مقود السيارة..محاولا ضبط انفعالاته، وكبح جماح رغبته، فى الامساك بكفها، حتى لا تنقلب تلك الملامح الطفوليةالخجلى، لمشاعر ذعر ورهبة، عليه ان يكون حذرافيما يقدم عليه، فهى اصبحت زوجته، لكنها ليست مستعدة بعد، لتحمل تبعات تلك المهمة، فهى لم تعتاد بعد، مثل تلك الحقيقة، انها أصبحت زوجة، محسن ضرغام، وَيَا لها من حقيقة...!


look/images/icons/i1.gif رواية صفقة حب
  11-01-2022 12:13 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابعدخلت الى المركز التجارى الضخم الذى اصر على أصطحابها اليه، مروا على العديد من واجهات المحال.التى تحمل أغلى وأرقى الأزياء، ولم ينجح الامر، كما يحدث مع معظم النساء، فى ان يثير حماسها ولو قليلا، لم يثير هذا دهشته، فهى ليست كأى من النساء، انها حورية المطر، ظلت على هدوئها الحذر، حتى فقد هو ايضا حماسه، فأصطحبها لأحد الأركان، لتناول بعض القهوة، ربما تغير بعض من ذاك المزاج، الذى يشملها، استأذن، لبضع دقائق..هزت رأسها فى لامبالاة، وأخذت ترشف قهوتها بهدوء...عاد بعد فترة، ليجد طاولتهما، يجلس عليها، أخرون، أين ذهبت يا ترى؟!، تراها هربت، لكن لاين!؟، استدار حوله، يبحث عنها فى كل الوجوهلعلها تقف امام احدى الواجهات، تنتقى ما يعجبها..لكنه لم يجدها، وأخيرا، تنبه، لهطول الأمطار خارج احد الأبواب، فتوقف، ليندفع خارجاً، غير عابىء، بالإمطار التى بدأت تتسرب لبزته الغالية..كل ما كان يهمه، هو إيجادها، وقد صدق حدثه..فها هى هناك، تقف وحيدة، حيث الجميع فى الداخل يتقى المطر، هى هاهنا، تستقبله، لكن ليس كما اعتاد ان يراها، فاتحة له ذراعيها بحبور، وتتقافز.مثل طفلة مرحة تحت زخاته، بل على العكس، كانت تقف، متسمرة، لا تحرك ساكناً، لقد كانت فى تلك اللحظة تتذكر أباها، فضمت نفسها بذراعيها، تتخيل نفسها بين ذراعيّ اليها الان، يغمرها بعطفه، ويمنحها تفهمه، و، يقيها المطر، ويهبها الامان الذى تفتقده منذ رحل، اقترب منها فى وجل، وهو يراها على هذه الحالة..تمنى لو يقترب، ليأخذها بين ذراعيه، ويمنحها ذاك الامان الذى شعر بحاجتها اليه، تمنى، لو يطمئنها.ويبثها بعض من الدفء، لتهدأ روحها الملتاعة ولو قليلا..همس بأسمها: - مودة..انتبهت أخيرا، لوجوده، وفتحت عينيها مذعورة..وهى تراه يقف تحت الأمطار، لا يهتم، بأن تغرقهولا ان يتضرر حذاءه الثمين، أو بزته الغاليةمد يده اليها، فنظرت لتلك اليد الممدودة فى رهبة..لا تعرف ما عليها فعله، كانت تتنازعها رغبتين متناقضتين، الاولى هى الهرب وفورا من امام تلك اليد الممدودة، كالمغناطيس، والثانية هى تقبل تلك اليد والتشبث، بل والرضا بها، كالقدر، ظلت لحظات تنظر ليده، وبداخلها حرب طاحنة، تدور رحاها، بين رغبتيها، وأخيراً، مدت يدها، لتلقى بها فى احضان تلك الكف الممدودة، والتى زفر صاحبها..براحة واضحة، وهو يتشبث بكفها، ويجذبها اليه فى.رقة.، ويخرج شئ ما من جيب سترته، ويدخله برشاقة فى بنصرها، ليقترب وهو يهمس..، مبارك..نظرت مبهورة لذاك الخاتم الماسى، وهو يتألق تحت زخات المطر، فجذب كفها وطبع قبلة رقيقة على باطنه، جعلتها ترتعش، بل تنتفض، ليلاحظ هو ردة فعلها، فيجذبها لتدخل السيارة، والتى كانت قريبة لحسن حظهما...وصل ماء المطر، لعمق ملابسها، وهى تخلعها تنتفض بردا، بعد عودتها، وبرق من جديد، ذاك الخاتم، فى بنصرها، لتقف لحظات، تتطلع اليه كالمشدوهة، ثم تخفض كفها، وتتنهد فى يأس..وقد تذكرت كيف قبل باطن ذاك الكف، بكل حنان.ارتعشت، فعزت ذلك لشعورها بالبرد الشديد، الذى بدأ بالتسلل لعظامها، فما فعلته، كان جنونا، وكأنه محاولة انتحار يائسة للبقاء تحت وابل من مطر منهمر بتلك القوة والغزارة، والعجيب، هو مشاركته.لها ذاك الجنون، كانت تتوقع منه تقريعا، وتوبيخاعندما وجدها، لكنه تصرف عكس ما توقعت تماماوكأنها امام شخصية اخرى، تتلبس جسد ذاك المتغطرس المدعو، محسن ضرغام..أخذت حماما دافئا لعله يطرد ذاك البرد، الذى يتشبثبعظامها، واعدت مشروب ساخن لها، واطمأنت على اخيها الذى عادت لتجده، تناول ما اعدته له..من طعام، وغط فى نوم عميق..تدثرت بالأغطية الثقيلة، وقررت طرد شبحه من ذاكرتها، نظرت لخاتمه الذى لم تعتاده بعد..انها المرة الاولى التى تتنبه لشكل تلك الماسة التى تزينهانها تشبه الى حد كبير، قطرة المطر، تنهدت ولمتعطى للامر التفاتا، لتدثر وهى ترتجف بردا..وتسقط مجهدة، فى سبات عميق..-سيد محسن، هل هذا أنت!؟، سأل الصوت المضطرب...-نعم، يوسف، ماذا هناك..!؟، سأل محسن متعجبا عندما سمع صوت يوسف المتوتر، وهو يحدثه من هاتف اخته، عندما رأى نمرتها تضئ على شاشته، طرد النوم من عينه، انها المرة الاولى التى تطلبه فيها، لكن خاب ظنه، عندما سمع صوت يوسف، والأكثر من خيبة الظن، هو ذاك القلق الذى تسرب اليه، عبر صوت يوسف المتوتر..-نعم، سيد محسن انه انا، يوسف، رجاءا، تعال فورا، انا، لا اعرف كيفية التصرف، قالها الولد لاهثا، انها مودة، أظن انها محمومة وتهزى..انتفض محسن من فراشه وقد شرع بالفعل فى خلع ملابسه، وهو يحاول ان يبث الصبى بعض الطمأنينةعلى الرغم من قلقه، الذى بلغ ذروته الان..-حسنا، يوسف، لا تقلق، انا فى الطريق، ومعى طبيبا، كن معها، ولا تتركها..-حسنا، أجاب الصبى، واغلق الهاتف..دقات متسارعة على باب شقتهما، جعلت الصبى يطير ركضا بكرسيه المدولب، ليفتح الباب على عجل، ليندفع منه محسن فى لوعة، وخلفه الطبيب..ويتبعهما الصبى، وعلامات الحزن، تكسو وجهه..اندفع محسن للحجرة، ليرى للمرة الاولى شعرها الحريرى، يتوج وسادتها، وقد اصابه البلل من شدة الحمى، والعرق الغزير الذى يكلل جبينها..ألتقط بسرعة، غطاء للرأس كان موضوع على مقعد مجاورووضعه على رأسها، قبل ان يأذن للطبيب، بالدخول.لفحصها..تنحى جانبا، وشرع الطبيب فى عمله، كان القلق يتأكله، وهو يراها بهذه الحالة، غائبة عن الدنيا، تهزى بهمهمات غير مفهومة، انتهى الطبيب من فحصه، واستدار يحدثه فى هدوء: - لا تقلق ستكون بخير..-لكنها محمومة، وتهزى..؟!، سأل فى قلق..ابتسم الطبيب مطمئنا، هذا طبيعى، بسبب البرد الشديد، ستكون بخير، لكن، عليكم الاعتناء بمواعيد الدواء، والتغذية..هز محسن رأسه موافقا، ورافق الطبيب، مودعا.وانتبه ليوسف الذى اتخذ جانبا، وهو يكاد يبكى خوفاولوعة على أخته الوحيدة، اقترب منه محسن وهو يقول فى لهجة حاول ان يكسوها المرح: - لا تقلق، الطبيب قال انها ستكون بخير، فقط هى نزلة برد..شديدة وستتحسن وتكون افضل عما قريب..سأذهب لإحضار الدواء، واعود سريعا..-شكرًا، همس الصبى فى امتنان..مسد محسن على رأسه فى حنو، وهو يقول: - كيف تشكرنى، انه واجبى، وانت وأختك مسؤولان منى الان، هى بصفتها زوجتى، وانت بصفتك اخيها الصغير العزيز..ابتسم الصبى للمرة الاولى، وبرقت عيناه امتنانا..بينما اندفع محسن، لجلب الدواء..جلس قبالتها، على طرف فراشها، يتطلع اليها فى شجن، حتى وهى مريضة، بذاك الوجه الشاحب..يراها جميلة، تطلع اليها، يحفظ ملامحها عن ظهر قلب، ومد يده، يمسد على جبينها، وشعرها، الذى خلب لبه، بلونه الاسود الحالك، كسماء بلا أنجم..انها عادية الجمال، وقد عرف كثير من الفتيات، يتفوقن على جمالها، لكن، هى بالذات، هى لا غيرها، استطاعت ان تؤثر فيه، بشكل هو شخصياً، يعجز عن وصفه، عندما يراها، او يكون بقربها..يهتز، ويفقد صوابه، وكأنها تملك بوصلة، لتوجيه انفعالاته، غريبة حالته التى يستشعرها بقربها، وجميلة هى بطريقتها الخاصة، بل انها فائقة الجمال..بدأت تتململ الان، وتهزى ببضع همهمات، لم تلتقط أذنيه منها، سوى اسمه، نعم، انها تنطق اسمه..أرهف السمع، فالفضول قاتله، يريد ان يعرف، لأى غرض، تتمتم باسمه، بتلك الطريقة الناعمة..التى تفقده صوابه، لكنه لم يفلح، لانها صمتت فجأة..وبدأت فى فتح عيونها ببطء شديد، وهى تستفيق تدريجيا، وما أن رأته، وهو يجلس هكذا على طرف فراشها لا يفصلها عنه بضع سنتيمترات، الا انتفضتتعدل من ملابسها، وتضع يدها على شعرها، لتكتشف عدم وجود حجابها، فتهتف فى احراج: - ما الذى تفعله هنا..!؟..لم يجيب الا بابتسامة دافئة، والادهى انها اكتشفت، انها لم تكن ترتدى تلك المنامة، من قام بتغيير ملابسها-ماذا يحدث هنا..!؟.فجأة ظهرت على الباب سيدة فى نهاية العقد الخامس من عمرها تقريبا، ممتلئة الجسم قليلا، يبدو على وجهها سمات الطيبة، لتوجه كلامها لمحسن قائلة: - لقد انتهيت سيدى، من اعداد كل ما طلبته..-شكرًا، يا نبيلة، تعالى، لتتعرفى على زوجتى الجميلة، قالها وهو يحتضن كف مودة فى يده، بشكل طبيعى، جعلها ترتعش لهذه الحميمية..تقدمت المرأة وهى تقول فى سعادة صادقة: - اهلًا، يا ابنتى، ربنا يسعدكم، نحن فى انتظارك على احر من الجمر، لتنورى منزلك، قريبا باْذن الله..انفتح قلب مودة لتلك السيدة الطيبة، وشعرت بصدق امنياتها ودعواتها التى تنبع من القلب، فابتسمت فى رضا وهى تقول: - أشكرك كثيراً...قطع محسن حديثهما، ليعلن وقت الطعام..-لا املك شهية، لا أريد!؟، اعترضت مودة..-يجب ان تتناولى بعض الطعام، هذه تعليمات الطبيب.وقد جعلت السائق يحضر نبيلة، لتعد لك طعاما شهيايمنحك القوة، والشفاء العاجل..ابتسمت مودة فى رقة، وهى تهز رأسها فى خنوع..منذ متى لم تهنأ بهذا الدلال..!؟، ولم يعاملها احد بذاك الحنان، والاهتمام.!؟، منذ أمد بعيد، هكذا أجابت نفسها...دخلت نبيلة مرة اخرى بصنية الطعام، لتضعها أمامها.وتسبقها يد محسن لتتناول الملعقة، ليبدأ فى رفعها مليئة بالطعام لفمها، لتضحك نبيلة، وهى تنسحب من الحجرة قائلة: - انا لن ابقى، فأنا لا أحب ان اكون عزولا...ضحك محسن بأريحية، بينما اعتلى الخجل، وجنتىّ مودة، والتى مدت يدها لتأخذ الملعقة من يده، متجنبة ان تتلاقى نظراتهما، الا انه ابعد يدها برقة، بيده الاخرى، ومدها ليرفع ذقنها، لتصطدم نظراتها بنظراته، ليتوه فى عمق عينيها للحظات، ثم يستفيق فجأة عندما أبعدت نظراتها، لتقطع ذاك الرابط الخفى الذى كان يربطهما، ليترك الملعقة من يده ببطء داخل طبق الحساء، ويتنحنح فى احراج، واقفا، ليندفع خارج الغرفة، دون ان ينبس بحرف واحد..قرر محسن المبيت معهما، مما جعل يوسف يهلل فرحا..بينما هى، لم تستطيب الفكرة، يا آلهى، كيف ستبقى معه تحت سقف واحد، لكن، توقفت وهى تذكر نفسهابأنها الان زوجته، وكون انه يجمعها سقف واحد، فذاك امر طبيعى، ولن يكون سقف بيتها المرة القادمة.بل سقف فيلته الفخمة، وبالأصح، سقف حجرة نومه، نومهما، أجفلت عندما تذكرت ذلك، واحتضنت نفسها بيديها، كعادتها دائما، عندما ترغب فى الشعور بالامان، وذكرت نفسها، كما تفعل دوماً..لا تفكرى كثيرا، فما كان قد كان، دعى الامور تسير كما كتبها الله، فلن تغيرى من القدر شيئا..اندس محسن بجوار يوسف، تحت أغطية فراش الاخير، الذى كان فى منتهى السعادة، لمشاركة محسن له فراشه..-تصبح على خير، سيد محسن..-يمكنك ان تنادينى بمحسن فقط، فأنا الان زوج اختكونحن ايضا أصدقاء، أليس كذلك!؟..-بالطبع، أنا أحبك كثيرا، ووافقت على زواجك من اختى، عندما سألتنى رأيي، عندما تقدمت لطلب يدها-حقا..!، سأل محسن، وقد نهض مستندا على مرفقه ناظرا ليوسف، هل سألتك عنى..!؟..-نعم، قالها محيي وقد شعر بذاته، فأنا اخوها الوحيد.وهى تستشيرنى فى كل أمورها، وانا وافقت، عندما اخبرتنى برغبتك بالزواج بها، فأنا حقا أحبك، كما انك تحبها..ألجمته كلمة أخيها الاخيرة، لكنه قال فى محاولة لمزاحه: - وكيف عرفت أننى احبها..!؟..-انا رجل مثلك، وشؤون الرجال، لا يفهما الا الرجال، وانا اعرف انك تحبها، قالها منتفخ الأوداج مما جعل محسن، ينفجر ضاحكا..سرح محسن فى كلام ذاك الصبى الرائع، وطالت فترة الصمت بينهما، حتى قطعها محسن اخيرا، وهو يقول ليوسف الذى بدأ يغلبه النعاس: - يوسف، هل لى بطلب صغير منك..!؟.-أه، طبعا، قالها يوسف متثائبا..-اهتم كثيرا بمودة، وكن دوما بجانبها، قريبا جدا، ستعود للسير من جديد، كن دوما رجلها..-انت رجلها، ألست زوجها..!؟، سأل الصبى متعجبا..-نعم، طبعا، قالها محسن فى ثقة، لكن، عدنى بأنك ستكون دوما بجوارها، عندما لا اكون هنا..عدنى يوسف...-أعدك، قالها الصبى بثقة الرجال، مستطردا، أعدك بان اكون جانبها دوما، ولا اتركها ابدا، هل انت راضٍ الان!؟.-نعم، كل الرضا، اجابه بابتسامة شجية..وتمنى كل منهما، الخير للاخر، وراحا فى سبات عميق، ولم يكن يدرى كل منهما، ان هناك أذان أخرى تسترق السمع، فقد نهضت من فراشها، لجلب كأس من الماء، وفكرت فى التطلع لحجرة اخيها..لتطمئن ان كل شئ على ما يرام..هزها ما سمعت، وشعرت بوجع عجيب يتسلل الى اعماق روحها، وجع لا تعرف كنهه، ولا تستطيع ادراك اسبابه، لكنها شعرت به حيّا، قابعا، ها هناكولا قدرة لديها، لانتزاعه، او حتى تسكينه..نظرت بطرف عينيها، عبر باب حجرة اخيها الموارب، لتراهما، فى سباتهما، الفوضوى، فتتسلل ببطء، لتقترب من فراشهما، الذى بالكاد يسعهماوها هو قلبها، يشعر بغصة تستبد به، وهى ترى محسن يأخذ يوسف بين ذراعيه، وملامح الراحة والسعادة التى تجلت على ملامح اخيها الهانئة، لا يكفى لوصفها الف كتاب، وكتاب..خرجت من الغرفة، على أطراف أصابعها..وهى تشعر الان، والآن فقط، بكامل الرضا، لزواجها من محسن ضرغام...انتهى حفل الزفاف، كان كحلم رائع، كطيف، انتهى فى لحظات، هكذا شعرت، وهى بجواره فى سيارته، وعلى الرغم من انها، لم تكن على طبيعتهاوكانت معظم الوقت، مشدودة ومتوترة، الا انها لا تستطيع ان تنكر، انه كان حفلا أسطوريا بمعنى الكلمة.فهى فى اروع أحلامها، لم تكن تتوقع حفل زفاف بتلك الفخامة والروعة، وان ترتدى ثوب زفاف، بمثل ذَاك الجمال والرقى، لقد شعرت فى بعض اللحظات التى أطلقت فيها العنان لمشاعرها، بأنها أحدى أميرات الأساطير القديمة، وها هى تحقق حلمها بالزواج من الفارس الذى انتظرته طويلا، لكن ما ان يقع ناظرها على فارسها، حتى تستفيق على حقيقة تواجدها بجواره، هى زوجة تحت الطلب..زوجة مؤقتة، طرف فى صفقة، يحصل كل منهما.بمقتضاها على ما يحتاجه...تنبهت انه يرمقها بنظرات جانبية، فأعتدلت فى جلستها قليلا، بعد ان حاولت الاسترخاء لدقائق، وهى تشرد فى خواطرها، وتنبهت انهما على طريق شبه خال، فأجابها وقد ادرك فيما تفكر: - أختطفك..فهل تمانعين..!؟، قالها بابتسامة مرحة، ارتسمت على شفتيه وهو ينظر لها، ثم يعاود النظر مرة اخرى للطريق..-تعنى اننا لن نعود للفيلا الليلة..!؟، قالتها مشدوهة.-نعم، ولمدة ثلاثة ايام، ستكونين فيها لى وحدى، نطق كلماته الاخيرة بلهجة تحمل شوق لا يمكنها ان تخطئه، فارتعشت بشكل لا أرادى، لاحظ ارتعاشاتها ولكنه لم يعلق، فقط لاحظت ابتسامة خبيثة ترتسم على جانب فمه القاسى..-ولكن، يوسف، انا لم اطمئن عليه، و..قاطعها وهو يقول فى هدوء مطمئن: - لا تقلقى ابدا، أخوك العزيز، يتمتع بكل وسائل الراحة، له حجرة خاصة بالطابق الاول، نظرا لظروفه، ويعتنى به كل من بالمنزل، واولهم طبعا، دادة نبيلة، وانتِ بنفسكِ لمستى مدى حنانها، وعطفها، غداً باْذن الله، يمكنكِ محادثته والاطمئنان عليه، هل انت مرتاحة الان!؟.هزت رأسها ايجابا، دون ان تنطق بكلمة واحدة، فهو لديه اجابة منطقية وشافية لكل سؤال، بدأ الصداع يشتد، ويغزورأسها، فقد كان يوما، مرهق لأعصابها منذ بدايته، فهى لم تنل قسط وافر من النوم الليلة الماضية، فقد أخذت تتقلب على فراشها، الليل بطوله، وكأنه فراش من اشواك، لا يغفو لها جفن، تتنازعها كل الظنون والشكوك، وتملأ رأسها، ثم ما تلا ذلك، من اعداد وتجهيز، فى غرفة الفندق التى حجزها لها خصيصا..لتجهز فيها نفسها، وتضع زينتها وترتدى فستانها..بمساعدة متخصصين عَلى درجة عالية من المهارة، حتى انها لم تتعرف على نفسها، عندما تطلعت للمرأةأخيرا لتتساءل، من تلك الحورية الرائعة، التى اصبحتها..!؟، ولم تكن مخطئة، فنظرات محسن لهاعندما طلت عليه، كانت تحمل الكثير، وتقول الكثير، فعينيه، كانت تشع ببريق عجيب، تراه للمرة الاولى، ساطعا من تلك الحدقتين الفحميتينلقد تشبث بيدها، ولم يفلتها طوال الحفل..لقد ألقت التحية على المئات، الليل بطوله..ممن يحتلوا مكانة مرموقة، فى عالم الاعمال، وتربطهم صلة عمل او صداقة، بمحسن، وتذكرتتلك الفتاة الباهرة الحسن، التى تقدمت فى غنج، تتمايل برشاقة، مقتربة منهما، لالقاء التحية، والمباركة، كالجميع، الا انها ليست كالجميع بالطبعفلقد اقتربت من محسن فى حميمية، محاولة تقبيلهالا انه، استطاع بمهارة، ان يردعها، مادا يده بطولها بينهما، لتتلقى كفه فى برود، وقسمات وجهها.تحمل الكثير من الوعيد، حتى انها، لم تلقى التحية عليها، هى العروس، واندفعت بغضب، مغادرةالحفل، اما هو، فكان رائق البال، لم يهتز لحظة..وكأن ما حدث، لا يعنيه، بل انه نظر اليها، ليبتسم فى فرحة، ويعاود التمسك بكفها من جديد..وتسألت، من هذة يا ترى!؟، فهى تشعر بغيرة شديدة.لزواجه من غيرها، لما لم يتزوجها، اذا كان بالفعل يحتاج زوجة، لفترة مؤقتة، وكانت ستكون عن جد، اكثر من مرحبة..!؟، لتكتشف ان هذه الفاتنة، كانتحبيبته الماضية، والتى كان فى سبيله للزواج بها، لكن لم يتم زفافهما، ولا تعرف الأسباب..أخرجها من خواطرها، عندما هتف فى حماسة: - حمد لله على السلامة، ها قد وصلنا..نظرت حولها، لتجد بوابة صغيرة، فُتحت اوتوماتيكيا.لتدخل السيارة، وتتوقف بعد لحظات امام باب لفيلا صغيرة الحجم، مكونة من طابقين، لكنها لم تلاحظ ما حولها، نظرا للظلام المحيط بها، لم تحرك ساكناً.عندما توقفت العربة، ولم تترجل من السيارة، الا عندما اتجه اليها، يفتح بابها، ليمد لها يده، ليساعدها فى الخروج من السيارة، بحملها الذى تنوء به، فستان زفافها، والذى كانت ترفل تحت سمك طبقاته، لا تستطيع الحركة، وضعت بالفعل احدى قدميها خارج السيارة، وما ان همت، بأخراج الاخرى حتى وجدت نفسها، مندفعة خارج السيارة بقوة جذب ذراعيه، كادت ان تسقط، فقد تيبست قدماها.من طول فترة الجلوس بالعربة دون حركة، وربما تيبَّست وباتت ترتعش الان، من رهبتها، فى حضوره الطاغى، الذى يشملها الان..هى حرفيا بين ذراعيه، محمولة، لا تعرف كيف، لكنه الان يصعد بها الدرج، ويفتح الباب ببساطة، انفاسها تتلاحق، ودقات قلبها، تشبه الطبول، وحلقها كصحراء خاصمها المطر منذ سنوات، تشعر انها فى سبيلها، لفقدان وعيها، فجأة وجدت نفسها، فى غرفتهما، تقدم لينزلها ببطء، لتلامس قدماها الارض اخيرا، وتحاول هى التقاط انفاسها بشئ من الصعوبة مقاومة ذاك الدوار الذى بدأ يغلف وعيها..-ما رأيك فى غرفتكِ..!؟، سأل بلهجة مرحة..-انها رائعة، أجابت بصدق، فهى بالفعل رائعة، تشبه الحلم، بستائرها المخملية، وأضواؤهاالخافتة، والبساط الحريرى، على ارضيتها..وذاك الفراش ذو الحجم الملكى، والأغطية الذهبية الوثيرة، والوسائد بكافة الاحجام، تتوزع على الفراش، وعلى الأركان، التى تحتلها عدة مقاعد..مريحة الشكل، ذات ذراعين وظهر عال، تشبه عرش الملوك...أشار لباب جانبى، قائلا: - هناك الحمام، يمكنكِ الذهاب الان، لأخذ حمام، وتبديل ملابسكِ، ستجديكل ما تحتاجينه بالداخل، وانا سأنتظر هنا، حتى يحين دورى، أطاعت فى صمت متجهة، للحمام، تتصرف بشكل آلى، وما ان وصلت لبابه، حتى مازحها، هاتفاً: - لو احتجتى لاى مساعدة، سأكون سعيد جدا، بتقديمها..انفجر ضاحكا، عندما اندفعت هاربة تحتمى بالحمام..وقد علت حمرة الخجل خديها، وزاد وجيب قلبها، الذى لم يهدأ، منذ ظهر ذاك الرجل القابع خلف هذا الباب، فى حياتها..تبا لكل صفقات العالم، كانت تعتقد انها تستطيع ان تمنح نفسها، له دون حب، لكنها ايقنت الان، ان الامر لا يعد مستحيلا فقط، بل هو من رابع المستحيلات، ستخلع عنها فستان زفافها، وستخرج لتبلغه، بأنها لن تمضى فى تلك الصفقة، ولتذهب كل وعود الدنيا للجحيم، اما اخيها، والذى طلت صورته امام عينيها، فستقوم بالمستحيل لعلاجه، لكن ليس بالزواج من ذاك الرجل، لا، وألف، لا، خلعت فستانها.ونزلت تحت رزاز الماء الدافئ، الذى أنعش مقاومتهاوخف من شدة الصداع الذى كان قد بدأ يتملكها..نظرت حولها، لتبحث عن ما ترتديه، فوجدت قميصنوم طويل من المخمل الأبيض، بالغ الرقة، وبجواره معلق على المشجب الاخر، مئزر من نفسالمخمل واللون، زفرت براحة، عند رؤيتها لذاك المئزر، فهى لا تتخيل، مجرد تخيل، ان تخرج له..بذاك القميص، البالغ الفتنة، وخاصة وهى فى سبيلها لإنهاء صفقتهما، جمعت شعرها الليلى، فى ربطة خلف رأسها على شكل كعكة، ومسحت ما تبقى من زينة وجهها، لتظهر ملامحها الحقيقية، بوضوح، وتشتد عزيمتها، لتمضى فى ما قررته الان، وقد استعادت مودة الحقيقة، بعيدا عن كل هذا الزيف، الذى كان يشملها..خرجت فى بطء شديد، يكاد قلبها يعلن استسلامه، من شدة دقاته، التى كانت تدق على اضلعها، فيتردد صداها، فى اذنيها..تعلقت عينيه فورا، بتلك الحورية التى ظهرت لتوها..ولم يستطع ان يحيد نظرات عينيه بعيدا عنها، وقف فى مواجهتها، وهى يكتنفها صمت مريب-انه دورى على ما أظن، اندفع للحمام، وهو يشير لتلفاز، كان يقلب فى قنواته، و ابريق من عصيرمنعش كان يتناوله، اشربى بعض من ذاك العصير انه منعش، اقترح وهو يغلق باب الحمام خلفه..ليس لها رغبة فى تناول اى شئ، فمعدتها وكأن احد ما قد ألقى فيها، عدة جوالات من الإسمنت، كانت تشعر بها، خاوية، ومتخمة فى نفس الوقت، تركت محول التلفاز جانبا، بعد ان أغلقته، وأخذت تفكر، كيف تخرج نفسها من تلك الورطة التى ألقت بنفسها فيها...كانت مستغرقة فى افكارها، لدرجة انها لم تستشعر خروجه من الحمام منتعشا، يرتدى منامته، ويفرك رأسه المبلل، بمنشفته، التى ألقى بها بعيدا على طرف احد المقاعد، كان يشبه احد الاطفال المشاغبين، بشعره المشعث ذاك، مما جعل معدتها تنقبض بغير سبب معروف، توجه لطاولة الزينة، يتعطرويمشط شعره المموج الحالك السواد..ويستدير ليواجهها، لتشعر بقشعريرة تجتاحها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها، وهو يتقدم فى بطء، ناحيتها، تاهت كل حروفها، وظل صوتها حبيس لا يستطيع الخروج، لتخبره بما انتوته اخيرا، وأخفضت نظراتها، وهو يتقدم اليها، حتى اصبح لا يفصله عنها الا عدة سنتيمترات، فوضع كفه تحت ذقنها، ليرفع رأسها، ويقابل نظراتها المضطربة بجنون..-أخيرا، رأيت ملامح وجهك المحببة، بعد ان غطتها تلك المساحيق لتخفيها عنى طوال الحفل...لم تستطع التفوه بحرف واحد، بينما هو استطرد وهو يأسر وجهها بين كفيه، لكن على الرغم من ذلك لم تستطع تلك المساحيق ان تخفى شحوب روحك، التى أفتقدها، كان الان ينظر فى عمق عينيها، التى بدأت تترقرق فيهما الدموع، فاقترب من جبينها، يلثمه برقة، ليعود مرة اخرى، لحديث عينيها الذى يجذبه كالمغناطيس، قرب رأسها، من صدره، لتكون الانبين ذراعيه، يربت على رأسها بحنان بالغ..وهو يهمس بمسامعها، : - لا تخافى منى، فأنا لست الغول ذو العين الحمراء، والمخالب ال..قاطعته اخيرا، وهى تقول فى ذعر: - لا تكمل أرجوك وصفك التفصيلى يفزعنى، فأنا أرتعب وبشدة..انفجر ضاحكا، وهزتها ضحكاته، التى وصلتها عبر صدره الذى تتوسده الان..-هذا رائع، هتف مازحا، فقد عرفت الان كيف أدفعك للاحتماء بين ذراعىّ...ابعدها عنه، ليتطلع اليها من جديد...-هيا، تعالى، أخذ بكفها وبيده الاخرى يدفع الغطاء بعيدا، ليدخلها الفراش، ويعيد الغطاء عليها من جديد، وينحنى ليقبل جبينها، وهو يهمس: - انت شديدة الشحوب، يبدو انكِ لم تستعيدى كامل صحتك، نامى، وانا هنا بجوارك اقرأ قليلا، أشار لأحد المقاعد الوثيرة، والتى تجاورها طاولة يعتليها أحد المصابيح، وبعض الكتب..ابتعد وابتسامة رقيقة تعلو شفتيه، لتتطلع اليه لحظاتحيث يجلس، وتغمض عينيها، لتغرق فى نوم عميق.وقد نسيت كل ما اتخذته من قرارت بشأن صفقتهما المزعومة...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 3 < 1 2 3 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1019 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 838 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 761 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 733 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 1048 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، صفقة ،










الساعة الآن 07:34 PM