logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 22 من 81 < 1 58 59 60 61 62 63 64 81 > الأخيرة




look/images/icons/i1.gif رواية أسير عينيها
  25-12-2021 02:31 صباحاً   [181]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل التاسع والستون

أنتِ طالق يا لينا...

كلمة تردد صداها في أرجاء المكان، كلمة كانت كصاعقة حل بها صمت مخيف طغي على الجميع، الجميع صامت مذهول وكأن على رؤوسهم الطير، تتوجه أنظارهم جميعا ناحية ساحة الرقص ينظرون لما يحدث بدهشة عقدت ألسنة الجميع عن النطق بحرف، زيدان طلق لينا، الجميع يعرف أنه العاشق لزوجته، زواجهم لم يكمل عدة أشهر، كانت ترقص بين أحضانه قبل لحظات والآن طلقها، كيف يحدث ذلك، جحظت عيني لينا للحظات طويلة يملئها الذهول، الصدمة، لا تصدق أنه نطقها، طلقها، أخذت حريتها التي إرادتها ولكن لا تعرف لما في تلك اللحظات رغبت وبشدة في أن تعد لقيد عشقه الخاص، قيد من حرير يلف قلبها، قيد لا يؤذي بل يحمي، حين رفعت وجهها تلاقت عينيها بعيني ذلك الواقف، استطاعت أن تري حدقتيه تصرخ ألما بينما كانت ملامحه جامدة فارغة، صدره يعلو ويهبط بسرعة يبدو أنها يحاول بإستماتة كبح جماح غضبه، يكور قبضته يشد عليها، لحظات ورأته يرفع سبابته يشهرها أمام وجهه وسمعت نبرة صوته الحادة المعذبة:.

- من أول نفس لآخر نفس في علاقتنا وأنا دايما بدي وما كنتش مستني إني أخد مقابل كان يرضيني ويسعدني ضحكتك بس ضحكتك، أنا دايما مستعد أتنازل عن كل حاجة عشان خاطرك، انما انتي ما اتنازلتيش حتى عن فرصة تانية، فرصة واحدة، استكرتيها عليها، وما استكرتش عليكي عمري كله، من اللحظة دي انتي برة حياتي لو هموت مش هتدخليها تاني، كفاية اوي كدة، عن إذنك، يا بنت خالي.

قالها ليوليها ظهره ويلتفت يغادر المكان بأكمله صاح حسام باسمه قلقا ليلحق به، وقف الجميع ينظرون لها باسي مسكينة لينا، يبدو أن شرخا حادا حدث في علاقتها بزيدان، ولكن يا تري ما حدث، هرولت لينا ناحية ابنتها تعانقها لتقف الأخيرة متجمدة بين ذراعي والدتها لم تزرف دمعة واحدة، فقط جامدة كتمثال من حجر، ليظهر على مرمي بصرها معاذ وهو يرحل هو الآخر، نظر لها حزينا مشفقا على حالها ليغادر بعدها، الوقت ليس بملائم على اي حال ليطلب ما يريد، نقلت انظارها هنا وهنا وهناك تنظر لجموع الناس التي تنظر لها مشفقة حزينة، نظرت لجاسر تستجديه بنظراتها أن يقترب منها، ليفهم هو حالها اقترب منها لتبتعد عن أحضان والدتها تلجئ لصدره تتشبث بقميصه كأن طوق نجلتها الوحيد في الدنيا، دفنت وجهها في صدره بأحرف ضعيفة مبعثرة خرجت من بين شفتيها:.

- أنا عايزة أنام يا جاسر، عايزة أنام.

دون كلمة اخري رفعها بين ذراعيه يتجه بها لداخل المنزل تلحقه سهيلة ولينا يهرولان خلفه، وقف خالد مكانه يتحايل على نفسه أنه صامد وهو على شفي الانهيار، ليس من الهين عليه ما يحدث، وكأن الدنيا بأكملها تعانده، رفع وجهه يبحث عن عون عن يد أحدهم تشد من ازره تواسيه، أين محمد في تلك اللحظات، من سيشد من ازره الآن ويخبره بجملته المعتادة ( اجمد يا خالد )، اجفل على يد توضع على كتفه نظر جواره سريعا متلهفا ليبتسم كطفل صغير رأي ابيه حين وجد صديقه يقف جواره يشد على كتفه بقبضته يهمس له بصوت خفيض حتى لا يسمعهم أحد ( اجمد يا صاحبي أنت اجمد من أنك تقع دلوقتي ).

اغمض عينيه يحرك رأسه إيجابا، ارتسمت على شفتيه شبح ابتسامة شاحبة، ما حدث في الزفاف جعلهم ينهوا الأمر سريعا استقلت سارين سيارة والدها جوارها عثمان وفي الإمام والديها، وسارة ذهبت مع على ولبني، ما إن بدأ الجميع في الرحيل توجه هو الي غرفة مكتبه يغلق الباب عليه من الداخل تهاوي على اريكة كبيرة في الغرفة يخفي وجهه بين كفيه لم يستطع السيطرة على دموعه فانسابت بعنف تغرق وجهه لحظات وبدأت تعلو شهقاته، وضع يده على فمه يمنع صوت بكائه، قلبه يتفتت لما يجب أن تلاقي ابنته كل ذلك العذاب، لما لا ينتهي الأمر فقط بسلام وتعد لزوجها وتستقر بينهما الحياة، لما عليها أن تلاقي العذاب، وزيدان هو على اتم ثقة الآن أن قلبه يتجرع العذاب كأسا، يعرف كم يحبها، الحياة لا تتوقف عن تلقينه دروسا كل منهم أشد قسوة من الآخر، قام من مكانه متوجها ناحية مكتبه يخرج من درجه الاول دفتر صور كبير اخذه وعاد للأريكة، يفتحه يتصفح أوراقه ينظر للصور فيه توقف عند صورة ما للينا وهي تحمل الصغيرة، كلتاهما يضحكان، الكثير من الصور لهما، بين صفحات المجلد، ارتسمت ابتسامة شاحبة معذبة على شفتيه من يصدق أن تلك الصغيرة صاحبة الابتسامة البريئة ستلاقي كل تلك المعاناة، اجفل على صوت الباب حين انفتح ودخل محمد، توجه يجلس جواره يتنهد حزينا على حال صديقه، مد يده يربت على كتفه يقول مبتسما:.

- أنا ظبطت الدنيا برة ما تقلقش، ياسمين كانت عايزة تدخل تشوفك بس أنا قولتلها انك تعبان دلوقتي، ما فضلش غير جاسم وغيث برة...
حرك رأسه إيجابا ومحمد يتحدث يخبره ما حدث بالخارج وهو في عالم آخر شارد تماما، يحرك رأسه بآلية مخيفة وكأن عقله انفصل عن جسده وفر هاربا، لم يخرجه من بحر معاناته سوي يد صديقه الذي جذبه يعانقه ليتمسك به يبكي وينتحب كطفل صغير خائف تتعالي شهقاته:.

- أنا ما كنتش عايز يحصل فيها كدة، لو اعرف انها هتتعذب كدة ما كنتش جوزتهم، والله ما كنت جوزتهم، أنا حاسس اني هموت يا محمد ما بقتش مستحمل المشاكل اللي نازلة على دماغي من كل حتة، تعبت هو أنا مش مكتبولي ارتاح...
ابعده صديقه عنه يمسك بذراعيه بعنف يشد عليه يحادثه محتدا:.

- مالك يا خالد من امتي وأنت ضعيف كدة، ولا كبرت وعجزت، كان بيقع على دماغك اكتر من كدة ألف مرة، فاكر مرة عربيتك اتسرقت واتحولت للتحقيق بسبب أنك غبت شهر وما حدش عارف عنك حاجة والحاجة زينب كانت مقطاعك، ومش لاقي لينا، وأبوك كان طاردك من البيت حرفيا، فاكر لما اتقابلنا قولتلي ايه
خرجت ضحكة خفيفة من شفتي خالد رغما عنه حين تذكر ذلك الموقف ليتمتم من بين ضحكاته:
- عايز اكل رز وبطاطس.

ما إن نطقها انفجر محمد في الضحك يتذكر ذلك الموقف القديم لحظات ووجد خالد نفسه ينخرط هو الآخر في الضحك، حين تذكر تعابير صديقه في ذلك الموقف القديم حين أخبره صارخا
(رز وبطاطس ياللي ما عندكش ريحة الدم، دا أنت مطرود من كل حتة وتقولي رز وبطاطس من غير ما تطلب معاهم كفتة )
ادمعت عينيه من كثرة الضحك ليمد يده يمسح ما سقط من دموعه يا لها من ذكريات مشرفة في حياته، تنهد تعبا يمسح وجهه بكف يده يغمغم تعبا:.

- يا ريتنا ما كبرنا يا أخي، طول ما هي المشاكل على دماغي بتحصلي أنا، كنت بعديها، إنما لما تبقي عند مراتي وبنتي بحس ان ضهري بيتكسر عشان ما عرفتش احميهم، ما عرفتش ابعد عنهم المشاكل...
اعتدل محمد في جلسته يربت على ساق صديقه يردف في هدوء:.

- ما حدش ما عندوش مشاكل يا صاحبي أنت ما تقدرش تمنع عنهم المشاكل مهما عملت، صدقني هي بتبقي فترة الخيوط كلها بتتعقد وبعدين بتلاقي كل حاجة بتتحل لوحدها، صحيح عملت ايه مع شهد
التفت برأسه لصديقه زفر أنفاسه يحرك رأسه إيجابا يردف تعبا مهموما:.

- عرضت التحاليل بتاعتها على مستشفي كبيرة في لندن، وخليت حسام يجبلي الباسور بتاعها على اساس اني هاخدها ونسافر نتفسح، واديني اهو بتواصل مع المستشفى عشان يحددولنا ميعاد للسفر، أنا ناوي اطلقها بعد ما تعمل العملية على الأقل ابقي كفرت جزء من غلطتي في حقها
ابتسم محمد بهدوء يشجعه ليعتدل سريعا في جلسته يحاول تحفيزه:.

- طب كويس جدا اهو، وبعدين زيدان ولينا شباب وطايشين، وانت سيد العارفين يومين تلاتة وحالهم هيتصلح ويرجعوا لبعض، ما تكبرش المواضيع يا صاحبي، حاول تاخدها ببساطة، بقولك ايه تعالا ناكل رز وبطاطس
ابتسم خالد ساخرا لا يعرف أيسخر من حديث صديقه أم من نفسه على ما يحدث له.

في الخارج جلس غيث جوار جاسم في صمت تام اقترب غيث من جاسم يهمس له متعجبا:
- ايه اللي حصل دا يا جدي
احتدت عيني جاسم ينظر للفراغ غاضبا ليتمتم محتدا:
- أنا واثق أن في كارثة حصلت بين لينا وزيدان، والا ما كنش طلقها كدة وسط الناس، أكيد في حاجة كبيرة حصلت، والاكيد بردوا أن رفعت ليه ايد في اللي حصل
توسعت عيني غيث في دهشة يتمتم مذهولا:
- رفعت!، لا يا جدي ما افتكرش ابداا، زيدان حفيده هو أكيد مش هيأذي حفيده.

ابتسم جاسم ساخرا، لا أحد يعلم الي مدي يمكن أن تصل حقارة رفعت سواه هو، التفت برأسه لغيث يتمتم آمرا:
- سيبلي موضوع رفعت دا أنا هعرفه، أنت بكرة مسافر مع جاسر، عايزك تاخد بالك كويس من صبا احسن الواد دا يرجع يلف عليها تاني، وتجبلي المعلومات اللي طلبتها منك عن اللي اسمه حسام دا
ابتسم غيث في ثقة يحرك رأسه إيجابا...

صعودا الي أعلي، في غرفة لينا السويسي، وضع جاسر لينا على فراشها لتحضتن جسدها بذراعيها تضم ركبتيها لصدرها ترتجف، جسدها يهتز بعنف رغم ذلك لم يسقط من عينيها دمعة واحدة حتى أن جاسر صرخ فيها خائفا عليها:
- لينا عيطي ما تعمليش كدة في نفسك هيجرالك حاجة
حركت رأسها نفيا بعنف ترتجف تتنفس بعنف، اقترب والدتها منها تأخذها بين أحضانها تتساقط دموعها هي تحادثها بهمس حزين:.

- اهدي يا لوليتا، خلاص، الموضوع من الأول كان غلط، وخلاص خلص ما تعمليش في نفسك كدة عشان اللي في بطنك حتى أنتي كدة بتأذيه، وبتأذي نفسك
ابعدت نفسها عن أحضان والدتها تعود بجسدها للخلف لترتمي على وسادتها من جديد، اغمضت عينيها تهمس بصوت خفيض مبحوح:
- اخرجوا برة
حركت لينا رأسها نفيا، ترفض حتى فكرة الابتعاد عن ابنتها وهي في تلك الحالة لتفتح لينا عيناها ارتفع صوتها قليلا تهتف محتدة:.

- اخرجي برة، كلكوا برة، مش عايزة اشوف حد، برة
حركت لينا رأسها نفيا حاولت احتضان ابنتها من جديد لتدفعها لينا بعيدا عنها تنظر لها محتدة غاضبة، لتشعر بيد جاسر تقبض على يدها يجذبها للخارج وصوته يقول:
- تعالي يا عمتي، معلش سيبيها لوحدها دلوقتي.

تعلقت عينيها بابنتها الي أن خرجت من الغرفة ليغلق جاسر الباب من الخارج، في تلك اللحظات تحديدا سمحت لفضيان دموعها بالانهمار، تبكي بلا توقف تدفن وجهها في الوسادة، كانت تظن انها ما أن تحصل على ما أرادت أنها ستكون سعيدة اذا لما تشعر بسهم من نار يخترق قلبها يحرق اوصالها تشنج جسدها تعالت شهقاتها تغرق وجهها في الوسادة لن يفهموا ابدا ما تشعر به، تريد مسامحته قربه، ولكن تبقي تلك الذكري البشعة عائقا، كسد من نار يمنعها من الاقتراب خطوة واحدة تذكرت وكيف تنسي مر المشهد أمامها سريعا.

Flash back
كانت في غرفتها تمشط خصلات شعرها تقف أمام المرآه يعلو ثغرها ابتسامة سعيدة واسعة لا تصدق انها تعيش تلك اللحظات السعيدة، يكفئ أن زيدان كسر حاجز خوفها من الناس يمكنها الآن أن تعيش حياتها دون رهبة، بعد أن كتبت رسالتها، اليوم ستعترف له بحبها اجفلت تسقط من غيمتها الوردية حين سمعت صوته يصدح كالرعد من الخارج
- لولياااااااااااا، لولياااااااا.

خرجت فزعة على صوته الغاضب كانت تشمط خصلات شعرها تركت المشط من يدها تهرول الخارج قطبت جبينها قلقة ما أن راته بلعت لعابها تسأله بحذر:
- زيدان أنت طلعت ليه أنا لسه ما اتصلتش بيك، زيدان مالك يا زيدان أنت كويس.

انتفض قلبها خوفا تعود للخلف بحذر حين رأته ينظر لها بتلك الطريقة كأنه حيوان مفترس وجد فريسته للتو، تأكدت في تلك اللحظة أن به شئ خاطي هرولت الي الغرفة تحاول إغلاق بابها لتصرخ فزعة حين دفع الباب من الخارج بعنف، دخل الي الغرفة يقف حائلا بينها وبين الباب ابتسم في توسع إبتسامة شيطانية يردف بتلذذ:
- لوليا، بحبك
ابتلعت لعابها تضاربت دقات قلبها تنظر له مذعورة تحركت تبتعد عنه تعود للخلف تهمس متلجلجة فزعة:.

- زيدان مالك يا زيدان، زيدان ما تبصليش كدة إنت بتخوفني.

شهقت فزعة تعود بخطواتها للخلف وهو يقترب للأمام يترنح بخطواته، يبتسم في خبث مخيف، شهقت مذعورة حين ارتطم جسدها بالحائط خلفه وباتت بين المطرقة والسندان، انسابت دموعها تحرك رأسها نفيا هي حتى لا تفهم ما به لما يفعل ذلك، خاصة وأنه ظل يقترب الي أن احتجزتها بجسدها يمنعها من الفرار مد يده يلف خصلة من شعرها حول يده بقربها من أنفه اشتمها ابتسم في اتساع يتمتم في خبث مخيف:.

- ريحة شعرك حلوة أوي، زي الياسمين، أنتي عارفة أن الياسمين لونه ابيض جميل بس حرام بيدبل على طول
جذب شعرها بعنف لتطلق صرخة متألمة، بينما تعالت ضحكاته هو يقبض بكفه على رقبتها توسعت عينيها تهمس بصوت مختنق بالكاد يسمع
« زيدان لا يا زيدان، ارحمني أنا لينا، لينا حبيبتك
صفعة قوية نزلت على وجهها من كف يدها، ليقبض على خصلات شعرها يضحك كالمجانين:.

- حبيبتي تؤتؤتؤ انتي جارية عندي، عشان مزاجي، اعمل فيكي اللي أنا عاوزه، صرخي زي ما تحبي، ما حدش هياخدك من ايدي ابدا »
Back
وبعدها كان اسوء ما عاشته يوما، كيف يريد منها السماح لما يلومها الجميع، لم يتعذب أحد بقدرها، هي تعرف أنه لم يكن يعي بما يفعل ولكنها كانت، هل ذنبها أنها كانت واعية، انتفضت فجاءة تجلس على فراشها تلمع عينيها بالدموع وسط ظلام الغرفة تنظر للفراغ تتمتم متوعدة:.

- يا أنا يا أنت يا زيدان زي ما دبحتني وعشت في دور المظلوم البرئ جه دوري أنا كمان اعيش في دور المظلومة البريئة وأخد حقي منك...

في الخارج في غرفة مايا، جلست جوار نافذة غرفتها تنظر للحديقة العمال يتحركون هنا وهناك سريعا، يضبون معداتهم ليرحلوا بينما جلست هي تراقب بأعين خاوية من الحياة، قبل قليل كانت تجلس وحيدة على أحد المقاعد البعيدة في الحفلة تنظر للجمع حولها بنظرات فارغة خاوية من الحياة والدها أين هو، ها هو هناك يقف بين اعمامها يتحدثون، أين عروس والدها اذا، ها هي تجلس جوار لينا زوجة عمها كل منهن تحمل طفل على قدميها، هي الوحيدة المنبوذة بين الجميع مر أمام عينيها في تلك اللحظات مشاهد عدة كثيرة لادهم في حياتها.

( تسمحلي اختي حبيبتي بالرقصة دي
لحد ما الحفلة تخلص والناس تمشي لا أنا ولا انتي هنتحرك من هنا، عشان تبقي تلبسي فستان عريان تاني
يا بنتي كفاية هدوم بقى انتي حاطة هدومك في دولابك ودولابي ).

انسابت دموعها تتذكره دائما كان يملئ حياتها مع كل نفس تتنفسه كان تتشارك معه فيه، مدت يدها تمسك بهاتفها بأصابع مرتعشة طلبت رقمه تضع الهاتف على اذنها لا تعرف حتى لما تفعل ذلك، كادت أن تغلق الخط، حين سمعت صوته المتلهف يأتي من الجانب الآخر:
- الو، ايوة يا مايا، انتي كويسة حصل حاجة، بابا كويس طمنيني عليكوا، الو مايا انتي سمعاني، الو.

انسابت دموعها تقبض على الهاتف في يدها بعنف لتغلق الخط فجاءة، اسندت رأسها الي حافة شرفة غرفتها تنساب دموعها تفكر في حياتها القادمة، والدها وها هو تزوج، هل سيهملها بعد ذلك، سينشغل بعروسه عنها، لتبقي هي وحيدة منبوذة كما كانت دائما لولا وجوده في حياتها لظنت أن الجميع يكرهها، اجفلت من شرودها على صوت دقات هاتفها بنغمة رسالة، فتحت الرسالة لتجدها منه كتب فيها.

( مايا انتي كويسة طمنيني عليكوا أن شاء الله بجملة واحدة، ما تسنبيش كدة، هموت من القلق، ارجوكي يا مايا )
تسارعت دقات قلبها وهي تحرك أصابعها على لوحة الاحرف في هاتفها، لتبعث له
( بابا اتجوز النهاردة )
لحظات واتاها الرد منه ابتسمت ساخرة حين قرأت ما بعث لها
(، مبروك عقبال البكاري )
ضحكت ساخرة على ما كتب لترد عليه برسالة ساخرة تقطر ألما
( ما أنت البكاري ولا نسيت ).

تأخر في الرد بضع دقائق لتبتسم ساخرة، لحظات واختفت ابتسامتها حين وصلها رده
( أنا أدهم وحيد سليمان، يا آنسة مايا حمزة السويسي، أدهم اللي والدك عرض عليه تمن مساعدته لبنتك، نسيه لدرجة أنه عامله على أنه راجل غريب وعايز يديله فلوس، تمن مساعدته )
توسعت عينيها في دهشة تنظر لما كتب في الرسالة، هل فعل والدها ذلك حقا، لم تكن تعرف أن والدها بتلك القسوة قبلا.

في غرفة جاسر وسهيلة، دخل جاسر الي غرفته لتدخل سهيلة خلفه تنظر له متعجبة مدهوشة ماذا حل به ماذا فعلت له ليعاملها بتلك الطريقة، حين دخلت الي الغرفة رماها بنظرة ساخرة نافرة توجه الي المرحاض لتعترض طريقه قطبت جبينها متعجبة تسأله مذهولة:
- في ايه يا جاسر ايه اللي حصل أنت بتعاملني كدا لييه، هو أنا عملت إيه، فجاءة بقيت بتكرهني، مش طايقني، أنا عايزة اعرف أنا عملت ايييه عشان تكرهني فجاءة كدة.

ابتسم ساخرا ليكتف ذراعيه امام صدره يرميها بنظرات كارهة ساخرة يتمتم متهكما:
- طب كويس أنك فهمتي أن أنا مش طايقك، كنت فاكرك اغبي من كدة بصراحة، اوعي بقى من وشي خليني ادخل الحمام
توسعت عينيها على آخرهما صدمة تعجز عن فمهما كانت بين احضانه بالأمس يلقي عليها قصائد عشقه والآن ماذا يقول، ما تلك الكلمات السامة التي تخرج من بين شفتيه حركت رأسها نفيا تمتم مصعوقة:.

- جاسر إنت بتهزر صح، بتهزر، جاسر احنا لحد ما جينا الصبح كنت كويس جداا، حصلك ايه فجاءة، دا مقلب جديد من مقالبك مش كدة
اتسعت ابتسامته الساخرة ليتجوازها كاد أن يغادر، امسكت هي بذراعه سريعا ليلتفت لها في لحظة عينيه حمراء كالدم قسمات وجهه غاضبة مرعبة دفعها بعيدا عنه بعنف يصرخ فيها محتدا:
- قولتلك ما تلمسنيش، انتي فاهمة، آخر مرة ايدك تقرب ناحيتي، والا صدقيني تصرفي مش هيعجبك ابداا.

من صدمة لصدمة اخري يصفعها جاسر جن بالطبع جن ماذا فعلت له ليفعل ذلك، ماذا حل به، تهاوت جالسة على فراشها تخفي وجهها بين كفيها تفكر يآسه في سر ما حدث له، لحظات وسمعت صوت الباب يغلق بالمفتاح رفعت وجهها سريعا لتراه يوصد باب الحجرة من الداخل بالمفتاح ومن ثم نزعه يضعه في جيب سرواله قطبت جبينها تنظر لما فعل مدهوشة ليتمتم هو ساخرا:
- اصل أنا ما اضمنش بصراحة تخرجي تعملي ايه وأنا نايم!

شهقت مصدومة مما قال لتهب واقفة سريعا توجهت ناحيته تنظر له كارهة لتصرخ بقهر:
- لا أنت اكيد اتجننت، دا مش هزار دا جنان، أنت مش طبيعي، ااااه
صرخت بقوة حين هوي كفه بعنف على صفحة وجهها ليقبض على خصلات شعرها يتمتم ساخرا:
- ايوووة بالظبط أنا مجنون ومش طبيعي، وهتعيشي معيا غصب عنك مش بمزاجك هو، زي الشاطرة كدة تاخدي مخدة وتترمي تنامي على الأرض ولا الكنبة عشان أنتي مش هتنامي جنبي تاني، أنا بتقرف!

قال ما قال ليربت على وجهها بحدة ويتركها ويتوجه الي الفراش، وهي بين صاعقة وأخري تشعر بأن عقلها على وشك أن يفر من رأسها، شئ ما خاطئ يحدث وهي حتى لا تعرف ما هو، توجهت سريعا الي باب الغرفة تحاول فتحه بعنف، وحين عجزت عن ذلك كورت قبضتها عازمة على دقه بعنف ليسمعها أحد لتسمع صوته في تلك اللحظات يتمتم متوعدا:
- لو صرختي او خبطتي على الباب هقوم اقطع لسانك واكسر ايديكي...

ظلت واقفة للحظات متجمدة من اثر صدمة نا يقول لتتهاوي ارضا جوار الباب المغلق تضم ركبتيها لصدرها تتحرك للأمام وللخلف تبكي في صمت خائفة، لا تفهم ماذا حدث له ليفعل بها ذلك.

في غرفة بدور وضعت سيلا في فراشها الصغير، لتتوجه الي فراشها تجذب الغطاء تدثر خالد الصغير جيدا، توجهت الي مرآه زينتها تنزع حجاب رأسها برفق ليتسرسل خصلات شعرها السوداء الطويلة المموجة، وقف أمام المرآه تشعر بذلك النابض يكاد ينفجر من عنف نبضاته، تزوجت حمزة، تزوجت شقيق والدها الروحي، زواجها منه لم يكن سوي احتياج، تحتاج أن تشعر بالاحترام بالمودة بالرحمة، اطفالها يحتاجون إليه، يحبونه كما هو يحبهم وماذا ستريد أكثر، جربت مذاق الحب مرة وكان مر كالعلقم، تنهدت حائرة، تشعر بالتخبط من تلك الخطوة التي فعلتها توا، ربما لأن الوضع الآن جديد عليها، اجفلت من شرودها على صوت دقات على باب الغرفة، حمحمت تهمس بصوت خفيض مرتبك:.

- اادخل.

ادار المقبض ودخل ليطل من خلف الباب حمزة، يرتدي قميص أبيض وسروال أسود، يبدو أنه تخلص من سترة حلته ورابطة عنقه، دخل الي الغرفة يبتسم بهدوء يحمل في يده علبة سوداء مخملية اللون، تقدم بخطواته الي داخل الغرفة يغلق الباب لتتسارع دقات قلبها تفكر في اسوء الاحتمالات، وقف امامها مباشرة يخرج سوار من الذهب الأبيض مرصع بفصوص صغيرة من الألماس خلعه من علبته امسك يدها لينتفض قلبها وتغزو برودة قارصة جسدها وهي تشعر به يلف السوار حول معصمها، ذلك السوار الذي نفش عليه.

( درة حمزة السويسي ).

توسعت عينيها مدهوشة تنظر للسوار في يدها لا تنكر أن شكله جذاب من الذهب مرصع بالألماس بالطبع يخطف الأنظار، ولكن لما نقش عليه تلك الجملة هل يوشمها بصك ملكيته لها والأهم من ذلك لما يسميها درة، حين حاولت اختلاس النظر له تجمد جسدها لأنه هو الآخر كان ينظر ناحيتها مباشرة، فرت الدماء من عروقها خوفا في تلك اللحظات، حين لمحت في عينيه نظرة غريبة ليست مخيفة وليست مطمئنة هي فقك نظرة غريبة، ابتلعت لعابها مرتبكة حين سمعته يهمس لها بصوت اجش خفيض:.

- تسمحيلي
قطبت جبينها متعجبة على ما تسمح، توترت قسماتها لا تفهم لتتوسع عينيها مدهوشة حين رأته يقترب منها، يلحم طوفان مشاعره الحبيسة، بصحرائها القاحلة المتعطشة لقطرة واحدة لترويها، توسعت عينيها مدهوشة تنظر له مذهولة لا تصدق أن حمزة يقبلها!، وهي تقف كتمثال من حجر، صامتة مستسلمة، ابتعد عنها ينظر لها يبتسم في اتساع يلهث بأنفاسه الثائرة، بينما تقف هي متجمدة مكانها لتسمعه يغمغم ببساطة:.

- لما اقولك تسمحيلي، ارفضي او وافقي، عشان ما كنش بعمل حاجة ضد رغبتك، تصبحي على خير
مال يقبل جبينها لتغمض هي عينيها، سمعت صوت الباب يغلق علامة انه غادر، ولكنها بقيت مغمضة العينين، انسابت دموعها تغطي وجهها، تقارن بين معاملة أسامة لها سابقا وما فعله حمزة قبل قليل.

وقفت سيارة عمر وخلفها سيارة على امام عمارة سكنية فاخرة في احدي الأحياء الجديدة، ساعد على وعمر عثمان ليضعوه على مقعده، ليصعدوا جميعا الي شقة العروسين بالأعلي، فتح على باب شفة ابنه لتطلق لبني وتالا الزغاريد العالية، مال عمر ناحية على يهمس ساخرا:
- دول بيصوتوا مش بيزغرطوا.

ضحك على يوافقه في الرأي، في صالة المنزل بدأت عيني سارين تجوب المكان حولها، رفضت والدتها رفض قاطع أن تأتي لهنا قبل الزفاف لما لا تعرف، تسارعت دقات قلبها تنظر حولها سعيدة تخطط لحياتها القادمة بكل تفاصيلها، اقتربت سارة من سارين تعانقها بقوة لتبادلهغ سارين العناق، همست سارة بنبرة خافتة باكية:.

- هتوحشيني أوي، على قد ما أنا فرحانة عشانك عشان اتجوزتي اللي بتحبيه، على قد ما أنا زعلانة عشان خلاص هتسبيني لوحدي
ادمعت عيني سارين هي الاخري لتعانق شقيقتها بقوة تهمس لها سريعا:
- أنا عمري ما هبعد عنك ابدا يا سارة في اي وقت تحتاجيني فيه أنا موجودة يا حبيبتي.

وقف عمر ينظر لابنته سعيدا لتدمع عينيه رغما عنه ها هي ابنته ترحل، تقدم ينتزع سارين يحتضنها بقوة يقبل رأسها عدة مرات يشدد على عناقها يهمس لها متلهفا:
- ما تنسيش اللي قولتلك عليه يا سيرو في اي وقت تحتاجيني فيه، هتلاقيني في ضهرك، وأنا هكلمك كل يوم كل ساعة كمان، خلي بالك من نفسك يا حبيبتي.

بعد الكثير والكثير من العناقات قرروا ترك العروسين، والرحيل، الي ان جذب على باب المنزل ليغلقه ظلت عيني عمر معلقة بابنته
حتى اختفت من أمامه تماما وحجبها عنه ذلك الباب، تنهدت تنهيدة طويلة مثقلة، ليتحرك لأسفل بصحبة عائلته عدا سارين، في الأسفل ودع عمر على ولبني، ليتوجه الي
سيارته، هو بالإمام وجواره تالا وسارة بالخلف عائدين الي منزلهم.

بينما في الأعلي، حملت سارين طيات فستان زفافها تتجول في ارجاء منزلها، يعلو ثغرها ابتسامة واسعة سعيدة تتحرك هنا وهناك تنظر الي محتويات جميع الغرف، لتعود في النهاية الي عثمان الذي يجلس على مقعده ينتظرها أن تنتهي، عادت للغرفة حيث يجلس عثمان لتجلس على المقعد المقابل له تغمغم مبتسمة:
- الشقة جميلة اوي وذوقها تحفة بجد...

حرك عجلات مقعده ليصل بالقرب منها مد يده يمسك كف يدها رفعه إلي فمه، يقبله يتمتم مبتسما:
- مبسوط جدا انها عجبتك، هتعبك تزقيني لحد أوضة النوم عايز اغير هدومي
ابتسمت تحرك رأسها إيجابا لتقوم التفت تمسك بمقبضي مقعده المتحرك تتحرك معه الي غرفة نومهم فتحت الباب ليدخل وهي تدفعه وينغلق الباب عليهم.

على شط النيل يجلس الدنيا بأكملها لا تهمه فقد خسرها قبل قليل، انتهي كل شئ، يحمل في قبضته مجموعة كبيرة من الحصي يقذفها في مياة النيل واحدة تلو اخري، ويليها اخري مع كل واحدة يقذفها مع كل حصي يلقيها، يلقيه عقله في احدي ذكرياته، منذ أن كان طفلا الي الآن حياته تمر مع حصي تسقط في المياه، وقف فجاءة ينظر لسطح المياه ليشعر برغبة ملحة يريد أن يكون هو الحصي يلقي نفسه بنفسه الي العمق يذهب بملئ ارادته ورغما عنه معا، تسارعت أنفاسه احمرت عينيه يتذكر كم مرة أخبرها بحبه وهي ماذا ردت بالمقابل جلبت حبيبها الي الحفل، لتلك الدرجة تراه شخص معدوم النخوة والكرامة، يكاد ينفجر، من غيظه وغضبه، ما كاد يخلع قميصه ليلقي بنفسه في الماء شعر بيد تقبض على ملابسه بعنف يجذبه بعنف للخلف وصوت حسام يصدح غاضبا:.

- أنت اتجننت يا زيدان عايز ترمي نفسك في الماية دلوقتي، مش كفاية الهباب اللي هببته كمان عايز تموت
التفت ناحية صديقه عينيه حمراء عروقه نافرة شعره مبعثر صدره يعلو ويهبط بجنون ليدفعه في صدره بعنف يصرخ:
- ما أنا ميت، هو أنت فاكر أن أنا كدة عايش، أنا ميت، ميت من زمان، أنا بعافر ليه وعشان مين فاضلي ايه في الدنيا عشان اعيش عشانه.

فاضلك ابنك ومراتك، مين هيوديه الحضانة المدرسة يمسك ايده يعلمه المشي الكلام يطبطب عليه يحميه، عايز تيتمه زيك...
نطقها حسام بثقة شديدة ينظر لعيني صديقه مباشرة ليري نظراته الغاضبة الثائرة تتراجع...
ليتهاوء جالسا أرضا يخفي وجهه بين كفيه، ليتهاوي حسام جالسا جواره يستند بمرفقيه الي فخذيه لحظات صمت طويلة قبل أن يتمتم حسام ساخرا:.

- كنت فاكرك اجمد من كدة يا صاحبي طلعت خرع، اللي حصل للينا مش سهل تنساه بين يوم وليلة ولا حتى شهر ولا اتنين، كان المفروض نفسك يبقي اطول
قابل الصمت من ناحية زيدان، لدقائق طويلة قبل أن يرفع الأخير رأسه يمسح وجهه بكف يده يتمتم ساخرا:
- نفس خلاص اتقطع يا دكتور ابقي ركبلي جهاز تنفس
ضحك حسام ساخرا ليصدم كتفه بكتف صديقه غمزه بطرف عينيه يلاعب حاجبيه عابثا يتمتم متهكما:
- لاء ازاي أنا هعملك تنفس طبيعي يا قلبي.

نظر زيدان لحسام باشمئزاز ليسمعا معا صوت يهتف من خلفهما معا:
- اهم يا رب هما العيال دول سبب الكورونا، منكوا لله حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا كتكوا الارف
نظر حسام وزيدان معا لذلك الصوت ليجدا رجل عجوز ظل يسبهما الي أن اختفي لينظر الاثنان الي بعضهما البعض وينفجرا في الضحك، ضحك زائف يحاولا به تخفيف ما حدث.

في صباح اليوم التالي قرابة السابعة صباحا يجلس خالد على الأريكة في غرفة المعيشة أمام 3 أكواب فارغة من القهوة لم يستطع النوم أكثر من ساعتين، يشعر بصداع بشع يكاد يفتت رأسه، يضع سيجارة بين شفتيه يمتصها بعنف يفكر في القادم، اجفل على حركة قادمة من ناحية السلم رفع وجهه ينظر للفاعل لتتوسع عينيه حين رأي لينا ابنته تنزل درجات السلم بخفة تحمل دفتر كبير في يدها وحقيبة يدها، يغطي وجهها المجهد طبقة كبيرة من مستحضرات التجميل، قام من مكانه يتوجه إليها يسألها متعجبا:.

- رايحة فين يا لينا
ابتسمت ببساطة ترفع كتفيها تغمغم باريحية:
- هكون رايحة فين يعني الجامعة
قطب جبينه مندهشا من حالتها، تلك ليست الحالة التي توقعها تماما، ابتسم برفق يتمتم بهدوء:
- حبيبتي بلاش النهاردة، انتي اكيد تعبانة بعد اللي حصل و...
قاطعته قبل ان يكمل كلماته لتضحك بخفة تقول بسلاسة:
- حصل هو إيه اللي حصل، ااه قصدك عشان زيدان طلقنئ، لالا عادي، أنا اصلا اللي كنت عايزة اتطلق...

نظرت لساعة يدها لتتوسع عينيها تتمتم فزعة:
- يا نهار أبيض هتأخر على المحاضرة سلام يا بابا
قالتها لتفر من أمامه سريعا قبل أن يفاجئها بسؤال آخر لينظر هو في اثرها يبتسم ساخرا من تخدع تلك الصغيرة، تنهد يمسح وجهه بكف ليأخذ طريقه الي غرفته.

في الحارة حيث منزل جدة أدهم، يجلس كعادته منذ الصباح الباكر جوار شرفة غرفته الصغيرة يستند برأسه الي حافة الشرفة يبتسم حالما يتذكر حديثه الطويل مع مايا، نقطة جيدة لصالحه، من يعلم ربما تغفر قريبا، تنهد يوجه انظاره للشارع حيث شقيقه المزعج مراد يجلس على المقهي الشعبي المقابل لمنزلهم يدخن كعادته، لتمتعض ملامحه مشمئزا من منظره المقزز، لا يعرف كيف يكون ذلك المتسول شقيقه.

في الأسفل جلس مراد على مقعد خشبي أمام المقهي البلدي عينيه تجوب الشارع، يبحث عنها عليها أن تنزل منذ أيام وهي مختفية تماما، لحظات وتوسعت ابتسامته وغزا قلبه سعادة سوداء وهو يراها تخرج من باب عمارتهم السكنية، ما إن خرجت لم تكد تبتعد بضع خطوات لتجد مجموعة من الشباب يقتربون منها ويحاولون التحرش بها لفظيا بكلماتهم النابية البذئية
- اوووبا مش دي اخت الواد سيد المغتصبة
- ايوة يا عم هي بس ايه صاروخ.

- من ناحية صاروخ فهي عظمة جداا..
- جري ايه يا روحية اومال لو كنتي عروسة بنت بنوت كنتي عملتي ايه
- أنتي افتحي شقتك بليل هتكسبي دهب
انسابت دموعها تستمع الي كلامهم الجارح المخزي لتسرع في خطاها تحاول الابتعاد عنهم، شهقت فجاءة تقف حين كادت تصطدم بذلك الواقف أمامها لتسمع صوت عالي غاضب يصيح فيهم:
- جري ايه ياض أنت وهو ما تتلموا قبل ما احفرلكوا قبر يلمكوا، مالكوش دعوة بيها خالص
سمعت صوت احد الشباب يقول سريعا:.

- احنا اسفين والله يا عم مراد، مش هنتعرضلها خالص
ابتسم مراد ساخرا ليفر الثلاثة كأنهم خائفين منه، ليبتسم هو منتصرا وكأنه ليس هو من استأجرهم ليقولوا ذلك الكلام؟!، رفعت وجهها تنظر له بعينيها الواسعة التي تغشيها الدموع تتمتم بصوت مختنق باكي:
- ششكرا
غمزها بطرف عينيه يكتف ذراعيه أمام صدره يتمتم ساخرا:
- على ايه دي حاجة بسيطة، احنا في الخدمة دايما يا، يا، يا آنسة.

أصفر وجهها حرجا من تلميحه لتسرع فئ خطاها عائدة الي منزلها أهون عندها تموت جوعا ولا تسمتع الي ما يقولون فئ حقها.

ما إن دخلت الي الجامعة توجهت الي المقهي يتبقي نصف ساعة على موعد المحاضرة، وجدت رسالة تُرسل لجروب الطلاب من المحاضر يعتذر فيها عن المحاضرة زفرت أنفاسها المختنقة لتلقي حقيبتها على المقعد المجاور لها تحرك ساقها اليسري بعصبية تكاد تنفجر غضبا، لحظات وشعرت بالمقعد المجاور لها يجذب وجلس هو عليه يبتسم ابتسامة مرتبكة يتمتم معتذرا:.

- لينا أنا آسف، أنا لو عارف اني مجيي الحفلة هيعمل كل المشاكل دي والله ما كنت جيت
لم تتوقف لحظة عن تحريك ساقها اليسري بحركة عصبية مفرطة، التفتت برأسها له تعطيه شبح ابتسامة صفراء:
- خلاص يا معاذ اللي حصل حصل، الغلط مش عندك اصلا، الغلط عند اللي اتلكك وما صدق، ممكن تجبلي عصير عطشانة اوي
هب سريعا من مكانه يتمتم متلهفا:
- آه اوي اوي، ثواني ويكون عندك.

تركها ورحل لتجلس هي مكانها تقبض على كفها تقضم اظافرها تهز ساقها تشعر بغضب حارق يحرق أوصالها تود الانتقام بأي شكل كان، عليه أن يدفع ثمن ما فعله، اجفلت من شرودها على مجئ معاذ حين وضع الكوب أمامه يتمتم مبتسما:
- اتفضلي يا ستي احلي عصير أناناس لأحلي ناس
اعطته ابتسامته صغيرة لتلتقط الكوب ترتشف منه على مهل انهت ثلاثة ارباعه تقريبا حين سمعته يتمتم قلقا:.

- لينا هتعملي ايه أنا قلقان عليكي اوي، حالتك مش كويسة أنا حاسس بيكي
رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها تتمتم ببساطة:
- هستني لما العدة تخلص وبعدين هبقي اقرر هعمل ايه...
ابتسم في حنو ليمد يده يمسك بكف يدها يشد عليه يردف محزفا اياها:
- وأنا هبقي معاكي في اي خطوة، في اي وقت تحتاجيني
حركت رأسها إيجابا، جلست معه قليلا لتلتقط حقيبتها وقفت تبتسم تتمتم معتذرة:.

- معلش يا معاذ المحاضرة كدة كدة اتلغت، فهمشي أنا بقى، لو احتجت حاجة هكلمك
سار جوارها الي أن اوصلها لسيارتها جلست ليغلق خلفها الباب مال ينظر لها من نافذة السيارة يتمتم مبتسما:
- لو احتاجتي اي حاجة فئ اي وقت كلميني على طول، أنا هبقي جنبك دايما
ابتسمت له تحرك رأسها إيجابا ليودعها حين غادرت عاد هو إلي الطاولة يلتقط كوب العصير الخاص بها يبحث عن موضع شفتيها ليرتشف ما بقى في الكوب كما فعل سابقا...

مضي بعض الوقت وقبل أن تصل الي منزلها بدأت تشعر بألم خفيف يزداد شيئا فشئ يغزو بطنها تشنجت ملامحها الما تشعر ببروده مفاجئة تغزو اوصالها ما أن وقفت السيارة في حديقة منزلها نزلت منها سريعا، تتحامل على نفسها لازال الوقت باكرا في الأغلب الجميع نائم الآن، الوجع يزداد شراسة، شدت على أسنانها، تتحرك لغرفتها ما أن صعدت أولي درجات السلم سمعت صوت والدها يتمتم متعجبا:
- انتي لحقتي روحتي وجيتي.

لم تلتفت له حتى لا يرى وجهها المجهد فقط تتمتمت بنبرة حاولت جعلها متوازنة:
- المحاضرة اتلغت، هروح أنام أنا بقى
صعدت الي أعلي لترتمي بجسدها على الفراش تغمض عينيها تكاد تصرخ والوجع يزداد شراسة وجسدها يزداد برودة جل ما فعلته أنها جذبت الغطاء واغمضت عينيها.

في الأسفل وقف خالد أسفل السلم يشعر بأن هناك خطب ما في ابنته، عودتها سريعا نبرتها التي احس فيها بالألم رغم محاولاتها لإخفاءه الأمر غريب، اخذ طريقه الي أعلي الي أن وصل الي غرفتها، دق باب غرفة ابنته عدة مرات لا مجيب، رائها تصعد قبل قليل هل غطت في النوم بتلك السرعة حرك مقبض الباب ليدخل، على ثغره ابتسامة حزينة يتطلع الي ملامحها المرهقة الشاحبة، اقترب يقبل جبينها، ليقطب جبينه قلقا حين رأي قسمات وجهها تتشنج من الألم جبينها يتفصد عرقا بغزارة، بسطت راحة يده على جبينها كان يظن انها تعاني من الحمة ولكن جسدها كان بارد كلوح ثليج، جلس جوارها يربط على وجهها بقلق يصيح فيها فزعا:.

- لينا اصحي يا لينا، لينا
لم ترد فقط تتلوي ألما يعصف بخلجاتها لم ينتظر اكثر نزع الغطاء عنها بعنف ليحملها متجها الي الطبيب، ليتجمد مكانه، اتسعا عينيه فزعا حين رأي ابنته تغرق في بحر من الدماء.



look/images/icons/i1.gif رواية أسير عينيها
  25-12-2021 02:39 صباحاً   [182]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السبعون

اتسعا عينيه فزعا حين رأي ابنته تغرق في بحر من الدماء، صدمة جمدت جسده للحظات طويلة عجز عن الإتيان بأي حركة وهو يرى ذلك السيل المتدفق من الدماء يأكل الفراش كوحش ضاري يبتلع ابنته، ارتعد جسده فجاءة يخرج بعنف من تلك الحالة التي أصابته ليهرع إليها يحتضن جسدها يصرخ باسمها فزعا:
- ليينااااااا...

صرخته الفزعة ايقظت الجميع بينما كان هو في لحظة يحمل ابنته يركض بها للخارج خلفه صرخات زوجته باسم ابنتها، وصل لباب المنزل ليجد لينا تهرول خلفه التفت لها يصيح فيها:
- رايحة فين بقميص النوم...

هل يظن حقا انها تهتم بما ترتدي في تلك اللحظة وهي تري ابنتها الصغيرة غارقة في دمائها، التفت حولها سريعا تبحث عن شئ يغطي جسدها لتلحق به، لتشعر بيد تجذبها نظرت خلفها سريعا لتجد بدور تمسك بيدها، بعدها كل شئ كان ضبابي يلتف بسرعة البرق، لا تعرف ما ارتدت جل ما تعرفه أنها في سيارة حمزة التي يقودها بسرعة البرق يحاول اللحاق بسيارة خالد التي تشق الطريق بسرعة كالبرق تخطف القلوب قبل الإبصار، نزل خالد من سيارته ليهرول سريعا يحمل ابنته بين ذراعيه يهرول بها الي الداخل وقف في منتصف ساحة الاستقبال يصرخ بصوته كله:.

- دكتور بسررررعة.

جملة تردد صداها في أنحاء المستشفى عدة مرات بسرعة وقوة وعنف، الدنيا تلتف من حوله يشعر بالممرضات يأخذن ابنته من بين ذراعيه، الظلام يكسو جميع الجهات، وسط تلك الظلمة الكالحة رأي نقطة نور بعيدة حسام الذي يركض هنا يأخذ شقيقته من أيدي الممرضات يركض بها إلي غرفة العمليات، حسام سيساعده، هو يثق في ولده أتم الثقة، حسام طبيب ماهر كما يعرف عنه، تهاوي جالسا على المقعد المجاور لغرفة العمليات ينظر لكفيه الغارقان بالدماء، قلبه على وشك أن يتوقف من الذعر بالكاد يحبس دموعه، جسده بارد عينيه زائغة، أنفاسه ثقيلة متهالكة، لا يعرف حتى ما حل بها فجاءة دون سابق إنذار، تمني في تلك اللحظة لو أنها بقيت طفلة صغيرة لا يؤذيها من الدنيا سوي أنه نسي جلب حلواها، نظر لتلك الخطوات التي تهرول جواره ليري حمزة يركض متجها إليه ومعه لينا، اندفعت لينا إليه وقف أمامه تركض فزعة تتصارع دموعها في الهطول:.

- بنتي فين يا خالد، لينا حصلها ايه، بنتي طمني عليها ابوس ايدك
مد يده يجذبها يجلسها على المقعد المجاور له عينيه لا تنزحان عن باب غرفة العمليات المغلقة، تحرك لسانه يتمتم بصوت ثقيل مختنق:
- في أوضة العمليات، هتبقي كويسة، بنتي هتبقي كويسة...
تركت لينا خالد تهرول ناحية غرفة العمليات لتدفع باب غرفة الجراحة وتختفي خلفه، بينما جلس حمزة جوار أخيه مد يده يشد على أخيه يحاول التخفيف عنه:.

- هتبقي كويسة يا خالد، صدقني هتبقي بخير
حرك رأسه إيجابا ينظر بأعين خاوية تنضب فيها الحياة، خطوات سريعة تركض تأتي من جواره، التفت ليجد زيدان يركض منظره مروع عينيه حمراء ملامحه شاحبة شعره مبعثرة ملابسه مبعثرة، توجه ناحية حمزة مباشرة يصرخ فزعا:
- مالها لينا يا خالي، كلمتني تقولي لينا تعبانة في المستشفى ليناااا فيييين.

رفع خالد يده يشير لغرفة الجراحة المغلقة دون أن ينطق بحرف، توجه زيدان ناحية الغرفة يقف امامها ينظر للباب المغلق عاجزا توجه للحائط المجاور لباب الغرفة يستند بظهره إليه يصدم رأسه بالحائط يكاد قلبه ينفجر قلقا خوفا عليها وعلى طفله الذي لم تره عينيه بعد، خائف من أن يتحقق حلمه الآن، لحظات وانتفض جسده حين شعر بالباب يفتح، انتفض الجميع واقفا ينظر بترقب لمن سيخرج، كانت لينا زوجة خالد دموعها تغرق وجهها جسدها يرتجف بعنف، يديها عليها آثار الدماء؟!، اندفعت ناحية زوجها ترتمي بين ذراعيه تشهق في بكاء عنيف مخيف تمسكت بملابسه تغرز وجهها في صدره، مسح على رأسها، لتتجمد يديه حين سمع نبرة صوتها المرتعشة:.

- مات يا خالد، مات، شوفت راسه الصغيرة وايده الصغيرة مسكتها بإيدي...

بروده قارصة عصفت بجسده قلبه يتهاوي من الألم يوجه انظاره ناحية زيدان ينظر له متألما مشفقا، سالت دموعه يشدد على احتضان زوجته لحظات أخري وانفتح الباب وخرج حسام وقف صامتا وكأن على رأسه الطير، كم كره نفسه في تلك اللحظات شعر بمدي فشله ذلك الطبيب الماهر الذي انقد حياة المئات لم يقدر على إنقاذ حياة طفل شقيقته، أكثر ما يمزق قلبه زيدان، يعرف أن الخبر سيدمره، اجفل على يد تنغرز في ذراعيه يهزه بعنف وصوت زيدان يصرخ مذعورا:.

- أنت واقف ساكت كدة ليييه لينا مالها، طمني عليها يا حسام
نطق جملته الأخيرة بنبرة ضعيفة متوسلة، ليوجه حسام انظاره ناحية صديقه لا يعرف كيف سيطر على دموعه، رفع يده يربت على كتف صديقه يهمس له حزينا:
- ربنا يعوضك يا صاحبي.

حرك رأسه نفيا مرة تليها أخري وأخري ينظر لصديقه يترجاه بنظراته أن يكن فقط يمزح، ابعد يديه يتحرك خطوتين للخلف، دقات قلبه تتصارع ألم بشع يشعر به داخل قلبه، ومشهد والده وهو يحمل طفل صغير بين ذراعيه، أبنه مات، قديمه كالهلام على وشك أن تأخذه وتسقط، يتحرك للخلف رغما عنه حركات جسده لا يتحكم بها وكأن عقله انفصل عن جسده من شدة الألم، في لحظة أغرقت الدموع وجهه كطفل صغير فقد والده ليس إبنه، جلس أرضا تنهمر دموعه يخفي وجهه بين كفيه ينخرط في البكاء، بينما اندفع خالد ناحية حسام يسأله فزعا:.

- لينا، لينا يا حسام هي كويسة...
حرك رأسه إيجابا ربما تلك هي نقطة النور الوحيدة فيما حدث، إن لينا بخير لم تتضرر، الرحم برغم أن إجهاض الجنين كان عنيفا إلا أنه لم يتضرر، زفر أنفاسه المختنقة يغمغم بترفق:
- الحمد لله لينا بخير، قدر ولطف، الممرضات ودوها اوضة رقم 13 من الباب التاني.

سريعا توجهوا جميعا الي غرفة لينا عدا زيدان الذي ظل جالسا مكانه ينظر أرضا جلس حسام جواره أرضا صامتا للحظات طويلة، زفر أنفاسه المختنقة يهمس له بخفوت حزين:.

- زيدان أنا عارف إن كلامي في اللحظة دي مالوش اي ستين لازمة، بس مين عارف الخير فين، مش يمكن لو كان الحمل كمل كان الولد اتولد بإعاقة، اااا، صدقني يا زيدان دا الخير، أنا عارف أنك موجوع يا صاحبي، بس ربنا هيعوضك صدقني، صدقني الطفل دا كان هيبقي نقطة سودا في حياتكوا كنتوا هتفتكروا الحادثة اللي حصلت غصب عنك، مش يمكن دا حصل عشان ترجعوا تتجمعوا تاني، من غير ما يكون فيه اي إثر للماضي...

رفع زيدان وجهه ينظر لصديقه يبتسم ابتسامة باهتة معذبة، حرك رأسه إيجابا يسخر من حاله، لما انتظر السعادة وهو يعلم جيدا أنها لم تخلق له، في تلك الأثناء جاءت احدي الممرضات تحمل بيدها مجموعة من الأوراق وقف أمام حسام حمحمت تتمتم:
- دكتور حسام دا نتيجة تحليل دم الحالة اللي إجهضت من شوية...

مد حسام يده يأخذ منها الأوراق ينظر لما خط فيها ليعقد جبينه متعجبا قلقا، ارتفعت سيولة الدم فجاءة مما أدي لانفصال المشيمة عن الرحم ولكن السبب مجهول، لا إثر طبي لما حدث، ليس هناك عقار طبي معروف سبب ذلك، نظر جواره ليجد زيدان يرحل بعيدا عند نهاية الممر استطاع ان يلمح طيفه يغادر.

على صعيد آخر قريب، دوامة من الألم لفتها بالكامل تشعر بأن روحها تنتزع منها بعنف جزء يأخذ من كل بمنتهي الوحشية والقسوة، صفعات من ألم تنهال على جسدها بلا رحمة، لم يستطع عقلها التحمل أكثر فغاب تماما، وها هو يعود من جديد إشارات خفيفة يصدرها عقلها يحثها على الاستيقاظ يخبرها أن تفتح عينيها ويرفض جسدها الانصياع، شئ فشئ بدأت تحرك اهدابها، شئ فشئ بدأ جفنيها يستجيبان، فتحت عينيها تطل على الدنيا، العديد من الوجوه تقابلها، والديها وعمها، لفت رأسها تنظر حولها، غرفة في مستشفي!، عند تلك النقطة توسعت عينيها فزعة مدت يدها تبسط كفها تتلمس بطنها تنظر لوالديها مذعورة، نظرة الألم التي رأتها في عيني والدها اخبرتها بما عجز لسانه عن نطقه، بينما اندفعت والدتها تخبئها داخل أحضانها، هي أكتر من يعرف ألمها في تلك اللحظة، ألم ذكرها بذكري قديمة جاهدت لتنساها والآن عادت تتذكرها بكل تفاصيلها من جديد، شدت على احتضان ابنتها تغزرها بين أحضانها لتختبئ لينا بين ذراعي والدتها تتلمس منه ما يسكن ذلك الفراغ البشع الذي تشعر به داخلها، صمت مخيف لا يقطع سوي شهقات لينا العالية وهي تخبئ ابنتها بين أحضانها، الجميع واجم وكأن على رؤوسهم الطير، وهي الصدمة نزعت لسانها حني بكائها صامت...

صوت الباب يفتح، وخطوات تعرفها تقترب جعلتها ترفع رأسها قليلا عن أحضان والدتها تنظر له، تقابلت مقلتيها بعينيه في حديث صامت طويل معاتب كل منهم يرمي اللوم على الآخر، ابتعدت عن والدتها تنظر له كارهة والجملة الوحيدة التي خرجت تشق دموعها:
- أنت السبب!
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه يحرك رأسه إيجابا استند بكفيه على حافة الفراش المعدن القريبة منه يقترب منها يتمتم ساخرا:
- ايوة فعلا أنا السبب!

على صعيد آخر بعيد للغاية في منزل عثمان وسارين، حل الصباح باكرا منذ ساعات طويلة فتحت هي عينيها فجاءة شعرت وكأنها في مكان غريب لا تعرفه، فتحت عينيها لتبصر وجهه النائم المقابل لها للحظة كادت شهقة فزعة تخرج من بين شفتيها لتتذكر انها تزوجت بالأمس والدها يعلم انها تنام في منزل رجل غريب، ذلك الرجل هو زوجها!، ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها تنظر لوجهه وهو نائم تتنهد حالمة عثمان بات زوجها عادت بها ذاكرتها لما حدث بالأمس.

Flash back
ما ان دخلا معا إلي الغرفة التف هو بمقعده من خلال ذراع صغير جوار يده ناحية الباب ليدفعه وينغلق، وقفت هي تنظر له متعجبة تعقد ذراعيه لتسأله:
- سؤال رغم معلش، طالما الكرسي بتاعك حديث ليه بتقولي زقيني
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه ليقترب بمقعده منها سلط مقلتيه على مقلتيها يهمس لها بشغف:
- بحب احس بيكي قريبة مني.

حقا هي ليست معتادة على كلمات الغزل وخاصة منه هو، تقف الآن في أشد حالاتها خجلا، تنظر ارضا تفرك يديها لا تملك الجراءة لرفع وجهها، انتفضت حين شعرت به يمسك يدها لتصرخ فجاءة:
- لاء
توسعت عينيه ينظر لها مدهوشا مما فعلت لتخرج منه ضحكة عالية ينظر لها مشفقا، سيطر على سيل ضحكاته بصعوبة يلتقط أنفاسه ليغمغم في خبث:
- هو ايه لاء يا سارين أنا بشد ايدك عشان تقعدي، عايز اتكلم معاكي كلمتين ولا انتي دماغك راحت فين.

تخضبت وجنتيها بالدماء ذلك الخبيث يستغل خجلها اسوء استغلال، استسلمت ليده التي جذبتها لأقرب مقعد لتجلس عليه تحرك هو بمقعده ليصبح أمامها مباشرة، يفصلهم مسافة صغيرة، ظل صامتا للحظات طويلة قبل أن تخرج من بين شفتيه تنهيدة مختنقة تلاها صوته الهادئ:
- بصيلي يا سارين
رفعت وجهها ليقابل وجهه ابتسامته الهادئة نظرة عينيه الحائرة الشاردة، تنهد حارة طويلة خرجت من بين شفتيه يسألها:
- انتي قلقانة من ايه؟!

قطبت جبينها متعجبة من ذلك السؤال الغريب الغير متوقع منه، قلقة، هل قلقة من الكثير ولكن لما يسألها ذلك السؤال الآن حمحمت تسأله متعجبة:
- مش فاهمة سؤالك
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه ينظر لها مبتسما حرك رأسه إيجابا يردف:
- لاء أنتي فاهمة يا سارين وعارفة أنا بتكلم عن ايه كويس، أنا عايز اسمعها منك
نظرت له عاجزة قلقة تقبض على راحة يدها تتنفس بعنف تهربت من مقلتيه تهمس متوترة حائرة:.

- اااا، بصراحة أنا خايفة تكون ما بتحبنيش يا عثمان ووجودي معاك مجرد احتياج لحد جنبك، ولما تخف يا رب تخف، هترجع زي ما كنت، فاهمني
ابتسم في اتساع يحرك رأسه إيجابا ليقطع المسافة الفاصلة بينهما، يجذبها ناحيته يقبل جبينها لتقطب هي ما بين حاجبيها متعجبة لما تصرفاته غريبة اليوم، امسك يديها بخفة يخبئها بين كفيه تقلصت ابتسامته قليلا يهمس لها بخفوت:.

- أنا عارف أنتي قلقانة من ايه بس كنت عايز اسمعها منك، ممكن أنا احكيلك حاجة
حركت رأسها إيجابا تنظر له بفضول تريد أن تعرف ما سيقول ليبتسم هو تنهد يخبرها بكل ما يجيش بصدره:.

- عايز احكيلك حكاية قديمة من سنين، حكاية طفل صغير ما كانش بيشوف أبوه وأمه غير ساعة ولا اتنين كل يوم، كان بيبقي نفسه زيه زي اي طفل يحكيلهم عن اللي كان بيحصل في يومه، بس كان دايما بيسمع حبيبي ماما عندها شغل مش فاضية، عثمان أنا مش فاضي للعب العيال بتاعك، أنا ورايا شغل كتير، روح العب في أوضتك، وعشان يعوضوه كان بيجيبلوه لعب وهدايا كتيرر، كانوا فاكرين أنه لما يقولهم أنا عايز دا ويجيبوه، أنهم كدة بيعوضوه عن غيابهم، اتعود أن اي حاجة عايزها يشاور بس عليها، فبابا وماما يجيبوها، وهو كمان اتعود على كدة لما كبر كمل حياته زي ما هما رسموها اللي يعوزه يلاقيه، لو هما ما جبهوش هو يجيبه فبقي الصياد، شباكه تشاور وتصطاد، جوايز، مركز، بنات، ما حدش يقولي أنت بتعمل ايه وما بتعملش ايه، لو بابا زعق وقالي لاء، ماما تقوله سيبه يعيش شبابه إنت بتكبت الواد، عارفة ساعات كتير كنت بقرف من نفسي أوي، خصوصا لما كنت بشوف في عينيكي نظرة انبهار وحب أنا ما استهلهاش، لما خطبت ليلا كان الموضوع بالنسبة لي تسلية مش أكتر، كنت بتحدي نفسي اني اقدر اوقع صيد جديد، بس زي ما انتي شايفة كدة الصياد بقى فريسة ووقع في شر أعماله، تعرفي على قد ما كنت زعلان هموت حاسس أن الدنيا خلاص اتهدت من حوليا أتي انتهيت على قد دلوقتي ما أنا مبسوط وراضي، اصل بصراحة واحد زيي نهاية الطريق اللي كنت ماشي فيه الحرق، أنا مش غبي يا سارين عشان اضيع فرصة اني ابقي شخص نضيف من ايدي، وما بستغلش أنك بتحبيني عشان تبقي موجودة جنبي لحد ما اقوم على رجليا تاني، بالعكس تماما أنا عايزة اتقوي بيكي، انتي عارفة لو حكينا لحد ظروف جوازنا هيقول اللي بيحصل دا جنان دا واحد عاجز بتاع ستات مستني اول ما يخف يرجع للي كان فيه، ودي عيلة صغيرة ساذجة ما تعرفش حاجة في الدنيا اللي بيعملوه دا جنان احنا بقى عايزين نثبت للكل أن الجنان هو أعقل حاجة حصلت في الدنيا.

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وكلماته كلحن عذب يعزفه هو بمهارة على أوتار قلبها لتراه يمسك راحة يدها يبسط كفها امسك اصبعها الخنصر اولا يقول مبتسما:
- أول وأهم قرار في حياتنا، اننا نتعلم من اخطاء أهالينا وما نكررهاش، طبعا فهماني.

توسعت ابتسامتها الواسعة من الأساس تحرك رأسها إيجابا سريعا بالطبع تفهمه ما حدث لها بسبب والديها لن تسمح ابداا أن يحدث لأطفالها ابداا، ترك خنصرها ليمسك اصبعها البنصر يكمل ما يقول:
- تاني أهم قرار في حياتنا، الصراحة ما حدش يخبي اي حاجة عن التاني
حركت رأسها مرة أخري تؤيد ما يقول ليردف هو:
- نشارك بعض في اي قرار هناخده
- لما نخلف بإذن الله الاولاد هيبقوا من اولي الأولويات في حياتنا.

- لو حبيتي تشتغلي بعد ما تخلصي دراسة أنا مش همنعك طبعا، بس الشغل ما يجيش على حق الاولاد
- لو لقيتني مقصر في حقهم نبهيني والعكس هيحصل
- والقرار الاخير والأهم في الفترة دي تحديدا، إن جوازنا هيفضل على ورق لحد ما اقوم على رجلي واثبتلك حسن نيتي وإني مش بستغلك.

لم تعرف ما تقول هي حقا تؤيد كل ما تقول وتحترمه، من كان يظن أن عثمان اللعوب زير النساء يملك كل ذلك القدر من الرزانة ورجاحة العقل، حتى قراره الأخير وإن بدا غريبا ولكنه يدل حقا على سلامة نيته تجاهها، ابتسمت له تحرك رأسها إيجابا تعطيه موافقة صامتة منها على كل ما قال، شردت قليلا تفكر في حياتها القادمة تري كيف سيكون شكلها، لتجفل على جملته يقول مبتسما:
- صحيح هي نتيجة الثانوية العامة هتظهر امتي.

رفعت كتفيها لأعلي دليل على جهلها ادارت وجهها له تتمتم:
- مش عارفة والله هما بيعلنوا قبلها بكام يوم
ابتسم باتساع يشد على يدها يقول متحمسا:
- عارفة لو جبتي مجموع كبير هجيبلك هدية حلوة أوي
ارتسمت شبح ابتسامة شاحبة على شفتيها، سؤال ملح يطرق عقلها بلا توقف تريد أن تسأله وتخشي ذلك حقا، لم تستمع امساك لسانها أكثر لتهتف فجاءة:
- ليلا السبب في اللي حصلك مش كدة
Back.

اجفلت تخرج من شرودها الغير مكتمل فجاءة حين سمع صوته فجاءة يهمس جوار أذنيها عبثا:
- هو أنا امور وحليوة آه بس انتي حرفيا متنحة في وشي
توسعت عينيها تخضبت وجنتيها بالدماء هل تقسم له أنها فقط كانت شاردة لم تقصد أن تطيل النظر لوجهه كما يظن ارتبكت لتنتفض جالسة تعيد ترتيب خصلاتها المبعثرة من أثر النوم ليستند هو بكفيه على الفراش يشد جسده ليجلس جوارها يتمتم مبتسما:.

لو الواحد عارف أنه هيشوف القمر قدام عينيه ما كناش نام
تلعثمت خجلة لا تجد ما تقوله هرولت من الفراش متوجهه ناحية باب المرحاض دخلت تغلقه خلفها تستند بظهرها على الباب المغلق تضع يدها على قلبها تستشعر دقات قلبها المتسارعة أنفاسها المتباطئة، غزا احمرار قاني وجنتيها تتذكر بالأمس
Flash back.

بعد أن انهوا حديثهم الهام سويا ذهبت وبدلت ثيابها حين خرجت من المرحاض رأته هو الآخر انتهي من تبديل ثيابه، يتوجه بمقعده المتحرك ناحية الفراش المنخفض ليسهل عليه دفع جسده عليه، توجهت ناحيته تحاول مساعدته خجلة إلي أن جلس على الفراش رأت في عينيه نظرة عذاب وهو ينظر لساقيه الواقفة عن الحركة لتحمحم تجذب انتباهه ابتسمت حين نظر لها تسأله:
- مش هتاكل.

ابتسم ابتسامة باهتة يحرك رأسه نفيا، لتتنهد هي حزينة على حاله تسطحت على الفراش جواره بعيده عنه بقدر كافي، نظرت له تبتسم مرتبكة تهمس بصوت خفيض متوتر:
- تصبح على خير...

أغمضت عينيها توليه ظهرها تحاول النوم في مكان جديد غريب عليها جوار زوجها، لا تنكر أنها تحبه ولكن يبقي حاجز الخوف الفطري من انه رجل تتعامل معه من مساحة قريبة للغاية، عن المعتاد، فتحت عينيها فجاءة حين شعرت بيده تمسك ذراعها يجذبها برفق لتستقر فجاءة داخل أحضانه، اغمضت عينيها متوترة خائفة تتسارع أنفاسها، لحظات طويلة قبل أن يهدئ روعها وتفتح عينيها تنظر له مرتبكة لتراه يبتسم في توسع يهمس لها بشغف:.

- تعرفي أن شكلك حلو اوي وانتي مكسوفة وخدودك حمرا، زي التوت، أنا عارف أنك بتحبي التوت سارة قالتلي
اختفت أنفاسها انعقد لسانها ترمش بأهدابها عدة مرات سريعة متتالية ليرفع هو رأسها قليلا يضعها على صدره، يمسد على شعرها بخفة
حقا هي الآن على وشك أن تفقد مما يحدث، لحظات وسمعته يغمغم ساخرا:
- عجبت لك يا زمن...
قطبت جبينها متعجبة على ما يتعجب هو رفعت وجهها قليلا تسأله بخفوت:
- بتتعجب ليه.

حرك رأسه نفيا بخفة هل يخبره أنه كان يتذكر امجاده القديمة بصحبة صديقاته الكثيرات لا ربما لا يجب أن تعلم...
Back
خرجت من شرودها على صوت دقات على باب المرحاض وصوته يقول عبثا:
- سارين حبيبي لو هتجري على الحمام مع كل كلمة حلوة بقولهالك يبقي هتقضي عمرك كله جواه
ضحكت بخفة تضع يدها على فمها تكبح صوت ضحكاتها هي حقا سعيدة لانها تزوجت من نجح بجدارة في اصطياد قلبها.

على صعيد آخر عودة لمستشفي الحياة في غرفة لينا تحديدا يقف زيدان أمام الفراش لازال ينظر إليها يبتسم، ابتسامة معذبة بعد جملته الغريبة التي نطقها فجاءة:
- ايوة فعلا أنا السبب!

نظر الجميع إليه في عجب مما قال حتى هي تعجبت من استسلامه بتلك البساطة، صمت مخيف لم يبدده سوي صوت ضحكة عالية خرجت من بين شفتيه ضحكة معذبة تصرخ ألما، ادمعت عينيه رغما عنه توقف عن الضحك ينظر لها يفتح ذراعيه بحركة درامية ساخرة يغمغم متألما:.

- أنا السبب، أنا عملت كل حاجة وحشة في الدنيا واستاهل كل حاجة وحشة في الدنيا، استاهل اتيتم وأنا طفل عنده 5 سنين، استاهل اتعذب في كل مرحلة في حياتي، أنا السبب في العذاب اللي أنا وأنتي فيه، انتي عارفة أنا نفسي يرجع بيا الزمن عشان ما احبكيش، عشان لا آذيكي ولا ااذي نفسي...

أنا آسف اني اذيتك ما فيش في ايدي حاجة تانية غير الأسف وآسف اني عشمت نفسي بفرحة اللي في بطنك، يا ريتني ما جيت عيشت معاكوا، صدقيني العذاب اللي عيشته في حياتي ما يجيش شظية وجع من العذاب اللي أنا عايشه دلوقتي، بقيتي حرة يا لينا، ما بقتش في حاجة تربطنا، عيشي حياتك وانسيني، عشان انا مش هقدر انسي عن اذنكوا.

التفت ليغادر يخطو خطاه لخارج الغرفة، بينما كان يقف هو بعيدا يراقب ما يحدث نبرة الألم في عيني زيدان نظرة العذاب في عيني ابنته، خسارة تلتها أخري وأخري في حياتهم وبالطبع هو السبب كما يلوم نفسه دائما، للحظات شعر بثقل يزداد فوق رأسه جسده يلتف بعنف لم يعد لديه القدرة على الصمود، أسلم مقاليد كل شئ حين سمح لجسده أن يترنح ويهوي أرضا آخر ما سمعه كان صرخات الجميع باسمه.

خاااااالد، صرخة معذبة مذعورة خرجت من لينا زوجته لتترك ابنتها وتندفع إليه سقطت على ركبتيها على الأرض جواره تحاول أن تجعله يستيقظ بأي شكل كان، اندفع زيدان ناحيته ومعه حمزة يتعاونان على حمل جسده ولينا تهرول أمامهم تصرخ في الممرضات والأطباء، بينما هي جسدها ثقيل متعب، ألم بشع يفتك بها، انسابت دموعها تهمس باسم والدها بضعف شديد، بوهن تحركت نن فراشها تستند على الحائط تمشي بخطوات ضعيفة تجر ساقيها جرا، الألم يزداد بشاعة مع كل حركة تتبع الصوت لتجدهم هناك والدها يستلقي على سرير صغير يندفع ناحية احدي الغرف والدها ساكن بشكل مخيف لم تعهده يوما، ووالدتها تبكي منهارة وزيدان يحاول تهدئتها قليلا، رأت الدموع في عيني عمها، الجميع يقف مذعور، حسام جاء يركض ملامح الذعر تكسو وجهه اندفع كالسهم للغرفة التي فيها والدها، جذبت جسدها تحركه رغما عنه لتصل للنافذة الكبيرة للغرفة ارتمت بجسدها عليها تبسط كفيها على سطح الزجاج، تنهمر دموعها وهي تنظر لما يحدث في الداخل، شق الطبيب بمقص صغير ال ( تي شيرت ) الذي كان يرتديه والدها، الكثير من الأجهزة يوصلونها به قناع أكسجين غطي وجهه، تعلقت عينيها بجهاز ضربات القلب لتري دقات قلب والدها الغير منتظمة تارة سريعة وتارة بطيئة على وشك أن تتوقف، لم تكن تتخيل في أسوء كوابيسها أن تري والدها في هذه الحالة، إن ينهار هكذا أليس هو عمود الخيمة الذي يقيم العائلة يحمل هموم فوق عاتقه كيف ينهار، ليس من الممكن أن يحدث ذلك، ابدااا، التفت جوارها لتجد والدتها تنظر لجسد ابيها المسطح مذعورة تنهمر دموعها كشالالات بلا توقف جسدها يرتجف بعنف تحدث بصوت متوسل راجي بالكاد يخرج من بين شفتيها:.

- ياااارب، يااااارب احفظه يا رب، يارب يبقي كويس يا رب، أنا ماليش غيره، يا رب ما تحرمنيش منه يااااارب
نظرت لوالدتها حزينة مشفقة تبكي على حالها وعلى ما يحدث لوالدها وعلى ما حدث، تتسأل حقا كيف تمكنت والدتها من مسامحة والدها وعشقه لتلك الدرجة بكل كل ما فعل في حقها قديما، ولما هي لم تتمكن من مسامحة زيدان على خطاءه أليست ابنتها؟!

على صعيد آخر بعيد منذ الصباح الباكر والسيارة في الطريق متوجهه الي اسيوط، جاسر يجلس جوار غيث في الامام وهي تجلس بالخلف، طوال الطريق يتحدث هو وغيث، يضحكان يمزحان، يتحدثان في أمور شتي وهي أن سألته سؤالا واحد اما أن يتجاهلها او يرد، رد مقتضب غاضب، ماذا حل به بين ليلة وضحاها كيف تغير حاله بذلك الشكل البشع لمن تشتكي له منه، لا تملك سوي والدها وهو مريض بالقلب تخشي عليه أن يصيبه مكروه، وصلت السيارة بعد ساعات طويلة إلي المنزل، لينزل الجميع فتح هو صندوق السيارة نزل يلتقط الحقيبة يتقدم بصحبة غيث للداخل، في الداخل كان الجميع في الصالة الكبيرة والديه وصبا وشاهيناز، التي توسعت ابتسامته ما أن رآها القي الحقيبة أرضا ليندفع إليها يعانقه يشدد على عناقها يغرزها داخل صدره يغمغم مشتاقا:.

- وحشتيني يا شاهي وحشتيني اوي اوي، عاملة ايه يا حبيبتي، بتاكلي كويس واللي في بطنك كويس...
توسعت عيني شاهيناز بدهشة لا تصدق أن العمل اتي ثماره اخيراا، بات جاسر كالخاتم في إصبعها، توسعت ابتسامتها تلف ذراعيها حول عنقه تتمتم بلوعة زائفة:
- وأنت كمان وحشتني اوي يا جاسر ووحشت ابنك اوي اوي يا جاسر.

نظر رشيد وشروق مدهوشين لما يحدث بينما تفتت قلب تلك الواقفة تناظرها بنظرات جزعة محطمة كيف يفعل بها ذلك كيف يؤذيها بتلك الطريقة البشعة، انهمرت دموعها لتركض الي غرفتها بالأعلي تختبئ خلف بابها المغلق، نظر رشيد في أثرها مشفقا على حالها، بينما تعجبت شروق كثيرا مما حدث لولدها، اما صبا كانت في عالم آخر كل ما يشغل بالها الآن هو ذلك المتطفل الذي يقف هناك يبتسم في توسع يعقد ذراعيه أمام صدره يخبرها أنه قد جاء...

في منزل عمر السويسي، وقف عمر في صالة المنزل ينظر لساعة يده بين حين وآخر ليصيح بصوت عالي:
- يا سارة يا تالا يلا بقى انتي وهي اتأخرنا
خرجت تالا من غرفتها بعد لحظات تمسك حجاب رأسها بين يديها ضحكت بخفة تتمتم متعجبة:
- مالك يا عمر مش على بعضك ليه...
زفر أنفاسه الحانقة ينظر لساعة يده ليتمتم كطفل صغير حانق:
- الساعة بقت سبعة وانتي قولتي هنروح الساعة 5 يلا تالا، البت سارين وحشتني بجد عايز اشوفها...

ابتسمت تالا بحنو تحرك رأسها إيجابا تشير لما في يدها كأنها تخبره انها سترتديه اولا، دخلت الي غرفتها تقف أمام مرآة الزينة تنهدت تنظر لانعاكسها في المرآه بابتسامة صغيرة تتذكر ما حدث بالأمس
Flash back.

أوصلت ابنتها لمنزل زوجها صحيح انها من اشد المعارضين لزواج ابنتها في هذه السن الصغير ولكن ما البيد حيلة، ماذا تفعل الفتاة تحبه ستكون سعيدة بصحبته وهي حقا لا يهمها سوي سعادة ابنتها، استقلت السيارة جوار عمر وسارة بالخلف، بعد قليل ستخبره بما حسمت من قرارها الأخير والنهائي، وقفت سيارة عمر أسفل منزلهم ليهبطوا منها جميعا، سبقتهم سارة تتوجه الي غرفتها مباشرة، توجهت تالا الي غرفتها ليلحق بها عمر دخل الي الغرفة يوصد الباب خلفه ليرآها تقف أمام مرآة زينتها تقك حجابها ليسترسل شعرها الحريري يغطي ظهرها، تنهد يشعر بدقاته تتصارع قلقا الآن ستحسم قرارها الأخير يشعر بأنها النتيجة النهائية للمسابقة، هي مسابقة حياته التي خسر كل جوالتها وانتظر الفوز في النهاية، حمحم يهمس بصوت خفيض مرتبك:.

- تتالا
التفت هي له في تلك اللحظة تبتسم ابتسامة عذبة صغيرة، ابتسامة البداية او النهاية ربما، أمسكت بكف يده تجذبه ليجلس جوارها على الفراش تنهدت تنهيدة طويلة متعبة لتبتسم تردف بخفوت:.

- بص يا عمر أنا عارفه إني غلطت، يمكن ما كنش قصدي يحصل دا، مش قصدي ابعدك او اهمشك زي ما أنت فهمت وافتكرت، ما كنش دا اللي في نيتي، بس والله أنا كانت نيتي خير ما كنتش عايزة اشغلك بمشاكلنا، بس حصل العكس، واللي حصل حصل، يمكن أنا ارتحت شوية لما عرفت انك مالمستش البتاعة دي، اللي كانت في يوم صاحبتي، بس مش هقدر انكر النار اللي بتحرق في قلبي لما بعرف أنك روحتلها بمشاعرك يا عمر، ليه ما جتش تقولي اللي مضايقك، ليه اخترت أسهل الطرق، ليه ما نبهتنيش على غلطي...

نظر لها عاجزا جزعا لا يعرف حتى بما سيرد، ظهر الندم جليا على قسمات وجهه لترتسم ابتسامة شاحبة على شفتيها تردف بخفوت حزينة:.

- بس ما انكرش اني شريكتك في الغلط، يمكن احنا محتاجين نفتح صفحة جديدة، نتعلم فيها من أخطائنا اللي عملناها كفاية اننا كنا السبب في أن نفسية البنات اتدمرت بالشكل البشع دا، أنا موافقة يا عمر اننا نفتح صفحة جديدة، بس دي آخر صفحة في الدفتر يا عمر لو قطعتها هيخلص كل اللي بينا متفقين يا عمر.

ابتسم كطفل صغير فرح يحرك رأسه إيجابا سريعا بتلهف ليسرع لعانقها يخفيها داخل أحضانه، يشدد على عناقها يهمس لها بشغف عاشق:
- متفقين يا قلب عمر اوعدك اني عمري لا هزعلك ولا هجرحك تاني ابداا، يااااه يا تالا أنا مش مصدق، حاسس اني بحلم حلم جميل و يا رب ما اصحي منه.

رفعت هي الاخري يديها تبادله العناق تبتسم له سعيدة، ربما عليها أن تتجاوز تمضي، تفتح صفحتها الأخيرة في الدفتر، ابتعدت عنه ليقبل جبينها يتمتم مبتسما:
- ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي وما يحرمني منك ابدااا...
Back
عادت من شرودها على صوت عمر يصيح مم الخارج حانقا:.

- يا تالا يلا يا تالا والله العظيم هروح لوحدي أنا اصلا مش مطمن للواد عثمان دا، دا زير نسا قديم، وانتي يا ست سارة ما تخلصي أنتي كمان، قال جايلك عريس أنتي كمان، اصل أنا ناقص تترسبوا من قدامي كدة
توسعت عيني تالا مدهوشة مما يقول عمر لتهرول للخارج وقفت امامه تسأله متلهفة متعجبة:
- عريس مين يا عمر اللي اتقدم لسارة حد نعرفه.

رفع عمر حاجبه الأيسر ينظر لها يبتسم في هدوء قلق، كتف ذراعيه أمام صدره يتمتم بصوت خفيض:
- دكتور حسام عرفاه، طبعا سارة مش هتوافق عليه، كفاية الموقف الزفت اللي حصل بينهم بسببي، وكمان كبير عليها دا في التلاتينات تقريبا والبت لسه صغيرة.

ابتسمت تالا منتصرة هي حقا لم تحب ذلك الطبيب الوقح والآن عمر يوافقها في الرأي، بينما قريبا منهم كانت تقف سارة، استمعت الي حوار والدها ليطرق قلبها بعنف حين عرفت ان حسام طلبها للزواج، لا تعرف أهو خوف ام خجل ام شعور جديد لم تعهده قبلا!

على صعيد آخر عودة لمستشفي الحياة أمام غرفة خالد جلست ابنته بعد أن اضناها التعب تنظر لباب الغرفة المحتجز فيها والدها بفزع، جسدها بالكامل يرتجف شفتيها زرقاء وجهها شاحب، تشعر ببروده قارصة تعصف بجسدها، ضمت ذراعيها تحتضن جسدها ترفض رفضا تاما أن تتحرك من مكانها، كان يقف هو القلق ينهش قلبه على أبيه هو من رباه هو أبيه حتى لو لم تكن دمائهم واحدة تري ما حاله يدعوا من خلجات قلبه أن يكن بخير، عليه ان يبدو صلبا أمامهم وهو في الحقيقة يرغب فئ الارتماء بين أحضانه والبكاء بلا توقف، يشفق حقا على حسام تري ما حاله الآن، القي عليها نظرة خاطفة لم يستطع منع عينيه من فعل ذلك ليراها ترتجف بتلك الطريقة، شتم نفسه ينهرها بعنف لما يقلق لأجلها الآن انتهي كل شئ عليه أن يذكر نفسه دائما إن كل شئ قد انتهي للأبد، خط النور الوحيد الذي كان يربطهم انطفئ وانتهي كل شئ، لمح بطرف عينيه الغرفة القريبة منهم مفتوحة وفارغة، القي نظرة عليها ليجد غطاء عند نهاية الفراش المرتب تنهد يمنع قدميه من الذهاب، فذهب قلبه وجد نفسه يتحرك تلقائيا دخل الي الغرفة يجذب الغطاء توجه اليها يمد يده لها بالغطاء رفعت وجهها له لتراه يشيح بوجهه بعيدا، عقله يرفض الانصياع لاوامر قلبه، وضع الغطاء أمامها دون أن ينظر ليتوجه ناحية زوجة خاله التي تجلس تبكي بلا توقف تتحرك للأمام وللخلف تدعو تبكي، بلا توقف، جلس على المقعد جوارها، لف ذراعه حول كتفيها يربت على رأسها لتضع رأسها على صدره تتمسك به تهمس من بين شهقاتها المتتابعة:.

- ادعي يبقي كويس يا زيدان، يا رب أنا ماليش في الدنيا غيره، هو كل حاجة في حياتي، بابا واخويا وحبيبي وجوزي، هو كل دنيتي، لو حصله حاجة لا لا يا لاء، مش هستحمل، والله ما هستحمل
انهمرت دموع زيدان يحتضن والدته يربت على رأسها يحاول تهدئتها ولو قليلا، انتفضوا جميعا على صوت الباب يُفتح ليخرج الطبيب بعد ساعات هرعت لينا تسأله صارخة:
- خالد كويس صح طمني عليه، ارجوك.

كسي الحزن وجه الطبيب الشاب لمح زيدان حسام وهو يجلس جوار الفراش يمسك بيد خالد الموصلة بالمحاليل الطبية ليجفلا على جملة الطبيب التي نطقها بوجوم حزين مشفقا على حالهم:
- جلطة!



look/images/icons/i1.gif رواية أسير عينيها
  25-12-2021 02:40 صباحاً   [183]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الحادي والسبعون

جلطة!

ما إن خرجت تلك الكلمات من فم الطبيب تلاها لحظة صمت طويلة، فزع سيطر على الجميع، الجم ألسنتهم جمد الدماء في عروقهم، لم يكمل الطبيب جملته اوقفه صوت صرخة قوية صدرت من لينا باسم زوجها تبعها صوت ارتطام قوي، نظر الجميع فزعا لما سقط، ليصرخ زيدان باسم لينا هرع يحملها بين ذراعيه صاح حمزة في الطبيب، هرولوا جميعا الي أحدي الغرف الفارغة زيدان يحمل لينا ومعه حمزة، وبقيت هي، قدميها لم تعد لها القدرة على تحمل ما يحدث جسدها ينتفض وكأن كهربا ضربته، والدها اولا والآن والدتها، جسدها وكأنه التصق في المقعد تبكي فقط تبكي تتسابق دموعها في الانهمار، تنظر لغرفة والدها، بجهد شاق رفعت جسدها من فوق المقعد تجر ساقيها إلي غرفته، وقفت جوار الباب الغرفة الشبة مغلق فقط شق صغير رأت من خلاله حسام أخيه يجلس ارضا على ركبتيه جوار فراش والدها يبكي يمسك بيد والده يقبلها بين حين وآخر سمعت صوته الضعيف احست نبرته الخائفة المرتعشة:.

- كدة يا حج، كدة توقع قلبي عليك، تتعب وتخوفني، مين هيشتمني ويقولي يا حيوان، وهما 200 جنية ما فيش غيرهم، عارف لو تعبت تاني هتجوز البت سارة غصب عنها، هخطفها واتجوزها
لحظات ورأت دموعه تتسابق ليميل براسه يضع رأسه على الفراش يحتضن ذراع ابيه يبكي بعنف يجهش في البكاء:
- أنا آسف لو في يوم زعلتك، قوم أنت بس بالسلامة وأنا مش هزعلك تاني، أنا بحبك اوي يا بابا، والله إنت اغلي حاجة عندي في الدنيا.

وقفت تنظر لحالة أخيها تبكي على حاله وحال والدها، تحركت عينيها تتوجه الي جسد أبيها المسطح على الفراش يتصل به كل الكثير من الأجهزة الطبية، يغلق عينيه جسده ساكن يستسلم لحالة سكون مخيفة لم تعهدها منه قبلا، حركت ساقيها تدخل إلي الغرفة ليرفع حسام وجهه ينظر لمن أتي لا يهمه أن رآها أحد هكذا لا يهم إن عرفوا من يكون كل ما يهمه الآن هو ذلك الساكن على الفراش بلا حول ولا قوة، كسي الحزن عينيه ينظر لشقيقته متألما.

ينظر لخطواتها البطيئة تجر جسدها ناحية فراش والدهم اقتربت من الفراش لتميل بجسدها تسند رأسها الي كتفه اغمضت عينيها تهمس له بصوت خفيض مختنق خائف:.

- بابا، أنا عارفة انك سامعني، أنا آسفة، آسفة لو في يوم زعلتك، والله ما كنش بيبقي قصدي أنا بس، كنت مقهورة اوي لما عرفت أن اللي عملتوه كان لعبة، قلبي اتوجع من اللي هو عمله ومن اللي عرفت انكوا عملتوه، ما تزعلش مني، وقوم عشان خاطري أنا عمري ما اتخيلت ابداا اني اشوفك كدا...

في مكان آخر، مكان استراح فيه جسده وتوقف عقله قليلا عن التفكير في كل مشاغل العائلة، مشهد من عقله الباطن ربما، يجلس هو على أرض خضراء اعشابها كثيفة يستند بظهره الي جزع شجرة كبيرة يغمض عينيه يستريح، يتنفس هواء بارد يغزو كيانه يربت على روحه الملتاعة، صوت بكاء صغير جعله يفتح عينيه ينظر حوله متعجبا ليجد طفل رضيع يبكي موضوع جواره أرضا على العشب، رفعه بين ذراعيه ينظر له مبتسما، لينتفض على يد وضعت على كتفه نظر جواره سريعا ليجد زيدان صديقه يجلس جواره يحمل هو الآخر طفل صغير بين ذراعيه توسعت عينيه مدهوشا ينظر لصديقه الجالس جواره يبتسم في هدوء، ليمد زيدان يده له بالطفل الآخر فحمل الطفلين كل منهما على ذراع ابتسم له يقول بهدوء:.

- ولاد خالد
قطب خالد جبينه متعجبا ينظر للطفلين مدهوشا ليعاود النظر لصديقه يتمتم مذهولا:
- ولادي أنا؟!
ضحك زيدان ضحكة عالية يحرك رأسه نفيا نظر لصديقه يقول مبتسما:
- أنت نسيت ولا ايه، فاكر لما قولتلك أنا هسميه خالد عشان يطلع رخم زيك
انتفض قلب خالد للحظات هل يقصد زيدان أن هذين الطفلين أحفاده أولاد زيدان، ضمهما لصدره برفق ليعاود النظر لصديقه تنهد يقول تعبا:.

- أنا تعبت أوي يا زيدان، تعبت اوي يا صاحبي، الدنيا كلها بتتهد من حوليا
ابتسم زيدان في هدوء يربت على كتف صديقه يشد من ازره يردف مبتسما:
- بطل تحاول تعاند القدر يا خالد، المكتوب هيحصل هيحصل مش بإيدك توقفه، مش لازم تلوم نفسك أنك دايما السبب، شيل مناخيرك من كل المشاكل عشان ترتاح، وخد بالك حماك مش ناويلك على خير، خلي بالك من نفسك يا صاحبي ومن الواد خالد، سلام يا صاحبي...

قالها ليتلاشي كسراب يبتسم بينما جلس هو ينظر للطفلين الصغيرين وضحكاتهم البريئة يبتسم يشعر براحة تملئ كيانه، يسمع صوت ابنته يأتي من بعيد يسمع كلماتها وهي تعتذر، يخترق حلمه كل كلمة تقولها ولكنه لم يهتم حقا لم يهتم لم يرغب في أن يرحل هو والطفلين هنا يجلس يستريح يسمع ضحكاتهم البريئة سلوي قلبه مما لاقي
عودة للغرفة، رفعت لينا رأسها قليلا تنظر لحسام تسأله بصوت خفيض متحشرج:
- هو بابا كويس يا حسام.

نظر لها للحظات صامتا مشفقا ليحرك رأسه إيجابا وقف يمسح وجهه يبعد ما نزل من دموعه حمحم يحاول إجلاء تلك الغصة القاسية التي خنقته يحادثها بترفق:
- الحمد لله جت سليمة، جلطة خفيفة قدرنا نتعامل معاها بالأدوية، سيبيه دلوقتي يستريح وارجعي اوضتك انتي كمان محتاجة ترتاحي، تعالي.

انهي جملته يمد يده لها، ترددت للحظات تنظر لوالدها خائفة عليه، مالت تقبل جبينه لتتحرك ببطئ تشعر بألم بشع يمزق احشائها، تقدمت تمسك بيده ليبتسم لها متعبا حزينا شاحبا، لف ذراعه حول كتفيها يتحرك بها للخارج، لتلقي ناحية فراش أبيها نظرة أخيرة، قبل أن يخرج بها من الغرفة يغلق الباب على والدهم...

اصطحبها الى أقرب غرفة من غرفة والدهم يمشي معها برفق، دخل معها الي الغرفة يغلق الباب عليهم يجذب الستار ليحجب رؤية من في الخارج، اقترب منها يطوقها بذراعيه يشدد على احتضانها، أدمعت عينيه، بينما انهمرت دموعها، تعالت شهقاتها تتمسك بملابسه تخفي وجهها بين ثنايا صدره، تتلعثم من بين شهقاتها:.

- هو أنا وحشة اوي كدة يا حسام، أنا عملت ايه وحش في حياتي عشان يحصلي كل دا، أنا مش عايزة زيدان، بس عايزة ابني، ابني اللي راح مني، روحي اللي كنت حاسة بيها بتكبر جوايا يوم ورا يوم، قلبي بيوجعني اوي يا حسام، وبابا، أنا عمري ما تخيلت أنه ممكن يقع كدة، بابا رغم كل المشاكل والمصايب اللي بتحصل كان دايما بيبقي موجود، أنا خايفة عليه اوي، وماما مش هتستحمل أنت ما بتعرفش هي بتحبه قد ايه، حياتنا كلها بتنهار يا حسام.

تركها تخرج كل ما يجثم فوق قلبه للحظات طويلة وهو صامت لا يتفوه بكلمة، قلبها يحترق حزنا على الجميع، يتمني فقط لو في يده شئ ليقدمه، يساعد ولكن ما باليد حيلة كما يقال، دقائق طويلة وابعدها عنه يمسح دموعها المتساقطة يحاول رسم ابتسامة مطمئنة على شفتيه:.

- بابا هيبقي كويس صدقيني، خالد باشا السويسي ما يقعش بسهولة، هو بس بيريح من همكوا شوية، أما انتي فأنا عايزك تعرفي وتتأكدي أن نزول الجنين في مصلحتك انتي وزيدان، انتوا محتاجين فرصة تبعدوا عن بعض ما يبقاش فيه اي حاجة ربطاكوا، تراجعوا مشاعركوا من الصفر، أنا عارف إن الموضوع صعب ويمكن اكتر من عليكي، بس صدقيني دا أفضل ليكي وليه.

صمت للحظات ليعطيها ابتسامة مرحة زائفة دني بجزعه قليلا يحملها بين ذراعيه يتوجه بها الي فراشها يردف مبتسما:
- أما الأستاذة بقى فمحتاجة ترتاح لأنها تعبانة واحنا في غني عن أن يحصل اي مضاعفات
وضعها على الفراش لتنتصف جالسة، بينما جلس هو أمامها اضطربت مقلتيها في الفراغ حولها ليمد هو كف يده يربت على وجنتها يتمتم:
- أنا هروح اشوف اخبار الدكتورة لينا إيه، نامي شوية.

نظرت لشقيقها تبتسم ممتنة، هي حقا تغبط نفسها في تلك اللحظات على وجوده في حياتهم، ارتمت بين ذراعيه تعانقه تتلمس دفئ وأمان والدها بين ذراعيه ليبتسم لها ابعدها عنه قليلا فقط يقبل جبينها مبتسما ليمسعا في تلك اللحظة صوت شهقة مذهولة تأتي من عند باب الغرفة التفت حسام سريعا ليري أحدي الممرضات تقف جوار باب الغرفة تنظر له وهو يعانق لينا ويقبل جبينها، مذهولة عينيها متسعة في دهشة، بينما احتدت عيني حسام غضبا يصيح فيها:.

- انتي واقفة عندك متنحة كدة ليه وازاي تدخلي اي اوضة اصلا من غير ما تخبطي بابها اتفضلي يا أستاذة حسابك مع شؤون العاملين
أصفر وجه الممرضة فزعا لتخرج من الغرفة سريعا تغلق الباب خلفها، وقف حسام يجذب الغطاء يدثر شقيقته وقف أمامها يردف مبتسما:
- نامي وما تفكريش في حاجة، لما تصحي هتلاقي كل حاجة كويسة.

ابتسمت له ابتسامة شاحبة تحرك رأسها بالإيجاب تحرك هو يحضر محلول وريدي علقه على الحامل الخاص به ليغرز سنه برفق في كف يدها، امسك رسغها يقيس نبضات قلبها، تنهدا مرتحا يضع يدها جوارها برفق توجه ناحية المحلول يغرز به مصل مهدئ، نظر لشقيقته يبتسم حزينا للحظات ليتركها ويخرج من الغرفة يجذب الباب يغلقه عليها، لترفع هي رأسها لأعلي تنظر للسقف أمامها رغما عنها انسابت دموعها حين مدت يدها تتحسس بطنها التي باتت الآن فارغة، تكالبت دموعها بغزارة تحادثها طفلها الغائب:.

- سامحني يا حبيبي إني ما عرفتش أحافظ عليك، كان نفسي تعيش واشيلك على ايدي واخدك في حضني، أنا السبب مش زيدان أنا اللي ضيعتك مني، أنا اللي اذيتك واذيت نفسي
شيئا فشئ وبدأت تشعر بجفنيها يثقلان وجسدها يرتخي، لم يتبقي سوي دموع صامتة تكوي قلبها حزنا، إلي أن غابت تماما عن الواقع المؤلم.

على صعيد آخر توجه حسام ناحية قسم الطوارئ، ما إن أقترب من القسم سمع صوت صياح صديقه الغاضب، أسرع خطواته ليجد زيدان يقبض على عنق هاشم، الطبيب المسؤول عن حالة خالد يصرخ فيه غاضبا:
- يا راجل يا *** يا متخلف، خارج تقولنا جلطة، اهي وقعت وعندها انهيار عصبي...
الدكتور اللي كان معاك قلنا جلطة خفيفة ودوبوها بالأدوية، أنت فاكر نفسك في مسلسل ولما تقول جلطة هينزل وراك الموسيقي ونقفل الكدر عليك.

شحب وجه الطبيب ذعرا واختناقا يحاول التوسل بعينيه لحمزة الجالس على المقعد ينظر للطبيب باشمئزاز بشماتة، بينما اندفع حسام سريعا يخلص هاشم من زيدان ابعده عنه بعنف يصيح فيه محتدا:
- ايه يا زيدان إنت ضربت ولا ايه، بتتهجم على الدكتور.

وقف زيدان بالكاد تحمله ساقيه وجهه مشتعل عروقه بالكامل نافرة، وجهه مجهد عينيه حمراء، شعره اشعث، قميصه ازراره معظمها مفتوحه بشكل مذري، وقف حسام حائلا بينه وبين الطبيب المسكين الذي وقف خلف حسام يحتمي به من ذلك المجنون الغاضب، بينما صدح صوت زيدان الغاضب:.

- ابعد يا حسام أنا هطلع روحه في ايدي، جلطة خارج متأثر اوي وجلطة، دا دكتور بهايم لو قولنا أنه دكتور اصلا، ورحمة ابويا الغالي لهسسفك التراب يا دكتور على ما تفرج أنت...
دفع حسام هاشم بعيدا يحادثه بصوت خفيض هامس:
- معلش يا هاشم امشي أنت دلوقتي، الراجل معذور ابنه راح وبعدين خاله تعب وبعدين والدته تتعب، الموضوع صعب عليه.

نظر هاشم لزيدان مشفقا ليحرك رأسه إيجابا يرحل سريعا بينما توجه حسام ناحية صديقه حرك رأسه نفيا يأس من صديقه وأفعاله التي لا يحسبها عقل تنهد يسأله قلقا:
- الدكتورة لينا كويسة!
تهاوي زيدان جالسا على المقعد المجاور لحمزة تنهد بحرارة تكوي جوا قلبه ارتفع جانب فمه بابتسامة صغيرة ساخرة متألمة يسخر من حاله قبل الجميع:.

- كويسة؟! ما حدش فينا كويس يا حسام، عندها انهيار عصبي الدكاترة ادولها مهدئتات كتير ربنا يستر عليها...
رفع وجهه لصديقه يسأله متلفها قلقا:
المهم طمني خالي، خالي عامل ايه...
ابتسم حسام في هدوء يحاول طمئنة صديقه جلس على المقعد المجاور له يربت على ساقه يردف في هدوء:
- الحمد لله عدت بخير، هو بس مجهد ومحتاج يرتاح.

شردت عيني زيدان في الآخر ابتسم متعبا ينظر لصديقه وكأنه يخبره مجهد فقط صدقا هو مستنزف ونحن جميعا ما استنزفنا قواه حتى سقط.

في هدوء تحرك حمزة من جوارهم يأخذ طريقه لغرفة أخيه، يسرع بخطواته يشعر بدموع ساخنة تغزو مقلتيه، قلبه ينتفض دقاته تتصارع وكأن روحه تتمزق بلا رحمة، شطر من روحه يتألم خامل منطفئ، أسرع خطاه ليصل إلي غرفة أخيه، فتح الباب سريعا يدخل إلي الغرفة وقف أمام الباب المغلق ينظر لأخيه متحسرا حزينا عينيه تسكب الدمع كأسا يشربه قلبه، تحرك بخطى بطيئة ناحية فراش أخيه، مع كل خطوة يخطوها يتذكر احدي مواقفهم معا.

- جاهز ومستنيك يا دون
- النار اللي عندك مش نيران صديقة يا حمزة
- يا جدع أنت اخويا يا اهبل
- دوس يا عم وما يهمكش أنا في ضهرك
عند تلك الجملة الاخيرة كان يقف جوار فراش انهار على ركبتيه يبكي كطفل صغير يمسك سد أخيه يتوسله من بين شهقاته:.

- ما تكسرش ضهري يا خالد دا أنا من غيرك ابقي زي العيل الصغير، قوم يا خالد وحياة لينا عندك، ما ينفعش أنت تقع، أنا عارف أنك زعلان مني عشان اتجوزت بدور لو عايزني اطلقها هطلقها، بس أنت قوم...

علقت الكلمات في فمه فجاءة حين شعر بحركة أصابع يد أخيه تتحرك حركة خفيفة داخل كف يده، رفع وجهه سريعا ينظر لوجه اخيه متلهفا ليراه يحرك مقلتيه أسفل جفنيه المغلقين شئ فشئ بدأ يعود للدنيا من جديد، فتح جفنيه ينظر حوله هنا وهناك، اول ما لاحظه قناع التنفس الذي يغطي وجهه مد يده بصعوبة يحاول أزاحته من على وجهه ليهتف حمزة متلهفا:
- ما تشيلوش يا خالد...

تحرك بعينيه ناحية عينيه يعيطيه شبح ابتسامو صغيرة شاحبة أزاح القناع من فوق وجهه فتح فمه يهمس بنبرة ضعيفة متهالكة:
- زيدان فين
تحرك حمزة سريعا يكبس الزر المسؤول عن استدعاء الطبيب الخاص بالحالة عاد لأخيه يتمتم سريعا متلهفا:
- زيدان برة يا خالد كلنا هنا حواليك، استريح أنت بس.

ابتسم خالد ساخرا من تلهف أخيه المبالغ فيه الذي ذكره بأحد الممثلين في فيلم عربي قديم لا يتذكر اسمه الآن، لحظات وامتلئت الغرفة طبيب وآخر وحسام ابنه، وعدة ممرضات اخرجوا حمزة وشرعوا في فحص حالته، لم يكن قلقا هو حقا لم يهتم بما أصابه، بالعكس بل أحبه ساعات طويلة ارتاح فيها جسده من المشاكل، يكفي أنه رأي زيدان، والطفلين ابتسامة صغيرة نمت على شفتيه ينظر لحسام لا يحيد بعينيه عنه، كم يشعر بالفخر فقط ما أن ينظر إليه، وقف هاشم جوار فراش خالد يتمتم مبتسما:.

- الحمد لله عدت على خير، هتفضل معانا تحت الملاحظة لحد ما نطمن عليك، حمد لله على سلامتك
قطب جبينه قلقا ينظر للطبيب يقول بصوت خفيض مجهد قلق:
- لينا فين، مراتي وبنتي فين
هنا جاء دور حسام نظر لوالده يطمأنه بنظراته يتمتم في هدوء:
- ما تقلقش حضرتك، هما بخير وكويسين.

نظر خالد لحسام في حذر يشك حقا فيما يقول، أين لينا وماذا حدث لابنته وأين زيدان، هو متأكد على اتم ثقة أنهم ليسوا بخير كما يحاول أن يخبره حسام بعينيه، ما كان عليه سوي أن ينتظر الي أن خلت الغرفة وخرج الأطباء ولم يبقي سوي حسام، مد خالد يده يقبض على رسغ ولده التفت له ليتمتم خالد بصوت خفيض متعب حانق:
- حسام، أنا مش عيل صغير هتضحك عليا، لينا واختك فين، ما تقولش ما تقلقش هما كويسين، هما فين.

تنهد حسام يآسا من رأس أبيه الصلب، تحرك من مكانه يقف جوار حافة الفراش امسك كف أبيه يقبله يتمتم مبتسما:
- يا بابا ما تقلقش والله هما كويسين، لينا نايمة في الأوضة اللي جنبك على طول، ودكتورة لينا في قسم الطوارئ عندها انهيار عصبي وواخدة مهدئات
توسعت عيني خالد زعرا ليقبض على يد ولده يتمتم مذعورا:
- أنت بتقول ايه، لينا عندها انهيار عصبي، اوعي أنا رايحلها.

قبض حسام على ذراعي والده يمنعه من النهوض من مكانه، نظر خالد لحسام محتدا غاضبا خرجت صوته غاضبا رغم نبرته الضعيفة:
- انتي بتمسكني يا حسام أنت اتجننت، سيب ايدي يا حيوان
حرك رأسه نفيا بعنف يجلس أمام والده يحجزه بجسده من أن يتحرك ابعد ذراعيه امام صدره يتمتم في صرامة:.

- بص يا حج مع كامل احترامي ليك ولعصبيتك اللي أنا حافظها بس أنت مش هتتحرك من هنا، دكتورة لينا زي الفل أنا لسه كنت عندها واطمنت عليها، وأنت محتاج ترتاح، فبالود كدة يا حج خليك مرتاح...
نظر خالد لحسام حانقا يتوعد له ما أن يتعافي في تلك اللحظات دق الباب ودخل حمزة ومعه زيدان إلي الغرفة، استند خالد على ذراع حسام ينتصف جالسا وجه انظاره لهما يغمغم تعبا:
- لينا كويسة طمنوني عليها.

حرك زيدان رأسه إيجابا ليبادر حمزة قائلا سريعا بتلهف:
- والله يا خالد بخير ارتاح أنت وهي لما تفوق وتعرف انك كويس هتجيلك، في ممرضة معاها في الأوضة مش سيباها
حرك رأسه إيجابا يحاول إقناع قلبه المحتضر خوفا عليها أنها بخير كما يقولون، التفت برأسه ناحية زيدان الذي يجلس على المقعد المجاور لفراشه يغمغم معاتبا:.

- استسلمت خلاص أنت تعرف أن كدة لينا عدتها سقطت، وتقدر تتجوز معاذ الزفت دا من بكرة لو حبت، أنا مش هفرض عليها حاجة تاني، كان المفروض تحارب أنت أكتر من كدة
ابتسم زيدان متألما يحرك رأسه نفيا مسح وجهه بكفي يده رفع وجهه ينظر لخاله نظرات ضعيفة يغشاها الدموع يغمغم متعبا ممزقا:
- أنا تعبت يا خالي، هفضل أحارب لحد أمتي، من صغري بحارب، هي رافضة تماما اي فرصة، حتى الخيط الوحيد اللي كان بينا اتقطع...

اطال خالد النظر لزيدان بلع لعابه الجاف يلتقط أنفاسه المتعبة يغمغم:
- الخيط اللي بينكوا ما اتقطعش يا زيدان، لأن الخيط اللي بينكوا ما كنش الطفل، الخيط اللي بينكوا قلبكوا اللي حبت، قلبها هي اتجرح بسببك، كان المفروض تداوي الجرح دا حتى لو خد أيام شهور ما تستلمش، ايه قلبك تعب بالسرعة دي دا أنت لسه شباب حتى...
حرك زيدان رأسه نفيا بعنف يتمتم متألما:.

- أنت بتقول كدة من وجهه نظرك أنت، من تجربتك مع ماما، بس ماما حبيتك قدرت تسامحك كانت بتطبطب عليك في عز وجعك تطمنك، بنتك لاء، بنتك ما حبتنيش، أنا كنت أناني عشان قررت طالما أنا حبيتها يبقي لازم هي كمان تحبني، اذيتها من غير قصدي، وخلاص يا خالي أنا هسيبها يمكن تلاقئ السعادة لما ابعد أنا...
أراد خالد أن يضرب وتره الحساس ليحفزه أن يتحرك ابتسم يهمس بالتواء:
- يعني هتبقي مبسوط لما تبقي مع راجل غيرك.

كلمة كانت كشرار نار الهب قلبه هب واقفا احمرت عينيه نفرت عروقه حرك رأسه نفيا يصيح بحرقة:
- لاء وأنت عارف أنه لاء، بس أنا قربي منها بيعذبها أكتر ما بيعذبني، أنا عندي أبعد واتعذب لوحدي ولا اني افضل جنبها وتتعذب بسببي...
نظر حسام وحمزة لزيدان مشفقين بينما ادمعت عيني خالد ينظر لزيدان مشفقا على حاله، مد يده يربت على الفراش جواره ليتقدم زيدان يجلس جواره مال خالد برأسه ناحية زيدان يهمس له بخفوت حزين:.

- تعرف اني حلمت بأبوك
توسعت عيني زيدان في دهشة يوجه رأسه ناحية خاله ينظر له متلهفا ليبتسم خالد مجهدا يحرك رأسه إيجابا يتمتم في راحة:
- مش عارف دا حلم ولا تخاريف بس حقيقي كان واحشني اوي، تعرف اداني طفلين وقالي انهم ولادك، وقالي كمان خلي بالك جاسم مش ناويلي على خير.

قطب زيدان جبينه متعجبا مدهوشا، حين اصطدمت سيارته في ذلك الحادث رأي هو الآخر أبيه ولكن في المرة السابقة أخذ طفله وغادر والآن خاله يخبره أنه رأي أبيه وتلك المرة أعطاه طفلين، طفلين هل حقا سيرزق بطفلين أم أنها فقط مشاهد شكلها عقل خاله إثر صدمة ما حدث، صدمة هو نفسه لن يتعافي منها قريبا، قاطع شروده صوت حمزة يغمغم متعجبا بنبرة غاضبة:.

- يعني ايه جاسم مش ناوليك على خير هو بيفكر يأذيك تاني ولا تالت دا أنا ادفنه حي قبل ما يمس شعرة منك
ابتسم خالد ينظر لأخيه ضحك بخفوت يغمغم:
- هدي اعضائك يا دون، جاسم كبيره يعكنن عليا طول ما هو هنا غير كدة ما يقدرش، جاسم كبر بردوا و...
قاطعه حمزة يغمغم في اصرار:
- ولو بردوا لازم ناخد احتياطتنا جاسم دا تعبان ما يضمنش، سيب الموضوع دا أنا هخلصه...

في منزل عثمان وسارين، تركته في الغرفة وتوجهت الي المطبخ تشعر حقا بالجوع لم تأكل شيئا منذ الأمس تقريبا، دخلت الي المطبخ الواسع تتوجه الي البراد فتحته لتتوسع عينيها في دهشة لما كل تلك الكميات الكبيرة من الطعام، أخرجت بعض الأشياء تضعها على الطاولة امسكت بضع حبات بيض وطبق به شرائح اللحم المجفف ( البسطرمة ) وقفت امام الموقد تطهو تلك الوجبة الخفيفة التي تحب، تشعر حقا بشهية مفتوحة تسع لأكل الكثير، يكفي سعادتها التي بدأت تشعر بها بالأمس، تحبه ولا تخجل من قولها يكفي ما قاله لها بالأمس، تنهدت تشرد عينيها تتمني حقا أن تبني معه أسرة قوية يتعلمان فيها من أخطاء عائلتهم، انتفضت حين سمعت صوت صوته يقول من خلفها:.

- البسطرمة هتتحرق..
توسعت عينيها فزعا تنظر لقطع اللحم لتسرع بازاحتها من فوق الموقد، وضعت يدها على قلبها تحاول التقاط أنفاسها التفتت له تهتف معاتبة:
- حرام عليك يا عثمان خضتني
ضحك بخفة يغمزها بطرف يغمغم ضاحكا:
- اللي واخد عقلك كنتي بتفكري فيا صح
ارتسمت إبتسامة ناعمة على شفتيها لتنحي قليلا تطوق عنقه بذراعيه تتمتم متدللة:
- إنت واخد قلبي مش عقلي بس يا صياد.

تاهت عينيه في تفاصيل وجهها الناعمة تتقافز دقاته بعنف ما قالت ازدرد لعابه الذي تصحر فجاءة يغمغم بولة:
- الوعد اللي وعدتهولك مقوي قلبك، لاء خدي بالك أنا لحم ودم وكرسي بعجل، الكرسي ابو عجل لو جاب آخره أنا مش مسؤول...
تعالت ضحكاتها لتبتعد عنه التفتت للمقود تكمل ما كانت تعمل بينما هو يجلس خلفها يشاهد ما تفعل مبتسما، ابتسامة واسعة تشق شفتيه يراها تتحرك من هنا لهناك، بخفة.

تضع الطعام على الطاولة، رضت الكثير من أصناف الطعام على طاولة المطبخ، وقفت امامه تغمغم مبتسمة:
- يلا عشان نفطر
توسعت هو الآخر ابتسامته مد يده يجذبها برفق لتسقط على ساقيه توسعت عينيها في دهشة، شهقة فزعة خرجت من بين شفتيها، ليلاعب هو حاجبيه مشاكسا يغمغم في خبث:
- ايه يا سيرو بوصلك يا قلبي.

غزا وجهها حمرة قانية ليتحرك هو بمقعده متجها صوب طاولة الطعام، انتفضت سريعا تجلس على مقعدها، تحاول إخفاء وجهها داخل طبقها تكاد تنصهر من الخجل، بينما يبتسم هو في اتساع يشعر بالسعادة رغم كل ما حدث، بات يشعر الآن بالسعادة، سعادة اخذها من الرضي، من أنه يستحق ما حدث، بأن تلك هي فرصته الجديدة ليحي حياة نظيفة، ما يقلقه حقا جلست العلاج الطبيعي كم هي شاقة عليه، في بعض الأحيان يبكي بعد أن تنتهي جلسته، هو لا يريد أن تراه بمثل ذلك الضعف المخزي، اخرجه من شروده صوتها وهي تحمحم تهمس مرتبكة:.

- صحيح، جلسات علاجك هتبدأ أمتي
تنهد مقهورا يغمغم بخفوت متوتر:
- بعد اسبوع هترجع تاني
شعرت هي بتخبطه، لبني والدته اخبرتها كم يعاني، مدت يدها تمسك بكف يده ليرفع وجهه لها رأي ابتسامة جميلة تزين شفتيها يسمعها تغمغم في حنان:
- أنا معاك و جنبك، لحد النهاية
ابتسم لها سعيدا كأنه طفل صغير وجد يد تحنو عليه، في تلك اللحظات دق جرس الباب عدة مرات سريعة متتالية تلاه صوت عمر الذي يصيح حانقا:.

- يا عثماااااااان، إنت يالا افتح الباب بوليس، قصدي حماك
تعالت ضحكاتهم لتتحرك سارين سريعا وهو خلفها توجهت تفتح الباب ليندفع عمر يعانق ابنته متلهفا عليها طوقها بذراعيه يضمها يغمغم
:
- حبيبة بابا من جوا، مضلمة الدنيا يا سيرو، شكلك خاسس، ليه كدة، الواد دا ما بيأكلكيش...
ضحكت سارين بخفة عاليه لتشب قليلا تقبل وجنته ابيها تغمغم ضاحكة:
- يا بابا لحقت اخس في اقل من 24 ساعة.

ضيق عمر عينيه ينظر لعثمان في شك يتمتم بثقة كأنه محقق ماهر:
- أنا اتوقع اي حاجة من الواد دا، أنا شاكك اصلا انه بيمشي وبيشتغلنا...
ضحكت تالا يآسه من أفعال زوجها التي لا تتغير، أمسكت بيد ابنتها تجذبها للداخل بينما جلس عمر مع عثمان وسارة في غرفة الصالون، ضحك عثمان رغما عنه مع نظرات عمر المتشككة نحوه ليردف من بين ضحكاته:
- في ايه يا عمي بتبصلي كدا ليه
رفع عمر حاجبه الأيسر مغتاظا زفر أنفاسه يتمتم حانقا:.

- مش عارف عندي رغبة ملحة، اني عايز اقوم الطشك بالقلم بنتي اللي عمرها ما اتأخرت ساعة برة البيت، بايتة معاك في نفس الشقة وعادي يا بابا دا عثمان جوزها، لاء هموت واقوم اضربك
ضحك عثمان عاليا يتخيل نفسه مكان عمر وحقا اراد فعلا أن يضرب نفسه الآن.

في الحارة كان الوقت قبل غروب الشمس بقليل في منزل جدة أدهم يجلس على فراشه يمد ساقيه يضع جهاز الكمبيوتر المحمول أمامه.

يعمل عليه بخفة، رفع وجهه بعد لحظات عن شاشة حاسبه ينظر للفراغ ترتسم ابتسامة صغيرة على شفتيه، منذ أيام وهو يباشر عمله عن طريق حاسبه إلي جانب عمله الآخر يقوم بتصميم البرامج والألعاب وبيعها، وما فعله حقا ويندم عليه تقريبا، هو الوحيد الذي كان يعرف رمز الأمان الخاص بتشفير الكاميرات في فيلا خالد السويسي، كان في أشد حالته شوقا لأن يراها، تغلب عليه شيطان عشقه وباتت كاميرات المنزل جميعا تحت سيطرته هو الآخر، الكاميرات في كل مكان عدا غرف النوم، بات يبحث عنها في أرجاء المكان يحاول أن يملح طيفها وهي تتحرك، أسعد لحظاته حين تخرج من غرفتها وتجلس في الحديقة او في غرفة الصالون، يظل يراقبها بشغف لن ينتهي ابداا...

تحرك بأصابعه بخفة يفتح برنامج المحادثات بينهما، ليظهر له حوارهما الأخير يوم زواج بدور وحمزة، اخذ نفسا عميقا يتشجع يرسل لها:
- مايا
تحركت عينيه سريعا ناحية شاشة المراقبة ليراها تخرج من غرفتها تمشي في الممرات، متوجهة إلي غرفة المعيشة جلست تفتح هاتفها ليصلها رسالته ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها رآها هو جيدا، ليدق قلبه لها لحظات واتاه الرد منها:
- نعم
حرك أصابعه على لوح المفاتيح سريعا يرسل لها:.

- أنتي كويسة أنا بس كنت حابب اطمن عليكي وعلى والدك
راقب رد فعلها من خلال شاشة المراقبة التي يقرب وجهها منه ليشبع شوقه منها ليري دمعات بسيطة تنزل من عينيها كور قبضته يشد عليها كم تمني في تلك اللحظات أن يكن هناك جوارها، رآها تحرك أصابعها على لوح المفاتيح انتظر بتلهف ما سترسل ليجدها ترسل له:
- آه كويسة كلنا كويسين شكرا لسؤالك.

تلك المرة قلبه من كتب تلك الجملة التي لم يحسبها عقله ولو لثانية قبل أن يرسلها:
- اومال بتعيطي ليه.

راقب عينيها التي توسعت في دهشة ما أن قرأت رسالته لترفع رأسها عن شاشة هاتفها تبحث حولها سريعا كيف يراها، تلف رأسها هنا وهناك وقعت عينيها على كاميرا المراقبة الصغيرة المثبتة على أحدي الأسطح، لتثبت عينيها عليها، تنظر له مباشرة وهو لا يحيد بعينيه عنها، لحظات طويلة وكأنهما التقيا كل منهما ينظر للآخر دون أن يراه حقا، تسارعت أنفاسه حين وقعت عينيه على مقلتيها، التي تنظر لسطح الكاميرا، رأي من شاشة المراقبة تلك السيدة يتذكر أن اسمها بدور تقرييا تقترب من مايا تضع يدها على كتفها تسارعت قلقة:.

- مالك يا مايا انتي كويسة يا حبيبتي
نظرت مايا لها عدة لحظات قبل أن تشيح بوجهها تغمغم بنبرة باهتة:
- ايوة كويسة، عاوزة حاجة
ابتلعت بدور لعابها مرتبكة من معاملة مايا الجافة لها تنهدت حزينة تهمس لها بخفوت متوترة:
- انتي زعلانة مني، عشان أنا وباباكي اتجوزنا
توسعت عيني أدهم في دهشة تلك السيدة هي عروس ابيه، بينما ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي مايا تتمتم متهكمة:
- لا ابداا مبروك، وانا هزعل ليه يعني، دا حقكوا.

ابتسمت بدور حزينة لتمد يدها تمسح على شعر مايا برفق تردف مبتسمة بحنو:
- تعرفي أن شعرك حلو أوي، ماشاء الله لتقولي بحسد
لم تبتسم مايا حتى ظلت توجه انظارها لهاتفه وجهت لها نظرة خاطفة تتمتم بإستياء:
- thanks
جلست بدور صامتة بضع لحظات تنظر لأسفل تحرك ساقها اليسري بحركة سريعة تعبر عن توترها، رفعت وجهها فجاءة حين باغتها سؤال مايا:
- هو انتي ليه وافقتي تتجوزي بابا مع أنه أكبر منك بكتير، انتي لسه صغيرة.

انتظر أدهم بفضول أن يعرف اجابة السؤال ولكن قبل أن تنطق بدور بحرف واحد اسودت الشاشة امامه وبعث له حاسبه رسالة ان الكاميرا جميعها مغلقة، قطب جبينه متعجبا ما يحدث، حاول أن يعيد فتح الكاميرات بالاكواد التي معه، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل، في تلك اللحظات وصل رسالة لهاتفه من رقم حمزة جملة واحدة
« لو حاولت تفتح الكاميرات تاني حسابك هيبقي معايا اسوء مما تتخيل ».

تنهد أدهم متضايقا، حمزة سيكرهه أكثر الآن، بالطبع مايا من أخبرته، كيف يخبره أنه فقط كان يشتاق إليها، تنهد يزفر أنفاسه الحانقة، حمزة لن يثق به ابدا بعد ما فعل، هل سيصدق أن نيته لم تكن دنيئة ابداا، صدق من قال أن للطريق للشر محفوف بالنوايا الطيبة.

بينما على قرب منه في الشارع أمام الدكان يجلس مراد كعادته لا شئ يفعله، سوي الجلوس هناك يراقب الشارع، المارة عامة والسيدات خاصة، ينتظر بفارغ الصبر رسالة شاهيناز التي ستخبره فيها أنها نفذت ما طلب، ليبدء هو بتنفيذ جزئه الخاص، توسعت ابتسامته حين تذكر الرسالة التي بعثتها له بالأمس تخبره بأن العمل أتي ثماره الفاسدة وإن جاسر الآن بات رهن إشارة منها.

اجفل من شروده على حركة جواره ليجد جدته تخرج من المحل تحمل في يديها حقيبتان من البلاستك الاسود منتفخان حتى آخرهما وقف مراد أمامها ينظر للحقائب في يدها يغمغم ساخرا:
- ايه يا منيرة انتي قررتي خلاص تبيعي الدكان الخردة بتاعك دا وبتصفي البضاعة
تنهدت منيرة متحسرة على حال حفيدها، امتضعت ملامحها تنظر له حانقة تتمتم بإستياء:.

- لاء يا مراد ريح نفسك مش هبيعه، أنا رايحة للغلبانة روحية، بقالها مدة طويلة ما خرجتش من بيتها وهتلاقي ما عندهاش لقمة، منهم لله أهل الحارة لو البت دي جري ليها حاجة ذنبها في رقبتهم
لمعت مقلتيه ببريق أسود مخيف، لما لا يلعب قليلا يمضي وقته الي أن تتم شاهيناز المطلوب، مع لعبة صغيرة مثلها لن تجرؤ على النطق بحرف، توجه ناحية جدته سريعا يحمل عنها الحقائب يغمغم سريعا:.

- عنك يا منيرة الشنط تقيلة عليكي وانتي عضمة كبيرة ضهرك يتقطم
نظرت منيرة له غاضبة كورت قبضتها تصدمه على كتفه بعنف تتمتم حانقة:
- هو أنت لو قعدت محترم ساعة هتموت، اتعلم من أدهم أخوك، وبعدين ايه يا منيرة يا منيرة دي، أنا بعديهالك بمزاجي ما تقولي يا ستي ولا يا جدتي حتى زي ما أدهم بيقول
قلب مراد عينيه ساخرا ارتفع جانب فمه بابتسامة لئيمة يتمتم مستهجنا:.

- خلاص يا ستي ارتاحتي كدة يا ستي مبسوطة كدة يا ستي، يلا يا منيرة، الشنط تقيلة في ايدي انتي حاطة فيها ايه
تنهدت منيرة يآسه ألن ينصلح حاله ابدا، سارت جواره متجهين الي المنزل في نهاية الشارع الطويل، التفت منيرة برأسها ناحية مراد تحادثه برفق عله يستمع منها ولو مرة واحدة:.

- مراد يا ابني، أغني اغنياء الدنيا كلها لما يموت مش هيتدفن معاه جنية واحد من فلوسه، صدقيني يا إبني ميزان الدنيا عادل ما خدش بياخد اقل من حقه، اللي تشوفه معاه مال وجاه وتنبهر بيه، بيبقي ناقص منه صحة راحة بال عُمر، ما حدش بياخد كل حاجة في الدنيا، صدقني يا ابني ارضي باللي في ايدك ربنا يزيدك، ما تخليش الشيطان يحركك كأنك لعبة تنفذ شره، عشان نفسك الأمارة بالسوء، لو عملت حاجة او حاجات وحشة توب يا ابني واستغفر ربك، مراد أنا بشوفك في أحلامي بأشكال وحشة أوي والعياذ بالله...

تمنت حقا لو يلمس كلامها ولو وتر واحد في قلبه فيحسه على التوبة، ولكن قلب مراد الأسود كان كحائط سد يصد ما يحاول التسلل إليه انتظر الي أن انهي جدته كلامها كاملا ليلتفت لها برأسه ابتسم يتمتم مستهجنا:
- ايوة يعني اعمل ايه أنا دلوقتي، اعيط واخدك بالحضن، خليكي في حالك يا منيرة انتي مش هتيجي تتحاسبي مكاني...

غامت عيني منيرة حزنا على حاله لتتقدمه الي أحدي البيوت القديمة العتيقة صعد خلفها على سلم البيت القديم المهتري، الطابق الثالث الشقة المقابلة للسلم حفظ في ذهنه تلك المعلومات جيدا لأنه سيحتاج إليها قريبا، قريبا جدااا، دقت منيرة باب الشقة ليسمع صوت ضعيف مرتعش يهمس من خلف الباب:
- مممين، مممين
هتفت منيرة سريعا تتلهف على حال المسكينة:
- أنا ستك منيرة يا روحية افتحي يا بنتي.

سمع صوت طرقات المفتاح واحدة تليها أخري وأخري وأخري، لينتفح جزء صغير من الباب تقدمت جدته لتدخل وهو خلفها، رآها ما أن دخل كان ترتدي جلباب بيتي قديم تخفي شعرها بحجاب كبير جسدها هزيل للغاية عينيها غائرة، وجهها شاحب، يبدو أنها لم تأكل منذ أيام، شهقت منيرة مذعورة على حال الفتاة تغمغم قلقة:
- ايه يا بنتي اللي انتي فيه دا هتموتي يا روحية، مراد هات علبة عصير من عندك بسرعة.

وضع الحقائب من يده ينتشل علبة عصير من احدي الحقائب يعطيها لجدته التي اسرعت في إسناد الفتاة لأقرب اريكة ترغمها على شرب العصير بينما ظل هو يقف جوار الباب، حانت منه التفاتة خاطفة ناحية الباب لتتوسع ابتسامته الخبيثة باب قديم ليس به مزلاج فقط مفتاح يتدلي في قفله، مد يده سريعا ينتشل المفتاح يدسه في جيب سرواله، ليعاود حمل الحقائب توجه للداخل يجلس على الأريكة المقابلة لهم تتفرسها عينيه في صمت مخيف، تلك الفتاة رغم كل ما سمعه عنها بها شئ نقي استطاع رؤيته جيدا، شئ لن يدم طويلا فهو الآن يملك المفتاح!، ربما فقط عليه تركها بضع أيام الي أن تتحسن صحتها وتأكل ما جلب هو بيديه، قبل أن يزورها قريبا!

وقفت تراقب أشعة الشمس وهي تغرب فوق سطح منزلهم الكبير تضع حبوب الغلال لطيور الحمام التي تعود لمسكنها، تحتمي به من وحشة الليل، تخاف من وحشه كما تفعل هي، لا تعرف كيف يحب الناس الليل هو موحش مخيف مظلم، اغمضت عينيها تشعر بالهواء لا تتنفسه، كأنها تعلو تحلق كطير الحمام، بلا قيد العادات، حواجز التقليد، الي خارج القطيع ترغب في الفرار ولكن كيف وهي لا تزال تلك الطفلة صاحبة الخامسة عشر، كيف ستخبر أخيها انها أحبت وحين أحبت، أحبت صديقه، بالطبع سيغضب، مراد كم اشتاقت له، اخرجها فجاءة من شرودها الغير مكتمل، صوت بغيض تكرهه يتمتم ساخرا:.

- الإنسان طائر لا يطير زيه زي النعامة يعني لو فردتي دراعتك هتنزلي على دماغك
كلامه كان يحمل الكثير من المعاني الباطنة التي لم تستشفها بعد، التفتت برأسها له، تنظر لذلك الوسيم البغيض، ابن عمها تكرهه أكثر مما يظن أنها تفعل، كتفت ذراعيها أمام صدرها تتمتم ساخرة:
- والله أنا حرة أنت مالك ومالي شاغل بالك بيا، اطير اقع، أنا حرة...

أعطاها ابتسامة كبيرة باردة امسك احدي طيور الحمام يرفعها بين يديه امام وجهها يتمتم ساخرا:
- يعني احنا مثلا لو رمينا الحمامة دي لفوق كدة هطير
دفع الحمامة برفق ناحية السماء لتفرد جناحيها تحلق في الفضاء، عاد ينظر إليها يبتسم في خبث يتمتم ساخرا:
- تخيلي بقى لو رمانكي انتي كدة
اقتربت يمسك ذراعيها لتتوسع عينيها في صدمة دفعته بعيدا غاضبة تتمتم محتدة:
- أنت قليل الأدب.

رفعت يدها تود صفعه ليمسك يدها سريعا قبل أن تصل لوجهه قبض على كف يدها يرفض تركه وهي تحاول سحبه بعنف بعيدا عنه لترتسم ابتسامة لئيمة على شفتيه يتمتم في ساخرا:
- خديها مني نصيحة اياكي ترفعي ايدك على محامي وخصوصا لو خبير، بدل ما تقضي باقي عمرك في المحاكم...
ترك كفها يعطيها ابتسامة واسعة ليتركها ويغادر بينما وقفت هي تنظر في أثره حانقة تكاد تتميز من الغيظ.

عودة لمستشفي الحياة، في احدي غرف الممرضات، التفت إحداهن لزميلتها تتمتم قلقة:
- بس يا ستي أنا سمعت في الأوضة وأنا عارفة انها فاضية، فتحت الباب اشوف في ايه، لقيت دكتور حسام حاضن بنت الدكتورة لينا على السرير وكان بيبوسها ولولا اني دخلت يا عالم كانوا هيعملوا ايه تاني
توسعت عيني الممرضة الأخري في دهشة مصت شفتيها تتمتم حانقة:.

- شوفي يا اختي البت البجحة دي لسه مسقطة، تقوم تخون جوزها بعدها كدة على طول، بقى دي بنت الدكتورة لينا، طب وحصل ايه
تنهد الممرضة قلقة تتمتم متلعثمة:
- دكتور حسام زعقلي وطردني من الأوضة وقالي حسابك مع شؤون العاملين، أنا خايفة اني اتطرد ولا يتخصملي
اقتربت الممرضة الاخري من زميلتها تهمس جوار اذنيها بصوت خفيض:.

- أنا لو منك اروح اقول للدكتورة لينا، اهو منها تعرف عمايل المحروسة بنتها، ودكتور حسام مش هيبقي ليه عين، دي اكيد هتطرده، او هيتحبس دا جوزها رتبة كبيرة اوي في الداخلية
ابتلعت الممرضة ريهام لعابها قلقة هل تستمع لكلام صديقتها وتذهب لأخبار لينا، ام تصمت وتنتظر جزائها، ولما هي من تنتظر الجزاء ليست هي من أخطأت على كل حال، حركت رأسها إيجابا وقفت تنظر لصديقتها تتمتم سريعا:.

- عندك حق، أنا هروح اقول للدكتورة لينا واهو بردوا ابقئ خليت ذمتي قدام ربنا...
قالت ما قالت، لتغادر غرفة الممرضات تبحث عن لينا...
بينما في غرفة لينا السويسي، كانت بين الوعي واللاوعي تحرك رأسها للجانبين تشعر برأسها يلتف بعنف رأت ظل طويل يقف أمامها عينيها مشوشة لا تري ملامحه جل ما رأته أنه يمسك في يده حبل كبير!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 22 من 81 < 1 58 59 60 61 62 63 64 81 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1980 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1463 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1471 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1291 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2467 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أسير ، عينيها ،











الساعة الآن 01:16 AM