رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الحادي عشر
- ريان خرج اسمه اكثر تطلبًا وكأنه استغاثة من بين ثغرها المنفرج قليلًا فلم يشعر بذاته الا وهو يميل ليلثمها بفمه الكبير يلبي نداء يحرق فيه بشغفه الخوف والانكسار ... ويبثها بالأمان وال...عشق... قبله ايقظت داخله بركان من المشاعر المغلقة فصار كالغريق يبحث عن طوق النجاة داخل جوفها يبتلع آهات اجتازت خلاياه لتستقر في جوف صدره، فكلاهما سيسقط من على حافة الهاوية بدون الآخر...
ضغط أكثر فوق جسدها يود لو تنصهر بين أحضانه في خضم عنفوانه وزادت نيرانه حين شعر بأصابعها تغوص في خصلاته القصيرة تتثبت به في قوة وشفاها تقابلاه بذات النيران والشعف. هربت جميع أفكاره وترك العنان لكفيه بالتنقل الحر الجارف فوق غصنها الواعر بحسن مفاتنها القاتلة. ازدادت شراسة استجابتها كنمرة فكت أسرها للتو فانطلقت راكضه كالمجنونة تبحث وتكتشف المكان، زمجر في رضا حين تقابلت أظافرها الناعمة بمنتصف ظهره تدعوه للمزيد والمزيد.
كان في جنة يشعر بين ذراعيها فيها بالخُلود وتمنى لو تدوم لحظتهما إلى الأبد ولكن لكل بداية نهاية. شعر بصدمتها تجتاح جسدها الصغير المتحجر المحصور بين ذراعيه بفعل هجومه السافر قبل أن تَحرمه من طعم ثغرها الذي جذبته عنوه من بين شفتاه المعترضة. علت انفاسهما كلًا لأسبابه مع تشابه بعضها فمال ريان يسند جبينه فوق كتفها وأسفل عنقها يلهث بقوة لجمح مشاعره وأصابعه تلتف حول معصميها في استعداد للعاصفة المقبلة.
أما "ريم" فكانت أنفاسها العالية تختلط مع الاعاصير داخل رأسها في محاولة لاستيعاب ماذا يحدث هنا وكيف انتهى بها الأمر بهذه الحالة المستسلمة بين أحضانه، فأخر ما تتذكره هو مرض عُمر وخلودهم للنوم. - إبعد عني. مرر صوتها المعركة الدائرة داخل صدرها فتنهد ريان وهو يحكم قبضته حول ذراعيها يمنع مقاومتها التي بدأت في الثوران أسفله فزمجرت صائحه: - إبعد عني يا بني آدم ... إنت ازاي تعمل فيا كده.
ارتفع جانب وجهه في غلاظة متعمدة قائلًا بنبرة متعجبة: - هكون عملت ايه يعني، هي أول مرة اعملها ما انا ياما عملت كده! غمرتها حمرة الخجل والحقد وهي تنازع أسفله للانفلات منه قائلة في نبرة قاتلة: - أنا الحق عليا إني وثقت فيك ما انا غبية، بعد اللي عملته فيا حتى البديهيات معاك لازم كنت آخد حذري فيها معاك. - ممكن نبطل هري في الفاضي ونتكلم في الجد.
- هري في الفاضي، انت بتتحرش بيا وتقولي هري على الفاضي، هي كلمة "مش طيقاك" مش فاهمها عشان عقلك يصورلك ان ليك حق تلمسني من تاني. تأوه عندما ركلت ساقه فقابلت جانب جسده في قوة لكنه جزّ على أسنانه مدعي الهدوء في اجابته الحادة الناهية: - والله لو اتكلمنا في الحق فأنا أكتر واحد أحق في لمسك لأني ببساطة جوزك بس إنتِ اللي مرهقة شوية وبتنسي. - حق مين يا أبو حق...
صرخت به ريم في لهجة مستهجنه فأسرع ريان بوضع كفه فوق رأسها بينما تحاول الابتعاد عنه دون جدوى فضحك بغلاظة قائلًا: - إنتِ هتردحيلي والله عال، الناس بتكبر تعقل وتسمع الكلام وإنتِ بتخيبي. حدقته ريم بنظرات ساحقة كالرياح العاتية وكل ما تتمناه هو اطاحته ومرغ كبريائه أرضًا فعض شفتيه يكبح ابتسامة فلو تعلم كم يثيره عنادها ومقاومتها له لِما فعلت من الأساس لكنه أحبط افكاره وحاول التثبت بذلك النقاش الذي كان يحضره منذ فترة كي يعتذر لها ويحصل على رضاها.
- ريم أنا عارف إني غلطت غلط كبير وعارف ان مينفعش تسامحيني بسهولة. اجابته بارتفاع حاجبها الساخر وكأنها تخبره بتهكم: - لا يا شيخ. اغلق فمه في خيط ضيق قبل ان يسعل بخفه متجاهلًا إياها ليتمتم بتوتر: - انا مغلطش في اني شكّيت فيكي وكدبتك وبس، وعشان تعرفي اني بجد باقي عليكي...
باقي عليكي ده ايه لا معلش لامؤاخذه في اللفظ يعني انا مش هسيبك تبعدي عني طول ما فيا نفس طالع وخارج. خرج صوتها المعترض مكتوم أسفل قبضته وللحظة وتره احمرار وجهها ظننا انه يقطع تنفسها ولكن استمرار غمغمتها وحركتها اسفله تخبره بانها حمرة الغضب فاستكمل سريعًا: - عارف عارف مش طيقاني.
وحقك أنا ساعات كتير مش بطيق نفسي، بس انا قعدت كده مع نفسي وقولت ياض يا ريان إنت مش عايز تسيب ريم ليه دي ولية نكد حتى. انفلت ساعدها الأيمن وقتها لتقابله بصفعه لجانب رأسه قابلها هو بابتسامه مغيظة ومال يقبل جبينها متجاهلًا غمغمتها المستنكرة وهو يعيد ذراعها بجانب الآخر ويحكم قبضته على كلاهما في كف واحد من جديد ثم قال متعمدًا الإمساك بنظراتها المشتعلة: - بس رجعت وقولت اسيبها ازاي وعنيها الحلوة دي هي أول حاجة بفتكرها أول ما افتح عيني.
سرق انتباهها اخيرًا وخفت مقاومتها وهي تنظر إليه عيناها تشع بحاجتها للمزيد وهو لم يبخل فاستطرد: - اسيبها ازاي والضحكة مش بتطلع من قلبي غير لما تبقى مرسومه من شفايفها الحلوة المبطرخة دي. ابتسم في خفة وابعد كفه عن وجهها يبعد خصلاتها عن عيناها بينما هي لا تتحرك او تتكلم فقط تطالع عيناه التي لا تتركها وتبثها بشعاع أمل وعشق مهول لا ينتهي هزها ودمر معظم حصونها، ثم مال يلامس أنفه بأنفها معترفًا أخيرًا بما هز جدران قلبها: - اسيبها ازاي وأنا قلبي معرفش معنى الوطن غير لما سكن في عيونها.
رمشت ريم وارتعشت شفتيها بمشاعر مضطربة بين لهفة وانغلاق حاد لكنه باغتها بقبله رفرفت كجناحي فراشه بخفه فوق ثغرها ليعلن بكل ذرة رجولية وحب يكتنفه: - بَحبِك.. أعاد قبلته الخاطفة من جديد يرغب في مباغتة عقلها هامسًا بحرارة: - بَحبِك ومقدرش أعيش من غيرك. رفرف بشفتيه من جديد يحاول سرقتها بالكامل لكنها انتفضت وتلك المرة هربت تمامًا ورمت ثقلها لتخرج ساقطة من الفراش بينما يحاول هو انقاذها لكنها رفعت اصبعها في وجهه المطل عليها من الفراش، وهتفت متحملة على آلامها في رفض: - اه فهمت. -فهمتي!
اعادها ريان في تعجب فقالت وهي تستقيم وتواجهه في شراسة: - أيوة فهمتك، إنت فاكر انك هتقدر تضحك عليا واني لسه عيله عبيطه. - فاكر! اجابها متهكمًا مغتاظًا من رفضها فقالت من بين اسنانها: - بالظبط، لكن لا مش هتقدر تضحك عليا لأني متأكدة ان اللي زيك مش بيعرف يحب!
انتفض هو الآخر ليقف في مواجهتها مردفًا في غيرة حارقة: - اومال مين اللي يعرف يحب، • الواد المتني اللي فضلتي تضحكي عليا طول فترة جوازنا ومفهماني انه اخوكي وسحبتي مني حق اني أكون السند الحقيقي في حياتك.. خرجت منها ضحكه مستنكرة وهي تلفظ كلماتها متعمدة اشعاله: -لا وإنت كنت ونعمة السند ليا، كنت حتة عيله لا راحت ولا جت وإنت محور حياتها بس ازاي كان لازم تقتل كل حاجه حلوة جوايا بعمايلك.
صمت لكنه تركها تفرغ شحنة الكُره من داخلها فاكثر ما يعرفه عنها انها تنسى الإساءة بالعتاب وإن كان هذا ما يستدعيه الموقف لتسامحه فليكن فهو يستحق ذلك وأكثر، ولكن صمته أغضبها أكثر فهتفت في غل: - وفي الاخر بتسأل كنت متمسكه بأحمد ليه! عشان محدش غيره وقف جنبي لما خالتي اللي فضلالي من الدنيا سافرت وهجت بالفلوس اللي حيلتنا واترميت أنا تحت رحمته وهو رحمني. - خير وعمله وانتهى ويشكر عليه ده حقك لكن انتي وصلتيه انه يبقى أهم من عيلتك اللي هي أنا وعُمر، انتي اختارتي هوسك بوجوده، واني مش هشيلك رغم اني كان ممكن احط حياتي تحت رجليكي لو طلبتي.
علا صوته ليهز الجدران بقوة انفعالاته وقساوة ما اخفاه داخل صدره طويلًا مستكملًا باتهام: - كنتي بتخليني أنام احلم انك سبتيني عشانه وانه خطفك مني ووصلتيني ان اقل حاجة تحصل أشُك فيكي وأصدق. ترقرقت الدموع في مقلتيها لكنها منعت هبوطها في عناد وصرحت في هدوء: - إنت صح إنت غلطت وأنا غلطت والعلاقة دي انتهت من زمان ومينفعش تتعلق بيها. - وإنتِ صح، العلاقة دي انتهت ومينفعش اتعلق بيها..
ظهر الجرح جليًا على وجهها معلنًا عن التناقضات والصراعات المشتعلة داخلها لكنه اقترب منها خطوتين مستكملًا في هدوء وصدق: - عشان كده هنبني علاقة جديدة، علاقة صح ونضيفة أنا وإنتِ وغصب عنك يا ريم لأن خيار اني اسيبك ده مش هيحصل. تلعثمت في رفض تحاول كبح رفرفة قلبها وهمست في اضطراب لا تعلم ما يخرج من فمها: - مينفعش انا وأحمد...
اقترب منها يقتحم مساحتها معلنًا في لهجة حادة قاتلة تبرز ما يعتريه من حنون غاضب: - ما اسمعش اسمه على لسانك تاني وإلا ورحمة ابويا وأمي أروح اغتصبهولك عشان ترتاحي وميبقاش نافع لا لجواز اكتر ما هو مش نافع. زمت شفتيها وحركت رأسها في استهجان هامسة في اشمئزاز: - إنسان متوحش مستفز مش قادر تطلع روح التحرش من تفكيرك.
حرك يده في الهواء بلا مبالاة واضحة وهو يتحرك يبحث عن سجائره فيقول بانزعاج بينما يشغل إحداها: - بطلي بقى جو الرهبنة ده مش لايق عليكي ما إنتِ كنتي متمرغة في حضني من خمس دقايق. نفخ الدخان بالقرب من وجهها مستمتعًا بالخجل والغضب المتنافس فوق بشرتها السمراء اللامعة وارتفع جانب وجهه في انتصار عندما لم تجد اجابه تتناسب مع حقارته كي تقذفه بها فاكتفت بدب قدميها في طفولية متمتمه ببضع كلمات لم يفهم نصفها وخرجت من أمامه هاربة.
حرك كتفيه مفكرًا لا يهم المهم أن الخطوة الكبرى قد انتهت وانه يشعر وكأن جبال العالم انزاحت عن صدره باعترافه لها، متعجبًا كيف ينسى المرء أن يبوح بمشاعره، فيصبح كإنسان آلي يحارب من أجل العيش والمكانة الاجتماعية متناسيًا أن الأسرة والاحبة دومًا أهم.
استيقظت وسام في الصباح الباكر داخل غرفتها لكنها قابلت اليوم بمشاعر مستفزة كئيبة غير راضية ووجدت نفسها تتصيد المشاحنات في جنون. - أنا نازل عايزه حاجة وأنا جي؟ قاطع بيجاد تحديقها الصامت في الحائط فنظرت له بلا تعابير هامسة في خفوت: - لا.
تنهد متذكرًا كيف اوقفته عن اتمام طقوس عشقهما أخر مرة حاكمة عليه بأن يبقى مستلقيًا بجوارها فوق الأريكة متحملًا عقابها بالقرب البعيد بين احضانه، رمقها نظرة أخيره وطلب في رجاء: - طيب على الأقل اتصلي بعلاء صبي السوبر ماركت خليه يطلعلك اللي تحتاجيه وبلاش تنزلي وإنتِ حامل. ضاقت عيناها وسألت في تهكم قاسٍ: - والرفق بالإنسان اللي مش عبد عند حد ولا نسيته عشان علاء لسه عيل عنده خمستاشر سنة؟
ابتلع بيجاد غضبه في جوفه الجاف بصعوبة وقبض على اصابعه القوية قبل ان يجيبها في جدية متعمدًا كبح ملامحه الغاضبة: - عنده خمستاشر سنة بس نصيبه انه لازم يشتغل وده خلاه راجل يعني انا مش بستغله، وأنا بقولك اطلبي ومتقلقيش أنا براضيه كويس وبلاعبه عندي في الجيم ببلاش فهو كده هيحس انه بيساعد والجمايل مردوده.
أنهى جملته واتجه للخارج مغلقًا الباب خلفه دون ان ينتظر اجابتها، زفر في حده ينفس عما يعتمر صدره وهبط في حزن فكل يوم يثبت له ان حياتها البائسة لن تنتهي. فقد نجح والدها في ترسيخ صورة فاسده داخل عقلها ولن ينجح ابدًا في محوها، كان يمشي تائهًا غير قادر على الانتباه لمن يلقي عليه السلام أو يناديه من اصدقائه، وصل اخيرًا للصالة الرياضية الموجودة بالقرب من منزله ونظر لنفسه في المرأة ولأول مرة يشعر بالهموم والعجز تنعكس من ملامحه.
تلألأت عيون وسام بعبراتها ما إن خرج وانفجرت باكية دون مبرر وظلت الساعة اللاحقة تبكي وتبكي دون توقف فهي مرهقة متعبة ترغب في استعادة حياتها والعيش بطبيعية وترغب في النوم في سلام دون قلق أو هم يقتلها بشأن حياة بيجاد أو بشأن حياة مولودها. استقامت في تعب لتشعر بدوار وقتي، أمسكت رأسها واستغفرت الله تواليه عندما تذكرت انها لم تأكل منذ الصباح ثم اتجهت للمطبخ لتناول شيء ما فهي لا ترغب في إصابة الصغير داخلها بسوء.
زفرت في غضب وكادت تبكي من جديد عندما اكتشفت انتهاء المربى التي تفضلها لكنها تمالكت ذاتها واتجهت لغرفتها ترتدي عبايتها لشراء المزيد، دار تحذير بيجاد لها في عقلها بأن لا تنزل لكنها تجاهلته بعناد. دلفت تدور في المتجر الموجود في البناية الملاصقة لمنزلها واختارت بعض الأطعمة التي جذبتها وشعرت باشتهاء لتناولها ما إن رأتها ثم ارتسمت ابتسامه خفيفة على محياها حين تقدم علاء منها يصر على حمل الأكياس لها حتى المنزل.
خرجت وسام خلفه وانشغلت عيناها بالماء المندفق من ماكينة داخل المغسلة المقابلة للمتجر والتي يفصلها عنه بضع مترات قليلة في الشارع الضيق، لكنها شهقت في ذعر وتشنجت معدتها حين شعرت بجلد خصرها يلتوي بين أصابع ما. قفزت للجانب البعيد وطالعت في عيون متسعة شاب جالس على مقعد أمام المتجر يظهر عليه الغنى وملابسه ومقتنياته تصرخ أموال، عقدت ملامحها في غضب تقابل نظراته الفاسقة بقولها: - إنت قليل الأدب ومتربتش. - عارف.
نظرت له باحتقار واندفعت للذهاب فاوقفها في سماجة: - ماشيه ليه ما تستني اوريكي قلة الأدب. اندفع علاء الصغير الذي ألقى بالاكياس وهرع نحوها هاتفًا: - ما تحترم نفسك يا جدع. وقف الشاب يطالعه في استهجان قائلًا في حده: - وإنت مال أمك، غور من وشي يالا. - تعالى يا علاء وصلني وسيبه ده بني آدم بجح.
قالت وسام وعبراتها تسيل على وجهها في غضب لا تصدق ان الرجل تجرأ على لمسها وانه حتى انتفاخ معدتها بحملها لم يشفع لها أمام وقاحته. احتدت نظرات علاء للرجل في رفض وحقد فسبه الرجل الذي دفع أصابعه في وجه علاء ليرتد للخلف محذرًا: - يلا يا كوكو وصلها يلا متبحلقش!
علت أنفاس علاء ولكنه اتجه نحو وسام التي تحمل الأكياس من الأرض لمساعدتها ولكن عينيه ترفض الابتعاد في غضب عن الشاب المدلل ولولا جسده الضئيل الضعيف لكسر عظامه. حين أوصلها همست له وسام بشكر واعتذار، فقابها بالصمت وهزه من رأسه قبل أن يركض للأسفل وما ان لامست أرض الطريق حتي لمعت عيناه في تحدي وهرول راكضًا نحو شخص واحد هو القادر على تهذيب ذلك المتعجرف.
- لا متحملش ع رجلك الوزن ده لان عضلة رجلك مش هتستحمل... أوقف بيجاد تعليماته وانتبه لذلك الراكض نحوه بأنفاس متقطعة فاعتذر من الرجل امامه واتجه نحو علاء متسائلًا في توتر: - فيه ايه يا علاء، حاجه حصلت في البيت؟
هز رأسه في نفي لكنه تابع يلقي في إصرار ما حدث منذ قليل، لتشتعل عيون بيجاد بغضب أعمى فيركض كالثور الهائج في جنون حين يُلوح أمامه بالأحمر. اقترب بيجاد من المتجر فأشارعلاء لرجل يرتدي سروال بلون السكر المحروق وقميص أبيض ناصع فاتجه بيجاد دون تأجيل وبكل عنفوان ضرب قدمه في صدر الجالس فينقلب ككيس البطاطا من فوق المقعد وينفجر الجحيم...
قضمت وسام قطعة من الخبز تجبر جوفها اجبارًا على ابتلاعها بينما دموعها ترفض الجفاف، مسحت أنفها مرة أخرى لا تزال تشعر بالنقم على ذلك الرجل الحقير، لكنها انتفضت في هلع عندما تعالت أصوات الرجال في الأسفل بجنون واسم "بيجاد" الذي يخرج من فم الجميع في ذعر، جعل الدقات في قلبها تتوقف فهمست وهي تلقي بالطعام في إهمال: - يالهوي يالهوي. ركضت للشرفة متناسيه حجابها وصرخت في جنون حين رأت زوجها يعتلي صدر المتحرش وقبضاته المتطايره تقابل وجهه الدامي في شراسه: - بيجاد لا يا بيجاد سيبه.
رفع رأسه يصرخ بها في جنون للدخول ولكنها دخلت فقط لتجذب عباءتها وتركض في هلع نحو الأسفل وهي تدعو الله بصوت عالي ورجاء صادق بأن لا يفقد الحقير روحه على يد زوجها المجنون. انطلقت نحو الرجال هاتفه دون حرج متعمده زجه من حالته التي يفشل الرجال من حوله في السيطرة عليها: - بيجاد كفاية هيموت في ايديك!
ضرب بيجاد رأس الرجل الشبه فاقد للوعي في الأرض بحده معارضًا أيادي الرجال التي تحاول جذبه دون فائده ولكن صوتها فاق قوتهم حين جذبه من بقعته السوداء داخل روحه ووقف في جنون هاتفًا في غضب: - اطلعي فوق ومتنزليش إنتِ اتهبلتي! اتجه نحوها يدفعها نحو المبنى بملامح تصرخ جنون فحاولت امساكه وهي تنفجر في بكائها: - عشان خاطري يا بيجاد تعالى فوق كفاية. - بقولك اطلعي.
ابعد ذراعه المغطى بالدماء عنها تاركًا إياها غارقة في مخاوفها واتجه نحو الرجل الذي يسند الناس جسده الغير متزن وما ان لمحه الشاب حتى صرخ وسقط للخلف محاولًا الهرب منه، تكاتل الرجال حول بيجاد يحاولون دفعه للجانب البعيد اما ذلك الغارق في دمائه فقد كان يزحف حتى حملته ساقه من جديد، وعند علو صوت بيجاد المعلن عن اقترابه منه حتى التفت في ذعر يبحث عن مكان للهرب فلم يجد سوى المبني أمامه.
وغريزته للبقاء دفعته للتفكير بالصعود هناك والاختباء بأحد البيوت كي يستطيع الاتصال بالمساعدة هربًا من ذلك المجنون الذي يعزم على قتله وانهاء حياته. أغمض جفونه يمنع قطرات من الدماء السائلة من الاستقرار في عينه اليسرى وتأوه في ألم عندما وصل للمدخل وانغرست أصابع صغيرة ولكنها كانت كافية لتسبب له ألم في جسده الذي تم إبراحه ضربًا.
- تعالى بسرعة الله يحرقك يا بعيد. - ابوس إيدك كفاية وسيبيني أستخبى جوزك هيموتني. زمجرت وسام في وجهه وهي تجذبه وراءها على الدرج مؤكدة: - اتنيل واطلع استخبى عشان هيموتك فعلًا.
أسرعت وسام في فتح الباب عندما وصل إلى مسامعها انتقال الأصوات لمدخل المبنى متأكدة ان بيجاد لن يهدأ حتى يصل إليه، فتحت سريعًا ودفعت الرجل للداخل مغلقة الباب في قوة. سمعت تخطي بيجاد لبابها وحمدت الله إنه في اسوأ أحلامه لن يتخيل انها من تحمي الحقير، نظرت للرجل الغارق في دمائه باشمئزاز وجذبته إلى غرفتها واضعه منشفه فوق رأسه وضغطت بقوة قائلة في غل: - وقف الدم هجبلك كحول وبن يوقفه، خسارة في جتتك، بس لما ربنا ياخدك ياريت يبقى بعيد عننا.
أمسك الرجل المتألم المنشفة فوق رأسه وسأل في ضعف: - لما إنتِ مش طيقاني بتساعديني ليه؟ - مش عشان سواد عيونك، عشان خاطر جوزي اللي خسارة يضيّع نفسه عشان كلب زيك. بصقت كلماتها في اشمئزاز ليبعد الشاب عينيه في خجل عنها ويسأل: - طيب وههرب ازاي وجوزك تحت.
إلتوت شفتيها في سخرية وأخبرته في حده: - ومين قالك انه تحت جوزي طلع يدور عليك في الشقق ومش هيسكت غير لما يلاقيك. وقف وكاد يسقط من طوله فاقتربت وسام توازنه في غضب وتدفعه للجلوس رغم اعتراضه: - يعني هيدخل يدور هنا كمان، يا نهار اسود ده احنا في بيته! - بالظبط وإحمد ربنا انه في بيته هو مش هيتخيل انك هنا. - ولما يجي هعمل ايه ؟
سأل الرجل في ذعر فرمقته من اسفله لأعلاه وردت: - لما يجي تستخبى هنا وتخاف على نفسك عشان لو حس بس انك هنا هيجيب اجلك غير كده انا هتصرف! ذهبت تبحث عن منشفة وهلعت حين رات الدماء أمام باب المنزل من الداخل فركضت تحضر القهوة المطحونة تعطيه له وتأمره بوضع بعضها فوق جروحه واتجه تحضر منشف تنظف بها أثار تواجد ذلك الابتلاء المختبئ في غرفتها ولسانها لا يتلو سوى الدعاء للخالق بأن تنتهي الأمور على خير.
رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني عشر
خرج "ريان" بعد دقائق فوجد "عُمر" متخصر أمام الباب ينتظره، رفع "ريان" حاجبه الأيسر في تساؤل صامت ليجيبه "عُمر" الناقم: - مش شايفها اتصالحت دي طلعت متضايقه اكتر. مال "ريان" لمستواه وهمس في حنق: - إنت فاكرها سهله كده، الموضوع لازم يجيي على مراحل، دي خناقة كبار مش خناقة على لانش بوكس.
حرك "عُمر" رأسه وكأن والده خيب ظنه وقال ساخرًا: - ما إنت لو كتت بتوديني المدرسة كنت عرفت ايه خناقة اللانش بوكس دي كمان. جذب "ريان" أذنه بشكل طفيف وهو يخبره بلهجة معاتبه: - بطّل لماضه بقى قولتلك السنة الجديده هتدخل ما انت عارف مكنش ينفع ادخلك وانا بنقل شغلي هنا.
ابعد "عُمر" وجهه عنه للجهة البعيدة وهو يزم شفتيه فابتسم "ريان" وجذبه نحوه يقبل رأسه بحنان متعمد دفع اصابعه في جانبي صغيره لتهرب منه ضحكة مفعمة بطفوليته مدغدغه نبضات قلب والده الذي قال في نبرة جديه يشوبها حنان بالغ: - متخافش يا عُمر ريم مش هتبعد عننا تاني ابدًا، اطمن وخليك واثق فيا وطول ما احنا في ضهر بعض ريم مِلكنا احنا الاتنين. ابتسم الصغير في رضا وسرور وهز رأسه في موافقة مؤكدًا: - ومش هتزعلها ابدًا ابدًا. ارتفع جانب وجهه وهو يستقيم ويبعثر خصلات صغيره فيردد جملة صغيرة الدائمة مؤكدًا في لهجة يشوبها المرح: - ابدًا ابدًا.
وقفت ريم في مرحاض غرفتها تطالع هيئتها التائهة وقد فشل الماء في إضفاء أي اتزان داخل روحها، ففي الأمس كانت تخطط وهي مقتنعة بأنها ستتخطاه بالكامل وفي الصباح تقف كالبلهاء أمام المرآة لا تعرف حقيقة شعورها نحوه هل تخطته بالفعل ام أن عنادها ما يدفن مشاعرها نحوه ويجعلها تهلل في كبرياء مخادع بأنها قادرة على الابتعاد. - بَحبِك..
هزت رأسها في ارتباك بالغ وصوته بتردد داخل رأسها دون توقف فمست وهي تحيط وجهها بكفيها: - ايوة يعني انا هعمل ايه دلوقتي؟ رفعت أطراف أصابعها تلامس شفتيها المنتفخة بفعل لمساته الجامحة وجزء كبير داخلها يؤكد لها بانه صادق في اعترافه فالحب المنبعث من عيناه كان حقيقيًا ولامس قلبها في مجون. وجزء أخر حاد يحذرها ويسألها ... السؤال الدائم... ماذا ستفعل إن تخلى عنها مرة أخرى؟
لأنها بالتأكيد ستنهار وتفقد صوابها، استدارت في المرحاض حول نفسها وهي تتذكر بقاءها باكية داخل منزلها فمضت عليها الشهور الأولى من انفصالهما دون أن ترى ضوء النهار. وما كان من "أحمد" الشخص الوحيد المهتم سوى أن أرسل لها "دعاء" زميلتها في العمل بطعام في زيارة تتكرر كل أول أسبوع ويرافقها رسالة منه بأن تنهي رثائها والا سيأتي لها في المرة المقبلة ويقتلعها من هنا عنوة.
وقد تكررت تهديداته وتنوعت مع مرساله أسبوع بعد أسبوع حتى طفح بيه الكيل وتفاجأت به يأتي كل يوم لمده شهر كامل ليقف على باب المنزل دون الدخول كي يحثها على الرضوخ لرغباته فينتهي بها الأمر بتغيير ملابسها والنزول للعمل ساعات قليله يتعمد فيها أحمد إخراج مكنونات قلبها حتى تبكي فتركض تختبئ في فراشها تارة وفي فراش "عُمر" تارة أخرى. تنفست بقوة فحتى آلمها وارتباكها بوفاة والديها لم يوازي أَلم تفتت أمالها في حياتها الجديدة على يد من عشقته بصدق واعطته من نفسها كل ما تملك. - بَحبِك ... مش هسيبِك ابدًا...
ترددت كلماته المدفونة في عقلها الباطن لتصدح داخلها وتغطي حزن بات فاترًا تلاها ابتسامتها حين تذكرت اتهامه: - وليه نكد... هزت رأسها فقد وصل البؤس بها لأن تبتسم على مشاكساته البغيضة، خرجت من افكارها عندما دق البغيض نفسه الباب معلنًا عن وجوده مطالبًا: - إنجزي عايز استحمى. - ما تروح تستحمى برا ده ايه السخافة دي.
قالت بصوت مسموع وحاجب مرفوع فاتاها رده السمج: - ماشي بس اوعي تتكلمي كتير في الحمام لتتلبسي. - أبو تقل دم أهلك. غمغمت في انزعاج في صوت غير مسموع، ليخبرها وهو يغادر بنبرة مستمتعة رغم عدم سماعه لكلماتها: -عادي أنتي عادي اشتمي براحتك.
عضت شفتيها تمنع ابتسامه ثم أكملت ارتداء ملابسها في سرعة وما كادت تخرج من بابه حتى علا صوت جرس المنزل. وضعت يدها فوق فمها تكتم شهقتها فقد نسيت تمامًا مخططها بسبب ارباكه لها، وضعت يدها فوق رأسها هامسة: - أنا وليه نكد فعلًا انتوا مبتكدبوش.
دندن "ريان" بنغمات أغنية مشهورة وهو يجفف جسده جيدًا وانعقد حاجبيه في تساؤل حين سمع صوت الباب الذي تلاه صوت امرأة غريب، نظر كطفل وقع في ورطة إلى السروال الذي يرتديه وصدره العاري الذي تعمد اظهاره لمشاكسة زوجته الصغيرة ولكنه يشعر بالندم الآن بوجود صحبة غريبه. - ايه النحس ده. زفر "ريان" بينما يختبئ خلف الباب ويفتحه ببطء مناديًا بهدوء: - ريم ... ريم ... عُمر ...يا عُمر صمت من جديد يحاول سماع أيًا منهم فقال بصوت عال قليلًا: - عُمر تعالى.
صدح صوت غريب مزعج من المطبخ فأخذته دقيقة ليعي انه صوت الخلاط الكهربائي فتنهد في راحة مرجعًا عدم سماعهم له لوجودهم في المطبخ فوضع المنشفة فوق كتفه يخفي ما يستطيع من جسده العريض وهرع للخارج. كان على بعد خطوتين من الغرفة حين سمع أحد ينظف حلقه لتلتقي عيناه بامرأة حمراء الشعر متوسطة العمر والهيئة وما ترتديه لا يخفي أكثر مما ترتديه، طالعها من اسفلها لأعلاها في تعجب ورمش حين حركت السيدة أصابعها أمام وجهها في حركة مرحبة هامسة: - أهلا.. أنا نرمين...
كيف بالله يخجل من نظرات امرأة ! تسأل في تعجب وأبعد الخجل من عقله فلما يفعل ان كانت هي لا تفعل؟ فسعل بخفة مرحبًا: - أهلا بحضرتك... عن إذنك... تركها ودلف للغرفة وهز رأسه في تعجب متسائلًا ماذا حدث في العالم لتتبدل طباع النساء بطباع الرجال؟..
لكنه ابتسم في غرور فعلى الأقل هناك من يرغب في النظر إليه ويشعره بجاذبيته ورجولته التي تصّر ريم بأفعالها على قمعها، امم ... سيكون عليه معرفه كيف انتهى بزوجته الخجولة صديقة لتلك الامرأة الفجة. ارتدى باقي بيجامته ثم جلس فوق فراشه يشعل سجائره كالعادة بينما يعبث على جهازه المحمول يتفقد أي رسائل قد تكون عاجلة من مكان عمله وحمد الله عندما لم يجد ليطمئن على باقي أيام اجازته، فقد استطاع أخذ اجازة طويلة لأهمية مكانته في الشركة.
ولولا إنه من موظفيها المؤسسين لِما رضخوا لرغباته وأعطوه اجازة بدون راتب، أمر لم يستطع فعله في بداية انفصاله مع ريم بسبب التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي وكادت تطيح بالشركة لولا عملهم المضنى. ابتسم في مكر فهو لن ينكر انه فضّل الوضع بهذه التعقيدات وقتها خوفًا من مواجهة الواقع ومواجهة ريم، قطع أفكاره دخول ريم المرتبكة التي لم تدق الباب على غير عادتها، رفع رأسه في تساؤل مريب عندما فتحت ثغرها مرتين قبل أن تخبره اخيرًا: - الفطار جاهز.
ارتفع كلا حاجبيه في ذهول وقد شعر بخطب ما فعليًا فمنذ عودته لم يتناول وجبة واحده معهما وتتركه يتناول وحيدًا ككلبٍ أجرب، ولكنه لن يجادل بالتأكيد فوقف سريعًا قائلًا: - هي صاحبتك مشيت ولا لسه؟ - لا هتفطر معانا. أجابته ريم بعد أن ذهبت للخارج فقط ارتفع حاجبي ريان التابع لها يعبر عن ذهوله وتعجبه من هذا التغيير، رمق تلك الجالسة وهز رأسه مرحبًا قبل ان يتوسط الطاولة بجوار عُمر، بينما جلست على الجانب الآخر بينه وبين السيدة.
وكل ما يدور في عقله هو لماذا يشاركهم الطعام وصديقتها لاتزال هنا، فمن عادته لا يحبذ الاختلاط مع اصدقائها وعند حضور إحداهن يتعمد البقاء في غرفته ليعيطهم حريتهم في التحاور. غلب الصمت على وجبة الإفطار، وحدسه يؤكد له بأن هناك أمر يحدث وهذا الأمر لن يعجبه مطلقًا وبالفعل تأكدت ظنونه حين لكزت "نرمين" الصامتة جوارها. ولم يفت "ريان" مرفق السيدة الذي تقابل مع جسد ريم وكأنها تحثها على أمر ما، ولكنه تعمد التجاهل حتى ارتفعت عيناه ليقابل ريم التي تركت شوكتها في حدة معلنة: - أعرفكم ريان... نرمين... عروستك...
حركت ريم يدها بينهما بالتوالي قبل أن تستقر نظراته الجامدة فوق عينيه الحالكة السواد وقد أشعلت فتيل غضبه، صدح صوت نرمين في الخلفية وهي تسترسل بابتسامه واسعة مرحبة تجهل معركة الأعين الحامية التي تدور بين كليهما: - أهلا بيك، انا مبسوطة أوي اني قابلتك، ريم على طول بتتكلم عنك بالخير.
لم يسمع ريان كلمة مما تقوله، فقد كان عقله متوقف غير قادر على الاستيعاب ونظراته الثابتة منشغله بإحداث ثقوب في جانب وجه ريم التي تعمدت ابعاد نظرها والعودة للطعام في هدوء وكأنها لم تُفجر قنبلة في وجهه للتو. عض ريان شفاه العلوية يحاول السيطرة على جانب وجهه الذي يحارب للارتفاع في تعبير عدواني قاسي لكنه التفت يناظر عيون "عُمر" التي على وشك البكاء وأخبره: - إدخل أوضتك يا عُمر وإفتكر وَعدي ليك كويس.
هز عُمر رأسه في توتر ثم ابتعد عن الطاولة ليختبئ في غرفته. أما "ريان" فقد أمسك كأس الماء جواره يتجرع ببطء وهدوء ينافي الاحتراق والغضب المختلطان ببعضهما داخل صدره ...حسنًا كل لعبة تتطلب طرفان ... وهو كذلك... انهى تفكيره وهو يضع الكأس الزجاجي مردفًا بكل برود: - إنتِ عارفه أنا مين؟! - ايوة، ريان طليق ريم. أكدت "نرمين" باعتياديه فأجابها بشبح ابتسامه: - أنا جوزها مش طليقها، هي محكتلكيش تفاصيل العلاقة اللي هتكون بينا يا عروستي؟
اتسعت أعينها وانتقلت نظراتها نحو ريم التي تضغط على شوكتها في غضب ترمقه في تحذير، لكنه استند بمرفقيه على الطاولة في أريحيه ليستكمل: - يعني برغم انك اوبن مايند إلا أنها معندهاش ثقة فيكي عشان تقولك على طبيعة العلاقة اللي هتكون بينا احنا التلاته، يبقى ازاي أوافق عليكي. اتسعت أعين ريم من وقاحته بينما وقفت "نرمين" التي لم يهمها سوى جملته الأخيرة في حده مهللة في تحذير: - هو ايه ده اللي توافق عليا إنت فاكر نفسك مين، أنا حاجة كبيره واستحق إحترام أكتر من كده. - حاجة كبيره ومحترمة مكنتش هتيجي بنفسها لراجل في بيته حتى لو معاه صاحبتك ولا ايه! - ريان..
هتفت ريم في حده تقطع وصلة احتقاره لصديقتها فهتف بها في صوت زلزل كيانها: - حقي إنتِ جبتي عروسة وانا قولت مش عجباني مش استايلي البنات مكشوفة الوش دي، ولا هو ده استايلك يا بيبي؟ عجزت ريم عن مجاراته، واغمضت جفونها حين اخترق مسامعها صوت صديقتها: - إنسان مش متربي ومش محترم ومعرفش واخد قلم في نفسك على إيه.
هتفت "نرمين" التي جذبت حقيبتها للمغادرة فعلا صوت "ريان" الساخر: - ابقي كملي بقيت هدومك قماش الأول قبل ما تتكلمي عن التربية وقيمتي إنتِ اللي حددتيها لما جيتي تعرضي نفسك عليا جوا بيتي. اغلقت الباب خلفها في حده فانطلقت "ريم" توبخه: - إنت انسان مش طبيعي ابدًا. - والمفروض انك لما تجيبي لجوزك عروسة كده إنتِ طبيعية!. علت ابتسامة مغيظة محياها وهي تخبره مبررة: - ده كان طلبك مش اكتر وانا بلبيه. -لا وإنتِ ملبيه اوي الصراحة.
رد عليها ريان غير عابئ بإخفاء غضبه فتشدق كلماته التالية في حرقة تلسع لسانه: - أنا مش مصدقك، جيبالي عروسة بنفسك فعلًا يعني إنتِ هتستحملي تشوفي واحدة تانية غيرك في حضني؟ رمشت ريم لكنها قررت استكمال هدم كبريائه للنهاية فهمست بمجون قاتل وهي تلعق شفتيها: - اه عادي وليه لا ما أنا كمان هنام في حضن واحد غيرك.
انتفض ريان لتنزاح الطاولة من وضعية هجومه بينما يمد ذراعه ليمسك بها، فخرجت منها صرخة هلع بينما تستقيم راكضة من أصابعه الممدودة في شر نحوها متجهة بسرعة قياسيه إلى غرفتها للاختفاء من أمامه فهي تعلم انها عبثت بثباته ومتأكدة انه لن يرحمها ان وقعت تحت يديه، كادت دقات قلبها تتوقف في ذعر وهي تستمع لخطواته الرعدية من خلفها. وحمدت الله بقوة وهي تستند للباب لا تصدق انها نجحت في إغلاق الباب واحكامه بالمفتاح قبل أن يلحق بها.
كتمت شهقة كادت تنفلت في رعب عندما انتقل لجسدها ذبذبات قبضاته العنيفة التي تدق فوق الباب قبل أن يصلها صوته المختلط بأنفاسه اللاهثة: - افتحي الباب حالًا عشان هكسر دماغك. اختلطت مشاعرها بين بكاء وضحك على اقواله فبالتأكيد هي لن تفتح إن كان سيحطم رأسها، لكنها لم تستطع منع تلك الابتسامة الواسعة من على فمها وهي تؤكد: - الله إنت زعلان ليه، مش دي الحقيقة إنك عايز عروسة تبقى أم لعمر عشان تطلقني؟
قاطعها ريان وهو يضرب بقبضته بعنف مرتين صائحًا: - اااه... إنتِ صدقتي نفسك بجد، طلاق ايه يا أم طلاق... لا فوقي واضح اني كنت غلطان لما قولت اخدك على قد عقلك واهاودك لكن إنتِ مينفعش معاكي غير كسر الدماغ.. افتحي بقولك... وضعت يدها فوق فمها تكتم ضحكتها لا تدري ما سبب تلك السعادة التي تتدفق في صدرها لكنها ردت بصوت مرتعش ما بين ضحك وغرور: - على فكرة لو "أحم...
- إخرسي بقولك متخلنيش اكسر الباب واعرفك ان الله حق. وحطي في دماغك حاجة واحده إياكي تسهي عنها، طلاق مش مطلق، إنتِ ليا أنا وعقلك متحرم عليه التفكير في أي راجل غيري. ارتفع جانب وجهها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بثقه لتخبره ساخرة: - دول حاجتين مش حاجة واحده. جاءتها الإجابة على شكل ضربة قوية من قبضة يده فوق الباب رعشت جسدها الساند فوقه لكن ابتسامتها المنتصرة لم تهتز فقال من بين أسنانه: -ما تلوميش غير نفسك يا ريم.
ختم جملته بضربة أخيرة صارمة ثم سمعته يطلق بعض الشتائم القذرة مثله قبل أن يبتعد عن الباب... بالتأكيد ذاهب للبحث عن علبة سجائره التي القتها بكل سلام ورضا داخلي من الشرفة...فكرت في شر لكنه يستحق ذلك المدخن الشره... - ريم...!
صدح صوت "ريان" في توعد من بعيد لتنفجر ضاحكة وهي تتقفز من حولها حتى استقرت فوق الفراش تلتقط انفاسها وسعادة لا توصف تطغي عليها لا تدري سببها اهو انه رفض نرمين ذات الجمال الأخاذ والأنوثة الثائرة أو لأنه يتمسك أكثر بها رافضًا الانفصال مؤكدًا ادعاءات العشق والغرام خاصته. رن هاتفها يقطع افكارها وتنهدت في حزن عندما لمع أسم أحمد امامها، خبطت رأسها في غيظ متسائلة مالذي يحدث لها ولِم بحق الجحيم تشعر بالسعادة على الإطلاق... - عشان غبية ... وضعيفة...
كررتها أكثر من مرة ثم زفرت تحاول نسيان هذا النهار بالكامل فكل ما حدث به يعد كارثه حقيقيه تهدد مصيرها وما تبقى من عقلها، ويتوجب عليها أن تتخلى بالقوة والعزيمة لأن غريمها قوي جبار لا يهاب ضعفها...
اغلقت "وسام" باب غرفتها بالمفتاح من الخارج ووضعته بأصابع مرتعشة داخل مقدمة ردائها ودقات قلبها ترفض الهدوء والتروي. ألقت نظرة على باب المنزل من الداخل في توجس قبل ان تنتقل حول الارضية تتصيد أي أثر لدماء الحقير الذي المختبئ بالداخل، ضربت يدها فوق صدرها تحاول السيطرة على نوبة الهلع التي تكاد تصيبها وهي تستمع لاقتراب "بيجاد" مع بعض الرجال المحاولين تهدئته قبل ان يصرخ فيهم للابتعاد عن باب منزله ليدلف. ركضت نحو الأريكة تجلس فوقها تتصنع الجلوس ووقفت حين دخل يسألها بعيون تدور حول المكان في درجة من الجنون لم تعهدها فيه من قبل: - مشوفتيش الجبان اللي طلع العمارة.
-وأنا هشوفه فين يعني؟ ردت في سرعة وملامح غاضبة ثم هتفت في وجهه تحاول إخفاء توترها: - مش كفاية لحد كده وتسيبه في حاله، انت اديته اللي فيه النصيب عايز ايه تاني ولا لازم تموته وتروح في داهيه فعلا المرة دي! - لا اسكت واسيب عيل نطع يلمس مراتي ويتحرش بيها، بقولك ايه انا مش فايق للكلام ده نهائي كفاية انك مسمعتيش كلامي من الأول وبرضه نزلتي رغم تحذيري ليكي.
- يا سلام دلوقتي بقيت أنا السبب ان الحيوان ده هو اللي اتحرش بيا ! اتجه نحو الخارج من جديد متجاهلًا إياها فسألته في لهفة وهي ترى اثار الضربات فوق اصابعه الحاملة لغرض غريب: - إنت رايح فين وإيه اللي في إيدك ده؟
ارتفع جانب وجهه في غموض وأجابها ساخرًا: - ده مفتاح عربية الباشا اللي كانت في المغسلة، ومستحيل هيروّح من غيرها، أما رايح فين فأكيد نازل اقعد على باب العمارة ويوريني بقى هينزل ازاي أبو الرجالة. - صدقني اللي بيحصل ده غلط انت بتدمرنا بأفعالك حرام عليك يا أخي. جزّ على أسنانه رافضًا اجابتها وانطلق للخارج مغلقًا الباب خلفه، متجهًا للأسفل ليجلس فوق مقعد خشبي بمنتصف الشارع كالوحش الهائج المنتظر لمح فريسته كي ينهشها وبجواره يجلس "علاء" في ترقب وتأهب لمساعدة "بيجاد" إن سمح له.
في المساء جلست "ريم" تشاهد التلفاز بكل اريحيه وجوارها عُمر الشبه غافي مستلقي ببراءة وهدوء فوق ساقيها حتى همس: - ريم ممكن اسألك سؤال؟ - امم أكيد.. - إنتِ بجد عايزه تسبيني انا وبابي؟ ارتبكت ريم التي لم تتوقع سؤاله لكنها سعلت بخفه وهي تخبره: - الموضوع صعب تفهمه يا حبيبي. عدل من جلسته وقال في اصرار طفولي: - صعب ازاي مش الانسان يا يبقى عايز يعيش مع ابنه يا مش عايز؟
ابتسمت ابتسامه خفيفة وهي تلعب في خصلاته الطويلة قائلة: - لو على ابنه فالإنسان ده أكيد عايز يعيش مع ابنه، لكن ابو ابن الانسان ده بقى هو اللي معقد الدنيا. - بابي سخيف شوية بس طيب والله. - عُمر، عيب متقولش على بابي كده. - سوري، أنا قصدت ان بابي بيحبك أوي وانا بحبك أوي أوي يبقى مينفعش تسبينا ابدًا ابدًا. - يا روحي مش أنا اللي سيبتكم هو اللي سافر وسابني هنا لوحدي.
خفت نبرتها بتأثر وهي تستكمل متذكرة وحدتها: -وانت عارف اني بخاف انام لوحدي. مط عُمر شفتيه في حزن وهز رأسه ليخبرها في لهجة هشة: - انا كمان كنت بخاف أنام لوحدي خصوصا لما عمتي ليان اتعاركت هي وبابي وراحت بيت جوزها. رمشت ريم وهي تستمع لتلك التفاصيل اذن ليان متزوجة الآن وتهنأ بحياتها بعد دمرت حياة ريم الهادئة.
استغفرت الله لا ترغب في الحقد عليها حتى وان اساءت إليها، فريم لديها مكنوناتها المركبة صعبة الفهم فلا أحد يستطيع أذيتها وكسرها إلا من يسكنها وينعم بحبها المطلق ومن حطمها وكسر مشاعرها لم تكن كذبة ليان ولكن "ريان" من فعل بتخليه عنها. بالتأكيد هي غاضبة منها ولا تريد رؤيتها لكن في الحقيقة الأمر غير فارق معها كثيرًا فقط أمر واحد تتمناه هو أن تعلم لِما خانتها وفعلت فعلتها.
انفتح باب الغرفة التي انعزل بها ريان طوال اليوم رافضًا رؤيتها أو تناول الطعام فخرجت من افكارها ورفعت عيناها تطالع هيئته الهائجة بريبه وانخلع قلبها من مكانه حين اقترب منها بصورة مباشرة فاستقامت مذعورة وتلاها في الذعر "عُمر" الذي وقف فوق الأريكة يتشبث بقوة في خصرها حين صدح صوت ريان الغاضب المختلط بشيء من الجنون: - أنا حجزت تذكرة طيران ومسافر كمان ساعة.
رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث عشر
بعد مرور ساعات واقتراب الظلام من السماء، طلت "وسام" من الشرفة للمرة الألف تطالع زوجها للذي لا يزال جالسًا بكل أريحية يشرب كوب من الشاي وكأنه لا ينتظر أحدهم لسفك دماءه! - فاكر نفسه عايش في شيكاغو، طيب ابلغ عليه بنفسي وارتاح ولا اهبب ايه.
قالت في غضب حانقة على افعاله ثم فركت معدتها المتألمة تحاول التفكير في طريقة للتخلص من تلك المصيبة التي وقعت فيها. اتجهت نحو غرفتها تفتح الباب لتناظر بعيون متسعة ذلك النائم بكل أريحيه فوق فراشها وكأنه يمتلك المكان فصرخت به: - يا بجاحتك وكمان نايم قوم يا شيخ قامت قيامتك. استيقظ الشاب في رعب مبررًا غفوته: - تعبان ودايخ هموت يا كفرة،روّحوني.
حركت شفتيها لليمين والشمال لتبصق كلماتها في غضب: - ولما انت مش قد الشقاوة بتتنيل على عينك ليه؟ أمسك رأسه متأوهً قبل ان يخبرها: - دماغي هتنفجر مني أنا لازم أروح لدكتور، جوزك جابلي ارتجاج في المخ. - وماله انزل. ردت "وسام" وهي تخبط بإحدى قدميها ارضًا في غضب وتوتر ليسأل الشاب في لهفة: - بجد هو مشي؟!
- لا قاعد في الشارع على باب العمارة مستنيك بس لو حابب تنزل اتفضل. ابتلع الشاب ريقه في ارتباك ثم صمت ليتأوه من جديد ممسكًا صدره، فقالت له "وسام" في شماتة: - احسن عشان تحرم تيجي على ستات الناس، المهم اسمع انا عندي فكرة فوق معايا كده وإياك تنام إنت فاهم دي فرصتك الوحيدة. هز الشاب رأسه في موافقه واتسعت عيناه في ترقب وهو يستمع لمخططها.
استقام "بيجاد" يلوي جسده لليمين والشمال في ملل وارهاق ثم صاح مرة أخيرة بصوت رج المكان: - تليفونك ومفاتيحك معايا خليك بقى مستخبي زي الحريم. اقترب منه صاحب المتجر المسن نسبيًا ليخبره: - وحد الله يا ابني وخلاص ما انت اديته اللي فيه النصيب سيبه يمشي وخلصنا من الليلة دي، ولّا يرضيك الرجالة دي قاعدة متمرطة وخايفين عليك تجيب أجله. - وأنا مش هيكفيني فيه غير أجله يا عم أمين دي مراتي عارف يعني ايه مراتي!
ده انا هقطع صوابع ايده واحطها في عينه بأيديا دي. - استغفر الله، يا ابني يعني هتودي نفسك في داهيه عشان حتة عيل مترباش؟ - على الأقل يتربى لكن وربي ما اسيبه يمر كده مرور الكرام ولو على جثتي! قال بيجاد في حقد وغضب ليقطع حديثهم صوت وسام الهاتفة من الشرفة: - بيجاد.
أسرع يطالعها في غضب لخروجها ومناداته وسط الطريق مشيرًا لها بالدخول لكنها أصرت على وقفتها وهي تزيد من الإشارة له بيدها كي يصعد. زفر قبل ان يستأذن ويصعد إليها كي يوبخها لعلها تتعقل قليلًا، وحين وصل وجدها تقف على الباب في انتظاره ممسكه بطنها المنتفخة بملامح يشوبها الألم فأسرع نحوها في تساؤل: - إيه مالك؟ - بطني بتوجعني ومتشنجه أوي. أمسك "بيجاد" ذراعها يدفعها بخفة للداخل قائلًا في خوف وقلق: - طيب واقفه ليه ادخلي ارتاحي على سريرك شوية. - لا لا لا...
أسرعت وسام قائلة في نبرة عالية وحين نظر لها بتساؤل اقتربت منه بجسدها تستند برأسها فوق صدره قائلة في توتر تحاول كبحه دون جدوى: - اقصد لا شكل النونو عايز يحس بيك مش أكتر، تصدق بقيت مرتاحه وأنا قريبه منك كده. ارتفع وجه "بيجاد" في ابتسامه خفيفة ليضمها إليه وقد نسى كل ما يغضبه ليخبرها في خفوت يوضح رضاه: - عنده أصل، ابقي فكريني اجبله البسبوسه اللي بيحبها واحسن لك تاكليها للواد مرة واحده.
حركت رأسها مرات عده واصابعها تشتد حول جسده تقربه منها تستمد منه القوة لتفعيل مخططها، لكنها حاولت مرة أخيرة: - ما تقفل الباب وأدخل كفاية ربنا يهديك، أنا مسامحه يا أخي. - بس أنا مش مسامح. قالها في انفعال وهو يبتعد للخلف عنها فضربت وسام على وجنتها مرة في غيظ حارق هاتفة: - إنت عنيد ليه، أنا تعبت. كاد ينسحب "بيجاد" من المنزل في هدوء يكظم غيظه دون اجابه فأمسكت بذراعه سريعًا قائلة في ارتباك: - خلاص استنى كنت عايزة اقولك على حاجة. - اتفضلي يا وسام.
التفت حوله تغلق الباب ثم وقفت قبالته مطالبه: - ممكن تفضل معايا شوية بطني بتوجعني. - ما قولتلك ادخلي اوضتك ارتاحي. - هرتاح ازاي وانت قاعد تحت مستني تموت واحد!. - وأنا مش هرتاح غير لما أفرفت عضمه ايه رأيك بقى؟! صوت ارتطام طفيف قطع كلماته فرفع رأسه نحو غرفتها في تساؤل: - ايه الصوت ده؟
- دي اكيد حاجه وقعت من على السراحه أصلي فاتحه الشباك. - شباك ايه اللي يوقع حاجه؟! سأل وهو يهم بالتحرك نحو غرفتها فوقفت وسام أمامه تنظر له بأعين متسعة مرتبكة فسأل في ريبة: - هو في ايه بالظبط؟
اقتربت منه دون تفكير تلصق جسدها بجسده ثم وقفت على أطراف أصابعها تثبت فمها أسفل فمه، اتسعت أعين بيجاد غير متوقع فعلتها ولكن حين اشتدت قبلتها وأصبحت أكثر تطلبًا وقف عقله تمامًا عن العمل ووجد نفسه يميل كي يجاري تطلبها في شوق مطبقًا بذراعيه حولها يضمها نحوه أكثر.
ابتعدت وسام لثواني هامسة أمام ثغره وعيناها تتعلق بعينيه المسبلتين برغبته المحمومة: - وحشتني ومحتاجه أحس بقربك مني يا بيجاد. انفرجت أسارير وجهه واشتعلت عيناه بنظرة فرحة ناطقة لاعترافها وقد ارهقه عقابها بينما قبل ان يميل كي يخطف أنفاسها في قبله يبث فيها شوقه الحارق هامسًا بين قبلاته: - مش أكتر مني، كفاية بعاد انا بتعذب من غيرك.
أخبرها "بيجاد" في صدق وكل ذرة في جسده تكاد تنفجر في سعادة وأمل، فهزت "وسام" رأسها في موافقة لتتدفق الدماء في عروقه. كاد قلبه الذي أخذ في الضخ داخل صدره بشكل قوي أن ينفجر في سعادة صادقة حين اقتربت منه تتعلق في عنقه مهاجمه بكل مشاعرها ليبادلها بأشد منه توقًا وهو يرفعها بين ذراعيه متحركًا نحو الأريكة فابتعدت تلتقط انفاسه هامسة في ارتباك خفي: - لا في أوضتنا...
هز رأسه دون ان ينطق كلمه فحلقه الجاف باحتراق مشاعره يمنعه من ذلك. شدت وسام فوق عنقه تعيد رأسه نحوها ليذوب كالثلج بين ذراعيها بينما يترك لساقيه حريه التحرك نحو غرفته ولم ينتبه لذراع زوجته الذي امتد من خلفه ليغلق باب الغرفة في قوة أكثر مما ينبغي.
وضعها في بطء فوق الفراش منتبهًا على بطنها المنتفخة ومال يقبل أعلى معدتها ممررً أنفه فوق جسدها لأعلى حتى أستقر فوق عنقها فيستنشق عطرها الخلاب في توق حقيقي صادق قبل ان يبتعد ويدفع بكفيه حول وجهها مستقرًا بفمه الكبير فوق ثغرها الرقيق الناعم المستسلم لمشاعره. منطلقًا معها في رحلة جياشة المشاعر كانت مثل انسياب الغيث الذي يهطل على صحراء قلبيهما فتزهر كل المساحات العطشة وترتوي بعد طول انتظار.
ألصق الشاب المذعور أذنه بالباب الخشبي أكثر يستمع إلى همهمات الزوجين بالخارج ولسان حاله يتمنى نجاح خطتها كي يتمكن من الهروب على خير، دعا الله في سره واعدًا بتوبة انه لن يفعل ما فعله مرة أخرى لأي امرأة ابدًا. اندفع في ترتر وخوف وهو يستمع لتهديدات بيجاد دون وعي فارتطم بسراحه الشعر الخشبية متسببًا بسقوط إحدى العلب الفارغة، زادت دقات قلبه في ذعر ونظر حوله مفكرًا في وسيلة في الهرب إن اكتشفه الرجل.
ولم يجد خلفه سوى النافذة العالية فكاد يبكي في مكانه وهو يتوسل ويرجو داخل قلبه بأن لا ينتبه وبالفعل حين عدت الدقائق عليه دون دخوله عاد للباب يستمع في هدوء تام ثم كاد يصرخ فرحًا حين استمع لصوت الباب المجاور يغلق. فحسب خطة السيدة التي طالبته بالتنبه بأنها ستقنع زوجها بالذهاب للغرفة المجاورة وحينها سيكون عليه ان ينتظر ثلاث دقائق قبل أن يتسلل للخارج مغلقًا باب المنزل في هدوء خلفه وبعدها: - تاخد ديلك في سنانك وتقول يا فكيك، إنت فاهم.
صدحت كلمات وسام في عقله ليجيبها في حماس على أي حال: - فاهم والله. وبالفعل بعد انتهاء المدة المتفق عليها تحرك في بطء وهدوء حتى وصل إلى باب المنزل ولم يصدق حظه الحسن بأنه خرج بالفعل ليطلق ساقيه للريح متجاهلًا ألامه فيركض دون توقف.
انفتح باب الغرفة التي انعزل بها ريان طوال اليوم رافضًا رؤيتها أو تناول الطعام فخرجت من افكارها ورفعت عيناها تطالع هيئته الهائجة بريبه وانخلع قلبها من مكانه حين اقترب منها بصورة مباشرة فاستقامت مذعورة وتلاها في الذعر "عُمر" الذي وقف فوق الأريكة يتشبث بقوة في خصرها حين صدح صوت ريان الغاضب المختلط بشيء من الجنون: - أنا حجزت تذكرة طيران ومسافر كمان ساعة.
تحرك صدر "ريم" للأعلى وأسفل تشعر باختناق يضعها في بؤرة سوداء بينما حدقتي عيناها تلتفتان لليمين واليسار في جنون يحمل اضطراب مشاعرها وقد رجت الصدمة كيانها فحاولت إطباق جفونها لتسترد أنفاسها، ثم قالت في صوت منخفض ضائع رغمًا عنها: - هتسافر... هتسافر...هو ...الطيارة... لم تستطع إخراج جملة صحيحة من على لسانها وقد شعرت بضغط دمها ينخفض وبدأت شفتيها ترتعش دون وعي. وكل ما يسيطر على تفكيرها هو انه يتركها من جديد،..
يعيد فتح ألامها وقتلها كعادته... لا يراعي وجودها ولا قلبها الهائم في حبه... فكبريائه لا يتحمل أن يعطيها مساحتها في رد بضعًا من أخطائه الجسيمة في حقها. تسمر ريان في مكانه يطالع رد فعلها في تساؤل وارتباك فخف من حده ملامحه وهو يقترب نحوها ببطء وتروي يلامس وجنتها المبللة فقد انهمرت دموعها دون أن تشعر.
فرفعت "ريم" عيناها اليه تتوسل أمرًا هي ذاتها لا تعلم ما هو، هامسه في نبرة متعبة محمله بالاستسلام: - هتسافر تاني يا ريان؟! مرر ابهاميه يمسح عبراتها السائلة فوق وجنتيها يهدئها وقد بدء عقله يبدي استجابة مفسرًا سبب اضطرابها، شاعرًا بقلبه يتمزق لآلاف القطع لأنه السبب في كل الضعف والخوف المنبثق من عينيها فأجابها في نبرة متأثرة يقتلها الندم: - إهدي، إنتِ فهمتي غلط، ليان في مصيبة، أنا هسافر وهرجع تاني متقلقيش يا عيوني.
اومأت "ريم" رأسها في حركة متوترة وكأنها تتمنى تصديقه، فحاول ريان إبعاد افكاره العنيفة التي تتملكه بسبب مكالمته مع ليان لأنه على ما يبدو فالقتل سيكون هوايته هو حين يلتقي بزوجها النذل وليس أخيه "بيجاد". هز رأسه يبعد سوداوية مشاعره ثم اقترب يقبل رأسها لينتبه إلى صغيرُه ذو الوجه الباكي في صمت فأخبره "ريان" في تعجب وهو يبعد إحدى كفيه عن وجهها ليمده نحو عُمر ملامسًا وجنته المستقرة فوق خصرها: - عيب يا عُمر إنت راجل، بطل عياط.
- لا أنا مش راجل أنا صغير ومش عايز أسافر، أنا عايز ابقى عندي ماما تفضل معايا زي صحابي كلهم. أجابه عُمر في صوت مخنوق ببكائه فانفجرت ريم في بكائها بتأثر وقد ثقل قلبها في حزن مرير وكل ذكرياتها الكئيبة تعود لعقلها تواليه وكأنه سباق، وقد سرع انفجارها كلمات عُمر الصادقة التي لامست قلبها فهي تريد طفلها تحت رعايتها وهي أحق به من أبيه الظالم المستبد الذي لا يشعر بأمومتها ويسرقها منها مرة أخرى. ضمت عُمر نحوها وسط ذهول "ريان" الغائب عنه مشاعرهما والذي ألجم الموقف لسانه لكنه حاول مردفًا: - ريم ممكن تهدي بلاش عياط، أرجوكي.
ضمها "ريان" نحوه وهو يخرج صوتًا خافتًا من فمه كناية عن محاولته في تهدئه ريم التي صارت تهتز بالكلام بين ذراعيه. شعر بالعجز والفشل لأنه لا يستطيع طمئنه قلوب أسرته المهتزة بفشلُه من البداية حين سمح لأحد بالتدخل في علاقتهم لخداعُة وهو سار خلف الأكاذيب والغيرة كالأبله..
بعد دقائق من جلد الذات حاول ريان السيطرة على انفعالاتها هي وعُمر، فزفر بقلة حيلة يحاول التفكير في حل يلجم به جماح خيالاتهم حتى لمعت عيناه في فكرة رائعة نعم مرعبة قليلًا بالنسبة إليه لأنه لم يفعلها قط لكنها كافية لكسب ثقتها من جديد، فما فعله كان صعب وحقير ويتطلب منه الكثير والكثير ليكفّر عن ذنوبه. ابعدها ريان قليلًا عنه ينظر لها قبل أن ينظر إلى صغيرُه المستقر بينهما ليخبرهما بابتسامة خفيفة: - خلاص خلصتوا عياط، أنا اصلًا مسافر لوحدي وعُمر هيفضل معاكي كام يوم.
صرخ عُمر في فرحة حقيقية وهو يتثبت أكثر بخصر ريم الذي تعلقت عيناها بعيون ريان تشعر بالصدمة محاولة التأكد من صدق كلماته. - بتتكلم بجد يا بابي. لم يبعد ريان أنظاره عن ريم التي تطالعه كطفلة صغيره تائهة فابتسم على أمل إخفاء حده تأثره ليخبرهما في مشاكسة: - بجد ده لو إنت هتفضل مؤدب ولو ريم موافقة ومعندهاش مانع؟ - هقعد مؤدب والله.
أخبره عُمر بينما كل ما استطاعت ريم ترجمته هي هزة سريعة قويه من رأسها توضح موافقتها وعقلها المرهق في تعب يرفض التأقلم مع من حوله، نظر لها ريان مرة في قلق ثم نظر لعُمر قبل أن يتنهد قائلًا: - يا جماعة مش كده، حرام عليكم نفسكم هتموتوا نفسكم من الزعل عشان أنا مسافر كام يوم بس!. ارتفع جانب وجه ريم في شبح ابتسامه صغيرة ترغب لو تخبره انها بالفعل حزينة وتخشى غيابُه فداخلها مذبذب غير مستقر...ولطالما كانت... لكنه من دفع القوة فيها، قوة لم تعهدها إلا بعودته لحياتها من جديد.
اقترب ريان يلامس وجهها بينما يوجهه حديثه لعُمر: - إدخل جوا يا عُمر عايز اقول لريم على حاجة قبل ما أمشي. أومأ عُمر رأسه ببطء واتجه للداخل في توتر وكأنه يخشى القادم. - أنا هسيب عُمر معاكي كام يوم لحد ما ارجع، عارف إن دي مسئولية كبيرة عليكي بس انا مقدرش أثق في حد غيرك في الدنيا كلها.
رمقته بنظرة عتاب دون ان تنطق فأكمل وهو يمد يده يمسك يدها الصغيرة ويرفعها لفمه يقبلها رغم اعتراضها الواهي: - أنا لازم أمشي دلوقتي، خدي بالك من نفسك وخدي بالك من عُمر. - حاضر. همست في ضعف تخفي الكثير والكثير من المشاعر المتناقضة والمتناثرة داخلها ولكنها حين تحرك سألت في لهجة أعلى مما تنوي: - إنت هتسافر كده، فين شنطتك؟! - مفيش وقت، نظر إلى ساعة يده قبل أن تنكمش ملامحه في ضيق ليضيف: - كان لازم أكون في المطار دلوقتي أساسا.
تحرك نحو الباب فاتبعته في خطوات سريعة قلبها ينبض وتنفض في ذعر دون مبرر ولكن جرحها في الماضي أقوى مما يقوله ويخبرها به، توقف "ريان" واستدار نصف التفاته يطالع وجهها الشاحب فتنهد وعاد خطوتين ليستقر أمامها ويضمها في عناق عميق حتى ارتفعت أصابعها عن الأرض بينما تبادله هي العناق تتعلق في عنقه بقوة وتخفي وجهها الممتلئ بدموعها في صدره.
مر الوقت عليهم كساعات طويلًا تعمّد فيها ريان وضع قبلات طفيفة فوق خصلات شعرها وجبينها وشعر بالأمل يكتنف صدره بأنها ستعود له عاجلًا أم آجلًا فهي تستحق منه أن يعطيها مساحتها ووقتها لتعود إليه. رفع ذقنها نحوه ثم طبع قبلة طويلة فوق ثغرها المرتخي أسفل فمه تاركًا انفاسهما تختلط بضع لحظات قبل أن يبتعد يقبل وجنتها هامسًا: - بَحبِك.. كانت تشعر بدقاتها في حلقها من شده الانفعال لكنها ابتعدت خطوتين في توتر دون ان تجيبه. - احم...عُمر تعالى سلم عل...
لم يكمل ريان جملته حتى انطلق عُمر راكضًا من غرفته وكأنه كان جالس خلف الباب فابتسم ريان ابتسامة عريضة عندما حمل الصغير القافز بين ذراعيه يحتضنه بقوة قائلًا في مرح: - لمعت الاوكره يا حبيبي ولا لسه؟ - يعني ايه يا بابي ما هي نضيفه اصلًا. - لا يا حبيبي متشغلش بالك، المهم إنت راجل البيت هنا في غيابي خد بالك من ريم واوعى تتعبها.
انهى جملته بجدية بعيدة عن المرح، فهز عُمر رأسه في فهم، سعل ريان وهو يرمق ريم بطرف عينيه قبل أن يهمس في أذن صغيره: - حاول متخلهاش تنزل خالص، ولو الزفت التاني اتصل قولي لما ارجع، واتصرف يا عُمر، فاهمني طبعا. - فاهم فاهم لا تقلق لا تقلق... أخبره عُمر بثقه وهو يحرك كفيه الصغيرين فوق كتفي والده فضحك ريان بينما يضعه ارضًا مقبلًا إياه قبله أخيره قبل أن يلقي عليهم السلام ليذهب إلى المطار وكل ذرة في جسدُه تحاربه للبقاء والاستفادة من ثغرة القبول التي اظهرتها زوجته العنيدة.
بعد انتهاء طقوس العشق بينهما جلس "بيجاد" فوق فراشه يلتقط أنفاسه وقد خارت قواه من لقاءهما الحميمي الكاسح لمشاعره واضعًا زوجته الشبه عاريه بين ذراعيه يرفض التخلي عنها او ابتعادها ولو انش واحد. عبث في خصلاتها بينما قابلته هي بلمسات مختطفه تعبث فوق صدره في استرخاء تام لم يعهد "بيجاد" منذ قررت معاقبته بالانفصال الروحي والجسدي عنه، تنهد في راحة و وَد لو يخلد للنوم وينسى الحياة وما فيها من شغب يومي...شغب..!
انتفض من مكانه محركًا معه "وسام" المرتعبة التي تسألت متعجبة تغيره: - مالك يا بيجاد؟ - العيل المتني! ده هيبقى يوم أسود عليا لو الواد مشي. أبعدها عنه وهرع حول المكان يلملم ملابسه فاعتدلت وسام في جلستها بينما تغطي جسدها بالغطاء قائلة في غل: - إنت زي ما انت مفيش فايدة فيك.
- خلاص يا ستي أنا مش هعمله حاجه عشان مزاجي رايق بس، ابن المحظوظة انا راضي بالعلقة اللي ادتهاله، بس يمين بالله ما ياخد عربيته غير لما يجيبلي ولي أمره. قال ساخرًا فحركت رأسها بقلة حيله وقلبها يرتعش بتوتر بين اضلعها ودعت الله ان يكون الغبي الذي بالداخل قد هرب بالفعل.
وقفت هي الأخرى ترتدي ملابسها وقلقها يمنعها من ترجمة كلماته التي يرسلها اليها وهو يغادر، سمعت باب المنزل يغلق فانطلقت راكضه ما ان اكملت ملابسها وهرعت لتتفحص الوضع. فتحت باب غرفتها وتنفست في راحه واضعه كفها فوق صدرها بينما تستند بجسدها المتراخي للخلف متمتمه: - الحمدلله، عدت على خير.
وصل بيجاد أسفل المبنى فلم يجد علاء في انتظاره بالتأكيد مل الصغير حين تأخر، اتجه نحو المتجر يناديه قائلًا: -علاء هات الحاجة اللي معاك؟ -حاجة أيه؟ تساءل علاء مستغربًا فأخبره بيجاد بعفوية: -مفاتيح عربية الواد وتلفونه. -ما انا ادتهمله لما نزل يا كوتش.
امسكه بيجاد من ياقته في حده قائلًا من بين أسنانه: -ادتهمله ازاي يعني، انا مش منبه عليك تناديني لو نزل؟ ارتبك علاء الذي أخبره في نبرة يشوبها الحيرة: -مش أنت سيبته يمشي يا كوتش. -سيبته يمشي يا كوتش! انت سيبته يضحك عليك بالسهولة دي؟
-يضحك أيه بس، انا شايفه بعيني وهو نازل من شقتك..! تسمر بيجاد كمن صعقه الرعد في مكانه ثم دفع علاء معه نحو أسفل المبنى قبل ان يدفعه بعيدًا عن مسامع الجميع قائلًا بنبرة حادة: -انت بتقول ايه يا زفت انت، شوفته امتى وازاي؟ -بعد ما انت طلعت الحاج طلب مني اعمل حاجات وكنت خايف الحاجه تضيع مني، وأنا طالع على السلم عشان ادهوملك لقيته طالع من شقتك ولما قربت منه قالي انك صالحته وخد الحاجه ومشي.
شعر بيجاد بالأرض تدور من حوله واصابعه تكاد تنكسر من شده قبضته لكنه جذب علاء أشد من اللازم نحوه مهددًا من بين أسنانه: -أنا مش عايز كلمه من اللي انت قولتها دلوقتي تطلع لحد برا عني وعنك، أنت سامعني يا علاء! حرك علاء رأسه بالموافقة وملامحه تعكس ارتباكه وحيرته. تركه "بيجاد" واندفع كالإعصار الاهوج إلى شقته وكل ما يتملكه هو الغضب واحساس قبيح بالخيانة، موجه نحو شخص واحد فقط... زوجته...