رواية خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثامن
-منار ازيك يخرب عقلك كنتي وحشاني بجد! اتسعت ابتسامه منار وزال توترها بأن تكون قد تخط حدودها وقالت... -وانتي اكتر يا مدام شروق! -مدام! مالك يا منار يا حبيبتي انا شروق بس! قالتها شروق بملامح منكمشه لتضحك منار قائله... -معلش معلش انا كنت متوترة بس... -طيب ادخلي وقفا ليه؟ -لا مينفعش انا سايبه عم هلال لوحده تحت، انا قولت اطمن عليكي بسرعه و اجبلك طلبك الدايم! -طيب استني اجبلك الفلوس!
مصمصت منار شفتيها قائله... -فلوس ليه ان شاء الله ده هديه مني ولا منشبهش يعني! ضحكت شروق قائله... -طيب كتر خيرك يا ست منار و خلى عم هلال يخصمهم منك... خرجت ضحكتها الرنانة بعفوية لتهز رأسها قائله... -طيب يعملها كده وانا هاكل كل اللي في المحل! يلا يسعد مساكي بقي انا هنزل عشان متأخرش! -الله يهنيكي ويسعدك يا ميرو، لو عرفتي تفضي اطلعي اقعدي معايا انا بزهق لوحدي!
اتسعت ابتسامه منار وهي تهز رأسها بالموافقة و تهبط علي الدرج بسعادة...
في المساء... دلف ظافر الذي غاب النهار بأكملة الي المنزل، ابتسم تلقائيا وهو يستمع لأصوات ضحكاتهم العالية ….
اخذ يلملم الاكياس التي امضي ساعات طويله يتسوق بها لإحضار ما يمكن ان ينقص الطفل معتمدا علي خبرته مع يوسف و فريدة …. زادت ابتسامته وهو يتذكر العاملة بالمتجر وهي تدور حوله بنشاط طفولي مستمتعة ان هناك رجلا يقوم بتلك المهمة بدلا عن زوجته الحامل المتعبة لذلك فقد حرصت علي اعطائه كل ما ستحلم به امرأه من الوان زاهيه ملونه وملابس رقيقه مبطنة!
هز رأسه بابتسامه دائما ما يقع مصيره مع الصغيرات الحالمات! تنحنح ينظف حلقه عسي ان تنتبه الي وجوده، قبل ان يردف... -يوسف، يا فريدة؟! اقترب بعد دقائق من مصدر اصواتهم بغرفة الاطفال فوجد الباب شبه مفتوحا و رغما عنه وجد نفسه ينظر من تلك الفتحة ويبحث عن سبب ضحكاتهم تلك! فرغ فمه وهو يري شروق تجثو امام الفراش حيث يجلس طفليه بشعرها الاسود القصير بشكل يعطيه جاذبية خارقة...
تابع ملامحها ووجهها المشرق باحمرار وجنتيها من المجهود بالتأكيد وهي ترفع احدي الالعاب المحشوة فترسم بعض الاشكال المضحكه بوجهها و عينيها و تقول بصوت رفيع مضحك... -انا عايز العب مع فيري يا فيري بقي ماليش دعوة! قالتها وهي تهز رأسها عمدا بالنفي فتتناثر خصلاتها علي وجهها ورقبتها بطريقه مغرية للغاية! زفر وهو يعود الي الوراء! تبا لتلك التخيلات اين ذهب تهذيبه و ايمانه، هي لم تصبح زوجته بعد!
ليرتفع وجهه بنصف ابتسامه قاسيه، وكأن ذلك سيحدث فرقا بالطبع هي لن تقبل ان يكون زواجهم اكثر من زواجا ورقيا! احزنه ذلك التفكير كالعاده و شعر بغضب ينهش داخله! -شروق! هتف بحده وهو يعود نحو الاكياس! فانتفضت شروق برعب تبحث عن حجابها الملقي بجوارها بينما يسبقها يوسف وفريدة بسعاده الي والدهم... -باااااااابي! حمل الصغيرة الراكضة نحوه يقبلها ليميل نحو يوسف المحتضن لساقه مقبلا لرأسه...
خرجت شروق تمرر عيونها علي كل تلك الاكياس ليدق قلبها بترقب و ذهول وهي تري اسماء تدل علي مقتنيات الاطفال قد تكون اغراض لفريدة ويوسف... لا تريد ان تتحمس كثيرا فأعادت انظارها نحو انظاره المراقبة للهفتها فيمتلئ قلبه و داخله بسحابه دافئة ويتأكد له انه اتخذ الخطوة الصحيحة... تلاشي غضبه الذي نشأ منذ قليل وهو يردف بهدوء... -الحاجات دي عشان البيبي مش هتيجي تتفرجي عليها!
ابتسمت وهي تشعر بدموعها تحاول الهرب ولكنها ترفض البكاء في هذه اللحظه، قد تكون تافهه للبعض و لكن اليها هي تعني الكثير والكثير! احاطها يوسف وفيري بترقب لتبتسم بسعادة وهي تري اعينهم تكاد تأخذ شكل القلوب من الالوان الزاهية والاغراض... -اخر كيسين هناك بتوع فيري و يوسف ومحدش يمد ايده علي حاجه استنوا طنط شروق هتفرجكم!.. قفزت فريده بسعادة قائله... -يلا يلا ورينا يا سيري!
بذلك التصريح اخذت تفتح شروق الاكياس بسعادة بالغه و يرافقها يوسف وفيري في ضحكاتهم وتعليقاتهم حول مدي صغر ذلك المولود المنتظر! اما هو فقد جلس بعيدا يتابعهم بتمني من بعيد وعيونه تفترس اصغر ردود افعالها وكل تعبيراتها و يدها التي تلامس بطنها بين كل دقيقه والأخرى وكأنها تشاركه الحدث!
لقد نجح في كبح مشاعرهوهي زوجه يحيي اما الان وهي علي وشك الزواح منه، ترفض مشاعره التأني او الصبر حتي الشعور بالذنب اصبح لا يؤثر في كبح دقات قلبه!
في مكان اخر... -ممكن تقعدي زغللتيني... -اسكتي يا لولو انا متعصبه جدا! اردفت مني يخنق وهي ترتمي علي الأريكة الهزازة في حديقة قصرهم، لتجيب صديقتها لمياء المقربة... -يابنتي نفضي هو اللي خلقه مخلقش غيره و بعدين رجاله النادي كلهم تحت رجليك و يتمنوا بصه منك...
-لا انا عايزاه هو! هو فاكر بعد ما يطلقني و يبعتلي ورقتي يوم حفلتي قدام الكل هسيبه يستمتع بحياته! لا والف لا انا هقفلها عليه لحد ما بقي انا بس اللي قدامه و ساعتها هيجيلي يبوس القدم انا هذله ذل الكلاب!.. -يابنتي ريلكس محدش فاكر اصلا وبعدين ده مين يعني ولا غني ولا فظيع معرفش متعلقه بيه علي ايه! -عشان مش انا اللي واحد زي ده يبيع و يشتري فيا لازم ادمره! -طيب يلا عشان اتأخرنا علي حفله رودي!
-لا ماليش نفس مودي باظ! -بس رودي عامله نار و اغني الاغنياء هيحضروا ده غير انهم بيبقوا صغيرين وزي القمر... نكزتها لمياء بنظرة ذات معزي وابتسامه ماكره، لتزفر قبل ان ترمش بتفكير قائله... -اذا كان كده يبقي يلا ا بينا! وبذلك وقفت العقربتان لبدأ التجهيزات عسي ان تنتهي الحفلة بسهره الي احدي القري الساحلية مع اوسم رجال الحفلة!..
داخل مبني الأصدقاء... أغلقت سلمي هاتفها مع الطبيبة بأسي بعد ان كانت في طريقها لتمضي الوقت مع شروق ولكن بالطبع الأخبار لا تسر، توجهت لغرفتها مقررة الاختلاء بنفسها، ظلت تجول حول نفسها بتفكير غير مهتمه بمنع دموعها قبل أن تجففها بعنف مقرره مواجهه يزيد بشكل مباشر... توجهت إلي غرفه الجلوس فوجدته يتربع الأريكة و هاتفه تحت أذنه و اوراق كبيرة متناثرة حوله...
فالجميع في حاله تأهب لإعلان تلك الشركه الجديدة بين الأصدقاء... سعلت بخفه تشير إليه برغبتها في التحدث، فعقد حاجبيه قبل أن يستأذن مغلق الهاتف في دقيقه، نظر لها وهو يفرك جانب وجهه بتساؤل.. ابتسمت باتساع فكاد يبتسم بتلقائية ففي ابتسامتها تقبع سعادته، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! -مفيش امل خلاص عمري ما هخلف!
غامت عينيه بتفكير محاولا لملمه أفكاره و التحكم في تعبيرات وجهه حتي لا يؤذي مشاعرها دون قصد، يكفي الحزن الدفين المنعكس في عينيها السوداء ليعلم أنها تنزف من الداخل... نظر للاوراق بحدة قائلا... -طيب! دوت ضحكتها الجافة المكان لتردف وهي تقترب منه قائله... -وبعدين! -مش مهم يا سلمي! رفعت وجهه بين كفيها وهي تميل نحوه تقبل جبهته قائله بخفوت و حزن...
-لا مهم يا يزيد، عشان خاطري ريحني لو فعلا بتحبني متعذبنيش بالذنب اكتر من كده! جذبها نحوه لتستقر في أحضانه علي الأريكة ليردف بخفوت و إصرار.. -الذنب انتي اللي معيشه نفسك فيه يا حبيبتي، عشان انتي مش عايزة تفهمي انك حبيبتي و قلبي اختارك انتي وهيختارك انتي طول ما انا فيا نفس! انهي كلماته وهو يتابع تساقط دموعها بحزن فيميل عليها يطبع قبله خفيفة علي وجنتها...
رفعت كفيها تمررها علي وجنتيه المنبتة بشعرات قصيرة مرار و تكرارا وكأنها تلمسه للمرة الاخيرة تنظر له بعيون تشع بحب العالم لتردف بعد مده... -وعشان انا حبيبتك مستحيل ارضي بكده! أغمض عينيه بغضب و حزن قبل أن يزيل يديها و يرفعها عنه يضعها علي الأريكة بجواره ويلملم اوراقه بتجاهل قائلا... -انا طالع لمروان! وبذلك القول اختفي عن عيونها الباكية.
بعد فترة... زفر ظافر بحنق قائلا... -مش كنا استنينا الافتتاح ده بعد شروق ماتولد! -الله! تاني يا ظافر! ما قولنا السوق فرض اننا نبدأ بسرعه وبعدين ربنا سهل وقدرنا نشتري مكان جاهز من مجاميعه بموظفيه انت ايه مضايقك بس! قال يزيد للمرة الالف وهو يقف امام باب شقته منتظر خروج سلمي! -مفيش بس الدكتوره قالت انها ممكن تولد في اي لحظه والتانية! قال ظافر بقلق...
-متقلقش متقلقش وبعدين دي حاجه بسيطه و مروان عامل مفاجأة بعرض مسرحي يعني لازم اعضاء الاداره التلاته يبقوا موجودين! هز ظافر رأسه بالموافقه وما هي الا دقائق حتي خرجت شروق مرتديه فستان اسود رقيق غاية في الرقة ويحيطها الحجاب الابيض الذي اصر علي ان ترتديه رافضا طقوسها بربط الحزن بالأسود فابن عمه شهيد حي في السماء ويجب ارتداء الابيض لا الاسود!
وقد رضخت له بعد مشادة حاده بينهم انتهت بتدخلات يوسف وفريدة وهم يتهمانه بسوء معاملتها! تبعها يوسف المرتدي قميص و شورت و صغيرته مرتديه فستان احمر منقط بالأبيض، مال بنصف ابتسامه يحملها ويعدل فستانها متحسسا الشورت الابيض القطني، يتذكر عندما جن جنون شروق حين عملت انه يجعلها ترتدي الفساتين علي ملابسها الداخلية فقط، متهمة اياه بالإهمال!
ماذا يعلم هو عن عالم النساء! مالت نظرة منه لفستان شروق واتسعت ابتسامه بالتأكيد ترتدي هي الأخرى! التقت انظارهم لترتبك شروق وهي تراه ينظر الي فستانها وتتبع نظراته تخشي ان يكون قد اتسخ او شيء من هذا القبيل ولكنها لم تجد شيئا... خرجت ضحكه خفيفة منه قبل ان يستدير ليتجه الي الاسفل…. عديم الذوق والادب! فكرت بغضب وعقلها يدور حول سبب تلك الضحكات هل يري مهرجا امامه ذلك اللعين!
تخطت قامته وهي تري يزيد يمسك بيد سلمي ولاحظت تشنج جسد صديقتها لتقطب حاجبيها بتفكير... هل تشاجرا ام ماذا؟!
مال يزيد علي سلمي محذرا... -بطلي تفركي مش هسيب ايدك طول اليوم ده! نظرت بعيدا بغضب لتردف بعد دقائق... -عزمت مامتك واختك؟ لم يجيبها لتهز رأسها بحنق و تزم شفتيها بالتأكيد لم يفعل فهي هادمه العائلات... صعدت معه السيارة ليترك يدها اخيرا فتلوح لشروق المتساؤله مطمئنه اياها ان كل شيء علي ما يرام! بغد مرور ساعه وقف مروان ينتظرهم بالخارج بابتسامه بالغه ليردف بسعادة عند نزولهم...
-يلا العرض هيبتدى! دلفت شروق الممسكة بيد يوسف الصغير تنظر حولها بانبهار لتقف عند بوستر كبير معلق بفخر فتحنو عيناها و ترتسم شفتيها بابتسامه حزينة... اهداء الي العنصر الذهبي في حياتنا، البطل و الشهيد يحيي الراوي رفيق الدرب! نظرت الي الاسفل تحادث صغيرها بالداخل حديث فخر و حب يفهماه هما وحدهما... -تعالي اقعدي...
قال ظافر بهدوء وصوت محشرج بالمشاعر وهو يدلها علي مكانها، جلس جوارها وفريده علي ساقه تشعر بالخوف للجلوس وحيده وسط هذا الجمع من الناس! اما يوسف فجلس بثقه بجوار مروان... بعد مقدمات و دقائق طويله اشعرته بالملل حتي وان كان هو من يتوسط الاضواء و الاحداث، بدأ اخيرا العرض المسرحي باسم ( وطن )...
احتضن فريدة اليه وقلبه يتقلب داخل صدرة ويتم آسره من اول كلمة تخرج من فتي صغير مرتدي زيا عسكريا ويتوسط خشبه العرض...
رواية خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل التاسع
شعر ظافر بدقات قلبه تضرب في اذنه بشده ولكنه انتبه لأنفاس شروق العالية و عيونها الحمراء الباكية انتفض بخضه يمسك يدها القابضة علي المقعد بقسوة متسائلا... -مالك يا شروق؟! نظرت له بألم مكتوم و ذعر قائله... -انا بولد!
في المشفي... اخذ ظافر يأتي و يذهب امام غرفه العمليات و قلبه يعتصر بخوف رهيب، و عقله يعود به الي جملتها الاخيرة وهي تدلف مع الاطباء بهلع تناديه قائله... - لو حصلي حاجه ابني امانه في رقبتك زيه زي يوسف يا ظافر! زفر بحنق يدعوا الله بان ينتهي الامر علي خير و يزيد بجواره يربت علي ظهره... -ربنا كبير متقلقش! -بقالها اكتر من ساعه جوا! قالها بتوتر كبير ليردف يزيد مطمئنا... -هي العمليات القيصري كده!
-بس الزفت ده قال ساعه الا ربع و عدي ساعه كامله! -وبعدين يا ظافر انت بتقلق نفسك و خلاص ايه يعني 15 دقيقه زياده وانا هتصرف يا سيدي! اتجه يزيد بثقه نحو باب جانبي يطل ايضا علي غرفه العمليات يدق مرتين قبل ان تفتح له احدي الممرضات فتحه صغيره بتساؤل ليردف بأدب... -لو سمحتي احنا عايزين نطمن علي مدام شروق! -لسه يا فندم لكن الحالتين اللي جوا تمام! ليأتي صوت ظافر العاصف فتنتفض الممرضة بخضه...
-لسه ايه يعني! مين بيولد في ساعه! ابعده يزيد وهو يرسل اسفه للفتاه بعينيه قائلا... -معلش هو متوتر بس! رمقته الممرضه بحده قبل ان تغلق الباب في وجهيهم ليضيق يزيد عينيه بأتهام قائلا... -عجبك كده! في ايه يا ظافر ما تهدي شويه!
زفر ظافر وهو يبعد يد يزيد عن صدره ليتجه الي باب العمليات الرئيسي يدعوا ويدعوا فان حدث لها شيء لن يتيتم الصغير فقط بل ابناءه ايضا للمرة الثانية علي التوالي ويعلم جيدا انه بفقدانها سيتحطم قلبه كليا!.. اغمض عينيه وهو يسند برأسه للخلف حتي انفتح الباب لتخرج شروق علي السرير المتنقل! انتفض نحوها يحمد الله علي سلامتها بينما التفت يزيد يسارا ويمينا متساءلا... -ايه يا جدعان اومال فين النونو؟!
-حضرتك اتفضل ناحيه اوضه الاطفال هتشوفه من الشباك! -اشوفه من الشباك! هو انا بحجز سينما فين الواد؟! اردف يزيد ليتجاهله ظافر و يتجه اليها سمح لنفسه بملامسه يدها قائلا... -حمدالله علي السلامه! هزت رأسها بتعب وحاولت الابتسام قليلا... مرت لحظه صامته تتحادث بها اعينهم قبل ان تتحرك بها الممرضة الي غرفتها..
وقف ظافر ويزيد عند غرفه الاطفال وانظارهم معلقه علي ذلك الطفل الصغير النائم بهدوء بينما يبكي الاطفال حوله! ابتسم يزيد قائلا... -نومه تقيل زي ابوه الله يرحمه! ابتسم ظافر نصف ابتسامه وهو يشعر بسعادة لم يتوقعها تنتشر داخله...
بعد مرور ثلاث أسابيع... -مش اسلوب ده علي فكره يا زلومتي انا بقالي تلت اسابيع مش عارف اشيل الولد! نظرت له سلمي شزرا وهي تهز الطفل بين ذراعيها وتداعبه بفمها... ابتسم يزيد رغم غيظه ونظر حوله قبل ان يميل يقبل رأسها سريعا و يبتعد... -يزيد! -انا كان قصدي ابوس الولد! -بردو مش هدهولك!.. دلف ظافر يضع بعض الاكواب امامهم قائلا... -لا انت ولا هي هاتوا يحيي واتفضلوا بقي من غير مطرود عايزين ننام!
اخذ الطفل من احضان سلمي التي لازمت شروق الاسابيع الماضية وتحملت الكثير معهم... -ماشي يا استاذ ظافر! تصبح علي خير! -وانتوا من اهله خدوا الباب وراكم! اما انت بقي فتعالي يا استاذ نام اخواتك بيناموا خلاص نام بقي و ريح امك شويه! لمس وجنته الصغيرة قبل ان يميل اليه يقبله... وضعه في فراشه الصغير بجوار فراش والدته واخذ يهزه بعناية و هدوء...
تثائب بتعب فقد كانت الايام الماضية متعبه للغاية ما بين جنون اطفاله وبكاء يحيي الدائم و شروق التي يراها تدور حول نفسها حتي تنهار في البكاء ليلا حين لا تعتقد ان احدهم يستمع اليها ولكنه يفعل! ابتسم لعل افضل ما حدث في تلك الايام هو اتمام زواجه منها فتصبح زوجته علي سنه الله ورسوله وعودته للنوم في غرفته ليس حبا بها ولكن تلبيه لرغبه قلبه في البقاء مع عائلته في نفس المكان...
نظر الي الساعة بتعجب لقد ذهبت لقراءة قصه للصغيرين قبل النوم، لما تأخرت هكذا؟! لم يكن يعلم ان صغيريه مرهقين الي هذا الحد حتي احضر تلك المربية التي عاشرتهم اسبوع وهرعت تهرب من مهامها مستنكره رفض الاطفال الدائم لها و رغبتهم في شروق فقط فيبدو ان الخوف من وجود غريم جديد يتملكهم بشده ليستقر به الامر بأحضار فتاة متوسطة العمر لتقوم بالأعمال المنزلية يوميا!
اعاد نظره الي يحيي الصغير فوجده نائم بعمق، قرر الذهاب لألقاء نظره عليها ثم اخذ حمام دافئ ليبسط عضلاته... فتح باب غرفة الصغيران يبحث عنها بعيونه ليبتسم وهو يراها تتوسطهم و تغط في نوم عميق... اتجه ببطء نحوها قبل ان يتوقف ويبيح لنفسه تفحص وجهها الجميل رغم تعبها و ارهاقها الواضح؛ طالت نظراته اقل مما ينبغي علي جسدها الصغير الممتلئ في اماكنه الصحيحة!
هز رأسه باستنكار من افعاله ليميل نحوها يهزها مرتين فتفتح عيونها بذعر، شهقت بخضه وهي تعتدل... فوضع ظافر يده علي فمها وهو يشير لها بالهدوء بأصبعه حتي لا توقظ الاطفال فيهمس قائلا... -اهدي! انتي نايمه هنا و يحيي نايم جوا، انا قولت اصحيكي تروحيلوا عشان لو عيط! هزت رأسها وقلبها يدق سريعا وهي تشعر بكفة الدافئ يحاوط شفتيها المرتعشة...
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يستشعر توترها ليتنحنح وهو يعود للوراء يبعد يده غصبا ويتجه للخارج وهي تتبعه... وقفت تفرك اصابعها بتوتر لتعود وتمرر اصابعها بين خصلات شعرها، لابد انها تبدو كالزومبى بينما يقف هو كنجم متألق بلا اي مجهود يذكر! -امممم انا هنام!
قالتها وهي تتجه الي غرفتها بينما هز هو رأسه يرغب فقط لو يتجه خلفها ويخطفها بين احضانه! ما ان اغلقت الباب حتي زفر بحنق لطالما كان التسرع في رفع الآمال العيب الاكبر بشخصيته، بالطبع هي لن تلاحظ وجوده كزوج و رجل هي فقط تريد السند والحماية والاب لطفلها وبالطبع هو لن يبخل بذلك ابدا!
في شقه يزيد و سلمي... اخذ يهز ساقه بعنف وهو يجلس بجوارها يشاهدها تقرأ كتاب متجاهله إياه تماما... لم تكن تقرأ كلمه مما تراها وعقلها منغمس بتحليلاتها قد يبات و يصبح يحلف لها انه يرغبها و لا يرغب بطفل ولكن وصول يحيي الصغير و جنون يزيد وحبه له اثبتلها صحه قرارها وان كان هناك شك ولو بسيط في قرارها فقد زال تمام...
نظف حلقه وهو يتثاءب و يحاول وضع ذراعه حولها ولكنها اعتدلت برفض وهي تغلق الكتاب قائلة... -طلقني! كان لايزال ذراعه بالهواء فأعاده بجواره متجاهلا اياها واتجه لمشاهده التلفاز... -يزيد بكلمك رد عليا! -وانا مش عايز اتكلم يا زلومتي! -طلقني لاني بكرهك وهرجع لاهلي! رمقها بنظره لو كانت موجهه لرجل لهرع هاربا فاردف بهدوء ينذر بالشر... -ترجعي عند اهلك مين؟
عقدت ملامحها بغيظ فبداخلها تعلم ان اسرتها البسيطة سترفض بقاءها والابتعاد عن زوجها خوفا من ان يلتصق بها لقب مطلقه ولكنها اكملت بشجاعه... -بيت اهلي يا يزيد ايه نسيت ان ليا اهل! -لا منستش بس عندي فضول اعرف هتقوليلهم ايه؟ نظرت له بصمت قبل ان تخفض بصرها قائله.. -هقولهم اني مستحيل اخلف واننا اتفقنا ننفصل! -احنا مين يا سلمي؟! القرار ده ليكي لوحدك!
-متصعبش الامر علينا اكتر من كده لو سمحت طلقني واتجوز غيري! -مش هطلقك يا سلمي! جزت علي اسنانها بغضب لتردف بغضب منفجر... -طلقني بقي انا زهقت انت ايه يا اخي معندكش دم! انا مش عايزة اعيش معاك مش طيقاك مش طيقاك! وقف بحده يطيح بالطاولة امامه فتصرخ بخضه وهي تضع يدها علي رأسها تستمع الي صراخه المدوي...
-انتي اللي معندكيش دم! ارحميني بقي انتي كل يوم بتموتيني بكلامك ده انتي كل ثانيه بتدبحيني بغباءك ؛ ارحميني يا شيخه و ارحمي عيشتنا اللي بقت سوده! كانت تبكي بشده جعلت سائر جسدها يرتعش، جثا امامها قائلا بغضب وهو يمسكها بحده يحاول ادخال كلماته الي عقلها عنوة!
-اسمعيني كويس! انا مش هطلقك و شغل الجبروت اللي بقيتي فيه ده مش عليا انا عامل حساب لحب كان بينا وعارف ومتأكد انك بتحبيني وإنك مصره تكرهيني فيكي! خرجت شهقات بكاءها وهي تبعد عيناها عن نظراته المتهمة فأردفت بقله حيله و حزن... -انا اسفه بس ارجوك ابعد عني و طلقني! -بصيلي وانا بكلمك! علا صوته وهو يهزها بعنف حتي اعادت رأسها تنظر الي عينيه بنظراته التي تعكس موت قلبه، هز رأسه بخيبه امل ليردف...
-لو فاكره اني هطلقك يبقي اكيد اتجننتي يمكن انتي سهل تنسي حبك ليا وتنسي اني كنت في يوم كل حياتك ويمكن انتي خدعتيني من الاول ومحبتنيش اصلا! متقاطعنيش! صرخ بحده عندما حاولت التحدث لتغلق فمها و دموعها تهبط، استكمل حديثه وهو يشد علي كل كلمة قائلا...
-لو وصلت اني اكسرك واعيد تأسيسك من اول و جديد مش هتهز وانا بعملها بالذوق بالعافيه هتفضلي جنبي انا مش لعبه في ايدك تقرري تخديها او تسيبيها في اي وقت، انتي فاهمه! نظرت له مذهولة وهي تشاهد عيونه تزداد سوادا بغضب و غل مع كلماته حتي دفعها تماما بحده واتجه كالإعصار يبحث عن مفاتيحه ؛ سحب هاتفه قبل ان يخرج من الشفه تماما غير ابهه انه يخرج بملابسه البيتيه!
اما هي فقد انتهي بها الامر متكورة علي ذاتها تخرج كل احزانها في دموع حارقه تخرج من قلبها الممزق كارهه مصيرها داعيه الله ان ينهي هذا العذاب...
في شقه ظافر... كاد يستسلم للنوم عندما اتاه صوت بكاء الرضيع، تنهد بتعب عندما استمر بكاءه فقرر رؤيته خوفا ان تكون شروق منهكه تماما ولا تسمعه... رأي نور المطبخ مشتعلا وسمع صوت الماء، لابد انها تغلي بيبرونات الصغير لاعطاءه اللبن... دلف يحمل الصغير بين ذراعيه يهدهده بحذر شديد من ان يضره بيداه الكبيرتان واخذ يهمس له بابتسامه... -ماما جايه بالأكل خلاص بطل فجعه!
قلقت شروق عندما توقف الصغير عن البكاء وما ان اشعلت النار علي الماء حتي توجهت سريعا للغرفه... توقفت عندما رأت طفلها بين ذراعي ظافر، انتفض قلبها ينقبض و ينبسط، و مشاعر غريبه عليها بدأت تحيط بها كسحابة كبير ماذا يسمي هذا الشعور الذي يعصف بداخل الانسان فيسرق منه الكنون!.. ارتسمت بسمه خفيفه علي وجهها وهي تراه يضع الصغير النائم بهدوء بالغ و رقه لم تعهدها منه...
هل هذه اللمسات الرقيقة تقتصر علي من يحب، تري ماذا سيكون شعور يديه القوية علي بشرتها! اتسعت عيناها بخجل وهربت مسرعه الي المطبخ، هل فقدت عقلها تماما! و علي ماذا ستعلق تلك الرغبة الغريبة فلا وجود لهرمونات الحمل للومها!
رواية خيوط الغرام للكاتبة دينا ابراهيم الفصل العاشر
اتجه ظافر لمساعدتها فوجدها تتنقل بتوتر بين ارجاء المطبخ، رفع حاجبه وهو يسعل بخفه معلنا عن وجوده فرمقته بسرعه وابعدت بصرها لتعود و تقف امام الموقد تتحايل علي الماء لان يغلي فتهرب الي غرفتها وصغيرها! علت انفاسها قليلا وهي تفرك اصابعها معلنه عن تحول جسدها لشعله من القلق و التوتر و شعور اخر مخزي! -روحي انتي ليحيي وانا هشيل الببرونات لما تغلي اجبهالك جوا!
قال بصوت به بحه لم تعتادها وهو يستقر بجوارها... -لا مفيش داعي انا خلصت اهوه! وقع الغطاء من يدها ليميل الاثنان لإحضاره فاصطدمت رأسها برأسه الصلبة! -ااي! قالتها وهي تستقيم وتفرك رأسها، فابتسم هو ليردف... -اسف! انا هجيبه!.. مال بنصف جسده يحضره من تحت اقدامها، فلامس ظهر يده بعفوية ساقها الظاهر من رداءها و الذي يرتفع عن قدمها بشبرين ولكنها لمسه صدمت الاثنان معا وجمدتهم مكانهم!
شعر بها ترتعش بخفه، فاشتعل قلبه بمشاعر يكبتها منذ زمن... اهتزت اصابعه وهو يقبضها ويبسطها علي ساقها يستشعر نعومة ورقه بشرتها كوردة في الربيع علت انفاسه قليلا وهو يرفع اصابعه تدريجيا ببطيء شديد متناسيا الغطاء الملقي علي الارض... اغمضت عينيها بقوة وهي تستمع الي انفاسهم العالية والتي ملأت الغرفة ممزوجة بصوت غليان الماء، و دقات قلبها تدق في اذنها...
احمرت اذنه بانفعال وهو يشعر برأسه يدور قليلا بنشوة وكأنه يلمس امرأه للمرة الاولي! ضغط بيده علي ساقها يحفر الشعور بملمسها تحت اصابعه في قلبه... لامس طرف ردائها القطني يده وهو يستمر بملامساته ورفه يده بشوق... شعرت بثقل صدره وجبينه يميل نحوها و يلامس جانب جسدها وكأن قواه قد خارت فمدت يدها تمسك حافه الموقد بشده خوفا من ان تسقط كالماء بين يديه... -بابي!
انتفض الاثنان بخضه ليستقيم ظافر ويستدير نحو صوت طفله الناعس الذي يفرك في عينيه... -في حاجه يا يوسف... قالها بصوت يشع بأحاسيسه المختلطة وهو يراها تطفئ الموقد متناسيه تجهيز اللبن للرضيع وتركض متخطيه يوسف الصغير دون ان ترفع وجهها لمره نحوه... -عايز اشرب! -حاضر يا حبيبي! قالها وهو يتابع اختفاءها بعينيه!
تبا! ما الذي حدث للتو! ماهذا الجنون الذي انفجر داخله فيجعله يفقد السيطرة و يظهر كمراهق مذبذب المشاعر!
هربت شروق وهي تغلق الباب بخجل، وضعت كفيها علي وجنتيها الحمراء الساخنة قبل ان تنقل احدهما الي صدرها تتحس قلبها المتسارع! كيف ستريه وجهها بعد ما حدث بينهم! هزت راسها بعنف و خجل ترفض التفكير، سيكون مهمتها القادمة الابتعاد عنه قدر الامكان!
اسفل المبني... اغلق سيارته وهو يرتدي نظارته الشمسية حتي يخفي نظراته المسروقة نحوها... فقد اتخذ القرار بانتهاء هذه المهزلة حتي لا يقودها للاعتقاد بإمكانيه حدوث امر بينهم! عقد حاجبيه وهو يراها تقف بين شابين، انتب لحركه يدها وكأنها تخبرهم بالرحيل! هل يضايقونها ام ماذا؟! كانت منار في مزاج لا يطاق و حالتها مزرية فقد لاحظت تعمد مروان للصعود سريعا حتي انه صار لا يشتري الخبز منها...
حتي مراقبته لها و التي دأب علي فعلها منذ شهور انهاها! فانتهت بها الايام الماضية في مزاج يؤهلها لقتل اي كائن حتي زوج والدتها رحمها الله و شقيقها من والدتها لم يسلما من لسانها السليط! ولكنها لن تشعر بشفقه علي اي منهم!
فما فائدة شقيق لا يهتم بها ويشاركم المأوي ليجد مكان ينام به ليلا، وهو الوقت الذي تسمح به لنفسها للعودة الي البيت لتفادي حركات زوج والدتها القذر ولكن شقيقها حتي وان اظهر لا مباله فيما بينهم متاكده انه يعود من اجلها! ليأتي هاذين الاحمقين الان وهي تراقبه يقطعان وقتها المقدس المخصص لمشاهدته وهو يعود الي منزله بهيئته الرائعة و ملابسه المنمقة و تلك الهيبة الي تسلبها عقلها!
-يلا من هنا انت وهو، مش ناقصه قرف علي المسا! -ليه بس يا جميل ده احنا عايزين الرضا! قالها احدهم وهو يقترب لتصيح بحده وهي تعود بنصف جسدها للوراء و تفتح ذراعيها بغضب... -جرا ياض انت وهو ما تغورا بدل و ديني لأنسل اللي في رجلي علي دماغك انت وهو يا نص كم! -ايه ده ايه ده! انتي هتعملي الشريفه!
قالها الاخر لتشهق باستنكار وتوعد وهي تميل ترفع رداءها وتعقده علي خصرها فتعود و تسحب خفها وسط ذهول الرجلين وذهول مروان الذي رمي حقيبه وهرع اليها بدماء تغلي وهو يحمد الله علي ذلك السروال القطني البشع التي ترتدي تحت فستانها! عاد الشابين بصدمه الي الخلف وهي تهجم عليهم قبل ان ينضم اليها مروان فينهال عليهما ضربا دون كلمه!
عادت منار الي الوراء تراقب بسعادة وقلب متحمس والشابان يركضان بعيدا، اعادت خفها الي قدميها واردفت... -عيال صايعة ماتربتش! -والله محد عايز يتربي غيرك! اتسع فمها بصدمه وهو يمسكها بحده يجذبها الي الدكان... -اي اي براحه! -انتي اتهبلتي! فاكرة نفسك راجل ولا ايه! جذبت يدها بغيظ قائله... -انا مش راجل ده انا بميه راجل! هز رأسه بغضب ليردف من بين اسنانه!
-وكنتي هتعملي ايه يا ميه راجل لما يتجمعوا عليكي ويرنوكي علقه ويا عالم كان ممكن يعملوا ايه تاني! -يا سلام وانا مالي! -يعني ايه مالك ؛ انتي قاعده ليه لحد الساعة عشرة بليل في الشارع اصلا! -الله انا قاعده في اكل عيشي و هما اللي جاينلي اعملهم ايه يعني و لا انا اللي ندهتهم قولتلهم ونبي تعالوا زاولوني! -والله مش لاقي مبرر! قالها باتهام ليزيد تنفسها بغضب وهي تضع يدها علي خصرها قائله...
-وتلاقي مبرر ليه! محدش قالك اتدخل اصلا! -وطي صوتك وانتي بتكلميني! قالها بحده و هو يرفع اصبعه بتحذير وكأنها طفله صغيرة، عضت علي لسانها وهي تري جديه ملامحه ونظرت بعيدا عنه عاقده ذراعيها باستنكار واعتراض... زفر بحنق وهو يهز رأسه بقله صبر ليردف بعدها... -مش المفروض ابدا ان بنت تشتغل بعد الساعه عشرة بليل و لو صاحب الفرن هو السبب انا هكلمه! -لا انا اللي عايزة اشتغل واقفل براحتي!
قالتها وهي تنظر بعيدا رافضه ان تخبره بانها تنتظر حتي تضمن وصول شقيقها الي المنزل المكون من غرفتين فقط فتستطيع العودة والحصول علي بعض الراحة قبل الذهاب للعمل في الصباح الباكر قبل استيقاظهم والهرب من زوج والدتها! -يا سلام ده انتي بجحه اوي! -يا سلا... -بس متتكلميش! قاطعها بحده لتزفر بغضب وهي تدور في المكان تحاول تجاهله، فأخذت تخبط كل تقع يدها عليه...
وضع مروان يده علي جانب وجهه بغضب محاولا التركيز والتفكير بهدوء حتي لا يجذبها من شعرها الغجري بلون العسل! -ممكن تقفلي وتتفضلي تروحي!
رمقته بطرف عينيها لتهز رأسها بالموافقة، ساعدها مروان لينتهوا بعض دقائق ويتم اغلاق المكان! اتجه الي سيارته متوقعا منها اتباعه ولكنه فوجئ بها تفرد ردائها الذي تناسي وجوده حول خصرها و تتجه بعيدا عنه، هرع خلفها يمسك بذراعها قائلا... -انتي رايحه فين! كانت تضع علكه جديده في فمها بدل التي بصقتها في الشجار، فكادت تختنق بها وهي تشعر بقوة يديه تحيط بذراعها، سعلت قبل ان تردف... -مروحه؟!
-انتي بتسألي و لا بتعرضي ولا في مكان تاني عايزة تروحيه! لمحت نظراته النارية المعلقة بها فتوترت قائله وهي تضرب كف علي كف... -يوووه مش قولت روحي! اديني كنت مروحه اهوه هروح فين يعني! -اركبي يا منار انا اللي هوصلك! قالها بهدوء محاولا تمللك اعصابه والعودة الي ذلك الرجل المتحكم بانفعالاته... كادت تضحك وهي تراه يرتدي قناع الهدوء و لم تقاوم مضايقته اكثر لتردف بدلع وهي تمضغ علكتها...
-اه ان كان كده ماشي! تعلم تماما انه يغتاظ بشده من اصطناعها للجراءه فتتعمد جذبه بها، حتي يخرج عن طور قناعاته الباردة... ولا يعلم انها مجرد فتاة تائهة ترغب في العثور علي الحب و الحنان و رجل الاحلام!
وقف مروان يجذ علي اسنانه بغضب رافضا تماما تصرفات الصغيرة الوقحة حتي وان كانت موجهه له فمن يعلم مع من غيره تقوم بمثل هذه التصرفات! اغمض عينيه يستجمع قوته فلديه شعور قوي ان الدقائق القادمة ستكون اطول دقائق في حياته!
بعد يومين... دلف ظافر الي مكتبه بغضب فمنذ ما حدث بينه وبين شروق لم يرها فأصبحت تتعمد الابتعاد عنه والاختباء بغرفتها... حسنا ربما قد تخطي الحدود ولكنه رجلا قبل كل شيء وهي زوجته بالفعل فلا داعي لهذا العقاب الذي يزعجه بشده! لم يكن يتصور انه اعتدها بهذا الشكل بحيث اصبح كالمجنون في يومين لاختبائها منه وغيابها عن انظاره.. -ايه يا عم انت هتطلع نار من بقك ولا ايه؟!
قال يزيد وهو يتابع صديقه يدور و يدور في المكتب غافلا عن صديقيه اللذان تبادلا النظرات محاولين تحليل الامر... نظر له ظافر بحده رافضا الحديث فاردف مروان... -اجيبلك لمون يهديك؟ -مش عايز حاجه خليكوا في حالكم دلوقتي! مال يزيد علي مروان هامسا... -شكلها منفضاله من ساعتها!
لكزة مروان بحده حتي لا يسمعه ظافر فيجن جنونه ان علم بوصول الخبر اليهم والذي حدث بالصدفة البحتة عندما جاءت شروق لمحادثه سلمي فأخبرتها بما حدث بينها وبين ظافر غير منتبهين الي يزيد الذي كان يدلف ليغير ملابسه فوصل الامر الي مسامعه! ومنذ ذلك الحين ويحاول الاثنان انقاذ صديقهم لينعم بحياة طبيعية سعيدة... تنحنح مروان قائلا... -وشروق عامله ايه؟ نظر له ظافر بحاجب مرفوع قبل ان يردف... -كويسه!
-امممممم مع اني شفتها المرة اللي فاتت مرهقه انت مش بتاخد بالك منها ولا ايه... وقف ظافربغضب قائلا.. -في ايه يا مروان انا مش ناقصك! رمقه مروان ببرود وثقه قائلا... -ليه وراك ايه! -اه، انت فايق و رايق شكلك... قالها وهو يسحب مفاتيحه و هاتفه ليوقفه مروان قائلا... -خد بالك منها شروق شابه ولازم تعيش الحياة مش تدفنها بالحيا!
قذف ظافر ما بيده وهو يتجه بعنف نحوه يرغب في خنقه للحديث عن زوجته من الاساس فأوقفه يزيد بصعوبة امام مكتب مروان قائلا... -مروان متستعبطش! وقف مروان بهدوء ليدور حول المكتب فيقف امامهم تمام واضعا يده في جيب سرواله و يردف بتعجب... -لا برافو فعلا، كمان مش قادر تواجهه افعالك! نظر ظافر لمروان شزرا قائلا بتحذير... -مروان متخلناش نخسر بعض!
-انت مش هتخسرني انا لا بغباءك انت هتخسر كل حاجه! متخلهاش تصدق انك متجوزها عشان تحميها وفي المقابل تلاقي داده لعيالك! نظر يزيد بصدمه لمروان الذي تحولت ملامحه لجديه تامه و اتخذ الحوار منحني خطير... ضيق ظافر عينيه بقسوة وعلت انفاسه الغاضبة فاردف بحده مدافعا... -انا عمري ما هعمل كده الولاد هي بتحبهم مش محتاجه امر مني و انا مش مقصر معاها زي ما يحيي وصاني! نظر له مروان بنصف ابتسامه سخريه قائلا...
-ونعمه الامانة اتجوزتها عشان تحكم عليها بالمقبض تعيش وحيده! لا كتر خيرك! انتفض يزيد بقلق عندما خبط ظافر كفه بعنف علي سطح المكتب بعيون غاضبه ليردف من بين اسنانه... -كلامك زاد عن حده يا مروان انا مش هسمح انك تتكلم معاايا بالاسلوب ده! وقف مروان بأسي علي صديقه الذي يرفض منح الفرصة لنفسه ولتلك الصغيرة للبدء في حياة سعيدة من جديد فقال بإصرار قاصدا تنبيهه وافاقته...
-يا ريتك سيبتها علي الاقل كانت لقت اللي يسعدها... تدخل يزيد مستكفي بهذه الدراما وهو يسحب ذراع مروان بحده للخارج قائلا... -مروان متستعبطش انت زودتها اوي! لكن ظافر تبعه يبعده وامسك بياقة مروان بحده قائلا بجنون... -عايز توصل لايه يا مروان؟ -طلقها وايه رايك اتجوزها انا علي الاقل هقدر اسعدها واقدملها حياة تستحقها!
لكمه ظافر لكمات مفاجأة و متتاليه بغضب اعماه عن صديقه الاقرب فأخذ جسداهما يتطحنان يسارا و يمينا لينجح يزيد بأعجوبة في التفريق بينهم... بصق مروان بعض الدماء من قمه قائلا... - زعلان ليه مش دي الحقيقه! انت متجوز واحده عندها اتنين وعشرين سنه عشان تحرمها من الحياة، هو ده تفسيرك لانها تكون امانه في رقبتك! مش بني ادمه دي عايزة تعيش و تحب و تتحب مش قد الجواز مكنتش اتجوزتها!
كاد يهاجمه ظافر مرة اخري عندما اخذ هاتفه بالرنين بالرنه المميزة لهاتف يوسف، تنفس بحده محاولا الهدوء قبل ان يجيب خوفا من حدوث امر هام... -الو يا يوسف، متعرفش مين؟ لسه بتعيط ولا خلاص؟! ماشي يا حبيبي انا جاي متقلقش خليك معاها و خد بالك من فيري! نظر حوله يبحث عن مفاتيحه فالتقطها مروان قائلا بقلق... -في حاجه حصلت! نظر له ظافر بغضب يرفض محادثته و مد يده يجذبها من يده فسحبها مروان قائلا...
-يا عبيط انا اخوك ؛ عايزك تفوق قبل ما تندم انت لو لفيت الدنيا مش هتلاقي احسن من شروق! زفر بغضب وهو يسحب مفاتيحه قائلا... -هي دي طريقتك انك تبين اني اخوك! -لا بس كنت بتأكد بس انك لسه بتحب الستات عشان يزيد كان بيقول حاجه تانيه! قالها بابتسامه مشاكسه و واسعه، رمش ظافر و هز رأسه بقله صبر وحيله بعد ان رمق يزيد بنظرة قاتله، لما عليه ان يصادق اغرب شخصين علي وجه الارض...
اقترب منه مروان يمد يده لمصافحته، نظر له ظافر ثوان لاتزال كلتا يداه علي جانبي جسده ؛ مرت ثوان لم يتحرك، فابعد مروان كفه وهو يهز اكتافه بلا مبالاه ثم اقترب منه يعانقه ويخبط علي ظهره... -عيش الحياة عشان بتجري بينا و متديش امان ليها اوي، واقرب مثال كان يحيي! عيش يا ظافر و عيش اللي حواليك! رفع ظافر ذراعه يخبط علي ظهر صديقه بل اخيه واردف قائلا... -مين كان يصدق مروان القديس يطلع مجنون!
-قديس ايه يا عم ده طلع قالب العداد انا كنت هطلع بيه من هنا علي مستشفي المجانين انا عمري ما شفت حد عايز يموت كده! قال يزيد بسخريه و مرح وهو يعقد ذراعيه و يراقبهم بترقب من عند الباب... عدل مروان ملابسه و خصلاته يرغب في العودة الي ذلك الشخص المتزن الهادئ المثالي! امال يزيد رأسه لليمين مازال عاقدا لذراعيه، تفحص شفتيه الممزقة و جانب وجهه المائل للاحمرار ليردف وهو يمط شفتيه قائلا...
-لا التاتش الهادي مش لايق والجريمة دي في وشك، مروان احب اقولك ظافر علم عليك! نظر له ظافر شزرا فلا زالت مشاعره تتحرك في كل الاتجاهات ما بين الغضب و العنف و الندم لأنه لم يستطع تميز نوايا رفيق العمر وانهال عليه ضربا دون تفكير، حرك مروان رقبته يطقطقها ليردف بابتسامه واثق... -بس انا الحريف ضربتي بتوجع وبتجرح لجوا اوي و مش بتبان! ضحك ظافر بسخريه ليجيب يزيد بابتسامته السمجة...
-مروان واحد، ظافر صفر! عاش يا فنان! دفعه ظافر نحو باب غرفته بملل قائلا... -طيب يلا انت وهو عشان مستعجل؟ -ايه شروق حصلها حاجه؟ اردف مروان ليتوقف ظافر امامه بمشاعره المنهكة قائلا بتحذير... -مروان حاول متتكلمنش عن شروق قدامي الفترة دي عشان مش عايز اقتلك! ارتسمت بسمه ببطء علي وجه مروان وهو يمرر يديه علي وجهه كإشارة للصمت وعدم الحديث مطلقا!