logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





19-12-2021 07:53 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10






t21982_3809
رفع "فهد" كفه الاسمر الخشن يمسح وجهه بضيق، بات يشعر أن حتى أشعة الشمس تتكاتف عليه لتلاحقه أينما ذهب ما إن يضع قدماه في الحي وكأنها تعاقبه لانتهاء وقت عمله ولجؤه للراحة قد حان، ازاح جسده لليمين قليلًا بشكل مفاجئ كي يتفادى الصغار الراكضين بكل مكان في المنطقة وافكاره تتشنج بحقد وهو يفكر لما يرسمون تلك الابتسامات المزعجة بينما هو لا يستطيع جرجرة ساقيه للوصول الى المنزل بعد يوم عمل شاق، زفر وسؤال قاسٍ عليه يصدح داخله ...
لما كان عليه القبول بوظيفة في الصحافة ولما يتفانى دون مقابل؟!!

كاد يتجاهل الإجابة عن سبب هروبه من الحياة في مهنته ولكن تلك الصغيرة اللطيفة والمستكينة الجالسة بهدوء وبراءة أمام مبناه جعلت كل الاسباب تقفز لذهنه، ابتسم بخفة ودون وعي منه حادت أنظاره نحو سارقة النوم والغرام، منذ أن تزوجت بشكل مفاجئ منذ سنوات أعتقد أنه سيستطيع كتم ذلك العشق وقتله في مهده، ولكن بعد أن عادت مُطلقة.. أحيت كل ذرة مُتيمة بعشقها داخله لتتركه يتعذب بنفورها الواضح للتعامل مع أي رجل إلا في حدود العمل خاصة هو..!
فصول نوفيلا حبهان
نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

حرك رأسه لليسار واليمين ليتمكن من اختراق المارة بأبصاره والوصول إلى تلك الفراشة الرقيقة ذات الوشاح الأسود زينة ، تنفس براحة ما إن استدارت ورأى بياض وجهها الشاحب أكثر من اللازم اليوم، تحركت تفاحة ادم لديه وهو يبتلع ريقه وكأنه يبتلع جمرة حارقة فتعلقت عيناه بشفاها الوردية الصغيرة المتحركة وهي تحادث أحد عملاء مطعمها الصغير الذي لا يكتسب المعنى الحرفي للمطعم فجميع أكلاتها المصنوعة بروح المنزل يتم اصالها للمنازل فالمكان الذي أفتتحه في تلك المنطقة الشعبية لتكتسب رزقها صغير بالكاد يكفي تنقلها لتجهيز الطلبات.

ضاقت عيناه وهو يتابع الشاب يبتسم بنظرات خبيثة وازدرد ريقه مبعدًا أنظاره منهي تفحصها بجملة اللهم أغزيك يا شيطان كي لا يتجه هناك ويكسر كل عظمة من عظامة ويوحل نفسه أكثر وأكثر معها.

اتجه للفتاة الصغيرة الحاملة لنفس ملامح والدتها التي ارتفع صوتها وهي تطرد الشاب مما جعل ابتسامة رضا تبتلع وجهه وهو يظلل بجسده الرجولي فوق الملاك الصغير التي نجحت في سرقت ما تبقى من مشاعر في قلبه كما فعلت والدتها زينة من قبل وسأل بحنو ما إن لمح بقايا دموع تتعلق بوجهها:
-الجميل كان بيعيط ليه؟

ارتفعت أنظار رنا ذات الأربعة سنوات من شاشة الجهاز الالكتروني الخاص بها الى وجهه ليسرقها من عالم الرسوم المتحركة، نظرت حولها للحظات ثم وبكل ثقة أشارت لفتى سمين يعلب بكرات زجاجية صغيرة في الأرض الموحلة مع بعض الأطفال، تنهد حين مرت ثوان كان من المتوقع فيها ان تشرح له ما حدث ولكن كالعادة اكتفت الصغيرة بالصمت، أرجع خصلاتها للوراء وهو يجاريها:
-الواد المقلبظ ده هو اللي ضربك؟

هزت رأسها بالموافقة وانعصر قلبه حين عضت شفتيها الصغيرة توقف ارتعاشه بكاء ترغب في الانفلات منها ولاحظ هالة من الاحمرار تحيط عينيها التي صارت تلمع بالدموع فأسرع يربت رأسها بحنان وهدهدها:
-ايه ده بقا احنا هنعيط ولا ايه، الكلاك ده مش نافع يبقى الشوكولاتة اللي بديهالك كل يوم مش بتديكي طاقة مع إن عماد مأكدلي انها بتدي طاقة،
كده يبقى عماد نصب عليا والشوكولاتة بايظه وخلاص مش هشتريها تاني!
-مش بايظة!

هربت منه ابتسامة نصر ما إن سمع صوتها الرفيع ببحته الرقيقة لندرة استخدامه وتساءل:
-معقولة مش بايظه اومال الواد ده ضربك وانتي مضربتوش لما ضربك ليه؟
حركت كتفيها بحركة طفولية فرفع حاجبه بتفكير ثم ابتسم بمشاغبة قائلًا:
-أقولك على حاجه تعمليها لما حد يضربك؟
هزت رنا رأسها واتسعت عيناها بفضول وترقب فهمس لها وهو يرفع صخرة صغيرة بجوارهم:
-تاخدي الطوبة وهوشي بيها وهو هيخاف ويجري..

حركت عينيها بتفكير ثم سمع تساؤلها الخافت:
-ولو ضربني برضه؟
ليجيبها بانفعال أبوي مكتسب على يدها وهو يلقي بالصخرة إلى الناحية البعيدة:
-ساعتها بالطوبة وفي وشه!
-ااااي!
تأوهت زينة الواقفة تحادث رفيقتها بالدكان المجاور وبحثت بغضب عن الذي قذفها بصخرة، اتسعت عيون فهد السوداء كالليل واستقام باضطراب عندما اصطدمت الصخرة بمُعذبته من الخلف فأشاح بصره بخجل نحو أطفال راكضة بعيدًا وهتف:.

-انت يا حيوان ياللي اهلك معرفوش يربوك، ماشين يحدفوا طوب على الناس، لا إله إلا الله، ربوا عيالكم بقى!
حمحم في حرج وابعد وجهه الأحمر عن نظرات زينة المستنكرة وبسرعة أخرج لوح من الشكولاتة يمنحه للصغيرة المبتسمة برضا بالغ قبل أن يوعدها بأخر قريب إذا دافعت عن ذاتها ثم ركض هاربًا نحو مبناه.

في العمارة التي يقطن بها فهد...
اخرج مفتاحه ليفتح باب منزله بإرهاق بات يلازمه، لم يعد إرهاق جسدي فقط، بل اصبح ارهاق جسدي ونفسي..!
مشاعره المكتومة باتت تعيق سير دقاته وتؤرق منامه لتلك العصية التي لا تراه من الاساس.
وكأنه ابتُلي بذلك العشق.
هز رأسه بيأس وهو يرمي كل ما يخصه وبما فيهم ملابسه وهو يتوجه نحو المرحاض ليأخذ حمام بارد يزيل عنه تعبه ولو مؤقتًا...

بعد فترة قليلة...
خرج من المرحاض يلف جسده بمنشفة، ليخترق سمعه صوت شجار حاد عالٍ وذلك الصوت لم يكن مجهول له بل صوت تلقى صداه باهتياج مُهلك في مشاعـره المكبوتة خرج مسرعًا نحو البلكونة دون أن ينتبه حتى أنه بالمنشفة فقط...!
ألقى نظرة على الأسفل ليجدها تعنف طفلتها على فعلتها، تهبط لمستوى طفلتها المنكمشة على نفسها بصمت، لتسألها بصوت حازم:
-مين قالك تعملي كده يا روني؟

ارتعشت شفتـا الطفلة ورفعت إصبعها نحو ذاك الذي يقف في شرفته يتابعهم بصمت، لتهمس بعدها ببراءة:
-عمو ده.
احتدت عينـاها بشراسة، يخمن أنه رأى ذلك الفتيل ينطلق ليحتضن أم عينـاها فيعطيها وهج حاد...!
تراجع سريعًا للداخل ليبدل ملابسه وشيء داخله يخبره متيقنًا أنها ستصعد له، لن تكن زينة التي يعرفها إن لم تصعد...!

بينما في الاسفل...
تحركت زينة نحو العمارة التي يقطن بها وداخلها يتوعده بالكثير والكثير، قطع طريقها والد الطفل الذي ضربته ابنتها والذي هو زوج صديقتها، يتنحنح بخشونة وهو يخبرها:
-استني يا مدام زينة ميصحش تطلعي لوحدك انا هطلع معاكي.
هزت رأسها بقليل من التردد ثم امسكت بيد طفلتها جيدًا وبالفعل صعدوا جميعهم وكأنهم على وشك الهجوم لقتل عدو في احدى الحروب المشتعلة بغضب حارق.

وصلوا امام باب منزله فاندفعت زينة تطرق الباب بعنف ليفتح لها بعد ثواني بابتسامة باردة، باردة ولكنها بين اعماقها نيران كالمرجل تغلي، تغلي وتغلي ويكتم هو غليان غيرته بتلك الابتسامة الباردة، ليردد:
-يا هلا يا هلا، ده البيت نور.
كزت على اسنانها بغيظ واضح، وابتسامته الباردة تلك تشعل جنونها بطريقة غريبة، ذبذبات ابتسامته تقريبًا توخز ثنايا مشاعرها لتهتاج مشاعرها بانفعال وغضب واضح!

فأخذت تزمجر فيه كنمرة شرسة دون مقدمات:
-بأي حق يا استاذ يا محترم تخلي البنت تتعامل بالعنف ده مع اطفال زيها
وقبل أن ينطق بما يستفز مشاعرها اكثر اكملت بنفس الغضب الاهوج:
-انت مين اساسًا عشان تتدخل وتنصح بنتي بنصايحك العميقة؟!

عينـاه أصرت على وصال عينـاها المتوهجة التي كانت تبعدها عنه بتلقائية، تحرمه حتى النظرة وهو الذي لا يتمنى سواها، لا يتمنى سوى تلك النظرة عساها تخرجه من شرنقة جوعه واشتياقه القاتل لها، لأي شيء منها!
لينتبه لهم بعدها فقال بلامبالاة وهو يرفع كتفاه معًا:
-انا واحد كان معدي وشاف بنتك بتنضرب!
فهزت هي رأسها ضاحكة دون مرح:





-مش عارفة من غير نصيحتك الهايله دي كنت هخلي بنتي بلطجيه ازاي.

حينها تدخلت طفلتها دون سابق إنذار تحتضن اقدام فهد ببراءة وهي تهز رأسها نافية وكأنها ترفض مقاتلة والدتها للشخص الوحيد الذي داعب طفولتها المقتولة بحنانه الفطري وحبه الغريب لطفلة ليست من صلبه، ثم رفعت عيناها الفيروزيتان لوالدتها تهمس لها بغضب طفولي:
-ماتزعقيش ليه، هو حلو.

إتسعت عينا زينة ولم تستطع فصل معالم التعجب التي راحت تحتلها، تحتل كيانها كله وهي ترى ابنتها لاول مرة تخرج من قوقعة انطوائيتها لتدافع عن شخص ما بل وتبادر لتحتضنه باندفاع طفولي!..
زفرت بعمق قبل أن تسحب ابنتها وتستطرد بنبرة لم تخلو منها الحدة:
-تعالي هنا يا رنا ده كلام كبار.

هزت رنا رأسها نافية وتشبثت بأقدام فهد والعند ينضح من عيناها, حينها ابتسم فهد دون شعور منه، هذه الصغيرة ورثت عن والدتها عناد صخري قاتل على ما يبدو...!
تدخل زوج صديقتها في هذه اللحظة ينهي ذلك الحوار بلهجة دبلوماسية أجشة:
-خلاص يا مدام زينة، هو الاستاذ ده مش هيقرب لرنا تاني اصلًا عشان لو قرب هيبقى في كلام تاني، يلا بينا.

ثم هبط لمستوى رنا ينوي حملها ولكنه وجد فهد يدفعه بعنف ملحوظ ويحمل رنا امام اناظر الرجل المدهوش، وبلحظة تلك النظرة الباردة التي كانت تغطي عينـا فهد اصبحت مختنقة بشتى المشاعر، اهمها الغضب، الغضب الذي جعل عيناه سوداء مشتعلة كجحيم الليل الأهوج المحترق بغضب حاد بين سواده فبدا مُخيف للناظرين...!
لينظر في عمق عينـا ذلك الرجل وهو يتحداه بشراسة لوحت للرجل بتجمهر واضح، وأردف بنفس الحدة:.

-مش هبعد وعايز أشوف الكلام التاني
فتح الرجل فمه ليتحدث ولكن رنا كانت الاسرع لتمنع معركة اخرى على وشك النشوب فتابعت بسرعة متوترة:
-خلاص يا استاذ سامح، الاستاذ هيبعد عنها ومش بمزاجه، الكلام خلص يلا بينا.

اومأ سامح يتأفف بغيظ، وبالفعل سحبت ابنتها من بين يداه بصعوبة فتركها هو على مضض، ليهبط سامح اولًا ثم طفلتها التي دفعتها زينة بهدوء، وما إن كادت زينة تسير لتنزل خلفهم ولكن فجأة وجدت يدا فهد امامها تمامًا ولكن دون أن يلمسها...
شهقت تلقائيًا وهي ترتد للخلف، لتجده يقترب هو منها اكثر، اقترب حتى اصبح وجهه امام وجهها مباشرةً، أنفاسه الساخنة تداعب شحوب بشرتها فتبث فيها نوع من الارتباك العاطفي...!

اقترب من اذنها ببطء مُهلك وراح يهمس بخشونة:
-ماكنش في داعي تجيبي واحد غريب معاكِ عشان تتخانقي معايا!
برقت عينـاها باهتياج حانق رهيب ودفعته بعيدًا عنها بعنف، ثم تلعثمت رغمًا عنها وهي تهب صارخة فيه:
-وانت مالك! وبعدين متقربش مني بالطريقة دي احسنلك، مش عشان انا مُطلقه بقا ومن غير راجل بقيت لُقمه سهلة!

رمقته بنظرة شذرة حادة قبل أن تنطلق راكضة من امامه قبل أن يشن عليها بأي هجوم مُربك، مُقلق لشيء داكن خامد داخلها...!

ألقى فهد نظرة أخيرة على نفسه في المرآة يتأكد من تصفيفة شعره الأسود الناعم، وفك زر قميصه الأخير كعادته ليلمع صدره الأسمر.
ارتسمت ابتسامة عابثة على ثغره حينما تذكر أنه سيراها بعد قليل، لا يدري هل ستتقبل تواجده حولها بين كل حينٍ وآخر ام لا، ولكنه لا يملك سوى أن يدور حولها كالحلزون منجذبًا لكل ذرة بها تربطه برباط العشق الذي تكاتف عليه منذ زمن.

وصل مدخل البناية ليرفع رأسه متنهدًا بقوة ثم خرج متوجهًا نحو المطعم الخاص بـ زينة حيث تطهو الطعام المنزلي وترسله للمنازل منقذة العُزاب أمثاله وربات الأسر من ذوات العمل..

وصل أمام المطعم ولكن استوقفه مشهد جعل الدماء تفور في رأسه، فقد رأى رجلًا أرمل يعرفه شكليًا فقط كان مع زينة داخل المطعم ويقترب من خلفها بدرجة كبيرة بينما هي جاهله لنواياه منغمسة في حربها السخيفة لإخراج إحدى الحقائب البلاستيكية من رف أمامها وفوق ذلك كان الباب الزجاجي مُغلق عليهما..!

تقدم بخطى ثابتة نحو الباب وصدره يغلي بنار الغيرة التي نشبت داخله دون سابق إنذار، ليسبقه خروج الرجل قبل وصوله لكن فهد استوقفه وهو يشمله بنظرة ساخطة حادة متمتمًا:
-عيب على سنك اللي بتعمله ده!
لوى الاخر شفتاه وهو يجيب مستنكرًا:
-وأنت مالك يا أخ بتتدخل ليه في اللي ما يخصكش؟
-لأ يخصني!
صاح بها فهد دون تردد، فتباطء الآخر في برود مستفز وهو يسأله:
-اتحفني وقولي يخصك في إيه؟

تمالك فهد نفسه بصعوبة حتى لا يهشم رأسه، فجز على أسنانه بعنف وهو يستطرد بنبرة حملت الضغينة بوضوح:
-لو مش عايز تحترم نفسك على الأقل احترم المنطقة اللي محدش يتجرأ فيها يعمل اللي بتعمله ده.
فرفع الآخر إصبعه يؤشر له في انفعال:
-انا محترم نفسي غصب عنك
فأغمض فهد عيناه، يحاول ترويض تلك الشياطين التي تعبث بعقله في تلك اللحظات، وشرار الغيرة يُظلل رؤيا عقله فيجعله هامش..!

إلى أن قال بنفاذ صبر:
-أحسنلك لو عايز تفضل محافظ على هيبتك في المنطقة أمشي من قدامي دلوقتي
عدل الآخر من هندام ملابسه ثم راح يخبره بنزق:
-أنا ماشي بس مش خوف منك، لأني مش فاضي دلوقتي.
قال أخر كلماته وهو يغادر بالفعل، فيما ابتسم فهد ابتسامة ساخرة تخفي خلفها همجي لا يشعر بأي شعور إنساني سوى الرغبة بالقتل..!

ارتفع وجهه نحو زينة لتصطدم عيناه التي اصبحت كتلة نار بعينيها المتحدية وهي تطالعه بقلق بينما تعمل على تثبيت الباب كي لا يغلقه زبون وقح من جديد، فتقدم نحوها ملتهمًا خطواته وعيناه تخبرها عما تحويه من غضب مجنون غير مبرر و...
تااااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية حبهان
  19-12-2021 07:53 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

-انتي ازاي تخليه يقف قريب منك كده والباب مقفول!
هتف بعروق بارزة وكأنه على وشك التهامها حية من فرط الغضب والغيرة التي تمزق أحشاؤه، وبصوت عالي دون اهتمام بالمارين في الخارج لكنها فعلت وقالت من بين أسنانها:
-افندم، لا ثانية واحدة أنت بأي حق تكلمني كده؟
سألت مدهوشة من الغضب المشع من مقلتيه السوداويتان، فأقترب خطوة دون تفكير عكستها هي للخلف وهو يُصرح بخشونة:.

-بحق إن في رجالة في المنطقة واللي بتعملي ده ميعجبش حد.
رفعت سبابتها امام وجهه في حزم دون اهتمام بتقدمه وقالت بشراسة:
-ألزم حدودك، انت ازاي تتجرأ وتلمح بكلامك السخيف ده، ثم أنا عملت أيه لكل الكلام ده؟
-عملتي انك قفلتي عليكي مكان انتي وواحد مش محترم.
-اولا مش انا اللي قفلته الباب ده بيفضل مفتوح دايمًا، ثانيًا ما يخصنيش محترم او محترم انا مش بعمله كشف هيئة المهم انه زبون بيطلب أكل وخلاص!

-طالما ملكيش في الشغل ومتعرفيش توقفي زبون عند حده يبقى خليكي في بيتكم ربي بنتك أفضل!
كانت في حالة من الذهول للاعتيادية والثقة المنبثقة من كلماته وكأنه يملك الحق في التحكم بحياتها وتصرفاتها.
-سبق وقولت إلزم حدودك ومش عشان أنا ست ومطلقة كل واحد يسمعني كلمتين ملهمش داعي.
-ما هو عشان أنتي مطلقة مينفعش ابدًا تدي لحد الفرصة انه يكلمك كلمتين.

قرصت أنفها بتفكير مصطنع قبل أن تبعد عيناها عنه مشيرة للباب بتهكم جلي:
-شكرًا على النصيحة، حضرتك تقدر تحتفظ بيها لنفسك.
اقترب مرة أخرى وتلك المرة شعرت بأنفاسه تصدم أعلى وجهها وكأنه ينفث نارًا توشك على حرقها، فاحمرت وجنتها في خجل لقربه الذي يشبه القمر، كلما اقترب اكثر زاد وهجه القوي إنارة في ظلمتها التي أحكمت زمامها، ثم هتفت في محاولة للسيطرة على رعشة امتلكت جوارحها:
-ممكن متقربش مني كده!

-يا سلام مقولتيلهوش الكلمتين دول ليه!
قالها مندفعًا بعصبية ولم يخفى عنه ذاك التوتر الذي جعل منها ورقة في مهب ريح غضبه، فأكمل متمتمًا:
-المرة الجاية مش هعديها بالساهل وحطي كلامي حلقة في ودانك ودخلي الشعر اللي طالع من الطرحة ده!
قال اخر كلماته وهو يشير لخصلتها المتمردة، ثم رمقها بنظرة حادة أخيرة من أسفلها لأعلاها وتركها ندفعًا نحو الخارج يتمتم بسباب وقد تغير مزاجه مائة وثمانون درجة.

ترى كم سيتحمل بعد قبل أن ينفجر كتمانه معلنًا عشقًا اصبح كالسقم في جسده لها أو أسوأ، وقبل أن يطفح به الكيل من سكان تلك المنطقة ومعتقداتهم التي بهتت في ثنايا ذهنها لتتركها ناقمة على بني جنسه ويختطفها هي وطفلتها الرائعة.
أو ربما سينتظر ويترك لها الوقت حتى يأتي رجل أخر يسرقها منه من جديد أو أسوأ يبدأ الرجال في مضايقتها والتحرش بها..!

أوقف هذا التفكير تقدمه وأشعل رأسه بأفكار مجنونة ولم يشعر بنفسه سوى وبقدميه تتحرك وتعود به مرة أخرى نحو محل عملها ورائحة الحبهان الرائعة سبقت رؤيته لها لتسيطر على أنفه وتجذبه لها كالسحر.
دلف فهد مرة أخرى واتخذ خطوات متحفزة نحوها ثم ثبت نظرهُ الثاقب بنظرتها المتسائلة وقال:
-خلاص نخلي من حقي.
-نعم؟
(أنت بتقول أيه! بصوت وأداء محمد رمضان).

تساءلت في عدم فهم لما يخرج من فمه عاقدة حاجبيها فأجابها في ثقة وتحدي وهو يعقد ذراعيه معًا:
-اتجوزيني!
-اتجوزك! لا طبعًا أنا مش بتاعت جواز.
شلت الصدمة عقلها فردت ببلاهة دون تفكير، ليعقد ذراعيه في غضب رافضًا التزحزح من أمامها وسأل في تهكم:
-يا سلام ومالك مخضوضه ليه كده اومال بتاعت ايه، شغل حلق حوش في المحلات!
-شوف يا ابن الحلال ياللي مشوفتش ثانية، ثانية واحده تربية.

كتم اعتراضه عندما أحس أنها ستكمل حديثها وبالفعل استطردت بنبرة مكتومة توقع أن مصدر خنقتها ذلك الماضي الذي لازال يسلسل حاضرها..!
-أنا جربت الجواز وعارفة إن بختي فيه زفت ومن الآخر مطلعتش منه غير ببنتي ومش بفكر في الموضوع ده تاني!
انهت جملتها في ضيق وقد تسارعت أفكار تدعوها للذعر والخجل بمختلف الاتجاهات داخل عقلها فأقترب خطوة منها وتابـع بجمود:
-ده كلام فارغ ميدخلش عقل حد عاقل!

-الله بقولك مش عايزة اتجوز هو عافية؟
هدرت بها مذهولة وقد استنفرت كل خلية بجسدها، ليستكمل متسائلا بنفس البرود المستفز:
-خلاص اديني سبب مقنع، ترفضيني بتاع ايه؟!
ضحكت في سخرية ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها واخبرته:
-هو الأستاذ براد بيت ولا حاجة، عادي برفضك وخلاص مش محتاجة مبرر.
اقترب حتى صار لا يفصلهما سوى شعره من الهواء، وكأنه قرر استخدام تعويذة قربه المُربكة والتي تبطل وجود عقلها الذي يستفزه، وطالب:.

-اديني أسباب، ايه عيبي؟
فلوس ومعايا الحمدلله، شغل وبشتغل، بنتك وبحبها وهي كمان بتحبني...
أشار إلى جسده في فخر وقال بوقاحة وغرور:
-شكل ومتناسق ومتقارنيش بيني وبين براد بيت عشان هو خاين وأنا راجل بجد.
كادت تنطلق الحروف بعنف من بين شفتاها لتوبخه فقاطعها رنين هاتفه، فرفع هو اصبعه امام وجهها قبل ان يجيب:
-ألو، طيب أنا جاي إياك تمشي.
اغلق الهاتف ثم أردف مؤكدًا:.

-انا عندي مشوار وراجعلك اياكي تقفلي الا لو عايزاني اطلع اكلمك عند امك وشوفي بنتك فين مش برا!
-مش مستنيه حد أنا، وبنتي مع امي فوق ودي كمان حاجة متخصكش، ومش هكررها خليك في حالك يا فهد عشان تصرفي مش هيعجبك.
حرك كتفيه بتحدي دون اهتمام ثم أبتسم في مكر مؤكدًا:
-حلو أنا كمان بقول أكلم أمك على طول واهو خير البر عاجله.

ذهب وتركها تكاد تنفجر من أفعاله تلك، حياتها أبشع من أن تتحمل مغامرات جديدة، زفرت في تعب فقرار الزواج مرفوض تمامًا فهي لن تضع رقبتها مرة أخرى تحت رحمة رجل يرتوي من شبابها وروحها.
فمنذ طلاقها وهي متخذه القرار بأن تعيش لذاتها ولطفلتها فقط ولكن هؤلاء الرجال يحومون حولها بلا توقف لأغراض تمقتها وجميعهم راغبين في نهشها ومبررهم في ذلك عقيم متمثل في لقب مطلقة.

جلست خلف المنضدة الزجاجية وجسدها لا يزال يرتعش من قربه، يجب ان تتعلم السيطرة على أفكارها والثبات أكثر فـ فهد شاب في مقتبل عمره ولم يسبق له الزواج وبالتأكيد يخادعها هو الآخر مثله مثل غيره وحتى إن صدق فقرارها واحد وهو الرفض...!

تحرك فهد في خطوات سريعة متلهفة للوصول إلى محل عمل زينة بأسرع وقت فلا يزال خجلها ورفضها الغير اعتيادي على طلبه للزواج منها يداعب أفكاره بمرح منذ الصباح، فهذا الرفض هش مُفتعل لا مبرر بعد رؤيته للمعة الحيرة التي تملكت عيناها صاخبةُ المشاعر والمذهولة لطلبه الغير متوقع.

فتح الباب الزجاجي وانتقلت عيناه بشوق يحاول إيجادها وارتفع حاجبه بتساؤل عندما لم يجدها، لكن صوت خبطات ضعيفة نبهته لذلك الباب الصغير خلف المنضدة الزجاجية التي تفصل البائع عن الشاري في نهاية المكان.

لمعت عيناه بمكر حين التفت حولها واتجه ناحية الباب محاولًا رؤية ما تفعله بداخل الغرفة الصغيرة للغاية التي بالكاد تكفي وقوفها داخلها مع تلك الرفوف المحاطة بجدران الغرفة التي لا تتعدى المترين، ليجدها تصارع شوال كبير الحجم تحاول دفعه في أعلى رف وهي الارتفاع لأطراف قدميها، كاد ينفلت من أصابعها وهي تدفعها للداخل كي لا تقع فوق رأسها فهرع نحوها يدفعه عنها للداخل مكتسبًا شهقة وأنين مكتوم منها لقى صداه باهتياج مجنون من المشاعر بين ثنايا صدره قبل أن تلتفت نحوه بأعين متسعة فوبخها بقوله:.

-انتي شهرتك زينة حبهان مش زينة هركيليز على فكرة، كان جابلك ارتجاج في المخ الشوال ده!
كانت تحملق به في سكون عاجزة عن قول أو فعل أي شيء فقط أصابعها المشبوكة أسفل ذقنها بقلة حيلة تهتز قليلًا، ضاقت عينيه باتهام ليخبرها في غضب:
-لو ده هو رد فعلك على أي حد اتهجم عليكي وانتي لوحدك في المحل وديني ما هتشتغلي تاني!

ابتلعت ريقها وقد أنساها غضبه خوفها وكادت تصرخ به عندما أنغلق الباب وسمعت صوت احكامه ثلاث مرات، التفت فهد في صدمة ودفع مقبض الباب في محاولة فتحة وصاح:
-افتح الباب، مين قفل الباب!
علا صوت زينة من خلفه وزادت خبطات كلاهما دون جدوى فألتفت نحوها حين سألت:
-مين اللي قفل الباب؟
-مش عارف، أنتي كنتي مستنيه حد؟
-لا، يلا نفضل نخبط تاني يمكن حد يسمعنا.

انطلقا مرة أخرى في الصراخ والطرق على الباب لفترة طويلة ولكن ما من مجيب.

ابتعد عن الباب واتكأ إلى الخلف بينما وقفا كلاهما في صدد بعضهما في تلك الغرفة الصغيرة كلاً منهما يلتقط أنفاسه بصعوبة، تحركت عينـا فهد لتلتقط مظهر وجه زينة المتعرق.
لمعت عيناه وهو يراقب بشغف تلك الخصلة الناعمة التي تمردت لتتحرر من حجابها وتلتصق بجبينها وجانب وجنتها فتعطيها جمالًا زاد من هلاك قلبه.

بينما تعرق هو لأسباب تفوق حرارة الغرفة للمنغلقة وقد أصبح أول صدره الأسمر لامعًا بقطرات العرق التي تنساب ببطء فتعطيه جاذبية خاصة.
انتشله من سحر اللحظة صوتها الأجش وهي تسأله بفظاظة:
-أنا عايزة أفهم الباب اتقفل ازاي علينا؟
هز فهد كتفاه معًا بقلة حيلة متمتمًا في إجابة مقتضبة عابثة:
-مش عارف.
احتددت مخالب الشك داخل عينيها البنيتان بشراسة وهي تتهمه والغيظ ينضح من نبرتها:
-أنت اللي عملت كده عن قصد، صح؟

هز رأسه نافيًا ولم يستطع كبت تلك الضحكة وهو يضرب كف فوق كف مرددًا:
-إنتي مجنونة منا محبوس زيي زيك، هحبسنا ازاي يعني؟
-امال مين هيعمل كده!
قالتها وكأنها على وشك البكاء بينما بدأت تحرك يداها امام وجهها أملاً في نسمات هواء ثم عقدت يداها معًا في يأس و تذمر طفولي كطفلة في الخامسة عشر من عمرها وليست سيدة في العشرون.
جذب مظهرها الطفولي ابتسامة حانية مُشرقة بشمس شغفه بها.

بعد حوالي ثلاث ساعات...
كان كلاً منهما واقف بمكانه يفصله عن الآخر بعض سنتيمرات، فتأفف فهد باختناق حقيقي ليفتح ازرار قميصه ثم خلع قميصه كاملاً لينتبه لشهقتها الخجولة المصدومة وهي تصيح فيه بصوت مبحوح استوطنه الحرج:
-أنت اتجننت أنت بتعمل إيه؟
إتسعت بسمته العابثة وهو يجيبها بصراحة فجة:
-قلعت القميص الجو حر اوي مش هقدر استحمل، إقلعي انتي كمان!

كلماته الأخيرة الوقحة وذلك الوضع جعل الحمرة تزحف لوجنتيها البيضاء لتجعلها كحبة فراولة شهية.
تعيش خجل وحرج وتشعر بجسدها كله يلتهب بمشاعر حارة تتدفق داخلها لأول مرة وكأنها لم يكن لها سابق تجربة ابدًا في زواج فاشل..
ولكن هل تقارن زوجها السابق القاسي المثير للاشمئزاز صاحب الخمسة والأربعين عامًا بذلك الرجل الوسيم ذو العيون السوداء الوقحة العالق أمامها؟!

اتسعت عيناها بذهول لتفكيرها الغريب لتركز طاقتها على ما خرج من فمه منذ قليل فشعرت بفاهها يُفتح تلقائيًا بطريقة مسرحية وهي تستطرد مصدومة وكأنها لم تستوعب:
-نعم! أقلع إيه أنت الحر لسع مخك خلاص!
فأشار لها بيده وهو يهز رأسه ضاحكًا يوضح لها مقصده وقد مالت نبرته لدرجة من درجات ذلك العبث الرجولي الذي بدأت تعرف معناه امامه:
-مش قصدي اللي جه في بالك يا شقية، قصدي إقلعي الحجاب هيخنقك وشكلنا مطولين اوي.

هزت رأسها نافية بسرعة وهي تدير رأسها للناحية الأخرى على أمل فصل نفسها عن تلك العاصفة الهوجاء من العواطف، ثم همست:
-لأ شكرًا انا عايزه اتخنق.!
تحرك فجأة ليجلس أرضًا أمامها مباشرةً حتى أصبح شبه ملتصق بجسدها قبل أن يتنهد بارتياح، فرمته بنظرة مرتعبة وهي تضع يدها أمام نصف جسدها السفلي غير راضية عن جلسته لتجده يشير لها بيداه:
-انزلي اقعدي انا تعبت اكيد انتي تعبتي بردو ده تذنيب ٣ ساعات.

أشاحت بوجهها للناحية الاخرى وهي تحاول الابتعاد قدر الإمكان عنه دون جدوى ودون إشارة إلي استحالة جلوسها جواره في مساحة المكان الصغيرة التي لن تسمح لها بذلك وإن أرادت.

شهقت فجأة بعنف عندما جذبها من يدها بقوة لتسقط جالسة فوق قدماه المثنية أسفله ثم أحاط خصرها بيداه سريعًا يُقربها منه وهو يُطالع بنيتاها بعمق مستشعرًا نبضات قلبه تطوف متبعثرة كذرات الهواء بذلك الشعور اللذيذ الذي يخلقهُ قربها منه لتلك الدرجة.
لم يفكر أكثر كي لا يحدث أمر يندم عليه ولم يعطها فرصة للنطق إذ قال وهو يميل أمام وجهها مباشرةً بعبث ومكر شقي وأنفاسه اللاهبة تصفع أعلى وجهها:.

-طب ما تتجوزيني وتستري عليا اول ما نطلع من هنا؟!
ظهر الذعر جليًا على وجهها صدمةً من وقاحته وعبثه اللذان لا حدود لهما، ثم حاولت التملص بصعوبة محاولة النهوض وهي تشعر بسخونة جسده الأسمر اللامع يذيبها داخليًا بشعور خارج عن إرادتها وذلك الشعور بالخطأ يرفع من نبضاتها إلى السقف كليًا...

كادت تصرخ في وجهه فوضع كفه فوق فمها قائلًا يشاكسها وهو يحرك حاجباه معًا:
-لا عايزين نكون لزاز مع بعضينا انا عندي صداع مميت وشكلنا هنقضيها كتير هنا.
حاولت التحدث وإبعاد يده فثبتها أكثر مؤكدًا:
-معلش انا أشيل ذنبك ده وماشيلش ذنب موتك مخنوقة!
-انت مش محترم واللي بتعمله ده اكدلي إن قراري كان صح اني لا يمكن ارتبط بواحد سافل زيك.
قالت بتمرد ما إن رفع كفه وهي تحاول الإفلات منه فابتسم بسماجة ثم أردف:.

-لا هترتبطي بعون الله وبطلي تفركي عشان مترجعيش تزعلي!
قالها في وقاحة وهو يعدل جسده ليربع ساقيه ويعدل جسدها ليصبح جانب جسدها قباله صدره وساقيها بالكاد لهما مكان جوارهما لينتهي بها الأمر بثنيهما.
كانت في حالة غير معقودة من الذهول وعقلها توقف تمامًا عن التفكير فيما يحدث لها وفيما يفعله الوقح حين قطع تفكيرها تشنج جسده المفاجئ وسؤاله الحاد:.

-الساعة داخله على ١٢ بعد نص الليل، ايه هي أمك متعودة انك بتسهري كل ده بره، أنا مش سامع حتى رنة موبايل من برا!
زمت شفتيها في غضب ولا اراديًا صفعت كتفه في غيظ وقالت مهددة:
-فهد اتلم احسن لك وبطل تلميحاتك اللي زي السم دي عشان متندمش!
قالتها وهي ترفع اصبعها أمام وجهه في حزم فاقترب في محاولة لالتهامه وهمس:
-ماشي هعديهالك يا حبهان!

سقط الأسم على قلبها بدقة عنيفة ثائرة كالمطرق بين دقات قلبها ثم ضاقت عينيها وهي تزمجر في وجهه رافضة تلوي كل ذرة داخلها بتأثر له:
-اسمي زينة متقوليش يا حبهان.
-ما كل الناس بتقولك حبهان ولا هي جت على الغلبان أنا!
عقدت ذراعيها وابعدت وجهها الأحمر عنه ثم أكدت في حدة:
-الناس القريبة مني بس اللي بتقولي كده، انا معرفكش عشان تقولي كده.
شد على خصرها ليكسب شهقة خجلة منها وهو يخبرها في مشاكسة:.

-بس اللي أنا شايفة إني أقرب حد ليكي دلوقتي يعني من حقي إني أقولك يا حبُ، هان..
أنهى جملته بابتسامة واسعة بعد أن زادت حمرت وجهها وكاد يمد أصابعه لفك حجابها لكنها صاحت في غضب:
-خلاص خلاص انا في حضنك حرفيًا هنموت كفرة أيه أكتر من كده، مالكش دعوة بالطرحة بتاعتي.
لم يستطع كبت ضحكته فانفجر ضاحكًا من قلبه ثم حرك كتفيه بمرح قائلاً:
-أنا قولت بجملتها يعني، ثم انتي هتكوني مراتي قريب قولت اقصر الطريق.

خرج منه زمجرة مكتومه عندما التقى مرفقها بمعدته قبل ان يبتسم لسماعها توبخه:
-إياك تفتح بؤك وتتكلم معايا تاني لحد ما المصيبة دي تخلص او نموت في ستين داهية، ممكن؟!
-انتي حرة بس عنيفة أوي يا حبهان.
قالها بمشاكسة مستمتعًا بغضبها الذي يجعلها لذيذة، ثم امسك مرفقها قبل أن يقابل معدته مرة أخرى وحذرها:
-خلاص قولنا، سكت اهوه.

ثم استند بظهره اكثر وساد الصمت بينهما فقط رائحة الحبهان المطحون في أعلى الرفوف والتي اشتهرت بمذاقة الحاد في طعامها الرائع الشهي مثلها، هز رأسه وترك رائحة الحبهان تداعب حواسهم خاصة هو كي يشغل جسده عن حواس أخرى.

تململ فهد في نومته يشعر بثقل وتنميل في ذراعه وقدماه، فبدأ يفتح عيناه ببطء ليخترق مرمى بصره مظهر زينة وهي تغط في نوم عميق بين أحضانه كطفلة امتزج جنونها بذلك الحنان المنبثق من بين احضانه فاستكانت خلاياها خاضعة لذلك الارتياح الذي لم تناله منذ زمن..!

اشتدت ملامحه متوجعًا يشعر وكأن قدماه وذراعه قد توقف عن الشعور بهما تمامًا، ولكنه لم يحاول تحريكهما حتى لا يزعج نومتها، يكفيه مظهرها وهي تحرك وجهها لتتمسح به دون شعور كالقطة الوديعة تتلمس دفئ احضانه...

بقي كهذا لدقائق مُقرب وجهه منها جدًا يراقبها دون كلل او ملل ولم تتحرك عيناها من وجهها الأبيض الذي يشع ضي وفتنة، يشعر أن كل ساكن متبلد داخله يصبح ثائر أهوج مُهتاج بتميمة عشقها التي لا تردع تأثيرها عنه!
إلى أن أحس بضرورة الابتعاد عنها وإلا حدث ما لا يحمد عقباه، أجبر نفسه على التنفس بصوت عالي وهو يبعد وجهه عنها كي لا يحرج ذاته بردود أفعال مراهقة.
ولكنه لم يستطع...

و تكاتل عليه عواطفه لتقمع أي سلطة للعقل وتترك للقلب القرار فتنفجر كل ذرة به متأوهً بالشوق وتندفع شفتاه دون لحظة انتظار اخرى نحو شفتاها لتتقابل الشفتان في أول وصال حار أذاب ما تبقى من تحكمه، استيقظت هي حينما شعرت بكتمان أنفاسها فحاولت التملص من بين هجومه العاطفي العنيف الذي شنه عليها، ولكنه لم يسمح لها إذ أمسك وجهها بين يداه مثبتًا إياه بقوة بين ذراعاه ليسنح لشفتيه امكانية اجتياح شفتاها بجموح اكبر...

ولم يكن منها إلا أن شعرت برفضها ذاك أصبح مجرد شوكة اقتطفها ثوران مشاعره في طي هجومها لتذوب هي كليا معه في تلك القبلة المجنونة فصارت مستسلمة بتيه تتلقى مشاعره غير قادرة على مجاراة شغف لم تعلم عنه شيئًا من قبل...

دامت تلك القبلة لدقيقتان تقريبًا، ثم حدث ما لم يكن متوقع إذ وجدوا فجأة الباب يُفتح وصوت ضجة وأناس بالخارج جعل كلاهما ينتفض مبتعدًا عن الآخر، وعقل كلاهما واقف عن العمل، فدلف ذلك الرجل الأرمل الذي كان يزعجها في بالأمس متقدمًا هؤلاء الناس وهو يشير نحو زينة و فهد ويصيح بانتصار مشمئز:
-اهوه جالكم كلامي شوفتوا بعينكم المطلقة الطاهرة العفيفة!


look/images/icons/i1.gif رواية حبهان
  19-12-2021 07:55 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

ساندها فهد لتقف على ساقين مرتعشان من الصدمة ووقف في وجه الرجل لايزال بالداخل معها صارخًا:
-في ايه يا جدع أنت اتجننت ولا أيه؟
-شايفين البجاحه بايت معاها من امبارح في المخروبه دي.
-لا ده انت راجل عايز تتربى بقى!
صاح فهد وهي يمسك بتلابيب الرجل وينطحه بغل في رأسه بينما وضعت زينة كفيها على اذنيها في ذعر وانتفضت حين دلفت لها والدتها بوجه شاحب هامسة في غضب كي لا يسمعها الرجال الأربع في الخارج:.

-ايه اللي حصل يا بنت الكلب هتجلطيني في العمر ده!
سيطرت زينة على بكائها وكل فرائسها ترتعش لتجيب في ضعف:
-والله العظيم اتحبسنا يا ماما وما اعرف مين اللي قفل علينا.
ضربت امها على فمها في حالة هستيرية وقد علت دقات قلبها مما سيحدث لابنتها ووقفت تتابع في رعب حين تكاتل رجلين على فهد ودفعاه عن ياسر الحقير، ليقول أحد الرجلين:
-اما قليل الأدب وبجح بصحيح وليك عين تمد إيدك عليه بعد الفضيحة دي!

-فضيحة ايه يا راجل يا مجنون أنت كمان؛ احنا كنا محبوسين من إمبارح في خرم الابرة ده!
-اه محبوسين وماله...
نظر ياسر إلى زينة باتهام وهتف في حقد:
-ولما عرضت عليكي الجواز عملتي المضحية ولا انا هربي بنتي، أتاريكي كنت...
لم يستطع إكمال جملته حين جذبه فهد من ملابسه وثبته أمامه في عنف بعد أن أصبحت كلمات ياسر كالقنبلة الموقوتة في صدر فهد، فهتف قائلًا:
-عايز تتكلم اتكلم معايا أنا، محدش ليه دعوة بيها، أنت فاهم!

حاول الآخر التملص من قبضته وهو يستطرد باستفزاز:
-لا مش فاهم يالي داير تضحك على ستات حارتنا.
-اضحك على مين يا حيوان دي هتبقى مراتي.
قال فهد من بين أسنانه بنفاذ صبر، فلمعت عيون والدة زينة وهي تلملم شتات ذاتها وتستحضر ذكائها لتهتف في عنف:
-براحة على نفسكم شوية ده خطيب بنتي اصلًا واهدوا كده لما نعرف أيه اللي حصل؟

ما هو على يدكم الباب كان مقفول من برا والباشا هو اللي فاتحه بأيده عشان يثبت الحدوته والفضيحة اللي بيقول عليها.
أعاد فهد امساكه من ملابسه وهو يهتف مستنكرًا في غضب:
-وانت عرفت منين اننا هنا، يبقى أنت اللي حبستنا.
دفعته ياسر في غل والتفت حول المكان يصيح دون خجل:
-يعملوا العملة وعايزين يلزقوهالي أنا، أحضرونا يا أهل المنطقة!
صدح صوت رجل رخيم معلنًا عن وصول شيخ كبير في العمر ليفرقهم ويسأل في جدية:.

-ممكن حد يفهمني ايه اللي بيحصل هنا؟
هرعت والدة زينة وهي تبكي وتتوسل في مكر أنثوي:
-يا شيخنا من امبارح وانا بلف حوالين نفسي مكنتش لاقيه بنتي ومكنش ليها أثر وكنت هتجنن واسأل ام مديحة هناك اهيه.
هزت أم مديحة جارتها وصديقتها الصدوقة رأسها في تأكيد لتكمل أم زينة بنبرة سريعة:
-منمتش طول الليل والمصحف وانا بتصل بكل حد يعرفها لدرجه اني قولت هي انتحرت ولا عملت في نفسها حاجه.
تكلم الشيخ بنفاذ صبر وهو يحرك يديه:.

-أم زينة أدخلي في الموضوع على طول الله يرضا عليكي ورانا مصالح.
-حاضر يا خويا روحت اتفاجئت الصبح بياسر الأرمل اللي قصف عمر الولية مراته أم حبيبة الله يرحمها واقف في نص الشارع وبيهلل ويقول انه شاف فهد خطيب بنتي وبنتي قافلين عليهم المحل من امبارح،
وان لا مؤاخذه يعني قال ايه رجولته نقحت عليه الصبح وقال مش هسكت على الفضيحة دي واحنا رجاله ومنسكتش وكلام ميدخلش عقل عيل صغير يا شيخنا.

-ما هما بايتين هنا فعلًا يا أم زينة.
صرح احد الرجلان بجوار ياسر في تهكم لترمقه والدة زينة بشر قبل ان تستكمل موضحه للشيخ الموقر:
-كذب يا شيخ والله انا بنتي أشرف من الشرف اللي حصل ان في حد قفل عليهم الباب امبارح وعلى يدهم احنا فاتحينه بايدينا.
-وهو كان بيعمل ايه جوا معاها اصلًا؟
قال الشيخ في تعجب وعدم رضا:
فخرج فهد أخيرًا من سحر حكايات أم زينة المحبوكة ليتدخل معلنًا في حده:.

-كنت بشيل شوال تقيل عليها فجأة اتقفل علينا.
نظر له الشيخ يدقق النظر إليه بفضول ليسأل:
-مش انت فهد ابن الحاج محمد الله يرحمه؟
-اه انا.
أجابه فهد في ثبات وفخر دون ابعاد نظراته عنه، ليخبره الشيخ في عتاب:
-طيب وده يصح يا ابني تجيب لواحده ست مصيبة زي دي ولما هي خطيبتك محدش فينا سمع عن الحكاية دي ليه،
دي حتى حتتنا عاملة زي أوضه وصالة مفيش حاجه بتستخبي فيها.

ارتبك فهد لكنه سرعان ما بلل شفتيه وأشار إلى زينة معللاً:
-مكنتش عايزة تقول لحد ما تعرفني أكتر.
تدخلت والدة زينة في كذبة جديدة بقولها:
-اه يا شيخ انت عارف سمعة الستات زي الكبريت وأنا قولت بلاش نعمل خطوبة واللي يقولك دي كانت مطلقة قبل كده واللي يستظرف بكلمتين قولت نخليها سر لحد كتب الكتاب على طول!
-وكتب الكتاب كان الاسبوع الجاى اصلًا.
أكد فهد وهو يقترب من كبير حارتهم ليقاطعه ياسر في غضب:.

-وايه خطيبها يعني ده كمان وانت شايف يا شيخ ان وجوده معاها وبياتهم في مكان واحد ده يعدي بالساهل، الست دي لايمكن تفضل في منطقتنا.
برقت عينا فهد في تحدي وهو يتابع بانفعال:
-الست دي أشرف منك ومن عشرة زيك وعشان اثبتلكم صدقي انا هكتب الكتاب عليها انهارده،
ومش هستني دقيقه واحدة تخلي كلب يتكلم عليها عشان لما تكون على ذمتي وحد جاب سيرتها في حاجه محدش يلومني لما اقطع لسانه!

انهى تهديده وهو يزمجر في ياسر الذي وقف يجز على أسنانه في غضب ووجه احمر وهو يستشعر فشل خطته، فقد كان يرغب في الانتقام من فهد وجعل زينة بلا حيلة كي لا يتبقى لها خيار أخر غيره.
فتحت زينة فمها للاعتراض وقد هالها ما يقال ويحاك عنها فيما هي تقف بلا حول ولا قوة، فاندفعت نحوها والدتها تقذفها بنظرات تحذيرية اخرستها لتكتفي بالبكاء في صمت.

-وانا شاري كلامك لأجل خاطر أبوك ولأجل الست الغلبانة اللي عايشة وسطنا من زمان محدش سامع لهم نفس، هاتي بنتك يا أم زينة ومعايا على المأذون.
قال الشيخ وهو يرفع طرف عباءته ويتجه للخارج، نظر فهد إلى ياسر بانتصار واتجه خلف الشيخ دون النظر مرة واحدة إلى زينة فهو لا يزال يلوم نفسه لأنه كان سبب في إثارة فضيحة كانت يمكن ان توحلها للأبد ولكنه لن يتخلى عنها أبدًا.

بعد مرور ساعات...
دلف فهد وبجواره الشيخ من اليسار وزينة ووالدتها على يمينه، لم يفته نظرات معظم من في الطريق إليهم في فضول فمد ذراعه يمسك كفها بين كفه الجامد ويميل هامسًا في جدية:
-ارفعي راسك انتي معملتيش حاجة غلط ومتخليش حد يتنمر عليكي.
نظرت له بغضب ومقت وكأنه السبب فيما حدث لكنها رفعت رأسها وضغطت على أصابعه تستمد القوة منه في تناقض غريب يتملك عواطفها.

تجاهلت نظرات الناس المتسائلة من حولهما وتمنت لو يمكنها الوصول لأعلى حيث منزلها وإلى أحضان ابنتها لتنسى الجميع وما حدث.
لكن كان لوالدتها رأي أخر حين وقفت أسفل البناية تطلق زغاريد طويلة ملحنة هي وجارتهم السيدة أم مديحة قبل أن تعلن بابتسامه مشرقة وحاجب مرفوع:
-بنتي زينة اتكتب كتابها على فهد الصحفي الكبير وكل بنات الحارة معزومين الليلة عندي.

ولا يا فاروق اطلع قول لأمك ان زينة اتجوزت وقولها عقبال بناتك التلاته متنساش تبقى تنورنا وتشوف عريس بنتي اللي زي البدر المنور.
شعر فهد بحرج وانتشر اللون الأحمر فوق رقبته وأذنه ولكنه ابتسم قليلًا حين اقتربت منه والده زينه وصديقتها المبتسمة طوال الطريق دون مبرر.
صعدا جميعًا على الدرج لتميل عليه والدة زينة مبررة:
-أصل أم فاروق دي ولية بومة ولسانها سم على بنتي في الرايحه والجايه أصل بناتها التلاته عوانس.

ضحك فهد ونظر لزينة التي كانت تموت من الخجل لأفعال والدتها امام فهد وما أن دلف ثلاثتهما حتى قالت في غضب وهي تحرك ذراعيها:
-حفله ايه يا ماما وكلام فارغ ايه مش كفاية المصيبة اللي اتحطيت فيها ومفتحتش بؤي بكلمة!
قرصتها والدتها في غيظ وهي تؤكد:.

-شوف البنت وبجاحتها مش تحمدي ربنا انها عدت على خير بدل ما كانت سيرتك بقت على كل لسان ولا عايزة الناس تقول معملوش فرح ولا شويه مزيكا حتى عشان مضروبين على قلبهم من الفضيحة.
تدخل فهد مساند لوالدتها وهو يجلس بجوار الباب ويبحث بعينيه عن رنا الصغيرة:
-أمك بتتكلم صح وافردي وشك ده مش منظر عروسة يوم كتب كتابها.
اتسع فمها في ذهول واندفعت في غضب تدفعه من المقعد وإلى حيث الباب هاتفة:.

-وليك عين تتكلم بعد ما خلتني اتجوزك غصب عني اتفضل امشي برا بيتي ومش عايزة اشوفك هنا تاني.
تجاهل فهد وقوف والدتها المصدومة ومسك كتفها الأيمن يهزها مرة ليردف بنبرة جامدة:
-ياسلام ولو كان في حل تاني مقولتيش عليه ليه يا فيلسوفة زمانك!
-بت يا زينة انتي اتجننتي رسمي ده بدل ما تشكري انه اتجوزك ولم الدنيا.

-ايه اللي انتي بتقولي ده يا ماما انتي ليه محسساني اني عملت عمله ولا مصيبة ما كان على يدك انا اتحبست معاه غصب عني!
ضحك فهد بأريحيه وهو يدفعها عنه قليلًا ثم جلس من جديد على المقعد ليعلن بابتسامه باردة أثارت أعصابها:
-الحمدلله مش حياتي!
كادت تهاجمه وتنقض عليه بشراستها المعتادة لكن والدتها اوقفتها حين هتفت من بين أسنانها مهددة:
-زينة يمين بالله لو متربيتش لهديكي علقة تعدلك،.

كلمي جوزك عدل وادخلي دلوقتي حالًا تتذوقي وتلبسي احلى ما عندك وتيجي قبل الناس ما تتلم انتي فاهمة!
لم تستطع زينة السيطرة على دموع الغضب مرة أخرى وتنقلت نظراتها بين والدتها و فهد البارد لكنها طالبت في حدة:
-ابعتي هاتي بنتي الأول!
-اخيرًا.
قالها فهد في تهكم متجاهلًا نظراتها القاتلة فمنذ دلف وهو يرغب في السؤال عن الصغيرة لكن والدتها المتمردة كانت منشغلة في التذمر حول زواجهما، ولكن والدتها أجابتها في سرعة:.

-ام مديحة راحت تجبها من عند مديحة، واتفضلي اعملي اللي قولت عليه لحد ماتيجي.
ذهبت في غضب نحو غرفتها وتابعها فهد الذي يرفض الشعور بالندم لأنه استغل ما حدث للزواج بها، فهو عاشق مجنون قادر على إذابة مقاومتها الواهية شاءت أم آبت...
قطع تفكيره وصول الصغيرة التي دخلت في هدوء لا يناسب طفلة في عمرها ولكن تلك الابتسامة التي ارسلتها له ما ان رأته شعت سعادة داخله واشار إليها بالحضور نحوه واحتضانه ثم قال:.

-وحشتيني يا رنوشه، عاملة أيه؟
هزت رأسها بابتسامه فتنهد وهو يقبل رأسها ويخبرها:
-انتي بتحبيني صح؟
حركت رأسها في موافقة فقال مشاكسًا:
-أنا ولا الشكولاته يا بكاشة.
-أنت.
نطقت في خفوت فنظر إلى جدتها المبتسمة واشار لها برغبته في اخبار الصغيرة بالمستجدات، فهزت رأسها بالموافقة برضا يكفي السعادة التي رأتها في عيون حفيدتها لتعلم ان فهد لن يكون زوج جيد فقط بل خير أب لحفيدتها.

جلست جوارهما تراقب فهد وهو يداعب صغيرها ويهمس في أذنها:
-وانا كمان بحبك، أيه رأيك تيجي انتي وماما تعيشوا معايا وكل يوم اديكي شكولاته الصبح وبليل؟
رفعت الفتاة رأسها بتفكير ثم نظرت إلى جدتها بتساؤل فقالت جدتها في رفق:
-انتي بتحبي عمو فهد يا رنا مش كده؟
-اه بحبه.
قالت بنبرتها الطفولية وهي تحرك أصبعها على طرف ملابسها دون اهتمام بالعالم من حولها فأكدت الجدة:.

-وأنا كمان بحبه، عمو فهد طيب أوي وبيحبك انتي وماما عشان كده انا قولتله ياخدك انتي وماما تعيشوا معاه عشان يديكي شوكلاته كتير اوي وانتي هتبقي مؤدبة وتسمعي الكلام صح.
-صح.
قالت الصغيرة في رضا وهي تقضم ظفرها وتنظر إلى فهد في سعادة فضحك وهو يزيل أصبعها ويقبل يدها مخبرًا إياها:
-طيب يلا قومي قولي لماما تجيب هدومك وهاتي كل لعبك اللي بتحبيها عشان احطهم في اوضتك الجديدة.

قفزت الصغيرة واتجهت نحنو غرفتها لكنها توقفت حين أشارت جدتها:
-ماما في الاوضه التانية يا رنا.
ركضت نحو غرفة الجدة إلى والدتها لكنها تسمرت حين دلفت ووجدت والدتها تجلس على الفراش وتحتضن وجهها باكية.
رفعت زينة وجهها لترى عبوس ابنتها التي سرعان ما احمرت عيناها في بكاء وشيك لهيئة والدتها الحزينة فابتسمت زينه لها وهمست:
-تعالي يا قلب ماما.

ركضت رنا نحوها تحتضنها وتستقر فوق صدرها ولأول مرة تحادثها الصغيرة في جملة واحدة:
-هو بابا رجع ضربك وأنا مش معاكي عشان احميكي هنا.
اتسعت عيون زينة وضمت ابنتها لتؤكد بابتسامه واسعة:
-لا لا يا حبيبتي أنا مش بعيط انا بس زعلانه عشان الشغل كان وحش اوي وبعدين انا مش قولتلك قبل كده تنسي الموضوع ده لان بجد بابا مكنش بيضربني، ده كان بيهزر معايا.

حركت الصغيرة رأسها في رفض فقد شاهدت بأم عينيها الكثير والكثير من اعتداءات والدها المخيف على والدتها، أغمضت الصغيرة جفنيها في هرب من ذكرى والدها الاخيرة المحفورة في عقلها حين ضرب والدتها بوحشية حتى فقدت وعيها قبل أن يتركها وحدها باكية جوار والدتها تتوسل استيقاظها.

دعت زينة بحسرة على زوجها السابق الذي تسبب بأذى نفسي لصغيرها التي ترتعش كلما سمعت شجار بين أزواج المنطقة، تنهدت بأسى فقد مرت سنة على طلاقها وخلاصها من أحقر الرجال الذي تركها بين الحياة والموت أمام صغيرتها وذهب لزوجته الأولي، وكيف انقذها الله حين هاتفتها والدتها فتجيبها الصغيرة الباكية في هلع لتهرع والدتها إليها وتنقلها لأقرب مشفي.

لا تزال ممتنه للطبيب الذي أصر على إحضار النجدة وبإثبات اعتداء زوجها عليها جسديًا ونفسيًا رفعت قضية ولكنها تخلت عن حقها في مقابل طلاقها والتحرر منه وتنازل منه بعدم المكالبة بحضانة ابنته وكأنه يهتم لها، فكرت في قهر فها هي ظنت ان حياتها ستستقر ليسخر منها القدر اليوم وتعود متزوجة من جديد ولا تعلم كيف سيتعامل معها فهد حين ينغلق عليها باب واحد وأي وحش يخفيه بين طيات ابتسامته سيعلن عنه.

قطع تفكيرها دخول والدتها التي احتضنت كلاهما وقالت لزينه في جدية:
-بكره تشكريني وتشكري حظك انه وقعك في واحد زي فهد.
ابتسمت زينة في مرارة وهي تقول:
-ابويا قالي كده قبل ما يجوزني وانا عندي ستاشر سنة للي ما يتسمى واديكي شوفتي النتيجة،
شفت المر واتمرمطت وبقيت مطلقة في سن العشرين وبشقى على بنت عندها أربع سنين، انا معيشتش يا امى وشكلها مش مكتوبلي أعيش.

نظرت والدتها لأسفل بلا مبرر فعقليات الماضى لا مبرر لها ووالدها رحمة الله أصر على زواجها سريعًا للفرح بها قبل ان يتولاهما الله، وليته لم يفعل..!
ربتت على ظهرها في حنو وهي تحمل رنا بين احضانها وقالت:
-قومي اجهزي يا بنتي احنا مش ناقصين بلاوي وقولي يارب، انا قلبي مرتاح للجدع اللي برا ده وعارفه ان ربنا هيعوضك بيه انتي وبنتك خير.

هزت راسها وهي تزيل ما تبقى من عبراتها عن وجهها واتجهت بقلب يدق بعنف نحو ملابسها فهناك حدس غريب يقنعها بأنها ستري من فهد حياة لم تكن تتخيلها ابدًا لكنها تتمسك بسوداوية قدرها حتى إثباته العكس!
بالفعل خرجت والدتها وسرعان ما جهزت واقتربت من الانتهاء وهي تضع لمسات أخيرة من أحمر الشفاه، لتفاجئ باندفاع فهد إلى غرفتها بوجه واجم قبل ان يتهمها:
-أنتي ازاي تتجرئي وتعملي كده!

تركت ما بيدها والتفتت إليه بعيون واسعة متسائلة وقد شعرت بقليل من الخوف حين أقترب منها وعينيه تلتهمها من أسفل جسدها لأعلاه قبل أن ترتسم ابتسامه مشاكسة على وجهه ويهمس:
-فين حضن كتب الكتاب بتاع ممس؟


look/images/icons/i1.gif رواية حبهان
  19-12-2021 07:55 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

لم تستطع زينة كتم تلك الضحكة الواسعة التي شققت عبوس وجهها، وحاولت كتمها بصعوبة وهي تتنهد في راحه بعد أن أفزعها لترفع حاجبها محذرة عندما رأته يتقدم منها ببطء:
-ولااا أرجع مكانك بلا حضن بلا قلة أدب!
ولكن فهد ظل يتقدم منها أكثر وهو يردد مشاكسًا:
-يرضيكي الناس تاكل وشي؟
يعني كل الرجالة من أولهم لأصغرهم ياخدوا احضان و...
ثم مال يقرب وجهه منها نوعًا ما لترى بوضوح العبث الناشز من عيناه، ثم همس بمكر:.

-وحاجات تانية كده خادشة للحياء، إلا قرمط الغلبان؟
ازداد توترها وهي تعود للخلف خطوتان علها تنفض تأثيره الذي يبث ذبذبات عاطفية حارة تجعل جسدها كله ينتفض بشعور جديد وغريب عليها، ثم حاولت جعل نبرتها أجشه وهي تخبره بينما تتظاهر أنها تنظم الاشياء الموضوعة على المنضدة:
-دي الناس اللي متجوزين بجد!
-امال احنا ايه؟ متجوزين بهزار؟!

سألها ببرود عاقدًا يداه خلف ظهره يتابع حركة يدها المتوترة، ليجدها تتنفس بصوت مسموع ثم استدارت وأكملت بجدية:
-احنا جوازنا صوري ومش هيبقى غير كده وياريت متنساش إن لولا الفضيحة اللي حصلت أنا عمري ما كنت هتجوزك!
-أكيد.
قالها وهو يومئ برأسه ليُسايرها وكأنها طفلة صغيرة، فتأجج الغضب متقافزًا من بين عينيها من جديد وهي تستطرد بغيظ:
-ايوه، وعلى فكره أنا مش ناسيه أنك اتحرشت بيا وأنا نايمة،.

وأن لولا إني كنت رجلي كانت تعبان من الوقفة فعلًا أنا كنت قاومتك أكتر متفتكرش إني سهلة.
-طبعًا اومال!
قالها وهو يحرك حاجباه معًا يتعمد إغاظتها، فاقتربت هي منه بانفعال تنوي مهاجمته ليسارع هو بضمها له بقوة وذراعاه تجذبها له بقوة أكبر حتى لا تستطع التملص من بين أحضانه بينما هي تهدر برفض سريع:
-انت بتعمل إيه قولتلك ابعد عني!

ولكنه لم يعيرها اهتمام بل كان حريصًا على تقيدها بين أحضانه وعطرها يتخلل أنفه فيزيده تشبثًا، بينما هي بمجرد التصاقها به حتى عادت لتشعر بتلك الهيمنة العاطفية تفرض سيطرتها على كل ذرة بها مرة اخرى لتجعلها كالهلام بين أحضانه.

تنفس فهد بصوت مسموع، وكأنه انتصر اخيرًا في حرب العشق التي استهلكت كافة مشاعره لتجعله خالي الوفاض يتوسل انتصار يعيده لقيد الحياة...!
-فهد لو سمحت إبعد بقا...
قالتها زينة بصوت مكتوم وهي تحاول إبعاده عنها بضعف، ولكن استكانة قلبها لدفء أحضانه جعلتها تسكت ذلك الرنين بالإنذار في عقلها...

بينما حرك فهد يده ببطء يسير بها من خصرها لأعلى ليشعر بتلك الرجفة العنيفة التي هزت جسدها كالصعقة الكهربائية، وصل لطرف حجابها الذي تضعه على شعرها بغير اهتمام ليجذبه بطرف إصبعه ببطء مستغلًا حالة التيه التي تسيطر عليها، ثم اقترب منها اكثر ليدفن وجهه عند رقبتها حيث يكمن ملاذه وحيث يغمر الارتياح روحه المُتعبة.

ولكن تلك الحرارة عادت تغزو خلاياه بعنف وشعر بجلده يحترق بعاطفة حادة باتت تلازمه مؤخرًا، ليستسلم مقربًا وجهه اكثر منها ويلصق شفتاه بعنقها لاثمًا إياه بعمق.
أغمضت عيناها بعنف وقد ضغطت بقوة على قبضتها التي تمسك مقدمه قميصه، ليجبر هو نفسه على الابتعاد مقررًا كبح زمام تلك المشاعر كالعادة، ثم سمعت هي همسه الخشن جوار أذنها:
-اهدي يا حبهانتي، مش هاكلك دلوقتي موصلناش للمرحلة دي،.

ابقي اتوتري لما نوصل ليڤل الوحش!
قال اخر كلماته وهو يغمزها بطرف عيناه مراقبًا تلك الحمرة اللاهبة التي تلون وجنتاها فترضي شعوره الذي يخبره أنها تتأثر بتلك المشاعر وكأنها تجربها لأول مرة...!
اخذت زينة ثوانٍ قبل أن تستعيد ثباتها لتدفعه بعيدًا عنها وهي تصيح بشراسة تليق بها:
-على فكره أنت قليل الأدب.
فرفع فهد إصبعه ليداعب أنفها برفق وهو يردف بشقاوة:.

-امممم، ومتنكريش إن قلة أدبي دي بتأثر فيكي وبتخليكي زي البقسماطه في الشاي بلبن!

لم تدري ماذا تجيبه، بل لم تجد اجابة اصلًا وعقلها يؤكد لها صدقه مرسلًا ذكرى الدقائق القليلة التي مرت لذاكرتها، فوجدت نفسها تشير بإصبعها نحو الباب مرددة بحدة وغبطة:
-اطلع برا يا فهد.
فابتسم ببرود متعمد وهو يخبرها بهدوء:
-انتي هتيجي معايا بيتي انتي ورنا اصلًا يا عيون فهد.
فأجابت هي بغلظة مستنكرة:
-لا طبعًا أجي معاك فين أنت صدقت نفسك وصدقت إنك جوزي بجد ولا إيه!

قلب عيناه بملل قبل أن يستدير دون كلمة اخرى وهو يصيح مناديًا بصوت عالي وكأنه يلحنها ويمط كلماته:
-يا حماتي، يا حجه ام زينة...
زفرت زينة والغضب يكاد يفجر أعصابها، ثم خرجت خلفه بسرعة لتجد والدته ترد عليه بابتسامة واسعة:
-ايوه يا حبيب حماتك.
طالعت ملامح زينة المتجهمة وخمنت فسألته بشك:
-البت دي عملت حركة من حركات جنانها تاني صح؟
فمط فهد شفتاه بيأس مصطنع وقال:.

-تخيلي مش عايزه تيجي معايا البيت هي ورنا وعايزه تفضل قاعده هنا.
فاتسعت حدقتا والدتها وهي توبخها بجدية:
-نعم! انتي عايزه تحصل مشكلة وفضيحة تانية ولا إيه!
الناس لسه بتتكلم بسبب اللي ما يتسمى اللي راسه ماتتفرقش عن البطاطسايه!

أطلق فهد ضحكة صغيرة على فكاهة حماته، ليراقبها وهي تكمل في حزم:
-هتروحي معاه يا زينة يلا ادخلي جهزي هدومك وهدوم بنتك، وجوزك عارف مصلحتك ومش عايزلك غير الخير فتسمعي كلامه وماتتعبيهوش كتير وتقوليله شكرا يا حبيبي كمان!
فتحت زينة فمها تود الاعتراض بتذمر:
-نعم! يا ماما لأ انا...
-بنت عيب، قولي شكرًا يا حبيبي وادخلي جوا متضايقيش ماما!

قال فهد في نبرة مازحه وعيون شقيه فكاد تنفجر به لكن والدتها قاطعتها بنظرة حازمة جامدة جعلت زينة تتأفف وهي تتوجه نحو الداخل قبل أن ترمي فهد بنظرة مشتعلة وهي تهمس من بين أسنانها:
-دا انت أيامك سوده معايا يا حبيبي.
فصفق فهد بيداه ضاحكًا وهو يغمغم مشاكسًا:
-الله عليكي يا حماتي يا مسيطره ينصر دينك!

بعد انتهاء الحفل وحرص والدة زينة على ايصالها لأسفل بناية فهد في هرج ومرج وزغاريد متواصلة...
وصلوا منزل فهد حيث شقة متوسطة الحال، بمجرد أن مدت زينة قدمها لتدخل شعرت بربكة واعماقها تنعقد بقلق بات لا ينفصل عن كينونة شخصيتها.

ليتقدمها فهد وهو يمسك بيد رنا مشيرًا لزينة بحنو يحثها على الدخول:
-ادخلي يا زينة.
فتنهدت تنهيده خرجت من منتصف أعماقها، لتدلف بالفعل بهدوء معه، فاصبح هو جوارها تمامًا يسير معها ببطء وهو يتمتم بهدوء:
-معلش بقا الدنيا مكركبة شوية.
فهزت زينة رأسها موافقة دون رد، ليبدأ فهد بالإشارة نحو اركان المنزل ليعرفها عليه، فقال بابتسامة حانية:.

-ده هنا تقدري تعتبريه الصالون اللي بستقبل فيه ضيوفي، بس احنا ممكن نبقى نغير في ديكور الشقة كلها اصلًا ونفتح الصالون ده على الاوضه اللي جمبها.
-لا ملوش لزوم
غمغمت زينة بنبرة خفيضة، ليتنهد هو ويخبر نفسه أنه يجب أن يتحلى بالصبر معها، سيظل يركض ويركض في طريقه حتى يصل لذلك القلب العصي الذي يأبى أن يرحمه.

هبط لمستوى رنا يسألها بحنان أبوي وهو يداعب خصلاتها الناعمة:
-هاا يا روني إيه رأيك بقا في بيتنا الجديد؟
ارتسمت ابتسامة طفولية صغيرة على شفتا رنا وهي تخبره بوهن طفولي:
-جميلة.
فاحتضنها فهد وهو يقبل وجنتها متابعًا بارتياح مصطنع قاصدًا مشاكسة زينة التي كانت متجهمة صامتة:
-احمدك واشكرك يا رب ماطلعتش دبشة متنقلة زي واحدة كده.

بينما زينة كانت في عالم آخر، كانت تراقب فهد بارتياب وهو يتنقل بين باقي ارجاء المنزل يشرح لها خصوصية كل جزء، بينما هي متعجبة ووسواس الماضي يجعلها متأهبة لأي تقلب ونفور مفاجئ، للسوء الذي ستراه على يده بالتأكيد بعد فترة!

لاحظ فهد نظراتها الشاردة فيه، لم يستطع أن يفسر بما تفكر تحديدًا ولكنه يشعر بتوترها الواضح وكأنها تخوض تجربة لأول مرة تدنو أرضها وليس للمرة الثانية...!
اقترب منها خطوتان حتى أصبح امامها ليغمزها بطرف عيناه وهو يحرك رأسه متمتمًا بعبث:
-إيه؟ قمر مش كده؟!
ارتبكت زينة اكثر لتسير دون تفكير سوى أنها تريد أن تهرب من ذلك المأزق، لتصدر عنها غمغمة متذمرة سمعها:
-وماله مش عيب يااخويا.

فابتسم دون رد، ليشير لها نحو غرفة صغيرة جوار غرفة النوم الكبيرة، ثم قال:
-ادخلي مع رنا بقا غيريلها هدومها وظبطي هدومكم في الدولاب وانا هروح اجيب حاجة نتعشا بيها.
ثم أمال رأسه يسألها مضيقًا عيناه بتفكير مصطنع:
-ولا هتطبخيلنا مثلًا؟
تخصرت زينة وهي تمط شفتاها لتتشدق بسماجة وبرود مقصودين:
-مابعرفش أطبخ!
فعض فهد على طرف شفتاه بشقاوة تعيث الفوضى بين دقات قلبها وترمي بالشغف لمشاعرها دون شعور منها:.

-مبتعرفيش تطبخي ازاي بس وانتي مسويه قلبي على نار هاديه.
كالعادة يجعل زينة الشرسة تتسرب ادراج الرياح لتجد نفسها أصبحت زينة اخرى خجولة تعجز عن ترتيب حروفها لتعنفه على وقاحته وشقاوته، الخلابة!

كانت زينة تحادث صديقتها على الهاتف وقد رن بعد ذهاب فهد بفترة لتتسع عيناها مندهشة ما إن اخبرتها صديقتها أنها تعلم بزواجها من فهد ، فسألتها متعجبة:
-ايه ده انتي عرفتي منين يا هدى؟
أطلقت المدعوة بهدى ضحكة صغيرة متهكمة وهي تخبرها:
-عرفت منين إيه يا بنتي دي الناس كلها عرفت، انتي عارفه لما اهل المنطقة بيعرفوا حاجة يبقى مصر كلها عرفت خلاص مفيش حاجة بتستخبى!
فمطت زينة شفتاها مغمغمه بعدم رضا:.

-امممم وانا عارفه امي ماتتوصاش بصراحة.
ضحكت هدى بخفة، لتسألها مستفسرة بقلق:
-المهم طمنيني عنك وعن رنا؟ هي مبسوطة بالجوازة دي وبتحبه ولا لا؟
اومأت زينة برأسها كأنها تراها، وأجابت بصدق:
-رنا متأقلمة معاه جدًا جدًا ده اللي مطمني شوية يا هدى، وماما بتقولي إنه هيعوضها حنان الأب اللي اتحرمت منه.
فاجئها سؤال صديقتها التالي والذي حمل قدر لا بأس به من المكر:
-طب وانتي؟ حاسه بأيه؟ مبسوطة بالجوازة دي يا زينة؟!

صمتت زينة وصدى السؤال يتردد داخلها، عقليًا هي مرغمة على ذلك الزواج...
ولكن حينما نأتي لركن القلب نجد قلق ذلك العقل رسي تمامًا بسكون وسط صومعة المشاعر التي تحاوطها في قربها منه...!
بدأت تشعر أنها ليست قادرة على اجابة هذا السؤال حتى.
تنهدت وهي ترى هاتفها يصدر صوت معلنًا وصول اتصال اخر على قائمة الانتظار، فقالت متعجلة لهدى وكأنه انقذها من اجابة ذلك السؤال:
-طب في حد بيتصل بيا هرد وهكلمك تاني يا هدى.

-تمام ماشي، سلام يا حبيبتي
-سلام
قالتها زينة وأغلقت الاتصال لترد على الاتصال الاخر بهدوء:
-الوو مين معايا؟
جاءها صوت أجش حاد لن تنساه طيلة حياتها وهو يخبرها:
-ده أنا أبو بنتك يا ست زينة!
تجمد جسدها بصدمة قاسية وكل لحظة من لحظات الماضي اصبحت تعبر عقلها تزامنًا مع نبرة صوته الغليظة، لتخرج الحروف من بين شفتاها بصعوبة وهي تسأله:
-مدحت؟! بتتصل ليه وعايز إيه؟

-بتصل عشان عرفت إن الهانم اتجوزت، وعشان أعرفك إني مش هرضى ابدًا إن راجل تاني يربي بنتي وأبوها على وش الدنيا!
ظهرت شبح ابتسامة على ثغر زينة وهي تسأله بتهكم مرير:
-ابوها! هو فين ابوها ده طول الوقت اللي فات ده؟
سمعت زمجرته الحادة وهو يهدر:
-موجود، بس كنت مفكر إن الاحسن ليها إنها تعيش معاكي، لكن تتجوزي وهي معاكي لا وألف لا.
-أنت قصدك إيه؟ وبأي حق تتدخل في حياتي اصلًا انا حره!

صاحت زينة بجنون لا تصدق مدى وقاحته التي لا حدود لها، لتسمع رده الذي أثار الذعر بين ثنايا روحها:
-انتي حره فعلًا، بس انا بقا هاخد بنتي تعيش معايا ومش هسيبهالك يا زينة ومترجعيش تعيطي!
للحظات وقف عقلها عن العمل ولم تدري ماذا تفعل وهي تعلم كل العلم أنه قادر على حرمانها من طفلتها الوحيدة فعلًا، لذا قالت بسرعة لتهدئة مؤقتًا لحين إيجاد حل آخر:.

-طب اديني وقت افكر، انا أصلًا مكنتش موافقة على الجوازه دي وهطلق بعد فترة متقلقش!

قالت اخر جملة لها وهي تستدير بتلقائية لتنصدم من تواجد فهد الذي يبدو أنه دخل في الدقيقة الاخيرة ليسمع جملتها التي جنت جنونه وجعلت الشياطين تتلاعب بعقله، فاحتدت عيناه بنظرة غاضبة مُخيفة و...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 2 < 1 2 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1762 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1270 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1317 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1136 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2064 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، حبهان ،












الساعة الآن 01:51 PM