لم تتحمل جميله الخوف والقلق لتخرج من مخبأه وهي تستمع الي صيحات محمد امامها والحارس المحذر من خلفها... ركضت بسرعه نحو البوابة لتفاجأ بماجد غارق في دماءه بين ذراعي محمد شهقت بهلع وهي تضع كلتا يداها على فمها ليتخطاها محمد بغضب و كأنه رأي شيطان امامه ليسرع نحو السيارة وهو يمطر الحارس بوابل من الشتائم ويردف بغضب لها... -اركبي العربية مفيش وقت، الراجل هيموت في ايدي!
تحركت كالمغيبة تركب بجوار السائق وتنظر الي الخلف ببكاء لا يتوقف وهي تري محمد يحاول مساعدته باي طريقه ويخلع قميصه يضغط به على الحرج وهي تنظر حولها تحاول مساعدته! بينما رفض محمد مقابله عيونها ويشعر بغضب عارم لابتعاده عن مهمته وترك نفسه مسيرا خلفها بدون اي تركيز ليكون هو السبب الاول في كل ما يصيب والده! -باااباا انت سامعني، حاول متستسلمش للنوم وافتح عنيك ارجوك يا بابا!
التفت الي السائق وهي تري عيونه مشتعله بغضب وجنون ليردف... -اجري بسرعه! بعد دقائق وصلوا الي اول مشفي بالقرب منهم ليهرع محمد حاملا اياه الي الداخل... تم استدعاء الاطباء و اتجه الجميع الي غرفه العمليات... وقف محمد كالتمثال خارج الغرفة لا يتحرك منه الا ارتفاع صدره وانخفاضه... كان الغضب وتأنيب الضمير ينهش داخله وخوفه على ماجد يكاد يفقده عقله! توجهت تواسيه بخوف فقد استمر بإرعابها بنظراته كلما اقتربت منه...
رفعت يدها تلامس قبضته بجواره ليجذبها بحده وكأنها تكويه بنار و ينتقل بعيون مشوشه غائمة نحوها... ارتعبت قليلا من رد فعله لتردف بخفوت... -انت كويس يا محمد؟! هز رأسه بالنفي وهي تري عيونه تتجمد بمشاعر اقوي من ضربات السكين داخل صدرها! -ابعدي عني!
في بني سويف... كان فهد كالبركان فهد مضي ثلاث ليال معها ويشعر انه على وشك قتلها هي وعائلته التي تدخله في دوامه من الاحاديث والتفاهات... اقترب منها وهي ترتب غرفه الطعام لتلمحه وتبتعد الي غرفه اخري هاربه بعيدا مالمعتاد منذ ما حدث بينهم ؛ شعر بحراره وهو يتذكر قبلاته على بشرتها الناعمة! ابعد تلك الافكار سريعا عنه وهو يتبعها ليردف بحنق... -حياة! وقفت بلا مبالاة لتردف... -نعم تؤمرني بحاجه!
حك انفه بغيظ قائلا... -عايز اشرب!.. لمعت عيناها بغضب طفيف وتوجهت دون اي كلمه الي المطبخ لإحضار الماء... فرك رأسه بغيظ على غباءه ليري عمر اخيه ينظر له بحاجب مرفوع! -مالك يا فهد انت عيان ولا ايه! -احم لا اصل كنت عطشان... ارتفع كلا حاجبيه وابتسم ليردف... -انت كده المفروض بتصالحها يعني، لا واعر يا خويا!.. نظر له فهد بغضب... -واد انت اتلم انا اخوك الكبير وبعدين اصالح مين وليه يعني انا مش غلطان معاها في حاجه!
وقف عمر وهو يلملم اوراق دراسته ليردف بلامبالاة والتي كانت سببا بان تتغير لهجه الشباب عن والداهما بلهجتهم الصعيدي الصرف فأصولهم تأتي من قلب الصعيد.. -صحيح انا مالي، اللي بيشيل اربه مخرومه بتخر على دماغه... كاد فهد يصفعه على رأسها عندما دلفت حياه واعطته الماء بغيظ لتقول وهي تجز اسنانها... -بالشفا... ابتسم بسخريه ليردف.. -قصدك بالسم الهاري، ما تفردي وشك ده! رسمت ابتسامه مصطنعة على وجهه لتقول...
-تؤمر بحاجه تانية؟!.. ضحك عمر بخفه فرمقه فهد بنظره اخرسته، ابتعد فهد وهو يخبرها... -خلصي اللي وراكي واطلعي انا عايزك! خجلت قليلا من ان تقع الكلمات بالفهم الخاطئ على عقل عمر الذي يلاحقها في كل مكان ويحثها على استماله اخيه وكأنها قصرت في شيء من قبل، هذا الدار نسي ان خيار البعد كان منه هو وحده ولم تكن هي طرف فيه! -حاضر...
ابتعد فهد فتوجه عمر لها سريعا يجذب قطعه القماش المتسخة من يدها وهو يدفعها بالقوة خلف اخيه ويخبرها بعينيه ان لا تنسي وصاياه العشر... تمتمت بغيظ... -انت مزقوق عليا يا ابن الحلال ما تبعد عني! التفت اليهم فهد فابتسم له عمر وهو يحرك القماشة في الهواء وكأنه يبعد حشره فرمقهم نظره شك واستكمل طريقه... زفرت وتركت عمر تلعنه في سرها لتذهب في اعقاب زوجها... دلفت خلفه وهو يمسك الباب لها... الان يظهر جانبه المهتم!..
اعصابها تحترق مع مرور كل دقيقه ومصيرها يتقرر امامها بصمته حول مصيرهم معا... فاستنتجت انه قرر المتابعة في حياته والسفر وتركها ولكنها قررت التدخل في قراره هذه المرة ومطالبه الطلاق! شعرت بحزن يكسوها قمراره لمحه هو حين مرت امامه في عيونها الحزينة ليمسك ذراعها وهو يغلق الباب قائلا... -في ايه؟!
حاولت ابعاد يده فشعر بغضبه يتكاثر ما سر رغبتها الدائمة في الابتعاد عنه، منذ ان اقترب منها ذلك اليوم وهي تضع وساده كبيره بينهم وكأنها تحتمي بها... اولا ترتدي ثياب تقتله قتلا ثم تتجاهله وتدعه يموت شوقا! -سيبني! جذبها اليه وهو يقول بعناد... -ليه؟ -من غير ليه، مش بحب حد يلمسني! -ولما عمر بيهزر معاكي وبيلمسك مش بتفتكري انك مش بتحبي حد يلمسك! حاولت جذب يدها بغضب لتردف... -عمر حاجه وانت حاجه!..
هزها وهو يمسك كلتا ذراعيها يقربها الي صدره وهو يشعر بأعصابه تنفلت وتهدد بالثوران قائلا.. -انا الوحيد اللي ليا حق المسك عمر ولا حاجه، انا كل حاجه!.. لم تقاومه تلك المرة وثبتت نظراتها بعيونه الهائجة وكأنها تتحداه بتلك العيون وتسخر منه، كادت تخبره بان يذهب الي الجحيم وانه بالذات لا حق له بلمسها ولكنه باغتها حين ترك ذراعيها ليحاوط وجهها بكفيه ويضع شفاه على شفاهها... اتسعت عيناها وتسمر جسدها... يقبلها!
دبدب قلبها بسرعه وشعرت باللون الاحمر ينتشر على وجهها وهي تحاول الافلات منه ولكنه اصر على اكمال تجربتهم تلك على اتم وجه... ابتعد عنها ونظر لها نظره حب تتوق اليه منه، ليقربها بجسده الي الحائط ويثبت وجهها بين راحتيه و يعاود تقبيلها وهذه المرة اغمضت عينيها تماما كما فعل هو!.. تركت لنفسها عنان الاستمتاع بقبلته، فقط تلك المرة قبل الافتراق...
غاب فهد عن كل العالم وتاه في لذه شفتيها الناعمة قليله الخبرة وهو يشعر باصابعها تتمسك بذراعيه وكأنه الحياة... كاد قلبه ينفجر وهو يتذوق براءتها قلبا وقالبا... تركها بعد دقائق محاولا التقاط انفاسه وهو يتابعها بعيون مخدره... وهي تائهة بين ذراعيه بعيونها المغلقة و انفاسها اللاهثة... ضيق عينيه وهو يعض على شفتيه مازالت تلك البريئة مهما مضت السنوات او زادتها الحياة أنوثه...
فتحت حياه عينيها بعد لحظات لترمش عده مرات قبل ان تضع يدها على صدره تدفعه بهدوء وضعف ابتعد عنها خطوه ليعود ويضغط عليها وعلي يدها بصدره مره اخري... هزت رأسها بالنفي وتوبيخ واعادت فرد ذراعها ببطء في صدره... ابتسم لها ابتسامته الجذابة الرجولية التي تخطف قلبها لتقع في حبه للمرة الالف هذا اليوم وهو يعاود الالتصاق بها بلا شبع... رفعت يدها وهي تتنفس بصعوبة وهبطت بها على وجنته بضعف شديد...
زادت ابتسامته لتخرج منه ضحكه خفيفة ليقول... -لو ده المفروض يبقي قلم، تبقي فضيحه لو حد عرف انك مراتي! اصابت كلماته الجرح لتدفعه بغضب وقد قضبت حاجبيها بعد ان طرد غباءه اكثر لحظاتها رومانسية لتقول... -متخافش محدش هيعرف!.. وبذلك اندفعت خارجه من الغرفة وضع يده على رأسه وهو يزفر بغيظ... كيف يتفاهم معها وكل كلمه ينطقها تتضايق منها وتغضبها لما لا تحاول مثلما يحاول هو!
لايهم فقد اتخذ القرار وسيخبر به الجميع سواء شاءت ام ابت!
نعود الي المشفي بالقاهرة... -ابعدي عني! حاربت دموعها التي نزلت اكثر ولكنها اردفت بشجاعة... -لا مش هسيبك و ابعد يا محمد! التقت عيناه المشتعلة بعيونها الحزينة وقلبها يدق بهلع مثله تماما وهم يروا مصائبهم تتكرر مجددا...
فلاش باااااك... جلست نبيله مديره الدار تزم شفتيها تستعد لخطابها مع محمد المشاغب ذو الرابعة عشر من العمر بعد ان اعلنت الاسرة الرابعة رفضها لتبني جميله والمطالبة باقتراح اخر خوفا من هذا الصبي المجنون الذي يقف مهددا لهم بتهديدات تتخطي سنه!. -بص يا حبيبي انا عارفه انك متعلق ب جميله وانها زي اختك بس انت كبير وعارف الدنيا فيها الحلو والوحش...
وقفت من مقعدها تتكأ على المكتب امامه وهو ينظر لها بصمت لتعقد ذراعيها مستكمله... -مش معني اننا كلنا بنحب بعض يبقي جميل وحلو لا في حياه افضل للطفل لما تيجي اسره بديله وتتبناه انت كده بتدي الطفل كل حاجه بيتمناها وليه هو لوحده... جميله معرفتش اب او ام طول حياتها لكن انت مجرب يرضيك تتحرم من ده كله! ابتلع محمد ريقه بتوتر ليردف... -حضرتك يا ابله نبيله بتقوليلي الكلام ده ليه؟!.
خلعت نظارتها وهي تجثو امامه وتربت على ركبتيه... -انا عارفه انك بتطفش اي اسره بتقرب من جميله ومش عايزاك تكدب لأني اتأكدت بنفسي من الاسر دي بعد ما كل مره يرفضوا الاقتراح بتاعي و يشفوها ويشفوك! لم يحاول الكذب وظل ناصتا لها لتستكمل...
-بص يا محمد انت راجل دلوقتي ومبقتش صغير لو فاكر انك هتحميها ف انت كلها سنتين تلاته بالكتير وهتخرج من المؤسسة وتنتقل مكان تاني او هتنفصل بحياتك بعيد عننا ؛؛ هيرضيك ان يجي حد تاني زي مسعود وساعتها ممكن حظها ميكونش حلو و محدش هيلحقها منه!
انقبض قلبه الصغير وهو يتخيل ما حدث الاسبوع السابق عندما اكتشفوا تحرش امين المخازن مسعود بمعظم بنات الدار ويتذكر جنونه وهو يحث جميله على الاعتراف بانه قد اقترب منها عاقد النية على قتله ان لمسها لكنه تأكد انه نجت من قذاراته... ليهز رأسه ويردف... -هو حضرتك عايزة ايه؟! نظرت الي اسفل قبل ان تقطب حاجبيها بإصرار وتردف.. -في اسره هوريهم جميله ومحتاجه انك تسيبها تعيش وترتاح قولت ايه؟!..
شعر بدموعه تتسابق للنزول وبوجهه ينكمش في مقاومه قبل ان يهز رأسه بالموافقة... سقط قناع الصرامة عن وجه نبيله التي تمزق قلبها وهي تتابع اول دمعه تهرب منه فالأخرى، لطالما عدت كل فرد في مؤسستها ابن او ابنه لها لتنحني اليه تحتضنه اليها وتتركه يبكي وتشاركه هي بدموع خفيه...
الإنسانية والمحبة مفاهيم تناساها البشر، ان تذكروا منها ولو قليل لاختلف العالم الان، الحب لا عمر له خاصا البريء، رأت امثال محمد وجميله كثيرا منهم الجيد ومنهم السيء ومنها ما انتهي بزواجهم عن طريق المؤسسة... لو تذكر كل فرد في المجتمع اننا سواسيه و ان الطفل لا ذنب له باخطاء والديه و عاش كلا منا كانسان عادي لا محلل لأخطاء الغير و حاكم عليهم...
لوصلنا الي درجه من الرقي و الراحة نقرأها في النماذج المثالية فقط... تنهدت وهي تمرر اصابعها على رأسه وتجفف دموعه لتردف... -انت احسن ولد شفته هنا ومر عليا يا محمد، انت نقي جدا من جواك بدليل محافظتك على بنوته متقربش ليك اي حاجه، ولازم يكون عندك ثقه ان ربنا هيبعتلك الاحسن والصح...
هز رأسه بحزن دون ان يستمع الي نصف حديثها وهو يحاول التغلب على أنانيته وتركها تنعم بحياة هادئة عاشها هو قبلها وتبقي ارفع امانيه العودة اليها...
مر يومين قبل ان تأتي اليه جميله باكية وتطالبه بأبعاد تلك الأسرة عنها كعادتهم وهي تشعر بالخوف يسيطر على قلبها الصغير... ليردف بانزعاج ينافي الالم داخله... -بس يا جميله يا اما هقول لابله امل عليكي انتي مش طفله ولازم تسمعي الكلام!.. اردفت وهي تبكي وتتعلق بلعبتها... -يعني انا مش هبقي صديقك الصدوق خلاص! وضع صخره على قلبه وهو يقول بحزم...
-مفيش حاجه اسمها صديقي الصدوق انا كنت بهزر معاكي وبعدين انا خلاص همشي من البيت هنا وهروح بيت تاني عشان انا كبرت وانتي كمان كبرتي ولازم تروحي مع الناس الكويسة دي ولا انتي هتفضلي طول عمرك مش بتفهمي وبعقل حمامه! بكت بغيظ وعناد لتردف.. -خلاص برحتك انا همشي اهوه!.. تركته وركضت باكيه لتقف عند منتصف الطريق بعيون حمراء وتعود اليه مره اخري تحتضنه ببكاء وكأنها تواسي قلبها الصغير على فراقه لتردف..
-طيب انا اسفه بس ممكن افضل صديقك الصدوق!. سقطت منه دموعه ليقبل جبينها برقه وبراءه ويردف... -لو روحتي هتفضلي صديقي الصدوق ولما تكبري هدور عليكي وهنبقي مع بعض على طول اتفقنا! ابتسمت وهي تبكي وتجفف دموعها لتردف.. -لا اوعدني انك مش هتتأخر! رفعت اصبعها الصغير ترغب بان يشبك اصبعه الصغير به وكأنه بذلك يوعدها بمعاهده اقوي من الدم ابتسم بحزن وهو يشبك اصبعه بأصبعها ليردف بصوت به بحه متقطعة حزينه...
-اوعدك مش هتأخر يا رجل الحمامة! لكزته ليضحك الاثنان معا بألم محفور بقلبين صغيران علمتهم الحياة اكثر مما ينبغي... ابتعدت جميله بعدها لتبدأ حياة جديدة، حياة سعيدة خاصة بها كما اخبرها، ولكنها حياة بدونه! انتهي الفلاش باك...
عضت على لسانها عندما علت شهقاتها وجهها ينكمش في بكائها امام عينيه ليزداد غضبه على قلبه الضعيف امامها وكرهه لبكاءها ليصرخ بها... -كفااايه بقي ارحميني، انتي عايزة مني ايه، حرام عليكي!
حاولت لمس ذراعه ليبتعد بسرعه ناظرا لها بغضب، لم يسنح له الحديث لتخرج احدي الممرضات من الغرفة ويهرع لها محمد يحاصرها بكلتا ذراعيه امامها.. -طمنيني ارجوكي... هزت رأسها بخضه لحقتها بابتسامه طفيفة تهدئه لتردف... -اطمن حضرتك كل حاجه تحت السيطره وهيقوم بالسلامه ان شاء الله بس ادعوله و انا اسفه بس لازم اجيب حاجات للدكتور...
ابتعد عنها سريعا يفك حصاره من امامها ويتركها تعود الي عملها وضع كلتا يداه اعلي رأسه يغمض عيناه ويشكر الله في سره على انقاذه لحياة والده التي اهداه حب لا ينتهي بدون اي صله حقيقيه بينهم! فتح عينيه وشهقاتها المستمره تعود الي اذانه تمزقه اكثر واكثر ليلتفت بغضب يرغب في اسكات ذلك الصوت الذي يطارده منذ الصغر كاد يصرخ بها ولكنه انتبه حوله الي العيون المراقبة لهم...
اقترب منها بغضب وهي تحمد الله على سلامه ماجد في سرها وتشعر بكل اعصابها تنهار... امسك برقبتها من الخلف يدفعها امامه نحو احدي الغرف كما يفعل امين الشرطة مع من يلقي القبض عليهم... فتح اول غرفه امامه ليدلف معها ليترك رقبتها ويمسك كتفيها بعنف قائلا من بين اسنانه...
-بس كفايه، كفاااايه عياط! انت السبب في كل حاجه بتحصلي ؛ رجعتي ليه فهميني ؛ انا طلبت منك تعيشي وعشت المرار عشان اخليكي بعيد عني ؛ بترجعي تاني ليه؟! افهمي انك هوس طفوله هيضيع كل حاجه من ايدي؟! كانت كلماته قاسيه تطعنها ولم تتوقع ان لحظه اعترافه بهويتها ستؤلمها هكذا... وضعت كلتا يداها على وجهها رافضه رؤيه نظرات الاتهام والكره نحوها وتحاول بصعوبة نفض اكتافها من بين براثنه...
لم يتركها حتى تأوهت بين بكاءها فتنبه ليديه المطبقة عليها بشده، ليتركها سريعا... حاولت الهرب من امامه وهي تخبأ عيناها عنه لتفاجأ الاثنان باقترابها وهروبها الي صدره واحضانه و كأن جسدها يعلم ملاذه!.. انتفضت بهلع خوفا من معاقبته لها او صراخه بها اكثر محاوله الابتعاد الي الخلف...
ولكنه فاجئها بجذبه لها واعادتها الي احضانه، تجمدت بخوف و دموعها لا تتوقف حتى اطبق عليها بذراعيه وهذه المرة بعناق ساحق اليم وكأنه يرغب بإخفائها في صدره ومن كلماته الحقيرة... اغمض عينيه على جفائه لابد ان المها مضاعف فهو من تركها وليس العكس و هو من اذاها وليس العكس وهو من يبكيها وليس العكس! لطالما كانت ملاذه و ستبقي الملاذ، ولكن لن يرضي بان يكون سببا في لعن حياتها!..
كان صوت بكاءها كفيل بأطلاق صراع دموعه الذي لم يراها منذ خمس سنوات وتحديدا يوم قراره باطلاق سراحها والمضي في الحياه!
فلاااش باااااك... هز صوت ماجد الارجاء وهو يردف بغضب.... -يعني ايه يهرب من المدرسة العسكرية، انا هعرف ازاي اربيك! توجهت خديجه بقلق نحو محمد الذي صار في طولها تحتضنه اليها بحنان وتردف مدافعه... -هو استأذني وانا وافقت، ولا انت عجبك يعني انه مش بيكلم حد خالص ومعندوش زمايل انت قافل عليه اوي كله نظام وقوانين كان لازم اخليه يخرج شويه!. رد ماجد مستنكرا...
-لا يا خديجه متحاوليش تساعديه وتعودي على الهروب من الموقف، رد عليا يا محمد هربت من دماغك ولا استأذنت والدتك؟ بلع محمد ريقه ولكنه لم يكذب و تحدث بصدق... -ماما متعرفش حاجه، انا اللي هربت لوحدي... هزت رأسها على عناد اهم شخصان في حياتها فاذا كان ماجد محب للنظام ف محمد مهوسا به... تدخلت خديجه سريعا... -ممكن تسيبه دلوقتي انا محتاجه اتكلم مع ابني شويه ممكن!
زفر بحنق وتركهم لحالهم متوجها الي مكتبه بغضب صحيح انه صارم وحاد الطباع الا ان زوجته خط احمر ولم تواجه تلك الصرامة ابدا فهو يعشقها ولا يملك القدرة على احزانها... اما ما يغضبه انه حارب لنسب محمد له رسميا بعد وسطات عديده ليصبح مسجلا باسمه قانونيا وبشهاده ميلاد حكوميه، حتي يتمكن من الحاقه بكليه الشرطه باسمه!.. وها هو يضيع كل جهوده في الهواء بأفعاله، كيف سيصبح السند الذي تمناه وتمنته خديجه لهم!
جلست خديجه وهي تربت على يد محمد بحب لتقول بخفوت... -رحت تشوفها تاني مش كده؟!.. هز رأسه بالموافقة بملامح واجمه، فتابعت حديثها... -انت كده بتخوفني عليك يا محمد؟ ارجوك يا حبيبي انت كبير دلوقتي وداخل على كليه يعني راجل كبير!.. ابتلعت ريقها تحاول السيطرة على خوفها وتوترها لتستكمل... -طيب بص انت بتحبني صح يا حبيبي!.. نظر لها بعيون حزينة ليردف... -حضرتك عارفه انا بحبك قد ايه!
ارتفعت ابتسامه صغيره على وجهها الامومي لتردف... -انت عارف يا محمد انك ابني بجد مش كده، بس يا تري عارف اني بتقطع من جوايا كل يوم وانا شايفاك بعيد عن كل الناس ومنطوي كده، يا حبيبي ده انت مش مصاحب بني ادم واحد يوحد ربنا! اطرق رأسه غير راغب بمواجه الحقيقة فصمتت لتأخذ نفس عميق وتستكمل بجديه...
-والبنت الصغيرة اللي انت مجنون بيها دي مجرد طفله يعني لو حد اكتشف انك بتراقبها ممكن تروح في داهيه، محدش هيقول متربين مع بعض، انت فاهمني مش كده، ترضا على نفسك انك تكون كده يا حبيبي؟!.. ترضا على امك اللي بتحبك تعيش في قلق كده وتموت كل دقيقه؟!.. امتلأت عيونه بالدموع ليردف بألم وصوت متقطع...
-انا انسان مش سوي انا عارف! بس انا حاسس اني بموت لما مش بشوفها بحس اني مش عايش وان حياتي واقفه واللي بيعذبني فعلا انها صغيره، بس انا تفكيري مش وحش والله العظيم ما وحش!.. اخرج شهقة ببكاء من قلبه ليكمل بألم... -انا مش عارف مالي او انا عايز ايه غير اني اطمن عليها من بعيد انا طول ال سنين دي مقربتش منها او عرفتها اني براقبها حتى، انا انا بس عايز اطمن وقلبي يرتاح!..
احتضنته خديجه بقلب يتمزق لتردف بدموع... -انت احسن ابن في الدنيا صدقني انت بس مرتبط بيها عشان هي كانت كل حياتك هناك!.. -لا انتي قولتي دلوقتي انها طفله وان اللي انا في ده هوس!.. امسكت رأسه بحده بين كفيها لتجبره على النظر اليها لتردف بإصرار... -ايوة طفله، وهتفضل طفله في نظرك انت مش بتشوفها شابه او واحده كبيره، يبقي هنقول مريض ليه؟!، انت شايف طفله يا حبيبي طفله قضيت نص عمرك تقريبا بتربيها...
انت اقوي بكتير من كده و ده اللي جذبني ليك انا وماجد من الاول شفت فيك قوة مش عند اي طفل... هز رأسه بصمت لتهز رأسها بإصرار قائله... -وتفكيرك بالبنت دي وارد وانا متأكدة انك هتقدر تتخلص منه صح يا حبيبي مش انت هتحاول علشان خاطري!..
نظرت له بعيون مترقبه كلها امل، هز رأسه وهو يجهش في البكاء ويستسلم لدموع عسي ان تريحه ففي داخله يعلم انه سيحارب ذاته للتخلص من ذلك الهوس و لن يرضي ان يكون كمسعود وحش متجسد في هيئه انسان ولن يرضي بخذلان تلك الملاك الجاثي امامه...
اما هي فقد اغمضت عيونها بأسي وهي تقتل ذلك الحب البريء بداخله ولكننا بمجتمع لا يرحم ولن تقبل بان يمر بتجارب اسوء وان يطلق عليه المجتمع الفاظ قذره ان استمر بهوسه بتلك الصغيرة! وبالفعل ابتعد عن مراقبته لها وانغمس في كليته ليباغته القدر بفقدان خديجه بعد سنتين من حديثهم هذا، ليبدأ يتساءل في نفسه اهو قضاء و قدر ام ان اللعنة موصولة بان بفقد كل من ينتمي اليه لتنطفئ روحه بالتدريج! انتهي الفلاش باااااك...
خرج من افكاره على شعوره بجميله تحتضنه بكلتا ذراعيها ليضمها اليه اكثر قبل ان يستمع الي صوتها... -انا اسفة!، ارجوك سامحني مقصدتش اني أذي حد منكم صدقني!.. هز رأسه بأسي على السموم التي وضعها برأسها ليبتعد قليلا ينظر الي عيونها التائهة ويمسح دموعها قائلا... -انتي مالكيش ذنب يا جميله انا اسف اني قلتلك الكلام ده، انا الوحيد الملام هنا! هزت رأسها بالنفي لتردف...
-لا انت مالكش ذنب يا محمد، انا اللي خرجت وانا اللي شتتك، انت ليك حق تعمل اكتر من كده... هز رأسه يسكتها ولكنها هزت رأسها بشكل اعنف ترفض تصديق مواساته، اراد ضمها اليه ولكنها ابتعدت بغضب على نفسها ليمسك بها ويجبرها على النظر لعيونه... هربت الكلمات منه ليجد نفسه يميل عليها ويغطي شفتيها المنتفخة من البكاء بشفتيه القاسية...
زاد من ضمها اليه غير ابه لصدمتها على هذا الهجوم المباغت من شفتيه لكنها شعرت به يستنجد بها بقبلته وكأنه بحاجه اليها ليشعر ببقايا الحياة بداخله! اغمضت عيونها مستسلمة بضعف وقلبها يخفق بقوه مستمتع باحتواء شفتيه لها في شعور يطيب جراح كلاهما... ابتعد محمد يتنفس بصعوبة وهو يحتضنها ويخفي رأسه بين رقبتها و كتفها...
جال في تفكيره بعد لحظات طويلة انها لم تتفاجأ بانه ذاته نفس الشخص الذي احتواها في الطفولة تري على تعلم من قبل ام انها تناست وجوده من الاساس! كاد يتحدث عندما تذكر وجود والده في غرفه العمليات، مما زاد من نمقه على نفسه وضعفه بها حتى في هذا الظرف... مسح بكلتا يداه على وجه وهو يبتعد عنها ليعيد مسح يده بقميصه و التوجه لمسح وجهها هذه المره ليردف... -يلا نطلع عند اوضه العمليات عشان نطمن!..
هزت رأسها بالموافقة وتلك الغيمة ترفض الابتعاد عن رأسها المذبذب من قبلته، مسحت انفها ببلاهة بطرف كمها ليبتسم بخفه وانكسار على تلك الحركة الطفولية السخيفه التي تذكره بطفولتهم معا... وقف كلاهما بجوار الاخر ولم تبتعد جميله لحظه او تزيل يدها من بين اصابعه طوال وقت انتظارهم حتى خرج الطبيب بعد وقت طويل من الانتظار... توجه نحوهم بابتسامه ليردف قبل ان يمطراه بأسئلتهم كعادته الاهالي...
-الحمدلله المريض بخير هو احتاج نقل دم عشان كده اتأخر معانا، الرصاصة اخترقت كتفه وطلعت من النحية التانيه عشان كده نزف كتير، غير كده مفيش اي مضاعفات! عجز محمد عن الكلام وهو يشعر بجسده ينهار ويستند على الحائط بجواره براحه لتردف جميله بالنيابة عنه... -متشكره جدا يا دكتور هنقدر نشوفه امتي؟! -هتشوفوا على طول بس طبقا لقوانين المستشفي!
مع ذلك ابتعد الطبيب وشدت جميله على يده تطمئنه ليبتسم لها بخفوت يشكرها دون ان يترك يدها... في مكان ما... هتف ناجي بغضب يرغب بتحليل ما حدث بعد ان فقد احد امهر رجاله بالهجوم على ماجد... -حد يفسرلب اللي حصل ده، وازاي يحصل من غير علمي... ارتعش سامح برعب وهو يحاول التحدث فقد اتخذ قرار سيندم عليه...
-يا فندم اسمعني، زي ما حضرتك عارف انا كنت حاطط مراقبه وحاله تأهب على الفيلا من كل جانب منتظرين اي ثغره، جالي اتصال من الرجاله انهم شافوا جميله خرجه من فيلا ماجد ومش كده وبس ده ابنه الضابط بنفسه ساب الدنيا ومشي وراها... ليردف ناجي بحنق يريد اسراع الحديث... -وبعدين؟!
-انا اتصدمت لما عرفت انها عندهم احنا دورنا وقلبنا الدنيا عليها وكانت فص ملح وداب فقلت للرجاله يتبعوها لان البت دي كده طلعت مهمه اوي، بس اللي صدمتي اكتر ان مفيش دقيقة عدت لقيتهم بيكلموني يقلولي ان الحراسه طلعت وراهم وان في حارس واحد بس مع ماجد... -اغبيه فرصه مش هتتعوض تاني! -بالظبط يا فندم فرصه متتعوضش وكان لازم استغلها لولا ان محمد رجع في الوقت ده وبوظ الدنيا! هز رأسه باقتناع قائلا بغضب مكتوم...
-يعني ما ممتش؟! هز سامح رأسه بالنفس وهو يبتلع ريقه قائلا.. -لا يافندم اتصاب بس، راجل بسبع ارواح! لمعت عيناه بذكاء ليردف.. -والعربيه! توتر سامح وقد فهم مقصده ليشير الي احد الرجال... -بتاعته! هز ناجي راسه على غباءهم ليخرج سلاحه بخفه ومهاره ويطلق طلقه مباشره في رأس الرجل... اتسعت عيون الرجال من حوله ليردف بغل... -الغبي اللي يوقع هيقع لوحده مش هياخد حد معاه وانا بنفسي هحرص على كده، انتو سامعين!
-ايوووة يا فندم... قال الرجال قبل ان يؤمرهم سامح بألقاء جثته واغراق السيارة معا!
فيلا الشناوي... بعد ان رفض المشفى بقاء اي منهم وترك محمد الحراسة المشددة خارج باب والده اتجه الي الفيلا لا عاده جميله والعمل على الامساك بمن هاجم والده ومعرفه هويته... صعدت جميله تأخذ حماما وتغير ملابسها وترتاح كما اخبرها لتتركه يركز... اجتمع فريقه امامه ليهتف بغضب... -اللي حصل ده مش ممكن يتكرر تاني والا هغير كل واحد فيكم ايه يا بشوات لو نسيتوا اصول المهنه، تقولولي اجيب اللي بيفهم...
-يا فندم هو خوفنا وامرنا اننا نطلع وراك حضرتك كنت فاضي من غير سلاح... -تتحرق الدنيا باللي فيها، القرارات انا بس اللي اخدها و اوامري انا بس اللي تتنفذ، شفتوا حصل ايه مبسوطين دلوقتي! اطرق الرجال رؤسهم دون اي رد ليردف بتحذير وجديه... -من هنا ورايح الكلمة اللي اقولها تتسمع ولو في سكينه على رقبتكم... التفت الي ممدوح جامع المعلومات والخبير في الفريق ليردف... -رقم العربية طلع لمين؟!
-طلع لواحد صايع مختفي بقاله يومين واكيد طبعا وراه ناس تقيله دول الحرافيش يعني بيشتغلوا تحت ايد حد كبير مش لوحدهم انت فاهم يا باشا! هز رأسه بالموافقة ليردف... -متسبش واحد يعرفوا او صاحبه الا وتأرره على كل اللي يعرفه عنه... شد قبضته بغضب ليردف.. -انا لازم اعرف مين اللي ورا ماجد باشا اوي كده! -تمام يا فندم...
-اتفضلوا كلكم على اماكنكم و حسابي مع الباقي لما ماجد باشا يرجع البيت بالسلامه، ممدوح متنساش تتابع الاوراق الحكوميه! هز راسه بالموافقه قبل ان يتجه الي مهمته... ليمسك الهاتف مستعد لأنهاء اجازة صديقه واستدعائه لمساندته!
عند فهد و حياة... كاد فهد يدلف الي والده يخبره بانه سيأخذ حياة للعيش معه في القاهرة حين اطلق هاتفه رنين ليجد محمد المتصل، اسرع في الرد بقلق... -الو يا محمد؟ صمت وهو يستمع الي سرد صديق العمر دون مقدمات، قبل ان تقسوا عيناه ويردف بقلق... -هو كويس دلوقتي؟! صمت لحظه ليردف... -تمام الصبح هكون عندك ان شاء الله متقلقش بس في مشكله! تنحنح ليستكمل بحرج...
-انا هجيب حياة معايا كنت ناوي اسيبها في البيت بس كده انا هرجع على المهمه على طول...! ابتسم على تواصل الاثنان عندما قاطعه محمد وهو يشعر بالسعادة لان فهد استطاع ترتيب حياته وطلب منه احضارها للبقاء معهم في الفيلا فهي تتسع للكثير... وبهذا يضمن فهد بقاءها تحت عينيه يضمن محمد عدم انشغال فهد بها والحصول على كل تركيزه! -شكرا يا محمد! هز راسه على ردوده السمجة ليردف...
اغلق الهاتف وتنهد وهو يحرك كتفيه بطريقه إحماءيه وكأنه يتجه للحرب قبل ان يدلف ليجد عائلته كلها مجمعه... -بابا! صمت الجميع وابتسم له والده ليردف... -جول ياولدي؟! نظر الي حياة التي ترفض مواجهة عيناه ليردف... -انا لازم امشي في اول قطر انهارده حصلت ظروف في شغلي ولازم ارجع على طول!
تابع عيونها المتسعة وهي تنظر له بحزن وخيبه امل مرسومه بوضوح على وجهها ووجه الجميع من حولها ليقطع حفله خيبه الامل تلك بحديثه... -انا هاخد حياة معايا! ارتسمت اسارير الفرح والسعادة على وجه عثمان وعمر الذان نظرا الي بعضهم البعض بانتصار لتردف والدته بخوف وقلق... -ايييه يا ولدي رايد تبعد واصل ومتجيش اهنه تاني؟!
-لا يا امي طبعا بس انا حياتي استقريت بيها هناك وحياة مراتي ومينفعش تكون في حته انا مش فيها ولا انتو شايفين ايه! وقف والده بابتسامه قلق وسعادة باعتراف فهد بزيجته من حياه اخيرا معلنا مخاوفه على لسان زوجته... -اكيد ياولدي مرتك امعاك في ايتوها دار، لكن امك رايده تعرف الغياب هيطول زي لاول ولا ايه؟! -لا يا ولدي انا وجميله هنكون هناك لان شغلي هناك بس اوعدكم بين كل مهمه والتانيه هنرجع نقعد معاكم شويه...
قاطعهم عمر بحزن مخلوط بسعادة لاستقرار حياة اخيرا في قلب اخيه... -يعني هتاخد حياة مني! نظر له فهد شزرا ليردف بحده لم يقصدها... -هاخدها منك ازاي، دي مراتي انا! انتفض عمر باستغراب على حده لهجته فقد كان يمزح ولم يقصد معارضته لينكزه عثمان وهو يتقدم من فهد... -ماشي يا اخويا تروح وتيجي بالسلامه ومتتأخرش علينا انت وعدتنا! هز رأسه بالموافقه وهو يشعر بغضب يمتلكه عندما رأها تخفي دموعها بحجابها!
الهذه الدرجة تبغضه ولا تطيقه! وقفت حياة منسحبه الي غرفتهم ليستأذن فهد بانه بحاجه الي الاسراع للذهاب، و طلب من عثمان حجز اقرب تذكرتين بالقطار الي القاهره! صعد خلفها وجدها تجلس على فراشهم فقرر اصطناع عدم ملاحظه حزنها ليردف... -لمي اي حاجه مهمه بالنسبه ليكي وبس وانا هجبلك كل حاجه من هناك! قالها وهو يفتح حقيبته و يبدأ العبث بالخزانة لتفريغ محتوياتها...
زفرت حياة فهو يصر على تهميشها في حياته في البداية يقرر الابتعاد عنها والان يقرر اخذها من حياة لا تعرف سواها الي اخري اشد غموضا دون ان يتكرم ويخبرها قبلها وكأنه السيد وهي الجارية! رفعت رأسها تنظر اليه شزرا لينتبه الي ذلك ويرفع حاجبه بتساؤل وهو يشعر بضحكه تحاول الهروب فمنذ لحظه كانت حزينه منكسرة والان غاضبه بكل شراسه... فتاة مجنونه تصر على تشتيت عقله، تنحنح ليردف...
-في ايه بتبصيلي ليه كده ما تقومي تخلصي! رفعت يداها بغضب ليبتعد بنصفه العلوي باستغراب وهي تقول بحنق... -فرحانه بيك! فرحااانه اوي وسعييييده عشان كده ببصلك! فرك انفه على جنونها ليردف بابتسامه مزعجه... -ربنا يفرحك اكتر واكتر بس هنفرح اكتر لو قمتي تخلصي نفسك انا مستعجل!.. ضربت كف على كف من تجاهله لمشاعرها ودلفت تدبدب الي المرحاض...
اخذت حماما وهي لاتزال مذهوله من هذا القرار لتعلن استسلامها للسعادة الكامنة داخلها من قراره عندما ارتسمت ابتسامه كبيرة واسعه على فمها عير مصدقه انه اختار البقاء معها والاعتراف بزواجهم بل اكثر من هذا هو يرغب ببقاءها معه في كل مكان!.. لتمتمت بتعجب من جنون مشاعرها... -انسان مستفز ومش طبيعي، بحبه ازاي ده! بس بردو هخلي يلف حوالين نفسه ومش هرحمه!..
لمعت عيونها بعناد يغلب عناده هو الذي يرفض الاعتراف بانه اخطأ ويتصرف وكأن غيابه لم يكن!
نفس الوقت بالقاهرة... دلف محمد الي حجرة الجيم وقرر تعذيب نفسه حتى تخور قواه ويستطيع اخماد عقله والنوم الذي فشل فيه... يكاد يجن مما يعيشه مع جميله... أين مفترق الطريق؟! فكل الطرق تؤدي إليكي! ارتدت جميله روب على ملابس نومها المتمثلة في شورت واسع يصل الي ركبتيها وتيشرت ربع كم وارتدت على شعرها حجاب فالجو مشحون بعد هجوم على ماجد، والرجال تتنقل في كل مكان...
دقت على غرفته دون جدوي لتفتح الباب وتجد فراشه فارغ قررت النزول و رؤيته لاشك انه يقتل نفسه ولم يغمض له عين منذ وصولهم... بحثت عنه بالأسفل دون جدوي لتتجه الي الحديقة تلقي نظره بين الحرس قبل ان تنتبه الي الإضاءة القادمه من الجيم فتتقين من وجوده به، توجهت نحوه لتدلف وتراه يتصبب عرقا لايزال يلكم ويركل دون توقف تنهدت حتى بعد كل ماواجهه لا يزال يضغط على نفسه... -محمد مش كفايه كده؟
امسك كيس الرمل امامه بكلتا يداه يستند عليه وهو يلتقط انفاسه قبل ان ينظر لها قائلا... -انتي صاحيه ليه؟ -مجاليش نوم قلت انزل اطمن عليك! هز رأسه ليقول... -كويس كده كده كنت هطلع اصحيكي... عدلت حجابها بقلق لتردف... -ليه؟! -عايز اعرف تفاصيل خروج سامح من الارشيف و الهجوم في شقتك في نفس اليوم بليل... احتضنت نفسها بعدم راحه وهي تتذكر لتردف بخفوت... -انا حكيت...
-وسبق وقلتلك اني بحب اسمع تاني وتالت خصوصا بعد اللي حصل انهارده يمكن الاقي ثغره في كلامك توصلني ليهم...
فلاش باك... بعد مرور اسبوع من تعرفها على سامح وقفت جميله تبحث عن مفتاح الارشيف لاداه صلاتها فمنذ الامس وقد اختفي المفتاح ولكن دون جدوي شعرت بتوتر كبير وهمت تبحث عنه في كل مكان من جديد... تمتمت بخوف... -يمكن في الاوفيس استر يارب، الشغلانه هتضيع مني انا مش ناقصه هم اكتر من كده انا مصدقت حد رضي يوظفني وانا لسه بدرس! اتجهت في الأروقة تحاول البحث في الارض عسي ان يكون سقط منها دون انتباه...
دلفت ناحيه الاوفيس لتري مشهد جمد الدماء بجسدها، ها هو سامح موظف الالكترونيات والذي عرف عن نفسه منذ يومان عندما خرجت من الارشيف، يخرج منه ويغلقه قبل ان يلقي المفتاح على الارض بأهمال... هرعت نحوه بغضب، حدسها كان صحيح من ناحيته فعينه لم ترتفع من على المفتاح بيدها بطريقه مريبة ولكنها تجاهلته.. -استني عندك! انتفض وهو يستدير قبل ان يبتسم بتوتر... -انسه جميله ازي حضرتك؟انتي هنا من امته في حاجه ولا ايه؟!
-انت كنت بتعمل ايه بالارشيف وخدت المفتاح ازاي مني؟ شحب وجهه ليقول بتوتر يشوبه الجدية... -ارشيف ايه ومفتاح ايه دي فزورة؟! زمت شفتيها وهي ترفع حاجبها بحزم... -انا شفتك بعينيه خارج دلوقتي ورميت المفتاح... ابتسم بسخريه ليقول... -اه وانا هجيب المفتاح منين بقي... -المفتاح كان معايا وانت سرقتوا من امبارح... اطلق ضحكه ساخرة ليردف...
-اه يعني المفتاح معاكي وانتي عملتي مصيبه وعايزة تدبسيها فيا بقي، ع العموم جربي قولي وشوفي كده اللي هيحصل... تنفست ببطء لتردف... -قصدك ايه؟! انا اكيد هقول... -منصحكيش لانك انتي اللي معاكي المفتاح مش انا واي حاجه هتنقص من جوا يبقي انتي المذنبه مش انا ده غير ان انا قديم هنا وانتي يادوبك بقالك اسبوعين، لو انا منك هغزي الشيطان واخليني في حالي... ابتسمت بكبرياء لتردف... -هنشوف...
قالتها واستدارت سريعا تدخل المكتب لأخبارهم بما حدث ولكنها فوجئت بماجد يطالبها و عبدالرحمن للضرورة سيطر عليها الخوق وقررت تأجيل الامر حتى سؤال وليد اخاها... وبم يكن في الحسبان ان ماجد قد قرر في هذا اليوم الاعتراف بهويه محمد لها لتدخل في صدمه كبيره و نوبه بكاء حتى وصلت الي منزلها! غير مصدقه انه تخلي عنها وانه يعلم بوجودها تحت انفه ولا يتحرك لاحتوائها... انتهي الفلاش باك...
انتقلت على قدميها بتوتر غير كاشفه امر معرفتها بهويته من ماجد في هذا اليوم لتردف... -بس وبعدين بليل كنت مع وليد و الاء حكيتله على اللي شوفته مع سامح و قالي اني لازم الصبح اقولكم على اللي حصل، دخلت شقتي عشان انام...! قاطعها محمد وهو يطالعها وهي تحتضن جسدها الصغير لتظهر اضعف واضعف ليردف وقد عزم النية على تعليمها شيء او اثنان للدفاع عن نفسها، حتى لا تمر بمثل هذه المواقف...
-استني يا جميله الاول اقلعي! اتسعت عيونها وفتحت فمها بصدمه لتعقد حاجبيها بغضب قائله... -افندم! التفت لها وهو يعيد ربط رباط يده ليردف بشكل اوضح... -اقلعي الروب والطرحه عايز اعلمك شويه حاجات مش قولتي نفسك تتدربي انا هدربك! نظرت حولها لتردف بحاجب مرفوع... -دلوقتي في نص الليل! -ايوة دلوقتي! رمشت قبل ان تبدأ في خلع حجابها فيليه الروب وهي تتسأل هل ما حدث سبب له خلل في عقله؟!
علقت الروب ووقفت تطالعه بخجل و عيناه تتفحص كل انش فيها قبل ان يردف بلا وعي... -لا انتي تلبسي! -لا انت بتهزر بقي!.. هز رأسه بحرج ليردف بحده... -خلاص خلاص، تعرفي ايه عن الدفاع عن النفس! رمشت بعدم فهم لتقول بابتسامه بلهاء.. -في ايه بالظبط؟!.. ابتسم باصفرار قائلا... -اه يعني مش عارفه حاجه! قالت بابتسامه مزعجه تزيد من انزعاجه وهي تعقد ذراعيها بفخر... -اه تقدر تقول كده!
-وايه الفخر اللي انتي فيه ده يعني! دي مصيبه، ده انتي معداش على الكارثه اللي حصلالك اسبوع و حاسس انك عادي كده، مش حاسه انك لازم تكبري شويه وتهتمي!.. رفعت حاجب بتعجب لتردف... -انت لسه فاكر ما خلاص بقي... رمش يحاول فهم مقصدها هل تعبث معه ام هي بتلك اللامبالاة؟! -لسه فاكر! انتي كان ممكن تروحي فيها، ماتيجي نعتذرلهم احسن ونقولهم يجوا يكملوا اللي كانوا عايزين يعملوه...
نظرت الي الجانب تحاول السيطرة على اعصابها، نعم تخاف وتخشي ما حدث ولكنه يصر على تذكيرها به دائما... -انت سلبي ليه كده! قالتها وهي تهز رأسها يسارا ويمينا... -انا واقعي، انتي اللي عايشه الوهم، اقفي زي ما انا واقف كده وارفعي ايدك الاتنين... لم تجيبه محاوله تغيير الحديث واتبعت تعليماته، ليردف بهدوء ومهنيه وهو يرفع ذراعيها بالشكل الصحيح... -دي وضعيه الصد... -اي اااه براحه طيب! تنهد ليردف بحده متجاهلا اياه...
-وضعيه الصد لما حد يوجه ليكي ضربه اتعلمي تتنبئي بخطواته، وضعت يدها بجانبها لتردف... -ولو ايدي وجعتني! جز على اسنانه ليقول بغيظ... -ابقي قوليلوا براحه اصل ايدي بتوجعني! لصبر يارب، ارفعي ايدك يا جميله!. -طيب متزقش! قالتها وهي تمط شفتاها بحنق طفولي وترفع ذراعيها... انغمس في تدريبها وسط تذمرها المتواصل من عنفه وتذكيره بانها انثي وليس احد زملائه ليرمقها بلامبالاة ويعيد اعطاء اوامره لها...
بعد ساعه جثت على ركبتيها تتنفس بصعوبه... -حرام بقي انا تعبت... رمي لها زجاجه من المياه ليردف بسخريه... -ابقي قولي كده للي يحاول يهجم عليكي المره الجايه... رمقته بغل وهي تبلع قطرات قليله كما اخبرها لتتمتم... -حتي المايه يا كافر مستخسر اشرب شويه منها! سمعها ولكنه قرر تجاهلها قبل ان يأمرها بالوقوف واتباع تكتيك جديد وهو يمسك برقبتها من الخلف ويعلمها كيف تخرج من قبضه من يهاجمها ويحاول سحبها الي الخلف...
لتعود بخضه معه غير واعيه لأي رده فعل وهي تشهق بخوف و تتذكر ما حدث لها!
فلاش باك يوم الهجوم... استلقت على فراشها بتعب وهي تفكر بما ينتظرها بالغد... غلبها سلطان النوم لتستيقظ منه على صوت انكسار زجاج خارج غرفتها!. فتحت عيونها تحاول استيعاب مايحدث حولها وعقلها تائه مابين الصحوة و النوم... لتسمع صوت رجل يهمس بخشونة والفاظ بذيئة... انتفضت بذعر ولم تنتظر الشعور بالصدمة واطلقت صرخة عالية مدويه تكاد تقسم انها ايقظت الحي بأكمله...
اسرع الرجلين الملثمان الي غرفتها يحاولون اسكاتها... الملثم الاول وهو يحاول امساكها... -سكتها الله يخربيتها هتفضحنا... -مش عارف حلق عليها من هناك... قفزت من الفراش عندما اندفع احدي الرجال نحوها لتهرب الي الجانب الاخر، وقع على الفراش وهو يبعد الغطاء بغيظ عن ساقيه ويتابع الرجل الاول وهو يحاول تمالك قفزاتها... -يابت ال، ده انا هطلع عين اهلك لما امسكك...
امسكها الرجل وهي فوق الأريكة فقفزت فوقه ليندفع الي الخلف عده خطوات وهي تضربه بكل ما اوتيت من قوه، فيسقط على احدي الطاولات الخشبيه التي تهشمت مع عظامه! وقفت سريعا تتجه خارج الغرفة كالرصاصة والرجل الاخر في اذيالها وصوت صراخها لم يتوقف لحظه!.. وصلت الي باب الشرفة الخارجية لتطلق صرخة كبيره وفي اقل من ثانيه استطاع الاول جذبها من رقبتها للخلف و رمي جسده بالكامل عليها ليوقعها على الارض بقسوة...
هربت منها انفاسها بعد ان ظلت تقفز حول الغرفة هربا منهم ويزيد عليها الرجل الذي يمنع الهواء من دخول جسدها بجسده الضخم... وضع يده على فمها بغيظ ليردف... -كان عنده حق سامح انك مش سهله مع ان شكلك صغيره... ليردف الثاني وهو يخرج من الغرفة ويمسك ظهره وكتفه بالم... -خلص بسرعه زمان الناس كلها سمعت! نظر لها الاخر وهو يهز رأسه... -خساره ياعم دي وتكه اوي وحرام فيها الضرب ماتيجي نعلمها احنا على طريقتنا...
اتسعت عيناها بهلع وهي تقابل بريق اعين الرجل القابع فوقها واخذت ترفص بقدميها بجنون عسي ان تصيبه...