logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





16-12-2021 02:09 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10











t21975_7525تحطمت أماله في رؤيتها وتعكر مزاجه من جديد لكنه تخطى الأمر سريعًا متعجبًا من عدم وجودها فسأل والدته التي تضع صغيرته بين العابها في نبرة متيقظة:-أمه فين؟تحركت "سهيلة" نحو حفيدها تحمله من أحضان والده مجيبة وهي تضعه أمام طعامه:-مجتش لسه من الشغل.أغمض "طارق" جفونه واهتزت شفتيه في شبه ابتسامه لكنها ما لبث أن اختفت قبل أن ترتسم بينما يهز رأسه يحاول ابتلاع اعتراضه في سكون.فلا فائدة من إحراق ما يتبقى من عقله الآن، فعملها أصبح أمر واقع يصفعه في كل خطوة يخطوها، طرقع أصابعه في غيظ وهو يتابع تنقل والدته في اعتيادية حول المكان متعمدة تجاهله والانشغال بترتيب المنزل، لكنه قطع مسرحيتها متسائلًا في نبرة هادئة:-شغلها خلص من ساعة يا امي، يبقى ازاي في الشغل؟فصول نوفيلا إلا طلاق المعتوهنوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأولفتح طارق البوابة الخارجية لمبنى العائلة ودخل في بطء كأنه رجل عجوز يجر ساقيه وليس شاب في السابعة والعشرين من العمر، تنهد وكأن هموم العالم تستقر فوق كاهله.مر على الطابق الأرضي دون اهتمام فهو لا يفتح إلا عند وجود زوار أو في حالة حضور شقيقته وزوجها للبيات وهذا نادرًا ما يحدث مع زوجها الغارق في أعماله طيلة الليل والنهار، فتنتهي شقيقته ببقائها مع والدته طوال اليوم حتى يأتي زوجها مَسَاءَا كي يأخذها ويتوجهان للبيت، صعد للطابق الأول علوي حيث تقطن والدته وتوقف لحظة ينظر للدرج بتمني وشوق كبير، يود لو يستطيع الصعود إلى الطابق الثاني والأخير في المبنى حيث تقبع حياته السابقة بمليكته التعسة ملكة الجفاء، زفر في حدة كارهًا هذا الشعور بالضيق وعدم الانتماء الذي يعتري صدره في غيابه عنها، عض شفتيه وهو يحارب غضبه كي يضع المفتاح في مكانه الصحيح، لا يصدق أنه يحرم عليه الصعود إليها منذ ما يقرب الثمانية أشهر، ثمانية أشهر يلتقيان فيها صدفة كالغرباء.انعقد حاجبيه في ترقب أثناء فتحه الباب وقد سمع صوت ضحكات طفولية، دخل على عجلة ليقابل أنس الصغير ذو الخمسة أعوام الراكض نحوه مهللًا:-بابا، بابا وحشتني!التقفه طارق المبتسم بين ذراعيه في حنو بالغ متجاهلًا نبضاته المرتفعة والمترقبة للمح طرفها في أي لحظة، قبل رأس الصغير ذو الابتسامة المشرقة ثم تنهد وهو يتشمم رائحة والدته اللذيذة من خلاله، قاطعهما خروج والدة طارق الحاملة لطفلته أيتن وباليد الأخرى تضع طبق ممتلئ بالأطعمة لحفيدها آمره:-سيب بابا وبلاش حجج وأقعد خلص أكلك كله قبل ماما ما تيجي!تحطمت أماله في رؤيتها وتعكر مزاجه من جديد لكنه تخطى الأمر سريعًا متعجبًا من عدم وجودها فسأل والدته التي تضع صغيرته بين العابها في نبرة متيقظة:-أمه فين؟تحركت سهيلة نحو حفيدها تحمله من أحضان والده مجيبة وهي تضعه أمام طعامه:-مجتش لسه من الشغل.أغمض طارق جفونه واهتزت شفتيه في شبه ابتسامه لكنها ما لبث أن اختفت قبل أن ترتسم بينما يهز رأسه يحاول ابتلاع اعتراضه في سكون.فلا فائدة من إحراق ما يتبقى من عقله الآن، فعملها أصبح أمر واقع يصفعه في كل خطوة يخطوها، طرقع أصابعه في غيظ وهو يتابع تنقل والدته في اعتيادية حول المكان متعمدة تجاهله والانشغال بترتيب المنزل، لكنه قطع مسرحيتها متسائلًا في نبرة هادئة:-شغلها خلص من ساعة يا امي، يبقى ازاي في الشغل؟-علمي علمك وأنا هعرف منين!قالت وهي تحرك يدها في الهواء وتميل بشفتيها للشمال في تعجب مقصود، متعمدة عدم الإمساك بأنظاره، فأسبل طارق جفنيه ثم نظر إلى ساعه يده مستشعرًا ارتفاع مؤشرات غضبه، قبل أن يهز رأسه في استسلام مكتفيًا من استفزازها المتعمد متحركًا نحو الشرفة.أتاه صوت بكاء طفلته ذات العامين وصوت توبيخ والدته لأنس الصغير متهمة إياه بأنه شقي مشاغب كوالده متسائلة أي شيطان قد يشاغب شقيقته ويسبب في بكاءها ووالدتها ليس في المنزل، زفر طارق في حدة متعمدًا الوقوف في انتظارها وهو يتوعد لها:-وماله يا خديجة، أنتي اللي جبتيه لنفسك، أنا ماسك نفسي عنك بالعافية.همس في وعيد وهو ينظر إلى ساعته من جديد، مرت دقائق طويلة تنقلت فيه عينيه بين الطريق والساعة يكاد يجن فيها من القلق وشعوره المرير بالغيرة، متسائلًا لما بحق السماء ستتأخر كل هذا الوقت ومع من؟!جز على أسنانه موبخًا ذاته، كان ينبغي عليه التمسك بجنونه العارم وقت إعلانها بدء العمل منذ ثلاثة أشهر ماضية بل كان عليه ضرب اتفاقهم التافه وتعنتها السخيف في وجهها وإجبارها على البقاء في منزله ولو بحبسها فتبقى زوجة له وأم لأولاده فقط رغم أنفها، فهو لم يرتكب خطأ لا يغتفر يستحق عليه هذا العقاب المرير.-لا كده كتير!رفع هاتفه يحادثها فتفاجأ انها تضعه على لائحة الرفض، انفرط صبره ودخل نحو والدته قائلًا في لهجة عنيفة مستهجنة:-اتصلي بيها حالًا واعرفي هي فين!اتسعت أعين والدته وحاولت المحافظة على ثباتها وإخفاء حقيقة أنها قد هاتفتها تخبرها عن تأخرها بسبب غياب زميلتها لكنها سعيدة بتحرك ولدها الأحمق الذي يفسد فرصته معها دون وعي فمنذ حصلت على العمل وهو يتعامل معها كأنها هواء بل أسوأ هو يتعامل بتعنت كبير كأنه لم يكن السبب فيما وصلا إليه، رمشت مستغفره الله قبل ان توبخه في خفه:-ما تعليش صوتك عليا وأنت بتتكلم.-أمي أرجوكي متلعبيش بأعصابي اكتر من كده، اتصلي بيها وشوفيها اتأخرت ليه!زفرت سهيلة وهي تربع ذراعيها تجيبه في تعالي:-انت قلقان ليه كده؟خديجة مش صغيرة والصراحة بقى أنا سيباها براحتها مش عايزة اخنقها ولا أنت مش هترتاح غير لما تاخد أحفادي وتمشي من هنا!قرص طارق طرف أنفه يحاول الهدوء والسيطرة على فيضان مشاعره ثم سأل:-يعني أنتي بردو شايفة ان انا اللي غلطان مش هي؟!حركت والدتها كفيها في خيبة أمل قبل أن تخبره في صدق:-أنتوا الاتنين زفت، وبعدين تعالى هنا أنت مش كنت راكب دماغك بقالك تلات شهور ومش معبرها ووقفت هنا بعلو الصوت تقول لو اشتغلت يبقى ما تلزمكش وانك رميت طوبتها!، هاه، راجع عايز أيه دلوقتي، تتأخر ولا متتأخرش أنت مالك؟-هو أيه اللي مالي، أنتم فايتكم حاجة صغيرة تقريبًا مش واخدين بالكم منها، بس هي لسه مراتي وعلى ذمتي!رد طارق وهو يشير إلى رأسه يحاول فهم طبيعة المنطق المسيطر على عقولهم، لكنه وزفر في اختناق عندما خرج من والدته صوت استنكاري أثناء ضربها بكفها فوق الأخر ساخرة:-لحد دلوقتي على ذمتك،يا عالم بكره يحصل أيه!-يعني مش هتتصلي بيها؟!قذف طارق كلماته في حده قاطعًا مجرى خيالات والدته التي تتعمد اضطهاده، فأجابته في عناد مماثل لعناده:-لا وروح شوف وراك أيه، عايزة ألعب مع أحفادي قبل امهم ما تيجي وتاخدهم!حرك طارق رأسه في صمت متجهًا في خطوات ثائرة نحو الشرفة يكاد يرطم رأسه في الباب الخشبي لها من شدة الغيظ، لكنه عكف عن ذلك وتسمر في مكانه وهو يرى زوجته تتهادى من بعيد في كامل أناقتها وزينتها، تعالت سباباته وهو يتابع خطواتها الواثقة وتمايلها في تلك التنورة المرسومة فوق جسدها أكثر مما ينبغي ويوافق.تابعها تدلف إلى البناية ولم يستطع الانتظار أكثر شاعرًا بدمائه تفور، فها هو يموت قلقًا وينقلب حاله رأسًا على عقب من رؤياها وهي تتمايل وتتبخر دون أي مبالاة للعالم من حولها.اندفع في شر إلى الخارج مستهدفًا لقاءها قبل ان تختبئ متجاهلًا نظرات والدته المتسائلة عن عجلة خطواته الواسعة، أغلق الباب خلفه وما هي إلا لحظات حتى ظهرت أمامه، فهتف من بين اسنانه دون أي مقدمات:-أنتي كنتي فين؟توقفت خديجة لحظه بفم مفتوح من هجومه المفاجئ، وجذبت أنفاس متتالية تصطنع نفاذ الصبر ولكنها في الحقيقة تجاهد من اجل السيطرة على خفقات قلبها المتعالية، لكنها استجمعت قوتها ورمقته مرة في لا مبالاة ثم أبعدت أنظارها عنه في برود مخالف تمامًا لتوقها ورغبتها الكبيرة في النظر أليه وابتلاع ملامحه داخل مقلتيها، قبل أن تجيب على مضض:-كنت في الشغل!-كدابة، الشغل بيخلص من ساعتين، كنتي فين؟!صرح في نبرة جامدة حادة بينما يعقد ساعديه يمنع تخطيها له، فخرجت منها ضحكة منذهلة من وقاحته قبل أن تحاول استكمال صعودها مردفه في لهجة مقطرة بالسخرية:-عُرف المطلقين ولا نسيت؟-بقولك أيه، أنا على أخري بلاش لعب العيال ده معايا!تقف قبالته في تحدي، ثم تمادت في اخباره من بين شفتيها المنفرجة محافظة على ثبات حاجبها الأيسر المرفوع في سخرية:-لعب عيال!اه صح نسيت، أنت متعود على لعب الكبار.رفع كفه الكبير يعتصر به ذراعها متعمدًا ألامها بعض الشيء، مزمجرًا في لهجة تفوح بالغضب:-قولي اللي انتي عايزاه،لكن انا وانتي عارفين كويس اني مغلطش يا خديجة وأن الموضوع جه مصلحة، سلم عشان اهداف معاليكي!أجبرت ضحكة متهكمة من بين شفتيها قبل أن تضغط فوق كفه مجبرة إياه في عنف على ترك ذراعها، مستكملة:-طبعًا هو في راجل بيغلط، أكيد أنا اللي غلطانة وأنا اللي وصلتنا لكده!-متغيريش الموضوع يا خديجة أنا عايز اعرف حالًا سبب تأخيرك؟طأطأت بغنج زائد وهي تحرك أصبعها لليمين واليسار في رفض أمام وجهه قائلة في نبرة نجحت في استفزازه:-وبعدين قولنا عرف المطلقين!-أنتي صدقتي نفسك ولا ايه؟أنتي لسه على ذمتي يا هانم، وأن كنت سايبك سايقة فيها العوج فده بمزاجي،يعني واحسن لك تفوقي لنفسك قبل ما أطربقها على دماغك!انهي جملته وهو يدفعها نحو الحائط يمنعها من تخطيها للمرة العاشرة وكعادة كل مرة يمنعها فيها تستقر عيناه فوق شفتاها الوردية فيشتعل غضبه اكثر وأكثر، أما هي فقد أشتدت اعتراضاتها وقد انتبهت كل حواسها له فما كان منها إلا أن تدفعه عنها هاتفة:-متلمسنيش، وبعدين لو مش عجبك طلقني!كاد يمطرها بكلمات لا ترضيها ولكن والدته سبقته فاتحة باب المنزل، مقاطعة إياهم في نبرة حازمة:.-على الأقل راعوا ان في أطفال جوا مش عايزين طول الوقت يشوفوا خناقات ابوهم وامهم،عيب اكبروا واعقلوا!تركها طارق قبل أن يزيحها عنه في قسوة أشد من اللازم ثم زفر في قوة منسحبًا مقررًا المغادرة.وضعت خديجة كفيها فوق وجهها وقد انزاح قناع القوة باختفائه عن الأنظار، تنهدت تحاول اخفاء حزنها الحقيقي واهتزازها الفعلي بسبب أفعاله وطريقته الفجة معها، شعرت بسهيلة تربت على كتفها قبل ان تهمس في حنان بالغ:.-أنتي عارفة انه بيحبك وان اللي هو فيه ده قله حيله مش أكتر.ابتسمت خديجة في حزن مشفقة على قلبها الساذج الذي يرفض التخلي عن معذبه، مؤكدة في نبرة ضعيفة:-لا يا ماما ابنك مبقاش بيحبني، ابنك عايز يكسرني عشان ارجعله وده مش حب!لم تجادلها والدته وامسك كفها تجذبها للداخل مغيرة الحديث:-تعالي اتغدي وشوفي العيال، انتي وحشتيهم أوي انهارده.-لا ماليش نفس ربنا يخليكي، أنا هطلع فوق عشان لو هو رجع.-مش هيرجع دلوقتي، أمانه عليكي تعالي البت مرام نايمة جوا ومش راضيه تتغدى غير لما تيجي!ابتسمت خديجة سعيدة بوجود شقيقة زوجها ورفيقتها الوحيدة التي تزوجت منذ سبعة أشهر، فهزت رأسها في موافقة ممازحة:-النفع الوحيد من شغل جوزها اللي ما بيخلصش اننا مش حاسين انها اتجوزت اصلًا.ضحكت كلتاهن وتحركت خديجة معها في صمت للداخل على أمل تغيير المزاج المكتئب، وكل امنياتها تتمثل في عدم ظهور طارق اليوم مرة أخرى فقلبها الهالك بحبه لن يتحمل أكثر.علت ضحكات النساء الثلاثة بينما أنس يلعب بدراجته حول طاولة الطعام وشقيقته تحاول اللحاق به.-كان لازم تشوفي وش كريم لما شاف العروسة ولقاها شبه اسماعيل يس في الآنسة حنفي!انهت مرام جملتها بضحكة عالية وهي تصف رد فعل شقيق زوجها ورئيس خديجة في العمل عندما اخذه شقيقه لرؤية عروس مقترحة.-يالهوي عليكي أنتي وجوزك هتجيبوا صدمة نفسيه للراجل، عشان كده الراجل مكنش قادر ياكل معانا في البريك!قالت خديجة بين ضحكاتها بينما تمد منتصف جسدها لالتقاط طفلتها من أمام دراجة شقيقها المبتهج الغير واعي لخطورة الموقف أن تقابلت دراجته مع وجه شقيقته، فاستطردت مرام في مرح:-جمال كان هيموت من الضحك وهو بيوصفلي صدمته وطلع من هناك حلف ميه يمين ما حد يجبله عروسه وانه هيلاقي عروسه لنفسه.-يخيبكم، طيب لما أنتي عايزة عروسة مقولتيش ليه ما هي ليلى بنت طنطك سلوى موجودة.انضمت سهيلة في اعتيادية لهم، بينما ترفع ساقها المتعبة فوق مقعد مجاور لها، فعقدت مرام حاجبيها في ذهول متسائلة:-ليلى متجوزة يا ماما، أنتي ناسية؟-يوه هو انا مقولتلكيش، مش اتطلقت من جوزها بعد ما اتجوز عليها!ضربت مرام فوق صدرها هاتفة في صدمة:-اتجوز عليها ازاي ده كان بيموت فيها!استدارت خديجة لهما تتابع حديثهما عن كثب فاستمرت سهيلة في حديثها المتعمد بينما تثبت أنظارها فوق ابنتها:.-أمها بتقول اتخانقوا والمسكينه راحت غضبت في بيت اهلها شهر، قام رجعت لقته متجوز عليها وطلقها،ما انتي عارفة يا مرام الرجالة ملهمش خلق في البعاد ودلع الحريم.سعلت خديجة في خفة وأسبلت جفونها قبل أن تلعق شفتيها الجافة في توتر مفكرة بمنحنى علاقتها مع زوجها، فهما منفصلان شفاهيًا منذ ما يقرب الثمانية أشهر ترى هل سيكون هذا مصيرها؟لن تنكر ان هذ الأمر أحد المخاوف التي تعتريها لكن تلك المنطقة السوداء داخلها ترغب في التمادي واختبار مدى تحمله، الأنثى داخلها أصبحت قاسية مجنونة تشعر بأنها مهددة، غارقة في انعدام ثقة كان هو سببً له.أغمضت جفونها والتهت عن حديث ذويه، بذكرياتها الخاصة.قبل ثمانية أشهر، تنفست خديجة الصعداء أخيرًا وهي توصد باب غرفتهم لا تصدق أن طفليها خلدا للنوم أخيرًا، نظرت نحو زوجها الغارق في حاسوبه بين تصاميمه، ثم خلعت رباطة شعرها ترميها جوارها بإهمال منغمسة في إعادة ترتيب خصلاتها كادت تخلع الروب المنزلي لكنها تراجعت في أخر لحظة تشعر بالتوتر من وزنها الزائد كيلوجرامات قليلة منذ ميلاد طفلتها لكنها تراها بوضوح، نفضت مخاوفها واتجهت نحوه تحتضنه وتقبل رأسه مهنئة:.-كل سنة وأنت طيب يا أغلى ما ليا.اتسعت ابتسامة طارق تاركًا حاسوبه، ملتفتًا نحوها كي يضمها ويقربها منه هامسًا في محبة حقيقية:-وأنتي طيبة يا حياتي كلها...قبل باطن كفها في رقة بالغة قبل أن يستطرد كلماته داعيًا:-ربنا ما يحرمني منك يا غالية.-يالهوي عليا لو بجد يتحبني كده!همست حالمة من بين ابتسامتها المشرقة، فصدحت ضحكاته داخل الغرفة وهو يستقيم كي يعيد ضمها بين ذراعيه في قوة مخبرًا إياها في نبرة مشاكسة:.-يا سلام، والهانم عندها شك ولا أيه؟تمايلت بين ذراعيه في دلال مدعية التفكير وهي تخبط سبابتها جانب فمها، قائلة:-والله على حسب، عامل حسابك تأكد ولا لا.التوى فمه في نصف ابتسامة مشاغبة قبل أن يقرب فمه من فمها مداعبًا بتلاتها الوردية بأنفاسه قائلًا:-طيب نبدأ التأكيد ولا نتلكع لحد ما عيالك يصحوا!لم يعطها فرصة للإجابة ومال يغلق فمها قبل أن تكتمل ابتسامتها الراضية، تعلقت به في شوق سامحة له باستباحة وجدانها والشروع في نقش أبجدية عشقهما.أبعد شفتيه عنها يحاول التقاط انفاسه لكنها اقتربت منه دون وعي اعتراضًا على تفريقهما غير منتبهه لصوت الرنين الذي كان سبب في قطع وصالهما.-ثواني هشوف مين بيتصل.زفرت في حنق متمتمه في استنكار:-مين البايخ اللي بيتصل بحد بعد نص الليل.راقبت ملامحه تتغير للارتباك ثم الجمود وهو يشير بأصبعه فوق فمه مطالبًا إياها بالصمت، ليجيب في نبرة جدية مهنية:-مساء الخير يا مدام ميري.صمت قبل أن يسرع في الاجابة على رئيسته في العمل وصاحبة مكتب الأعمال الهندسية الذي يعمل فيه كمصمم داخلي.-طبعا، خلصته وقدمته لمحمود، متأسف جدًا يا مدام ميري الصبح هيكون على مكتبك.اقتربت منه خديجة في انزعاج صريح، ورفعت حاجبها متعجبة من حالة التأهب الذي أصبح فيها زوجها أثناء حديثه مع المدعوة ميريهان أو مدام ميري كما تجبر الجميع على ندائها، تلك الشمطاء المتصابية فكرت في غيره أنثوية وهي تتذكر ملابسها الفاخرة والشبة فاضحة والتي تخجل هي ذات الثالثة والعشرين عام من ارتداءها.زفرت في حنق تكره الاعتراف بحسن جسدها الرفيع الممشوق رغم وجود بضع علامات التقدم في العمر التي لم تستطع الشمطاء إخفائها لكنها ترفض الاعتراف بها متحدية الطبيعة.تأففت وهي تجلس على طرف الفراش منتظرة انتهاءهم من الحديث ولعنت فضولها الذي يجعلها دومًا تتصفح حساب التواصل الاجتماعي الخاص بالمكتب الهندسي، فقط لتركز عدستيها فوق السيدة المحتفظة بجمالها المشرق المناقض لسنها.مطت شفتيها في غيظ عندما أنهى المكالمة وتسارعت قائلة في اتهام:-ممكن أفهم الست دي ازاي تتصل في وقت زي ده بيك؟والعشم ده كله جايباه منين!انعقد حاجبي طارق في ملل معيدًا أسطوانته الدائمة:-عشم أيه يا خديجة اللي الست هتستناه مني،دي بتقبضني ضعفين مرتبي القديم واللي كنت بشتغل فيه شغلانتين!عقدت ذراعيها أمام صدرها في استهجان، مستنكرة دفاعة عنها:-وهي اشتريتك بفلوسها، المفروض وقت الشغل للشغل ووقت البيت للبيت!تنهد طارق أثناء جلوسه جوارها مجبرًا إياها على العودة للاستقرار فوق صدره مؤكدًا كي يمحض شكوكها:-صدقيني دي طبيعة شغلها وهي مش بتخصني أنا لوحدي بالمكالمات دي،هي بتتعامل مع كل الموظفين كده.سندت رأسها على صدره تحاول تصديقه والتخلي عن شكوكها ولكن ذلك لم يوقفها من التمتمة في حنق:-ورسايل الواتساب بردو تبع شغلكم؟-لا بالله عليكي مش عايز مناهدة،.بعيدًا عن كونه عيد ميلادي بس العيال نايمه ودي لحظة تاريخي ومش هتتكرر!مطت شفتيها في استسلام متناسيه أفكارها المنغصة، تاركة إياه يحارب من أجل خلع الروب عن جسدها، فطالبته في نبرة مشاكسه:-طفي النور الأول!-لا بعينك، ويا أنا يا الهواجس اللي في دماغك دي انهارده.اخبرها في جدية تامة وهو يدفعها نحو الفراش بينما تحارب هي لإخفاء بعض التفاصيل الممتلئة في جسدها معترضة في خجل على كلماته:.-دي مش هواجس أنا لسه وزني زايد مش عايز ينزل من ساعة ما خلفت أيتن.-طبعًا، طبعًا!دفعها متعمد إخلال توازنها كي تستقر فوق الفراش، ثم اتبعها بابتسامه عريضة بينما يكبل جسدها من الجانبين بجسده، متلذذًا في استمتاع وهو يراقب الغيظ المرتسم على وجهها لكنه مال نحوها عازمًا على تشتيتها وكسب استسلامها.-خديجة!استفاقت من شرودها على صوت مرام المتذمرة:-وأنتي سرحانه في ايه يا عنيه؟رمشت خديجة عدة مرات وهي تتنقل ببصرها بين مرام المتوجسة و سهيلة المنتظرة اجابتها ورغمًا عنها شعرت بالخجل يتملكها وباللون الأحمر يكسو وجهها فتحدثت متلعثمة:-كنت، آآ، أقصد كنت شايلة نص لمونه في التلاجة و...-نص لمونة!،خديجة أنتي كويسة؟تساءلت مرام في ذهول فارتبكت خديجة وانتفضت تجذب أطفالها تحاول إخفاء خجلها فماذا ستخبرها كنت تائهة في لحظاتي الحميمية مع شقيقك!، فقالت في عجلة:-أنا شكلي مهنجة من قلة النوم أنا هطلع ارتاح شوية، تصبحوا على خير!-وأنتي من أهل الخير!نظرت سهيلة إلى ابنتها ما أن أغلقت خديجة الباب خلفها هامسة في غيظ:-أخوكي هيطفشها بعناده، وهي سايقه فيها،.وانهارده اتاخرت واخوكي وقفها على السلم يتخانق معاها عشان اتأخرت في الشغل.مالت مرام عليها لتخبرها في ابتسامه واسعة:-عز طلب يا ست الكل،أنا متاكدة ان فكرة شغلها هتجيب نتيجة وابقي خلي عنادهم ينفعهم بقى!لمعت عيون مرام منغمسة في التفكير سعيدة بأنها استطاعت توفير عمل لخديجة في مكتب المحاماة الخاص بشقيق زوجها، بينما رفعت سهيلة كفيها للسماء تناشد الله في تمنى كبير بانتهاء الوضع الراهن وعودة الأمور لما كانت عليه بين أبنها وزوجته، فهي تشعر بالحزن الذي ينبثق من عيون ولدها وزوجته، وتتحسر على حاله متمنية له زوال الهم وراحة البال.تااااابع اسفل
 
 




look/images/icons/i1.gif رواية إلا طلاق المعتوه
  16-12-2021 02:10 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثانيفي اليوم التالي رفع طارق أصابعه يدلك عنقه المتألمة بسبب عكوفه منذ الصباح فوق حاسوبه وانغماسه في رسم التصميم الداخلي لأحد المطاعم والتي يجب عليه تسليمها الليلة إلى سامر صديقه الذي يملك أحد المواقع الإلكترونية الخاصة بالتصاميم الهندسية، وإلا سيفقد طارق صوابه يكفي ان الفترة التي يخصصها للعمل في الليل كمصمم مستقل أو ما يعرف ب (فيري لانسر) يتم اللجوء إليه في حالة الضغط الشديد في تسليم الأعمال، قد استغرقها في التفكير في خديجة والتلوي بنار الغيرة.فرك خصلاته في توتر وهو ينظر للعمل المتراكم عليه مفكرًا في العواقب، فقد نجح صديقه في إثبات مصداقيه كبيرة وبناء اسم هام في هذا المجال وكان من حسن حظ طارق أن يعمل بشكل حر معه خاصة بعد تركه لعمله السابق ولا يريد أن يكون سببًا في تسويد وجه المسكين كما انه لا يريد ان يفقد عملًا سلسًا ومربحًا للغاية يستطيع القيام به من المنزل.طرق بأصابعه فوق الطاولة يحاول تحديد الوقت الذي سيستغرقه المخطط في عقله كي ينتهي منه قبل الذهاب للعمل، فاليوم هو يوم حافل في معرض الأثاث الذي يعمل فيه ولا يريد التكاسل كي لا يخسر وظيفة الرئيسية.-سبحان الله.تمتم بينما يغلق الحاسوب فمن كان يتوقع ان يحصل على هذا العمل بعمولاته الغير طبيعية ما أن يترك وظيفته القديمة بل من كان يصدق أن الفرصة ستأتيه سريعًا عندما يحادثه أحد العملاء صدفة فتفاجئ بأنه ترك العمل في مكتب ميري ويتمسك به للعمل في أحد معارضة مؤكدًا على أنه يملك قدرة إقناعيه رهيبة تمنى استغلالها منذ تعامل معه.-شكرًا على ثقتك الغالية!همس ساخرًا من نفسه فهو قادر على إقناع مشتري ثري بدفع مئات الآلاف في غرف خشبية ولكن لا يقدر على إقناع زوجته بالرجوع إليه!-بتكلمني يا طارق؟انتفض على صوت شقيقته المنشغلة في هاتفها بينما تحمل طفلته أيتن وتشاغلها بلعبة صغيرة فرد في غيظ:-لا بكلم نفسي عندك مانع!اتسعت مقلتاها قبل أن تحرك بؤبؤي عيناها لليسار واليمين في ريبة مفكرة بأن شقيقها قد جن أخيرًا لكنها همست قائلة:.-أممم لو حبيت تتكلم أنا جوا بكلم جمال على التلفون.حرك أصابعه يبعدها عنه وهو يعيد أبصاره نحو حاسوبه حاقدًا دون قصد على شقيقته الصغرى التي نجحت بجدارة في ترتيب حياتها العاطفية افضل منه.-حبوا بعض وبلاش احنا!أغمض جفونه مفكرًا في حياته ولأول مرة منذ ثمانية أشهر يعترف لذاته بأنه كان عليه ترك عمله القديم منذ البداية ولكنه كان يعاند متمسكًا بأسباب الحياة خوفًا من مشقتها، غمغم في حقد ببعض السباب مقصود به خديجة وعنادها فها هو يسير في نجاح نحو الاستقرار ويمارس عمل احلامه ولكنه لا يستمتع بأيً من ذلك في غيابها!أعاد فتح حاسوبه فأتته خبطات الأواني في المطبخ دون توقف فهتف متعجبًا:.-انتوا بتعملوا أيه جوا بالظبط، مش عارف أركز!صدح صوت والدته الموبخ قبل ان تخرج له مرام رأسها من المطبخ مجيبة:-مفيش ايتن بتلعب لعبة المطبخ وكنا بندور على حله أصل ماما عزماني على الأكل أنا وجمال.-وتعزمك ليه ما انتي عايشة معانا، هو أنتي بتروحي بيتك غير مع جوزك بليل!-ايه ده، ايه ده أنت مش عاجبك ولا أيه!أردفت مرام مدافعه عن حقها في وجودها بمنزل العائلة وهي تتقدم منه في تذمر متخصره أمامه، فضحك طارق مؤكدًا في سخرية:-لا يا ستي عاجبني، أنا بقولك بس عشان ماتعشيش الدور.اخبرها منازحًا مستمتعًا بإزعاجها فهتفت من بين أسنانها:-رخم!-سخيفة!ردد طارق في تلقائية معيدًا مشاكساتهما الصبيانية القديمة ولكن قاطعهم صوت والدته الموبخ:-عيب عليكوا والله، اتفضلي يا عاقلة تعالي ساعديني في المطبخ،.وأنت يا أبو العيال لو مش عايز دوشه اتفضل اشتغل في البلكونة لحد ابنك ما يجي بالباص انزل خده.غمغم الأخوين دون توقف بينما يلملم طارق أغراضه متجهًا للشرفة، ففي كلا الأحوال كان سيقبع فيها مع اقتراب موعد مجيء زوجته المجنونة من العمل، تنهد في شوق يؤلم قلبه فهي تتعمد عدم البقاء أمام عينيه وتحرمه من النظر إليها والتواجد معه، فيجد نفسه جريحًا مشتاقًا يقف في الشرفة كالمعتوه يراقب تمايلها عند الذهاب والمجيء.بعد مرور ساعتين، أغلق حاسوبه متنهدً في راحة بعد أن أنهى التصاميم وأرسلها، نظر إلى ساعته متوقعًا حضورها بأي لحظة فقطع تركيزه صوت شقيقته المتحدثة على الهاتف:-والله العظيم يا خديجة لو طلعتي وما اتغديتي معانا لماما تزعل منك!انتفض واقفًا في ترقب ثم اقترب نحو شقيقته دون أن يلفت انتباهها لتلصصه على المكالمة، فسمعها تخبرها ضاحكة:-تدفعي كام وأقولك،.خلاص متزقيش بهزر، أنس يا ستي دخل ينام وأيتن بتلعب مع ماما في المطبخ.جلست مرام تعبث بأزرار التلفاز بينما تستمع لكلمات خديجة قبل أن تتأفف منزعجة:-رجيم أيه يا خديجة أتلمي مفيش مفر، مستنيينك.أغلقت الهاتف فتحرك طارق يجلس جوارها في لهفة متسائلًا:-أنتي كنتي بتكلمي مين؟رمقته بطرف عينيها في لا مبالاة صريحة قبل ان تخبره:-خديجة.حرك رأسه في تعجب قبل أن يتساءل بحاجب مرفوع مغتاظً:.-وبتعمل رجيم ليه ولمين ان شاء الله؟اتسعت ابتسامه مرام وهي تعتدل في مكانها متعمدة استفزازه في حماسة:-عشان تحافظ على رشاقتها وحسن مظهرها، دول أهم الشروط لأي عمل!ضاقت عيناه في غيظ قبل أن يدفعها من جواره أمرًا:-آآه، رشاقتها وحسن مظهرها،قومي يا بت اعمليلي كوباية شاي، أنا مش طايق نفسي!-طيب ما تزوقش، ده ايه القرف!خديجة عندها حق أنت الحياة معاك لا تطاق!-غوري.هتف في غضب وهو يرمي بجهاز التحكم نحو شقيقته الراكضة قبل أن يغمغم في توعد:-ماشي يا أم رجيم خلي الرشاقة تنفعك يا أم عمل!اتجه نحو الشرفة يرمي جسده فوق مقعده يحاول تمالك غضبه وترتيب افكاره قبل حضورها، وما هي إلا دقائق حتى تفاجئ بوصول سيارة كريم البغيض الشقيق الأصغر لزوج شقيقته، انتفض مستقيمًا بأعين متسعة مراقبًا خديجة ترتجل من السيارة وأول ما خطف نظراته هو ثوبها الوردي المنقوش بفراشات كحلية اللون.ارتفع بصره نحو وجهها المشرق بابتسامتها الرائعة وشعر بأنفاسه تضيق وهو يتفحص الزينة الخفيفة على وجهها التي بالتأكيد لا تضعها من أجله.تابعهم يتحركون في بطء للدخل دون انتباه لوجوده منغمسين في حديثهم، ففرك عيناه يحاول استعادة رشده وهدوءه لا يريد التسرع في الكشف عن كروته أمامها فتظن نفسها منتصرة لأنه لا يزال مقيدًا بحبها وتعتبره ذليلً لها.حاول التمسك بالموقف الذي تنباه ضدها منذ مدة بعد أن تلوى في خصامها خمسة اشهر معترضًا على رغبتها في استمرار التخاصم ورفضها كل محاولاته للتقارب، متمادية في طريقتها الفظه دون مبرر يذكر من وجهه نظره بالإضافة إلى اتهامها بأنها تتعمد الخصام للوصول إلى أهداف خاصة في باطنها، تنفس محاولًا استعادة نصائح صديقه التعس الذي منذ سمع له وهو لم يتقدم خطوه للأمام، لعن وسب بينما يتذكر كلماته:.لازم تتمسك بموقفك انت معملتش جناية والأفضل انك تظهر عدم اهتمامك بيها ومتدهاش حجم كبير عشان لو حست انك لسه شريها هتركبك ومش هتقدر تسيطر عليها ابدًا، صدقني أنا عارف صنف الستات ده كويس-الله يحرق اليوم اللي شوفتك فيه يا حسام الكلب.تمتم في غضب فقد تعمد التعامل بجفاء معها ولؤم منذ بدأت في وظيفتها الجديدة على أمل الوصول لغايته واجبارها على تركه ولكن كل ما يحدث انه همش ذاته وجعلها أكثر اصرارًا على العمل وتحقيق أهداف لا يفهمها حتى لكنها بالتأكيد خالية من وجوده فيها.-كريم وصل مع خديجة يا ماما.اتاه صوت شقيقته التي ظهرت جواره فجأة تطل على الطريق ثم اختفت في الثانية الأخرى إلى الداخل، حرك أصابعه فوق خصلاته يحاول تمالك غيظه من تصرفات شقيقته وابتلاع وجود هذا الكريم في منزله، فمنذ عرض عليها العمل معه في مكتب المحاماة وهو يبغض حتى حروف أسمه الأربعة وصار لا يطيق رؤيته معتبرًا إياه عدوه اللدود، رفع نظره للسماء داعيًا:-يارب عدي اليوم ده على خير!حول مائدة الطعام جلس طارق وسط الجميع، يعبث بطعامه يأكله في صمت محاولًا تجاهلهم، خاصة والدته وشقيقته اللتان صارا يلعبان على اوتار صبره بأفعالهما، وكأنهما يستمتعان بانفصاله عن زوجته بدلًا من محاولة إصلاح الوضع بينهما.-تسلم إيدك يا حاجة الأكل يجنن.-الله يسلمك يا حبيبي، ده أنت مكلتش حتى.ضحك كريم وهو يطالع خديجة ممازحًا:.-بتقولك مكلتش يا خديجة قوللها على أكلتي بتبقى عاملة ازاي عشان تعرف اني اتقتلت أكل.حرك طارق رأسه ناقلًا نظراته بينهما راسمًا ابتسامه صفراء تصرخ استخفاف بمنحنى الحديث و انزعاج واضح من قائلها، استقرت نظراته فوق خديجة التي ابتسمت تخبر والدته بتهذيب:-لا يا ماما هو فعلا كده بياكل في المكتب مدوخنا.لم يستطع طارق تمالك أعصابه فقال في سماجه وهو يتكأ بأريحيه فوق مقعده راسمًا ابتسامه ساخرة:.-وانت بتدوخها ليه يا كريم؟مش تبقى شاطر وتاكل اكلك كله ولا أنت كده رخم من صغرك ومدوخ ماما في الأكل!لم يجيبه كريم مكتفي بابتسامه مُجبرة متعجب من شعور النفور المنبثق من طارق نحوه والتفت يطالع جمال شقيقه في سؤال صامت فشل في الإجابة عنه.التفت الجميع نحو، بينما نظرت تبادل مرام وزوجها نظرة خاصة، فسعلت مرام في حرج من كلمات شقيقها قائلة في محاولة لتغيير الحديث:-وخديجة عاملة أيه معاك في الشغل؟اتسعت ابتسامة صادقة على وجه كريم ثم نظر إلى خديجة مؤكدًا:-ما شاء الله عليها رغم انها بقالها مدة بسيطة في المكتب لكن نبيهه ويعتمد عليها.ابتسمت خديجة في خجل وفخر، وقد احمر وجهها بسبب مديحة لها، قائلة في نبرة خجولة:-مش للدرجة دي، أنا يا دوبك برتب الملفات واظبط المواعيد ونهال الصراحة شايلة اكتر من نص الشغل.-كخ يا ماما...قطع طارق حديثها فالتفت الجميع نحوه في استنكار يرمقونه شزرًا لكنه استطرد سريعًا في براءة ممسكًا بكف ابنته:-قولت مية مرة بؤك للأكل مش للهري.انهى جملته بنظرة مخطوفة نحو زوجته، استقرت في أعماق خديجة المشتعلة بالغضب من تصرفاته الصبيانية ومحاولته في التقليل من شأنها، بينما حرك كريم رأسه في حركة استهجان قبل ان يرمق مرام و جمال نظرة ذات مغزى مستطردً حديثه وكأن شيء لم يكن:.-ده غير انها صبورة وست محاربة وقوية رغم الظروف اللي هي فيها.-فعلًا خديجة حد محترم.قال جمال مندمجًا في الحديث أخيرًا، إلا إن ذلك لم يوقف طارق الذي رفع حاجباه في تهكم مستشعرًا ما لا يعجبه من نبرة كريم فسأل في نبرة مباشرة:-وأيه هي الظروف اللي بتمر بيها يا أستاذ كريم؟-انفصالكم مثلًا، عمرك سمعت عن ست عايشه في نفس البيت مع شريكها السابق.أخبره كريم في جمود ووقاحه متخطي الحدود بينما يلقيه بنظراته الحادة الموازية لنظرات طارق القاتلة.وقعت كلماته كالجمرات على مسامع طارق الذي ظهر الغضب والامتعاض بشكل جلي على وجهه قبل أن يرمق زوجته في اتهام لا يصدق أنها أخبرته بانفصالهما الوهمي.ارتبكت خديجة وهي تنظر إلى كريم منذهلة من معرفته بوضعها الخاص ولكنها نظرت إلى مرام في حدة متوعدة لأنها بالتأكيد من اخبرته، ساد الصمت واصبح الموقف محتدم ينبئ بالانفجار، فسعلت في خفة تشعر كمن على وشك الانهيار هامسة في لهجة هادئة:-عن اذنكم هجيب ماية.انسحبت في عجلة إلى المطبخ ثم وقفت أمام المجلى تحرك كفها فوق وجهها تتطلب بعد الهواء، وقلبها يخبرها أن أفعاله السخيفة الغير مقبولة منبعها غيرته عليها إلا أن عقلها ينافس لوضع آراءه بأنه فقط يسعى لتحطيمها.انفاسها انحسرت في صدرها عندما احست بحرارة جسده من خلفها بشكل مفاجئ، ارتجفت لحظة ما بين الخوف والرغبة في الالتفاف وصفعة لكنها دفعته للخلف مبتعدة خطوتين وهي تخصه بنظرات غاضبة فابتسم في تعجب واهي من عنف حركتها مردفًا:-بجيب كوباية مش أكتر.لم تجيبه وظلت تناظره في حقد، فاتسعت ابتسامته يخفي خلفها الكثير قبل أن يطالعها بنظرة من أسفلها إلى اعلاها ساخرًا:-فيكي حاجة غريبة؟مالت برأسها لليمين بعدم اهتمام رغم أن حديثة قد أثار فضول الأنثى داخلها، ثم علت دقاتها في توجس واتسعت عيناها عندما اقترب منها يضيق المساحة وهو يمرر عيناه فوق جسدها في وقاحه.بللت شفتيها تناشد ثباتها وقد شعرت بساقاها تتخدر من قربه خاصة عندما لامست أنفاسه الحارقة وجهها ولكنه هدم انسجامها في جنون عشقه بكلماته المستفزة:-أنتي تخنتي ليه كده؟ولا الهدوم هي اللي مش لايقه عليكي!شهقت في صدمة وشعرت بغصة تتملكها لكنها ابتلعتها في صمت ثم رمقته في اشمئزاز متعمد، مجيبة من بين أسنانها:-خليك في حالك.تحركت في خطوات غاضبة سريعة للخارج وأغمضت جفونها كي تسيطر على انفعالاتها عندما وصلها صوت ضحكته العالية، جلست تزدرد لعابها تحاول جاهدة منع نفسها من البكاء ولعنت غباءها الذي يجعلها أسيرة في حب هذا الأرعن قاسي القلب.فبينما هو يخطط لصب سمومه وغضبه عليها كانت كل حواسها الانثوية منشغله بوجوده وتستشعر قربه منها.حمقاء!لعنت غباءها اكثر عندما عاد إلى المائدة وتجاهلها بكل هدوء وكأنه لم يمزق كبرياءها منذ قليل، نظرت إلى كريم الذي يحاول إرسال ابتسامه مساندة نحوها وتمنت لو كان يملك طارق نصف سماحته وتفهمه.أعادت بصرها نحو طارق في غضب متعجبة من نفسها لأنه وبرغم كل الصفات الحميدة في كريم إلا أن قلبها وجام انتباهها متعلق بمتحجر القلب ذاك لدرجة انها تعطي لذاتها مبررات واهيه للبقاء في بيته تحت مسمى الانفصال والعقاب، ولكنها لا تعاقب سوى نفسها!استقامت في تروي غير قادرة على تحمل تواجدها معه في نغس الغرفة فقالت معتذرة:-معلش يا جماعة أنا تعبانه شوية من الشغل انهارده وهطلع ارتاح!-ماشي يا حبيبتي اطلعي وانا كمان شويه هطلعلك العيال.-شكرًا يا ماما.قالت خديجة وهي تجبر ابتسامه صغيرة نحو والدته ثم أخفضت بصرها وهي تبتعد عنهم كي لا تلتقى بعيونه ولو صدفةً.راقبها في هدوء حتى أغلقت الباب خلفها سعيدًا بأنه نجح في مخططه بإبعادها من جوار كريم وقد طفح به الكيل من رؤية انسجامهما معًا.وما أن أعاد نظرة نحو الجالسين حتى وجد رؤوس الجميع متجهه نحوه في اتهام صريح فسأل في تعجب وبراءة:.-أيه، بتبصولي ليه، وأنا مالي؟!سعل كريم بخفة قبل ان يستأذن مغادرًا هو الآخر متحججًا بالعمل فشاركه جمال رغبته متحججًا بتأخره على العمل هو الأخر، أغلقت مرام الباب خلفهما قبل ان تلتفت إلى شقيقها عاقدة ذراعيها في اتهام:-ينفع تبقى قليل الذوق مع الراجل كده؟-وهو ينفع تاخدوا قرار في حاجة تخصني، من دماغكم كده؟ردها لها طارق في نبرة منخفضة تنذر بالشر فتدخلت والدته متذمرة:-واحنا عملنا أيه ان شاء الله؟!-انتي عارفة ان خديجة كانن جاية مع كريم ولا لا؟سأل رفم انه يعلم الإجابة مسبقًا، فأكدتها له شقيقته سريعًا:-اه طبعا عارفين، اصلًا ماما اللي قالتله يجيب خديجة معاه.-ومحدش فيكم فكر ان دي مراتي وان المفروض تاخدوا اذني؟صرح من بين أسنانه وعينيه الغاضبة ترفض الابتعاد عن شقيقته التي تنتهج الاعتيادية واللامبالاة، فأجابته في رتابة وكأنه غليظ الفهم:.-في أيه يا طارق انت ناسي انها بتشتغل معاه في المكتب يعني طبيعي يجوا مع بعض!حرك رأسه بدون تصديق ليخبرها في حنق بينما يستقيم من مجلسه:-يعني أنا ماليش رأي، صح كده؟-لا مالكش وبعدين أنت متضايق ليه، ما كلنا عارفين انكم هتطلقوا فبلاش الدور ده مش لايق عليك!خرج منه لفظ بذئ اعتراضي على تجاوزها واستفزازها له بشكل متعمد، فاندفعت والدته توبخه في غصب مستنكرة:-ولد أنت اتجننت!-ايوة اتجننت واحسن لكم محدش يتدخل لا بخير ولا بشر، لما ابقى أطلقها وقتها اعملوا اللي عايزينه،لكن وهي على ذمتي محدش ياخد قرار إلا بأذني.صرخ طارق يخرج مكنوناته المحترقة الغاضبة من تصرفات ذويه وتجاوزاتهم قبل أن ينهي الحوار بابتعاده إلى غرفته مغلقًا الباب في قوة خلفه.اندفعت خديجة إلي داخل المنزل ثم ألقت بمفتاحها في اهمال هاتفة:-الواطي الجبان.اتجهت تلقائيًا إلي غرفتها تخلع ثيابها وكأنها مشتعلة بالنيران ولسانها لا يتوقف عن لعن اليوم الذي تزوجته فيه، وقعت عيناها على انعكاسها في المرأة ورغمًا عنها أحذت تتفحص في جسدها وكأن ما خرج من فمه تحقق بطريقةً ما.مطت شفتيها في غيظ وقهر فقد نجحت في الآونة الأخيرة أن تخسر معظم وزنها الزائد ليأتي هذا البغيض ويحاول بعثرة ثقتها المستعادة.عادت إلى أذهانها صورة ميري مديرته السابقة ولكنها هزت رأسه في حدة ترفض وضع نفسها واعادتها إلى تلك الخانة رافضة وضع نفسها في مقارنات لا فائدة منه.بدلت ملابسها وبدلًا من أن تستريح وجدت نفسها تلملم سجاد المنزل كله تعد نفسها لتنظيف المنزل دون توقف أمله في إخراج جام طاقتها السلبية فيه.كان طارق يتنقل بين الملابس في خزانته يعبث داخلها محاولًا العثور على ما يريد وقد تأخر على عمله المسائي، رن هاتفه يقطع استعداداته فتوجه نحوه يجيب في ملل حسام صاحب النصائح الذهبية الأخرق:-عايز أيه يا بوز الأخص!-أيه ده ولا لم نفسك!أنا غلطان اني بتصل اسأل عليك واعرف ايه الأخبار!توجه إلى شرفته بحثًا عن ارسال أقوى بينما يخبره في حنق:-الاخبار زفت والحمدلله، منك لله يا حسام!قال قبل أن يزمجر في خضة متناسيًا صديقه على الهاتف ما أن تفاجأ بما يشبه الصفعة فوق رأسه، رفع عيناه مذهولًا ليجد زوجته المصون تدلدل سجاد المنزل المتسخ فوق رأسه، حتى إن إحداها لامسته بالفعل، ليعلو صوته موبخًا:-مش تاخدي بالك!-بنضف، أيه ما انضفش!قالت ساخرة تلقيه بابتسامه واسعة قبل أن تبتعد عن انظاره، زفر طارق في حده يحاول السيطرة على انفعالاته قبل أن ينتبه لصوت صديقه المنادي:-أيه اللي حصل، روحت فين!-لا مفيش دي نتايج نصايحك مش اكتر.-يا دي نصايحي ما ده كان قرارك أصلًا أنا بس كنت بساعد،أيه ده استنى لكون بلبخ الدنيا هي مراتك جانبك؟-لا في البلكونه فوق وعقبال عندك بتنفض السجاد فوق دماغي!حاول صديقه كبت ضحكة عالية ولكنه صمت تمامًا عندما وصلته تهديدات طارق المتوعدة ثم قال في ثقة:-يا عبيط بتغيظك، انت كمان غيظها واتلحلح.-اغيظها أعمل ايه يعني اطلع انفض عليها السجاد من السطح!رد عليه طارق ساخرًا وهو ينفض خصلاته دون توقف مستهدفًا بقايا الاتربة، فقال حسام في ثقة:-اعمل نفسك بتكلم ست دلوقتي!خطف طارق نظرة للأعلى فلم يلمح طيفها فعاد يهمس إليه قائلًا:-بس هي دخلت خلاص!-غبي مفيش ست هتشوف جوزها بيتكلم ف التلفون وهتبعد،اسمع الكلام بقولك وكلمني على اني ست.-اه، أيوة، طبعا طبعا وحشتيني،آآ، وانتي اخبارك أيه؟تمادى طارق في تلعثم يشعر بالغباء وهو يلقى بنظراته نحو الأعلى على أمل رؤيتها، فاخبره صديقه في ملل:-على صوتك يا بني ادم، اقولك أضحك وقولي يا شقية!-أقولك يا شقية ليه؟ولااا أنا بدأت اتوغوش منك والدنيا مش أمان الفترة دي!تمتم طارق في نبرة ساخرة منخفضة فأتته لهجة حسام المستهجنة:-هأقفل في وشك وشوف مين هيساعدك!علت ضحكات طارق رغمًا عنه قبل يصله خبطات قدمها الصغيرة من الأعلى ليتأكد من وجودها فعلًا!فقرر الاستمرار في مخططه منهي ضحكاته مستكملًا في بحتة الرجولية المميزة:-أنتي شكلك شقية وهتتعبيني!علت شهقت خديجة من الأعلى واتسعت عيناها في صدمة لا تصدق انه يتجرأ على محادثة نساء غيرها، تركت جردل الماء من يدها وتحركت تقترب من السور كي تستمع إليه أكتر.-تدفعي كام وابعتلك صورة تقطع الأنفاس؟وصلها صوته المشاعب من الأسفل فزمجرت في خفة متوعدة من تحت انفاسها:-يا سافل يا حقير، ده أنا اللي هقطع أنفاسك!أما في الأسفل، فقد اتسعت ابتسامه طارق وقد وصلته شهقتها منذ قليل بوضوح مستمتعًا بانه لا يزال يستطيع التأثير فيها، ولكنه لم يستمتع بلذة الانتصار كثيرًا إذ خرجت منه شهقة عنيفة في ذهول شاعرًا بصقيع الماء البارد يصطدم به من أعلاه لأسفله.-في ايه يا طارق؟!سأله حسام ولكنه أغلق الهاتف في وجهه لا يزال في حالة ذهول ولا يصدق انها قذفته بالماء من الأعلى، مسح وجهه ثم رفع رأسه ينظر لها بعيون متوحشة فقابلتها هي بابتسامه ساخرة وهي تعدل الجردل جوارها وتخبره في دلال زائد:-اوبس، الماية دي كانت شقية أوي، قولت اما أربيها.ارتفع جانب وجهه فيما يشبه الابتسامة ولكنها خرجت سوداء دبت الذعر في قلبها قبل أن يحذرها في نبرة باردة:.-أخفي من وشي وأقفلي البلكونه عشان أنا اللي هطلع أربيكي وارميكي من فوق، أدخلي!انهى جملته في صرخة آمره جعلتها تنتفض وتهرع للداخل، لكنها لم تستطع كبح ضحكات الانتصار مستمتعة بما فعلته به للتو، فلا شيء اروع من طعم الانتقام!


look/images/icons/i1.gif رواية إلا طلاق المعتوه
  16-12-2021 02:10 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالثوقفت خديجة خلف ستار نافذة غرفتها منتظرة وصول زوجها، فقد تأخر اليوم على غير العادة وأصبحت الساعة تشير إلى الثانية صباحًا وهو لم يظهر بعد، زفرت وتضاربت مشاعرها ما بين القلق والغيرة خاصة بعد سماعها لمحادثته مع أحدى الفتيات، ترى هل هذا سبب تارة، هل تقابلا بالفعل؟تقسم إنها ستقتلع عيناه من مقلتيه إن فعل، لكنها تمتمت في غضب:-يقابلها ولا يتنيل على عينه وأنا مالي!تأففت في نبرة حاقدة حزينة، ثم فتحت الستار تسمح للهواء بدخول رئتيها محاربة حالة الاختناق التي تتملكها من مجرد التفكير بوجوده مع امرأة غيرها، إلا إنها سرعان ما حاولت الاختباء عندما لمحت اقترابه من بعيد.حاول طارق السيطرة على ردود أفعاله وقد تمرد قلبه في صدره ما أن لمح وقوفها وقبض عليها تحاول الفرار من أمام عينيه، مما يؤكد له شكوكه بأن وقوفها المتكرر في الليالي الماضية لم يكن بصدفة وإنما هي تنتظره بالفعل.اتسعت ابتسامته متعمدًا خفض انظاره كي لا يثير حفيظتها وقد امتلاء قلبه بدفء غريب وأمل بانها لا تزال تهتم.توجه ببطء قدر الإمكان إلى المبنى مستمتعًا بنظراتها فوقه ولكنه صعد إلى المنزل في الأخير، وبعد أن تأكد من خلود والدته للنوم كعادتها اتجه لأخذ حمام بارد مبدلًا ثيابه قبل أن يفتح شرفة غرفته ويتخذ مقعدًا فيها، تنهد بعد دقائق طويلة غير قادر على تفسير الراحة والسلام الضمني الذي يوفره له الجلوس هنا في هذا التوقيت كل ليلة ولا يستطيع إزالة هذا الإحساس بانه يشاركها لحظة بطريقة ما.هز رأسه ضاحكًا على افكاره السخيفة فمن الواضح أنه فقد عقله، اعتدل في جلسته على المقعد ثم كتف ذراعيه خلف رأسه وهو ينظر إلى السماء المزينة بكل تلك النجوم اللامعة محاولًا الغرق في جمالها.جو رائع مميز يشبه تلك الليالي الذي اعتاد فيها البقاء فيها مع زوجته وإجبارها على مشاركته التمارين الرياضية، عادة عشقها ومارسها طوال حياته ولكنه تخلى عنها فاقدًا لذة الحياة، تنهد وترك ذاكرته تعود به إلى أحد تلك الليالي المجنونة.-لا مش قادرة اتنفس!قالت خديجة في تحشرج يتملك صدرها وكأنها تحتضر، فضحك مجيبًا إياها:-متعشيش الدور دول هما خمستاشر بوش أأب اللي عملتيهم.وصلها صوت طارق الساخر والمتقطع بسبب استمراره في التمرين، فضاقت عيناها في اتهام هاتفة:-خمستاشر دول كتير عليا أنا ست مش جون سينا!اعتدلت في جلستها ثم تربعت وهي تفرغ باقي قارورة المياه داخل حلقها الجاف، لكنه ضحك مشاكسًا لها:.-اومال كل شويه تهب في دماغك وتقوليلي عايزة أشتغل ليه؟يا كسلانة!حدجته نظرة قاتلة بينما تمسح فمها بباطن كفها، نعم هي تميل لمثل هذه الأفكار منذ سنوات خاصة مع انغماسه في العمل بينما تبقى هي وحيدة في المنزل ما بين ترتيبه والاهتمام بطفليه حتى انها فقدت الاتصال مع رفيقاتها القدامى دون تخطيط منها وصارت مرام شقيقته هي رفيقتها المقربة والوحيدة.لا تدري كيف اندمجت وألهتها الحياة حتى وجدت نفسها في بؤرة الأسرة دون اي هدف أخر ولن تنكر أنها كثيرًا ما تفكر مشتاقة لإيجاد هدف وطموح تثبت به ذاتها في الحياة كما إن مثل هذه الفكرة لطالما تسيطر عليها كلما شعرت بالغيرة من مديرته الناجحة والمهمة!فكرت ساخرة ثم تنهدت قبل أن ترمقه بنظرات حاقدة وهو يمارس التمارين بجدية وزاد حنقها عندما تابعت عضلات جسده التي تنقبض وتنبسط في مرونة مع حركته متسائلة:.كيف يمكنه المحافظة على رشاقته وقوامه الرياضي رغم مرور خمس أعوام على زواجهما، ألا يفترض بالأزواج أن يكتسبن الشحوم واللحوم حول أمعائهم؟!بالطبع ليس زوجها، كما إنها لا تراه يحمل في طفلين ما يقارب العامين أو يعاني من تغيير الهرمونات وزيادة الوزن وقت الحمل والرضاعة كما حدث لها هي.مط شفتيها ففوق هذا وذاك هي في حالة تنافسية لا تتوقف منذ عامين خصيصًا عندما استطاع كسب وظيفة أحلامه على حد قوله مع امرأة تنافس عارضات الأزياء في جمالها ورشاقتها بينما هي تحارب منذ الأزل لتفقد ستة كيلوجرامات باقية ترفض الاختفاء.ترى هل ستتغير مشاعر زوجها يومًا، بل أسوأ هل يغرق رأسه بمقارنتها مع غيرها من النساء النحيفات كما تغرق هي؟!-بتبصيلي كده ليه ولا كأني قتلتلك قتيل!أخرجها من أفكارها السوداوية، صوت طارق المستغرب من نظراتها، فاتسعت عيناها في براءة تخبره:-لا أبدًا بقول كفاية رياضة كده ألا أنت بقيت هفتان أوي،أقولك أقوم اعملك فته؟-فته!ردد طارق في نبرة منذهلة وأعين متسعة، فابتسمت له في براءة وهي تزحف نحوه تحتضنه وتستقر بذقنها فوق صدره المتعرق مستكمله بينما تميل برأسها للنظر داخل عينيه البنية:-خلاص بلاش فته اعملك سندوتشات نوتيلا؟!تحرك عقل طارق في كل الاتجاهات يحاول تفسير سلوكها المريب، متسائلًا هل ترى زوجته في مشاركتها له الرياضة تلميحًا وهميًا منه بضرورة انقاصها وزنها هو يعلم بهاجس ذاك بكنه عندما اقترح مشاركتها له كان يأمل أن تشاركه اهتماماته لا أكثر، كي يكسر مللها.-حبيبتي أنتي لو جعانه ونفسك في الحاجات دي قومي كلي، صدقيني أنا معنديش مشكلة مع وزنك،أنتي اللي مصره تعملي رجيم.أخبرها في حنو أثناء ميله نحوها لطبع قبلة أعلى رأسها، فمطت شفتيها في احباط متسائلة:-يعني مش عايز نوتيلا؟ارتفع حاجبه غير قادر على فهم اصرارها المريب لكنه لم يرغب في احباطها أكثر وقد هالة غرابة الوضع والطلب فقال:-ممكن نص رغيف صغير، عشان لسه متمرن وكده!اتسعت ابتسامتها في سعادة ورضا أكثر مما ينبغي قبل أن تقفز راكضة نحو المطبخ وعقلها السخيف يخطط لإفساده من أجل الأخريات!-مامي؟جاء صوت أنس من أعلى بشكل طفيف ولكنه كان كافيًا لإخراج طارق من ذكرياته، أغمض جفونه يحاول التركيز وهو يتبع صوت هسهستها الخفية المنتهية بإغلاقها للشرفة.أطلق صفير منخفض فقد كان من متأكد من مشاركتها له تلك اللحظات قبل أن يستقيم مقررًا الدخول بحثًا عن النوم، استلقى في تعب شديد يشعر وكأن جسده ينفصل إلى أجزاء إلا أن هذا لم يشفع له لدى عقله الذي كالعادة بدء جولته الليلية مع جلد الذات وهو يعود بذكرياته إلى اليوم الذي انقلبت فيها حياته.هبطت خديجة مسرعة وهي تحمل حقيبة طفلتها تحاول إيجاد طريقة لإخراج هاتفها الجوال أثناء حملها ل أيتن باليد الأخرى حتى انقذها خروج سهيلة و مرام من شقتهم فقالت الجدة متعجبة من تجهيزاتها:-أنتي هتاخدي ايتن معاكم ليه؟سيبيها معايا.-مش عارفة أنا قولت مرام ممكن تخلينا نتأخر وبعدين هي ممكن تدوخك ولا حاجة!اخبرتها خديجة في صدق ناقلة نظراتها بين الامرأتين، فاقتربت سهيلة في ثقة تأخذ حفيدتها والحقيبة مؤكدة:.-لا متقلقيش روحي أنتي بس مع مرام وحاولوا متتأخروش.-حاضر يا ماما، يلا يا ديجة عشان طارق ما ينكدش علينا لو اتأخرناقالت مرام في عجلة وهي تجذب زوجة شقيقها نحو الأسفل، فاتبعتها في سكون وقد نجحت في إخراج الهاتف مقررة الاتصال بزوجها وابلاغه بخروجهما:-ألو يا حبيبي عامل ايه؟-كويس الحمدلله،بصي معلش، الدنيا لبش في الشغل حاليًا فلو مفيش حاجة مهمة أقفلي وهتصل بيكي كمان شوية..أجابها طارق المرتبك أكثر من اللازم فمطت شفتيها في عدم رضا قائلة:-لا مفيش حاجة مهمة، أنا بقولك بس اني رايحة منطقة ، مع مرام عايزة تشتري حاجة لجهازها وهي كانت عايزة تعرف لو هتطلع بدري ممكن تعدي علينا عشان لو اتأخرنا ولا حاجة!-لاء مش هطلع بدري بالعكس رايحين مشروع بعيد في منطقة ، يعني الناحية التانية من المحافظة،ولاء مش هتتأخروا، قولي لمرام طارق بيقولك قبل ستة تكونوا في البيت، اتفقنا!وصل صوته المحذر مرام الواقفة إلى جوارها فقلبت الفتاتان عيناهما متبادلين نظرة ذات مغزي قبل أن تبلغه خديجة بموافقتهما وتنهي المكالمة.بينما أغلق طارق المكالمة وكاد يتجه لمقعده محاولًا إنجاز أخر مهامه ف مدام ميري في مزاج سيء لسبب مجهول اليوم، حسنًا ربما ليس مجهولًا بالنسبة له ولكنه يرفض الاعتراف به، وكأن عدم التفكير في الأمر سيفقده خطورته.فرك خصلات شعره القصيرة وهو يتذكر غضبها بعد ما حدث أمس داخل جدران مكتبها عندما تعمدت مناداته، طالبه منه مساعدته لحل عطل ما في حاسوبها وكيف فاجأته عندما زادت من فجاجة لمساتها له بينما هو جالس يحاول الغرق في الحاسوب فقد وضعت صدرها الذي كاد يهرب من ضيق ثوبها حرفيًا في وجهه.حرك رأسه في اشمئزاز متذكرًا رعشة الذعر التي تملكت جسده وقتها وانتفاضه منها هاربًا دون رجوع.ورغم انها ليست المرة الأولى التي تبدي فيها ميري اهتمامها به كأنثى إلا إنه كان دائمًا حذرً يسير على الحبال حولها مادام اهتمامها لا يتعدى ملامسه ذراعه او صدره مدعية الصدفة أو اللامبالاة ولكن ما حدث أمس كان احتكاكًا مباشرًا وصريحًا برغبتها فيه كرجل، وهو بالتأكيد لن ينصاع لها ليس فقط لأنه يحب زوجته ويخلص لها بل لأنه لدية طفلة صغيرة قد يعاقبه الله فيها فيما بعد إن أخطأ مثل هذا الخطأ الشنيع.-استغفر الله العظيم.طأطأ وهو يحارب من أجل إيجاد حل يخرجه من هذا المأزق فهو لا يريد أن يخسر عمل سعى سنوات للحصول عليه يكفي المكانة المرموقة التي يتميز بها المكتب والمرتب الكبير الذي يُمنح له.ولكنها بدءت ترقص على حبال صبره ومع كل رفض منه، يتحول مزاجها للأسوأ وكأنها تعاقبه وتحمله مسئولية عقابه هو ومن حوله من زملاءه.-طارق هات التيم وتعالى ورايا.انتفض ما أن أتاه صوتها العالي نسبيًا رغم نغمة نبرتها الرقيقة وتعمد عدم الامساك بنظراتها، مجيبًا:-حاضر يا مدام ميري.لم يفته قبضه يدها التي تكورت جانبها وهي تمر من جواره حانقة من تجاهله المتعمد، فرفع عيناه يتابع هيئتها الغاضبة داخل فستان أسود جذاب يليق بكل انحناءه في جسدها، لكنه هز رأسه سريعًا لا يريد الانتباه لمثل هذه التفاصيل.-استغفر الله العظيم، عديها على خير يارب.تحرك مناديًا الفريق متجهين خلفها في دقائق قليلة، امسك كعادته ورقة وقلم يدون فيها الملاحظات ومع انتهاء اللقاء وتحرك الفريق للانطلاق إلي مكان المشروع الهام، اوقفته ميري بصوتها في نبرته الانثوية الحادة:-طارق خليك انت في مكان تاني هنشتغل عليه.كاد يتوقف قلبه في تلك اللحظة ويصاب بأزمة قلبيه لأنها استثنته، لكنه تماسك والتفت يتساءل في تلعثم:-والمشروع ده؟-لا في حد مهم بالنسبة ليا طالب إعادة ديكورات شقته وعايزها في أسرع وقت،يعني خليك أنت عشان بثق في دماغك وهتيجي معايا الزيارة عشان تبدء القياس على طول.انهت جملتها وما ان اغلق زملاءه الباب خلفهم حتى اقتربت منه رافعة حاجب رفيع منمق بعناية، وهي تتفحصه وسط خطوات متروية هادئة إلا أن تلك اللمعة المريعة داخل عيناها التي لا يعرف لونهما الحقيقي من كثرة عدساتها الصناعية هي ما دبت التوجس في صدره.قطعت افكاره عندما مالت نحوه تستنشق عطره الرجولي أثناء عبثها بخصلة من شعرها الأشقر المرتب بعناية بينما تخصه بابتسامه مغرية، إلا أن بصره اختص تلك التجاعيد المحيطة بزوايا فمها المطلي بلون يندرج تحت درجات الأحمر الهادئ، فابتعد خطوة يحاول إخفاء اشمئزازه دون إثارة غضبها.لكنها لم تعلق وتوقفت عن إقدامها نحوه قبل أن تبتسم في سخرية آمره:-معاك ٥ دقايق تكون جاهز عشان اللي جاي صعب!رمقته بنظرة تؤكد له ان كلماتها لها معنى أكبر لكنه تجاهل ذلك وهرع للخارج، زفر ما أن جلس على مقعده ثم ما لبث أن يفكر في حل حتى سمع صوت ترحيبات زملاءه ليتفاجأ برجوع حسام صديقه وزميله في العمل، والوحيد الذي يعرف بتفاصيل محاولات ميري في التقرب منه، اتجه طارق نحوه يضمه في ترحيب قائلًا:-مقولتش أنك راجع من اجازتك ليه؟-قولت أعمل مفاجأة، أيه ده، رايحين فين؟انهى جملته بسؤال موجه لزملائه المغادرين فأخبروه بضرورة ذهابهم من أجل مشروع ما، فجذبه طارق وهو يودعه زملائه قائلًا:-سيبهم أحسن التانيه هتتحول عليهم لو طلعت لقيتهم وتعالى أنا هفهمك.ما أن أخبره طارق حتى ابتسم حسام قائلًا في نبرة مشاكسة:-طيب الحمدلله اني جيت متأخر وإلا كان زماني مفحوت في الصحاري معاهم،وانت يا روءه مش طالع معاهم ولا هتقعد مع موظفين المعروضات تحت؟-أيه الخفة دي، لا طبعا مش قاعد، أنا طالع مع مدام ميري بتقول في حد عزيز عليها عايز يغير ديكوراته وهبدء انهارده!اتسعت ابتسامه حسام في فهم قبل أن يغمز مردفًا:-أيوة يا عم، يا بختك!نظر له طارق شزرًا مؤكدًا:-والله عيب عليك، أومال لو مش عارف اللي فيها!-يا ابني أنت مش وش نعمة ليه، ما تسايس أمورك ومتقولش لمراتك، ده يا ريتني كنت أنا جدا يعني!أخبره حسام في خيبة أمل وكأن الخيانة أمر اعتيادي ومتعارف عليه، فهز طارق رأسه في ذهول متمتًا:-استغفر الله العظيم، أنت شيطان يا ابني، أنا عندي بنت يعني مستحيل أعمل الغلط!ارتفعت عيون حسام خلفه قبل ان يخبط بكفه في خفة امامه هامسًا:-طيب اقفل بقى عشان الغلط جاي علينا!جز طارق على اسنانه قبل أن يهمس مطالبًا:-حسام أنت لسه راجع ومعندكش شغل، أرشق معايا وحياة أمك!لم يتح لصديقه الرد إذ وصلتهما ميري وهي تعدل حقيبتها الصغيرة فوق كتفها متسائلة:-أيه ده، حسام قطعت أجازتك ليه؟-مفيش يا مدام ميري، لقيت نفسي زهقت قولت أنزل من تاني.حركت رأسها في ملل وكأنها تهتم قبل أن تنقل نظرها نحو طارق، قائلة:-يلا يا طارق.-تمام يا مدام.وقف في بطء وهو يتوسل لرفيقه بعينه، فتنهد حسام وهو ينقل بنظراته بينهما قبل أن يهم واقفًا هاتفًا في نبرة اقوى مما كان يرغب:.-ممكن اجي معاكم، أنا مش ورايا حاجة...توقف عن الحديث عندما شعر ببرودة انظارها فوقه ولكنه استكمل في نبرة خافتة قلقه:-يعني ممكن اساعد لو تحبوا!-اه فعلًا، على فكرة يا مدام ميري حسام شغله عالي أوي في الديكورات المنزلية.نظرت له في غضب واستخفاف قبل أن تخبره في حدة أكثر من اللازم:-والله، طيب ما على كده حسام ياخد شغلك أفضل!لكنها توقفت عن المجادلة وقد اربكها نظرات كليهما المتعلقة بها فرسمت ابتسامه مجبرة كي لا يفضح أمرها، ثم قالت في موافقة:-تمام تعالى، اتفضلوا قدامي.انكمشت ملامحها في غل ما ان استدارا وقد اتخذ مخططها منحنى أخر، مرت ساعة تقريبًا عليهم في الطريق قبل أن يصلوا للمكان، التفت الرجلان حول المكان في انبهار بنظافة الحي، حتى أن حسام لكز طارق مشيرًا إلى وجود مول رائع على الطرف الأخر من الطريق في مقابلة البناية المنشودة.لكن ما خطف انفاسهما بالفعل كانت الشقة التي ما ان فتحت لهم ميري بالمفتاح ودلفا خلفها حتى ظهر انبهارهم في قوة، ليعلو صوت صافرة صديقه المتسائل:-أووبا أيه الجمال ده، طيب هما عايزين يغيروا الديكور ده ليه، ده جاحد!-الراجل مالتي ريتش وبيحب التجديد كل فترة،أيه هنقول للشغل لا ولا انتوا شايفين مش هتقدروا تعملوا الأحسن؟سألت في تهكم عاقدة ذراعيها امامها فنظر كلا الرجلان لبعضهما البع١ في حرج قبل أن يتحركا لرفع المقاسات في صمت ولكن استوقف طارق تفكير ما فاستدار يترجمه في سؤال متعجب:-هو مفيش حد مستنينا ليه؟ابتسمت تلك البسمة الصفراء التي تصرخ كذب ثم ردت في انزعاج واضح:-عشان العميل صديق ليا وهو وصلي فكرته ومش محتاج يكون موجود ممكن نشتغل بقى.حرك رأسه حتى لو لم يقتنع، فتح دفتره مقررًا البدء في رفع المقاسات المطلوبة ولكن بعد دقائق قليلة قاطعهما صوت سباب ميري بالإنجليزية قبل أن تلتفت نحوهم هاتفة من بين أسنانها:-نسيت الشنطة في المكتب ومش معايا موبايلي.زفرت ثم فركت جبهتها مدعية التفكير قبل أن توجه حديثها إلى حسام في نبرة لا تضع مجال للاعتراض:-حسام خد مفاتيح العربية وارجع المكتب هات شنطتي وتعالى بليز..-اامم، حاضر يا مدام..اتجه نحوها يجذب المفاتيح في بطء بينما يرمق طارق في اعتذار، فهم ليسوا أغبياء ويعلمن أن ما يحدث مقصود مئة بالمئة لإبعاده.أغلق صديقه الباب خلفه وشعر طارق بأنفاسه تحصر في صدره من الذعر إلا إنه التفت نحو أحد الزوايا يحاول جاهدًا التركيز في عمله ولكنه وجد نفسه مدرك لكل خطوة تتخذها بالقرب منه.حاول التحكم في ردود أفعاله عندما شعر بيدها تغطي أعلى ذراعه وسمعها تهمس:-في حاجة في دماغك!ابتلع ريقه في بطء وقد تصلبت عضلاته في رفض جوارها قبل أن يسأل في لهجة مرتبكة:-قصد حضرتك أيه، مش فاهم!ظهرت أسنانها البيضاء قبل أن تخبره في دلال جلي وهي تحرك كفها فوق ذراعه وتمرره فوق جذعه:-التصميم طبعًا، اومال أنت فاكرني أقصد أيه؟حاول الابتسام بيننا يبتعد في حذر عن قبضها لكنها اوقفته وهي تمد أصابعه نحو دفتره قائلة:-هات الاسكتش أنا هساعدك في التدوين.حرك رأسه في توتر ثم بلل شفتيه بينما يمد أصابعه بالدفتر نحوها، لكنه سحب كفه سريعًا ما أن تعمدت الإمساك بيده.حاول تجاهل الوضع والتفت لإحضار المقياس لكنه تفاجأ بجسدها يندفع نحوه في عنف ما ان استدار نحوها فانتهت ملتصقة بصدره مجبرة إياه على الانزلاق نحو الحائط خلفه في قوة لتخرج كل أنفاسه من رئتيه وتتسع عيناه فعلى ما يبدو انها جنت لتتخطى الواقع وكل الحدود، جذب نفس كبير ثم هتف متسائلًا:.-حضرتك بتعملي ايه؟!-بحاول أخليك ما تهربش مني!-ما انا باخد المقاسات ههرب ليه!قالها في تلعثم مدعي الغباء وهو يدفع كتفيها يبعدها عنه حتى نجح في الفرار جانبًا عنها، علت ضحكتها الرنانة وهي تطالعه بنظراتها المتفحصة ثم أردفت:-أنت فاهم كويس أوي، بلاش نلعب على بعض!-أنا جعان!انا هنزل أجيب اكل بسرعة أصل حسام اتأخر وأنا جعان، وحضرتك أكيد جعانه!لا يعلم كم مرة كرر كلماته عن الجوع ولكن عقله كان في اجازة وكل ما يفكر به هو الفرار من أمامها وبالفعل اندفع نحو الباب يفتحه في توق وقلب يخفق من الذعر لكنه شعر بأصابعها تنغرس في عضلة ساعده توقفه بينما تحذره في فحيح منخفض:-جعانة فعلًا بس أكلي غالي مش هتقدر عليه.جذب ذراعه في حدة اشد من اللازم ثم اتجه يركض فوق الدرج هاتفًا:-ميغلاش عليكي، ما كله من خيرك يا مدام.ضربت ميري قدمها في الأرض لا تطيق صده لها فمنذ وفاة زوجها ولم يجذبها رجلًا كما يفعل طارق، بينما هرع هو إلى الأسفل ونحو الطريق مغمغمًا:-الله يحرقك يا حسام الكلب؟!بحث عن هاتفه فوق جيوبه لكنه انتهى بالسباب الغاضب عندما أكتشف نسيانه له في الأعلى، اخرج محفظته يحاول التشبث بكذبته عن الجوع وشراء الطعام، ولكنه بالفعل لا يملك داخلها الكثير من المال.زفر في حدة وهو يلتفت حوله في غضب ولكنه قوبل بماكينة لسحب الأموال خاصة بالبنك الذي يملك فيه حسابه، بجوار باب المول التجاري أمامه مباشرة، ارتفع جانب فمه في ابتسامه مهزوزة فعلى الأقل لن يحرج نفسه أمامها.تحرك يقطع الطريق متجهًا نحو الماكينة ثم وقف في منتصفه كالمعتوه مزمجرًا في غضب على غباءه فهو حتى لم يسأل عما تريد تناوله، حرك رأسه في يأس محدثًا نفسه:.-مش مهم انا هسحب فلوس واقف استنى لحد ما حسام يجي أكيد مش هيتأخر وبعدين أطلع أسالها، ايوة صح كده...شجع نفسه ومخططه بينما يقطع الطريق نحو الماكينة في خطوات مهتزة مضغوطة، رفع البطاقة في تلقائية يضعها في الماكينة ضاغطًا على الأرقام وهو ينظر خلفه في ريبة وكأنه ينتظر أن تظهر له من الفراغ.علا صوت الماكينة تنبهه لخطأ في الأرقام، فزفر في حدة لا يصدق انه قد يخطئ في أرقام بطاقة الائتمان الخاصة به، سند كفه فوق رأسه يحاول التقاط انفاسه المخطوفة دون أي مبرر جسدي، ثم مسح قطرات العرق المتجمعة فوق جبينه في حركة عفوية يناشد الهدوء داخله.حاول من جديد ولكنه قوبل بالفشل، رمش عدة مرات ثم زمجر في غضب مغتاظًا أن الحظ يعاكسه وأن الارتباك انساه كلمة السر، لكنه لم ييأس واستمر في إدخال الأرقام حتى انسحبت منه البطاقة بسبب محاولاته الخاطئة!-لا إله إلا الله!هتف طارق في صوت عالي إلى الفراغ من حوله، يحاول إنهاء تلك الذكريات الكريهة متمنيًا الهرب من دوامات حياته البشعة باللجوء للنوم!


look/images/icons/i1.gif رواية إلا طلاق المعتوه
  16-12-2021 02:11 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابعأغلقت خديجة باب الشرفة بإحكام وهي تدعو الله أن لا يكون طارق قد اكتشف وجودها، قبل أن تنظر بتأنيب إلى صغيرها الذي يطالعها بعيون ناعسة متسائلة عن سبب اختفاءها من الفراش فتنهدت قبل أن تربت على رأسه هامسة:-يلا ننام يا حبيبي.رفعته بين ذراعيها رغم ثقل وزنه إلا أنها تحتاج لقربه في هذه اللحظة، دثرته ما أن استلقيا فوق الفراش وضمته في حنان تحاول نسيان ومحض أحزانها وألأمها من خلال مشاعر بالأمومة.مر وقتً طويل عليها دون أن يختطفها النوم فعقلها اليوم مصر على فتح الجراح والغرق في المآسي، لتستسلم في النهاية تاركة له الرجوع والغياب فيما حدث بينها وبين زوجها مشعلًا الفجوة بينهما.تأففت خديجة وهي تنظر للساعة ثم أجابت على سؤال مرام المتكرر:- للمرة المليون بقولك القماش تحفة، أرجوكي خلصي هموت من الجوع!-حاضر حاضر أهدي عليا.اجابتها في انزعاج وعادت تنغمس بين الأقمشة، فضغطت خديجة فوق جفونها تحاول استرجاع طاقتها قبل أن يصل لها صوت وصول رسالة نصية، رفعت الهاتف في ملل تفتحها واتسعت عيناها وهي تقرأ الرسالة المرسلة من حسابهم البنكي المشترك يخبرونها بأن بطاقة الائتمان قد سحبت منذ لحظات في مكان قريب من هنا.-مرام الحقيني!وضعت يدها فوق فمها، لابد أن أحدهم سرقها فزوجها اخبرها بوجوده في مشروع هام بعيد كل البعد عن هنا، اقتربت منها مرام المتسائلة في نبرة قلقه:-أيه مالك؟-الفيزا اتسحب في ، وطارق مش هنا اصلًا، أنا لازم اتصل بيه.حاولت الاتصال به عدة مرات ولكنها قوبلت بالتجاهل وعدم الرد فاستقامت تجذب حقيبتها مقررة في عزم:-لا الموضوع ما يتسكتش عليه ابدًا، أنا رايحه المول حالًا.جذبت مرام حقيبتها هي الأخرى راكضة خلفها، مشيرين لأول سيارة أجرة قابلتهم على أمل الوصول هناك في أسرع وقت.في نفس الوقت كان طارق يخبط كفه فوق رأسه في غصب وكل مخططاته تسحب من أسفل قدمه.-طارق!استدار في سرعة شديدة عندما وصله صوت مناداه ميري له على الطرف الآخر من الطريق حيث تقف أمام البناية، خرج منه لفظ بذئ قبل أن يجبر نفسه على التقدم في بطء نحوها متابعه لها تتحدث على الهاتف وما ان وصل إليه سمعها تخبره وهي تحرص على كتم هاتفها:-انا مش ورايا اليوم كله، ممكن تطلع تكمل قياس عشان نمشي.وقف حائرًا أمام المبنى لا يدري ماذا يفعل في تلك المصيبة ولكنه وقف مكانه تاركًا لها تتحدث طويلًا عبر الهاتف حتى أغلقته ووقفت أمامه عاقدة ذراعيها فوق صدرها متذمرة في نبرة خافته وكأنها تتألم:-الشمس تعبتني وبدئت أحس بدوخه، ممكن نطلع؟حاول فحص ملامحها وقياس مدى صدقها لكنه حاول حظه مرة أخيرة:-أنا شايف نستنى حسام، أنا فعلًا مش بركز وأنا جعان!انكمشت ملامحها في غضب قبل أن تقبض على ذراعه معترضة وهي تجره جرًا:-تعالى على نفسك واستحمل.تركها تجذبه بعد عدة محاولات منها وقد جذبا أنظار المارة إلا إن حدسه يخبره بأن ذلك سيكون أكبر خطأ يرتكبه في حياته.اتجهت خديجة في خطوات سريعة نحو المول حيث الماكينة تحاول معرفة مكان المكتب الخاص بالمسئولين عنها أو حتى وجود رجل الأمن، تاركة لمرام مهمة حساب سائق الأجرة الذي نجح في إيصالهم في أقل من خمسة عشر دقيقة.التفت حولها بحثًا لكنها تجمدت في مكانها بفم مفتوح تتابع المشهد الدائر على بُعد أمتار منها عاجزة عن تصديق أن زوجها الكاذب يقف هناك على الرصيف المقابل للماكينة، ومعه تلك الشمطاء التي تستبيح لنفسها إمساك زوجها بتلك الطريقة الغير مقبولة وجره خلفها داخل إحدى المباني السكنية، خرجت من صدمتها ما ان اختفيا عن مرماها وتحركت اخيرًا نحو البناية متمتمة في جنون:-هو ده اللي مش هكون هنا يا طارق بتضحك عليا!أتاها صوت مرام الراكضة خلفها وقد وصلت بجوارها منذ قليل لتتابع ما حدث، فحاولت تهدئتها:-استني بس يا خديجة يمكن في شغل!خرجت منها ضحكة هستيريا دون اجابه ثم صعدت تحاول معرفة أيً من تلك الأدوار سيكون زوجها فيها ولكنها لم تحتار كثيرًا عندما وصلت الطابق الثاني، ووقفت تجز فوق أسنانها حتى كادت تنكسر منها وهي تتابع الأيادي المتشابكة المتراقصة فوق إطار أحد البيبان أمامها، مميزة يد زوجها الخائن على الفور.في الداخل وخصيصًا خلف باب الشقة أمسك طارق في إطار الباب من خلفه في عناد مطالبًا:-لا، نسيب الباب مفتوح!-أيه ده أنت خايف مني يا شيغغي؟( chéri كلمة فرنسية بمعنى محبوبي )-لا طبعا، اصل، أصل أنا صعيدي ودي الأصول.أجابها في نبرة مرتبكة متوترة لكنها وضعت كفها فوق كفه الممسك لإطار الباب ودفعته بجسدها في مجون نحو جسده تحاصره بينها وبين الباب ثم استقرت بأنفها في عنقه هامسة في نبرة مليئة بنشوة مرضية:.-كفاية لعب يا طارق، أنت عارف أني بحبك مش كده!-يا مدام مينفعش، حضرتك عارفة أنا متجوز!أخبرها بأنفاس متقطعة يحاول في عبث وقف أصابعها الوقحة المتنقلة فوق صدره لكنها استكملت في قوة:-بس مراتك مش هتديك مركز أكبر في مكتبي ولا هتحققلك كل اللي بتحلم بيه!-أرجوكي يا مدا...همس متوسلًا فقاطعته تحاول وضع فمها فوق فمه رغم مقاومته الجادة وهي تهمس في وله:.-أنت اللي ارجوك حس بيا يا شيغغي متخلنيش أتوسل أكتر من كده، آآآه...خرجت منها صرخة مخيفة عندما انقطع حديثها مع دفعة قوية للباب حشرت جسديها بينه وبين الحائط الصلب قبل أن تدخل تطل عليهما امرأة يبدو عليها الجنون صارخة:-بتخليها تتوسل ليه يا شيغغي، انت ما بتحسش!وقبل أن تخرج ميري من صدمتها وتتوه في تفسيراتها عن ماهية المرأة تحدث طارق في نبرة مرتعدة:-خديجة انتي بتعملي أيه هنا؟!-حظي الحلو عشان اشوفك بعيني يا خاين يا غشاش!-أنتي فاهمة غلط، اسمعيني وانا هفهمك!حاول طارق شرح الموقف لكنها صرخت فيه مشمئزة:-أفهم أيه، قولي بتخوني يا طارق!مع مين الخنشورة دي!انهت جملتها وهي تلقي بنظرات حارقة نحو جسد ميري من أعلاه لأسفله:-ازاي تتجرئي!ردت ميري في حدة واستنكار لا تزال في حالة ذهول من تدخل خديجة المفاجئ لكنها زادت من درجة ذهولها عندما تقدمت المجنونة منها مزمجره:.-أنا هوريكي الجراءة بصحيح يا بنت بياعة الجزر!أنهت خديجة جملتها وهي تخلع حذائها وتنهال بالضرب على الوقحة سارقة الرجال دون التفات إلى اصواتها المستغيثة أو محاولات طارق المستميت لوقف ضرباتها وضربات شقيقته مرام المغتاظة والتي تدخلت تشاركها نفس عنفها كنوع من أداء الواجب نحو صديقتها، فصرخ في كلتاهما بينما يحمل خديجة نحوه مانحًا ميري فرصة للفرار إلى الخارج:-الله يخربيتكم هتودونا في داهيه!ابتعدت عنه خديجة في عنف وكأن لمسته أحرقت جلدها ثم قالت في صوت عالي مشمئز وسط أنفاسها المتقطعة:-أبعد إيدك عني يا حيوان!-خديجة وطي صوتك بلاش فضايح،محصلش حاجة انتي فاهمه غلط!حاول طارق التبرير لكنها دفعته في حدة قبل أن تتجه غاضبة للخارج وعلى لسانها كلمة واحد لا تتوقف:- طلقني!خرجت خديجة من ذكرياتها عندما علا صوت أيتن المستيقظة جوارها مطالبة ببعض الماء، ناولتها الكوب الموضوع فوق الطاولة جوارهم قبل أن تعيده وتراقبها تنزوي في احضانها أكتر كي تعود للنوم، تنهدت في إرهاق نفسي وجسدي، كان عليها التمسك بقرارها بالطلاق بدلًا من تعذيب ذاتها هكذا.-الله يسامحك يا ماما سهيلة!همست وهي تتذكر كيف احتوتها عندما حضرت لها غارقة في دموعها وكيف زمجرت في وجه طارق تحميها منه وتبعده عنها، لكنها تناست انها والدته في الأخير وانها ستبحث عن مصالحه قبلها.فقد نجحت والدة طارق في اقناعها بالعدول عن رأيها متهمة إياها بالسذاجة والتسرع، بالإضافة إلى استخدامها كافة كروت الابتزاز العاطفي ضدها مع اقتراب زفاف مرام الذي كان يتبقى عليه أيام قليلة واتهامها بأنها ستسرق فرحتها ان أخذت احفادها بعيدًا عنها في مثل هذا اليوم، واعدة إياها انها ستحقق لها ما تريد بعد انتهاء الزفاف وانها ستعيدها إلى منزل والديها الموجود بأحدي القرى في جنوب مصر بنفسها!ابتسمت خديجة في سخرية كانت خدعة ذكية فبعد انتهاء الزفاف وقفت سهيلة تغرقها بكافة الأسباب التعجيزية التي تحول بينها وبين الابتعاد عن هذا المنزل وخارج كنفهم.لن تلوم المرأة العجوز فما فعلته كان بدافع الحب والخير، فهي جدة لا ترغب في فقدان حفيديها وأم لا تود خراب بيت أبنها ولكنها مزقت قلب خديجة بفعلتها دون قصدً منها وجعلتها تفكر وتعيد ترتيب حياتها.في اليوم التالي على زفاف ابنتها جلست سهيلة ترتسم الجدية فوق ملامحها موجهه حديثها إلى خديجة في عدم رضا:-انتي بتخربي بيتك بإيدك، طالما مخانكيش بتسبيه ليه؟-بسيبه عشان قرفانه يا ماما، قرفانه منه ومن نفسي ومن الدنيا!أخبرتها في نبرة صادقة وهي تكفف وجهها من دموعها التي تسيل كلما تذكرت ما رأته.-طيب ممكن تفكري بعقل شوية، دلوقتي لما تطلقي مين هيصرف على العيال.نظرت لها خديجة في عدم فهم متسائلة:.-ليه وابوهم مش عايز يصرف عليهم؟أبعدت سهيلة نظراتها متعمدة وهي تخبرها بملامح مبهمة:-والله الرجالة ملهاش امان وابني عنيد وبيحبك يعني توقعي أي حاجة!وقف طارق الذي يعارض بوجوده تنبيهات والدته يستمع لكلامها القاسي في عدم تصديق وكاد يتدخل شاعرًا بالإهانة لكنه قرر الانتظار خوفًا من رد فعل زوجته ان علمت بوجوده في المنزل ولكنه لم يستطع الانسحاب فشاءت أم أبت الأمر خاص بكلاهما وعليهما الجلوس ومواجهة الأمر سويًا، انتبه لصوت والدته التي استغلت صدمة خديجة مستكملة:-انتي هتظلمي عيالك لما تبعديهم عن أبوهم عشان غلطة ممكن اي حد يتحط فيها،.وبتظلمي ابنك عشان تاخدي من مدرسة في المستوى ده وتودي مدرسة في قرية ده لو لقيتي مكان لي هناك!انعقد حاجبي خديجة مستشعرة بالإهانة لأول مرة منذ دخلت منزل تلك العائلة، وهمت مدافعة عن أصلها:-وملها القرية، ما أنا اتعلمت فيها احسن تعليم واتربيت أحسن تربية،على الأقل مش أنا اللي كنت بخون جوزي!انهت جملتها في حدة مشيرة إلى أخطاء ابنها فأسرعت سهيلة تهدأ الوضع وتنكر ما وصل إليها:.-أنا مقصدش طبعًا، ومكنتش هلاقي احسن منك لأبني، أنا بس بديكي مثال عن اللي هيفقده ابنك،وغير ده كله انتي مش بتشتغلي وعمرك ما اشتغلتي تقدري تقولي هتتصرفي ازاي على نفسك والعيال ده معاش أبوكي يادوب مكفي علاجه هو وأمك.أخفضت خديجة بصرها وقد أغرقتها كلماتها في قهر فعلي، شاعره بالعجز مع أول مصيبة تلقتها من مصائب الحياة، فكل ما تخبرها به سهيلة حقيقي وواقع ولكن سماعه منها جعل قلبها يعتصر وينزف، وجعلتها تفكر متسائلة:هل هذه نظرة طارق فيها، انها ضعيفة قليلة القيمة والمكانة؟هل لهذا استباح لنفسه ملاعبتها دون مراعاة لمشاعرها؟!قطع حزنها دخول طارق الذي لم يتحمل إهانات والدته المبطنة أكثر، وعكس ما توقع لم تتحرك خديجة ولم تعترض على تدخله ووجوده، فقد استمرت في الجلوس هكذا كالمغيبة.رمشت تبعد الضباب عن عينيها اللامعة بدموعها غير قادرة على النظر نحوه أو نحو والدته، فقد تم كسرها بنجاح!-ماما بعد اذنك سبينا شويه!طلب في إصرار وبعد مشاحنات بينه وبين والدته القلقة من افساده لمخططها الناجح حتى الآن، ذهبت وتركتهما سويًا، فبدء طارق الحديث سريعًا وقد هالهُ الضعف المرتسم على وجهها:-خديجة أنا بحبك ومستحيل أطلقك لأني ببساطة مش هقدر أعيش من غيرك،بس لو حصل تحت أي ظرف واتطلقنا، أنا عمري ما هشيل أيدي من مسئوليتك أنتي وولادي ومصاريفكم عليا لحد ما اموت.ارتفع جانب وجهها في بسمة مقهورة قبل أن تهمس شاكرة:.-متشكرة لو هتهتم بأولادك فكتر خيرك، هما في الأول ولا في الأخر ولادك،أما أنا، فأنا مش عال على حد، وهعرف أشتغل وأصرف على نفسي.حاول الاقتراب منها لكنها وقفت في حدة تشعر بالعضب داخلها يثور ثم قالت في نبرة جادة رغم اهتزازها:-أنا خدت قراري!وقف طارق أمامها في صمت ووجه شاحب من كلماتها التالية لكنها رفعت رأسها تمتهن القوة وان لم تمتلك ذرة منها، مستكملة:-أنا مش هتطلق.جذب أنفاس يخفف بها جنون قلبه المضطرب وقبل أن يقترب منها خطوة، رفعت كفها أمامه تمنعه مستمرة:-لكن هعيش معاك في عرف المطلقين!-مش فاهم، يعني أيه عرف المطلقين؟أخبرها بعدم فهم وقد تجمد في مكانه يحاول مراقبه ملامحها المضطربة فردت:-يعني أنا هعيش في بيتي ومع عيالي لوحدي وأنت هتفضل هنا زي ما أنت،وهتعاملني كأني متحرمه عليك!انخفض بصره للأسفل قبل أن يتهمها في حرقة:-قلبك قاسي أوي يا خديجة!-بعضًا مما عندكم يا طارق بيه!أخبرته في استخفاف مناقض للعبرات المنبثقة على وجهها، فهز رأسه مؤكدًا:-وماله يا خديجة حقك، وأنا موافق لأني متأكد أنك مش هتقدري تعيشي من غيري زي ما أنا مش هقدر أكمل من غيرك،ويكفيني وجودك قدام عيني،ياعالم بكره هيحصل أيه!لطمت فوف رأسها مرة توقف صدى كلماته من عقلها، فآآه مما حدث في الغد، فما هي إلا شهور قليلة بعيدًا عنه حتى تأكدت انها لا تطيق غيابه عن عينها، حاولت التمسك بغضبها وكرامتها المهدورة على يده، حاولت تذكر كيف كانت مشتعلة وقتها مصرة على الطلاق لكنها في اللحظة التالية تتذكر محاولات طارق الرافض التخلي عنها مؤكدًا على حبه لها وعدم خيانته، فيبرد بذلك قلبه.هي ليست غبية، تدرى أنه لم يخنها خيانة كاملة ولكنها لا تكف عن التساؤل حول ماذا كان سيحدث إن لم تتواجد هناك وتتدخل!بالإضافة أن تقرب ميري منه مستحيل أن يكن للمرة الأولى، فلابد من حدوث تجاوزات بينهما من قبل، وتقتلها حقيقة أن زوجها كان مدرك لاهتمام الشمطاء الاستثنائي به ولكنه لم يفعل شيء بل أسوأ هو قرر الاحتفاظ بعمله ومسايرة الوضع مستمتعًا برغبة إحداهن به، قرر الحفاظ على كل الحبال عداها.هي من ضحت بأحلامها وكيانها واقتصرت حياتها وعلاقاتها عليه هو وأسرته، هي من كانت تحارب للبقاء في أبهى حالتها كي لا تأتي أخرى وتسرقه.هربت منها عبراتها الحارة في قهر بينما تكتم صوتها كي لا تزعج الصغيران النائمان متعجبة سذاجتها،كيف كانت غبية لهذه الدرجة؟كيف وصل بها الحال بأن تبقى معلقة بهذه الطريقة داخل هذا المنزل؟كيف تخلت عن مكانتها كفرد طبيعي له حياة خارج إطار الأسرة، حتى الصداقة كانت وهمية؟!-آآآه...تأوهت تخرج جراح قلبها، فقد صدمها الواقع وزعزع استقرارها وامانها ودمر ثقتها في نفسها وجعل عقلها يدور في أسئلته الوجودية دومًا خاصة هذا التساؤل بماذا سيحدث لها إن انتهى الحب وفرغ من قلب طارق وقرر التخلي عنها؟تعترف انها مع مرور الأيام تنازلت عن فكرة الطلاق نهائيًا مكتفية بفكرة تلقينه درسًا ولن تنكر انها كانت سعيدة بمحاولاته لاسترضائها لكنها ابدًا لم تكن ستعود إلا بعد تحقيق الذات، فبقاءها دون عمل وضع داخلها هواجس لا تنتهي.ونجحت بالفعل بعد خمسة أشهر طويلة من الفراق الضمني ان تحصل على عمل بسيط في مكتب شقيق زوج مرام ولن تنكر مساعدات مرام وسهيلة لها، فبرغم ما حدث إلا انها لا تملك ضغينة نحو العجوز فعلى العكس ساندتها سهيلة ودفعتها للحصول على عمل ودفعتها دفعًا لمواجه الحياة.ولن تنسى لها ابدًا إنها من وقفت في وجه طارق الذي جن جنونه ما ان علم بحصولها على العمل، متذكرة كيف حطمها الأحمق بأقواله الخارجة ومؤكدًا نفاذ صبره منها.جعلتها تهديداته المبطنة تعود لقوقعتها الماضية وتبدأ خطواتها معه من خانة الصفر وما حطمها أكثر هو تعمده لتجاهلها وكأنه يعاقبها في غباء، مما جعلها تلقي رغبتها في العودة إليه في علبة مغلقة في باطن رأسها وتصر على موقفها بالابتعاد متمسكة بالتحدي والعناد.زفرت مستغفره الله ترمي بحمولتها إليه بينما تضم صغيرتها نحوها تخفي وجهها الباكي في عنقها داعية الله أن يخفف عنها بالنوم قريبًا وان تجد مقر من ألامها.مرت أيام رتيبة هادئة على حياة طارق و خديجة التي تعمدت عدم التواجد معه في نفس المكان لكنها لم تستطع منع نفسها من سرقة لحظات تهدئ بها قلبها من خلال انتظاره في كل مساء ولكن هذا المساء اتخذ منحنى أخر.-يا بنتي بطلي عياط عشان خاطر ربنا، تعبت!قالت خديجة لأبنتها ذات العامان والتي تعكف على البكاء والتذمر لما يقارب الساعة، بسبب رفضها بأن تذهب مع مرام للمبيت معها هي وزوجها ومن وقتها وتلك المشاغبة الصغيرة تثير جنونها ببكائها المعترض:-منك لله يا مرام، كان لازم تقولي أخدها تبات معايا!تمتمت ثم حاولت خديجة تجاهل الوضع على أمل أن تيأس الصغيرة وتصمت من تلقاء نفسها، تنهدت ممسكة رأسها تشعر بألم مريع يتملكها وتنفست في هدوء تحاول أن تطلق رغبتها وتشاركها في البكاء.وصل طارق وتعجب عندما وصل المنزل دون أن يلمح طيف محبوبته عند النافذة كالمعتاد، شعر بحزن طفيف وقد انطفئت شعلة الامل داخله لكنه صعد في صمت على الدرج.ما أن وصل امام منزل والدته بعقل ممتلئ بالتساؤلات حتى أتاه صوت صراخ وبكاء أيتن ووقف يفكر ترى هل يجب عليه الصعود والاطمئنان؟حرك رأسه في نفي فأخر مرة حاول الصعود فيها وقفت تهلل له مهدده بأنها ستعود لمنزل والديها بحثًا عن الخصوصية، انتفض مرتبكًا مما اوقع سلسلة المفاتيح من بين أصابعه حين وصله صوت صراخ خديجة المرافق لصغيرته.-أيه الجنان ده!غمغم بينما يهرع راكضًا على الدرج بقلب يدق في عنفوان ثم دق الباب هاتفًا:-خديجة، أنا طارق افتحي!توقع أن ترميه بسيل من السباب أو أن تصيح فيه رافضة ولكنه سمعها تقتربت بابنته الباكية من الباب قبل أن تفتح له، انتقلت نظراته من وجهها الباكي المتعب إلى وجه ابنته المنتفخ من شدة البكاء متسائلًا:-أيه اللي حصل بتعيطوا كده ليه، انتوا تعبانين؟حاولت التحامل على اختناقها وكتم رغبتها في الاستمرار بالبكاء كي تجيبه في نبرة خافته باكية متجاهلة إنه يتخطى قوانينها وأعرافها بصعوده:-أيتن بتعيط عشان مخلتهاش تروح مع مرام وجمال ومش راضية تسكت بقالها ساعتين بتعيط!لم ينتظر طارق أن تدعوه للدخول ودلف مغلقًا الباب خلفه ثم مد أصابعه يلتقط الصغيرة قائلًا في عتاب:-ينفع العياط ده، في بنت شطورة تعمل كده!نظرت له أيتن بطفولية حانقة قبل ان تنفجر في موجة بكاء جديد تعترض على كلماته المؤنبة فما كان من خديجة إلا وضعت كفيها فوق رأسها تاركة نفسها للبكاء بصوتً يوازي علو صوت الصغيرة.ارتبك طارق لا يفهم سبب بكاءها هي الأخرى فنظر لها وكأنها مجنونة متسائلًا في ذهول:-أنتي بتعيطي ليه دلوقتي؟حدجته بنظرة غاضبة وكأنه غبي بينما تمسح عبراتها بكفها مزمجره في هجوم:-عشان بنتي بتعيط وأنا مش عارفة أعمل أيه يسكتها!ارتفع حاجباه في استنكار مقررًا عدم محادثتها الآن، وصب جام اهتمامه بالصغيرة فبدء في مداعبتها والهمس في اذنها وهو يهزها بين ذراعيه في دلال.ضاقت عيون خديجة في انزعاج وحقد وهي ترى انسجام كليهما، تابعت كيف يقبل أعلى رأس طفلتها يواسيها وكأنها نجمة من السماء، وكيف تتعلق هي برقبته في حب وسكون بينما، هي، هي وحيدة، لا يهتم بها أحد مطلقًا أو بمشاعرها، سقطت عبراتها من جديد فزفر طارق الذي يدعي عدم الانتباه لها قبل أن يطلب من بين أسنانه:-ممكن تبطلي عياط انتي كده هتخليها تعيط تاني!-ايوة صح أنا السبب، أقولك اشبع أنت وبنتك انا رايحه أنام، أنا من حقي كأنسانه إني أنام!هتفت غير مصدقه وقاحته ثم اندفعت إلى غرفتها مقررة عقاب كليهما بالانسحاب والنوم، فليشبع كلاهما بالأخر حد التخمة!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 2 < 1 2 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
كيف يؤثر طلاق الأبوين على الأبناء؟ وكيف يمكن تجنبهم توابعه؟ لهلوبة
0 279 لهلوبة
أطعمة لا تسبب زيادة في الوزن إطلاقًا لهلوبة
0 207 لهلوبة
5 رجال لا ترتبطي بهم إطلاقًا.. تجسدت شخصياتهم على الشاشة لهلوبة
0 301 لهلوبة
5 علامات لاستمرار زواجك أو نهايته بالطلاق لهلوبة
0 318 لهلوبة
كيف تستعيدين ثقتك في نفسك بعد الطلاق؟ لهلوبة
0 244 لهلوبة

الكلمات الدلالية
رواية ، طلاق ، المعتوه ،










الساعة الآن 12:57 AM