logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 10 < 1 2 3 4 5 6 7 8 10 > الأخيرة


12-12-2021 07:34 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10






t21969_7677

لم أكن أعلم أن ركضي وراء الفساد و رغبتي في التخلص من كل فاسد و تحقيق أنتقامي سيكون خلفها كل تلك الحقائق و الكوارث، دائما ما كنت أسمع مقولة: " الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب "، و لكن ما أن بدأت الأمر حتي علمت أن المتاعب تأتي لجواري في كل خطوة أخطيها، و أنني لست في حاجة إلي البحث عنها.






الصحفية (زينة - متمردة) جريدة منارة الحقيقة
فصول رواية عاشقي المخاطر

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الأول

قبل تسعة و عشرين عاماً.

أقتربت جنات من الغرفة رقم 57 في فندق سميرميس في مدينة جاردن سيتي الذي تم إعادة بناؤه عام 1974 م، دقت علي الباب بهدوء و لحظات قليلة و فتح صاحب الغرفة الباب لها و كان قد ظهرت عليه علامات الغضب و هو يمسك بالهاتف الأرضي في يده و يضع السماعة علي أذنه، و لكن ما أن رآها حتي صمت و ظلت عينيه تتجول علي تلك الجميلة أمامه التي ترتدي ملابس العمل الرسمية و التي تناسبها بشدة، فستان قصير من اللونين الأبيض و الأزرق بالإضافة الي قطعة بيضاء تصل الي ركبتيها و بدايتها مرتبطة بخصرها.

خجلت جنات من نظراته إليها لتتحدث و عينيها مثبتة في الأرض:
- أنا جنات من خدمة الغرف، ممكن أدخل أنضف الأوضة؟
تحدث كامل عبر الهاتف و مازالت عينيه مثبتة عليها:
- هكلمك بعدين يا محمود
وضع السماعة في الهاتف، ثم فتح الباب علي مصرعيه و أبتعد عنه قائلا:
- أكيد أتفضلي
دلفت جنات الي الغرفة في خجل و بدأت في ترتيب الفراش و تغيير الأغطية ليتحدث كامل بهيام:
- أنتي شغالة هنا من أمتي يا جنات؟

لم تلتفت إليه حرجاً منه و لكنها أجابته بصوت يكاد يُسمع:
- ده أول يوم ليا
أقترب منها ليقف خلفها تماماً و مد إليها يده بإبتسامة جميلة معرفاً عن نفسه:
- أنا كامل السعيد شريك في الفندق هنا
شعرت به خلفها و أنفاسه قريبة للغاية منها، فألتفتت له ببطء، ثم نظرت الي يده التي أمامه، ثم حولت أنظارها الي عينيه ليتحدث بتشجيع ينتابه بعض الحرج:
- مش هتسلمي عليا ولا ايه؟

هزت رأسها بالنفي سريعاً و مدت يدها وضعتها في يده ليشعر بنعومتها بداخل يده، و تحدثت هي بنفس النبرة التي تشبه الهمس:
- أنا أسفه مش قصدي
هز رأسه مع أبتسامته الودودة قائلا:
- متتأسفيش مفيش حاجة
نظرت الي أيديهم بحرج ليفهم نظراتها و يترك يدها لتكمل هي عملها فتحدث هو:
- أنا هسيبك تنضفي الأوضة براحتك عن أذنك.

أمسكت بالغطاء و ضمته الي معدتها و هي تنظر له يسحب جاكيت بدلته و يرتديه ثم أغلق الزر، ثم أمسك بقبعته السوداء و وضعها علي رأسه، و أقترب من حقيبته الدبلوماسية السوداء و أخذها و خرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه، لتبتسم هي بحب، فلقد شعرت بتلك الفراشات في معدتها و بدقات قلبها التي كانت أعلي من صوتها، و لكن هيهات من هذا الشئ الذي كانت والدتها دوماً تحذرها من أن تقع في شباكه، تذكرت كلمات والدتها عن الحب، كانت عادةً لا تقتنع بحديثها و تتمني أن تقع في الحب، و لكن أصبح الأمر مستحيل فهي خادمة في فندق هو أحد شركاؤه، أصبح الحب مستحيل!

الآن
حي المقطم شارع رقم 9، اقتربت تلك الحسناء ذات الشعرالبرتقالي المائل الي البني من أحدي العمارات، ترتدي بنطال من الجينز و قميص أزرق تفتح أول زرين به، و يقع شعرها خلفها كشلال العسل، صعدت علي الدرج بسرعة و أقتربت من باب منزلها الخشبي و دقت الباب، و أنتظرت لحظات قبل أن تفتح جارتها أسمهان باب شقتتها قائله:
- أزيك يا زينة عاملة ايه يا حبيبتي؟
أبتسمت زينة أبتسامة صفراء و هي تنظر لها قائله:.

- الحمدلله يا طنط أسمهان
لوت أسمهان شفتيها بتهكم و هي تضرب كفوفها و وضعتهم علي معدتها قائله:
- مش عارفة يا اختي ايه طنط اللي مش بتبطلي تقوليها دي، قولتلك مش بحبها قوليلي يا خالتي اسمهان
دقت زينة باب منزلها مرة أخري و هي تتمني أن تخرج والدتها و تفتح لها الباب لترحمها من تلك العجوز التي لا يعجبها اي شئ، و ردت علي أسمهان:
- معلش بقا بس أصلي متعودة، المرة الجاية ان شاء الله هقولك يا خالتي براحتك.

- لا يا حبيبتي مفيش مرة تانية، أصل أحنا بيعنا الشقة و هنعزل بكره و هنروح نسكن في الزمالك، جنب خطيبة أبني حبيبي صلاح
نظرت إليها زينة بفرحة و هي ترفع يدها أعلي فمها و تطلق زغروطة ثم تحدثت:
- يا ألف ألف مبروك
فتحت والدة زينة الباب بتعجب بعد أن أستمعت لأبنتها قائله:
- في أيه يا زينة؟
تحدثت أسمهان بغرور و هي تضع يدها علي خصرها قائله:.

- معزلين بكره يا اختي، هنروح نسكن في الزمالك جنب خطيبة أبني حبيبتي، تعرفي يا بت يا زينة أنا كنت زعلانة أوي أنك رفضتي صلاح أبني
ثم رفعت صوتها بغضب:
- ما أنا أبني ميترفضش بردوا يا اختي، بس بعدين عرفت أنك مش من مقامه و أن مقامه أكبر من كده بكتير، و أهو أبو خطيبته جابلنا شقة و هنقعد جنبه و هنسيب المنطقة المعفنة دي
تحدثت حسناء والدة زينة بحدة قائله:.

- ما تلمي لسانك يا ولية بدل ما أجي أقطعهولك و تتكلمي عدل، خشي يا بت يا زينة جوه مش ناقصين خناقات أحنا
أبتسمت زينة بسخرية و هي تنظر الي أسمهان قائله:.

- حاضر يا ماما، بقولك ايه يا طنط متتقنعريش أوي كده، أبنك صلاح شكله كان مشروع بت بس فشل ولا حاجة، هو فيه راجل بردوا أبو عروسته بيصرف عليه و لمؤخذه، و أه حاجة تانية أبقي قوليلي ماشية أمتي بالظبط علشان أكسر وراكي قلة، يا فرج الله أخيراً الشارع هينضف من الأشكال دي
ضربت أسمهان كفيها ببعضهما و قد أرتفع صوتها للغاية قائله:
- لا يا بنت حسناء أقفي معووج و أتكلمي عدل بدل ما أمسح بيكي بلاط العمارة.

وقفت حسناء أمام زينة و هي تتحدث إلي أسمهان:
- لا يا اختي بقولك ايه أتكلمي عدل بدل ما ألحسك تراب الشارع
أرتفع صوت أسمهان للغاية فخرج الجيران من منازلهم و أصبح الجميع ينظر إليهم و هي تتحدث:
- بس يا ولية يا قرشانة أنتي بدل ما أمد إيدي عليكي و علي بنتك اللي بتحاميلها دي
أستندت حسناء الي الحائط و هي تخلع حذائها و تمسكه بيدها قائله:
- شكل وحشك شبشبي يا أم صلاح، أعتبريها حفلة الوداع يا حبيبتي.

ثم أقتربت منها و بدأت في ضربها بقوة بعد أن أمسكتها من شعرها و خلعت عن رأسها الحجاب لتبدأ أسمهان في الصراخ مستنجدة بالجيران الذي لا يستجري أحد منهم علي الأقتراب، فالجميع قد أعتاد علي مثل تلك المصادمات بينهما.

جلس الجميع علي طاولة الطعام، فتحدث عزيز والد زينة إليها قائلا:
- عملتي ايه النهاردة في الشغل يا زينة؟
أبتسمت له زينة و هو تمسك بكوب الماء بجانبها قائله:
- الحمدلله يا بابا، فيه موضوع كده بتابعه أدعيلي كده أخلصه علي خير و هاخد مكافأة كبيرة أوي من رئيس التحرير
أبتسم عزيز و هو يمرر يده علي خصلاتها قائلا بحنان:
- ربنا معاكي يا حبيبتي، بس من أولها كده مكافآت أنتي مبقالكيش شهر في الجريدة دي.

أرتشفت زينة بعض الماء، ثم تحدثت بإبتسامة مشاكسة:
- ما انت عارف بنتك يا أبو زينة، بحب المصايب زي عنيا، متنساش الصحافة دي مهنة البحث عن المتاعب، و انا مش محتاجة أدور المصايب بتيجي لحد عندي
تعالت ضحكات الجميع و أرتفع رنين جرس المنزل ليتحدث عزيز:
- طيب خدي بالك من نفسك بردوا مترميش نفسك في النار، و قومي يلا أفتحي الباب.

أمسكت بقطعة من اللحم أمامها و وقفت متجهة نحو الباب و هي تلتهم اللحم ففتحت الباب لتجد أمامها صلاح الذي ارتفع صوته قائلا:
- أنتي فاكرة هعديلك اللي انتي و امك عملتوه ده بالساهل يا زينة، أنا امي متضربش
نظرت له بغيظ و هي تقترب منه قليلاً قائله:
- ما أنت أمك علطول بتتضرب أيه الجديد يلا غور من هنا بدل ما أكلك زي اللحمة دي كده كفاية أنك مقومني من علي الأكل.

ثم أقتربت بأسنانها من قطعة اللحم و ألتهمتها بشراسة ثم أغلقت الباب بقوة في وجهه و عادت الي الطاولة بجوار عائلتها لتكمل طعامها، فسألتها حسناء:
- مين كان علي الباب يا بت؟
- ده صلاح كان جاي عايز حق أمه
نظر عزيز إليهما و ألقي بالملعقة في الطبق و نظر لهما مبتسماً أبتسامة صفراء:
- أنتو مديتوا إيديكم علي الولية اللي اسمها أسمهان دي تاني
نظرت له حسناء و وضعت يدها علي كفه بهدوء لتكتسب تعاطفه قائله:.

- كان لازم تتربي يا اخويا دي كانت بتزعق فينا في وسط العمارة كلها و قلت أدبها عليا يعني أسيبها تاكل وشنا قدام الناس كلها
أبعد يدها عن يده و وضع كلتا يديه علي رأسه قائلا بفقدان أمل:
- لا طبعاً أزاي مرمطوها في وسط العمارة عادي مش كده يا حسناء
ربتت حسناء علي كتف زوجها قائله:
- و النبي ما تزعل نفسك يا عزيز، و الله المرادي أخر نوبة مش همد إيدي عليها تاني
تحدثت زينة و هي تملأ فمها بالطعام قائله:.

- كده كده هيعزلوا بكره مش هنشوفهم تاني فك يا زيزو
نظر عزيز الي زينة بسخرية:
- زيزو! أنتي ناوية تحترميني أمتي يا زينة؟
ردت عليه زينة بإبتسامة مضحكة و هي تنظر الي الطبق الخاص به قائله:
- ده أنت فوق راسي يا بابا، عاوز صدر الفرخة ده؟
ضحكت حسناء بصوت عالٍ و هي تقسم دجاجة أمامها الي نصفين و تعطي الصدر الي زينة قائله:.

- ملكيش دعوة بأكل أبوكي، خدي يا أختي كلي، و أعملي حسابك تشربي البتاع اللي أنا جيباهولك من عند العطار ده علشان تتخني و تربربي كده بدل ما انتي شبه عود القصب و مخلصة أكل البيت كله و مش باين عليكي
أخذت زينة الطعام من حسناء قائله:
- طب قولي ما شاء الله يا ماما هو حد طايل.

خرجت زينة الي شرفة منزلها في الثامنة صباحاً قبل خروجها الي منزلها، فنظر لها عزيز قائلا:
- أدخلي جوه يا زينة مش عايزين مشاكل
نظرت له زينة ببراءة مصطنعة مردفة:
- أنا يا بابا بعمل مشاكل، و الله هي الولية القرشانة اللي تحت دي، هقف ساكتة مش هعمل حاجة بس هشوفها و هي خارجة، و بعدين الناس كلها تحت بتودعها و انا فوق أهوه مرضتش أنزل علشان خاطرك
نظر لها عزيز بنصف عين قائلا:
- مش مرتاحلك.

- كمل فطارك يا بابا كمله يا حبيبي علشان متتأخرش علي شغلك
نظرت الي الخارج مرة أخري، لتري جارتها العزيزة أسمهان تخرج هي و ولدها صلاح من العمارة و يقفون أمام سيارة، فأقترب الجيران من أسمهان يودعونها و لكنها أبتعدت عنهم جميعاً قائله بصوت مرتفع:
- أبعدي عني يا ولية أنتي و هي، أنا رايحة أسكن في الزمالك مع أبني حبيبي يعني بقيت أتقرف أسلم عليكم أصلا
ثم نظرت أسمهان الي الشرفة التي تقف بها زينة قائله:.

- سلام يا عالم فقر
أمسكت زينة بالزجاجة الفخارية في الشرفة و نظرت الي احدي جاراتها قائله:
- وسعي كده شوية يا أم سعيد
أبتعدت السيدة عن المكان التي كانت تقف به، لتلقي زينة الزجاجة الفخارية فتنكسر مائة قطعة بجوار أسمهان، ثم أطلقت زغروطة قائله بصوت مرتفع:
- أفرحوا يا ناس، العمارة و الشارع هينضفوا خلاص زغرطوا يا نسوان
لتبدأ جميع السيدات في إطلاق الزغاريط، فأستشاطت أسمهان غضباً فتحدثت زينة:.

- مش عايزين نشوف الخلقة النتنة دي هنا تاني، خد أمك و أمشي يا صلاح
سمعت زينة عزيز ينادي عليها، فدلفت الي المنزل فأمسكها عزيز من ذراعها بقوة قائلا بغضب شديد:
- أنا قولت ايه يا زينة؟ أنتي ليه مصرة علي المصايب طالعة لمين كده، لا أنا و لا أمك كنا بنحب المشاكل انتي طالعة مشكلجية لمين يا بت؟ عايزاني أمد إيدي عليكي يعني و انتي شحطة كده
تحدثت زينة بدفاع عن نفسها:.

- بصت ليا و قالت عالم فقر هسكتلها و هي بتقل بأدبها عليا يعني يا بابا
- يا بنتي الناس هتزعل منك أنتي طريقتك مش حلوه
- لا يا بابا أنا كويسة جدا مع اللي يستاهل بس و انت أكتر واحد عارف ان الولية دي متستاهلش كلمة حلوه حتي و اهي غارت خلاص مش هعمل مشاكل تانية
نظرت خلفه و تحولت عينيها من الدفاع الي القلق قائله:
- يالهوي ماما.

تركها عزيز بسرعة و ألتفت خلفه، فأمسكت زينة بحقيبتها سريعاً و فتحت باب المنزل قائله:
- باي يا بابا يا قمر
ثم أغلقت الباب خلفها، فتنهد عزيز بتعب من طريقة صغيرته و جلس يكمل طعامه قائلا بصوت مرتفع:
- أقعدي مع بنتك لما تيجي يا حسناء و قوليلها أن اللي بتعمله ده غلط خليها تتلم بقا شوية
ردت عليه حسناء من الداخل:
- حاضر يا عزيز، كمل أنت بس أكلك.

كان كريم يقف أمام المرآة يمشط خصلاته البنية، وضع الفرشاة علي الطاولة أمامه ثم مرر يده علي ذقنه القصيرة، و نظر من خلال المرآة علي حقيبة السفر التي تقطن علي فراشه، ألتقط العطر ليضع منه علي ملابسه و رقبته، نظر الي المرآة بعد أن أستعد بالكامل، ثم أقترب من فراشه و أمسك بحقيبة ظهره و أرتداها، ثم حمل حقيبة السفر و خرج من غرفته بهدوء شديد و هو ينظر في أنحاء المكان المظلم، هبط عن الدرج، ليصل أخيراً الي باب المنزل فتحه بهدوء و أخرج حقيبته ثم خرج هو الآخر و أغلق الباب خلفه ليصدر صوت مسموع، أغمض عينيه بقلق، ثم أمسك بحقيبته و ركض الي سيارته خارج المنزل وضع الحقيبة بداخلها و صعد بداخلها و أنطلق بها بسرعة بعيداً عن منزله، و هو يتنهد بقوة و كأنه قد خرج من مراثون الركض للتو قائلا بصوت مسموع:.

- الحمدلله متقفشتش، لما ماما تصحي بقا تبقي تعرف بعدين.

دلفت زينة الي قسم الشرطة، و هي تنظر الي المكاتب حولها حتي توقفت أمام أحد المكاتب و العسكري أمامه و بجانبه لافتة صغيرة مكتوب عليها رئيس المباحث ، فأبتسمت قائله:
- سلامو عليكم
رد عليها العسكري بجدية تامة:
- و عليكم السلام، خير يا أنسه
فتحت حقيبتها التي ترتديها علي كتفها فتصل الي خصرها، و أخرجت الكارت الشخصي الخاص بها أعطته للعسكري قائلا:.

- أنا زينة عزيز صحفية في جريدة منارة الحقيقة عندي معاد مع رئيس المباحث
أومأ العسكري رأسه قائلا:
- طب أستني هدي خبر للباشا
هزت رأسها بالموافقة، فدلف العسكري الي رئيس المباحث معتصم قائلا:
- الأستاذة زينة عزيز بره يا فندم و بتقول عندها معاد مع حضرتك
وضع العسكري الكارت علي المكتب أمامه، فأمسكه معتصم و نظره به متذكراً، ثم تحدث:
- أه دي الصحفية اللي هتكون معايا في كمين خالد الدهشوري، دخلها.

- أوامرك يا باشا
خرج العسكري من المكتب قائلا:
- أتفضلي يا انسه الباشا مستنيكي جوه
دلفت زينة ببنطالها الجينز و قميصها الأبيض القطني و فوقه قميصها الذي يمزج بين اللون الاحمر و الأسود و هي تفتح كل أزراره و ترفع أكمامه الي نصف ذراعها و ترتدي حقيبتها علي كتفها الأيمن فتنتهي عند يسار خصرها، أقتربت منه و مدت يدها له بأبتسامة، فوضع يده بداخل يدها و أبتسم هو الأخر قائلا:.

- أهلا بيكي يا أنسه زينة، اتفضلي أقعدي
جلست زينة علي المقعد أمام مكتبه و جلس هو الأخر و سألها:
- تحبي تشربي ايه؟
أجابته و هي تخرج قلم رصاص من حقيبتها قائله:
- يا ريت عصير برتقال لو موجود
نظر معتصم الي العسكري قائلا:
- عصير برتقال و القهوة بتاعتي بسرعة يا عبدربه
- تحت أمرك يا باشا
خرج العسكري من المكتب، فوجه معتصم نظره الي زينة التي قامت بتثبيت خصلاتها بواسطة القلم علي شكل دائرة مبعثرة، فتحدث:.

- أستاذ عادل قالي أنك مش هتيجي غير و انتي معاكي أخبار مهمة
هزت زينة رأسها و هي تخرج ملف يحتوي علي الكثير من الأوراق من حقيبتها قائله:
- أيوه فعلا، معايا ملف فيه كل المعلومات اللي ممكن تكون محتاجها علشان تقبض علي خالد الدهشوري
أعطته الملف مكملة:
- معاد الشحنة و هتخرج أزاي اليوم و الوقت بالظبط و الورق اللي خالد موقعه علشاان يستلم الشحنة و شريكه كمان.

نظر معتصم في الملف بتركيز و أندهاش، ثم نظر الي زينة قائلا:
- جبتيه ازاي ده
- دخلت الفيلا بتاعته و هو مش موجود كانت فاضية روحت علي المكتب و كان فيه واحدة من الخدامين اديتلها فلوس و عملتلي نسخة من مفتاح مكتبه فتحت و أخدت الملف و صورت كل الورق بالموبايل و روحت علي الجريدة و طلعت كل الورق و طبعته زي ما انت شايف كده، ده شغلي يا معتصم باشا
أبتسم معتصم بإعجاب قائلا:.

- لا و شكلك شاطرة في شغلك يا انسه زينة
- طول ما أنا بحب شغلي لازم هعمل كل اللي اقدر عليه علشان أنجح فيه، المهم معاد تسليم الشحنة بعد يومين و المكان عند حضرتك في الملف، أشوفك بعد يومين الساعة 9 بالظبط علشان نبقي جاهزين ليهم لما ييجوا، رقمي مع حضرتك في الكارت لو فيه أي حاجة تقدر تكلمني، عن أذنك
وقفت و سحبت القلم من خصلاتها ليهبط علي ظهرها فظهرت من جديد كالملائكة، فوقف معتصم هو الاخر قائلا:.

- طب استني اشربي عصير البرتقال
أبتسمت له زينة و مدت يدها قائله:
- هنشربه بعد ما نقبض عليه ان شاء الله، أتشرفت بيك يا معتصم باشا
مد يده ليسلم عليها قائلا:
- و انا كمان جدا.

تركته و ذهبت من المكتب، فجلس هو علي مقعده و قد سرح في جمالها الخلاب، فهو لم يري إمرأة أجمل منها علي الإطلاق، بالإضافة لكونها مجتهدة للغاية في عملها، ربما جاء الوقت ليكمل النصف الثاني من دينه و يتزوج، و لكن هل هي مرتبطة؟ لا يعلم، و لكن سينظر المرة القادمة الي يدها و يتمني أن لا يجد أي خاتم بهما.

في حي المقطم شارع رقم 9.

أستيقظ كريم من نومه في منتصف النهار، دلف الي الحمام و أخذ حماماً دافئاً ثم خرج و أرتدي قميص أصفر هادئ علي بنطال جينز فاتح، ثم مشط خصلاته و وضع عطره و أصبح جاهزاً تماماً للذهاب الي مستشفي المقطم التخصصي في يومه الأول، حمل حقيبته و أتجه نحو باب منزله و خرج، لينظر الي هاتفه، فوجد العديد من المكالمات الفائتة من والدته داليدا ، فأبتسم و أتصل بها ثم وضع سماعات البلوتوث في أذنه، و هبط عن الدرج في العمارة، أجابته داليدا قائله بنبرة مليئة بالقلق:.

- أنت فين يا حبيبي؟ انا صحيت بدري انت مكنتش في البيت
أبتسم كريم بسعادة قائلا:
- صباح الخير عليكي يا حبيبتي، أنا لسه صاحي و نازل علي الشغل أهوه
نطقت داليدا بتعجب و حذر و سألته:
- صاحي فين يا كريم؟ أنت كنت بايت فين؟

- في شقتي الجديدة يا ماما، بصي قبل أي كلام أو خناق، قولتلك أنا مش زي معتز ماشي ورا أبوه و خلاص و بيتفاخر بالفلوس اللي آبوه عملها، انا غيره، أنا عايز يبقي ليا شغلي المستقل اللي بعيد عن عمي و نفوذه، مش عاوز أشتغل في مستشفياته و اكون مديرها، عايز أبدأ من الاول و يبقي ليا حياتي الشخصية
صرخت به داليدا بغضب شديد:.

- أنت بتستعبط يا كريم! باباك يبقي عنده أكبر مستشفيات في مصر و هو من أكبر الجراحين في البلد و انت رايح تشتغل في مستشفي تانية و تقولي حياتك الشخصية و تبدأ من الصفر، أرجع البيت حالا يا كريم
تحدث كريم بهدوء شديد:.

- ماما، انا عندي 31 سنة، تفتكري ليه كل الوقت ده و انا مع عمي و ساكت، علشانك نفذتلك اللي انتي عايزاه و اشتغلت في المستشفي معاه، جه وقت أنفذ اللي انا عايزة، و جه وقت أحقق أحلامي أنا، جه وقت أحس فيه أني راجل فعلا مسئول عن نفسي مش مسئول من حد، أنا أسف يا ماما بس جه وقتي أنا بقي و مش هقبل حد يقف في طريقي
صرخت به داليدا بقوة و تحدثت:
- انت بتقول ايه، أنت امك هانم و جدك كان باشا، و ابوك كمان باشا.

صرخ بها كريم هو الآخر هذه المرة قائلا:.

- أبويا كمان كان باشا، بس اللي موجود دلوقتي مش بابايا ده جوزك أنتي و اللي يبقي عمي أخو بابا، معتز يمشي وراه ماشي علشان هو باباه أنما انا لا يا ماما، خلاص أنا متخرج من 6 سنين يا و سمعت كلامك و اشتغلت معاه في المستشفي، خلاص بقي متطلبيش مني فوق طاقتي، انا من حقي يبقي ليا حياتي اللي انا ببنيها مش عايز حد يبني معايا، و لازم كمان أدور علي قاتل أبويا اللي هرب ماشي، و دلوقتي سلام خليكي مع جوزك و أبنك.

- هخلي خالد يوصي كل المستشفيات تطردك و هترجعلي تاني يا كريم
- مش هرجع حتي لو وصل بيا الأمر أني مبقاش عندي شغل أو مبقاش دكتور، و انتي حرة سلام بقا علشان انا في العربية و مش هينفع أتكلم و انا سايق.

أغلق الهاتف و ألقاه علي المقعد المجاور له في السيارة و أستند برأسه علي عجلة القيادة و تنهد، فلقد ملَّ من تحقيق رغباتها و هدم أحلامه، ملَّ من أن يصبح مجرد تابع لزوج والدته، يريد أن يشعر بوجوده و قيمته في هذه الحياة.
أنطلق بالسيارة نحو المستشفي التي لا تبتعد كثيراً عن المنزل ليبدأ في تحقيق أول أحلامه صاعداً أولي سلالم النجاح بعد صراع عنيف دام لستة سنوات.

قبل تسعة و عشرين عاماً
أٌقتربت جنات من الغرفة التي أصبحت تتردد عليها كثيراً في الفندق، دقت علي الباب ففُتح علي الفور، و وقف كامل أمامها بإبتسامته الجميلة قائلا:
- أتأخرتي شوية، كنت مستنيكي
تحدثت بخجل و ما زالت إبتسامتها قائمة علي وجهها و عينيها تنظر الي الأرض قائله:
- كان عندي أوضتين قبل حضرتك
أبتعد عن الباب ليفسح لها المجال للدخول قائلا:
- طب أتفضلي أدخلي.

أمسكت ببعض الأغطية من العربة التي تقوم بنقلها عبر الغرف و دلفت الي الغرفة و أغلق كامل الباب خلفهما، فأقتربت هي و بدأت في تغيير الأغطية و تحدث كامل:
- مكنتيش موجودة بقالك أسبوعين، عرفت من مدير الفندق أنك أخدتي أجازة
أومأت جنات برأسها و هي تبدل أغطية الوسائد قائله:
- أيوه نزلت أنا و ماما البلد علشان تلبيس الدبل
نظر لها كامل بعدم فهم و سألها:
- تلبيس دبل أيه انا مش فاهم حاجة يا جنات.

ألتفتت له و نظرت الي عينيه التي تشع منهما القلق فتحدثت بإرتباك و هي تظهر خاتمها قائله:
- فيه واحد من البلد عاوز يتجوزني و أمي وافقت عليه فأتخطبنا
أنتفض كامل من مجلسه و أقترب منها ممسكاً بيدها و هو ينظر الي المحبس، ثم صرخ بها قائلا:
- يعني أيه أتخطبتي؟ مقولتليش ليه يا جنات قبل ما تمشي هااه
عادت الي الخلف خطوة في خوف من نبرته الغاضبة و سحبت يدها من بين يديه قائله بإرتجاف:.

- معرفش أني المفروض أقول لحضرتك
أقترب منها أكثر و هو يضغط علي أسنانه بغيظ قائلا:
- أنا المفروض أعرف عنك كل حاجة يا جنات كل حاجة
هزت رأسها بالنفي و هي تنظر له بعدم فهم قائله:
- ليه يعني؟ سارة لسه متجوزة من شهر و مقالتش لحضرتك حاجة ولا لأي واحد من أصحاب الفندق
أمسكها من كتفيها بقوة و أقترب منها قائلا:
- ما انتي لو مفهمتيش انك غير أي حد تبقي عبيطة يا جنات يا إما بتستعبطي.

شعرت بالخوف من أقترابه منها الي هذا الحد و أمساكه إياها بهذه الطريقة، فتحدثت بتلعثم:
- أنا مش فاهمه حاجة
صرخ بها من جديد و صرح عن مشاعره للمرة الأولي قائلا:
- أنا بحبك يا جنات، فهمتي في ايه، بحبك، الدبلة دي ترجع لصاحبها و الخطوبة تتفسخ، انا مستحيل أوافق انك تبقي لحد غيري.

أحتلت الصدمة جسدها و عقلها، فتسمرت في مكانها و أرتفع صوت أنفاسها من قربهم بهذا الشكل و من حديثه، و لكن ثواني و كانت تدفعه بقوة بعيداً عنها قائله:
- مفيش حب، حب ايه؟ انت مش شايف انت فين و انا فين؟ مستحيل حد هيوافق علي العلاقة دي؟ و انا مش هقدر أطلع لمستواك ولا أنت ينفع تنزل ليا
نظر لها بدهشة و عدم تصديق قائلا:
- انتي أزاي بتفكري بالطريقة دي يا جنات؟ مستوي ايه! أنا بقولك بحبك، فكري بقلبك مش بعقلك.

- مفيش قلب بيفكر لأنه مفيهوش مخ علشان أفكر، مش هينفع أخد قرارات بقلبي لأنه هيلبسني في حيطة بس و هيخسرني شغلي اللي انا و امي عايشين عليه و هيخسرني عريسي، و انت كمان هتخسر مكانتك ما بين الناس يا كامل بيه
صمتت قليلاً و هي تنظر الي ملامحه المصدومة ثم أكملت:.

- لو سمحت أنا محتاجة الشغل ده، و مش عايزة أسيبه ولا أخسره بسببك أو بسبب اي حد تاني، لو سمحت سيبني في حالي، و زي ما وصيتهم أنا أجي كل يوم انضف الأوضة خليهم يبعدوني عنك خالص، مش عاوزة أشوفك تاني ده الأحسن.

نظرت الي الأرض و هي تفرك يديها بتوتر، و كامل ينظر إليها بصمت تام، إلي أن تحرك نحو باب الغرفة و خرج منها صافعاً الباب خلفه بقوة فزعت جنات التي ما أن خرج حتي جلست علي الفراش و سمحت لدموعها بالهبوط أخيراً علي حبها الأول الذي أبعدته عنها و هي تتذكر كلمات والدتها جيداً التي حذرتها كثيراً و كثيراً من الحب و أفعاله الحمقاء، ثم نظرت الي الخاتم في يدها و مسحت دموعها، فهي الآن ستكون ملك لشخص أخر، يجب أن تكون مخلصة له تماماً و أن تنسي كامل و تبتعد عنه بقدر الإمكان.

.تااااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية عاشقي المخاطر
  12-12-2021 07:35 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثاني

هبط كريم من منزله سريعاً و هو يرتب ملابسه فهو علي وشك التأخر و هذا ثاني أيامه في العمل يجب أن يثبت إستحقاقه للعمل، أرتفع رنين هاتفه، فأخرجه من حقيبته و أجاب و هو يهبط عن الدرج قائلا:
-ألوو يا ماما
نظر الي ساعته في إستعجال ثم ركض علي الدرج و هو يستمع الي داليدا التي تحدثت:
-عملت ايه في الشغل؟
تحدث بصوت مرتفع نسبياً ناتج عن ركضه:
-لسه فاكرة، ده أنا مستني المكالمة دي من الصـ.

قاطعه أصطدامه بزينة التي كانت تصعد الدرج مسرعة هي الأخري، فنظرت له بغضب و تحدثت:
-مش تفتح يا جدع أنت؟
سمع كلاً من زينة و كريم صوت داليدا علي الهاتف التي سألت بقلق:
-في ايه يا كريم؟
تحدث كريم الي داليدا في هدوء:
-مفيش حاجة يا ماما خبطت في واحدة بس
ثم نظر الي زينة و أعتذر بلباقة مردفاً:
-انا اسف جدا يا أنسه مكنتش شايف قدامي لأني مستعجل.

نظرت له بتعجب من رأسه الي قدميه، فمن الواضح أن حالته المادية جيدة هذا ما أنعكس علي ملابسه، كم أن طريقته لبقة و جيدة عكس جميع من في هذه المنطقة، سألته بتعجب:
-أنت مين و بتعمل ايه هنا؟
أجابها سريعاً و هو يهبط الدرج و ما زالت والدته تستمع عبر الهاتف:
-لو انتي ساكنة هنا يبقي أكيد هنتقابل تاني و وقتها هتعرفي أنا مين بس دلوقتي مستعجل معلش.

تركها و هبط مسرعاً و هو يتحدث مع والدته عن عمله، في حين رفعت هي كتفيها بتعجب، ثم أكملت صعودها الي منزلها و دقت الباب بعنف، ففتحت حسناء الباب بخوف و قلق قائله:
-في ايه يا بت؟ بتهبدي الباب بإيدك كده ليه وقعتي قلبي
تركتها زينة و دلفت الي غرفتها سريعاً و هي تجيبها بصوت مرتفع:
-نسيت الكارنيه و الكاميرا يا ماما
ثواني و خرجت زينة من غرفتها متجهة نحو باب المنزل لتتحدث حسناء بحدة:.

-الزفت المفتاح معاكي لو فضلتي تخبطي بعد كده من هنا للصبح و الله ما انا فتحالك
-طب سلام يا ماما و لما أرجع نبقي نرغي.

في التجمع الخامس تحديداً في منزل خالد الدهشوري
أٌقتربت دليدا من خالد الذي يجلس علي حاسوبه في غرفة المعيشة بعد أن أغلقت المكالمة مع كريم، و تحدثت بقسوة:
-شغال في مستشفي المقطم التخصصي، خليهم يطردوه حالاً
نظر لها خالد بدهشة و هو يغلق حاسوبه ويضعه جانبه قائلا:
-انا أفتكرتك رضيتي عنه و هتسيبيه براحته
ثم أكمل بسخرية و أستهزاء:
-أتاريكي بتعرفي أخباره علشان تدمري أحلامه.

صرخت به دليدا بقوة و هي ترفع سبابتها في وجهه قائله:
-ده أبني و انا عايزاه جنبي و معتمد عليا انا، نفذ اللي بقولك عليه يا إما هقول لمعتز أبنك علي كل شغلك القذر اللي زيك، و انت عارف أبنك اه في ضلك بس لما يلاقيك فاسد هيكون أول واحد يبلغ عنك
أمسكها خالد من ذراعها بقوة و قربها إليه قائلا:
-لا أتعدلي كده ده أنا خالد يا دليدا هانم، مش أنا اللي تهدديني خلينا قافلين بالمفتاح أحسن علي أسرارنا سوا.

-أنا معنديش أسرار أخاف منها و أنت هتنفذ كل اللي انا هقولك عليه يا إما
قاطعها خالد و هو يجذبها من خصلاتها بقوة قائلا:
-لا بقولك ايه، الشويتين دول مش عليا، ده أحنا دفنينه سوا يا دليدا ولا ايه؟
صمتت دليدا و هي تحاول تخليص نفسها من بين يديه ليدفعها هو بقوة قائلا:.

-أبنك يعمل اللي هو عايزه اياكي تتدخلي في حياته تاني، و متفتحيش في دفاترنا سوا علشان انتي اللي هتروحي في 60 داهيه لو ناسية اللي عملتيه زمان فأنا مش ناسي و معايا الدليل اللي يدينك، و لسه فاضلك كام شهر علي إن حكم الإعدام يسقط عنك فاهمه.

نظرت له بإضطراب و صمتت و أتجهت الي غرفتها، غلطة صغيرة قد تكلفها ما تبقي من حياتها كلها، يجب أن تهدأ حتي تفكر في حل مناسب مع خالد لينفذ كل ما تريد بدون تهديدات، ربما سيكون إحياء حبهم القديم عامل جيد في التأثير عليه.

كلٌ منَّا يفكر فيما يحب، بعضنا يجد أن خلاصه من متاعب الحياة في الحب، و الآخر في الإستقرار أو المال، و آخرين في العمل، ربما إن كان العمل شخصاً لكنت قد تزوجت منه، أنا فتاة طموحة لا أريد سوي أن أصبح ناجحة في مجالي، أعشق المخاطر و التحديات، أعشق الألم حتي إن لم أتعرف عليه لفترة طويلة، أعشق الحياة العلمية، و لكنني أكره الحب، رغم كلام والديَّ الشيق عنه إلا أني اكرهه.

فأنا لا أري الحب الا مجرد مرض خبيث يسيطر علي الجسم فيقضي عليه تماماً، أو ربما هو يشبه الخريف، يتعلق في الشجرة المثمرة حتي يفسد كل ثمارها و كل أوراقها لا يتبقي منها شئ سوي جذورها و أغصانها و شكلها الخلاب لا يعود مرة أخري في نفس الفصل، كذلك هو الحب يأتي ليأخذ كل ما أحبه الإنسان و كل ما أراده و حلم بتحقيقه، يأخذ كل الأمل و السعادة، يأخذ أروحنا لنصبح مجرد جثث علي قيد الحياة، ما زلنا نعيش و لكن ليس كما في السابق، و لن نعود الي سابق عهدنا، فما أنكسر لا يعود الي طبيعته مرة أخري. .

ضغطت زينة علي زر النشر علي الفيس بوك بعد أن أنهت هذا المقال علي صفحتها المزيفة متمردة ، أغلقت حاسوبها و جلست تتنهد علي مقعد مكتبها بملل، فلا يوجد لديها عمل الآن، أبتسمت بعد أن خطرت برأسها فكرة، ثم سحبت أغراضها متجهه الي مكتب رئيس التحرير عادل فهو الوحيد القادر علي إخراجها من هذا الملل ببحث جديد وراء المخاطر.

في مستشفي التخصصي العام
أقترب أحد الشباب من الأستقبال و هو في حالة يثري لها، قميصه مملوء بالدماء و خصلاته مبعثرة و تحدث بنبرة قلقة و متعبة:
-لو سمحتي، معايا صاحبي بره في العربية مضروب في كل مكان في جسمه و بينزف، ساعديني ارجوكي
تحدثت موظفة الاستقبال في محاولة لتهدئته و هي تشير الي أحد الممرضين:
-اهدي يا فندم ان شاء الله خير، روحوا مع الأستاذ حالاً يلا.

ركض الشاب بصحبة الممرضين و الفراش المتنقل الي الخارج لإحضار صديقه، بينما نظرت موظفة الأستقبال الي قائمة أطباء الطوارئ في جهازها، ثم أمسكت بهاتف المستشفي و ضغطت علي عدة أرقام و تحدثت عندما آتاها الرد قائله:
-دكتور كريم، فيه حالاً طوارئ عند الباب الرئيسي للمستشفي في أوضة العمليات اللي جنب السلم بسرعة من فضلك.

في جريدة منارة الحقيقة في المعادي
جلست زينة أمام رئيس التحرير في صمت في أنتظاره ليقرر ماذا سيفعل معها، طال الصمت لدقائق، فأخذت تتأمل بعينيها في المكتب حتي وقعت عينيها علي شهادات كثيرة معلقة علي الحائط، وقفت عن مقعدها و أقتربت منهم و هي تتمعن النظر بهم، فلاحظ عادل شرودها بهم، فأقترب منها و وقف الي جوارها قائلا:
-أكيد نفسك يبقي عندك منهم في مكتبك الخاص مش اللي مشتركة فيه مع 2 زملاء.

نظرت له بإبتسامة و أومأت برأسها، ثم سألته:
-حضرتك أخدت كل الشهادات دي أمتي، و عملت ماجستير و دكتوراه، و شهادات تقدير كتير جدا من نقابة الصحافيين و غيره و غيره، كل ده لحق حصل أمتي؟
أجابها عادل و هو يتأمل شهاداته و هو يتذكر كل مشهد أخذ به أحدي تلك الشهادات قائلا:.

-أنا بقالي في المجال ده يا زينة 30 سنة، و كلها كام سنة و هطلع علي المعاش، بدأتها بصحفي صغير لحد ما وصلت لرئيس تحرير جريدة، أخدت كل الشهادات دي و عملت كل ده لأني بحب الشغل ده جداً، كان لازم أبدع في حاجة بحبها
نظر لها بإبتسامة و أكمل:
-شغلنا علي قد ما هو صعب و ممكن تقعي في مصيبة بس حدوتة حلوه
نظرت له بتعجب و سألته بتأكيد:
-حدوتة حلوه؟ أزاي يعني؟!

أقترب من مقعده و جلس عليه و هو يستند بيديه علي المكتب ناظراً إليها ثم أجابها:
-الصحفي ده تقريباً أكتر حد حياته ممتعة، كل تحقيق بقصة جديدة و كل قصة بمغامرة جديدة و كل مغامرة بدرس جديد و هكذا لحد ما توصلي للمكانة اللي انتي عايزاها
أقتربت هي الأخري و جلست في المقعد مقابله و تحدثت:.

-بس ده مش معناه أن الصحفي ده حياته مش في خطر و خصوصاً لو زيي مثلا، بطلع من قضية قتل لمخدرات لآثار و أحياناً أعضاء، و أنا وسط كل ده ممكن في لحظة أموت، معقولة الحدوتة و الصحفي عايش حلوه بس نهايتها تكون وحشة لو مات؟
خلع عادل نظارته الطبية و تحدث:.

-الحدوتة الحلوه مش لازم نهايتها تكون سعيدة، الحدوتة اللي بيكون نهايتها سعيدة بتكون لسه مخلصتش و لسه فيها كلام كتير بس أحنا بنخلصها بنهاية سعيدة علشان ندي لنفسنا طاقة إيجابية
صمت لثواني و هو يلاحظ أثر كلماته عليها، ثم أكمل:.

-أنا حبيت و كنت سعيد جدا، اتجوزت اللي بحبها كنت في قمة سعادتي، بس ماتت و هي لسه في عز شبابها، كنت في سابع سما و بقيت تحت سابع أرض، دخلت الكلية اللي بحبها اتخرجت منها و لقيت شغل بسرعة، فرحان جدا بس مع أول تحقيق أخدت رصاصة في صدري كنت هموت، في كل مرحلة هتلاقي نفسك فرحانة أوي و بعدين هتزعلي، لا الفرحة بتكمل ولا الحزن بيدوم، ده ميزان الحياة اللي لازم يتوزن كويس الدنيا مش كلها أبيض و مش كلها أسود كمان، هي شوية كده و شوية كده، بس الدنيا نهايتها أسود لأنها بتنتهي بالنسبة للشخص لما يموت، فعلشان كده عمر الحدوتة اللي بنهاية سعيدة كانت كاملة يا زينة فهماني.

هزت رأسها بالإيجاب قائله:
-فهماك أكيد
-حطي هدفك و حلمك قدامك يا زينة و أسعي وراه زي ما انا سعيت علشان توصلي للمكتب ده، و ييجي اليوم اللي تنصحي فيه صحفي صغير شغوف زيك نفسه يبقي حاجة في يوم
أومأت برأسها موافقة، فأبتسم هو قائلا:.

-أحنا سيبنا موضوع التحقيق بتاعك و دخلنا في منطقة تانية خالص، بصي مش هينفع أديلك تحقيق تاني قبل ما تكملي اللي معاكي حتي لو قاعدة فاضية، انت بعد بكره الصبح هتكوني خلصتي التحقيق و أديتهولي و أنا هسلمك واحد غيره، و لحد الوقت ده أنا هديلك كتاب تقرأيه و كمان روحي شوفي منير علشان هو في المستشفي من أمبارح مضروب علقة سخنة بس بقي كويس
تعالت ضحكاتها و هي تقول:
-بدأنها بالضرب، ربنا يسترها عليَّا.

-أنتي أد الشغل و ان شاء الله مش هيحصل ليكي أي حاجة.

قبل تسعة و عشرين عاماً
كان كامل يجلس علي إحدي الطاولات في حديقة واسعة يقام بها إحتفالية رأس السنة الميلادية، و كان بجواره شريكه محمود سويلم و زوجته سعاد، و شريكه الآخر أحمد السلاموني و زوجته عفاف، بالإضافة الي والد كامل الأستاذ مراد السعيد و والدته رقية شاكر.

كان الحفل في غاية الروعة العديد من الطاولات منتشرة في كل مكان في الحديقة، الأنوار الملونة من جوارهم في كل مكان و فرق موسيقية تعزف ألحاناً رائعة مناسبة لعيد رأس السنة، بالإضافة الي بوابة جميلة يدخل منها المدعوين للحفل في أزياء خلابة، و الخادمات يقدمن الطعام و الشراب، و الجميع في حالة سعادة و أندماج مع أجواء الحفل.
تحدث مراد السعيد والد كامل بسخرية قائلا:
-عقبالك يا كامل
نظر له كامل بتعجب مردفاً:.

-عقبالي في ايه؟
تحدثت رقية هي الأخري و هي تنظر الي أصدقاء كامل مع زوجاتهم قائله:
-لما الحفلة الجاية أن شاء الله تكون قاعد جنب مراتك زي محمود و أحمد
تحدثت سعاد زوجة محمود بلباقة شديدة:
-و الله يا رقية هانم أنا حاولت كتير أوي معاه أنا و عفاف و عرفناه علي بنات زي القمر من كل مكان و أصحاب بابا و ماما، بس هو عنيد و مش موافق علي فكرة الجواز أصلا
ضحك كامل بسخرية و خفوت ثم نظر إليهم قائلا:.

-أنا لسه صغير علي الجواز و قدامي حياة طويلة أعيشها مش لازم أربط نفسي بالجواز دلوقتي
لف أحمد ذراعه حول كتف عفاف حبيبته و زوجته و قربها منها مقبلاً كتفها بحب قائلا:
-مش هتلاقي أحسن من الجواز في الدنيا، حد يهتم بيك و يدلعك و تعيش علشانه و يعيش ليك و تكونوا متفاهمين، دي من أعظم حاجة في الكون.

-عارف كل ده يا أحمد، بس علشان أعيش قمة السعادة اللي انت عايشها مع عفاف لازم أختار واحدة بحبها و بتحبني علشان نقدر نعيش سوا و نفهم بعض و نسعد بعض، أنت و محمود لقيتوا حب حياتكم و أتجوزتم، سيبوني أنا بقي ألاقي حب حياتي براحتي
نظرت عفاف لرقية و تحدثت و هي تلوح بيدها قائله:
-مفيش فايدة يا رقية هانم، هيغلبنا بالكلام و مش هناخد منه اللي أحنا عايزينه
تحدث محمود بإبتسامة و هو ينظر الي كامل قائلا:.

-سيبوه، بكره يقع علي وشه و يجيلكم و يقولكم، أنا حبيت ملاك وقعلي من السما، أنا واقع في عرضكم جوزوهالي أرجوكم
تعالت ضحكات الجميع علي طريقة محمود في الحديث، ثم نظر حوله قائلا:
-صحيح أمال فين مصطفي و مراته؟ مظهروش لحد دلوقتي ليه؟
رد عليه كامل بإيجاز:
-زمانهم علي وصول
أقتربت جنات من مراد بإبتسامتها و هي تقدم لهم المشروب، ثم تحدثت قائله:
-أقدم لحضراتكم حاجة تانية؟
أجابتها رقية بإبتسامة جميلة:.

-لا تقدري تتفضلي
ألتفت جنات و كانت علي وشك الذهاب و لكن أوقفها صوت كامل القوي الهادئ قائلا:
-أستني
أغمض عينيها و أخذت نفس عميق ثم ألتفت له بإبتسامة قائله:
-أتفضل
-هاتيلي ويسكي و تلج
أومأت برأسها فتركتهم و ذهبت و نظر له محمود قائلا:
-من أمتي بتشرب ويسكي قدام الكل كده
-كلكم بتشربوا، هشرب أنا كمان بدل ما أرجع البيت و أشرب لوحدي خلينا نستمتع كلنا سوا.

مرت دقائق و أقتربت جنات من كامل بزجاجة الويسكي و الكأس و الثلج و بدأت في وضع الثلج ثم سكبت الويسكي بداخله و قربت منه الكأس فتحدث كامل:
-شكراً
أومأت برأسها ثم أنصرفت، فنظر كامل الي مكانها و لكن وجد مصطفي و زوجته يقتربان فأبتسم و رحب الجميع بهما و جلسا معهما، و بدأ الجميع في تبادل أطراف الحديث.

بعد ما يقارب ساعة، وقف كامل و هو يشعر أن رأسه ثقيل للغاية فلقد ثمل بشدة، فلقد طلب زجاجتين أخريتان من الويسكي في هذه الساعة و أنتهي منهم، كاد أن يقع و لكن أمسكه مصطفي الذي يجلس جواره بسرعة قائلا:
-حد يشرب بالكمية دي كده؟
أبتعد كامل عنه و أبتسم بثمالة قائلا:
-أنا كويس كويس، هروح أغسل وشي و هخليهم يعملولي قهوة في المطبخ علشان أفوق و جاي
تحدث أحمد بقلق:
-طب أجي معاك؟ أنت مش قادر تقف.

-لالا أنا تمام خليكم أنتوا 10 دقايق مش هتأخر
أبتعد كامل عن الجميع و هو يسير بصعوبة فرأسه ثقيل للغاية و عينيه رؤيتهما مشوشة يشعر أن العالم يدور به، و لكن أستطاع أن يصل الي المطبخ الموجود في هذا الحفل، و كانت جنات أول من تراه فأقتربت منه بسرعة و قلق قائله:
-حضرتك كويس؟
أومأ برأسه بالإيجاب ثم نظر لها برجاء:
-أعمليلي قهوة و هاتيهالي علي الأستراحة بره الحفلة
-حاضر.

بدأت في تحضير القهوة له و هي شاردة في حالته تلك حتي فاقت علي يد سارة زميلتها تضربها في كتفها بخفة قائله:
-فوقي يا جنات مالك؟ القهوة كانت هتفور يا اختي
نظرت جنات الي القهوة و بدأت في سكبها في الفنجان مجيبة:
-تعبانة و عايزة أنام فمش مركزة بس مش أكتر، أنا هروح أودي القهوة.

غادرت المطبخ بين حيرة سارة من حالتها، و خرجت من الحفل و الحديقة، نظرت حولها تبحث عن كامل، حتي وجدته يجلس علي أحدي الأستراحات في الشارع، أقتربت منه و قدمت له القهوة قائله:
-حضرتك كويس؟
أمسك بفنجان القهوة و قربه من شفتيه قائلا:
-أه كويس
ثم نظر لها بتردد و لكن تحدث:
-ممكن تقعدي معايا شوية
ألتفتت بنصف جسدها تنظر الي الحفل بتردد، فأمسك كامل يدها قائلا:
-متخافيش أنا صاحب الحفلة و مش هطردك.

أبتسمت بخفة ثم جلست بجانبه و يدها ما زالت في يده، فنظرت علي أيديهم بحرج، فنظر هو الي الخاتم في يدها و مرر أبهامه عليه و سألها:
-ليه؟
-نصيب
هز رأسه بالإيجاب ثم ترك يدها و نظر لها من جديد قائلا:
-كلميني عن نفسك يا جنات، عايز أعرف عنك كل حاجة.

أبتسمت و بدأت في سرد الكثير عن حياتها و عن وفاة والدها و انها تعتني بوالدتها و تحدثت كثيراً عن شقيقتيها اللتان تزوجتا منذ فترة طويلة و أخيراُ عن خطبتها لهذا الرجل زيدان الذي لا تحبه و لكن في النهاية هذا هو قدرها، مرت ساعة أخري، فوقفت جنات قائله:
-أنا لازم أروح الحفلة، أكيد عايزني و بيدورا عليا
أومأ برأسه موافقاً بإبتسامة:
-فعلا أتأخرنا أوي، أنا مبسوط أوي يا جنات أني أتكلمت معاكي.

ألتقطت فنجان القهوة من جانبه قائله بصدق:
-و انا كمان أوي، عن أذنك
ألتفتت و سارت عدة خطوات و لكن توقفت علي صوته قائلا:
-أه نسيت أقولك، ده أحسن فنجان قهوة أنا شربته في حياتي
أبتسمت بخجل و ألتفتت له قائله:
-شكراً
تركته و أنصرفت الي داخل الحفل في حين تنهد هو بتعب، فلقد شعر أنه أحبها أكثر من حبه لها ألف مرة بعد تلك الساعة التي جلسا بها سوياً.

في مستشفي المقطم التخصصي
خرج كريم من غرفة العمليات و هو يخلع القفازات الطبية الخاصة به ثم أزال الكمامة من علي وجهه، فوجد شاب يقترب منه في قلق و سأله:
-طمني يا دكتور علي عمر؟ هو كويس؟
أبتسم كريم ليبث الطمأنينة بداخل نفس الشاب و أجابه:
-الحمدلله هو بخير، كان فيه ضلعين عنده مكسورين
تحدث الشاب بصدمة:
-أيه؟ ضلعين
ربت كريم بهدوء علي كتفيه قائلا:.

-أهدي مفيش حاجة قولتلك هو كويس، هو هيفضل في العناية المركزة 24 ساعة بس نتطمن عليه و بعدين هيتنقل علي أوضة عادية و هتقدر تشوفه و كام يوم و يقدر يخرج، بس أنا لازم أبلغ البوليس لأن ده أعتداء بالضرب
أومأ الشاب برأسه قائلا:
-تمام يا دكتور بلغ البوليس
-عن أذنك
أبتعد كريم عن الشاب و غادر متجهاً نحو مكتب الأستقبال قائلا للموظفة:
-أطلبي البوليس للحالة اللي جت في الطوارئ، و لو فيه أي حاجة بلغيني علطول.

-تمام يا دكتور
تركها كريم و أتجه نحو مكتبه بتعب، دلف الي الحمام و بدأ في تعقيم يديه و خلع زي العمليات و ألقاه في القمامة و عاد ليرتدي البالطو الأبيض جالساً علي مقعده قائلا بصوت مسموع:
-ما شاء الله من أول يوم عمليات، ده ايه الحظ ده؟
أمسك بملف باللون الأخضر يعتلي طاولة مكتبه و بدأ في التجول بين صفحاته فهذا الملف خاص بالمرضي المسئول هو عنهم، بدأ ينظر في حالة كل مريض منهم.

في أستوديو تصوير برنامج دقائق من الحقيقة
كان عزيز يجلس علي مقعد في منتصف الأستوديو يرتدي بدلة أنيقة باللون الأزرق الغامق و خصلاته البيضاء أعطته منظراً مثيراُ، تحدث و هو ينظر الي الكاميرا التي يجلس خلفها عدد كبير من الأشخاص قائلا بإبتسامة ودودة:
-و بكده تكون كل أخبار النهاردة خلصت و أشوفكم بكره في يوم جديد مع برنامج دقائق من الحياة، تصبحوا علي خير
تحدث المخرج محمود الذي يجلس خلف شاشته قائلا:.

-كاات
ألقي عزيز بالأوراق التي بيده علي الطاولة ثم وقف، ليقترب منه محمود و معه شاب بدأ في أزالة الميكرفون من ملابسه، بينما أبتسم محمود قائلا:
-هايل جدا، مش هتكلم عن تأخير النهاردة بس أرجوك يا عزيز بلاش تأخير تاني، أنت طالع النهاردة علي الهوا من غير ما تقرأ غير كام حاجة بسيطة و مع أول فاصل بدل ما ترتاح و تراجع انت كنت لسه بتعرف انت هتقول ايه بعد الفاصل.

تعالت ضحكات عزيز الذي قام بإغلاق زر جاكيت بدلته قائلا:
-و الله غصب عني، انت عارف انا ساكن بعيد عن هنا، و بنتي مطلعة عيني
-ربنا يخليهالك يا رب، انا فاكر أنك قولتلي انها صحفية، يعني المفروض من النجمة تكون في الجريدة أو بتدور ورا تحقيق مهم
أبتسم عزيز مردفاً:
-بتعمل كده بس ده ميمنعش شوية شقاوة قبل ما تمشي
أبتسم محمود هو الآخر و ظل ينظر في وجه عزيز بصمت تام، فتحدث عزيز بحدة:.

-محمود، يا ريت نقفل الموضوع القديم ده لأنه طول جدا، و سبق و قولت لحضرتك أنا مش نفس الشخص، أنا عزيز و نظراتك ليا و انك شايف فيا أخوك أو صاحبك أو أياً كان مين الشخص ده بتضايقني جدا
فرك محمود خصلاته بيده في إحراج قائلا:
-أسف مكنش قصدي
-و انا مش قصدي أسببلك أي احراج، بس
قاطعه محمود سريعاً قائلا:.

-لالا أنت معاك حق، المهم قبل ما أنسي، فيه النهاردة عشا مهم علي الساعة 11 تقريباً مع صاحب القناة هبعتلك اللوكيشن و لازم تيجي هو قال أنه عاوز يشوفك و فيه أخبار مهمة معاه
-خلاص تمام، عن أذنك بقي أغير هدومي.

في مستشفي المقطم التخصصي بداخل غرفة رقم 7.

جلست زينة أمام فراش زميلها في العمل و المكتب منير و الذي قد جبرت يديه اليمني و قد ظهرت الألوان علي وجهه في تناسق رائع فكانت الكدمات، بالإضافة الي هذا الشاش الذي يلتف حول رأسه و يزينه مثل التاج، ظلت تحدق به من رأسه الي قدميه، هل سيأتي اليوم الذي تصبح به في مكانه أثر إحدي تحقيقاتها أو يمكننا القول أحدي مغامراتها، و لكن سرعان ما أبعدت هذا عن تفكيرها و ربتت علي قدمه بقوة قائله بنبرة مرحة:.

-قال و انا كنت فكراك مندمج في التحقيق بتاعك فمجتش المكتب أتاريك يا عيني راقد في المستشفي بعد ما أكلت علقة هتندمك علي الشغلانة دي كلها
تحدث منير بإنفعال و هو ينتفض من مكانه:
-مش هيحصل يا زينة
صرخ بوجع فوقفت هي سريعاً و تعالت ضحكاتها و هي تعيده الي الفراش ليرتاح قائله:
-طب ريح بس انت
-و الله ما هسيبهم غير لما أكشفهم و أكشف القرف اللي بيعملوه ده، منهم لله ملوا البلد مبقاش فيه حد سالك خالص.

عادت لتجلس علي مقعدها و أومأت برأسها مردفة:
-اخرج بس من هنا و أنا هخلص التحقيق اللي معايا و أقول لأستاذ عادل و هساعدك في التحقيق بتاعك طالما الموضوع كبير
أومأ برأسه بإمتنان مردفاً:
-يا ريت و الله يا زينة علشان مش هعرف أروح و أجي و أنا مكسر كده
صمت للحظات، فنظرت له زينة بشك و أردفت:
-طلع اللي جواك في ايه؟
تحدث بحذر و أبتسامة زينت شفتيه و هو ينظر لها قائلا:.

-متخيلة نفسك مكاني مكسورة كده و مش عارفة تتحركي
تعالت ضحكاتها و هي تبعد خصلاتها التي هبطت علي وجهها مردفة بغرور:
-أنت بتحلم، يا ابني مستحيل ده انا زينة يحصل فيا اللي حصل فيك ده
أومأ منير برأسه مع أبتسامة صفراء مليئة بالسخرية تحتل شفتيه مردفاً:
-طبعا طبعا، بس خدي بالك لمناخيرك تخبط في السما بس
ضربته زينة بقوة علي ذراعه المكسور فصرخ هو بوجع قائلا:
-يا مفترية دراعي.

وقفت زينة مرتدية حقيبتها قائله بغيظ شديد:
-أنا غلطانة اني جيت أعبرك أصلاً، يلاsee you soon هجيلك بكره و تكلمني عن القضية اللي بتجري وراها
-أوكي خدي بالك من نفسك
أرتدت نظارتها الشمسية ثم أنزلتها قليلاً عن عينيها و هي تنظر له علي حالته و هي تقول:
-طب قول لنفسك بدل ما تنصحني
أقتربت من الباب لتغادر الغرفة، و لكنها أصطدمت برأس ذلك الذي كان يدخل الغرفة ليطمئن علي مريضه، فتعالت ضحكات منير مردفاً:.

-ربنا خدلي حقي منك في نفس الثانية
رفعت زينة عينيها و هي تضع يدها علي رأسها بألم و تحدثت للطبيب أمامها:
-حضرتك داخل الأوضة و واخد في وشك كده ليه أنا جالي صداع من الخبطة
رفع كريم أنظاره ليرد عليها و لكن قابل نفس العيون التي أصطدم بها هذا الصباح، أنتظر كلاهما لحظات يحاولان بها أستيعاب معرفتهما ببعض، فتحدث الأثنان في صوت واحد كان يحتله الدهشة و التعجب:
-أنت!
-أنتي؟!

نظر لهما منير بعدم فهم، ثم أردف بعد مدة من صمتهما و سألهما:
-انتو تعرفوا بعض؟
-أه / لا
نطق كلاهما بإجابات مختلفة عن الأخر ثم نظرا الي بعضهما من جديد فتحدثت زينة:
-معرفوش بس شوفته الصبح
ثم وجهت حديثه الي كريم قائله:
-و انت تخصص حوادث ولا ايه؟
-و الله انتي اللي خارجة بسرعة، في التأني السلامة يا أنسه
تجاهلت حديثه و نظرت له بعينان تملأهما الشك مردفة:
-أنت بتجري ورايا ولا ايه؟ بتعمل ايه هنا؟

أتسعت عينيه بصدمة من سؤالها فأردف هو:
-أفندم! أنتي مش شايفة البالطو الأبيض ولا أنا مش باين أني دكتور! هجري وراكي ليه هو أنا اعرفك أصلاً
رفعت سبابتها أمام وجهه و أردفت بعنف و غيظ شديدين:
-أمال أني أشوفك و أخبط فيك مرتين في نفس اليوم ده أسمه أيه؟
-حظ مهبب وقعني في واحدة هبلة، بعد أذنك يا أنسه ورايا شغل.

تركها تقف علي الباب مصدومة من وقاحته معها في الحديث، حسناً ربما هي من بدأت و لكن لا يحق له أن يسبها أياً كان السبب، ألتفت لتجده يقف أمام فراش منير بإبتسامة واسعة و في يده ورقة مثبتة علي دفتر و يقرأ ما بها ثم تحدث:.

-كل التحاليل تمام الحمدلله و النزيف الداخلي الدكاترة سيطروا عليه أما بالنسبة للكسر فدكتور سيد هيجي لحضرتك كمان شوية يتطمن و معاه الأشعة التانية علشان يتطمن علي إيدك، و الكدمات كام يوم و هتروح أن شاء الله أنا كتبت ليك علي مرهم هتحط منه عليها كل يوم مرة و هتروح بسرعة أن شاء الله
وضع الورقة و الدفتر علي مؤخرة السرير و أكمل:
-حمدلله علي سلامتك
-الله يسلمك يا دكتور، طب هقدر أخرج أمتي؟

-بكره الصبح أن شاء الله بعد ما نتطمن عليك بشكل كامل و مؤكد هكتبلك تصريح الخروج، عن أذنك
نظر نحو الباب ليجد تلك الجميلة ذات الشعر البرتقالي قد ذهبت، فغادر الغرفة متوجهاً الي غرفة مريض أخر ليطمئن عليه و يكمل عمله.

في التجمع الخامس في منزل خالد الدهشوري و زوجته داليدا
كان خالد يجلس علي مقعد مكتبه ينظر في الأوراق أمامه بتركيز إلي أن أرتفع صوت الدق علي باب مكتبه ليردف بصوت قوي:
-أدخل
فُتح الباب لتدخل منه الخادمة ميار و هي تحمل له القهوة، أقتربت من مكتبه لتضعها أمامه ثم أردفت:
-تؤمر بحاجة تانية يا بيه!
أرتفع خالد بعينيه ليتفحص ميار التي وترتها نظراته لها، فتحدث بلهجة آمرة غير قابله للنقاش:.

-قربي تعالي أقفي هنا جنبي
أشار الي يمينه، فأقتربت هي بخطوات بطيئة و هي تحاول أن تتوقع ما سيحدث معها، هل من الممكن أنه كشف خيانتها له، وقفت بجانبه كمان أمرها، ليضغط علي أحد الأزرار في لوحة مفاتيح حاسوبه المتنقل لتظهر هي علي الشاشة و هي تدخل الي مكتبه و بدأت في التفتيش عن مفاتيح أدراجه حتي وجدته فتركت به أثراً علي صابونة ثم أعادته الي مكانه و خرجت من المكتب.

ظهرت في لقطة أخري تعطي مفتاح الي فتاة في حديقة القصر و تأخذ منها رزمة من المال، و في النهاية ظهرت هذه الفتاح ترتدي قناع علي وجهها فدلفت و فتحت درج مكتبه و أخرجت إحدي ملفاته و بدأت بتصويره ثم خرجت من المكتب.
نظر خالد الي ميار التي نظرت له بخوف شديد فوقف ممسكاً بها من خصلاتها مردفاً بهدوء شديد و نبرة مرعبة:.

-حظك الأسود إن الكاميرات مش جايبة وش البت، هتنطقي و تقولي هي مين و لا تشيلي الليلة كلها لوحدك
أنفجرت ميار في البكاء و هي تحاول تخليص نفسها من بين يديه و تحدثت و هي تومأ برأسها:
-هقول يا بيه و الله هقول، دي واحدة صحفية كانت عايزة نسخة من مفتاح عندك، و قالتلي هتديلي فلوس كتير و ان الموضوع لا هيضرك ولا هيضرني يا بيه و الله يا بيه ما هكررها تاني، أسمها زينة عزيز و رقمها معايا في التليفون.

صمتت و هي تستقبل يد خالد التي هبطت علي وجنتها بقوة صادر منها صوت قوي رج أرجاء الغرفة، ثم تحدث بصوت مرتفع للغاية و نادي علي أحد رجاله و هو ينظر الي عينيها بشر مخيف:
-فوزي
ثواني و دلف فوزي الي الغرفة فألقي بها خالد علي الأرض مردفاً:
-خلصوا عليها و خلي حد يجيبلي تليفونها من أوضتها
أمسكت ميار قدمه بقوة مردفة ببكاء و صراخ:
-و النبي لا يا بيه و النبي، و الله العظيم ما هعمل كده تاني.

أمسكها فوزي بقوة و حملها عن الأرض لتصرخ من جديد:
-و النبي يا بيه أنا بصرف علي أمي و أخويا الصغير معندهمش غيري مش هعمل كده تاني و النبي
أبتسم خالد بقسوة مردفاً:
-متزعليش هخليهم يحصلوكي
ظلت تصرخ بقوة و هي تخرج من المكتب محمولة بين يدي فوزي، فجلس خالد علي المكتب بهدوء و أخرج سيجارة و أشعلها، أخذ نفس عميق منه ثم أخرجه بهدوء من بين شفتيه و خرج معه أسم تلك المسكينة التي تسطر نهايتها بيدها:
-زينة عزيز.

داخل أحد متاجر بيع و شراء الساعات
كان يجلس كريم علي مقعد أمام مكتب مدير المتجر ثم قرب منه علبة سوداء مفتوحة تظهر منها ساعة في غاية الأناقة نوع رولكس ، دقق مدير المتجر بها ثم تحدث:
-دي تمنها 80 ألف جنيه يا أستاذ كريم
هز كريم رأسه بتوتر و هو ينظر الي ساعته التي يعشقها و لكن الظروف لم تكن في صفه فلقد قرر تحمل مسئولية نفسه و يجب عليه تنفيذ قراره، فتحدث بإيجاز:
-المبلغ كويس.

لاحظ المدير نظرات كريم التي لا تبتعد عن الساعة و تردده في البداية أثناء دخوله المتجر فأغلق العلبة مردفاً:
-أستاذ كريم أنا ملاحظ أن حضرتك متوتر، فيه حاجة بخصوص الساعة؟
أومأ كريم برأسه نافياً، ثم أردف:
-لا أبداً بس هي غالية عليا شوية.

هز المدير رأسه بتفهم فوقف و ألتفتت الي خزنته، فتحها و وضع بداخلها الساعة و أخذ مبلغاً من المال ثم أغلقها و عاد ليجلس علي مقعده و هو يتلقط ظرف باللون الأبيض و قد بدأ في وضع المال بداخله مردفاً:
-طيب أنا هسيبها في الخزنة لحد ما حضرتك تقدر تيجي و تاخدها تاني
مد المدير يده بالظرف، ليقف كريم و ألتقطه منه قائلاً بإبتسامة إمتنان:
-متشكر جدا لحضرتك.

-مفيش حاجة، أستاذ خالد و مدام داليدا هما السبب في وجودي هنا قدامك دلوقتي و دي أقل حاجة أقدر أقدمهالك.

في المقطم شارع رقم 9
دلف عزيز الي منزله بتعب شديد، خلع حذاؤه ثم جلس علي أقرب مقعد بعد أن فتح زر البدلة و أزرار قميصه ثم نادي بخفوت علي حسناء عدة مرات، و بعد دقائق خرجت من المطبخ و هي تستمع لصوت همس يناديها و تحمل السكين في يدها و تسير بحذر، و لكن وجدت عزيز يجلس أمامها و قد أصفر وجهه بتعب شديد فألقت بالسكين علي الأرض و ركضت إليه في سرعة مردفة بنبرة تملؤها القلق و الحب:
-مالك يا عزيز أنت كويس.

أمسك عزيز بيدها بسرعة مردفاً بصعوبة:
-أطلبيلي دكتور بسرعة
أمسكت بيده بقوة بين يديها و هي تتحسسها بصدمة قائله:
-أبو زينة أنت متلج كده ليه؟ قوم معايا علي الأوضة يلا قوم
وضعت ذراعه علي كتفها لتسنده ليدلفا الي الغرفة و لكن كان ثقيلاً للغاية و أستنزفت كل طاقته فوقع علي الأرض مغشياً عليه، فأطلقت حسناء صرخة قوية سمعتها العمارة بأكملها ثم جلست علي ركبتيها أمامه و بدأت في تحريكه بسرعة و فزع منادية:.

-أبو زينة، قوم يا عزيز قوم
أنفجرت في البكاء و هي تحركه من صدره بسرعة و تصرخ بقوة فدق أحدهم علي باب المنزل بقوة، فتحركت حسناء بسرعة لعلها زينة قد تركت أحد أغراضها و جاءت لتأخذها، فتحت الباب بسرعة فوجدت أمامها شاب غريب الأطوار تراه للمرة الأولي و لكنها تشعر أنها تعرفه جيداً، فتحدث بإرتباك و قلق في ذات الوقت:
-أنا أسف جدا بس سمعت صوت صريخ، حضرتك كويسة.

هزت رأسها بالنفي و أمسكت بيده و دلفت الي المنزل و هو ورائها فتحدثت:
-أبو زينة وقع في الأرض ساعدني أنقله علي السرير و أطلبله دكتور
أقترب كريم بسرعة من عزيز و حمله علي ظهره بصعوبة فأشارت له حسناء الي الغرفة، توجه لها كريم ثم وضع جسد عزيز علي الفراش فساعدته حسناء علي النوم بإعتدال و تحدث كريم بسرعة:
-أنا دكتور، حصله ايه؟
-معرفش، جه من بره تعبان أوي و متلج و قالي أطلبله دكتور و بعدين وقع كده.

أمسك كريم بيد عزيز و تحسس نبضه و هو ينظر الي ساعته ثم أردف:
-نبضه ضعيف شوية، و جسمه ساقع، ممكن ضغطه واطي، دقيقة هجيب جهاز الضغط من البيت عندي و هاجي أقيسه ليه
تحدثت حسناء بسرعة و هي تتجه نحو خزانة الملابس مردفة:
-فيه واحد هنا أهوه، خد يا ابني
ألتقطه كريم منها و بدأ في قياس الضغط لعزيز، ثم تحدث لحسناء:
-ضغطه فعلا واطي، معلش ممكن كوباية ماية او ازازة برفان.

أتجهت نحو التسريحة لتحضر زجاجة عطر ذات رائحة قوية و أقتربت من كريم الذي وضع العطر علي يده و قربها من عزيز الذي بدأ يستعيد وعيه بعد ثواني، فتح عينيه ليجد كريم أمامه فتحث بتعجب:
-مصطفي!
وضعت حسناء يدها علي فمها بدهشة و صدمة و هي تتذكر أين رأت هذا الشاب، في حين أعتدل عزيز في جلسته و هو ينظر الي كريم محاولاً إخفاء أرتباكه ثم تحدث:
-أنت مين؟!

-أنا كريم جاركم في الشقة اللي جنبك علطول، و سمعت المدام كانت بتصرخ قولت أجي أشوف في ايه؟
تحدثت حسناء بصعوبة في محاولة لإيجاد كلمات و أن تكون طبيعية:
-هو اللي لحقك يا ابو زينة
أومأ عزيز برأسه ثم نظر الي كريم بإمتنان قائلا:
-متشكر يا ابني تعبناك معانا
-لالا مفيش اي حاجة أنا مبسوط أني أتعرفت عليكم
ثم تحدثت بإحراج قليل و هو ينظر الي عزيز مردفاً:.

-بصراحة مكنتش متخيل أني ساكن جنب أستاذ عزيز، أنا بحب حضرتك جدا و متابع البرنامج بتاع حضرتك
هز عزيز رأسه مردفاً بإبتسامة رائعة تزين شفتيه في حين أن قلبه يعزف ألحاناً تثير القلق في أنحائه:
-أنا كمان مبسوط جدا أني أتعرفت عليك يا دكتور
تحدث كريم بسرعة معرفاً عن نفسه:
-كريم أسمي كريم يا أستاذ عزيز
ربت عزيز علي يد كريم قائلا:.

-استاذ عزيز دي في الاستوديو، أنما هنا أنا عمك عزيز أو أبو زينة زي ما كله بيقول
أومأ كريم برأسه ثم وقف ناظراً الي حسناء و أردف:
-حضرتك هتأكليه حوادق شوية و سوائل كتير و لو بيشرب كحول يبعد عنه تماماً و طبعاً يهتم شوية بصحته و الأكل و شوية رياضة الصبح هيفيدوك جدا
أبتسمت حسناء بهدوء مردفة:
-شكرا يا ابني
-مفيش شكر ولا حاجة ده واجبي، ولو فيه أي حاجة أنا موجود عن أذنكم
تحدث عزيز بمجاملة قائلاً:.

-طب أستني حتي أشرب حاجة
-وقت تاني أن شاء الله
أتجه نحو الخارج و حسناء وراءه الي أن خرج من المنزل فأغلقت الباب و أتجهت راكضة نحو غرفة زوجها و هي تتنفس بصعوبة و تنظر له بخوف فتحدث عزيز و هو يمد لها يده:
-أهدي متخافيش، هعرفلك كل حاجة عنه و لو فيه أي خطر هنمشي من هنا، قربي هنا
أقتربت منه و أمسكت بيده و جلست علي الفراش، فضمها عزيز الي صدره بحنان مردفاً:
-مش هتضيعي مني أبداً يا حسناء أوعدك.


look/images/icons/i1.gif رواية عاشقي المخاطر
  12-12-2021 07:35 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثالث

في قسم الشرطة في المقطم
كانت زينة تجلس علي مقعد أمام مكتب معتصم و في يدها عصير البرتقال ترتشف منه بهدوء و هي تتصفح هاتفها، و دقائق و فُتح الباب ليدخل معتصم و يغلق الباب خلفه، أقترب من مكتبه و بدأ في جمع أغراضه مردفاً:
- يلا أنا جبت الأذن
وقفت و وضعت العصير علي المكتب ثم أغلقت هاتفها و وضعته في حقيبتها و أخرجت الكاميرا الخاصة بها و تحدثت:
- تمام يلا بينا.

خرج الأثنان من القسم في سيارة معتصم الي مكان تسليم شحنة المخدرات الخاصة بخالد الدهشوري و خلفهم سيارات الشرطة، فتحدثت زينة:
- أنا سمعت كمان أنه فاتح المستشفي بتاعته اللي في التجمع و بيتاجر فيها في الاعضاء بيسرقهم من الأطفال و أحياناً من الشيوخ
أبتسم معتصم و نظر لها بإعجاب من جديتها في العمل و أردف:
- كده هياخدله كام سنة كمان سجن، يعني إعدام بس بطئ شوية.

تعالت ضحكات زينة في سخرية علي حال خالد الدهشوري في السجن، ثم تحدث و هي تقترب بوجهها من النافذة:.

- أنت مش متخيل أنا بقالي قد ايه نفسي أوقعه بجد، أنا سيبت الجريدة اللي كانت قبل منارة الحقيقة علشان رئيس التحرير يعرفه و رفض تماماً أني أشتغل في أي حاجة تخصه، فسبت الجريدة و جيت منارة الحقيقة و الحمدلله أستاذ عادل مساعدني جدا و موفرلي كل حاجة ممكن أحتاجها و بيشجعني جدا، و بعد سنة أخيراً أهوه هشارك في القبض علي الراجل اللي دمر أجيال بمخدراته و بيضيع تراث و آثار البلد علشان الفلوس، حتي الناس الغلابة مش بيسلموا منه و من أذيته.

تحدث معتصم و هو ينظر في المرآة أمامه يطمئن علي القوة خلفهما:
- للدرجادي مهتمة بالراجل ده و قضيته، خدي بالك الراجل ده مش سهل يعني ممكن يخرج من السجن و يلبسها لأي حد تاني ده عنده محاميين بعدد شعر راسه و يعرف قضاة و مستشارين الراجل ده مصيبة
أنتفضت زينة بفزع و تحدثت:
- مستحيل يخرج من السجن طول ما انا عايشة، مش هسمح أن حد يقدر يساعده و يقدر يخرجه أصلا لا بثغرات القانون و لا بالواسطة و المعرفة.

نظر لها بتعجب من هوسها بخالد الدهشوري و أردف:
- أنتي كويسة؟

أومأت برأسها بهدوء ثم عادت برأسها نحو النافذة لتسمح للهواء البارد بالدخول الي صدرها لعله يهدأ النار بداخله من حقدها و كرهها لهذا الفاسد، ظلت سنوات لا تفكر سوي بالانتقام من خالد الدهشوري حتي أصبح هوس بالنسبة إليها أن تنهي حياته، كيان كامل تعيش بداخله منذ سنوات، كيان فاسد و قذر يحيطها من كل جانب، كيان تكرهه و تكره كونها من الممكن أن تتنفس هواء هو يتنفسه، كيان يسمي خالد الدهشوري .

أرتفع صوت معتصم قائلا:
- هجوم
ليهجم الجميع من كل مكان محيطين بالسيارات و معهم زينة التي تمسك بكاميراتها تصور ما يحدث، أقترب معتصم من مساعد خالد الدهشوري الشخصي عدلي و هو يضع الأصفاد في يده خلف ظهره و سأله:
- الشحنة دي بأسم مين و فين ورقها؟
أجابه عدلي ببرود شديد و هو ينظر الي سيارته قائلا:
- الشحنة بأسم مستشفي الأستاذ خالد الدهشوري و ورقها في عربيتي السودة.

تعجب معتصم من بروده، و لكنه أتجه نحو سيارته و وجد كل الأوراق الرسمية التي تثبت أن هذه الشحنة ملك لخالد الدهشوري، و دقائق و أقترب منه رئيس القوة قائلا برسمية شديدة:
- ملقناش حاجة يا فندم
نظر له معتصم بصدمة و ردد خلفه:
- يعني ايه ملقتوش حاجة؟
- الشحنة دي أدوات طبية و أدوية يا فندم بس مفيش حاجة تانية و الكلاب كمان مش لاقية حاجة
نظر معتصم الي عدلي الذي ينظر له ببرود و قد أرتسمت شفتيه بإبتسامة سخرية.

كانت تمسك بكاميراتها و هي تسير خلف الضباط و اللذين يفتحون كل الكراتين و العلب آملين أن يجدوا ما يريدونه و لكن كانت كلها أدوات طبية و بعض الأدوية، نظرت بعدم تصديق، ثم أتجهت بكاميراتها نحو الكلاب التي تسير في يد بعض الضباط و لا تصدر أي صوت، العربات خالية تماماً من أي مواد مخدرة، و قد أخبروا رئيسهم بما حدث، لتغلق كاميراتها و تجلس بعيداً علي الأرض في يأس و صدمة مما حدث، كانت متأكدة تماماً مما وجدته في أوراقه و من معلوماتها، هذه الشحنة جاءت مع مواد مخدرة، ما الذي يحدث الآن؟!

نظرت أمامها لتجد معتصم يقترب منها و يجلس أمامها علي ركبتيه مردفاً:
- قاعدة كده ليه هدومك أتبهدلت، قومي أقفي؟
نظرت له بعينين يتخللهما الدموع و أردفت:
- ملقوش حاجة في العربيات
مد يده لها و وقف و أردف:
- عرفت، هاتي إيدك
نظرت الي يده ثم نظرت اليه من جديد و سألته و هي تمد يدها لتمسك بيده:
- الورق اللي معانا ميدينوش بأي حاجة
هز رأسه بالنفي و هو يسحبها لتقف و أجابها:
- للأسف لا و الا كنا قبضنا عليه بيه.

أبتعدت عنه و أزالت يدها من يده لتبتعد تماماً عن المكان، فتحدث معتصم الي الجميع:
- يلا بينا نمشي
أقترب أحد الضباط منه فتحدث معتصم بصوت هامس:
- خليك هنا مع 2 كمان لحد ما نشوف هيعملوا ايه
- تمام يا فندم.

مرت ساعتان و هي تسير الشوارع تبكي بحزن علي ما حدث معها، ضاعت كل أحلامها، مازال خالد حر يفسد في الأرض كما يشاء، لا بد أنه قد علم بالأمر، فغير خطته بالكامل، لحظة واحدة، لقد كشف أمرها! لابد أنه علم الآن من هي و سوف يتخلص منها، أخرجت هاتفها في سرعة و أتصلت علي رقم معتصم بسرعة فهو الوحيد القادر علي أن ينقذها في أي وقت، و لكن ما أن ضغطت علي رقمه حتي وجدت من يسحب الهاتف من يدها و يلقيه خلفه ليسقط علي الأرض و تبدلت لون شاشته الي عدة ألوان مشوشة.

نظرت زينة خلفها برعب فوجدت عدة رجال كلاً منهم يحمل عصا خشبية غليظة فتحدثت و القلق ينهش قلبها و هي تتمسك بقوة بحقيبتها:
- عايزين ايه؟!
ليتحدث كبيرهم و هو يضرب بعصاه علي باطن يده و بإبتسامة تشق شفتيه تُظهر نواياه الخبيثة:
- الباشا بيقولك بطلي تلعبي بديلك و تدوري وراه، و دي قرصة ودن.

هبطت عصاه الغليظة علي قدمها لتصرخ و تقع علي الأرض بوجع شديد ليقترب باقي الرجال منها و بدأوا في ضربها بإستخدام عصاياهم تارة و بإستخدام أقدامهم تارة أخري و تتعالي صراختها حتي شعرت بتخدر في جميع أنحاء جسدها و أن روحها تصعد من جسدها و قد بدأت تتقيئ دماء، ثم أشار أحدهم للباقيين فركضوا جميعاً هاربين من المكان تاركين تلك المسكينة في نصف وعيها و قد كُسِّرت عظامها و تكاد تخرج روحها من جسدها، حاولت أن تتحرك لتصل إلي هاتفها و لكن لم تتمكن من ذلك، بكت و هي تتمني أن تموت أو تفقد وعيها حتي تتخلص من هذا الوجع و لكن لم يحدث أياً من الأثنين و كأن قدرها قد كتب لها أن تتعذب نفسياً و جسدياً في هذا اليوم.

في قسم الشرطة
كان معتصم يجلس علي مكتبه فوجد هاتفه يظهر أسم زينة، فأجابها و لكن سمع صرخاتها فأنتفض عن كرسيه مردفاً بقلق:
- زينة، زينة في أيه؟! ألو
و لكن لم يحصل علي إجابة سوي صرخاتها، فأسرع لأحد زملائه و دلف الي مكتبه دون أذن مردفاً:
- سعد، بسرعة شوفلي فين مكان الرقم ده بسرعة
أعطاه الهاتف ليتحدث سعد بقلق:
- في ايه يا ابني قلقتني؟!
- من غير كلام يا سعد يلا.

كتب سعد الرقم علي حاسوبه و خلال دقائق كان قد ظهر العنوان علي شاشة الحاسوب، ليسحب معتصم هاتفه من يد سعد ثم غادر المكتب بسرعة و أنطلق بسيارته نحو العنوان.

اقترب معتصم من زينة الملقية علي الأرض و ما زالت واعية، رفع رأسها عن الأرض و تحدث و القلق ينهشه:
- زينة، زينة في أيه؟!
بكت زينة بين يديه ثم تحدثت بصعوبة بالغة:
- خالد عمل كده
مرر يده علي خصلاته قائلا بهدوء:
- أهدي و متتكلميش انا طلبت الأسعاف و زمانهم علي وصول
- متكلمش بابا ولا ماما
أومأ برأسه موافقاً و هو يضع يده علي خدها مردفاً:
- حاضر هعملك اللي انتي عايزاه بس أهدي.

صمتت زينة، و مرت دقيقة جاءت بها الأسعاف و أسرعوا في نقل زينة الي المستشفي و أنطلق معتصم ورائهم في سيارته.

قبل تسعة و عشرين عاما.

أنتهت جنات من عملها داخل الفندق لتذهب لحمام السيدات و غيرت ملابس عملها و أرتدت فستانها البسيط باللون الأصفر، ثم غادرت الفندق متجهة نحو منزلها و لكن في طريقها وجدت طفلة رضيعة علي قارعة الطريق، ركضت نحوها بسرعة و حملتها بين يديها، ثم خلعت الشال من علي كتفيها لتضعها بداخله و هي تحاول أن تهدأها فلقد كانت الصغيرة تبكي بهستيريا و بدون توقف، ضمتها الي صدرها و قد بدأت تشعر بالبرد ثم تحسست رأس الطفلة فوجدت درجة حرارتها عالية للغاية، شعرت بالقلق الشديد عليها و أتجهت بسرعة الي أقرب مستشفي سيراً علي قدميها، و لكن دقائق و وجدت من يقف بسيارته جوارها نظرت لتجده كامل الذي هبط من سيارته و أتجه إليها قائلا:.

- في ايه يا جنات؟!
نظرت الي الصغيرة بحزن شديد و أردفت:
- لقيتها علي أول الطريق و جالها سخونية رايحة بيها علي المستشفي
مد يده ليحمل الطفلة عنها مردفاً:
- طب هاتيها و أركبي هنروح علي مستشفي والدي أسرع بالعربية
نظرت ليده الممدودة بتردد فأكمل كامل مشجعاً:
- يلا يا جنات الوقت أتأخر مش هنلحقها و الجو برد علي البنت.

وضعت الصغيرة بين يديه ثم صعدت الي سيارته و صعد هو بجوارها و في يده الصغيرة ثم أشار للسائق مردفاً:
- أطلع علي المستشفي
أنطلق السائق بسرعة نحو المستشفي ثم نظر كامل الي معطفه علي الكرسي الأمامي و أردف:
- ألبسي ده يا جنات الجو برد عليكي
سحبت المعطف بتردد و لكن تغلب علي خجلها البرد و أرتدت المعطف و قد شعرت انها بداخل حضنه و أنه يحتويها و ليس معطفه فقط.

و خلال دقائق كانا قد وصلا الي المستشفي ليهبط كامل في البداية و جنات خلفه ثم سلما الطفلة الي الطبيبة و تحدث كامل:
- طمنينا عليها لو سمحتي
- حاضر يا استاذ كامل.

ثم تركتهم الطبيبة لتدخل الي غرفة الكشف برفقة الصغيرة و التي قد هدأت بعد أن حملها كامل، فأبتعدت جنات قليلاً عن كامل و أستندت بجسدها علي الحائط في إنتظار الطبيبة لتخرج و هي تضم ذراعيها الي صدرها، فنظر لها كامل و هو يتعجب فهي ليست علي ما يرام، فلقد مال لون بشرتها الي الأصفر و يشعر بإرتجافها، فأقترب منها و لكنها لم تشعر به فلقد كانت شاردة في عالم آخر، وضع كامل يده علي كتفها لتنتفض فأبتعد هو بسرعة مردفاً:.

- مالك يا جنات؟ أنتي تعبانة؟
حاولت أن تبتسم، فظهرت أبتسامة مزيفة علي شفتيها كان قد كشف بها كامل حقيقتها فأردفت:
- لا أنا كويسة
أقترب كامل منها مرة أخري و أمسك يدها بقوة بين يديه، فنظرت هي بتلقائية الي يديه التي تضم يديها بين يديه، ولكنه لم يأبه لنظراتها و سألها:
- متكدبيش أنتي في حاجة مضايقاكي.

أستسلمت جنات لضعفها بالكامل و شددت علي يديه التي تمسك بيدها مما أثار دهشته و لكن ما زاد دهشته هي دموعها التي هبطت من عنينيها بدون إنذار فأردفت:
- البنت اللي جوه دي صعبانة عليا، أهلها رموها في الشارع كانت بتعيط جامد أوي و كانت بردانة و دلوقتي لما تبقي كويسة لازم تخرج من هنا، و أنا مش هقدر أخدها معايا علشان ماما مش هتوافق و مش هقدر أحطها في دار أيتام و أسيبها هناك معرفش ممكن يحصل فيها ايه.

سحبها من يدها لتقترب أكثر منه ثم مسح دموعها بأنامله ناظراً في عينيها بحنان مردفاً:
- أهدي متعيطيش، أنا هاخدها معايا البيت و هاخد بالي منها و وقت ما تكوني عاوزة تشوفيها و تطمني عليها تعالي أكيد مش همنعك، ممكن تهدي بقا.

هزت رأسها بالموافقة لتحاول أن توقف دموعها و تهدأ من رجفة جسدها و هي تتمسك أكثر بيديه ليضمها الي صدره و يلف أحد ذراعيه حول كتفها و الأخري وضعها علي رأسها التي وصلت الي رأسه، فأمسكت هي الأخري بقميصه بقوة تحاول أن تستمع بدفء صدره حتي سكنت تماماً بين يديه.
و بعد دقائق تذكر كامل أمر خطبتها من رجل أخر فأبعدها عنه بهدوء و أردف:
- أسف نسيت أنك مخطوبة بس كنت عاوز أهديكي
رفعت يدها أمام عينيه و تحدثت:.

- مبقتش مخطوبة
ثم نظرت الي صدره و أكملت:
- ممكن أرجع هنا؟!
أبتسم كامل و قد شعر أن قلبه يكاد أن يقفز من صدره، ثم سحبها بقوة لتصطدم رأسها بصدره و ضمها بقوة من شدة فرحته و كذلك هي ضمته اليها بقوة، و مرت دقيقة فسألها كامل بحنان:
- طب و بعدين؟!
رفعت نظرها لتنظر في عينيه و أجابته:
- خلي بعدين لوقته، خلينا في دلوقتي.

وضع يده بجوار أذنها ليرفع خصلاتها ثم هبط برأسه نحو وجهها فأغمضت عينيها في أنتظار قبلته و لكن خرجت الطبيبة فأبتعد كامل عن جنات بإحراج، ثم حمحم مردفاً:
- خير يا دكتورة طمنيني؟!
- أنا أديت ليها دوا و هتكون كويسة إن شاء الله أتطمنوا، بكره الصبح هنعيد الكشف تاني نتطمن عليها و لو بقت كويسة هتقدروا تاخدوها، بس يا ريت تاخدوا بالكم منها كويس و لازم ترضع علشان تتغذي دي لسه مولودة.

نظرت جنات الي كامل بقلق فكيف سيتعاملا مع هذا الأمر و لكن تحدث كامل بإبتسامة الي الطبيبة:
- تمام، شكرا يا دكتورة
- العفو يا استاذ كامل ده شغلي و مبروك علي البيبي مكنتش أعرف أن مدام حضرتك ولدت
نظرت جنات بإحراج مرة أخري الي كامل الذي أبتسم مردفاً:
- الله يبارك فيكي شكراً
غادرت الطبيبة المكان، فتحدثت جنات:
- هنعمل أيه مع البنت!

- مش لازم تشرب لبن طبيعي يعني، أنا هجيب ليها دادة تراعيها و تاخد بالها منها و تشرب لبن عادي أو صناعي متقلقيش هاخد بالي منها كويس
أومأت برأسها بتفهم، فتحدث كامل:
- يلا ندخل نشوفها
أمسك بيدها و دلف بها الي الغرفة ناظرين الي تلك الجميلة التي تنام في سكينة علي الفراش.

الآن
في المقطم شارع رقم 9.

بداخل العمارة التي يسكن بها عزيز و زوجته حسناء، كانا يجلسان طوال الليل في المنزل ناظرين الي الساعة، لقد تأخرت زينة كثيراً و لا تجيب علي هاتفها، و سأل عنها في الجريدة و لكن أخبره عادل أنها لم تأتي منذ الليلة الفائتة و لكن لا بد أنها تعمل علي التحقيق، بينما في الناحية الأخري، أتصل عادل برئيس معتصم في العمل و أخبره بإختفاء زينة، و الذي بدوره أتصل علي معتصم ليعرف منه مكان زينة خاصةً بعد فشل عملية البارحة، فأجابه معتصم بإيجاز:.

- زينة يا فندم أتعرضت أمبارح لإعتداء بالضرب و جبتها علي مستشفي المقطم التخصصي و رفضت تماماً إني أقول لحد من أهلها، و مستنيها تفوق علشان أقولهم
- تمام يا معتصم
أغلق الرئيس معه الخط ثم أتصل بعادل و أبلغه ما عرفه و الذي بدوره توجه بسرعة الي المستشفي ليطمئن علي تلك المسكينة التي لم تكمل شهر في هذه الجريدة و قد تعرضت الي أعتداء، و ما أن وصل حتي وجد شاب يقف أمام غرفة الكشف الخاصة بها فسأله:.

- أنت معتصم؟!
نظر له معتصم بإستغراب و لكن أجابه:
- أيوه، مين حضرتك؟!
- أنا عادل رئيس تحرير جريدة منارة الحقيقة
مد معتصم يده و صافحه بإبتسامة مزيفة و أردف:
- أهلا و سهلا بحضرتك
- أهلا بيك، الدكتور قال ايه علي حالة زينة؟!
أعاد معتصم نظره الي الزجاج الشفاف الذي تظهر من خلفه زينة علي الفراش ممدة و الأجهزة حولها من كل مكان و قدمها مجبرة، و أجاله:.

- فضلت في العمليات لحد الساعة 7 الصبح يعني من ساعة تقريباً، الدكتور بيقول كانت جاية بتموت بس ربنا سترها، حصل ليها نزيف داخلي شديد بس قدروا يسيطروا عليه و يوقفوه، و زي ما انت شايف رجليها اتكسرت غير الكدمات اللي في إيديها و رجليها و جسمها كله، و راسها اتفتحت بس خيطوها بغرز تجميلية.

نظر عادل الي زينة بشفقة و شعر أن قلبه يتمزق فهو قد تعرف عليها منذ ما يقارب عشرة أيام و لكن أعتبرها أكثر من مجرد أبنة و وجد بها نفسه القديمة الشغوفة التي وصلت الي ما وصل اليه حالياً، أخرج عادل هاتفه ليتصل بعزيز فنظر له معتصم و سأله:
- حضرتك بتتصل بمين؟!
- أهلها لازم يعرفوا حتي لو هي مش موافقة، مش هينفع نقلقهم عليها اكتر من كده.

أومأ معتصم برأسه موافقاً ثم أعاد أنظاره نحو زينة في حين أتصل عادل بعزيز و أبلغه بما حدث لها.

في مستشفي المقطم الساعة 11: 00 ظهراً.

فتحت عينيها بتعب شديد و هي تشعر بتخدر في جميع مناطق جسدها، و لكن سرعان ما أغمضت عينيها بسبب قوة الضوء، و عادت تفتحهما و تغلقهما عدة مرات حتي أعتادت عينيها علي الضوء و لكن ما زالت الرؤية مشوشة و قد أحتلها بعض السواد ربما من أثر المخدر، وجدت شخص ما أمامها يرتدي زي باللون الأبيض، أمعنت النظر لتجد كريم يقف أمامها ممسكاً بالكشف الخاص بها، ثم أخرج إبرة و وضع بها بعض الدواء ثم وضعها في المحلول الذي يصل الي عروقها عن طريق إبرة أخري، نظر لها فوجدها قد فتحت عينيها فتحدث:.

- حمد الله علي السلامة يا أنسه
تحدثت بعد بعض الصمت بسبب إلتهاب أحبالها الصوتية أثر صراخها الليلة الماضية، فخرج صوتها متحشرج و بالكاد سمعه كريم:
- مكنتش عاوزة أروح جهنم
سمعت صوت ضحكات خافته علي جانبها الآخر لتجد الممرضة، فعادت نظرها الي كريم الذي هبط الي مستواها و نظر لها قائلا:
- حتي و انتي مكسرة و بتموتي لسانك ده عايز قطعه أديكي حقنة فيها سم علشان أخلص منك.

ضحكت بخفة و هي تشعر بألم أثر أتساع شفتيها بإبتسامة، و لكنها أردفت:
- مبموتش بسهولة أنا
أعتدل كريم و هو يشير الي الممرضة التي أمسكت بمنديل ورقي و بدأت في مسح وجه زينة و رقبتها من العرق في حين أردف كريم:
- أنتي هتقوليلي، ده انتي واكلة علقة مخدهاش حمار في مطلع و لسه فيكي حيل تهزأي الناس، بطلي كلام بقا علشان الكلام هيتعبك
تجاهلت كلماته، و عادت لتتحدث من جديد و هي تسأل:.

- مين اللي هنا؟! حد من أهلي عرف؟
هز كريم رأسه و هو ينظر لها بنفاذ صبر ثم أجابها:
- أه، أهلك بره من الساعة 8 الصبح و والدك خلاني أنا اتابع حالتك، و معاهم واحد كده طويل و عنده دقن و قمحاوي
قاطعته بإبتسامة مردفة:
- معتصم
أومأ برأسه و هو يضع السماعات في أذنه، ثم وضع نهايتها علي صدرها مردفاً:.

- تقريباً هو، بطلي كلام بقا و جاوبيني بإشارة بس علشان أنتي أحبالك الصوتية ملتهبة و محتاجة فترة علشان ترجعي تتكلمي تاني و كل ما بتتكلمي بتضريها أكتر، أسمعي الكلام، حاسة بوجع هنا.

في مدينة السادس من أكتوبر
بداخل غرفة كبيرة و متسعة تتوسطها منضدة طويلة جداً يجتمع حولها ثلاثة رجال و أمرأة وحولهم يقفون حراسهم الشخصيين، كانت الغرفة تتميز بالطابع الكلاسيكي الهادئ، بعض اللوحات في الصور علي الحوائط، و مدفئة منطفئة تعمل فقط في فصل الشتاء، بالإضافة الي حانة صغيرة بالجوار تمتلئ بزجاجات من المشروبات الكحولية بكل أنواعها يقف بها شاب يرتدي ملابس سوداء.

تحدث خالد الدهشوري و هو يقطع اللحم بسكينه الحاد في يده اليمني و شوكته في يده اليسري مردفاً:
- تأجيل الشحنة ده كان في مصلحتنا كلنا فمش عاوز حد يعترض
تحدث رجل أخر يرتشف من النبيذ الأبيض و يدعي أحمد:
- ده جه علينا بخسارة يا خالد فين المصلحة في خسارتنا وقت و فلوس
رفع خالد عينيه له ثم ترك السكين و الشوكة من يده و شبكهما ببعض مردفاً:.

- لأن فيه خدامة في البيت عندي أتواصلت مع صحفية و قدروا يوصلوا للورق بتاع الشحنة و عرفوا معادها و لولا الحظ اني مش حاطط الورق اللي يديني في الورق ده واني اكتشفت الخدامة و اللي حصل كان زمانا دلوقتي كلنا في السجن
تحدثت داليدا التي تجلس بجوار خالد بعد أن ابتلعت ملعقة من السلطة الخضراء قائله:
- و انت عملت فيهم أيه؟!
- صفيت الخدامة و أهلها، أما الصحفية فقرصت ودانها
نظر له علاء بتعجب و سأله:.

- و مقتلتهاش ليه هي كمان علشان نخلص؟
- قتلها ده هيخلي العين علينا لأنها هي اللي ودت كل المعلومات للبوليس، انما مجرد قرصة ودن مش هتقدر تدينا بكلمة و في نفس الوقت البوليس مش هيشك فينا
تحدثت داليدا بهدوء و هي تنظر الي علاء قائله:
- خلي حد من رجالتك يجيب كل المعلومات عن البنت دي و أهلها و الظابط اللي كان شغال معاها و أهله كمان في أسرع وقت.

في مستشفي المقطم التخصصي الساعة 12: 00 منتصف الليل.

أستيقظت زينة من نومها بقلق فتحت عينيها ببطء فوجدت الجميع بجوارها و النور يحتل المكان، و يقف والدها و في يده كعكة عيد الميلاد تزينها صورتها و شمعتان للرقم 27 و قد بدأ الجميع في إنشاد أغاني عيد الميلاد، و هي تتنقل بنظراتها بينهم، والدها يقف أمام سريرها مباشرة ممسكاً بالكعك و والدتها بجواره ممسكة بصندوق صغير مغلف بطريقة رائعة، ثم معتصم الذي يصفق بيديه ممسكاً بحقيبة رائعة باللون الفيروزي، ثم كريم الذي يمسك بباقة من الزهور باللون الأزرق، أبتسمت بتعب لهم جميعاً حتي أنتهوا من الغناء فأقترب منها عزيز بالكعكة قائلاً:.

- غمضي عينك و أتمني أمنية يا حبيبتي
أغمضت زينة عينيها و تمنت في داخلها أمنية، ثم فتحتهما و نفخت في الشمع لتنطفئ نيرانه، فأقترب عزيز من رأسها و وضع قبلة حانية عليها مردفاً:
- كل سنة و انتي طيبة يا أجمل نعمة ربنا انعم عليا بيها
رفعت يدها بتعب وضعتها علي يد والدها قائله بحب:
- و انت طيب يا بابا شكرا
نظر عزيز الي كريم و أردف:
- ممكن تساعدها تقعد ولا مينفعش.

وضع كريم الزهور علي المقعد جانبه ثم أقترب منها ليساعدها علي الأعتدال مردفاً:
- لا طبعا ينفع دي فيها حيل أكتر مني
ضحكت زينة بخفوت و هي تلف ذراعيها حول رقبة كريم الذي لف ذراعيه حول خصرها و أجلسها بهدوء علي الفراش و خلف ظهرها وسادة مريحة، فأردفت:
- أفضل جر شكلي كده لحد ما أبقي كويسة و أجيبك أنت مكاني.

أبتسمت حسناء و ضحك عزيز بصوت مسموع في حين كان معتصم يستشيط غضباً من قربهما الي هذا الحد و لكن حاول أن يكون طبيعياً، فأبتعد كريم و جلس عزيز بجوارها علي الفراش و أعطاها السكين قائلا:
- يلا قطعيها.

ألتقطت منه زينة السكين و بدأت في تقطيع الكعك و لكنها شعرت بشئ يعيق تقطيعها، فنظرت لعزيز بإبتسامة بلهاء و حيرة، ليرفع كتفيه بإستمتاع، ثم ألتقط طبق من حسناء و قدمه لها لتبعد تلك القطعة من الكعك و تضعها علي الطبق فوجدت علبة صغيرة بداخلها، سحبتها بهدوء حتي لا تفسد الكعك و فتحتها لتجد بداخلها مفتاح سيارة، نظرت لعزيز بعدم تصديق ثم أقتربت منه بعفوية و أحتضنته بقوة قائله:.

- ميرسي أوي يا بابا، أخيراً هتعلمني السواقة
ربت عزيز علي ظهرها في حنان مردفاً:
- كل سنة و انتي طيبة يا أميرتي
- و انت طيب يا حبيبي
أقتربت حسناء منها و قدمت لها الصندوق الصغير بيدها قائله بحب:
- كل سنة و انتي طيبة يا زينة
ألتقطت زينة الصندوق من حسناء و فتحته بفضول لتجد بداخله عقد يزينه الأحجار الكريمة فأردفت بدهشة:
- لالا مش معقول، مش ده عقد الأميرة علياء جدة جدتك يا ماما اللي كان عند حفيدها.

هزت حسناء رأسها بحب قائله:
- أيوه يا حبيبتي هو، مقدرتش أشوفك نفسك يكون عندك و مجبهوش، أنا عارفة أنك مش بتلبسي الأكسسوارات و انك عاوزاه تحتفظي بيه بس، فخدي بالك منه كويس لحد ما تجيبي بنوتة قمر زيك و تديهولها
هبطت دموع زينة و هي تتنقل بنظراتها بين حسناء و عزيز قائله:
- ربنا يخليكم ليا
أحتضنت الأثنان بحب شديد و قوة ليتحدث كريم بقلق:.

- بالراحة انتي متخيطة فأكتر من منطقة متقرطيش أوي لتدخلي العمليات تاني
أبتعدت حسناء سريعاً و أبعدت عزيز مردفة:
- لالا خلاص بعد الشر عليها
ألتقط كريم باقة الزهور و وضعها بين يديها قائلا:
- كل سنة و انتي طيبة يا أنسة زينة
ضحكت بخفوت قائله:
- و انت طيب ياللي معرفش انت أسمك أيه لحد دلوقتي بس بحب أتخانق معاك
ضحك كريم و عرفها عن نفسه:
- أنا كريم جاركم الجديد
نظرت له بصدمة و تحدثت:.

- أنت اللي جيت مكان الولية القرشانة اللي أسمها أسمهان؟! عرفت الأشكال دي منين؟!
- حظي بقاا معلش
قربت أنفها من الزهور و أغمضت عينيها براحة و هي تستنشقها قائله:
- ريحتها حلوه أوي، شكراً
فتحت عينيها لتجد علبة بيضاء بداخلها متوسطة الحجم، نظرت لكريم بتعجب، ثم سحبت العلبة لتفتحها و وجدت بداخلها هاتف جديد، نظرت له بدهشة فتحدث كريم بإبتسامة:.

- عرفت من الأستقبال أن موبايلك الله يرحمه و مش نافع تاني فجبتلك واحد تاني و نقلت خطوطك فيه
نظر له عزيز و أردف:
- بس ده كتير أوي
- ده ولا حاجة و الله، أعتبروها بداية حلوه أننا بقينا جيران
ربت عزيز علي كتف كريم بمحبة:
- انت بقيت واحد من العيلة مش جيران بس
أبتسم كريم بإحراج قائلا:
- ده شرف ليا يا أستاذ عزيز
أقترب معتصم من زينة التي عبست بوجهها قائله:
- جايبلي هدية حتي بعد ما المهمة باظت كلها.

ضحك معتصم بخفوت قائلا:
- أنتي خدتي حقك علي المهمة اللي باظت دي و أديكي في المستشفي مش هبقي أنا كمان عليكي، بس بصراحة دي مش مجرد هدية
نظر الجميع له بتعجب و عدم فهم لينظر معتصم الي عزيز قائلا:
- أستاذ عزيز، أنا ليا الشرف أني أناسبك و أطلب أيد بنتك زينة.

أحتلت الصدمة وجه الجميع في حين صعدت الدماء الي وجنتي زينة بخجل، فهذه المرة الأولي التي يتحدث بها شخص أمامها مع أبيها حتي يتزوجها، فلقد كانت ترفض الزواج قبل أن تري العريس أو أن تتعرف إليه أو تعرف علي الأقل أسمه، و لكن الآن ماذا ستقول؟ هي معجبة بمعتصم لا تستطيع نكران هذا، و يمكنها التعرف عليه أكثر أثناء فترة الخطوبة و تقرر وقتها أن كانت ستكمل معه أو لا.
أبتسم عزيز في وجه معتصم و أردف:.

- أنت شاب محترم يا معتصم و ألف مين تتمناك و انا معنديش مانع بس نعرف رأي زينة بردوا في الأول و الأخر القرار قرارها
نظر الجميع الي زينة، فتمنت أن تنشق الأرض و تبتلعها من شدة الخجل، فسألها عزيز:
- رأيك أيه يا زينة؟!
أمسكت بالوسادة البيضاء بجوارها و وضعتها علي وجهها و أردفت:
- محدش بيحط حد في موقف محرج كده خالص خالص
تحدثت حسناء بضحكة سعيدة:
- يبقي موافقة طالما مكسوفة و مقالتش لا مرة واحدة و خلاص.

تحدث كريم برغبة شديدة في إحراج زينة أكثر:
- لا نسمعها منها بقا مش كل يوم هنشوفها مكسوفة هي
أبعدت زينة الوسادة عن وجهها ثم ألقتها علي كريم الذي أمسكها بضحكة مسموعة و أردفت:
- ماشي يا رخم
تحدث معصتم بهدوء و هو يسألها عن رأيها:
- هاه يا زينة قولي موافقة؟!
هزت رأسها بخجل و أردفت:
- موافقة.


look/images/icons/i1.gif رواية عاشقي المخاطر
  12-12-2021 07:37 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الرابع

في المقطم شارع رقم 9
خرج كريم الي شرفة منزله علي صوت صراخ زينة في الهاتف علي معتصم في شرفتها التي تلتصق بخاصته، خرج و نظر لها و هو يستند الي السور و يكاد يفتح عينيه بصعوبة، أنتظر حتي أنتهت من مكالمتها ثم وضعت الهاتف بجانبها علي الأرجوحة و زفرت بضيق و هي تنظر الي قدمها المجبرة، ثم تحدث:
- هو أنتي علشان قاعدة في البيت و مش عارفة تخرجي هتقرفينا ولا ايه؟! أنا عايز أتخمد عندي شغل كمان ساعتين.

أمسكت بالتفاحة بجوارها علي طبق الفواكه و ألقتها عليه ليلتقطها و قضم منها قطعة قائلا:
- عمل ايه تاني علي الصبح كده؟!
نظرت الي الخاتم في يدها ثم تحدثت:
- من لما طلع الدبل في عيد ميلادي و لبسناهم و هو عاوز نعمل خطوبة
رفع كتفيه بتعجب و أردف:
- ما هو حقه؟ أمال أنتي عايزة أيه جواز علطول؟!
صرخت به هو الأخر و تحدثت:.

- حقه ايه انت كمان؟ انت مش شايف منظري؟! رجلي لسه مكسورة و جسمي كله علي بعضه مكسر و الكدمات في كل حتة، خطوبة ايه دي اللي عروستها متشلفطة كده
- خلاص يا ستي معاكي حق بس حاولي تفهميه بهدوء مش بالعصبية و الصوت العالي ده راجل و ميقبلش علي نفسه واحدة ست ترفع صوتها عليه
تقوس فمها و هي تنظر الي التفاحة في يده الذي أوشكت علي الأنتهاء قائله:
- أنت خلصت التفاحة بتاعتي.

نظر لها بدهشة ثم أتجه نحو الداخل مردفاً:
- أنا داخل اكمل نوم مش عاوز أسمع صوت عندي شغل
زفرت زينة بضيق مرة أخري، تكره جلوسها هكذا عاجزة لا تستطيع علي الأقل الذهاب الي عملها و أداء ما تحب، عادت بذاكرتها عندما جاءها الضابط في اليوم التي أفاقت به بعد العملية، و سألها عن من فعلها فأجابته أنهم قطاع طرق لا غير ورفضت أن تأتي بأسم خالد.

يجب أن تحسب خطواتها القادمة جيداً حتي تتمكن من إلقاء القبض عليه بمساعدة الشرطة، أمسكت بحاسوبها المتنقل خلفها و بدأت في الكتابة علي صفحتها المزيفة علي فيسبوك.

دروس الحياة مثل الطاقة النظيفة تماما لا تفني ولا تستحدث من العدم، دائما هناك دروس في الحياة، بعضها دروس قوية للغاية تصبح مثل صاعقة برق تهبط على عقولنا فتكون بنفس تأثير الصدمة، و لكن في النهاية إن واجهتنا تلك الصاعقة من جديد نعلم جيداً كيف نتعامل معها، أين نختبئ؟! و كيف!

مع مرور كل درس، و كل فترة يضاف جزء من النضج علي عقولنا، و جزء آخر من صدق الاحساس علي قلوبنا، وقتها نتمكن من جعل الفريسة تظن أنها الصياد، ثم وقتها نصبح نحن الصيادون و نصطادهم
ثم كتبت أسمها المستعار متمردة في نهاية المقال ثم ضغطت علي زر النشر لينتهي الأمر فأغلقت حاسوبها و جلست متنهدة و شاردة في مستقبها المهني و الأجتماعي مع معتصم.

في مطار القاهرة الدولي
خرج من بابه شاب يرتدي قميص قطني من اللون الأبيض و سروال قصير من اللون الأخضر الغامق، يرتدي حقيبة ظهر و قبعة سوداء، و ذراعه تحيط بكتف تلك الجميلة جواره التي ترتدي بنطال من خامة الجينز باللون الأزرق و قميص من اللونين الأحمر و الأزرق، و كلاهما يمسك بحقيبة سفر في يده، فأشار الشاب الي أحدي سيارات الأجري لتقف، ثم صعد هو و شقيقته بداخلها و تحدث:.

- المقطم يسطا شارع رقم 9 و من هناك هقولك الطريق
- حاضر يا أستاذ
ألتفت جاسر نحو شقيقته الكبري ريهام مردفاً:
- هنروح علي البيت علطول مش كده؟!
أبتسمت ريهام براحة شديدة و حماس و هي تفرك يديها مردفة:
- أيوه، أنا قولتلهم أننا لسه هنيجي كمان أسبوع.

أغلق معتصم الخط مع زينة بمشادة معتادة من أجل الخطبة، يريد أن يعلم الجميع أنها أصبحت خطيبته و أن دبلته قد زينت أصبعها و لكنها تصمم علي التأجيل، فتجبير قدمها يغطيه فستان طويل و كدمات وجهها يغطيها المكياج لمَ التأخير!
دلف إليه عبدالله صديقه و زميله في العمل و هو يحك رأسه بتفكير مردفاً:
- فيه عملية جديدة، جاهز ولا أيه؟!
أشار له معتصم ليجلس بتنهيدة متعبة و أردف:.

- أقعد أهوه حاجة تخرجنا من خيبتنا مع خالد الدهشوري لحد ما نشوفله حل و نقفشه متلبس و هنعمل كده بإذن الله
جلس عبدالله أمامه و أعطاه الملف مردفاً:
- كل حاجة في وقتها حلوه أهدي أنت بس و أتقل و خالد ده هنجيبه تحت رجلينا
ثم صمت للحظات و أردف مخبراً معتصم عن طبيعة المهمة هذه المرة:.

- بص يا سيدي فيه 2 طن سلاح جايين من لبنان عن طريق واحد أسمه مسعود الجبالي و هيدخلوا عن طريق البحر المتوسط، الشحنة جاية بأسم جاد الله جابر ده واحد عنده أراضي و أطيان في الصعيد و خصوصاً في سوهاج
نظر له معتصم بتعجب و أردف:
- يعني هتدخل من البحر المتوسط و المفروض توصل سوهاج، مسافة طويلة أوي ما بين الأتنين هيعملوها أزاي؟!

- بص يا سيدي أبن جاد الله جابر هو اللي هيعدي الشحنة من البحر للنيل و من النيل هتوصل لسوهاج، و طبعا كام واحد تقال هيساعدوهم و هياخدوا مبالغ محترمة
ضحك معتصم بسخرية و هو ينظر في الملف مردفاً:
- صعبانين عليَّا أوي بعد كل التخطيط ده علشان منعرفش و أحنا عرفنا قبل العملية أصلا، المهم هتكون يوم كام و فين نقطة التسليم بالظبط؟!
- هتكون بعد شهر من دلوقتي يعني يوم 29 أغسطس في النقطة دي.

سحب منه عبدالله الملف و فتحه علي خريطة مكبرة لمنطقة الدلتا و أشار الي دائرة حمراء صغيرة تحدد منقطة معينة قائلا:
- التسليم هيكون في المكان ده، مش هينفع نستناهم لحد ما يوصلوا لسوهاج، لازم من البحر للنيل
- تمام أوي شكلها هتكون عملية سهلة.

في أستوديو تصوير برنامج دقائق من الحقيقة
كان يجلس عزيز علي مقعده في منتصف المكان و أمامه الكثيرين وراء الكاميرات و تحدث:.

- جه لينا خبر قبل بدء الحلقة علطول، عن الدكتور خالد الدهشوري و مستشفياته الخاصة اللي أكتر من ضحية خرجوا منها بدون بعض أعضائهم و لكن كانت كل الأوراق المستشفي سليمة تماماً و تؤكد أن المرضي دول مضوا علي عمليات لإزالة بعض الأعضاء بسبب وجود تلف فيها و فيه منهم أتبرع لأحد مرضي الكلي و الكبد، و في نفس الوقت فيديوهات للمرضي يصرخون بها مستغيثين بالمسئولين لجلب حقوقهم، فهل مستشفيات الدكتور خالد الدهشوري فاسدة و تتاجر بأعضاء المرضي أم أن كل ما يحدث هو من أجل إجلاب بعض الشوشرة علي سمعة الدكتور خالد من أعداؤه، و لو كان لأ، الناس دول هيلاقوا اللي يرجع ليهم حقوقهم ولا هنمشي تبع الجملة الشهيرة اللي كلنا عارفينها القانون لا يحمي المغفلين هيتم عرض الفيديوهات حالياً و هنطلع فاصل صغير و نرجع لحضراتكم تاني خليكم معانا.

ليصدر صوت محمود ليملأ الأستوديو قائلاً بعد ثواني:
- كاات
أقترب محمود من عزيز و أقتربت معه فتاة لتعطيه بعض الماء بالإضافة الي فتاة آخري تقوم بإضافة إضاءة الي وجهه عن طريق المكياج، ثم تحدث محمود بإبتسامة:
- كده ولعنا الدنيا خلينا نشوف خالد بيه الدهشوري هيسكت علي الكلام ده ولا لأ؟!

- مستحيل يسكت و هيحاول يبرأ نفسه بأكتر من طريقة و أنا كمان مستحيل أسكت و هثبت أنه راجل فاسد و خلينا نشوف هيبرأ نفسه أزاي بعد الفيديوهات و المستندات اللي لقيناها
سأله محمود بحيرة:
- طب أنت ليه مرضتش تتكلم عن المستندات دي دلوقتي.

- لأنه دلوقتي هيكون في مرحلة القلق و هيتصرف بغباء و لو كنا جبنا سيرة الورق ده هياخد أحتياطاته من ناحيته، فنستني غباؤه و اللحظة المناسبة اللي نطلع فيها الورق ده و الورق التاني اللي لسه هنوصله.

كان صراخه يهز أركان القصر و خرجت داليدا من غرفتها في قلق و هبطت الي الأسفل لتجلس بجواره و سألته في قلق:
- في ايه يا خالد مالك!؟
أمسك بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز ثم فتحه و بدأ في التنقل بين عدة قنوات حتي وصل الي مبتغاة، ليجد عزيز علي الشاشة أمامه، فأشار إليه و تحدث بغضب شديد:
- الحيوان ده هيودينا في ستين داهية، ده أنا هنهيه من علي وش الأرض هو و بنته.

نظرت له بعدم فهم ثم مررت يدها علي كتفه بهدوء و أردفت:
- أهدي كده بس، مين ده و عمل أيه عصبك كده و مالها بنته؟!
- ده أسمه عزيز مذيع الزفت البرنامج ده، فوزي قالي أنه جايب فيديوهات لمرضي بيقولوا أنهم أتسرق منهم أعضاء و عملوا شكاوي كتير و الموضوع قالب الدنيا، أما بنته فهي نفس البنت اللي عرفت معاد شحنة المخدرات و كانت مع البوليس
أمسكت داليدا بهاتفها و تحدثت الي أحمد مردفة:.

- أحمد البنت اللي أسمها زينة عزيز اللي بلغت عن شحنة المخدرات جبت إيه أخبار عنها؟!
- لسه يا داليدا الموضوع طلع صعب و مش صغير، أبوها و أمها مش عارف أوصل لأصل أي حد فيهم و ده لو كان ليه معني، فهو أنهم ضاربين بطايق مزورة و عايشين بيها
نظرت الي خالد بتعجب الذي تحير من نظراتها و تحدثت:.

- لا طبعا أكيد فيه حاجة غلط، لو كانو عايشين ببطاقات مزورة يبقي كان زمانهم أتقفشوا من زمان دي صحفية و باباها مذيع، دور تاني يا أحمد
- أنا مش ساكت يا داليدا و هجيب الموضوع من أوله متقلقيش
أغلقت داليدا الهاتف مع أحمد و تحدثت الي خالد و أخبرته بكل ما قاله أحمد فتحدث خالد بتعب:
- منهم لله، كنت عاملك بكره مفاجأة و أهم عكروا مزاجي
أقتربت منه بجشع شديد قائله:
- مفاجأة إيه يا خالد؟!

- كنت هكتبلك الفيلا اللي في الساحل و اللي في التجمع الأول و الرابع بأسمك و كمان عمارات دمنهور و الزقازيق
تحدثت بفرحة شديدة مردفة:
- بجد يا خالد
ضمها خالد الي صدره مردفاً بحب:
- بجد يا حبيبتي، أنتي الدنيا كلها مش خسارة فيكي، قومي بقا البسي نخرج نفرفش شوية بعد النكد ده
- ثواني و هكون جاهزة
أبتعدت عنه و أتجهت الدرج صعدته مسرعة و منه الي غرفتها، بينما ألتقط خالد هاتفه و أتصل بفوزي الذي أجابه سريعاً:.

- ايوه يا فندم
- عايزك تجهزلي أوراق بيع و شراء للمستشفيات مني لداليدا، و تكون بتاريخ قديم علي قد ما تقدر علشان أي مصيبة تكون تحت مسئوليتها هي تمام
- تمام يا خالد بيه، بكره الصبح هيكون الورق عندك.

قبل تسعة و عشرين عاما
في فندق سميرميس، أقتربت جنات من غرفة كامل و دقت الباب بهدوء ليفتح هو بإبتسامة و هو يحمل الصغيرة بيده قائلا:
- عايدة كانت مستنية مامتها من بدري، بقي ينفع تتأخري عليها في يوم زي ده
أبتسمت جنات و أقتربت لتحمل الطفلة بين يديها قائله:
- غصب عني و الله، الشغل كتير أوي النهاردة علشان حفلة عيد الأم.

أغلق كامل الباب، بينما أتجهت جنات الي الفراش و جلست عليه و هي تهز الطفلة بين يديها و هي تداعبها بإصبعها في شفتيها و خديها و رقبتها لتظهر ضحكة جميلة بين شفتي الصغيرة، فتحدث كامل:
- طب متتأخريش تاني عليها هي مش علطول هتسامحك
أتجه كامل الي طاولة بجوار الفراش و أمسك بهدية ملفوفة بورق ملون جميل و أعطاها إليها بحب قائلا:
- دي هدية عايدة لمامتها.

أرتسمت إبتسامة جميلة علي شفتي جنات، التي ألتقطت الهدية و وضعتها جوارها و هي تضع قبلة صغيرة علي خد الصغيرة قائله بنبرة طفولية:
- حبيبة قلب ماما من جوه
ألتقطت آخري علي الطاولة و أعطاها لها قائلا:
- ودي هدية بابا لماما و بيقول ليها كل سنة و انتي طيبة يا أحلي ماما في الدنيا
أبتسمت جنات بخجل و ألتقطت منه العلبة الصغيرة قائله:
- و انت طيب يا كامل
ألتقط منها الصغيرة و تحدث بحماس:
- أفتحي الهدايا يلا.

أمسكت بهدية الصغيرة التي أحضرها كامل و فتحها ليجد فستان بسيط و لكن يظهر أنه بمبلغ كبير و قد راق لها كثيراً و أعجبها، فتحدثت جنات:
- حلو أوي أوي يا كامل، بس شكله غالي أوي
تحدث كامل بحنان شديد مردفاً:
- ده لأن عايدة بتحب ماما أوي و شايفة أنها غالية جداً عليها قررت تجيب حاجة غالية رغم انها عارفة أن كنوز الدنيا كلها متكفيش ماما
أخفضت جنات عينيها بخجل شديد من كلماته و لم تتحدث، فأكمل كامل بحماس:.

- يلا أفتحي الهدية التانية
أمسكت بالعلبة الصغيرة و فتحتها لتجد خاتمان زفاف في غاية الروعة، بينما شعرت بكامل يقترب منها فوقف أمامها مباشرة و تحدثت:
- تتجوزيني يا جنات.

جلس جاسر علي الأريكة و بين قدميه طبق من العنب و ألتقط حباته بين شفتيه بسرعة و هو يتابع والده علي التلفاز، بينما تجلس زينة علي كرسيها المتحرك و هي تنصت الي والدها باهتمام، و بجانبهما تجلس حسناء و علي قدمها تضع ريهام رأسها و تلعب حسناء في خصلاتها و هما يتابعان حديث عزيز، ثم صفق جاسر بيديه قائلا:
- الله عليك يا بابا يا جاامد، إيديهم ياكش يولع هو اللي زيه
تحدثت حسناء بقلق شديد:.

- ايه اللي عملته ده بس يا عزيز ليه كده؟!
نظرت لها زينة بتعجب و سألتها:
- أنتي زعلانة يا ماما أن بابا بيحاول ياخد حق المظلومين و حقي من خالد
- يا بنتي و الله نفسي الدنيا تنضف من أشكالهم دي، بس كده أبوكي ودي نفسه في داهية، خالد مش هيسيبه.

قبل تسعة و عشرين عاما
ظهرت جنات بين الخادمات في الحفل مرتدية زي العمل، تقدم الطلبات في كل مكان و تعلو وجهها إبتسامة جميلة، و تخطف نظرات نحو كامل كل فترة، و تتذكر طلبه للزواج منها منذ ساعات، و موافقتها و لكن إصرارها علي التأجيل قليلاً حتي تتحدث مع والدتها و حتي يمهد هو الحديث لوالديه، رأته يشير لها بيده و هو يجلس مع أصدقائه و زوجاتهم و والديه، فجائتهم مسرعة، فتحدث كامل:.

- هاتيلي الصندوق اللي في أوضتي يا جنات بعد أذنك
أومأت برأسها بتفهم و تحدثت بإبتسامتها اللطيفة:
- حاضر يا أستاذ كامل
تركتهم و غادرت المكان، فتحدث مراد والد كامل بشك:
- غريبة أوي أنك قريب من البنت دي أوي و في كل حفلة تقريباً محدش بيقدم المشروبات لينا غيرها و بتجيب ليك أكتر من حاجة و تعرفوا أسامي بعض
نظر مراد الي والده و هو يعلم ما الذي يدور برأسه، فأجابه بنفس طريقته قائلا:.

- و هي مش زينب في البيت بردوا بتعمل لحضرتك كل حاجة ولا ايه؟!
- أنا فاهم قصدك ايه، بس انا راجل متجوز و كبير جدا في السن عنها، بس انت و جنات لأ، لازم توضح ليها أنها مش أكتر من مجرد حد أنت واثق فيه بيدخل أوضتك يجيب حاجة أو بيقدم مشروبات.

نظر كامل لمراد بعينان تملؤها الغموض و صمت في إنتظار وصول جنات التي وصلت بعد لحظات و بين يديها صندوق مغلف بورق ملون يخطف الأنظار، فألتقطها منها كامل و قدمها الي رقية والدته بحب قائلاً:
- كل سنة و انتي طيبة يا أحسن أم في الدنيا
أخذتها منه رقية بسعادة و حنان، فأمسك كامل بيدها و قبلها بإحترام ثم عانقها بلطف، فربتت رقية علي ظهره قائله:
- و انت طيب يا أحلي أبن في الدنيا.

في وسط تلك الأجواء أقترب مصطفي و دليدا من الطاولة متأخيرن كعادتهما، و جلسا و ألقوا السلام علي الجميع، فنظر مصطفي الي جنات من رأسها الي أخمد قدميها بإعجاب ثم تحدث:
- أزيك يا جنات، جنات بردوا مش كده؟!
نظر الجميع له بتعجب من تصرفه، ثم حاولوا تجاهلوا الموضوع فيما عدا ثلاثة جنات، كامل، داليدا ، و لكن حاولت أن تظهر طبيعية و أجابته بحدة شديدة ظهرت في نبرتها مردفة:
- الحمدلله يا أستاذ، شكراً لسؤالك.

وجهت أنظارها نحو كامل و سألته مكملة:
- محتاج حاجة تانية يا أستاذ كامل
نظر الي مصطفي الذي يركز في كل تفاصيلها ثم تحدث بصوت مرتفع قليلاً:
- لا يا جنات روحي أنتي شوفي شغلك
رحلت جنات علي الفور متجهة نحو المطبخ الملحق بالحديقة لتجهيز الطلبات، فتحدث مصطفي و هو يضع يده في معطفه و يتحسسه قائلا:
- أنا نسيت السيجار بتاعي في العربية، هروح أجيبه و أرجع علطول
أمسكت داليدا يده بحدة و أردفت:.

- أتصل بحامد السواق يجيبه ليك يا مصطفي مش لازم تروح أنت
نظر الجميع إليهما، فالكل علم لمَ فعلت داليدا هذا، فأحاط مصطفي كتفي داليدا في محاولة لتخفيف الموقف قائلا:
- حبيبتي، متقدرش تستغني عني أبداً
أمسك مصطفي بيدها و قبلها لتبتسم داليدا بمجاملة، في حين يقترب منهم خالد و جلس بجوارهم قائلا:
- أسف جداً علي التأخير، أنا جاي من المطار علي هنا علطول
ربت أحمد علي كتف خالد بمرح قائلا:.

- أه طبعاً من المطار علي هنا علطول مش كده يا محمود
تعالت ضحكات الجميع ليبعد خالد يد أحمد عنه قائلا:
- بطل رخامة يا سخيف
أمسك خالد بكأس من الكحول و أبتلعه بسرعة فتحدث كامل:
- أسكر يلا و أحنا نتدبس فيك في الأخر
- معلش بقا صاحبكم أستحملوني.

و بعد مرور بعض الدقائق و قد تمكن الثمل من السيطرة علي عقل خالد، نظر بجواره فكان يجلس بين أحمد و داليدا، مد يده أسفل الطاولة لتستقر علي قدم داليدا، التي أنتفضت و حاولت السيطرة علي نفسها و هي ترسم إبتسامة رائعة علي شفتيها، ثم أمسكت بيد خالد و أبعدتها عن قدمها ثم وقفت و نظرت الي مصطفي قائله:
- حبيبي هروح التواليت أعدل المكياج أوكي
هز رأسه بعدم أهتمام مردفاً:
- أوكي روحي.

أتجهت داليدا نحو الحمام بتوتر و هي تفرك وجهها بخوف، وصلت الي هناك لم تجد أحد فوقفت أمام المرآة في محاولة لتهدأة نفسها و تجميع فتات شجاعتها التي تبخرت بالكامل بعد ما فعله خالد، فتحت صنبور المياه و بدأت في وضع قطرات من الماء علي وجهها حتي لا يختلط تبرجها ببعضه، رفعت عينيها في المرآة لتجد خالد خلفها، فألتفتت سريعاً و تحدثت بقلق و هي تبتلع ريقها:
- خالد، أنت عايز أيه؟!

أقترب خالد منها و هو يترنح ثم أمسكها من كتفيها و أقترب من رقبتها مردفاً بهمس جعلها تشعر برجفة جسدها:
- كفاية يا داليدا، كفاية تنكري اللي حصل بينا، عدي 3 شهور و داخلين علي 4 و انتي مش رافضة تقابليني، رافضة تقولي أن اللي حصل بينا ده كان حب، رافضة تعترفي إن اللي في بطنك ده أبني أنا مش أبن مصطفي يا داليدا
هزت رأسها بالنفي و قد تساقطت الدموع من عينيها و نظرت في عينيه مردفة:.

- كنا سكرانين، و ده حصل غصب عننا، المفروض ننساه يا خالد، بس انت مش راضي تديني فرصة أنساه حتي، سبني في حالي أنا في الأول و الأخر مرات أخوك
حاولت دفعه بيدها بعيداً و لكنه أمسك بيدها بقوة و تحدث بعنف و غضب:
- أنتي بتحبيني يا داليدا، قولتيلي الحقيقة كلها في اليوم ده، و انا بحبك و مش هسمحلك تبعدي عني فاهمه، مش هتبعدي و ابني هيفضل أبني و أنا اللي هربيه.

في التجمع الخامس في منزل خالد الدهشوري
كان يمسك بهاتفه و يهدر غاضباً:
- علي الأقل راعي العشرة القديمة اللي بينا و العيش و الملح، ازاي تسمح أن مذيع في البرنامج عندك يقول كلام زي ده
جاءه رد محمود الصادم من الجهة الأخري مردفاً:.

- مفيش عشرة و مفيش عيش و ملح يا خالد، و لو فاكر أن لمجرد أننا كنا أصحاب زمان فأنا هسكت عليك و علي فسادك أنت و محمود و داليدا تبقي غلطان، و متنساش أن العشرة دي خلصت من يوم ما أنت خنت أخوك مع مراته، من يوم ما مصطفي أخوك مات، و من يوم ما بقيت شخص قذر حتي بتكسف أقول أني كنت أعرفه في يوم مش سنين من عمري
صمت محمود للحظات قبل أن يكمل:.

- عايز نصيحة مني يا خالد، سلم نفسك انت و اللي شغال معاهم كلهم، لأن في كل الحالات انا هكشف كل ألعابك القذرة بالقانون و هتتحاكم بالقانون يا خالد و لو بعد 100 سنة فاهمني، يا ريت تمسح الرقم ده من عندك و متتصلش هنا تاني
أغلق محمود الخط لينظر خالد الي الهاتف بغضب شديد و يلقيه علي الأرض ليتحطم الي أشلاء، فهبطت داليدا من غرفتها بقلق مسرعة و سألته:
- مالك يا خالد؟!

- مفيش حاجة يا حبيبتي بس التليفون وقع مني، روحي انتي كملي يلا علشان نلحق نخرج.

في أحدي الحدائق كان يقف معتصم أمام طاولة زجاجية جذابة تزينها الزهور من كل جانب، و عليها كأسان من عصير البرتقال و علبة باللون الأزرق مفتوحة تحتوي علي خاتم و عقد في غاية الجمال، و بجانبه تقف زينة متألقة في فستانها الأزرق الذي يصل الي ما بعد ركبتيها بكثير، بحمالتين عريضتين علي الكتف و ترفع شعرها في شكل دائرة جميلة و تهبط عدة خصلات علي وجهها الذي يزينه بعض مستحضرات التجميل في محاولة لإخفاء باقي آثار حادثها، و بجانبهم العديد من الطاولات التي تتزين بمفارش باللون الزهري و حول كل واحدة عدة مقاعد يجلس عليها أقرباء العروسان، و من بعيد قليلاً تظهر طاولة طويلة تحتوي علي جميع أنواع الطعام التي تشتهيها الأنفس.

تحدث معتصم بإبتسامة هامساً الي زينة:
- مش هتلبسي الشبكة ولا أيه؟
تجولت بعينيها في المكان و هي تمسحه بعينيها في محاولة لإيجاد جاسر أخيها و أجابته:
- لما جاسر ييجي، معرفش راح فين؟!
أقترب منهما عزيز الذي أردف بهدوء:
- أنتو مستنيين أيه؟!
- جاسر يا بابا مش لاقياه دور عليه لو سمحت لازم يكون موجود
أومأ عزيز برأسه بتفهم و أبتعد عنهما ليبحث عن جاسر فوقف كريم أمامه قائلا:
- في أيه يا عمي؟!

أجابه عزيز بقلة حيلة و هو ينظر في الأرجاء قائلا:
- مش لاقي جاسر، و ريهام و أم زينة مشغولين مع الضيوف
- طيب أنا هروح أدور عليه و هلاقيه بسرعة أن شاء الله و أجيبه ليك هنا، متتحركش من هنا علشان منتوهش من بعض المكان واسع.

أمسك كريم بهاتفه و أستمر بالإتصال بجاسر و لكن بلا جدوي، فقرر البحث عنه في مقاهي الحديقة و المطاعم فربما جلس هناك ليستريح قليلاً من صخب الحفلة، و بعد ما يقارب ربع ساعة وجده يجلس علي طاولة صغيرة في مقهي بعيد قليلاً عن موقع حفل الخطوبة، فأقترب منه و جلس أمامه، نظر له جاسر بتعجب، فتحدث كريم:
- انت كنت فين و مش بترد علي التليفون ليه؟!

نظر جاسر الي حركة شفتيه فعلم أن كريم بتحدث و سرعان ما أمسك بسماعته الخاصة التي تمكنه من السمع بوضوح و تحدث:
- قول كده تاني؟!
- بقولك مش بترد علي تليفونك ليه يا جاسر
- جالي صداع من دوشة الحفلة، فجيت أقعد هنا أريح شوية و قلعت السماعة فمسمعتهوش بيرن
وقف كريم و هو يغلق زر جاكيت بدلته قائلا:
- طب يلا عمي عزيز قالب عليك الدنيا.

حمل جاسر أمتعته، ثم وضع مبلغاً علي الطاولة و ذهب مع كريم الي الحفل من جديد، و سرعان ما رأته زينة أقتربت منه راكضة بقلق و سألته:
- كنت فين يا جاسر قلقتني عليك؟
ضمها جاسر الي صدره بحب و أجابها:
- موجود اهوه ما انا مستحيل أسيبك في وقت زي ده أبداً يا أجمل عروسة في الدنيا
أمسكت يد جاسر بسعادة و أقتربت من معتصم قائله:
- يلا نلبس الشبكة جاسر جه.

أبتسم معتصم من حبها لشقيقها الأكبر و أهميته في حياتها، تركهما جاسر ليقف بجوار كريم و عزيز و أمامهم تقف ريهام بجوار حسناء بالإضافة الي روفيدة صديقة زينة و منير زميلها في العمل و عادل أيضاً.
أمسك معتصم الخاتم و أمسك يدها اليمني ليضع الخاتم بداخل أصبعها ثم قبلها بحب، فأبتسمت زينة بخجل، ثم أمسك بالعقد و تحدث:
- يلا لفي حبل الأعدام اللي هيتلف علي رقبتك و مش هيفرقني عنك أبداً وصل.

أعطته ظهرها و هي تضحك بخفة مردفة:
- يخربيت تشبيهاتك، هو انت مينفعش تتعامل معايا علي أنك مش ظابط
نظر الي العقد بتعجب وهو يحاول إغلاقه قائلاً:
- أهدي علشان الظابط بقا شكله زي الزفت و هو مش عارف يقفل العقد
ألتفتت برأسها تنظر الي يده قائله:
- معندكش ضوافر مش هتعرف تقفله لو أتنططت
ضحك معتصم بخفة علي هذا الموقف الحرج الذي وضع به أمام الجميع ثم أشار بعينيه الي ريهام التي أقتربت منهم بإبتسامة قائله:.

- مش عارف تقفله مش كده
أومأ معتصم برأسه مردفاً بنبرة مضحكة:
- أيوه، أنجدينا
ضحكت ريهام و هي تقترب من معتصم و أخذت عنه العقد ثم أغلقت قفله في ثواني قائله:
- تمت المهمة بنجاح يا فندم، ألف مبروك
أطلقت ريهام زغروطة معبرة عن فرحتها الشديدة ليبدأ الناس بإطلاق الزغاريط و آخرين بالتصفيق، ثم ظهر صوت سيدة ملأ المكان و تحدثت:
- ألف مبروك يا زينة.

نظر الجميع الي تلك السيدة التي أخذت الميكروفون و تبارك لزينة و لا أحد يعلم من تكون سوي حسناء و عزيز، فأقترب منها كريم بتعجب و ظهر صوته في الميكروفون قائلا:
- ماما! انتي بتعملي أيه هنا؟! و تعرفي زينة منين؟!
وضعت حسناء يدها علي فمها بصدمة و هي تسارعت دقات قلبها، ليقترب منها عزيز سريعاً و تحدث الي جاسر بجوارها:
- خدها بسرعة من هنا يا جاسر بسرعة
نظر له جاسر بعدم فهم مردفاً:
- أنا مش فاهم حاجة يابابا.

- مامتك هتفهمك في الطريق يلا روحوا من هنا بسرعة
أمسك جاسر بيد والدته و في ثواني كانا قد أختفا من الحفل، فأقترب عزيز من داليدا مردفاً بجهل مصطنع:
- و مين حضرتك يا تري؟!
- داليدا هانم مرات خالد بيه الدهشوري
نظرت زينة بدهشة الي معتصم الذي صُدم هو الآخر و أقترب كلاهما من داليدا و عزيز و كريم، الذي تحدث بعدم فهم:
- يا ماما في أيه؟! ميصحش اللي بتعمليه ده محدش هنا يعرفك.

- لا يا كريم هما عارفيني كويس، و بعدين أنا بقالي كتير بدور عليك و لما لقيتك كنت في خطوبة يعني المفروض أبارك للعروسة و العريس
ألتقط عزيز الميكروفون من داليدا و أغلقه قائلا:
- أعتقد وجودك هنا غير مرحب بيه يا مدام داليدا، و لو كان فيه حاجة عاوزة تقوليها يبقي مش هنا و وسط الناس، فيه حاجة أسمها الذوق العام لو حضرتك تسمعي عنها يا هانم
تحدث كريم بحدة مردفاً:
- عمي عزيز لو سمحت من غير غلط.

- أنا مش بغلط يا كريم، خد والدتك لو سمحت و خرجها من هنا دي خطوبة بنتي مش أوضة أجتماعات
كانت الصحافة تحيط بالمكان من كل جانب نظراً لمنصب عزيز و قد تم تصوير كل ما حدث للتو، فسرعان ما أمسك كريم بيد داليدا و خرجا من المكان لينظر عزيز حوله و فتح الميكروفون و قربه من شفتيه مردفاً بإبتسامة:
- أسف جداً علي اللي حصل ده، فيه سوء تفاهم بس، يلا هنكمل الحفلة عادي.

وضع معتصم يده علي كتف زينة مردفاً:
- أهدي، يلا نكمل الحفلة زي ما باباكي قال، بلاش حد يحس بحاجة
شعرت زينة بغصة في حلقها و أنها تختنق و كادت دموعها أن تهبط و لكن تماسكت و أردفت بغيظ:
- عاوزة تبوظ عليا خطوبتي، ده أنا هبوظ حياتها كلها هي و جوزها بس تستني عليَّا
صمت معتصم قليلاً و هو يفكر و عاد الحفل كما كان و لكن مع بعض التوتر الذي جعله ممل بعض الشئ، و تحدث معتصم في منتصف الحفل فجأة قائلا:.

- بس أزاي كريم أبنها؟! و إزاي شاف حلقة باباكي و كلامه عن باباه و سكت؟! أنا حاسس أن فيه حاجة غلط
ردت عليه زينة بحيرة هي الأخري مردفة:
- مش عارفة، بس اللي متأكدة منه أن كريم مستحيل يكون وحش يا معتصم مستحيل.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 10 < 1 2 3 4 5 6 7 8 10 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1764 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1271 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1320 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1136 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2067 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، عاشقي ، المخاطر ،












الساعة الآن 08:34 PM