
رؤيته لسقوطها افزعه، هل صدمتها حقاً!، هرع اليها بجزع حين استقر جسدها امام السيارة، جثى على ركبتيه رافعاً رأسها هاتفاً بإسمها بقلق
- يارا!، يارا؟، سمعاني؟
ترجل صاحب السيارة سريعاً قائلاً بسخط وشيء من الغضب
- اية المصايب اللي عمالة تتحدف علينا دي!، هي الطلعت قدامي.
<a name=\'more\'></a>
رفع عمر نظراته التي احتدت لذلك الرجل العديم الإحساس، لم يُريِد ان ينشغل به الان فاليركز على المصيبة الذي هو فيها، حملها على ذراعيه بحذر شديد ونهض، اتجه لسيارته بخطوات مُتعجلة وساعده احد المُشاهدين بفتح بابها ليضعها في المقعد الخلفي ثم يلتف ليأخذ مكانه خلف المقود وينطلق بتعجل وخوف، اخذ يدعو الله بصوت مرتفع وقلب منقبض وهو يلتف كل دقيقة ليراها.
كانت هي مُستلقية على المقعد الخلفي، فرقت جفن عينيها ببطء وحذر، تنظر له ولحالته العشوائية وخوفه، كتمت إبتسامة مُلِحة لشق طريقها إلى شفتيها، فقد نجحت في خداعه بمهارة، لا تعلم كيف خاطرت بحياتها بهذه الطريقة لكنها وجدت نفسها تلقي بجسدها قبل ان تلمسها السيارة حتى.
لم تستطع كظم ضحكاتها اكثر، فرؤيته شاحب الوجه واهتزاز صوته جعلها تنفجر ضاحكة، انه قلق بحق!، لقد تمكنت منه.
انتفض واتسعت مقلتيه بفزع واهتزت يديه بقوة حين تعالى صوت قهقهاتها المُستمتعة، المريبة بالنسبة له، نظر بعدم تصديق لصورتها المُنعكسة على المرآة الصغيرة ثم استدار بنصف جسده سريعاً ليتأكد انها ليست عفريت!، بينما اعتدلت هي ومازالت تضحك بطريقة جنونية حتى أدمعت عيناها، فجأة اختفت ضحكاتها وهي تصرخ بصدمة
- حاسب حاسب.
عاد لينظر للطريق بعينين اكثر اتساعاً وأنفاس متقطعة وهو يتفادى اصطدامه بعمود النور بأعجوبة، اخفض كفيه بجواره لاهثاً وهو مازال تحت تأثير الصدمة، عقله الذي أُصيب بالتبلد فجأة يحاول فهم وإستيعاب خدعتها اللعينة، لكن سرعان ما تدارك الامر واحمر وجهه غضباً وهو يستدير لها بخشونة، صرخ بها بصوت جهوري غاضب مخيف، موبخاً اياها به.
- اية اللي بتعمليه دة!، بتضحكِ؟ فاكرة ان دة هزار؟، تمثلي ان العربية خبطتك عادي كدةةة! يعني لو كملت وداستك كان حصل اية؟، كنت هتصرف ازاي لو حصلك حاجة؟، يا جبروتك
تنفست يارا الصعداء بعد ان نجح في تفادي الحادث، رفعت نظراتها له وعادت لتبتسم وتكاد ان تضحك من جديد، لكن انفجار توبيخه عليها جعلها تتجهم، شعور الندم والذنب يتدفق اليها، تعلم ان تصرفها خاطئ من البداية لكنها فعلته!
تحيدان عينيها وهي تشعر بالندم، كان تصرف متهور منها، استنكرت، لم يكن اول تصرف متهور مجنون منها، فهي متهورة بطبعها حتى وإن كانت تعلم ان العواقب وخيمة، لذلك حياتها العملية بائسة ولا تقدم فيها.
لم يتوقف عند ذلك، بل أكمل توبيخه بقسوة وإنفعال.
- كل حاجة بتعمليها عكس ما بقولك عشان تضايقني في حين ان اللي بطلبه بيبقى للأمان، يوم ما مروان عرف لو سمعتي كلامي وفضلتي في العربية مكنش عرف، النهاردة كان ممكن يسألوكِ اي سؤال تغلطي في اجابته وتفضحي نفسك قدام الباقي اللي معرفش
تنفس بخشونة ناظراً امامه بعينيه الغاضبتين وعروق رقبته بارزة من ثور انفعاله العنيف، ضرب المقود بقبضته اكثر من مرة بقوة مُصاحباً كلماته بكبت.
- انتِ غبية ومفكيش مُخ تفكري بِه حتى، عشان تميزي بين الينفع والمينفعش.
كلماته الاولى حتى نهاية جملته آلمتها، ليس لأنه نعتها بذلك، بل ليس لأنها منه، بل ذكرتها ببقعة قديمة داخلها، أظلمت حدقتيها وحزن ملتوي يلمع فيهما، كم كانت تمقت تلك الكلمات مِن مَن هجرها، لقد كانت تبكي بكاء هستيري حين كان يخبرها بذلك رغم ان حينها لم يكن الامر بيدها، تتذكر مواساة والدتها الحبيبة لها، تمنت فقط ان ترتقي لتوقعاته التي لم تستطع الوصول اليها رغماً عنها، رغم ذلك، فمازال قلبها طواق اليه ولمقابلته، رغم تخليه عنها.
التفت برأسه ينظر لها وهي تترجل، ابتلع سؤاله حين وجدها تصعد بجواره بوجه مُقتضب، قالت بهدوء به شيء طفيف من الهزء
- خلصت وهنروح ولا هتكمل كلامك الملهوش لازمة!
رمقها بغيظ، توقع ان يتشاجرا ويطول جدالهم لكنها أنهته بسخريتها، كالعادة، نظر امامه وادار المقود لينطلق إلى الفيلا.
صعدت ملك درجات السلم التي تهالكت وهي تنظر لهاتفها، حيث غرفة الدردشة التي بينها هي و إياد، مر يومان ولم يرسل لها تلك الرسائل المُلِحة، تشعر بالغرابة، تعلم انها كانت تتجاهله لكن كان بداخلها سعادة، كأي فتاة، اغلقت هاتفها بإنزعاج من نفسها، لماذا تنتظر رسالة جديدة منه! هل عادت لفترة المراهقة من جديد!، توقفت عن الصعود وقد اتت في مخيلتها كيف كان ينظر لها في المستشفى، تلك النظرة أربكتها، نظرة إعجاب مختلفة عن نظرة البقية لها؛ سرت قشعريرة في جسدها وهي تهز رأسها بعنف حين اتت لها ذاكرتها بذكرى أخرى مؤلمة، فنهرت نفسها بقسوة وعادت لتفتح هاتفها وتقوم بعمل حظر لرقمه.
وصلت لشقة يارا وطرقت الباب، فتحت لها أم محمد تلك الشابة التي تكبر عنها بثلاث سنوات فقط، حيتها ثم دلفت إلى حيث كانت كوثر جالسة، قبلتها وجلست بجوارها ملتقطة يدها بين كفيها ليتحدثا عن امور عدة، طلبت منها كوثر برجاء.
- ملك يا بنتي، عايزاكِ تقنعي يارا انها تخف على نفسها شوية، انا اهو خرجت من المستشفى ومش محتاجين مصاريف، انا بقولها بس هي مصممة تكمل في التعب دة، ملهوش لازمة تبات في الشغل وتخاد شيفتين، حرام على نفسها صحتها، انا قولتلها بس هي مش سامعة كلامي
صمتت ملك لثوان، ربتت على كفها بحنان وهي تومأ برأسها وتقول بطريقتها الودية
- عنيا بس خليها تكمل الشهر دة وبعدها هكلمها واقولها.
وافقت كوثر على ما قالته ملك واخذت تدعو لأبنتها بكل خير، فهي تتمنى ان يعوضها الله عن كل شيء لم تستطع ان تقدمه لها، عن الرفض الذي تلقته من قِبل الآخرين وأولهم والدها، عن كل شعور سيء قد ملأ روحها في يوم من الايام.
امام فيلا إبراهيم السويفي
ترجلت يارا من السيارة صافقة الباب بقوة رامقة أياه ببغض، لم يفهم سبب إنزعاجها الذي لا مبرر له، انها المخطئة وليس هو، لم يهتم؛ ترجل هو الاخر ولكنه توقف حين رأى موقفها الذي أسعده.
حين استدارت وجدت سهام تخرج من باب الفيلا بعصاها الخشبية وتبتسم لها بسماحة، ركضت لها يارا وساندتها مُعاتبة اياها
- خرجتي لية وانتِ تعبانة؟
اتسعت إبتسامة سهام وهي تقول بطيبة.
- سمعت صوت العربية فقلت استقبل حبيبة قلبي
ابتسمت لها يارا بود ومسحت على ظهر سهام بدفئ مُتجهين للداخل، داعبت يارا وجنتها وهي تقول بدلع
- وحشتِك بالسرعة دي!
عقدت سهام حاجبيها بإستنكار وهي تتذمر
- بالسرعة دي؟، دة انتِ من الصبح مش موجودة شوية بتروحي عند اللي ربتك وشوية تخرجي معرفش فين وشوية تخرجي مع عمر و..
قاطعتها يارا بذهول وهي تضحك
- اية دة كله! انا بخرج كل دة!
- اومال انا!
كان عمر يتابع ذلك المشهد بإبتسامة صغيرة تشق شفتيه، رغم انه لم يكن راضي عن يارا ولا تصرفاتها لكنه يشعر بالرضا الشديد والراحة من طريقة تعاملها الودي مع والدته، يشعر احيانا بصدقها في تصرفاتها خاصةً والدته، تنهد بعمق وهو يُكمِل طريقه للداخل.
أشرقت شمس يوم جديد
مجتمعين في الحديقة الخلفية للفيلا التي تطل على مسبح واسع للغاية، اعادت يارا ظهرها للخلف وهي تأخذ نفساً عميقاً مستمتعاً، مستمتعة بالأجواء الطبيعية ونسيم الربيع الذي يصنع لحناً مع أوراق الشجر واغصانها.
انها حياة اخرى تختلف تماماً عن حياتها البسيطة، ترى ان هذا إسراف، بداية من مساحة الفيلا التي تكفي اكثر من ثلاث أشخاص، قد تكفي عشر أشخاص!، حتى أصناف الطعام التي تمنت اخذ البعض منها لوالدتها و ملك، والملابس التي احضرتها لها سهام، تلك الملابس تكفيها هي وثلاث فتيات أخريات.
لم يكن يعجبها كل ذلك رغم انبهارها به، فقد شعرت بالظلم في نفس الوقت، لكن الشيء الوحيد الذي أعجبها هو الحديقة الرائعة التي جلست بها اليوم للمرة الاولى.
انتشلها إبراهيم من لحظاتها السعيدة بإقتراحه عليها
- اية رأيك نروح نجري مع بعض النهاردة؟
رفعت حاجبيها بحيرة ونقلت نظراتها ل عمر الذي كان مشغول بقراءة الجريدة، عادت لتنظر ل إبراهيم، ازدردت ريقها قبل ان تعلن موافقتها بتذبذب.
- ماشي معنديش مشكلة، بس تقريبا معنديش لبس ريا..
قاطعتها سهام مُطمأنة اياها
- لا عندك يا حبيبتي انا جبتلك واحد، هوريكِ مكانه
كورت يارا قبضتها بجانبها بإستياء، تمنت ان تعللها بعدم إمتلاكها لزي رياضي يمنع ذهابها معه، هزت رأسها وهي ترسم بإجبار إبتسامة على شفتيها قائلة بحماس زائف
- طب هقوم اجهز بقى.
نهضت معها سهام لتساعدها في إيجاد الزيّ، حانت من يارا نظرة ل عمر الذي لم يرفع نظراته لها حتى الان، تريد ان تقذف اليه اي شيء لينتبه لها وليرى المصيبة التي هي فيها، لماذا هو بارد وغير مهتم؟
اخذت يارا تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً بغضب وتوتر بعد ان انتهت من ارتداء الزيّ الرياضي، ناظرة لهاتفها، انها تتصل به حتى يأتي ليفكرا معاً بماذا ستفعل لكنه بكل بساطة، لا يُجيب!، ما إن رفعت ذراعها لتلقي بهاتفها حتى وجدت باب الغرفة يُفتح ويدلف ذلك المستفز البارد، انفجرت به بغضب مكبوت مع التحكم في نبرة صوتها حتى لا ترتفع
- انت بارد لية؟، مش سامع اللي طلبه ابوك؟، مش تدّخل وتحاول ت..
قاطعها قبل ان تكمل بهدوء
- مكنش ينفع أتدخل، كدة هيشُك
- طب دلوقتي هعمل اية لو زنقني بسؤال معرفش إجابته
تابعته وهو يضع كفه في جيب بنطاله ويخرج جهاز صغير يشبه السماعات دون أسلاك وأعطاها لها، سألته بحيرة
- هعمل بيها اية دي؟
- هتلبسيها في ودنك وهبقى معاكِ على الخط لو اي سؤال انتِ مش عارفة اجابته هتلاقيني بقولك تقولي اية
اخذتها من كفه ووضعتها في اذنها وهي تسأله لتتأكد.
- دي أخت السماعة اللي الناس بتتفشخر بيها صح!
ابتسم على تشبيهها الظريف وقال
- اة اختها، اسمها ايربودز
نظرت للمرآة بعد ان وضعتها في اذنها، سألته بشيء من القلق
- بس مش هيشوفها يعني؟
رأته يتقدم منها من المرآة ويمد ذراعيه ليُحيطانها، فجفلت وابتعدت لتنظر له وتهتف بشراسة
- بتعمل اية!
رمقها بسخرية من رد فعلها الحذر، قبض على ذراعها جاذبها اليه بالقوة واليد الأخرى امتدت لفك ربطة شعرها لينسدل على كتفيها، رتبه وهو يقول
- كدة مش هيشوفها
عادت لتنظر للمرآة وقد غطى شعرها اذنيها، غمغمت بفهم وهي تهز رأسها، لكنها استدارت تنظر له بحدة هاتفة
- كان ممكن تقول لي وانا هفكه وأظبطه
وضع كفيه في جيوب بنطاله مُجيباً اياها بصراحة، بل فظاظة.
- تقريباً مبتعرفيش تفكيه، اصلك اربعة وعشرين ساعة بديل الحصان الجربان دة
سقط فكها بصدمة وهي تكرر قوله بإستنكار
- ديل حصان جربان؟
احمر وجهها حنقاً وهي تتطلع اليه بقوة، تخطاها مُتجهاً للباب قبل ان تنفجر، لكنها اوقفته بقولها المُقتضب
- شغلهولي، ولا هيشتغل لوحده!
استدار ناظراً لها بإستنكار
- مبتعرفيش تشغيله؟
- هو انا عارفة استعمل الموبايل الجديد اللي مدهوني غير على المكالمات عشان اشغل البتاعة دي!
عاد اليها ليأخذ الهاتف وهو يتهكم
- عندك حق، لازم متعرفيش تستخدمي الموبايلات الحديثة وانتِ ماسكة ابو زراير اللي انقرض
- ما انت واحد اتولد في بقه معلقة من دهب اما انا لا
نظر لها للحظة ثم اومأ برأسه بإقتناع مُعيد تركيزه للهاتف مُتمتماً
- معاكِ حق
فور انتهائه تعالى رنين الهاتف فأعطاه لها قائلاً
- صاحبتك بتتصل
وضعت الهاتف على اذنها فأنزله قائلاً بنفاذ صبر
- مش لازم تحطيه على ودنك، ما هتسمعي من اخت السماعة.
تذكرت انها تضع ذلك الجهاز الصغير في أذنها، إبتسمت بحرج وهي تراه يبتعد مُغادراً
- ايوة معاكِ يا ملك
- عاملة اية الاول؟، وعمر عامل اية لسة بيضايقك؟
- ودة هيسبني يوم من غير ما يجر شكلي!، المهم انتِ عاملة اية؟، ماما عاملة اية؟
- انا كويسة الحمدالله، متصلة بيكِ عشان طنط
انقبض قلب يارا بقلق، سألت بريبة
- في اية؟، تعبت تاني؟
- لا لا الحمدالله، هي كويسة بس..
- بس؟
- لازم تتصرفي في موضوع بياتك برة البيت وغيابك، طنط كوثر طلبت مني اني أقنعك تخففي شعل وكفاية شغلانة واحدة، وانا قولتلها استني بس لاخر الشهر واقولك يعني، وأهو خلاص ناقص اسبوع ونص ويخلص الشهر
انخفضا كتفي يارا بإستياء، هزت رأسها بإحباط وهي تقول
- ماشي هظبط الدنيا، هحاول يعني
طرق إبراهيم على الباب جعلها تُغلِق مع ملك بتعجل لتخرج اليه، ابتسمت له وتأبطت ذراعه وهي تهتف بحماس
- يلاااا نجري.
ربت على ذراعها بحنان وسعادة وهبطا معاً السلم، قبِلت اتصال عمر بالخفاء ووضعت هاتفها في جيبها وهي تتجه الى الخارج مع إبراهيم.
في المطعم
زفرت ملك بقوة وهي تضع هاتفها في جيب مئزرها (مريولها)، استدارت لتلك الصينية وتخرج لطلبية أُخرى وهي تشعر بأن طاقتها قد نفذت رغم انه مازال في بداية دوامها
- افردي طهرك.
قالها المدير لها بحزم قبل ان تخطو خارج المطبخ، استقامت وشدت ظهرها ثم اتجهت للطاولة المقصودة، وضعت عليها الطلبات واخذت الصينية واستدارت لتعود ادراجها، لكنها توقف للحظة حين رأت إياد جالساً في الطاولة المقابلة لها، تقابلت نظراتهم لثوان شعرت انها مرت ببُطء بغيض، كادت ان تحيد بعينيها لكنه اسرع ليرفع ذراعه مُستدعيها، بل مُستدعي النادلة والتي هي لا غيرها، قبضت بأصابعها بقوة على الصينية كأنها تستمد القوة منها، كانت لتفضل عدم مقابلته مرة اخرى ابدا، والسبب؟ لا يوجد سبب.
تقدمت بخطواتها التي تريدها ان تفر مُبتعدة لكن ذلك ليس بإرادتها، توقفت امامه وشغلت نفسها بإخراج الدفتر الصغير من جيبها لتأخذ طلباته، حرِصت على عدم النظر اليه، ظلت تنظر للورقة البيضاء الصغيرة التي بين يديها، مُنتظرة، قال بعد صمت مُزعج
- طلبي معروف
اضطرت الى رفع نظراتها اليه بتساؤل، ثم صمتت وهي تجول بعينيها تفكر، بل تحاول ان تتذكر ما طلبه في المرة السابقة، تطلعت اليه اخيراً مُعتذرة.
- آسفة بس مش عارفة طلب حضرتك المعروف، ممكن تقول لي عليه والمرة الجاية هبقى حريصة اني افتكره
هز رأسه بخفة وهو يخفض كتفيه، ابعد حدقتيه عنها ليسأل بهدوء لين
- مش ملاحظة؟
- عفواً؟
تنفس بخشونة وصلت لمسامعها، لم تفهم شيء، قال اخيراً بصلابة
- قهوة سادة وكيكة
دونت ما طلب وهي تحدق به بإستغراب، قالت اثناء ابتعادها
- دقايق ويبقى طلب حضرتك جاهز.
رفع نظراته يتابعها وهي تبتعد حتى تختفي خلف ذلك الستار، زفر بإنزعاج، يبدو انها لا تهتم حقاً.
انحنت يارا مسندة كفيها على ركبتيها بتعب وهي تلهث بقوة، ضحك إبراهيم وقال مُشجعاً اياها
- لحقتي تتعبي؟، ياا دة احنا لسة ورانا جري كتير
نظرت له وهزت رأسها بعنف معترضة
- جري تاني؟، انا مش قادرة تعبت
ربت على ظهرها بحنان وهو يبتسم، قال
- خلاص تعالي نقعد شوية.
تابعته وهو يبتعد بعيون مُتأثرة، شعرت بدفئ لم تتذوقه يوماً، انه لشعور لاذع على قلبها المُتعطش، ابتلعت تلك الغصة بصعوبة وهي تعتدل واقفة وتقترب من إبراهيم قائلة
- ياريت
جلسا على الكرسي الخشبي، وجدته يهمس ببطء وكأنه يتذوق الاسم
- سُلحفتي
نظرت له، سألته بتلقائية كالحمقاء
- دة الاسم اللي اختبرتني بِه قبل كدة!
سمعت سُباب خافت في اذنها من قِبل عمر، حاولت تصحيح ذلة لسانها بطريقة اكثر حماقة.
- بس على فكرة انا افتكرته و...
ابتعلت بقية كلماتها حين شعرت بأنها تفضح سذاجتها اكثر، إبتسم إبراهيم وساد الصمت للحظات، اكمل بحنين
- كنت دايماً بقولهالك وانتِ صغيرة، لما كنت بناديكِ بأسمك مكنتيش تردي بس لما اقولك يا سُلحفة الاقيكِ بصيتيلي وضحكتيلي
التقط كفها برفق بين كفيه مُربتاً عليه، تنهد بثقل قبل ان يسرد
- اقولك بصراحة، في الأول مكنتش مصدق، كنت شاكك من حقيقة انك بنتي، بس دلوقتي مصدق..
استدار ناظراً لها لبرهة قبل ان يقول بخفوت قلق
- اتمنى مكنش غلطان
وضعت كفها المتحررة فوق كفه الضامم لكفها الاخر، وابتسمت له ببساطة وهي تُطمئِنه بنفس نبرته الخافتة، مُكررة لِم قاله عمر
- مستحيل عمر يحاول يخدعك او يزيف وجودي بواحدة تانية او كأني انا بنتكم، ثق في إحساسك، انا بنتكم سلمى، سُلحفة
واضافت من لديها بثقة
- وشوف نتايج الDNA وأتأكد تاني لو عايز.
تنفس إبراهيم بعمق، هز رأسه اكثر من مرة وابتسم في النهاية، بهدوء.
بعد ساعتين، عادت يارا للفيلا تاركة إبراهيم يتحدث مع احد معارفه الذي قابله صدفة في طريق العودة؛ كادت ان تصعد درجات السلم، لكنها تراجعت خطوتين للخلف حين جذب انتباهها نقاش عمر و سهام المرتفع الصادر من الصالون، اقتربت ببطء اتجاه الصالون وصوتهما يتضح اكثر وأكثر مع كل خطوة، حيث قالت سهام برجاء.
- خدها طيب وجرب، عارفة انها مش بتحب جو الحفلات بس نعرض عليها وتجرب تروح، تلاقيها ياعيني مراحتش قبل كدة حفلة زي حفلاتنا
زفر عمر بعنف ورفض شديد، قال بإصرار لين النبرة
- مش هاخدها يا ماما، مش الحفلة دي لوسمحتِ
اقتحمت يارا خلوتهم في هذه اللحظة بإبتسامة واسعة وهي تسأل بفضول، عن قصد
- مال صوتكم طالع لية؟، وحفلة اية اللي بتتكلموا عليها؟
تطلع اليها عمر بخشونة، فهو يعلم انها تخطط لأستفزازه من جديد بحيلة جديدة تمثلها على والدته ليسير ما تريد هي، وبالطبع لا يستبعد استماعها لحديثهم من الخارج سواء من بدايته او نهايته، بينما دعتها سهام بحرارة، ضاربة رفض الاخر عرض الحائط
- تعالي تعالي، جتلك فرصة اية، تجنن، تعرفي إياد صاحب عمر؟
اومأت يارا برأسها بمعنى انها تعرفه، فبادر عمر بالتوضيح.
- ابو إياد عامل حفلة بتضم رجال الأعمال بمناسبة فتح فرع جديد من شركتهم، المهم ماما بتقول اخدك معايا بس انا عارف انك مش بتحبي جو الحفلات وخاصةً لو للشغل، فأية رأيك؟، تحبي تيجي؟
ضغط على حروفه الاخيرة بشدة وهو يرمقها بتحذير يعلم نتائجه، لكنه تمنى ان تستمع له هذه المرة فقط، اضافت سهام مُشجعة اياها
- روحي وجربي جو الحفلات، هتتبسطي اوي.
اخفضت يارا رأسها تمثل التفكير، مُتجاهلة اياه، وافقت بعد دقائق، بنظرات تتحداه بها، ثم استأذنت لتصعد لغرفتها.
ما لبثت ان اغلقت الباب حتى وجدته يُفتح بحدة من قِبل عمر الذي حاول ان يحافظ على انخفاض صوته رغم ذلك الحنق الاسود الذي يملأ نبرته
- يعني انتِ مُصِرة تستفزيني وتمشي عكس ما بقولك!
لم تكلف نفسها النظر اليه، لكن كان ردها كفيل بتزايد حنقه لها
- اة، ليا مزاج في كدة
ضم قبضته بغضب وهو يأمرها بحزم.
- مش هاخدِك معايا الحفلة، على بليل تقوليلها انك غيرتي رأيك
نظرت له من فوق كتفها وهي تلويه ظهرها وأخبرته بحزم
- مش هعمل كدة، انا عايزة احضر الحفلة
- وانا مش عايزِك تحضريها، مش ضامنك، ممكن تعملي اي تصرف..
استدارت له بسخط، مُتذمرة من توتره وعدم ثقته ناحيتها
- مش ضامني؟ طب من اي ناحية قول كدة، للان الدنيا ماشية زي الفل ومحدش شاكك في حاجة و..
قاطع كلامها حين تذكر السبب الاخر لصعوده لها وغضبه.
- صحيح، مشوفتيش العك العملتيه في كلامك مع ابويا!، ازاي تقوليله نعيد التحاليل؟، هنعمل اية لو جه يوم عشان ياخدك تعمليها تاني!
هزت رأسها بإنزعاج موضحة موقفها
- كان لازم اقوله كدة عشان يعرف اني مش خايفة، واني واثقة..
قاطعها مرة اخرى، بل انه دائماً يمنعها من إكمال جملتها، لكنه كان صارم.
- متتصرفيش من نفسك بعد كدة، متشغليش دماغك ماشي!، امشي ورا كلامي اللي بقولهولك وخلاص.
تطلعت اليه بحدقتين مستفزتين، تجعله يريد ان يقتلعهما من جحرهما كما يريد ان يفعل بلسانها السليط
- تؤ تؤ ازاي اعمل كدة بالسهولة دي!، مقدرش، مش قولتك هطلع عينك!
هتف وقد وصل لحافة الصبر
- طلعيها بس مش تفضحينا
ابتعد عنها وهو يتنفس بخشونة وعنف، مُحاولاً السيطرة فيما تبقى من تعقله، ما لم يكن قد نفذ، عاد لها مرة اخرى ليقول بفحيح.
- والله العظيم انا ماسك نفسي عنك للظروف اللي احنا فيها، لولا كدة كنت اتصرفت معاكِ تصرف تاني، كنتِ شُفتي رد فعل أشد، فأحمدي ربنا
فتحت شفتيها لتقذفه بما يشعله اكثر وكان يعلم ذلك، وإذ فعلت لن يرحمها وقد يأتيا والديه ويكتشفا الحقيقة، لذا كمم فمها بكفه الضخم مُقترباً بوجهه اكثر وهمس بأنفاس غاضبة.
- اياكِ، اياكِ تردي عليا وتواجهيني دلوقتي، عشان والله ما هقدر امسك نفسي عنك، ولو حصل كدة يبقى الاتفاق دة هيخلص وهترجعيلي الفلوس الصرفتيها، ومش هيهمني وقتها لو الحقيقة اتكشفت.
خمد اشتعال حدقتيها لكن الغضب مازال ساكن فيهما، دفعت كفه عن فمها بشراسة وهي صامتة، فقد شعرت بجدية تهديده، فكيف ستتصرف إذ انهى الاتفاق وطلب منها إعادة النقود التي لا تملكها!، لا تنكر انها خافت من تلك الفكرة، غرزت أظافرها في راحة يدها بقوة محاولة التحكم في انفعالاتها التي تكاد تجعلها تتهور وترد فينتهي بها المطاف لنهاية مُهلكة.
حمدت الله انه غادر، فإذ كان ظل لدقيقة اخرى امام ناظريها لكانت انفجرت رغماً عنها وعم الدمار.
بعد ان اخذت حماماً ساخناً، خرجت يارا من الغرفة فقابلت سهام التي كادت ان تذهب لها
- نعيماً يا حبيتي، كنت لسة هجيلك عشان اقولك اجهزي، بس شكل عمر قالك عشان كدة جهزتي
- قال لي اية؟
- هتروحي معاه عشان تجيبي لنفسك فستان للحفلة
- ما نخليها بكرة
- لا النهاردة، مش هيبقى في وقت بكرة
- بس..
حاولت يارا ان تعترض للمرة الثانية لكن سهام كانت حازمة، لا تريد اي اعتراض
- مفيش اعتراض، يلا عمر في العربية مستنيكِ.
خضعت لرغبتها عنوة، كانت ستذهب لزيارة والدتها، لكن لا يبدو ان ذلك سيحدث اليوم فالتسوق يأخذ الكثير من الوقت، وكم تمقته من الأساس
- حاضر.
صعدت يارا بجواره في السيارة بوجه مُتجهم، ولم يكن هو افضل حالاً، انطلق بصمت حتى وصلا ل السوق التجاري، مد يده برزمة من النقود قائلاً
- خدي دول، شوفي الفستان اللي هتشتريه ورجعي الباقي
احسن قالتها بداخلها وهي تنظر له، نظرت لِما بيديه واعترضت
- دول كتير اوي، ليتسرقوا مني
- مش هتعرفي تتعاملي مع الكرت عشان كدة اديتك الفلوس دي، ومن ناحية السرقة مش خايف غير منك.
يخاف منها هي!، هل ستسرق ماله امام عينه مثلاً!، عضت شفتها السفلية بغضب وهي تشيح بنظراتها عنه، ترجلت صافقة الباب بقوة لتختفي بعدها داخل المبنى الضخم.
اعاد رأسه للخلف وهو يتنهد بقوة، اتاه اتصال عمل فأنشغل به قليلاً، عند منتصف حديثهم، لاحظ هاتف يارا التي نسته على مقعدها، اكمل مُكالمته التي لم تدم بعدها اكثر من ثلاث دقائق لتنتهي، التقط هاتفها وترجل ليذهب لها ويعطيها اياه.
بحث عنها في الطابق الاول ولم يجدها، تذمر، فأين سيجدها في هذا المبنى الضخم؟، هل سيبحث في كل طابق!
- هدور في الدور دة وبس، تبقى تيجي تاخذه هي لو عايزاه
صعد الطابق الثاني وسار به، تباطأت خطواته حتى توقفت حين ابصرها وهي تسير مقابلة اياها ودموعها تنهمر بغزارة على وجنتيها، تبدو كطفلة فقدت حلوتها المفضلة، عادت خطواته ليتقدم منها ويقف امامها ويسألها بقلق
- في اية؟ حصل اية؟ بتعيطي لية؟
رفعت نظراتها له وارتجفت شفتاها لتتعالى شهقاتها، وضعت كفها على عينيها تخفيهما وهي تُجيب..
وضعت يارا المال في حقيبتها وهي تتخطى الحاجز الأمني للسوق التجاري، توقفت للحظات تنظر حولها بسخط، كم تكره التسوق والآن هي تتمنى فقط ان تجد فستان لائق لتشتريه دون عناء او بحث ممل، دخلت اول محل صادفها، لم تجد ما يعجبها، اتجهت للمحل الذي يليه، أعجبها احد الفساتين وقررت قياسه، لكنه بدى سيء جداً عليها، خرجت من المحل الاخير وصعدت السلم الكهربائي لتصل للطابق الثاني وتدخل محل آخر لتخرج منه خائبة كسابقيه.
توقفت للحظة وقد تذكرت انها قد نست حقيبتها في غرفة القياس، هرعت للمحل لتقتحم غرفة القياس الفارغة التي استخدمتها، حمدت الله حين رأتها مُعلقة كما هي، اخذتها وهي تتنفس براحة ما لبثت ان تلاشت وحل محلها الإحباط، هتفت بجزع
- فلوسي راحت فين؟، انا اتسرقت، الفلوووس!
اقتربت منها البائعة تسألها بقلق
- طب اهدي حضرتك ا..
قاطعتها بخشونة
- اهدى اية!، بقولك الفلوس اتسرقت، نسيت الشنطة رجعت اخدها ملقتش الفلوس فيها.
- تعالي معايا حضرتك وهنشوف الكاميرات ونتأكد
شاهدا ما سجلته كاميرات المراقبة من لحظة مغادرة يارا، وجدوا ان فتاة دخلتها ومعها فستان وما لبثت ان خرجت تاركة ما أخذته لتقيسه، اخبرتها البائعة بهدوء محاولة إعطائها امل
- هتصل حالاً بأمن المول عشان يمسكوها ومتهربش، وإن شاء الله فلوسك هترجع.
ضمت يارا كفيها لصدرها وهي تدعوا الله ان تجد ذلك المال، ماذا تفعل إذ لم تُعيده؟، هل سيحاسبها عمر عليه ويطالبها به، لكن من اين ستأتي بذلك المبلغ لو طلب! ألا يكفيها أزماتها المالية الحالية؟، تجمعت الدموع في مقلتيها رغماً عنها، حاولت ان تكون قوية وان تُطمئِن نفسها وتعطيها أمل لكن تلك الفكرة أثقلتها.
- ممكن حضرتك تنزلي تستني في أوضة الأمن.
اومأت يارا برأسها ونهضت مُغادرة، توقفت خارج المحل مخفضة رأسها بحزن، لا تستطيع التغلب على افكارها السلبية التي تراودها الان، وأكثر ما تخافه هو رد فعل عمر ليس من صراخه، بل من طلب النقود منها.
تحركت بخطوات بطيئة وقد بدأت دموعها تنزلق من مقلتيها واحدة تلو الأخرى، تلوم نفسها، انه خطأها، كيف نست حقيبتها بتلك الطريقة الغبية!
توقفت حين قابلها جسد ضخم، عرفته من صوته
- في اية؟ حصل اية؟ بتعيطي لية؟
رفعت نظراتها له وارتجفت شفتاها لتتعالى شهقاتها، وضعت كفها على عينيها تخفيهما، اجابته بنحيب
- الفلوس اتسرقت مني، الفلوس اتسرقت، الفل..
اخفضت كفها بجوارها لتعود وتنظر له بلوم
- قولتلك الفلوس كتير وممكن تتسرق، شوفت قلبي كان حاسس ازاي!
عادت لتبكي بقوة من جديد وهي تهمس بقهر
- هعمل اية دلوقتي!، هتحاسبني عليهم اكيد، طب هجيبهم منين!
مسحت دموعها بظهر كفها دون ان تستطيع ان توقف بكائها، اخبرته بصدق من بين شهقاتها.
- خلاص مش عايزة اروح الحفلة، بس متاخدش الفلوس مني
تعاطف معها، شعر بالشفقة عليها!، كل خوفها وما يهمها هو المال!، لكنه يتفهم حد تفكيرها، ابتسم وهو ينحني قليلاً ليصل لطولها الأقصر منه، نظر في وجهها بتعمق وهو يقول بخفوت لطيف
- خلاص مش مشكلة، المهم انك كويسة، مش مهم الفلوس
رفعت حدقتيها اليه بذهول ظهر بين دموعها الكثيفة، لديها حق، فكيف تتوقع من عمر رد مُسامح كهذا!، اكمل الاخير بإبتسامته الجذابة!
- ومتقلقيش، مش هطلبهم منك
شقت الابتسامة شفتيها بتلقائية ودون ان تشعر، وبدت الراحة على ملامح وجهها، تنفست بقوة وقد انتهت دموعها، مسحت وجهها بكفيها ويبدو انها عادت لطبيعتها!، قالت بجدية
- طب انا كنت رايحة للأمن عشان لو في اي أخبار، هنروح ولا مش مهم؟
رفع حاجبيه بذهول من تغيرها السريع، مد يده ومعه هاتفها ليعطيه اياها قائلاً
- روحي انتِ كملي لف على فستان، وانا هروح اشوف الموضوع مع الأمن واجيلك.
صمتت لبرهة قبل ان توافق، تعلم انه مُضطر لأخذها للحفل بسبب والدته.
اغلقت الخط معه بعد ان اخبرته عن اسم المحل الذي تتواجد فيه حالياً، عادت لتنظر للفستان الذي امامها، احمر اللون، طويل ذو شريط اسود لامع حول الخصر مع فتحة صغيرة للصدر وذراعين من الدانتيل، سمعت صوته من خلفها يقول
- لا مش حلو، ممكن نشوف دة!
وأشار لفستان اخر بجانبه، نظرت لِما اختاره، سألته وعينيها مُعلقة على الفستان الذي اختاره
- ها مسكوها؟
- لا
تنهدت بإستياء واعتذرت
- انا اسفة.
نظر لها وابتسم بشيء من الدهشة، انها تعرف كيف تعتذر إذاً!، تمتم
- مش مشكلة
اردف مُقترحاً
- تعالي، اعرف محل فساتين اكيد هتلاقي فيه اللي انتِ عايزاه
رفعت رأسها تنظر له بضجر
- ياريت عشان زهقت
- زهقتي!
سارا معاً للخارج، اجابته
- مش بحب أتسوق اصلاً
صحح لها
- اسمها شوبينج
رمقته بإنزعاج، فبرر
- لو قولتي أتسوق قدام حد من الناس اللي نعرفهم هيتريقوا عليكِ
زمت شفتيها بسخط هامسة
- اية الناس الغريبة دي
- هو دة.
توقفت اثر توقفه ونظرت للمحل الضخم الذي امامها، يبدو عليه الرُقي، سألته بفضول
- وعرفته منين؟
لم يُجيبها فوراً، فقد صمت للحظات قبل ان يأتيها صوته الأجش الخافت
- ملكيش دعوة
شعرت بتغير نبرته واهتزاز حدقتيه، لم تكترث كثيراً وهمت للدخول والبحث عن فستان، صُدِمت من الأسعار، هتفت بإستنكار
- فستان ب عشرين الف؟ بتهزر؟
- وطي صوتك فضحتينا
ادركت نفسها وحاولت التحكم في صدمتها، اقتربت منه هامسة بسخرية.
- اية فستان من دهب!
تخطى سخريتها وقال بهدوء
- خلصي شوفي هتشتري اية وملكيش دعوة بالسعر
- ازاي مليش دعوة، دة تبذير
زفر بنفاذ صبر وتخطاها ليشير لإحدى الفساتين
- ها اية رأيك؟
اعترضت بقوة
- مش هلبس عريان اكيد
اختار لها اثنين آخرين لكنها اعترضت، تنفس بقوة ونفاذ صبر، سألها بحدة
- اية اللي مش عاجبك فيهم؟
اجابته بإنفعال لم يكن له داعي
- واحد ايديه عريانة والتاني الرجل والتالت فتحة الصدر، مش متعودة البس لبس مكشوف كدة.
- طب اختاري انتِ مدام اختياراتي مش مناسبة لحضرتك
رمقته بغيظ وابتعدت لتبحث في الارجاء، توقفت عند فستان كحلي من القماش المخملي ضيّق ومرفقة بحركة صغيرة عند جانب من الخصر، كما اتّسم بالأكمام الطويلة وفتحة صدر صغيرة، لمعت عينيها بإعجاب
- دة حلو، هجربه
لم ينل إعجابه وهذا ظهر جلياً في نظرته، قال مُقترحاً بهدوء
- شوفي غيره
اسرع ليردف مُتراجعاً، فهو يعلم انها تسير عكسه، لذا ترك الامر لها.
- اعملي اللي تعمليه، انا هدفع وبس
ضحكت بخفة، اصبح يعرفها، لكن هذه المرة لم تكن لتعانده، كانت ستفعل الأفضل.
خرجت من غرفة القياس وأخبرته
- هاخده
لم يجادلها، اتجه ليدفع لكنها اوقفته لتقول بخفوت بجانبه
- ينفع نأجره لبكرة وبس!، عشان حرام نشتريه دة غالي اوي
رمقها بنفاذ صبر قائلاً بتذمر
- هي فلوسك!، لا، يبقى ملكيش دعوة.
مطت شفتيها بتبرم، فحتى إن لم تكن نقودها، فلا يجب عليها استغلال ثراءه والتبذير فيه دون مُراعاة.
نظرت لساعة يدها وصُدمت، كيف مر الوقت وحل المساء!، كيف ستذهب لوالدتها الان؟، زفرت بضيق وهي تخرج هاتفها مُبتعدة لتتصل بوالدتها وتتحجج بنفس حجة العمل الزائف.
دقت عقارب الساعة منتصف الليل..
بين ذلك الظلام الموحش والهدوء المخيف، هناك نقطة مُضيئة في الغرفة مُعلقة نظراتها بها، وقلبها يشعر بالخوف والفراغ البارد، تشعر بحاجة مُلحة بأن تذهب لوالدتها وتنام بجوارها بين ذراعيها الدافئتين، خرجت انفاسها من بين شفتيها بنعومة وهي تحيد بحدقتيها عن تلك البقعة الى ارجاء الغرفة المُظلمة وقد ترسخت تلك الفكرة في رأسها، ستنهض وتغادر لتعود لمنزلها المتواضع ودفئه، لقد اشتاقت الى جدرانه المشققة والقريبة منها، فكرت بحزن، ما شعور والدتها وهي تقضي مساءها بمفردها؟ بالتأكيد تشعر بالوحدة رغم مناوبة ام محمد و ملك على زيارتها وقضاء الكثير من الوقت معها.
عزمت امرها ونهضت لتبدل ما ترتديه بملابسها القديمة المعتادة، انها تحرص على ارتداء ملابسها القديمة في زياراتها لوالدتها والبُعد تماماً عن الملابس الذي يبدو عليها الرُقي التي اشترتها لها سهام.
تسللت خارج غرفتها بخفة وحذر مُغادرة، طلبت سيارة أُجرة لتوصلها الى منزلها بأمان.
فكرت في رد فعل عمر الذي سيعنفها بالتأكيد، لكن لا بأس في مُجادلة صغيرة تُضاف لتلك الأساسية المُعتادة بينهم، وأيضا انها ستحاول ان تعود صباحاً قبل ان يشعر بمغادرتها احد.
وصلت لمنزلها في وقت قصير، دست المفتاح في القفل وادارته لتدلف للداخل، وضعت أغراضها جانباً وتقدمت حيث كانت والدتها نائمة، أخذت مكان بجوارها مُعانقة اياها بقوة، شعرت بها كوثر وفتحت عينيها لترتسم الابتسامة سريعاً على شفتيها وهي تقول بصوت ناعس
- جيتي!
- ايوة، استأذنت عشان اجي انام معاكِ، وحشني حضنك يا ماما
ربتت كوثر بحنان على ظهر يارا وصمتت، قالت بعد دقائق.
- سيبي الشغل المتأخر دة يا يارا، انا مش حاباه، مش حابة تباتي برة بعيد عني
تنهدت يارا مُطالبة برجاء
- استحملي الوضع دة لشهرين كمان وبس، وبعدها هرجع تاني لشغلانة واحدة و..
قاطعتها كوثر بنبرة غريبة وهي تسأل
- مش مخبية عني حاجة يا يارا؟
لم تجرأ يارا لرفع نظراتها لوالدتها وهي تكذب بوقاحة امام عينيها
- اخبي عليكِ اية بس يا ست الكل، بس لازم اضغط على نفسي واشتغل جامد عشان القرض والبيت.
صمتت كوثر لدقائق وقد ظهر عليها التردد، تنهدت قبل ان تُخرج ما بداخلها من افكار
- الصراحة انا خايفة عليكِ، انا واثقة فيكِ، اهو بقول انا واثقة فيكِ بس خايفة لتروحي لطريق الغلط و..
فزت يارا من مكانها كأن أفعى لدغتها، فقد صُدِمت مما تعتقده والدتها، هتفت مُدافعة عن نفسها
- مستحيل، متفكريش كدة يا ماما بيا ابداً، مستحيل امشي بطريق غلط عشان محتاجة فلوس وبس، انتِ مربتنيش على كدة، والمكان اللي بشتغل فيه ب...
سقطت بقية حروفها تدريجياً، لا تريد ان تكذب على والدتها اكثر، استدارت وهي تمسح وجهها بقوة مُتنهدة، قالت بخفوت مرهق
- ممكن تديني فرصة يا ماما!، قريب جداً هقولك على كل حاجة بس، بس خليكِ واثقة فيا.
تأملت كوثر ابنتها للحظات قبل ان تهمهم بالموافقة، ستنتظر، ستمنحها الوقت لتأتي لها وتخبرها بما تخفيه عنها، انها تثق بها ثقة عمياء، وتقسم انها لم تشك بها ولو بمقدار خردل، انها فقط تريد ان تطمأن، ان يكون لديها فكرة عن عملها المجهول، ان ترد بثقة امام الناس وامام اي اتهام او تلميح يمسها، مدت ذراعها وهي تناديها بصوت حاني
- يارا، تعالي لحضني.
عادت يارا لذراعي والدتها بلهفة، لم ولن تشبع من دفئه ابداً، بعد لحظات من الصمت الجميل، قالت كوثر
- واثقة فيكِ لأنك تربية ايدي، بس خلينا نتفق على رد قدام كلام الناس و اي سؤال عن شغلك وغيابك
رفعت يارا رأسها لتنظر ل كوثر قائلة بهدوء
- انتِ عارفة ان الناس وتفكيرهم وفضولهم ميهمنيش، الناس القريبة مني بس هما المهمين، بس عشان ترتاحي هقولك على رد يكتم ظنونهم لو كان في..
وأخذا يتحدثان حتى غلبهم النوم وذهبوا في سبات عميق.
مع بداية إشراق الشمس، كانت يارا قد استيقظت وجهزت الإفطار لوالدتها التي مازالت نائمة ثم غادرت بهدوء.
ترجلت يارا من سيارة الأجرة امام الفيلا وعبرت البوابة بخطوات مُتسارعة، افضل شيء انه لا يوجد حُراس او خدم ليرونها في هذا الوقت، تخطت باب الفيلا واتجهت الحديقة حتى تدخل من شرفتها، لكنها تصلبت حين رأت عمر جالساً على الكرسي من بعيد ووجهه في اتجاهها، كتمت انفاسها وهي تراه مُسترخي مغمض العينين بهدوء لذا حاولت الفرار والانسحاب دون ان يشعر بها، لكنها ما لبثت ان استدارت حتى سمعت صوته الأجش
- بتعملي اية هنا؟
ضمت قبضتها بإنزعاج وهي تسب بداخلها، كيف شعر بها؟، استدارت رغماً عنها لتتقدم منه وتسحب الكرسي المقابل له وتجلس، قالت بفظاظة
- ملكش دعوة
ظل ينظر لها مُنتظراً الإجابة التي يريدها، كانت تراه من طرف عينيها، عادت لتعدل اجابتها وهي تجز على أسنانها
- في بيتي
عقد حاجبيه بإستغراب مُتسائلاً
- روحتي امتى؟
- بعد ما الكل نام
فرقت شفتيها لتحذره وهي تنظر لعينيه مُباشرةً، لكنه سبقها بسؤاله المهتم الذي بدى غريب لها.
- حصل حاجة؟، مامتك تعبت تاني؟
حدقت به لبرهة مُفرقة شفتيها ببلاهة اثر ذهولها، هزت رأسها ببطء بالنفي هامسة
- لا الحمدالله
هز رأسه مكرراً كلمتها الاخيرة، وساد الصمت لتقطعه هي بسؤالها التي طرحته بإقتضاب
- غريبة صاحي لية؟، الساعة لسة ستة
تنهد بإستياء وهو يُجيب ونظراته مُعلقة بهاتفه
- مش عارف، صحيت على كابوس ومعرفتش انام تاني.
غمغمت بتفهم وأسف، وعم الصمت مرة أخرى، تابعته وهو يعبث بهاتفه، يضغط على حروف كثيرة ثم يُرسل، أهذه رسالة جديدة لحبيبته؟، هزت رأسها بأسف وهي تحدث نفسها بشرود ناظرة لنقطة بعيدة عنه
- بيبعت رسايل مش هتوصل
وصله قولها الذي هز داخله، رفع نظراته لها ببطء وظل هادئاً للحظة قبل ان يسأل بخفوت جاذباً حدقتيها لخاصته
- قصدك اية؟
ادركت ما قالته فعضت شفتيها وهي تنعت نفسها بالحمقاء، متى ستتخلص من هذا التصرف اللا شعوري الذي يخرج منها، سعلت بخفة وهي تقابل نظراته الفضولية، لم تهرب ولن تُمثل الجهل، صارحته بحروف رزينة
- رسالة مش هتتقرأ من الطرف التاني يبقى تبعتها لية؟
وكأنه ادرك بل تأكد عن من تتحدث هي وتقصد من بقولها، لذا سألها بثبات
- وانتِ عرفتي منين انها هي؟
- مش عارفة، توقعت.
صمت مرة اخرى وهو يخفض رأسه قليلاً، صدح صوته فجأة بسؤال لم تكن تتوقعه ابداً
- عايزة تعرفي اية الحصل بينا؟
قوله صدمها جعل فكها يسقط، هل سيتحدث معها في ذلك الامر؟، هل هما مقربين لتلك الدرجة حتى يخبرها بذلك بنفسه؟، ردت بحروف شاردة لكنها ثابتة
- لو عايز تقول، انا سامعة
لم يرفع رأسه لينظر لها، ابتسم بخبث وهو يقول بتهكم
- صدقتي اني هقولك!
ثم ضحك بخفة وهو يلتقط هاتفه مرة اخرى، عضت شفتيها بحنق وهي تكاد ان تحرقه بالنيران التي تنبعث من حدقتيها بشرارة، لقد كانت تعلم انه لن يتحدث معها عن امور شخصية كهذه، تمنت لو سخرت ورفضت بلامبالاة حين سألها، لا يجب ان تتعاطف معه مرة اخرى.
نهضت بخشونة لتغادر لكنه اوقفها بقوله
- في الحفلة اياكِ تحطي البرفان المستفزة اللي بتحطيه دايماً
استدارت له لتنظر له وقد أصبحت نيران حدقتيها تتحداه بشراسة.
- عنيا، دة انا مش هحط غيره
وعادت لتستدير مرة اخرى لكنه اوقفها كالسابق
- وطبعاً غيري ديل الحصان الجربان دة، مش هتروحي بِه حفلة اكيد
لم تلتفت هده المرة، قالت بثقة قبل ان تبتعد
- هبهرك، اصبر عليا
رفع زاوية فمه بسخرية وهو يهتف ليغيظها
- ربنا يستر.
عصر اليوم
خلعت ملك مريولها لتضعه جانباً، التقطت هاتفها حين ارتفع رنينه، أجابت
- يارا يا يارا، عاملة اية
- الحمدالله يا لوكة انتِ عاملة اية يا فتاة؟
- اهو الحمدالله، لسة مخلصة شغل وهروح
- بجد!، طب حلو، ممكن اطلب منك خدمة؟
- قولي
- انتِ اشتغلتي قبل كدة في كوافير وعارفة ازاي تمكيجي وتعملي تسريحات شعر وكدة، وانا عندي حفلة وانتِ عارفة اني بطاطا في الكلام دة، فهتعرفي تيجي تساعديني؟
عقدت ملك حاجبيها وهي تستفسر
- حفلة اية دي؟
- حفلة لازم اروحها لصاحب عمر، إياد انتِ تعرفيه
غمغمت ملك وصمتت لدقائق قبل ان تقول
- ماشي، بس ازاي هجيلك؟
- هاجي انا اخدك
- بس عادي اجي كدة؟، هتقوليلهم انا مين؟
- متقلقيش، هقولهم صاحبتي وهما مش هيشكوا في حاجة
واردفت يارا
- صحيح، عندي هنا كل حاجة هتحتاجيها فمتقلقيش
- حاضر، استناكِ فين؟
- عند المحطة، وساعة زمن وابقى عندك.
حل المساء وعم الهدوء..
كانت ملك تضع لمساتها الاخيرة والبسيطة على وجه يارا لتنتهي بعدها بدقائق وتمنح الاخيرة الفرصة لترى نفسها في المرآة، لمعت حدقتيها بإنبهار بينما إبتسمت سهام التي كانت جالسة تشاهدهم برضا، سألتها ملك بفضول
- ها اية رأيك؟، عملتك زي ما طلبتي، ميكب سيمبل كدة وفي نفس الوقت يليق على فستانك وجو الحفلة.
نظرت يارا لصورتها المُنعكسة، تأملت نفسها وشعرها الذي صُفف بتسريحة ناعمة -الخصلات المرفوعة- مع اكسسوار مرصع بالأحجار عند جانب شعرها وترك بعض الخصلات تنعم بالحرية على وجهها، قالت بإعجاب
- تحفة اوي بجد، تسلم ايدك
ابدت سهام رأيها وقد لمعت حدقتيها بالدموع
- طالعة قمر يا سلمى
استدارت لها يارا تنظر لها بإمتنان، سمعا طرقات تعجلهم على الباب، فنهضت سهام لتقول
- عمر تقريباً خلص ومش هيسكت، فخمس دقايق وتنزلي ماشي؟
- حاضر يا ماما
نقلت سهام نظراتها ل ملك وشكرتها بصدق
- شكرا يا ملك على وقفتك مع بنتي
- دي حاجة بسيطة
وضحت سهام بصوت مُتأثر حاني
- طبعاً بشكرك على تعبك النهاردة بس كمان بشكرك على انك فضلتي معاها وكنتِ صاحبة وفية وكويسة ليها
نظرت ملك ل يارا ثم ل سهام، هزت رأسها هامسة بخجل
- العفو
فور مغادرتها قالت ملك بتعاطف شديد
- دي شكلها طيبة اوي بجد
وافقتها يارا بشدة، سألتها الاخيرة
- هتعملي اية بعد ما تمشي من عندي؟
- هروح البيت الاول وبعدها هنزل اطمن على طنط كوثر
نهضت يارا وعانقت ملك وهي تشعر بإمتنان شديد لها ول جارتها
- بجد شكراً على وقفتكم جمبي
نكزتها ملك بخفة مُعاتبة اياها
- يا بت احنا اخوات بقى مفيش الكلام دة ما بينا
ابتعدت يارا عنها وقالت
- يلا عشان تروحي، هخلي السواق يوصلك
- اية دة كمان في سواق؟ واو
- وانا لسة عارفة النهاردة ان في سواق اصلاً، تقريباً كان ماخد اجازة الفترة الفاتت.
ارتدت يارا صندال ذي شرائط ونظرت لنفسها في المرآة للمرة الاخيرة قبل ان تغادر الغرفة ومعها ملك.
اتجهت للخارج حين اخبرتها سهام ان عمر سينتظرها خارجاً، ودعت ملك التي صعدت مع السائق واتجهت ل عمر الذي كان يقف بعيداً مُستنداً على سيارته ينظر في النايحة المعاكسة لها.
جذب انتباه عمر وقع اقدام خلفه فأستدار بضجر وهو يتذمر
- كل دة تأخ..
ضاعت بقية حروفه حين ظهرت في محيط رؤياه، ارتفع حاجبيه بذهول وفُرِقت شفتيه وهو يتابعها اثناء اقترابها منه، أهذه هي حقاً!، انها جميلة!، ادرك نفسه فأستدار سريعاً ليلويها ظهره وهو يزدرد ريقه بتوتر، انها المرة الثانية التي يقر فيها بجمالها، كانت المرة الاولى حين مثلت اصطدام السيارة بها وضحكاتها التي سرقت انتباهه ودقة من دقات قلبه، رغم انه كان منشغل في غضبه حينها لكنه لم يغفل عن جمال ضحكتها، وها هي المرة الثانية، تبدو مختلفة، جذابة!، ابتعد عن السيارة ليفتح بابها ويصعد لمقعده، تابعها وهي تصعد بجواره بهدوء، اخترقت انفه رائحتها المختلفة، لم تضع ذلك العُطر السيء، ابتسم بداخله برضا، نظر لها بطرف عينيه قائلاً بجفاء مصطنع.
- مش بطال
سألته بإستخفاف لا يحمل اي لين
- شوفتني سألتك عن رأيك؟
رفع زاوية فمه بسخرية وساد الصمت بينهم حتى وصلا لموقع الحفل، قبل ان تترجل سألته
- في صحفيين؟
- اكيد، مش حفلة شغل!
اتسعت مقلتيها بتوتر وهي تقول بإنفعال
- لية مقولتش ونبهتي قبلها! مكنتش جيت
اجابها ببرود مستفز
- أولاً مسألتنيش، ثانياً استحملي نتيجة عنادك
انهى جملته وترجل، تبعته بغضب صافقة الباب بقوة هاتفة
- استنى رايح فين؟
توقف امامها ناظراً لحدقتيها التي تهتز بغضب وتوتر اول مرة يراه فيهما، تنهد ومد كفه ليلتقط ذراعها ويجعلها تتأبط ذراعه قائلاً بهدوء خافت، مُطمئِناً اياها
- حتى لو في صحفيين مش هيجيوا جمبك، متقلقيش
نظرت له بشك، تخاف الثقة به، لكنها نادمة على عنادها الان، ما كان يجدر بها المجيء معه، تنفست بقوة وهي تحاول ان تعود لثباتها، رسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة وسارت معه بخطوات واثقة مزيفة للداخل.
كان الحفل في الهواء الطلق على العشب الأخضر امام حوض سباحة كبير، كانت الموسيقى الهادئة سائدة في المكان، والرقي ظاهر من البدلات والفساتين الأنيقة حتى شراشف الطاولات.
تقدم منهم إياد فور رؤيته لهم، حياهم بحرارة ثم قال ل عمر بإهتمام
- جبتها معاك عادي كدة؟، انت غبي!، لو عرفوا انها اختك الأضواء هتبقى عليها
- اضطريت اخدها اعمل اية يعني!
تنهد إياد ثم اقترح.
- خلاص قعدها في مكان على جمب كدة اهو نتفادى الفضول شوية
وافقه عمر، كانت تتابع حديثهم بإنصات، اشارت لمقعد بعيد قبل ان يطلب منها
- هروح اقعد هناك بس هروح الحمام الاول، ممكن اعرف مكانه؟
نظر لها عمر بينما أرشدها إياد لطريق المرحاض، سحبت ذراعها لجانبها وابتعدت عنهم، ظلا ينظران