
ستخاطر، لن تستمع لعقلها هذه المرة، ستستسلم لرغبتها وستدعو الله ألا تُخذل، لقد فكرت، لا بأس في تجربة مشاعر جديدة، فلماذا تخاف؟ من حقها ان تشعر بإهتمام وحب احدهم، لِم تعاقب نفسها وتعزلها عن كل شخص يحاول الاقتراب منها!، تتمنى فقط ان يكون الشخص الصحيح لخطو الخطوة الاولى خارج جدران خوفها، تتمنى في النهاية ان يستحق شجاعتها، رغم ان خوفها لم يزُل ولن يزول ولكنها ستعطي نفسها الفرصة.
<a name=\'more\'></a>
هذا ما فكرت به في الحافلة، ومن هنا اخذت قرارها واستجمعت شجاعتها.
بينما في الناحية الأخرى، عند عمر
لم يصدق انها وافقت، اعتقد لوهلة انه يتوهم، لذا سألها بلهفة وأنفاس مُتقطعة من الحماس
- نعم!، بتقولي اية؟ موافقة؟ بجد؟ موافقة؟
وحين اومأت برأسها من بعيد اتسعت عينيه ولمعت بسعادة، شعر ان قلبه سيقفز من مكانه من هول سعادته وحماسه، ركضت به قدميه اليها بلهفة، أراد ان يسمع ردها وهي تنظر لعينيه مُباشرةً لكنها هربت واغلقت الخط، توقف ضارباً الارض بسخط لم يستطع ان يُقلل من سعادته ابداً، وضع كفه على صدره مُحاولاً التقاط انفاسه التي ذهبت معها، فجأة انفجر ضاحكاً فأصبح المارة ينظرون له بحيرة، هل جُن!
هدأت ضحكاته حين سمع زامور سيارة خلفه، حين استدار، رأى إياد عاقداً حاجبيه وهو يتابع حالته المريبة داخل سيارته، اشار له الاخير ب هل جُننت!
تقدم عمر منه راكضاً وصعد بجواره، التقط انفاسه وهو يقول بحماس مُحاولاً التحكم بسعادته
- مش هتصدق الحصل
ادار إياد المقود، وهو يسأله
- اية الحصل؟
نكزه عمر في كتفه وهو يرمقه بحنق
- مش هقولك، هخليك تعرف بالصدفة زي ما عرفت اخبارك بالصدفة
ارتفعا حاجبي إياد وهو يهتف بفضول.
- عرفت منين؟
- يارا
- هي فين صحيح؟
- غير الموضوع
- مش بغيره والله هجاوبك بس..
قاطعه عمر مُتسائلاً بحيرة
- اية اللي غير رأيك؟ دة انت كنت رافض وشوية وكنت هتكسر الدنيا فوق دماغ ابوها، اية الحصل؟
- غيرت رأيي لاني عايزها..
اجابه بصدق، وأردف
- ومليش دعوة بتصرفات ابوها، هي حاجة وهو حاجة تانية، فمش هضيع فرصتي معاها بسبب اسلوب وطمع ابوها
هتف عمر بعبث
- دة انت فعلا حبيتها!
- اومال بلعب بيها!
ربت عمر على كتف إياد وهو يقول برضا
- مدحي ونفخي فيك مكنش على الفاضي
- مش فاهم؟
- يارا هتقابل ملك وهتلينها عليك، اصل انا مدحت فيك اوي اوي قدامها
نظر له إياد قائلاً بسخط
- اة ياريت تلينها شوية عشان الوضع بقى صعب اوي.
وصلت يارا لمنزل ملك، القت التحية على والدتها التي فتحت لها، ثم اتجهت لغرفة ملك
- يارا!
هتفت بها ملك بلهفة وهي تنهض لترتمي بين ذراعي صديقتها، بادلتها يارا العناق وربتت على ظهرها حين بدأت الأخرى في البكاء.
- بتعيطي لية دلوقتي؟، مش اتفقنا انك تهدي!
ابتعدت ملك عنها وهي تمسح دموعها مُجيبة بألم
- كل ما افتكر إهانته ليا تصعب عليا نفسي واعيط.
اخذتها يارا ليجلسا، تحدثت بهدوء واضعة الاحتمالات الإيجابية امام ملك
- ممكن تكوني فاهمة الموضوع غلط، ممكن مش قصده يا ملك، ممكن كان عايز يهديكِ حاجة ومعرفش فقال ياخدك وتختاري انتِ، ف لية خدتيها بالحزازية دي!
قبل ان ترد ملك اضافت يارا ب
- متحطيش الأفكار السلبية في دماغك، متدوريش على حاجات تخرب عليكِ، ومتفضليش تقللي من نفسك انتِ تستاهلي ان حد يحبك ويهتم بيكِ
نظرت لها ملك بعينيها الحزينتين، قالت بقهر.
- ازاي استاهل حد كدة وابويا مرخصني بأسلوبه؟ انا معنديش ثقة في نفسي وانتِ عارفة، بس اللي زاد اني بقيت خايفة، خايفة من اللي جاي، خايفة أوهم نفسي وأثق فيها وبعدين أقع واكسر رقبتي..
تنهدت ملك بإستياء
- انا مش عارفة اصدقه، كل ما ابدأ ها أصدقه يحصل تصرف منه يخليني أتراجع، ممكن فعلاً يكون دة مش قصده وانا خدت الأمور بحزازية بس مش بأيدي، خايفة ليعايرني بعدين او يشوف اني اقل منه و..
علقت يارا
- تفكيرك غلط..
بينما أكملت ملك بأحباط وهي تخفض رأسها
- اكيد شاف بنات كتير قبلي وأحسن مني وبيلبسوا انضف وعايشين عيشته، فكل ما افكر بالنقطة دي ببقى عايزة اهرب
- بصي يا ملك يا حبيبتي، انتِ لازم تبقي واثقة من نفسك لانه اختارك من بين البنات اللي بتقولي عليهم دول، واكيد هو اختارك عشان شاف فيكِ حاجة مميزة عنهم
رفعت ملك عينيها لتنظر ل يارا وتهمس بحيرة
- تفتكري؟
اجابت يارا بثقة، ثم تحول حديثها للمزاح.
- طبعاً، انتِ كفاية وشك الملائكي دة، هو انتِ مش عارفة اني بحسدك عليه ولا اية؟
ابتسمت ملك بسخرية
- حاولي تهونيها عليا حاولي
نهضت يارا بإنفعال قائلة بإمرته مُصطنع
- اهون عليكِ!، انتِ مش بتشوفي نظرة الناس ليا وانا ماشية جمبك، بيحسسوني اني شريرة
ضحكت ملك قائلة
- عشان لسانك بس
اومأت يارا برأسها بإقتناع وهي تتمتم
- فعلاً لساني هيوديني في داهية
عادت يارا لتجلس بجوار ملك لتسألها بجدية.
- طب سيبك من كل دة، انتِ عايزاه؟ عايزة تكملي التجربة دي؟
ضمت ملك كفيها لبعضهما البعض، شعرت بصعوبة السؤال حين طُرح عليها، رغم انه كان من السهل عليها رفضه، فلماذا صعب عليها الإجابة!
- خلاص عرفت الإجابة
قالتها يارا بهدوء وهي تتأمل ملك، فإبتسمت الاخيرة بحرج، وهمست وهي تحك جبينها
- انا متناقضة اوي، صح!
إبتسمت يارا وقالت ببساطة
- مش مشكلة، طالعة زيك.
صمتت لوهلة قبل ان تتحدث بحكمة، بدى انها توجه الحديث ل ملك لكن في الحقيقة كانت توجهه لنفسها وتصارحها به.
- انتِ خايفة تخوضي التجربة دي بس في نفس الوقت عايزة تجربيها، بتحاولي تمنعي نفسك وفي نفس الوقت عايزة تحرريها وتخليها تعمل اللي هي عايزاه، اقنعتي نفسك ان منطقة الحب ممنوع بس نعمل اية! الممنوع مرغوب.
سألتها ملك بتشتت
- طب وهتصرف ازاي؟، هختار اية؟
اجابتها يارا وهي تنظر لنقطة بعيدة.
- ندي لنفسنا فرصة، ونخاطر لمرة واحدة بس، ولو فشلنا مش مشكلة، نعتبره عقاب
هزت ملك رأسها بتفهم، وذهبت حدقتيها لنقطة بعيدة، تمتمت في النهاية
- نستنى ونشوف هناخد الجايزة في الاخر ولا العقاب.
في الشالية..
- ازاي يسافر كدة من غير ما يقول لي
قالتها رضوى بإنزعاج ل مروان الجالس بجوارها، ضحك الاخير بسخرية وهو يرد
- لقاها فرصة عشان يهرب منك، او يهربوا مننا أيهما اقرب
رمقته بغضب فهز كتفيه بلامبالاة ثم نقل تركيزه ل سهام الغاضبة
- طب كانوا يستنوا الصبح يجي ويقولولي، مكنتش سيبتهم يروحوا لوحدهم
حاول إبراهيم تهدأتها
- مش مشكلة يا سهام بقى، ما انا حجزت اهو وهنرجع القاهرة.
تخطت قوله واكملت حديثها لكن بحنق وحقد
- ما تتعب واحنا مالنا، يعني لازم سلمى تروح!
تدخل مروان بقوله المُتساهل
- مش هي اللي ربيتها يا طنط ف دة واجبها
انفجرت سهام به
- وواجبها ناحيتي اية؟ مش المفروض تراعي مشاعري!
رفع مروان كفيه مُعلناً إستستلامه وأسفه للتدخل، فأشاحت سهام بوجهها وهي تتنفس بخشونة وإنفعال.
في منزل يارا
عانقت يارا والدتها بحرارة، لقد اشتاقت لها رغم عدم تغيبها الطويل، سألتها كوثر
- غريبة جيتي!، مش قولتي انك لمدة اسبوع مش هتقدري تيجي بسبب سهام؟
ابتسمت يارا وهي تقول بإشتياق
- مقدرتش ابعد عنك اكتر من كدة يا ست الكل
ثم ارتفعا حاجبيها وهي تقول بإستمتاع
- لتكوني غيرانة من ماما سهام!
استنكرت كوثر قول إبنتها وسخرت
- غيرانة! أغير لية! انا أمك الحقيقة اغير منها!
ضحكت يارا بقوة وهي تحاصرها.
- كشفتك، غيرانة كشفتك
هتفت كوثر بحزم
- قولت لا
- ماشي هعمل نفسي مصدقاكي
واستطردت بحماس
- بس عندي ليكِ خبر حلو، هقضي معاكِ اليومين دول
- بجد؟
- ايوة، ونتفرج سوا على فيلم صغيرة على حب، ماشي؟
وافقت كوثر بحماس واقترحت
- اتفقنا، وقولي ل ملك تيجي
- قولتلها وقالت هتشوف
- حلو
نهضت يارا لتذهب لغرفتها وتبدل ملابسها، بينما تحدثت كوثر مع نفسها بتطلع
- امتى هيخلص الشهر بقى وترجعي لحياتك الطبيعية؟
توقفت يارا قبل ان تصل لغرفتها لتخبر والدتها
- بكرة عندك موعد مع الدكتور، فاكرة ولا ناسية!
ابتسمت كوثر قائلة بإحباط
- الصراحة نسيت
رمقتها يارا بعتاب قبل ان تدخل لغرفتها.
مساءً
عاد والدي عمر، قابلته سهام بوجه مُقتضب، فعلم سريعاً انها مُنزعجة والسبب معروف، ابتسم وهو ينقض عليها بخفة من الخلف وهو يمازحها
- اية يا ست الكل قالبة وشك لية؟
لم يكن الامر شاق، فقد عاتبته سريعاً وكأنها كانت تنتظر سؤاله
- يبقى تساعد اختك انها تروح ل كوثر وتسيبيني!
رد بذكاء
- يعني يرضيكِ أسيبها تروح لوحدها!
- ما ممكن تقنعها انها متروحش
اعتدل ليقول بسخط مزيف.
- دة انتِ لو تعرفي انا عملت اية عشان اخليها تستناني، دي كانت بتجري في الشارع زي المجنونة عشان تلحق تروح
عبست سهام وهي تهمس بضيق
- للدرجاتي!
اومأ عمر برأسه، بينما سأله إبراهيم وهو يقف في منتصف درجات السلم
- وهي عارفة اننا رجعنا؟
- لا، مقولتلهاش عشان متتشتتش بينا وبين طنط كوثر
شردت سهام وهي تقول بطيبة
- مش عايزة بنتي تحس بضغط، فكويس انك مقولتلهاش.
ربت عمر على كف والدته وساعدها في صعود درجات السلم حتى أوصلها لغرفتها ثم اتجه لغرفته، التقط هاتفه بعد ان القى بجسده على الفراش، فتح غرفة الدردشة الخاصة بها، لم ترد على رسالته الذي ارسلها منذ ساعتين..
- عاملة اية؟، وحشتيني
هل مازالت تشعر بالخجل! ام ان رسالته جريئة وغير مناسبة لبدايتهما!
في منزل يارا
تتعالى الضحكات وتعم الاجواء السعيدة بين ثلاثتهم، اثناء مشاهدتهم للتلفاز تسرق يارا طبق الفشار من ملك لتأخذ الاخيرة طبق كوثر فتُعطيه لها بصدر رحب مما يُثير غيرة يارا فيبدأ الصراع من هنا وينتهي بضحك هستيري.
ثم انسجما مع الفيلم في نهايته، رفعت يارا نظراتها لوالدتها المستلقية على الفراش وقد نامت، عادت لتنظر للتلفاز، ثم فرقت شفتيها لتتحدث بخفوت
- عايزة اقولك حاجة
- اية؟
قالتها ملك ونظراتها مُعلقة بالتلفاز، اجابتها يارا ببطء
- عمر، بيحبني
انتفضت ملك من مكانها وهي تهتف بعدم تصديق
- نعم!
نهرتها يارا وهي تعتدل وتضع كفها على فم ملك لتسكتها
- ماما نايمة يا غبية
أزاحت ملك كف يارا سريعاً لتهمس بذهول
- عمر اية؟ دة بجد؟
اومأت يارا برأسها مؤكدة لها صدق ما قالته، ثم همست
- تعالي نروح الاوضة نتكلم.
نهضت ملك بتعجل قبل ان تنهي يارا جملتها فضحكت الاخيرة، اغلقت التلفاز ووضعت الغطاء على جسد والدتها بإحكام قبل ان تذهب لغرفتها.
- ها قولي بسرعة، اشرحي بسرررعة
حثتها ملك على الحديث بكل حماس، فإبتسمت يارا وسردت لها ما حدث، فشهقت الأخرى واضعة كفيها على فمها ثم انزلتهما ببطء وهي تتمتم بسعادة تتصاعد ببطء لنبرتها
- يعني هناخد اتنين صحاب! واااو
ثم قفزت بطفولية، فضربتها يارا بخفة واجلستها قائلة بضحك.
- دة اللي هامِك!
ردت ملك ببساطة
- مش دي كانت امنيتنا!
ثم اقتربت منها لتقول بخفوت
- بس لا مش مصدقة انك وافقتي؟
هزت ملك كتفيها وهي تمتم
- ولا انا
سألتها ملك مُباشرةً
- مُعجبة بيه ولا اية؟
حركت يارا حدقتيها داخل مقلتيها بخجل قبل ان تُجيب
- اعتقد!
كادت ان تُزغرط لكن يارا منعتها في اخر لحظة، في نفس الوقت تعالا رنين هاتف الاخيرة فألتقطته من فوق الكومود لتنظر لشاشته فكان عمر، ألقته بتوتر امامها فنظرت ملك لإسم المُتصل، ضغطت على زر الرد ووضعت الهاتف على أُذن يارا التي توعدت لها.
- الو..
سألها عمر مُباشرةً
- مشوفتيش رسالتي؟
أي رسالة؟، سألته بحيرة
- رسالة؟
- باين انك مشوفتهاش
بررت له..
- كنت مشغولة مع ماما وملك فمعرفتش امسك الموبايل
- مش مشكلة..
قالها ببساطة وأردف
- عاملة اية؟
ردت بعد وهلة بخفوت
- كويسة الحمدالله، وانت؟
- كويس بعد ما سمعت صوتِك
ازدردت ريقها بأضطراب، فإبتسم وهو يُضيف بعبث
- في قطة النهاردة زحلقتني وجريت، قوليلي اعمل فيها اية لما اشوفها تاني؟
إبتسمت، فهو يتحدث عنها، ردت ببراءة مصطنعة
- زحلقتك! ياعيني
اتسعت إبتسامته وهو يرد بتوعد
- مصعبش عليكِ، مش هخليها تهرب مني المرة الجاية
ردت بتحدي
- هنشوف
قهقه بقوة قائلاً بثقة
- اكيد.
كان لضحكته اثر قوي عليها، لقد تسارعت دقات قلبها حين دوى صوت قهقهته عبر الهاتف، ازدردت ريقها وقالت بتلعثم
- كنت عايز اية؟
قابل سؤالها بطرح سؤال عليها
- هتعملي اية بكرة؟
- هروح مع ماما المستشفى عشان عندها موعد مع دكتور القلب
- الساعة كام؟
اجابته بتلقائية
- على المغرب
- حلو، هاجي اخدك
أتى رفضها سريعاً
- طبعاً لا، متجيش
- مش بمزاجك، تصبحي على خير.
قالها بلطف قبل ان يُغلق الخط، ابعدت الهاتف عن اذنها بإنفعال واعادت الاتصال به لكنه اغلق هاتفه!، عضت على شفتيها بحنق بينما سألتها ملك بفضول
- قال اية؟
عصر اليوم التالي، في منزل ملك
اخذت ملك تجوب غرفتها ذهاباً وإياباً وهي تعض أظافر إحدى يديها بتوتر واليد الأخرى تُمسك بها هاتفها، فقد أرسلت رسالة إعتذار ل إياد منذ نصف ساعة وللآن لم يراها، فهل تتصل به ام تنتظر؟، وهل لم ينتبه لها بحق ام يتجاهلها انتقاماً منها!
توقفت حين دلفت والدتها للغرفة لتخبرها ب
- إياد تحت مستنيكِ
اتسعت مقلتيها ولمعت بسعادة وهي تهتف
- تحت! بجد!
ثم اسرعت للنافذة لتنظر منها فوجدت سيارته، ارتسمت الابتسامة على وجهها بتلقائية وهي تستدير لتركض لخزانتها لتُخرِج ملابسها التي سترتديها، بينما كانت تتابعها والدتها بحاجبين مرفوعين بدهشة.
انتهت سريعاً وغادرت، صعدت بجواره وانطلق بها، قالت بخفوت
- مقولتليش انك جاي
سألها بهدوء..
- ضايقتك!
ردت سريعاً
- لا، مش قصدي
ازدردت ريقها وهي تسأله بتردد
- مشوفتش رسالتي؟
- نسيت موبايلي في البيت
ثم نظر لها وسألها.
- بعتي رسالة؟ فيها اية؟
- مفيش..
لم يُصِر على المعرفة، بينما عدلت أجابتها بقولها للحقيقة
- كتبتلك فيها اني اسفة..
لم تُكمِل، لكنه إبتسم بود وهو يقول بسماحة
- اعتذارك مقبول
يكفي بالنسبة له إعتذارها، سيقبله بقلب رحب.
- تحبي تروحي فين؟
- اي مكان، بس يبقى مفتوح
اومأ برأسه وهو يشعر بالرضا اخيراً، فهناك تقدم، يبدو ان يارا لها تأثير قوي عليها وهذا لصالحه، حالياً.
مغرب اليوم..
أسندت يارا والدتها عند نزول درجات السلم، خرجت من المبنى فوجدت عمر واقفاً مُنتظراً اياها، فور رؤيته لها اعتدل واسرع ليقف امام كوثر مُرحباً بها بتهذيب
- ازيك يا طنط؟
- الحمدالله يابني، انت مين؟
قبل ان يُجيب قالت يارا
- دة عمر يا ماما
اومأت كوثر برأسها وهي تتفحصه بنظراتها، همست بذهول
- انت عمر!
ثم ابتسمت وهي تهمس ل يارا
- دة طلع قمر خالص.
رمقتها يارا بعتاب، وحين نقلت نظراتها له وجدته يبتسم فعلِمت انه سمع قول والدتها، لذا قالت بإستعجاب
- مش هنتحرك ولا اية!
اسرع عمر ليأخذ جانب كوثر ويساندها، اصعدها في الكرسي الخلفي واتت ان تصعد يارا بجوارها لكنه منعها بقوله
- هتركبي قدام..
اكمل بصوت منخفض سمعته هي فقط
- جمبي
كادت ان تعترض لكنه اغلق الباب الخلفي، فأضطرت ان تجلس بجواره ولا تعانده حتى لا تتجادل معه وتجذب الانتباه، فإبتسم بإنتصار.
في المستشفى..
اخذ عمر يارا جانباً ليتحدث معها
- ماما وبابا رجعوا من دهب
عقدت يارا حاجبيها مُتسائلة
- بجد! لية؟
- عشان احنا رجعنا
انخفض كتفيها وهي تسأله بإحباط
- يعني كدة لازم ارجع معاك؟
- لا مش مشكلة، تعالي بكرة وخليكِ النهاردة مع مامتك
ابتسمت وقالت موافقة
- ماشي
انعكس بريق ابتسامتها على وجهه وهو يميل قليلاً ليصل لقامتها الأقصر منه بقليل، عاكسها بعبث
- مش متعود عليكِ وانتِ مُطيعة كدة!
ثم غازلها مما جعل وجنتيها تتحول لصبغة حمراء
- بس قمر بالحالتين
غادرت وتركته سريعاً، فضحك على رد فعلها الظريف، كم انها خجولة، واكتشاف ذلك يُسعده.
دخل عمر مع كوثر و يارا للطبيب رغم محاولة الاخيرة لمنعه؛ لم تكن أقوال الطبيب مُريحة بالمرة، حرك عمر حدقتيه بتلقائية ل يارا ثم لكفها الذي كان يرتجف بخفة فوق قدمها، فمد كفه ليمسك بكفها وأنزله في الفراغ بين كرسيهما، نظرت له فقابلت حدقتيه الدافئتين والتي تحاول ان تُطمأنها وتحد من قلقها وتوترها، وكم كانت ممتنة لمحاولته التي نجحت بعض الشيء.
لقد اخذها إياد لإحدى الفنادق النيلية وقد كان اختياره موفق فقد لاحظ سعادتها وإنسجامها مع الاجواء وهذا أسعده، بعد ان طلب لهما الطبق الحلو، كانت قد استجمعت شجاعتها اخيراً لقول ما لديها
- قررت حاجة..
- اية هي؟
- اني هديك فرصة، قصدي هدينا فرصة وهحاول أتخطى خوفي و..
توقفت لتحتسي القليل من كوب الماء فقد جف حلقها، أكملت بنفس توترها.
- وهحاول، هحاول احسن الظن فيك، بس في المقابل حاول متعملش تصرفات تخليني افهمك غلط
حدث نفسه اثر انبهاره بذلك التقدم
- انتِ فين من بدري يا يارا!
مد يده ليمسك بكفها بحنان، حدق بها وأخبرها وهو يأسر حدقتيها بجاذبيته
- وعد مني اني مش هخليكِ تندمي ابداً
لم تسحب كفها هذه المرة، اومأت برأسها بخجل وهي تبعد بصرها عنه، فتنهد براحة دون ان يُبعد حدقتيه عنها.
- هنروح بكرة المخفر
قالها عمر ل يارا حين صعدت بجواره مرة اخرى بعد ان أوصلت والدتها للمنزل، تسائلت
- لية؟
- مسكوا النصاب اللي مثّل انه ابوكِ
اندفع جسدها للأمام واشتعلت حدقتيها بالحقد وهي تهتف بلهفة
- بجد!، طب يلا نروحله دلوقتي
- مش هينفع النهاردة، بكرة العصر هنروح، ماشي؟
تأففت بإنزعاج وهي تمتم بسخط
- ماشي
ساد الصمت للحظات قبل ان تشكره
- شكراً، تعبتك معايا النهاردة
- تعبِك راحة..
قالها وهو يتأملها بعناية، التقط كفها واحكم إمساكه وهو يقول
- بس عايز اعرف حاجة..
نظرت لكفه الممسك بكفها واعترضت
- طب ماسك إيدي لية؟، سيبه
اجاب وهو يحرك حاجبيه بخبث
- عشان متهربيش
لقد حاصرها، كم انه خبيث، انتقل سريعاً لِما يرغب في معرفته بقوة
- ها قوليلي، وافقتي لية؟
زمجرت وهي تحاول تحرير كفها منه
- عمر!
قال وهو يرفع رأسه بتفاخر
- قولتلك اني مش هسيبها تهرب تاني، وحصل.
توقفت عن محاولتها ورفعت بصرها له، هددته بتحدي
- هغير رأيي
قهقه بسخرية وهو يقول بشراسة
- وكأني هسمحلِك!
اشتعلت حدقتيها، قالت مُحذرة اياه
- متستفزنيش
بينما قال بإصرار
- جاوبيني..
اردف مُفكراً
- عشان مُعجبة بيا!
أنكرت سريعاً، وكانت كاذبة
- طبعاً لا
عبس مُتسائلاً
- اومال؟
قالت ببرود مُصطنع
- قولت اجرب
- تجربي!
- ايوة
ضم قبضته الأخرى ليكظم غيظه، قال موافقاً وهو يجز على اسنانه
- حلو جربي بس..
تابع بثقة.
- احب اقولك انها هتعجبك
تقابلت نظراتهما معاً للحظات، تحاول هي فهم ثقته واكتشاف إذ كان صادق في امرها لكن نظراته التي أصبحت حانية جعلتها تنحرف عن هدفها لتقابلها بإعجاب!
فلم يكن تأثيرها عليه اقل منه، توتر كلاهما فسحب كُلاً منهم كفه في نفس اللحظة، قالت بتلعثم وهي تفتح باب السيارة
- سلام
وترجلت لتسلك طريق منزلها، فأعاد رأسه للخلف وهو يمسح وجهه بكفيه، ما الذي حدث له منذ وهلة!، لم يفهم.
دقت عقارب الساعة منتصف الليل
كانت ملك تتحدث مع يارا وتسرد لها ما استجد في علاقتها مع إياد، فشجعتها يارا ومدحتها على شجاعتها، وفي نفس الوقت كانت تدعو الله أن تشجيعها لصديقتها يكون في محله ويكون خيراً لها.
تطرقت ملك لموضوع اخر..
- ها قوليلي طنط عملت اية لما شافت عمر؟
جلست يارا على الاريكة وهي تتنهد وتبدأ في السرد
- مقولكيش، شغالة مدح فيه من جينتل مان وراجل وجدع وطيب وابن ناس
- طب حلو..
إبتسمت يارا بسخرية وهي تقول
- بس بعد كل دة تقولي ان الكلام دة مش ليا
- يعني اية؟ مش فاهمة
- يعني مش هينفعني انا
- لية؟
- عشان الوضع اللي احنا فيه، ان انا قدام اهله والناس اخته و..
قاطعتها ملك بقولها المُتفائل
- لا اكيد هنلاقي حل للموضوع دة، بس لما يجي وقتها
ردت يارا
- عموماً احنا لسة في اولها ومش عارفة هيحصل اية
- بظبط، فمتشغليش بالك دلوقتي.
اشرقت شمس يوم جديد..
- ماما سهام، وحشتيني
قالتها يارا بحماس وهي تجلس على طرف مقعد سهام تعانقها، ردت الاخيرة بحزن
- ما هو باين
- طب والله وحشتيني
- لو وحشتِك بجد كنتِ جيتي امبارح وشوفتيني
- كنت عند الدكتور والله معاها ومعرفتش اسيبها خالص
- طب تتصلي على الاقل
كذبت حين قالت
- كلمت عمر وسألتُه عليكِ، رخم عليا ومخلانيش اكلِمك، بعدها كنت هتصل على موبايلك روحت انشغلت
- دة انا هبهدل عمر على اللي عمله.
ردت يارا بداخلها بشر
- احسن
عادت لتسأل وهي تنظر حولها
- اومال فين بابا؟
- راح الشركة
- وفطرتي طيب؟
- لسة
اقترحت يارا
- طب تعالي نفطر سوا
- ماشي، بس نادي على اخوكِ عقبال ما تجهز ام محمود الفطار
- حاضر
وصلت يارا لغرفة عمر، طرقت الباب وانتظرت ان يفتح لها، بعدها قالت
- عمر، ماما سهام بتقولك انزل عشان تفطر.
ظلت واقفة أيضاً دون ان يفتح او يُجيب، طرقت مرة اخرى ثم فتحت الباب ببطء، جالت بنظراتها في الغرفة حتى استقرت عليه، كان نائماً، ألم يسمعها؟ هل نومه ثقيل؟
اغلقت الباب خلفها وتقدمت منه وهي تناديه
- يا عمر، اصحى
توقفت بجوار الفراش تنظر له من فوق، جثت على ركبتها لتصبح في مستواه، نكزته في ذراعه بخفة وهي توقظه
- اصحى، دة انت مُت ولا اية!
جفلت وسقطت جالسة حين رد بتسلية
- هموت واسيبيك!
فتح عينيه ورفع جسده ليستند على مرفقه، ابتسم بحبور وهو يقول بهيام
- دة احلى صباح ولا اية!، صباح الخير
رمشت ببلاهة اكثر من مرة وهي تحدق به، ادركت انها قطعت انفاسها لذا لحقت نفسها واستنشقت الهواء قبل ان تختنق، بينما نهض ليقف امامها ويمد كفيه ليوقفها على قدميها، فسددت ضربة قوية لصدره وهي توبخه
- بتستهبل!، حد يخُض حد كدة؟
لم يهتز، بينما عدل لها مع إبتسامته التي بدأت تستفزها.
- قصدِك تقولي حد يخطف قلب حد كدة، صح!
رمقته بغيظ قبل ان تتخطاه، فألقى بجسده على الفراش وهو يمسك صدره مكان ضربتها ليمثل ان يتألم
- آة آة، قلبي هيوقف
لم تتوقف، لم تكترث فهي تعلم انه ممثل بارع، فأعتدل جالساً وهو يهتف
- اللي عندك دة مش قلب، دة حجر.
في مركز الشرطة
ترك عمر يد يارا بعد ان أقنعته بصعوبة ان تقابل ذلك النصاب بمفردها، دخلت وجلست امام الاخير بوجه مُتجهم، قالت
- لقيت مكانك الصح اخيراً
- مش دخلته!، عايزة مني اية؟
سألته مُباشرةً
- عايزة اعرف عملت كدة لية؟
ابتسم بهزء وهو يقول
- فاكرة اني هقولِك مثلاً!
- ايوة، وغصب عنك
استطرد لتخيره بين إجابتين
- عملت كدة من نفسك ولا حد باعتك؟
رد بجفاء وهو يضع قدم فوق الأخرى براحة.
- حد باعتني، ومش هقول مين عشان معوضني بالتقيل
- متأكد انك مش هتقول لي؟
تقدم مُسنداً مرفقيه على الطاولة وقال مُتلاعباً بأعصابها
- تعرفي لو هقولك هقولك لية؟
- لية؟
- عشان الفلوس الخصمها مني، انتقام يعني
ضربت يارا الطاولة بكفها بنفاذ صبر
- قول مين، خلصني
صمت لثواني قبل ان يقول
- شخص من الفيلا
صُدِمت يارا وهتفت بعدم إستيعاب
- نعم!
- الراس نفسها
عقدت حاجبيها وهي تتقدم بجسدها
- مش فاهمة!
- مش مشكلتي، افهمي لوحدك.
نجح في تشتيتها وإدخال الشك لقلبها، فقد شردت بعد قوله واصابتها الحيرة، وحين استيقظت منها ادركت انه قد غادر مع الشرطي، نهضت بتعجل حتى كادت ان تسقط، طلبت من الشرطي بثورة
- لسة مخلصتش كلام معاه، رجعوه
رمقها الشرطي بإستفزاز وهو يتحدث ببرود
- اهدي كدة يا انسة ومتعمليش دوشة..
واتاح لها طريق الخروج وهو يردف
- الزيارة خلصت
- بس..
ابتلعت بقية حروفها حين ظهر عمر بملامح قلقة، تقدم منها وحاوط كتفها بذراعه وهو يسألها بإهتمام
- حصل اية؟ قالك حاجة؟ ضايقك؟
أنكرت ذلك وهي تحدق به بفكر شارد تغلف بالشك.
فتح لها باب السيارة فصعدتها في صمت وظلت هكذا لمنتصف الطريق، حتى انها لم تستجب لمحاولاته في جذب أطراف الحديث معها سواء عن الزيارة او غيرها.
حركت رأسها وتركزت نظراتها له وقد خرجت سهام الإتهام له دون يقين، حتى انها لا تصدق احتمال ولو حتى واحد بالمئة، ولكن لتضعه في هذه الحسبة، ستضع ثلاثتهم امامها وستحاول ان تكتشف أياً منهم يحاول أذيتها، او ما هي غايته من ذلك!
قفز عقلها لنقطة تغيب عنها عقلها للحظة، لماذا صدقته؟، قد تكون غاية ذلك النصاب سيئة، ربما يخدعها!، لكنه قال انه اخذ اجره.
- في اية؟ مهما كان الحصل شاركيه معايا؟ متخلنيش قلقان كدة.
تنهدت وهي تخفض رأسها بعد قوله الذي يظهر به صدقه جلياً، اهتمامه وقلقه يجعلانها تستبعده.
ردت اخيراً لكن بفتور
- مفيش
اوقف السيارة جانباً بحدة ليتطلع اليها بغضب اثر قلقه، تحدث بإنفعال
- ردك مُناقض لشكلك تماماً، وباين اوي انه حصل حاجة وانتِ مع الزفت دة
هدأت نبرة صوته وأصبحت دافئة وهو يميل برأسه ليتطلع لها بنظراته التي شعرت انها تحتويها وتُطمئنها!
- قوليلي قالك اية، متخافيش، هفضل جمبك وهساعدك و..
ظهرت إبتسامة صغيرة ممتنة وهي تُقاطعه بلطف ورجاء
- هقولك بس مش دلوقتي، ممكن!
تنهد بإستياء وقال موافقاً
- ممكن
التقط كفها بحنان بين كفه وباليد الأخرى ادار المقود لينطلق من جديد.
- شكراً على النهاردة
قالتها ملك بإمتنان وهي تُعيد حزام الأمان لمكانه، فإبتسم إياد وهو يتحدث بلطف كعادته
- انا اللازم اشكرك على يوم جميل زي دة، وعلى الفرصة اللي اتديهاني، ومش هخذلك ابداً
اتخذت كلمته وعداً، ومنه تبث نفسها بالراحة والثقة، منحته إبتسامة وهي تمتم
- اتمنى..
فتحت باب السيارة وكادت ان تترجل لكن نظرات فتاة عابرة اوقفتها، تابعت خط سير نظراتها والتي أوصلتها ل إياد والتي انتهت بغمزة له، احتقن وجهها وهي تستدير للأخير بعنف، قالت بحنق وهي تجز على أسنانها
- اروح اجيبلك رقمها!
ارتفعا حاجبيه بحماقة مُطالباً بتفسير..
- نعم!، رقم مين؟
أكملت وهي تضحك في عصبية
- دة انا حتى ممشيتش!
سألها بعدم فهم، وقد كان صادق
- على اية؟
رمقته بإزدراء قبل ان تترجل وتصفق الباب خلفها، فأحتدت قسمات وجهه وأصابه الغضب من تصرفها، ترجل واسرع ليلحق بها ويوقفها بجذبه لها من ذراعها بخشونة غير مقصودة
- مش بكلِمك! ازاي تسيبيني وتمشي كدة؟
قذفته بنظراتها الغاضبة التي جعلتها تبدو كقطة شرسة لطيفة!، بينما أضاف بضيق
- شوفي مين اللي مبيحترمش التاني!
ردت بشراسة
- لما تحترم وجودي هبقى احترمك
- طب عرفيني عملت اية عشان تقلبي كدة فجأة.
- هقولك مدام مش عارف او بتمثل عليا انك مش عارف
زاد انزعاجه بعد قولها انه يمثل، قال بكبت
- مش بمثل
لم تسمع قوله، واجهته بثبات
- البنت اللي عدت وانت باصلها وهي بصالك، لسة مش عارف!
عقد حاجبيه بإستغراب
- بنت!
ثم تذكرها، اسرع ليوضح موقفه
- فهمتي غلط، عيني جت في عينها بالصدفة بس مش معناه اني..
قاطعته بقسوة ودون تفكير
- انت كداب.
صدمه قولها، انها تتهمه بالكذب!، تجهم وجهه واشتعلت حدقتيه بغضب، استدار ليعود لسيارته ويصعدها حتى لا يُخرِج غضبه عليها رغم انها السبب فيه، انطلق بسيارته بعيداً دون ان ينظر لها حتى.
تابعته وهو يبتعد، استيقظت من ثورتها حين صفق باب السيارة بعنف كاد يكسره، ضمت كفيها وقد تحول حالها للضيق.
اسفل فيلا إبراهيم السويفي
خرج عمر من الفيلا ليقابل إياد الذي اتصل به وأخبره انه سيأتي لرؤيته لدقائق حتى لا ينفجر في احدهم، صعد بجواره في سيارة الاخير.
- حصل اية؟
اخبره إياد بإنفعال بِما حدث، واضاف بثورة
- انا مبقتش فاهمها وكل ما الدنيا تمشي بينا تطلع هي وتتوهم حاجات غلط وكأنها بتدور على اي حاجة تقطع بيها الود اللي بينا
سأله عمر بتلقائية ليتأكد
- طب وانت فعلا مكنتش تقصد..
قاطعه إياد بغضب.
- انت بتتكلم ازاي يا عمر! انا من امتى ببص بواحدة غير اللي معايا؟
- ماشي ماشي اهدى بس، هكلم يارا واكيد هتساعدك
رد إياد بحزم
- تساعدني او لا مبقاش مهم، انا تخطيت الموقف الاخير ل ملك وعملت كأنه ولا حاجة حصلت بس المرة دي مش هتنازل، حتى لو اعتذرت
عاد ليهتف بكبت
- دي غريبة...
ثم هدأت نبرته وبدت مُستاءة وهو يُكمِل
- بس عجباني
ضربه عمر بذراعه قائلاً
- مدام عجباك استحمل يا حلو
- يلا انزل يلا، ولا فيدتني بحاجة.
قالها إياد بسخط، فضحك عمر قبل ان يترجل ويعود لداخل الفيلا.
دقت الساعة منتصف الليل
خرج عمر من المطبخ حاملاً صينية بها كوبين من الشاي واتجه لحديقة الفيلا، مد يده بإحدى الكوبين ل يارا التي كانت جالسة تنظر امامها بشرود.
- شكراً
تمتمت بها وهي تأخذ الكوب منه، بينما اتخذ هو المقعد المجاور لها، سألها بهدوء
- عاملة اية دلوقتي؟
تنهدت بإحباط قبل ان تُجيبه بوهن
- مش عارفة افكر او اوصل لحاجة، ودة مضايقني
- اية الشاغل تفكيرك وانا هساعدك.
نظرت له للحظة صامتة، تخيلت رد فعله والضياع الذي سيلتهمه، لن يكون بالأمر السهل ان ينتابه الشك حول عائلته، ردت بحفوت وهي تبعد نظراتها عنه
- مش هتقدر، حالتك هتبقى زيي او اكتر
- لية؟
- الشك وحش
ساد الصمت بعد قولها، وكبت هو رغبته في مساعدتها حتى لا يضغط عليها، فتطرق لحديث اخر لطالما رغب ان يتحدث فيه معها ويعلم انه سينجح في إخراجها من شرودها اللعين به.
- عارفة امتى اول مرة حسيت فيها اني مُعجب بيكِ؟
قالتها بروتينية وقبل ان يدرك عقلها سؤاله
- امتى؟
اتسعت مقلتيها وأسرعت لتنقذ نفسها
- لا لا مش بسأل...
قاطعها كاشفاً عن تلك الحقيقة وهو ينظر للسماء مُتذكراً إطلالتها التي سحرته وقتها
- يوم حفلة افتتاح ابو إياد، كانت بداية مشاعر جديدة، كنت حاسس باللي هوصله في الاخر بس تجاهلت الموضوع، حاولت أتجاهله بس مروان كان بيصحيه في كل مرة بتصرفاته.
شردت للحظة، تذكرت تلك الليلة وتأثير تصرفه عليها، لقد حاز على تفكيرها وقتها، لكنها تعتقد ان بداية مشاعرها ليست من هناك بل حين تناولت الفراولة ورأت قلقه عليها، حينها نهرت نفسها لانها فكرت بأنه قد قلق عليها لانها هي وأخذتها بحجة انه تصرف طبيعي وقد يصدر من اي شخص.
- وامتى اتأكدت؟، عايزة تعرفي؟
سألها وهو ينظر لها، فبادلته نظراته وظلت صامتة، فإبتسم وقال بفضول
- قوليلي الاول، عنك انتِ.
اشاحت بوجهها بتوتر، فهمس بإستمتاع
- تعرفي انك بتتكسفي كتير! ودة شيء غير متوقع منك
انها حقيقة اكتشفتها حديثاً بنفسها، ظهر شبح ابتسامة على شفتيها قبل ان تغير الموضوع، بل تهرب منه، واتاح لها الفرصة
- صحيح كلمت ملك...
وانشغلا في الحديث عن ملك وإياد، فلم يشعرا ب إبراهيم الذي كان يشاهدهم من شرفة غرفته، ضم الاخير قبضته بقوة، فقد طفح الكيل.
اليوم التالي -في المقهى-
- مش عارفة اوصل ل عمر يا مروان، ساعدني أوصله او كلملي إياد وخليه يساعدني
وضع مروان الفنجان على الطاولة وهو يخبرها بضجر
- بصي من الاخر عمر مش عايزك فأتقبلي الموضوع وريحي دماغك
رمقته بغيظ وهي تقول
- دة مكنش كلامك اخر مرة
رد ببساطة
- عشان مكنتش متأكد من حاجة واتأكدت منها دلوقتي
- اية هي؟
سألته بحيرة واجابها مُباشرةً
- عمر بيحب واحدة تانية
ضمت قبضتها وهي تسأله
- تعرفها؟
- طبعاً، كنت حاطط عيني عليها قبله
- وهتسيبهاله كدة؟
يعلم غايتها من سؤال خبيث كهذا، ابتسم ببرود قائلاً
- اة، عشان اتمسكت بيها عشان اضايقه مش اكتر
ثم اردف وهو يواجهها بالحقيقة
- ما انتِ عارفة اني انا وعمر مش متوافقين ابداً، وانا بحب اعانده واتحداه بس، بس شايف ان مفيش فايدة من الموضوع دة فبنسحب، فمش عايز وجع دماغ
اقتربت منه وحدقت به بحدقتين تُظهر نواياها الشريرة..
- طب قول لي هي مين!
ابتسم بثقة قائلاً بتراخي
- متقلقيش، الدنيا مش هتمشي في صالحهم
- مالك واثق كدة؟
- لو عرفتي الوضع اللي هما فيه هتبقي واثقة زيي واكتر.
في منزل ملك
- انتِ غلطانة يا ملك، مش غلطانة انك غيرتي عليه..
قاطعت ملك والدتها مُستنكرة بإنفعال
- مغيرتش عليه
اصرت والدتها على رأيها وتحدثت
- لا غيرتي، ودة حقك عشان انتِ خطيبته، بس اللي بغلطك عليه هو اسلوبك، مينفعش تكلميه بالأسلوب دة..
- يستحمل أسلوبي مدام هو اللي جابه لنفسه
وكأنها تعاند!، ردت والدتها بصبر.
- اولاً هيستحمل مرة اتنين بس مش دايماً ومش من اولها تبقي كدة، ثانياً لازم تغيري اسلوبك وإلا هتخسريه وهتخسري غيره لو فضلتي بأسلوبك دة
استكبرت ملك قائلة
- أخسره مش مهم
ضربتها والدتها على ذراعها بقوة وهي تصرخ بتذمر
- انا مش فاهمة انتِ طالعة خايبة لمين!
ثم نهضت ولتأمرها بحزم
- اتصلي بيه وصالحيه، وكفاية خيبة
ثم اتجهت لخارج الغرفة، فهتفت ملك رافضة
- طبعاً لا.
ثم تأففت وهي تستلقي على الفراش بعنف، الجميع يضع الخطأ عليها، حتى يارا، تساءلت، هل تستمع لهم!
في فيلا إبراهيم السويفي
- صباح الخير
قالها عمر حين دلف لغرفة الطعام ونظراته ثاقبة على يارا وكأنه يوجهها لها خصيصاً، ثم اتجه وجلس بجوارها، كانت هي مشغولة في الحديث مع سهام عن امور عدة حتى وصل الحديث لنقطة معينة فتحول الحديث الى عمر
- بمناسبة السيرة دي، سمعت ان في واحدة جديدة في حياتك يا عمر، هتفضل مخبي كتير!
توقف الطعام في منتصف حلق يارا واخذت تسعل، فأسرع عمر وناولها كوب ماء وهو يربت على ظهرها قائلاً بقلق
- براحة، براحة
ابتسمت سهام برضا من تصرف عمر واهتمامه بأخته، ثم انتبهت للموقف وسألتها بهدوء
- راحت؟
اومأت يارا برأسها وهي تضع كفها على وجنتيها التي شعرت انهما تحولا لفرن، بينما أكملت سهام حديثها مع عمر
- ها، مستنية
ضحك عمر مُتسائلاً بفضول
- عرفتي منين؟
- العصفورة قالتلي، مستنية رد..
مد كفه من اسفل الطاولة ليضم كف يارا وهو يُجيب
- ايوة
انقطعت انفاسها حين ضم كفها وتسارعت دقات قلبها حين اضاف
- هعرفِك عليها قريب
اخفضت رأسها وهي تعود لتلتقط انفاسها بإضطراب، حاولت سحب كفها لتنهض وتهرب لكنه كان مُتمسكاً بها، ضغط على كفها وهو يقول
- متأكد انك هتحبيها زي ما انا بحبها
أسرعت سهام لتطلب منه
- طب ما تعرفني عليها دلوقتي؟
- مش هينفع، الدنيا بينا لسة ممشيتش اوي.
ستُكشف إذ ظلت اكثر من ذلك، لذا تصرفت وقامت بخربشته بكفها الثاني في كفه الممسك بها ليتألن ويضطر لتركها، ونجحت.
لاحظت سهام ملامح وجهه التي تغيرت وظهر عليها الألم، فسألته بحيرة
- في اية مالك؟
نهضت يارا وقالت بتعجل
- انا طالعة اوضتي
واختفت من امامهم دون ان تترك الفرصة لأحدهم بالتعليق، بينما رد عمر وهو يجز على اسنانه
- مفيش حاجة
ثم نظر لأثر خطواتها وهو يتوعد لها بداخله.
مغرب اليوم..
توقفت ملك في شرفة غرفتها وقد قررت اخيراً الاتصال به، وضعت الهاتف على اذنها وهي تستمع لدقات قلبها المُتسارعة بتوتر؛ انزلت الهاتف فور سماعها لصوته، تنفست بقوة لتستجمع شجاعتها الهشة لتعود بعدها لوضع هاتفها على اذنها.
- ايوة معاك
كانت نبرتها مُهتزة وقد لاحظ إياد ذلك، سألها بإقتضاب
- في حاجة؟
- كنت عايزة اقول...
تجد صعوبة في الاعتذار هذه المرة، حاولت اكثر من مرة إكمال جملتها لكنها تفشل في كل مرة وقد طال صمتها، قال إياد بضجر وشيء من السخرية
- متصلة عشان تفضلي ساكتة!
ضغطت على هاتفها بقوة وهي تتحدى لسانها المعقود وتخرج حروفها بإصرار، لكن خرجت حروفها مُتسارعة
- مكنش قصدي اتصرف كدة، وعارفة ان رد فعلي غلط والكل غلطني عشان كدة انا..
توقفت عند ذلك الحد وهي تلهث وكأنها خاضت سباق، عادت لتكمل بخفوت محرج
- اسفة
- ماشي.
صدمها رده الجاف، كررت قوله
- ماشي!
اردفت سريعاً بنبرة باهتة حزينة
- ماشي، سلام
واغلقت الخط دون انتظار اي رد منه، ماذا ستنتظر منه بعد رده الفارغ!، ارتمت على الكرسي القابع خلفها وقد امتلأت دموعها في مقلتيها بقهر وحنق.
اخذ عمر والدته للطبيب حيث كان لديها استشارة اليوم، كان من المفترض ان يأخذها إبراهيم لكنه اعتذر وطلب من ابنه ان يأخذها بدلاً منه فوافق الاخير.
بينما يارا كانت قد تجهزت لتذهب لوالدتها وتزورها في فترة غياب سهام لحين عودتها، اوقفها إبراهيم وهي تقف أمام باب الفيلا
- رايحة فين؟
- رايحة ازور ماما كوثر
- مفيش روحة
عقدت حاجبيها بإستغراب هامسة
- لية؟
- تعالي ورايا.
وعاد لمكتبه، فلحقت به، طلب منها تغلق الباب خلفها ففعلت، سألته بقلق وهي تتقدم منه
- في اية يا بابا؟ قلقتني
جلس على كرسيه وهو يبتسم بخشونة بجانب تمتمته الساخرة
- بابا!
- ما كفايا تمثيل يا يارا!
اتسعت مقلتيها وتراجعت خطوة للخلف بصدمة، لقد ناداها بإسمها! أيعرف حقيقتها؟، إبتسمت بإضطراب وهي تصحح له
- يارا!، انا سلمى.
صرخت فزعة حين القى فنجان القهوة بعنف ناحيتها فتهشم على الارض، اخذت تلهث وهي تنقل نظراتها من الزجاج المنكسر على الارض اليه، اهتزت حدقتيها بخوف حين نهض وتقدم منها بحدقتين فيهما كره وغضب سوداوي ناحيتها، حينها تذكرت قول ذلك النصاب والتي كذبته اليوم، الرأ..
قبل ان يُكمِل عقلها إكمال إستنتاجها كان قد صفعها إبراهيم بحقيقة صادمة
- سلمى بنتي ماتت، سلمى ماتت فمتقوليش انك سلمى
سقط فكها اثر ما قاله، بينما اكمل.
- سهام وعمر ميعرفوش الحقيقة دي، وانا مش قادر استحمل وجودك، بقيتي تستفزيني
فرقت شفتيها وحاولت التحدث
- انا..
اقترب خطوة وهو ينقل بصره لعنقها بنظرات مُخيفة، قال بخفوت حاد
- انتِ طالعة زيها، زي سلمى
رفع كفيه وفجأة طبق على عنقها خانقاً اياها وهو يصرخ بهستيرية
- موتي، موتي
لم تكن يارا من يخنقها، كان شبح سلمى الذي لاحقه كل هذه السنوات، شبح ابنته الذي قتلها دون وعي منه!
كانت سلمى تسير بجوار سهام في السوق، بينما كانت الاخيرة منشغلة في اختيار ملابس لها شردت سلمى واكملت سيرها خلف إمرأة اعتقدت انها والدتها.
- ماما شوفي اللعبة دي
قالتها سلمى وهي تمسك بثياب المرأة التي سارت خلفها، نظرت لها المرأة بإستغراب ثم سألتها عن والدتها فأجابتها وهي توشك على البكاء
- كنت ماشية وراها معرفش راحت فين
نظرت لها المرأة بشفقة قبل ان تنزل لمستوى سلمى وتسألها برفق.
- طب حافظة رقمها؟ رقم اي حد من عيلتك؟
- لا
صمتت المرأة للحظات قبل ان تعود وتسألها
- طب عنوان بيتكم اية؟
ولحسن الحظ كانت تعرفه، أخذتها المرأة بسيارتها وأوصلتها للمنزل، كادت ان تصعد معها لكن حين رأت الحارس قد تعرف على سلمى تركتها معه ليصعد هو بها.
فتح إبراهيم الباب بعد طرق متواصل على الباب، اندفعت عليه سلمى لتعانقه وهي تبكي بينما اعتلت الدهشة ملامحه، ماذا تفعل هنا دون سهام؟
- ازاي سلمى معاك لوحدها؟
- في ست جت ومعاها سلمى وقالت انها تاهت من الست سهام
هز رأسه وهو يربت على ظهر ابنته قائلاً للحارس
- شكراً
ثم اغلق الباب وهو ينظر خلفه بتوتر، عاد لينظر لها واتجه بها للصالون ليجلسها ويقول
- اقعدي هنا عقبال ما اجيبلك حاجة تشربيها
وتركها ليسرع لغرفة النوم ويتحدث بجذع هامس مع الفتاة التي ترتدي قميص نوم
- بنتي جت ومراتي على وشك وصول، بسرعة البسي وانا هخرجك بطريقتي، بسرعة
وألقى ملابسها بين ذراعيها فتمتمت بضيق.
- ماشي اهدى عليا شوية
تركها وكاد ان يتجه للخارج ألا ان ظهور سلمى عند عتبة الباب جعلته يتسمر في مكانه، بينما تحدثت الصغيرة
- مين دي يا بابا؟!
ازدرد إبراهيم ريقه بتوتر بينما حركت الفتاة حدقتيها بضجر وأسرعت لترتدي ملابسها قبل ان تنقلب الاجواء هنا.
- دي صاحبتي يا سلمى يا حبيبتي، جت تاخد حاجة
سألته بتذاكي، فهي ليست صغيرة حتى يخدعها، انها في العاشرة من عمرها
- في أوضة ماما يا بابا؟
انتهت الفتاة من ارتداء ملابسها، التقطت حقيبتها واتجهت للمغادرة، بينما جثى إبراهيم على ركبتيه ليصل لمستواها مُحاولاً السيطرة على الوضع
- يا حبيبتي..
قاطعته مُتسائلة بخفوت
- أنت بتخون ماما؟
يعلم ان ابنته ذكية ومن الصعب خداعها، تلعثم وهو ينكر ذلك
- طبعاً لا يا حبيبتي
صرخت سلمى ببكاء..
- انت كداب يا بابا، كداب
ضم قبضته بجواره وهو يدافع عن نفسه
- لا يا حبيبتي انا مش كداب، انا..
- متضحكش عليا انا مش صغيرة يا بابا
توقفت عن البكاء وهي تخبره
- هقول لماما على كل حاجة
وكادت ان تتركه لتذهب لغرفتها لكنه اوقفها ساحباً اياها من ذراعها بعنف موبخها
- استني هنا، تقولي اية لأمك؟ انتِ عايزة تخربي حياتنا!
صرخت بألم
- دراعي، آآة.
ترك ذراعها ليطوق عنقها بكفيه ويخنقها، هل ستهدم العائلة الذي بناها بعد شقاء؟ عائلته الوحيدة والذي نجح في تكوينها ستخربها طفلة حمقاء مثلها؟ لقد شعر منذ ان رأها بعد ولادتها بشعور سيء، وهو لن يسمح بحدوث ذلك، خسارتها اهون من خسارة عائلته بأكملها، هذا ما كان يتردد بداخله اثناء خنقه لها.
لم يشعر بنفسه، لم يدرك ما يفعله الا حين توقفت سلمى عن المقاومة ليسقط كفيها بإستسلام، استيقظ وقتها من حالته الهستيرية الذي اعتقد انه قد تعالج منها!
تلاحقت انفاسه وانتابه الخوف وهو يربت على وجنتها مُنادياً اسمها
- سلمى!، حبيبتي سلمى!
انتفض حين استشعر انفاسها التي انقطعت، هل ماتت؟، دار حول نفسه بجزع مُحاولاً إسعاف نفسه، لقد اصبح قاتل؟ قتل ابنته؟، عاد لها ليضع كفه على صدرها، كان نبضها ضعيف جداً، حملها بين ذراعيه، لم تمُت بعد يستطيع ان ينقذها، توقف عن ركضه امام الباب حين فكره عقله المريض بأنه إذ أنقذها ستنكشف خيانته.
وضعها على الارض وركض لغرفته ليحضر حقيبة السفر ويضعها بداخلها، سيخفي جريمته وسينقذ زواجه.
حين وصل للاسفل سأل إبراهيم الحارس
- شوفت سلمى؟
عقد الحارس حاجبيه مُتسائلاً
- هي نزلت تاني؟
- ايوة كانت رايحة البقالة
- لا مشوفتهاش
اومأ إبراهيم برأسه وغادر، صعد سيارته وانطلق بها لمكان يضع فيه جثة ابنته حتى يتم البحث عنها وتُسجل على انها ضحية خطف.
- سلمى!، سلمى!
نادت سهام عليها بلهفة فور دخولها الشقة، فقد اخبرها الحارس انها عادت مع إمرأة؛ لم تجدها، اخرجت هاتفها لتتصل ب إبراهيم الذي اخبرها انها ذهبت لشراء شيء من البقالة ثم عادت وتركها نائمة في المنزل.
وحين عاد عمر من النادي بعدالعصر وجد الاجواء منقلبة في منزله، اخته مفقودة؟ والشرطة تبحث عنها، والدته تبكي بحرقة على ابنتها الضائعة ووالده يحاول ان يصمد امام هذه الفاجعة المؤلمة.
مرت الايام ولم يجدوها، لكن سهام لم تفقد الأمل في إيجادها اما إبراهيم وضع صخرة على صوت ضميره الذي كان يخرج منذ حين لاخر، انه مقتنع ان ما فعله الأفضل للجميع، كان يجب ان يضحي، لذا ضحى بها ف روح ابنته ليست اهم من سعادته مع عائلته.
- موتي، موتي
لم تكن يارا من يخنقها، كان شبح سلمى الذي لاحقه كل هذه السنوات، شبح ابنته الذي قتلها دون وعي منه.
حاولت يارا إنقاذ نفسها، اخذت تجرح يديه بأظافرها فتركها مُتألماً، نظر لها بشر سرعان ما تحول لخوف وهو يرى سلمى الصغيرة امامه وقد خاض حديث معها فقد سألته
- مبسوط يا بابا؟
ارتجف وهو يُجيبها مُبرراً فعلته
- مكنتش عايز اموتك، انتِ استفزتيني
- مش ندمان؟
ضم كفيه وهو يهز كتفيه بطريقة مُريبة، اجابها بتناقض
- اة، ندمان، لا مش ندمان، انتِ تستاهلي
تراجعت يارا بخوف للخلف حين رأته يتحدث مع احد ?