
- عايزني في اية يا إياد؟
سأله عمر بتعب وهو يجلس على الاريكة في صالون شقة إياد، اخذ الاخير نفساً عميقاً قبل ان يسرد له حقيقة والده، ولقد توقع رد فعله العنيف، حيث قفز عمر من مقعده بثورة صارخاً موبخاً اياه
<a name=\'more\'></a>
- انت بتقول اية؟ انت بتستهبل؟ ازاي تطلع كلام زي دة على بابا؟
اردف بغضب وقد انخفض صوته
- يارا طلعت مش سهلة، انها تطلع كلام حقير زي دة على بابا
حاول إياد اخباره ب
- انا قولت اقولك على السمعته و..
قاطعه عمر بخشونة
- وانت ازاي تصدق كلامها؟ ازاي تتخيل ان ممكن بابا يأذيها، ولا اية قتل اختي؟ هو احنا في فيلم ولا اية!
ضحك في عصبية غير مستوعباً تصديق صديقه لهذا الهراء، بل لا يصدق كيف اختلقت يارا هذا السيناريو على والدها الذي لم يؤذيها ابداً، لم يتخيل في يوم انها من هذا النوع الحقير من الأشخاص، ألا يكفيها ما فعلته بوالدته وبخذلانها له؟ هل اتى الدور لوالده!
- انا هدفي الوحيد انك تعرف الحقيقة، عارف انه صعب تصدق كدة وانا زيك بس افرض انه حقيقة، هتعمل اية؟
صرخ عمر بجنون وقد احمر وجهه من شدة انفعاله
- عارف يعني اية اتهم ابويا بحاجة زي دي؟، ممكن أخسره لو طلع كل دة كدب
- عمر افهمني..
لم يسمح له لقول اي شيء او إقناعه، هز رأسه واشتعلت حدقتيه بتوعد وهو يستدير ليتجه للخارج
- رصيدها خلص من عندي فهعرف اتصرف معاها كويس.
اسرع إياد ليلحق به دون ان يحاول إيقافه فهو يعلم ان عمر لن يرضخ له ابداً لذا ان يصاحبه لهناك افضل من ان يتركه يذهب بمفرده.
- هتأذيها وانت بتحبها؟
سأله إياد بعد ان صعد بجواره داخل السيارة، فرد عليه عمر ببغض واحباط
- زي ما هي أذتني، وبدأت اقتنع او اقتنعت ان الحب شيء مش مهم لازم أتخلص منه لاني مش نافع فيه، ومش هخسر اهلي عشانها.
اوقف عمر سيارته أسفل منزل يارا، هتف إياد بتوجس
- متقولش ان دة بيتها؟
- ايوة
- مينفعش يا عمر اللي هتعمله دة، مينفعش تطلع..
لم يُكمِل جملته حتى وجد عمر قد ترجل ودلف للمبنى المقابل، اسرع ليلحق به مُحاولاً ايقافه هذه المرة لكنه فشل.
وصل للطابق المقصود ووقف امام احدى الشقتين، انه يتذكر رقم الطابق التي دونته يارا في الاتفاق اما بالنسبة لرقم الشقة لا يذكرها لذا اختار احدى الشقتين ليطرق بابها وقد وُفق في اختياره فقد ظهرت هي حين فُتِح الباب.
- عمر!
هتفت بها بذهول وهي تحدق به بعدم تصديق، أهو حقاً امامها؟ لحظة، ماذا يفعل هنا! في منزلها؟، قبل ان تسأله كان قد دلف دون حتى ان تأذن له!، استدارت بخشونة وهي تكاد توبخه.
- انت بتعمل اية؟ ازاي تدخل ك..
قاطعها والشر يتطاير من عينيه لها
- اتهمتي بابا بحاجة حقيرة زي دي ازاي؟ ازاي رسمتي السيناريو الخطير دة!
اتسعت مقلتيها قليلاً، كيف علِم؟، حركت شفتيها ببطء اثر صدمتها
- مين، قال لك؟
ثم التفتت لتنظر ل إياد، لابد من انه هو، فلا احد يعلم سوى ملك فربما هي اخبرته؟
- ملك قالت لك؟
اتى صوت كوثر من الداخل
- مين يا يارا؟
ازدردت يارا ريقها بتوتر وهي تعود لتنظر ل عمر الذي اكمل أقواله المُحتقرة لها
- بتلزقي حقارتك وانانيتك على بابا؟ انت خدتي قرار انك تنسحبي فمتورطيش حد بريء معاك، ولا دي عادة فيك تأذي ناس مشوفتيش منهم حاجة وحشة!
علقت بوهن وقد عبست بشدة، كان الحزن ظاهر جلياً في حدقتيها
- مش بأيدي
ضرب الحائط بقبضته وهو يصرخ بثورة.
- هتمثلي دور الضحية!، مفيش ضحية هنا غير اهلي، كنت ماخدك على انك تساعديني بس طلعتِ طماعة وكل همك الفلوس، شكلك مبقتيش محتاجة لباقي الفلوس عشان كدة استحقرتي
امسك بكتفيها وهو يخبرها بألم أخفاه بنبرته الحادة المُزدرية
- انتِ خدعتيني، انتِ متختلفيش عن رضوى بحاجة
ضمت قبتضها بجوارها محاولة التحكم في انفعالاتها، ستظل هادئة وقوية، سألته بهدوء
- خلصت؟
هدوئها استفزه، يزيد قهره وغضبه حين يراها هكذا، يريدها ان تدافع عن نفسها حتى إن لن يصدقها، يريد ان يرى خوفها من خسارته حتى يهدأ ويسامحها لشخصه.
كاد ان يُتابع احتقاره لها الا انها منعته حين هتفت بنفاذ صبر
- بقولك هو اللي أجبرني اعمل كدة
اشارت لعنقها بأصبعها المرتجف وهي تتحدث بإنفعال حاد..
- شايف اثر ايديه لسة معلمة ازاي؟، ونظرة عينيه المريضة اللي مبعرفش انام بسببها، انت مش عارف حاجة، تعالى اتهمني بالكذب بعد ما تتأكد من صحة كلامي او كدبه
صمت، فقط كان يحدق بعينيها الصادقة التي لم تكذب ابداً، تنحنح بعدها بلحظات وهو يقول بخفوت متوعد
- مش هسامحِك لو حياتي خربت..
قاطعته بحزم طاردة اياه
- اخرج برة.
برزت عروقه النابضة في عنقه بغضب كظمه بأعجوبة، ابتعد مُستديراً ليغادر تاركاً اثر رحيله محفور بداخلها.
- هو دة الموضوع يعني!
اتى قول كوثر الجالسة على الكرسي المتحرك من خلفها، نظرت لها يارا وإبتسمت بحزن وهي تخبرها بإرتياح مزيف
- كل حاجة خلصت، بالبساطة دي.
اوقف عمر سيارته امام الفيلا، ترجل معه إياد وهو يسأله
- هتتأكد من كلامها؟
اغلق عمر باب السيارة واسند كفيه عليه وهو يُجيب بضياع
- تفتكر ان كلامها ممكن يكون حقيقة!
- الإجابة عند ابوك محدش غيره
هز عمر رأسه وهو يخرج تنهيدة عميقة، ابتعد عن السيارة ليتجه للداخل، تمتم بفراغ
- سلام.
انخفض كتفي إياد وهو يشعر بالشفقة على صديقه، فالموقف الواقع فيه ليس بالهين ابداً، رفع يده لينظر للساعة فوجدها العاشرة مساءً، عبر البوابة وهو يضع الهاتف على اذنه ليصل له صوت ملك بعد ثواني
- انا عند يارا دلوقتي
سألها بإهتمام
- الاوضاع عندِك اية؟
- طنط كوثر عرفت فبتكلم معاها
غمغم بأسف وأردف
- ويارا عاملة اية؟
- بتبين انها كويسة بس..
قاطعها بإستياء
- زي عمر
- ربنا يعينه على اللي هو فيه
- يارب
اردف إياد بلطف.
- وانتِ عاملة اية؟، وحشتيني
ردت بخجل
- كويسة
سألها بعبث وهو يبتسم
- مفيش وانت كمان؟
ابتسمت وهي ترد بهمس
- اكيد، وانت كمان
ثم سألته بحيرة
- انت لسة مروحتش؟
- وصلت عمر واهو راجع
- خلي بالك من نفسك
اتسعت إبتسامته وهو يقول بعدم تصديق مُصطنع
- ياه اللي يشوفِك دلوقتي ميشوفكيش من اسبوع وانتِ بتتخانقي معايا من اقل حاجة
ضحكت وهي تقول
- امسك الخشب
- ماسكه.
في فيلا إبراهيم السويفي
- فاضي نتكلم؟
قالها عمر وهو يقف عند عتبة مكتب والده، نظر اه الاخير بهدوء قائلاً
- فاضي، في حاجة؟
تقدم عمر للداخل وجلس على الكرسي المقابل له، تحدث الاخير
- افتكرت النهاردة حاجة بالصدفة وكنت عايز اتكلم معاك فيها
- اية هي؟
- ماما كانت قيلالي زمان انك كنت بتروح لدكتور نفسي
صمت إبراهيم للحظة قبل ان يومأ برأسه
- ايوة دي حقيقة، في مرحلة من حياتي
- ودلوقتي؟
- مش فاهم!
- يعني شفيت دلوقتي!
انفعل إبراهيم هاتفاً بنفاذ صبر وريبة
- في اية يا عمر اتكلم دغري
غير عمر مجرى الحديث لنقطة يعلم انه سينجح في إشغال والده عن الحديث السابق
- عايزين ندور على سلمى
هتف إبراهيم بغضب
- تاني!
وضح عمر
- عايز أتأكد إذ كانت عايشة ولا ميتة
كان يراقب انفعالات والده، استرجع الاخير هدوئه في لحظة، قال
- انت لسة عندك امل!
- بعمل كدة عشان ماما
- وانت!
كذب عمر وهو يُجيب
- مش مهتم، وجود سلمى او عدمه مش فارق معايا.
رأى السعادة في عيني والده من رده، ووافقه دون تفكير
- انا زيك، فلية ننكد على نفسنا، احنا التلاتة مع بعض، فلية نفكر في حد ميت؟
لقد صدمه، كان يتوقع ان ينهره لقوله، فأي والد يوافق ابنه على رد بغيض كهذا، كان يلاحظ دائماً عدم اهتمام وضيق والده عند بحث سهام عن ابنتهما الضائعة وقد برر ذلك بداخله على أنه يتصنع للامبالاة حتى لا يتألم ويتعايش مع فكرة ضياعها، لكن الان وفي هذه اللحظة تراوده الشكوك.
لحظة، انتبه الان لقول إبراهيم الاخير، فعقد حاجبيها وهو يتسائل
- ميت؟ قصدك على سلمى؟
اهتزت حدقتي إبراهيم بتوتر، كيف يقع بخطأ فاضح كهذا؟، ابتسم وقال بتلعثم تحكم به قليلاً
- تكهنات، اصل بقالنا كام سنة بندور عليها ومش لاقينها فأية اللي هيجي في بالك! انها ميتة
اردف بحزن وأسف مزيفان
- احنا لازم نتقبل احتمال زي دة يا عمر.
اشاح عمر بوجهه وفي رأسه ضجيج لا يتحمله، افكار مناقضة وسيئة تمنعه من التركيز وتحديد اي شيء، جذبه إبراهيم بحديثه الحزين من جديد.
- انت عارف اني كنت يتيم ومكنش عندي عيلة، كان عندي حلمين وانا صغير اول واحد اني اشتغل وأكبر ويبقى ليا اسمي في السوق، تاني حلم ان يبقى عندي عيلة
- قولت لي الكلام كدة وانا صغير..
علق عمر بذلك بينما اكمل إبراهيم ببغض عند ذِكر اسمها.
- بالنسبة لموضوع المُحتالة اللي اسمها يارا، انا اتضايقت منك لما عرفت انك أجّرت واحدة تمثل انها سلمى، سبب ضيقي كان انك دخلت واحدة الله اعلم نيتها اية، ممكن كانت تفكك عيلتنا وانا بخاف على عيلتنا اللي كونتها بعد تعب، فمش هسمح لحاجة تخسرني حياتي
ابتسم عمر بهزء مُناقض لرده الساخط
- عيلة اية يا بابا!، عيلتنا متفككة اصلاً وكلنا عارفين
ضم إبراهيم قبضته ليظل مُتحكماً بإنفعالاته بقدر المُستطاع، رد بوقار أتقنه.
- حتى لو عيلتنا مهزوزة من جوة اهم حاجة اننا نبقى مع بعض ونحاول نتماسك ونصلح اللي اتكسر
اومأ عمر برأسه ونهض فيكفي هذا القدر عليه اليوم، سأله
- انا طالع اوضتي، عايز حاجة؟
- انت قابلت المحتالة؟
وجد عمر نفسه يكذب اثناء إجابته
- لا
بينما اكمل إبراهيم طرح اسألته
- ومش بتحاول توصلك او حاجة؟
- لا، لية في حاجة؟
- لا مفيش، بطمن انها بعدت عننا
- متقلقش، تصبح على خير.
اغلق عمر الباب خلفه وظل واقفاً لوهلة وقد تاه، هل افعال وردود والده طبيعية وحقيقة ام انها مُريبة، فهل يتخيل؟
صعد درجات السلم بفكر شارد، القى بجسده على فراشه وهو يتنهد بحرارة، لقد بدأ عقله يذكره تدريجياً بأفعال والده السيئة الذي اعتقد انه نساها من تحسن تصرفاته مع مرور الوقت، تذكر تناقض ردود افعال والده حين اكتشفت سهام انه يخونها! ذلك الحدث قد تناساه عمداً حتى يُكمِل الجميع حياته بطبيعية، لكنها لم تُعيد كالسابق، فقد بدأ كل شيء بالتغير منذ ضياع سلمى.
تدهورت حالة سهام بعد ضياع ابنتها وعانت من اكتئاب حين أُغلقت القضية بعد مرور سنة كاملة، ظلت تعاني لسنة اخرى، حاول إبراهيم وهو ان يُخرجانها من اكتئابها بإرشادات الطبيبة التي تتابع حالتها وقد نجحا في النهاية، مرت شهور اعتقد فيها ان حياته قد عادت للسابق بل وأفضل لكن إبراهيم هدم اعتقاده حين خان سهام التي رأته في مكتبه يعانق سكرتيرته بحميمية، تذكر توسلات إبراهيم لوالدته.
- انا غلطت، انت اسف سامحيني، غلطة ومش هتتكرر، متخربيش بيتنا وتفككي عيلتنا عشان نزوة، سهام، سهام حبيبتي، سهام
حتى انه بكى اثناء توسلاته العاجزة، بالرغم من بغض عمر لوالده في تلك اللحظة الا انه سامحه وشعر بصدق ندمه حتى انه طلب من سهام ان تسامحه.
فتراجعت سهام عن قرارها بسبب عمر حتى لا تدمر حياة طفلها المُتبقي بإنفصالهما.
اليوم التالي
- اتفضلي الفطار..
قالتها يارا مع إبتسامة صغيرة على محياها ل كوثر التي واجهتها بعينين ضيقتين، اتجهت يارا للكومود لأخذ حقيبتها بينما تحدثت كوثر
- مش حابة تتكلمي معايا في حاجة؟
مثلت يارا الجهل وهي تتساءل
- زي اية؟
- عن الحصل امبارح مثلاً!
نظرت لساعة الحائط وقالت بتعجل زائف
- اتأخرت على الشغل
لم تسمح لوالدتها بالتحدث واستدارت لتتجه للباب، لكن ذلك لم يمنع كوثر من الحديث.
- ملك قالتلي على علاقتك انتِ وعمر
توقفت يارا واخذت نفساً عميقاً قبل ان تقول بصبر
- قولتلك يا ماما متقلقيش، كل حاجة انتهت
- ولية لازم تنهيها؟
استدارت يارا تنظر لها بدهشة
- نعم!
صُدِمت، كانت تتوقع ان والدتها ستشعر بالراحة لإبتعاد عمر وعائلته عنها لكن حدث العكس!، اضافت كوثر
- مش ناوية تروحي تزوري سهام؟
زادت دهشتها وانعقاد حاجبيها، بينما أكملت كوثر..
- ايوة انكشفت الحقيقة بس شايفة انه مش مشكلة لو روحتي زورتيها، الله يعينها اكيد حالتها دلوقتي مش كويسة وانتِ ليكِ أيد في حالتها فدة واجب عليكِ
شردت يارا في قول والدتها، انها مُحقة، لا بأس في زيارتها، اهتزت حدقتيها بتأثُر حين اضافت كوثر مع إبتسامة سمحة
- وبالنسبة لتهديد ابوه، محدش بياخد اكتر من اللي مكتوبله، فمتخافيش عليا.
أسقطت حقيبتها وأسرعت لتعانق والدتها بقوة وقد سالت دموعها، فربتت كوثر على ظهر ابنتها بحنان.
وضع عمر عبوة الدواء على الطاولة وقربها ل إياد الذي كان يُطالعه بإستغراب، وقبل ان يسأل أعطاه عمر الإجابة
- الدوا دة لقيته في مكتب بابا
هتف إياد بعدم تصديق
- فتشت مكتبه؟
تجاهل عمر تساؤل صديقه وطلب منه التالي..
- صاحبك الدكتور النفسي اللي كان اسمه محمد، اسأله واعرفلي اية الدوا دة
التقط إياد علبة الدواء وقال
- علاقتي به سطحية بس هسأله، بليل هتلاقي الإجابة عندك
- ياريت
ثم نهض، فتمسك به إياد.
- رايح فين؟ خليك قاعد شوية
- مرة تانية عشان هروح لماما المستشفى
غادر عمر بينما انشغل إياد بالإتصال الثقيل على قلبه.
مساءً
ركضت والدة ملك خلف الاخيرة لتوقفها قبل ان تصل لغرفة والدها لكنها فشلت، دفعت ملك باب الغرفة بغضب ازداد حينما وقع بصرها على والدها الجالس مُسترخي على الاريكة.
صرخت بثورة وهي تتقدم منه
- كلمت إياد تاني على الفلوس لية يا بابا! لية؟
رد ببرود وهو يرفع بصره لها ببطء
- محتاج فلوس
- على اي اساس بتطلب منه فلوس؟ على اي اساس؟
- بنتي هتبقى مراته..
قاطعته بضحكها المُستهزء من رده، تحدثت بحدة.
- مراته؟، دة انا هقطع علاقتي بيه بسببك
ابتسم بإستفزاز وهو يقول بثقة
- بتحبيه ومش هتقدري تعملي كدة
- هقدر، مدام خسارة ليك هعملها
كانت صادقة، تستطيع فعلها واستشف والدها ذلك؛ عادت لتصرخ بمزيج من الغضب والرجاء
- اخرج برة حياتي، متدخلش فيها ممكن!
- ممكن، بس بشرط
لم تسأله، انتظرت ان يفصح عن شرطه.
- تظبطيني لما تتمكني
ضمت قبضتها وهي تحدق به بنفاذ صبر، في كل مرة يهدم لها أمل تغيره.
- هروح ل يارا شوية عشان اتخنقت هنا
قالتها بفراغ وغادرت دون انتظار موافقتهم، وهم لم يعترضوا.
توقفت اسفل المبنى لتتحدث مع إياد عبر الهاتف.
- انت فين؟ فاضي؟
سألها بفضول
- في حاجة؟
- عايزة اقابلك، خمس دقايق بس
رد بحبور
- عنيا ليكِ، عشر دقايق وهبقى عندك
- هستناك عند الشارع الرئيسي
- ماشي.
في فيلا إبراهيم السويفي
انها تقترب، تقترب وهي تمتم بكلمات لا يفهمها، عينيها تُعاتبه وتتهمه بحزن، فجأة وصلت اليه وأصبحت تخنُقه بكفيها الذان يكبران حتى التهمته فيهما.
- بابا، بابا
انتفض إبراهيم بفزع من مكانه وأصبح يلهث بعنف، ادرك بعد لحظات وجود عمر بجواره فهو من أيقظه من كابوسه.
- عمر..
- انت كويس؟
مسح إبراهيم وجهه بكفيه وهو يتمتم من بين انفاسه المُتقطعة
- كان كابوس وحش اوي
- عن سلمى؟
ازاح كفيه ببطء وهو ينظر له بصدمة، فوضح عمر
- كنت بتتكلم وانت نايم وبتقول متموتنيش يا سلمى متموتنيش
ظل إبراهيم صامتاً للحظات، تنحنح قائلاً بتعب وهو ينهض
- متاخدش في بالك
قبل ان يبتعد سأله عمر مُباشرةً بعد ان اخرج الدواء من جيبه
- اية الدوا دة؟ بتاع اية؟
استدار ابراهيم ناظراً اليه بإستغراب
- لقيته فين؟
كذب عمر
- كان هنا، جمبك
- دوا للصداع
- صداع؟ هو الدكتور ضحك عليك ولا اية يا بابا؟
- نعم!
- دة دوا بيدوه للناس اللي عندهم أمراض نفسية..
ساد الصمت، يتبادلان النظرات، ضحك إبراهيم مُستنكراً
- دوا للأمراض النفسية بيعمل عندي اية؟
- ولو عندك هو عيب؟
تجهم وجه إبراهيم واحتدت نظراته، قال بحزم
- هات يا عمر الدوا
واجهه عمر بنظرات صارمة مُصِرة، سأله بشفافية
- جاوبني الاول، انت قتلت سلمى؟
- يارا بنت ال
خرجت من إبراهيم بإنفعال، فعلق عمر
- مدام عرفت مين اللي قال لي يبقى دة حقيقة.
استدار إبراهيم وهو يمسك برأسه وبداخله نزاع، يحاول ان يكبح نفسه، ان يُسيطر على نوبته التي ستتملك منه لذا قال
- اخرج يا عمر، بسرعة
- مش هخرج إلا لما اعرف الحقيقة
اندفع صارخاً وهو يتقدم منه ويدفعه للخلف حتى وصلا للحائط
- بقولك اخرُج.
اتسعت مقلتي عمر الى مصرعيها بصدمة، رغم استعداده لمواجهة حقيقة والده إلا انه صُدِم، تمنى ان تكون شكوكه وأقوال يارا خاطئة، لكن من رؤية عينيه تذكر كلمة يارا، انها أعيُن مُخيفة كعين مُجرم مريض نفسي، فرق شفتيه مُحاولاً التغلب على صدمته بإخراج حروفه المُهتزة
- قتلتها؟
حرك إبراهيم رأسه جانباً وهو يُبرر
- كانت قليلة الادب، استفزتني
سالت دمعة من عيني عمر وهو يهمس بألم
- يعني قتلتها
رد والده بضعف
- من غير قصد.
دفعه عمر بعيداً عنه بنفور صارخاً بقهر وعدم إستيعاب
- يعني قتلتها وعايش كدة! عايش بضمير مرتاح؟
- مرتاح؟ دي مش سيباني في حالي، مبعرفش انام بسببها
رمقه عمر بإزدراء قائلاً
- اقل ما تستحقه..
اخرج عمر هاتفه من جيبه ليضغط على عدة ارقام، سأله إبراهيم بريبة
- بتعمل اية؟
- بتصل بالمصحة
ظهر الخوف على محيا إبراهيم وهو يتمتم بجزع
- مصحة! هتدخل ابوك المصحة يا عمر؟
- مش احسن من السجن؟
- مش هتعمل كدة في عيلتنا!
استهزء عمر بألم
- عيلتنا؟ عيلة اية اللي بتتكلم عليها!
صعدت ملك في المقعد الأمامي المجاور ل إياد بوجه مُقتضب، رحب بها وقال
- تعرفي اني كنت رايح المستشفى
عقدت حاجبيها بتساؤل
- مستشفى لية؟
- كنت هقابل يارا هناك عشان هتزور طنط سهام
- مقالتليش
- ما لسة ماخدة قرارها حالاً، فبعتلها عنوان المستشفى
- طب كويس
ساد الصمت لدقائق ليقطعه هو بفضوله
- ها قولي كنتِ عايزة اية؟
استدارت بنصف جسدها بعنف له واندفعت حروفها من بين شفتيها بتسارع غاضب.
- مقولتليش لية ان بابا كلمك؟ انه طلب فلوس منك؟ لية رديت عليه اصلاً!
كيف كان يتوقع انها ان تعلم!، ابتسم وطلب منها برفق
- ممكن تهدي طيب؟
- لا
اوقف السيارة جانباً ونظر لها قائلاً بهدوء
- اولاً مينفعش أتجاهل اتصاله، ثانياً انا بعرف اتصرف معاه فمتقلقيش عليا
استنكر قوله بحنق
- بتعرف تتصرف معاه فتديه فلوس؟ فاكر كدة اني هتبسط مثلا
- ممكن متاخديش الموضوع بالحزازية دي!
- لا مش ممكن.
تغيرت نظراته للعتاب، فتداركت نفسها، التقطت انفاسها بقوة ثم قالت مُتراجعة
- ممكن، بس تعرفني قبل ما تتصرف، ممكن؟
ابتسم بود موافقاً
- ممكن طبعاً
والتقط كفها وقبله قُبلة حانية، نظر لها بحب قائلاً بإستياء
- بس تعرفي انِك وحشتيني جداً!
ابتسمت في خجل، همست وهي تتمسك بكفه اكثر.
- وانت كمان.
سارت يارا بإطمئان في الرواق، فقد أخبرها إياد ان عمر ليس معها، لكن التوتر لم يتركها، فهي متوجسة من رد فعل سهام، خائفة من ان تثور وتسوء حالتها.
تنفست بعمق وهي تضع كفها على مقبض الباب، ادارته وفتحته ببطء، شعرت بالراحة حين رأتها نائمة، اغلقت الباب بحذر خلفها وتقدمت منها لتجلس على الكرسي المحاور لسريرها.
- استنيتك كتير..
ما لبثت ان جلست حتى وجدت سهام تقول ذلك، استعت مقلتيها قليلاً وهي تتمتم.
- انتِ صاحية؟
- مش المفروض تيجي تشوفيني من قبل كدة يا سلمى!، قصدي يا يارا!
اخفضت يارا رأسها مُعتذرة
- اسفة
ابتسمت سهام بحزن قائلة
- اية فايدة الاعتذار، ما كسرتيلي قلبي
ضمت يارا كفيها لبعضهم البعض، ازدردت ريقها وهي تخبرها بصدق
- بس كنت بعاملِك بحسن نية والله، زي ما بعامل ماما بظبط، ما نفسي بجد اعوضك عن خسارة بنتك
هزت سهام رأسها قبل ان تقول
- عارفة، وتقريباً دة السبب اللي ممكن يخليني أسامحك.
لمعت حدقتي يارا بأمل، بينما أكملت سهام بسماحة
- فكرت كتير، مش شايفة ان في فايدة من اني أكرهك، ضحكتي عليا ومثلتي عليا انك بنتي ودة ضايقني بس في نفس الوقت مليتي فراغ جوايا وريحتيني...
توقفت حين ارتفع رنين هاتف يارا، اعتذرت الاخيرة عن مُقاطعتها ونظرت للشاشة فوجدت رقم جارتها ام محمد، اضطرت ان تُجيب فقد تركت والدتها معها.
- الو يا ام محمد
اتاها رد ام محمد الجزع
- الحقي أمك...
البقاء لله ربنا يصبرك يا بنتي خليكِ قوية
تدفقت كلمات التعازي بأنواعها على مسامعها، يُربتون على كتفها وكفها بشفقة وأسف ثم يرحلون، لا احد يعلم انها مازالت لا تستوعب موت والدتها المُفاجئ، كانت بخير قبل ان تتركها لتذهب للعمل لكن فجأة تدهورت حالتها وخلال ساعات كانت قد فارقت الحياة.
حركت حدقتيها الفارغة والدموع متحجرة فيهما، تنظر للوجوه الحاضرة دون ان تراهم!، قد يعتقدون انها موجودة هنا معهم لكنها في الحقيقة ليست كذلك.
اغلقت ملك الباب وقد رحل الجميع، عادت لتجلس بجوار يارا التي مازالت صامتة، دموعها تسيل بصمت على وجنتيها بينما تُحدِق امامها حيث صورة والدته المُعلقة على الحائط.
ازدردت ملك تلك الخصة التي تُصعّب عليها الحديث، اخرجت حروفها بصوت باكي مبحوح.
- شدي حيلك يا يارا، عارفة انها حاجة صعبة، بس دي سنة الحياة، وغير كدة انا معاكِ ومش هسيبيك
صاحبت قولها الاخير عِناق، عناق تواسيها وتواسي نفسها به، اخذت تبكي بحرقة وألم، فهي أيضاً قد فقدت أُم ف كوثر كانت في مقام والدتها وأكثر.
خرجت ام محمد من المطبخ وهي تحمل صينية بها طعام، قالت بحنان وهي تجلس امام يارا
- كُلي يا يارا يا حبيبتي، دة انتِ محطتيش حاجة في بوقك من امبارح.
أبعدت يارا ملك عنها ونهضت، كادت ان تعترض ام محمد لكن ملك اوقفتها وهمست لها بحزن
- سيبيها
اتجهت يارا لغرفة والدتها تاركة بابها مفتوح، جلست على فراشها الذي مازال يحمل رائحتها ومررت كفها على وسادتها، انها تشتاق لها من الان فماذا ستفعل بعد ان تمر ايام وليال دون ان تراها!
استلقت وتدثرت بغطاء والدتها رغم حرارة الجو، دفنت وجهها في وسادتها تستنشق رائحتها العطرة بقوة لعلها تحتجزها بداخلها فلا تنفذ ابداً، وخلال دقائق كانت قد ذهبت في سبات عميق.
بينما في الخارج، طرحت ام محمد سؤالها على ملك
- هتباتي النهاردة معاها؟
- ايوة، تقدري تروحي
- خلاص، هبقى اجي بكرة، بس لو في حاجة خبطي عليا متتكسفيش
- حاضر، شكراً ليكِ جدا.
غادرت ام محمد ذاهبة لشقتها المُقابلة، بينما القت ملك نظرة سريعة على يارا قبل ان تعود لتجلس على الاريكة وتُهاتف إياد الذي اتصل كثيراً لكنها لم تستقبل اتصاله.
- اسفة اني مردتش عليك، بس الظروف مكنتش سامحة
رد إياد بسماحة ثم سألها بإهتمام
- ولا يهمك يا حبيبتي، المهم قوليلي انتِ عاملة اية؟ كويسة؟
- الحمدالله
- ويارا؟
تنهدت بثقل وهي تُجيب بحزن
- ربنا يعينها على اللي هيّ فيه
- يارب
لم يُكمِل حتى اردف بتعجل.
- استني ارد بس على عمر
- انت قولتله؟
- طبعاً
صمتت لوهلة قبل ان تودعه
- ماشي روح كلمه، سلام.
بعد مرور ساعة
ترك إياد ذراع الكرسي المتحرك الخاص ب سهام عند باب الشقة لتأخذه ملك منه وتجره اتجاه غرفة كوثر.
- هكمل لوحدي
قالتها سهام بخفوت فتركتها ملك وتابعتها وهي تحرك الكُرسي بنفسها لداخل غرفة كوثر.
تأملت سهام يارا بعينين حزينتين مُشفقتين، مدت كفها لتملس على شعرها بحنان، جفلت سهام حين انتفضت يارا من نومتها.
اخذت يارا تضرب بكفها على صدرها لعل ذلك الألم الذي يسكنه يزول، فهو يخنقها، كبت بكاءها وصراخها يخنقها، توقفت كفها عما تفعله حين شعرت بكف حنون يُربت على ظهرها، استدارات ببطء وقلبها يضخ بعنف، هل كان حُلم؟ والدتها مازالت حية؟، سالت دموعها حين رأت سهام وقد زاد ألمها، اخذت تنتحب بقوة وقد ارتمت بين ذراعي سهام التي مدتها لها بصدر رحب، ربتت على ظهرها واخذت تُتمتم بكلمات لعلها تُهدأها رغم يقينها ان كلمات العالم بأكمله لن تواسيها او تخفف ألم فقدان الأم.
شاهدت ملك ما حدث وشاركتها بُكائها، ابتعدت لتجلس على الاريكة وهي تحاول ان تُسيطر على صوت بُكائها.
بينما في الأسفل، كان عمر جالساً داخل سيارته مُنكس الرأس، كم يرغب في رؤيتها ومواساتها، لكنه لم يستطع، فمنذ ان علِم وحتى الان كان يكبح نفسه من الركض اليها، في النهاية توصل بأن يُرسل والدته التي اخبرته ان يارا قد اتت لرؤيتها والتي اخبرته أيضاً ان والدة الاخيرة مرضت فجأة، وحين اقترح عليها الذهاب لها وافقت دون تردد وذلك بث لداخله الراحة، فوجود والدته معها يعوض وجوده.
أخرجه إياد من نوبة الحزن التي تعتريه بقوله
- ملك بعتتلي وبتقولي ان طنط سهام هتفضل معاها لبكرة، فنمشي احنا
اومأ عمر برأسه موافقاً فتحرك إياد بالسيارة مُبتعداً.
- هتروح مع عم ابراهيم للمصحة؟
قطع إياد الصمت بسؤاله التأكيدي، فأجاب عمر بنبرته اللا روح فيها
- ايوة
- خليته يوافق بالسهولة دي،.
رفع عمر زاوية فمه بحزن وقد شرد مُتذكراً ما حدث بعد ان طلب من إبراهيم ان يذهب للمصحة، فقد هجم عليه ليخنقه كما فعل مع يارا و سلمى، وقد استيقظ في اللحظة الاخيرة وأخذ يعتذر وهو يبكي من عمر، حتى انه جثى على ركبتيه امام ابنه يطلب مُسامحته بينما كانت الصدمة كل ما يعرفه عمر في هذه اللحظة، اخبره حينها بحزم تحت تأثير صدمته
- هديك مُهلة لبكرة، تختار السجن ولا المصحة.
وها قد اختار المصحة ليتعالج ويعود لعائلته، يالسخريته من الذي سيستقبله من جديد؟
سرد عمر كل ذلك على إياد الذي شعر بالصدمة والشفقة على صديقه، ليس بالموقف الهين ابداً، طرح سؤال اخر بعد لحظات من الصمت
- وهتعمل اية مع طنط سهام؟
- مش عارف
- يعني ناوي تقولها؟
- لا، ممكن يحصلها حاجة لو عرفت
- اومال؟
تعلق بصر عمر على الإشارة الحمراء وهو يُجيب بأنفاس مُثقلة بالهموم
- كأنه سابنا..
- ازاي؟
لا يُريد الحديث الان فليس لديه الطاقة لذلك، فتفهم إياد ذلك وصمت مُراعايا لصديقه.
امام المصحة..
لم يقل عمر اي شيء منذ ان اخذ إبراهيم من الفيلا حتى وصلا لهُنا، تنهد الاخير بحزن ثم سأله بأمل
- هتيجي تزورني، صح؟
رفع عمر بصره ل إبراهيم، ظل صامتاً لفترة قصيرة حتى تحدث طارحاً سؤال بطريقة قاسية
- المكان اللي دفنت فيه بنتك سلمى فين؟
بعث له إبراهيم نظرات مُعاتبة قبل ان ينقل بصره للأمام، ابتسم بطريقة مُناقضة لنظراته وقال
- لما تيجي تزورني هقولك.
ضم عمر قبضته على المقود ولم يرد، ترجل إبراهيم دون ان يصاحبه عمر فلن يستطيع ان يفعل ذلك، انه لفعل ثقيل على قلبه بعد كل شيء.
ظل مُنتظراً في الخارج لمدة قاربت النصف ساعة، رن هاتفه فرد ليصل له قول الطبيب الذي يتابع حالة والده
- حجزناه وكل حاجة تمام.
صباح اليوم التالي
صعد عمر درجات سلم مبناها، توقف امام شقتها وطرق على الباب بخفة وقلبه يتمنى ان تفتح هي الباب ويراها لكن ما تمناه لم يتحقق، فتحت له ملك وخلال ثانية كانت قد اتت سهام فأخذها وغادر.
داخل السيارة، سأل عمر والدته
- يارا عاملة اية
- ياعيني عليها، ربنا يصبرها بجد
- لية مفضلتيش معاها؟
- عشان مبقاش تقيلة، هبقى اروحلها تاني اكيد
اومأ عمر برأسه، بينما اردفت سهام مُتسائلة
- مش هتعزيها؟
صمت عمر، فالأمر صعب، يحتاج شجاعة حتى يراها فقط وحين يحدث ذلك يجب ان يعتذر لها اولاً، تمتم
- ان شاء الله
هزت سهام رأسها وقالت بغموض
- متتأخرش عليها
وصلا للفيلا، نقلت سهام نظراتها بين ارجاء الفيلا التي شعرت بكآبتها بعد ان عادت، نهضت مُستندة على عُكازها لتذهب لمكتب إبراهيم وتدخله و عمر يتبعها، تلمست طاولة مكتبه وهي تتمتم
- تعرف ان ابوك جالي امبارح قبل ما تيجي تاخدني ل يارا؟
ذُهِل، فلم يخبره والده عن ذلك.
- بجد؟ معرفش
ابتسمت بحسرة وهي تتحدث بحزن
- جه يقول لي انه عايز يبعد فترة
جلست وهي تُكمِل
- موضوع سلمى تاعبه، فعايز يصفى وهو بعيد عني عشان انا السبب في تفكك عيلتنا
انهت جملتها بسخرية مُصاحبة نظراتها المُتألمة، فأشتعلت النيران داخل عمر، فكيف يُخرِج والده حجة كاذبة كهذه حتى يبرر بُعده؟ كيف يُحزِن ويُحمِل والدته ذنب حتى إن كان ذلك لمصلحتها من وجهة نظره!
- مش انتِ السبب، فمتشيليش نفسك...
قاطعته وهي تبتسم بإمتنان بجانب قولها المُتصالح من النفس
- شكراً لانك بتحاول تهونها عليا، بس انا عارفة اني السبب، لو مضاعتش سلمى مني يومها مكنش كل دة حصل
تهدج صوتها وهي تُضيف
- انا عذرة ابوك، مش مضايقة منه بس..
بُكائها أعاقها عن إكمال جملتها، فأسرع عمر ليجثوا على ركبتيه امامها ويمسك كفها مُحدقاً بها بعينين تلمع بالدموع قائلاً
- صدقيني، انتِ ملكيش ذنب في اي حاجة حصلت، وغير كدة انا معاكِ ومش هسيبيك.
ابتسمت له بإمتنان شديد ثم عانقته بقوة، تشكر الله على وجوده في حياتها.
مر اسبوع، وككل ليلة، عمر يقف اسفل مبناها وعينيه مُعلقة بنافذتها، مازالت الأضواء فيها مفتوحة وهذا يعني انها لم تنام للان، شعر بالضيق لأجلها، كيف يساعدها على النوم! أنار عقله لفكرة إرسال رسالة لها، تردد للحظة لكن حماسه تغلب على ذلك الشعور البغيض واخرج هاتفه ليرسل لها، فلمتى سيؤجل هذه الخطوة؟
- انها ليلة اخرى يصعب فيها النوم ويزداد شعور الاشتياق والوحدة، رغم ذلك أبقي قوية، انا بجانبك، قلبي يواسيكِ من بقعتي هذه ورغم هذا البُعد.
ضغط على زر الإرسال سريعاً ودون ان يراجع ما كتبه حتى لا يتراجع ويصبح جبان ثانيةً، انتظر لدقائق لعلها ترى رسالته لكنها لم تفعل، اعاد هاتفه لجيبه وعاد لينظر لنافذتها وجدها قد أغلقت مصابيحها، ابتسم براحة وغادر.
اشرقت شمس يوم جديد
وضعت ملك صينية طعام الإفطار امام يارا التي ذبلت ملامحها بوضوح، قالت بصرامة
- كُلي ومش همشي الا لما تاكلي كل الطبق دة
كادت يارا ان تعترض بضعف
- مش..
وبختها ملك وهي تُقرب طبق البيض المقلي منها
- قولت كُلي مفيش حاجة اسمها مش قادرة ومش بطيخ
تنهدت يارا وبدأت في تناول ما قدمته لها ملك، بعد ان تناولت بضع قطمات قالت بصوتها المبحوح وهي تبتسم بإمتنان ل ملك.
- مش عارفة من غيرك كنت هقدر اقعد يوم واحد ازاي
ابتسمت ملك وغمرتها السعادة لإكمال يارا لجملة واحدة اخيراً، قالت بتفاخر مُصطنع
- يا بنتي انتِ من زمان متقدريش تعيشي من غيري
اومأت يارا برأسها واكملت تناول طعامها بينما ابتعدت ملك لتُجيب على إتصال إياد، بادرت في الحديث بنعومة
- صباح الخير
انها تسرق قلبه حين تتحدث بهذه الطريقة، ظهر الهيام في صوته وهو يرد
- صباح الجمال والحنية، عاملة اية!
ابتسمت بخجل وهي تُجيب.
- الحمدالله وانت؟
تنهد وهو يقول بضحك مُستاء
- بعد اتصال عم الحج مش عارف الصراحة كويس ولا لا
اتسعت مقلتيها وهي تهتف بقلق وانفعال
- بابا اتصل بيك؟ لية؟ قالك اية؟
ضحك على اسلوبها، طلب منها من بين ضحكاته
- ممكن تهدي الاول! وهقولك واحدة واحدة
حاولت التحكم في انفعالاتها وحثته
- قول يلا
- عايز يقابلني دلوقتي حالاً فأنا اهو في طريقي لبيتِك
هتفت مرة اخرى بحنق
- نعم! محدش قال لي
- اهو انا قولتلك
- طب اقفل انا رايحة لهم.
حاول منعها من التهور والتصرف بطريقة غير لائقة معهم
- متعمليش مشكلة، انا جاي و..
قاطعته بنبرة
- متقلقش
- لا هقلق انتِ مش..
ابتسمت وهي تقول بعتاب
- مفيش ثقة خالص!
ضحك وقال بصراحة
- بثق فيكِ في كل حاجة إلا النقطة دي
له الحق، تنفست بعمق قبل ان تقول
- ماشي تبقى ترن عليا انزل ونطلع سوا، وأكون بالمرة اتأكدت ان يارا كلت
انهت المكالمة وعادت ل يارا لتخبرها بغيظ.
- شوفتي بابا اتصل بإياد وعايز يشوفه ضروري ومن غير ما يديني فكرة، حتى ماما متصلتش ونبهتني
ابتلعت يارا الطعام الموجود داخل فمها وردت
- طب روحي
رمقتها ملك بخبث وهي تضحك مُعترضة
- لا يا حلوة مش همشي إلا لما تخلصي اكل، متحاوليش تتنصحي عليا يا ست يارا
ابتسمت يارا وصمتت، فأتسعت إبتسامة ملك حين رأت يارا تبتسم!
في منزل ملك
جلست ملك بجوار إياد ووالديها امامهما، بادر الاخير في الحديث
- اتفضل انا سامعك
تحدث والدها
- امتى هتتجوزوا؟ ولا هتفضلوا مشايين مع بعض من غير خطط؟
هتفت ملك بذهول
- دة عدى شهر واحد بس يا بابا!
لم يُزيح والدها بصره عن إياد مُنتظراً رد منه، وحصل عليه بكل تهذيب
- احنا لسة في بداية علاقتنا ومش عايزين نتسرع، بس وقت ما تكون ملك عايزة نخطو الخطوة دي مش هعترض
- طب انا عايزكم تخطوها.
ابتسم إياد بهدوء وهو يرد بوقار
- كلام حضرتك على راسي بس في حالة لو عدى سنة مثلاً وانا لسة متجوزتهاش
ضم والدها قبضته، كلام هذا الشاب مُتزن، اومأ برأسه وقال
- ماشي، بس متتأخروش، شهرين تلاتة كدة وتتجوزوا
كادت ملك ان تعترض لكن إياد سبقها مُسايراً اياه
- حاضر.
مر اسبوع اخر، وما جد ان عمر كان يُرسل لها كل ليلة رسالة جديدة لكنها لم ترى أياً منها مِما سبب له إحباط.
حل يوم الجديد..
كانت سهام قد ذهبت ل يارا منذ الصباح الباكر لتقضي معها اليوم وهذا قد ساعد الاخيرة كثيراً، فقد وصلت الضحكة لثغرها وأصبحت تتحدث وتتناقش مع من حولها من جديد، بالطبع هناك جزء مُنطفئ بها لكن مازالت افضل من ما مضى.
- نامي بدري بقى، ابني متعذب معاكِ.
قالتها سهام بعتاب مُصطنع وهي تقف عند باب الشقة، فعقدت يارا حاجبيها بعدم فهم بينما اضافت سهام
- كل يوم بيرجعلي متأخر بسببِك
- مش فاهمة
- شوفي موبايلِك
ابتسمت لها وغادرت بمساعدة ملك، اتجهت يارا لغرفتها وأخرجت هاتفها التي لم تنظر له منذ وفاة والدتها، وضعته في الشاحن حين وجدت بطاريته قد نفذت وانتظرت قليلاً لتفتحه، وجدت الكثير من الاتصالات المجهولة ورويداً رويداً أصبحت تصل لها رسائل كثيرة من جهة واحدة.
ارتسمت الابتسامة على شفتيها تدريجاً، ولمعت حدقتيها بالدموع، لم تتخيل ان يهتم، اعتقدت انه اصبح يكرهها، لكن يبدو انه اكتشف الحقيقة ويصدقها الان، لقد كانت مُتفهمة جدا لموقفه ولعنفه معها لذا لم تكن تنتظر اعتذار منه، لكن حين رأت اعتذاره في اخر رسالة أرسلها امس أشعرتها بقيمتها لديه، جُملة وجودك في حياتي مهم جعلت قلبها ينبض مرة اخرى من اجله.
وقوفه معها منذ البداية وبناء على قول سهام انه كان ينتظرها حتى تنام ويعود، إذاً كان يواسيها خلف الستار، وذلك شيء يُحتسب له.
عادت ملك فسألتها يارا بتأثر
- كنتِ تعرفي ان عمر بيجي كل يوم تحت يستناني انام ويمشى؟
اجابتها ملك بصراحة
- ايوة، وقولتله يبقى يتصل بيا وانا هبقى أكلمه واطمنه عليكِ، رفض
اومأت برأسها وقد سالت دموعها بتأثر، فأقترحت ملك بحذر
- تقدري تقابليه!، دة ما هيصدق.
نظرت لها يارا بتردد، اجابت بعد صمت قصير مع ابتسامة صغيرة لمعت في حدقتيها بإشراق
- ممكن.
انقطعت انفاس عمر بعدم تصديق وسعادة وحماس بعد ان اخبره إياد انه سيقابل يارا غداً، اختفت كل مشاعره السابقة ليحل محلها التوتر والقلق، ما الذي يجب عليه قوله حين يراها؟ هل يستطيع النظر لعينيها مُباشرة! هل يجب ان يبدأ حديثه بإعتذار ام تعزيتها!، تباً لماذا اصبح الامر مصعب؟
ازدرد ريقه بإضطراب وتحدث بتشتت
- طب، طب اية!
- اية؟
- مش عارف
ضحك إياد على حالة عمر..
- انت مالك مبقتش على بعضك اية!
- مش عارف متوتر زي عيل غبي
- يا عيل
قذف عمر الوسادة على إياد بحنق
- اتلم
قهقه إياد وأخذا يتحدثان عن امور عدة.
عصر اليوم التالي
في المقهى
تركزت حدقتي عمر على يارا اثناء اقترابها منه، كانت كالوردة الذابلة لكنها مازالت جميلة في عينيه، اثناء مُتابعتها وهي تقترب ظهر الاشتياق جلياً في حدقتيه، وحين تقابلت عينيه بخاصتها شعرت بأنه يعانقها بهما، فتسارعت دقات قلبها فأسرعت لتُبعدها عنه.
جلست امامه وقد زاد توترها الذي هو السبب فيه، عم صمت متوتر بينهما، قطعه عمر بعد فترة وجيزة
- البقاء لله.
هزت رأسها وعاد الصمت من جديد، اصبح الامر مُرهق عليه لذا استرسل كلماته بصورة سريعة في لحظة شجاعة
- اول حاجة كنت عايز اقولها لما اقابلك اني اسف، اسف لاني مصدقتكيش وقولت كلام مينفعش يتقال، سامحيني لو جرحتك بإتهام باطل، ليكِ الحق انك متسامحينش بس..
ابتسمت بخفة اثناء مقاطعته
- خد نفسك طيب
شعر حينها ان انفاسه فد انقطعت اثناء اندفاعه، فألتقطها بقوة بينما اردفت يارا بسلاسة.
- لو كنت مكانك مكنتش هصدق اي كلمة عن اي فرد في عيلتي، بس عموماً قبلت اعتذارك لو دة هيريحك
لمعت حدقتيه بلهفة وهو يهمس
- بجد!
اومأت برأسها مؤكدة له مُسامحتها، فإبتسم براحة وساد صمت قصير حتى تطرق هو لحديث اخر
- هرجع الشغل خلال اسبوع..
تطلعت اليه بذهول وسألته اول سؤال تطرق لبالها بقلق
- وماما سهام هتسيبها مع مين؟
شعر بالسعادة بداخله، مازالت تدعوها ب ماما سهام، رد بأسف
- مُضطر اجيبلها واحدة تقعد معها و..
قاطعته مُقترحة بفم مُمتليء
- ولية؟ انا موجودة
- مش عايز اتعبِك
رمقته بعتاب، أي تعب يتحدث عنه!، ضم كفيه لبعضهما وتجرأ للتطرق لأهم نقطة، كان خائف من إخراج حروفه لتعود خائبة لكنه فعلها
- طب واحنا؟
ارتفعا حاجبيها قليلاً بذهول لم يفهمه، اشاح بنظراته عنها وهو يُضيف بتوتر ظهر على نبرة صوته.
- عايز نرجع، حاسس اننا مخدناش فرصتنا عشان تنتهي بالسرعة دي، في حاجات كتير لسة معملتهاش معاكِ وكلام كتير مقولنهوش لبعض، لسة في فصول كتير ناقصة في حكايتنا
تأملته وهو يتحدث بصدق شديد ورغبته في فرصة اخرى لهم، اخفضت رأسها تُفكر وقد طال قليلاً، جفلت واتسعت مقلتيها حين وجدته ينهض بقوة فأندفع الكُرسي الجالس عليه وسقط، تابعته وهو يخبرها بتعجل تآكل معه حروفه
- متتسرعيش، مترفضيش، هستنى ردك قبل ما اسافر.
وغادر، غادر!، ضحكت وهي تنهض مُلتقطة حقيبتها لتغادر، وفور خروجها من باب المقهى وجدته واقفاً مُنتظرها، وحين رأها عمر قال
- يلا أوصلك
ابتسمت وتقدمت منه، فتح لها باب السيارة فصعدتها ثم اتخذ هو مكانه خلف المقود.
- هتسافر يوم اية؟
سألته فجأة، فأجاب
- الخميس
- تروح وترجع بالسلامة
- هروح وارجع اخدِك
لم تفهم لذا تساءلت
- نعم!
ابتسم وصمت، لن يشغل تفكيرها الان بمخططاته، سيتركها لوقتها.
مساءً
اندفعت ملك لداخل شقة يارا وهي تتحدث بحماس
- ها قولي حصل اية، اتكلمتوا في اية؟ قولي قولي
- طب اقعدي وخدي نفسك الاول!
- لا، دة انا خلصت المواعين في البيت وجيت جري ليكِ، فأنجزي
اومأت يارا برأسها وبدأت في سرد ما حدث بينها وبين عمر، اضافت آخراً بحيرة
- فلية قال جملته الاخيرة دي مفهمتهاش!
نكزتها ملك بغيظ
- هو انتِ من امتى غبية؟
- انا غبية يا ملك!
- ايوة، عشان مفهمتيش اللي قاله وتردي عليه.
- طب فهميني يا ست ذكية
- انه هياخدك يعني هياخدك
سألتها يارا ببلاهة
- ياخدني لفين؟
هتفت ملك بإنفعال ونفاذ صبر
- لا هي الأدوار اتبدلت ولا اية يا يارا؟ فوقي يا يارا
- انا فعلاً مش مركزة
- ما باين، طب قوليلي، هتقرري اية؟ هترجعي؟
- مش عارفة، انا مش عارفة حاجة ومش عايزة افكر
قالتها يارا بوهن وكسل، فربتت ملك على كتفها بتعاطف، سألتها وهي تضيق عينيها
- صحيح كلتي؟
- اة
- كدابة
رمقتها يارا بغيظ وهي ترد.
- ام محمد جابتلي اكل وكلته قدامها، حتى اسأليها
- خلاص صدقتك
نهضت يارا بحنق هامسة
- رخمة
ردت ملك بلامبالاة
- عارفة.
يوم الأربعاء
- مش فاهمة انتِ مترددة لية؟
هتفت بها ملك بسخط، فزفرت يارا بضيق، ليس لديها إجابة حتى، دفعتها ملك للباب وهي تُشجعها
- متقلقيش كل حاجة هتبقى تمام، روحي له انتِ وهو اكيد هيمسك فيكِ ومش هيسيبك إلا لما يسمع ردك اللي يرضيه واللي هو الموافقة
استدارات يارا لتهرب للداخل وهي تهتف
- غيرت رأيي مش هروح
وبختها ملك وهي تمسك بها مرة اخرى وتأخذها لباب الشقة
- انتِ بتستهبلي! مفيش تغيير رأي، يلا.
- طب هروح بكرة
- هيسافر النهاردة الفجر
صمتت يارا لوهلة قبل ان تطلب منها برجاء
- طب تعالي معايا
تنهدت ملك ووافقت مُشترطة
- ماشي، هوصلك بس ها!
مرت ساعة..
توقفت سيارة الأجرة امام الفيلا، ترجلت يارا و ملك أيضاً، تأكدت الاخيرة من عبور يارا البوابة ثم غادرت ف إياد ينتظرها بسيارته عند مسافة قريبة من الفيلا.
- جيتي!
قالها عمر والابتسامة تُزين شفتيه بجاذبية، توقفت يارا وهي تنظر له واقفاً امام باب الفيلا، كان ينتظرها!، تقدم منها ليقف امامها مُباشرةً، ظلا صامتان يتبادلان النظرات فقط، انعقد لسانها وهربت كلماتها منها فكيف ستتحدث؟، مال قليلاً وهو يحدق بقوة في حدقتيها، سألها بلطف ليتأكد
- هتقولي حاجة ولا مجيتك هي ردك!
هربت بحدقتيها بعيداً عنه وهي ترد بإقتضاب لا تعلم لِم تحدثت به
- جيت عشان اسألك عن حاجة وهمشي.
ارتفعا حاجبيه مع قوله المستنكر
- جاية الطريق دة كله عشان تسأليني بس؟
اومأت برأسها، فأعتدل ووضع كفيه في جيوب بنطاله مُنتظراً
- قولي، سامعِك
ظلت صامتة وادرك انها مُترددة في طرح ذلك السؤال، بينما في الحقيقة ليس لديها سؤال كما ادعت، قالت ذلك لتهرب من مواجهته المحتومة.
مد يده ليلتقط كفها الناعم ويحتجزه، سألها وعينيه تلمع بأمل
- في احنا؟
ازدردت ريقها ثم اجابت بخفوت
- في، بس الناس
- مالهم؟
- نظرتهم ليا بعد ما يعرفوا اني مثلت اني اختك، ا..
قاطعها بحزم
- محدش يقدر يتكلم كلمة عليكِ لاني هحط ايدي في عينيه قبل ما يفكر، وغير كدة انا الطلبت منك تعملي كدة
- بس هما..
ضغط على كفها وهو يحاول ان يطرد ذلك الخوف والقلق المتعلق بهذا الامر
- ملهمش دعوة، محدش له دعوة بينا غير ماما، وهي مستنية ردك
ابتسم مع نهاية جملته، واضاف بعبث
- وانا مستني على نار ولو معرفتنيش ردك هخطفك.
همس بكلمته الاخيرة وهو يقترب منها، فإضطربت حدقتيها وهي ترد بتلعثم
- ما انا قولت
اعترض بإستمتاع
- لا عايز رد صريح، مُباشر
رفعت بصرها له اخيراً، استجمعت شجاعتها لتتبع مشاعرها وتخبره بأنسب رد رومانسي لهذه اللحظة
- بحبك
اتسعت مقلتيه بصدمة سرعان ما تحولت لسعادة بالغة، اندفع دون ان يفكر لمعانقتها عناق قوي، لتنتقد سعادته لها، همس في اذنها بصدق وهيام
- وانا بحبك، من قبلِك.
انهى جملته وادرك انها يُعانقها، فأبتعد مُعتذراً وهو يضحك من فرط سعادته، فشاركته ضحكاته لكن بشيء من الخجل.
بينما كانت سهام تصفق بخفة من شرفة غرفتها حين رأت ذلك المشهد، تبتسم بسعادة ورضا.
قدم إياد الايسكريم ل ملك عبر نافذة السيارة وظل مُستنداً عليها يتأملها وهي تتناوله، قال فجأة
- تعرفي انك جذبتي انتباهي من اول لحظة شوفتِك فيها؟
ابعدت الملعقة من فمها وهي تنظر له وتسأله
- في المستشفى؟
- لا قبلها
اخذت تفكر محاولة تذكر اول مرة رأته فيها، تذكرت في اللحظة الذي قال فيها
- في المطعم لما اتخانقت يارا مع عمر
ضحكت وهي تقول
- كنت لسة هقول..
بينما اكمل..
- وقت الخناقة نفسها، لاحظتِك، خوفك على يارا شدني ليكِ وحسيت وقتها اني شوفت قلبِك وطيبته، واتأكدت من كدة لما جيت عشان اتأسف عن العمله عمر
تذكرت تلك الايام وابتسمت، سألته بفضول خجِل
- وامتى اتأكدت من مشاعرك؟
صمت ليفكر، أجاب
- مش فاكر تحديداً، بس كنت حاسس انك بتشديني في كل مرة بشوفِك فيها، كنت عايز أعيش في المطعم عشان اشوفِك وانتِ كنتِ منشفاها عليا
ضحكت وسألته بتعاطف
- كنت منشفاها عليك اوي؟
- اوي، بس كان ارحم من لما اتخطبنا
قهقهت عالياً وقالت بنعومة
- ما اهو بعوضك
غمز لها وهو يرد
- احلى تعويض.
مر اسبوعين على م