رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر
إرتدت للخلف أثر الصفعة فتعثرت قدميها معا مما أدي لسقوطها من أعلي درجات السلم لتصرخ عاليًا وقد إصطدمت رأسها بحائط السور، ففُزعت فاطمة وراحت تركض خلفها، ثم جثت على ركبتيها وهي تهتف بذعر سافر: - إنتي كويسة، قومي متخافيش، آآ.. دفعتها الأخيرة بيدها وهي تصيح بألم: يا حيوانة، أنا هوديكي في داهيه، اااااه..
بينما فتحت هالة بابها على أثر صياحها، وأسرعت تركض إليهما قائلة بإندهاش: إيه، في إيه، وما لبث حتى وضعت يدها على جبين مُني وهي تشهق بلهفة: إيه ده دم! هو إيه اللي حصل؟؟ بينما خرجت العمة رجاء هي الأخري مسرعة وهي تقول بتلهف: في إيه في إيه، ثم توقفت لثوان وهي تخبط على صدرها بصدمة هاتفة: يا حبيبتي يابنتي! أسرعت تجثي على ركبتيها وهي ترفع رأس إبنتها فيما صرخت مني وتعالي بكاؤها:.
هموت يا ماما هموت، الحيوانة دي زقتني عاوزة تموتني يا ماما اااااه.. إتسعتا حدقتا عينيها وهي تنظر إلى فاطمة التي هتفت في محاولة منها للدفاع عن نفسها: والله ما زقتها يا عمتي والله، آآ.. زمجرت رجاء مقاطعة إياها: بس، بس، ولا كلمة يابنتي عيب عليكي بجد اللي بتعمليه ده هتموتيلي بنتي عيب عليكي يا فاطمة عيب أوي!
ذُهلت فاطمة وقد فتحت فاها بإستغراب تام، بينما ساعدت رجاء إبنتها هي وهاله حتى وقفت على قدماها، فصرخت قائلة وهي تعض على شفتها السفلي: - مش قادرة يا ماما مش قادرة، رجلي شكلها إتكسرت... رجاء وهي تربت على ظهرها بحنان: معلش يا حبيبتي هبعت أجيبلك الدكتور دلوقتي بس ساعدينا نطلعك فوق وأنا ليا كلام تاني مع كريم لما يجي عشان كده كتير أوي...
صعدت معها بصحبة هالة حيث ساعدتاها الإثنتين، بينما وقفت فاطمة تمسح على رأسها بضيق شديد، وهي تلعن حظها ومني معا...
بعد مرور ساعة... طرقت السكرتيرة باب حجرة المكتب الخاص بحسام وأخبرته أن هناك شخص يُسمي كريم يريد مقابلته، فنهض قائلًا بإيجاز: دخليه. خرجت السكرتيرة ليدخل كريم، فأقبل حسام مرحبا به: أهلا وسهلا يا كريم نورت الشركة. رفع كريم أحد حاجبيه وهو يقول بجدية: أهلا يا حسام، يا اللي عاملي فيها راجل مهم ومبتردش على مكالمتي!
إبتسم حسام بخفة وراح يجلس على كرسيه بينما جلس كريم قبالته قائلًا بهدوء: أفهم بقي فيه إيه لكل ده؟ قال حسام متنهدا: تشرب إيه الأول؟ حرك رأسه نفيا ثم تابع بنبرة جادة: مش عاوز أشرب، إنت عارف أنا جايلك ليه خلينا ندخل في المفيد. إبتسم متهكما وتابع: وإيه المفيد؟ رد عليه بحزم: كلمني عدل يا حسام، وبلاش تخلينا ندخل السخرية في الكلام، طبعا أنا جايلك بخصوص سارة اللي أنت ضربتها وحبستها ولا كأن ليها أهل.
نهض حسام من مقعده ثم راح يجلس بالمقعد المقابل له وقال بجدية تامة: واللي قالك إني ضربتها مقالكش إنها بتهزر مع زميلها في الشغل بطريقة منحطة؟ ومقالكش إنها بتعلي صوتها عليا وبتعاند فيا، مقالش إنها مهملة في بيتها عشان خاطر الزفت الشغل! طبعا محدش هيقول كده، هيسيبوا الموضوع كله ويمسكوا في حسام ضرب سارة ! أخذ كريم نفسا قويا قبل أن يستند بمرفقيه على ساقيه، وقال بهدوء:.
وأنت كده عملت الصح يعني؟ مين قالك إن المشاكل بتتحل بالضرب؟ بالعكس إنت كده بتعقد الأمور أكتر.. حسام وقد إنفعل قليلًا: أعالجها إزاي يعني؟
إبتسم كريم وتابع: بالعقل يا أستاذ حسام، مش بالدراع، هي غلطانة في مليون طريقة غير الضرب إنما العنف ده متزعلش مني أسلوب الهمجية المتخلفين المجردين من الدين، لا شرع ولا دين قالك لو مراتك علت صوتها عليك إضربها، وعاشروهن بالمعروف يا حسام، لو بتحبها حاول تعالج منها أما لو مبتحبهاش فده موضوع تاني والحل الوحيد هنا يكون الإنفصال لأن مفيش علاقة تدوم من غير حب!
صمت قليلًا ثم تابع بضيق: ما هو إنت يا كريم مش هتحس بحاجة وأوعي تقتعني إنك لو شوفت مراتك بتهزر مع راجل غريب مش هتضايق ولا هتتصرف بنفس الطريقة اللي أنا إتصرفت بيها!
أومأ برأسه موافقًا وقال: هتضايق جدا طبعا وهطين عيشتها كمان، هحبسها في البيت، هخاصمها شهر شهرين، وأسمعها برضو مش هجلدها يعني، على فكرة مش بقولك إنك غلطان بس تصرفك مش صح، أنا عارف كويس جدا إن سارة تصرفاتها كلها غلط في غلط وإن هي فعلا مهملة فيك وأنت مش مقصر معاها وبتحبها رغم كل ده، بس كل اللي هي فيه ده ليه أسباب ومش من فراغ، ولو إنت شايف إنك فعلا مش عارف تعيش معاها وان الحياة مستحيلة إنفصل بدل ما تعقد الدنيا أكتر وأكتر، بإختصار يا تعالجها يا تبعد عنها..
مسح حسام على رأسه ثم قال بحدة: وإشمعني هي، ما إخواتها كانوا نفس ظروفها ومع ذلك مش زيها، هي مراتك بتعمل كده يعني؟ ضحك كريم قائلًا في محاولة منه لتهدئته: لا بتعمل أنيل من كده، كل يوم مشكلة جديدة، طب قولي إنت مراتك إتخانقت مع سواق ميكروباص قبل كده؟
رفع حاجباه مندهشا، فتابع كريم ضاحكا: شوفت تنحت إزاي، عادي أي حد ميعجبهاش بتضربه، عندها فوبيا من الناس الشريرة، مبتقدرش تشوف الغلط وتسكت، فبدل ما تنصح الناس اللي بتغلط دي بتضربهم.. ضحك حسام رغمًا عنه وهو يضرب كفا على كف، بينما قال كريم متنهدا:.
ودي برضو مشكلة وبعاني منها معاها بس بحاول أعالجها، سهل جدا إني كل يوم أضربها قلمين مفيش أسهل من كده لكن كده أنا هدمرها أكتر كأني بقولها أيوة كل الرجالة زي أبوكي كلهم جبروت وقسوة واللي عايزو هتعمليه ورجلك فوق رقبتك، تعرف لو بصيت لتلاته هتلاقي كل واحدة منهم بتعاني من حاجة معينه والسبب في ده أمهم وأبوهم مش حد غيرهم.. إقتنع حسام ولكنه لا يزال يشعر بالضيق، فتابع كريم حديثه:.
حاول، إديها فرصة تانية، لقيت نفسك مش قادر تكمل بجد أنا اللي بقولك إنفصل بس أنا واثق إنك هتقدر تعالجها وتخليها تسمع كلامك بدون عنف، اللي أنا أعرفه إن الست محتاجة كلمة حلوة هتبقي معاك مفيش بعد كده، جرب مش هتخسر. أومأ حسام برأسه وقال في هدوء: ماشي. كريم بمزاح: طب إفرد وشك ده وتاني مرة ترد عليا لما أكلمك عشان معملش معاك الجلاشه.
إبتسم حسام متابعا: معلش متزعلش مني بس بجد كنت مخنوق، قلبك أبيض يا أبو الكرم. نهض كريم قائلًا بمرح: ماشي يا عم، المهم تركز كده في اللي قولتهولك، سلام أنا بقي. نهض هو الآخر قائلًا بإبتسامة: برضو مشربتش حاجة.. كريم بجدية: مش مهم خليها مرة تانية يا حس.
- إنتي زقتيها فعلا يا فاطمة؟ سألتها هالة بجدية، في حين قالت فاطمة نافية بثبات: لا يا هالة مزقتهاش وهي بتكذب أنا ضربتها بالقلم بس والله إنما هي وقعت لوحدها. هالة وقد إرتفعا حاجباها بدهشة: بالقلم بس! لا كده إنتي زي الفل يا بطوطة ده إنتي ليلتك فل النهاردة عمتو زعلت منك أوي وإتصلت ب بابا وبابا زعل ولسه لما كريم يعرف وأحمد ربنا يستر بقي. فاطمة وقد شعرت بالوجل قليلًا:.
هي اللي خلتني أضربها إنسانة مستفزة وحقودة، تعرفي كانت بتقول إيه؟ كانت بتقول نفسي أدوق الكراميلة السافلة المنحطة دي.. هالة بمزاح: أوووه، لا بجد زودتها بس يمكن نفسها في كراميلة فعلا يا بطة! زفرت فاطمة بحِنق ثم تابعت: يوه يا هالة متهزريش عشان أنا مخنوقه أوي أنا معرفش ليه عمتي أخدت مني موقف كده.
إستكملت هالة بجدية: ما هي بنتها برضو يا فاطمة وزي ماانتي شايفة كده كذبت عليها وقالت إنك زقتيها وعاوزة تموتيها، إعذريها يا بنتي. بينما كان يصعد أحمد الدرج فهبت هالة واقفة وإتجهت إليه فسألها بقلق: مالها مني يا هالة في إيه؟ أجابته هالة بجدية: إهدي يا أحمد متخافش هو.. قاطعها وهو ينظر إلى فاطمة بغضب: هي فاطمة فعلا زقتها من على السلم؟!
حركت هالة رأسها بالنفي وأجابته بخفوت: لا لا يا أحمد هي اللي وقعت لوحدها. تركهما وصعد إلى الأعلي، فعقدت فاطمة ما بين حاجباها وهي تقول بحنق: هو جوزك بيبصلي كده ليه أووف يارتني ما شوفت وشك يا مني الزفت..!
دلف أحمد إلى غرفة شقيقته ليجدها ممددة على الفراش وقدمها اليمني ترتفع قليلا عن مستوي الأخري بينما رأسها تلتف بالشاش الأبيض ووالدتها تجلس إلى جانبها فإقترب أحمد بذهول يسألها: فاطمة عملت فيكِ كل ده! قالت رجاء بتنهيدة: أيوة يا أحمد، مش عارفه إيه اللي حصل بينهم خليتها تزقها كده.. صاح أحمد بغضب: عملتي إيه يا مني؟
مني ببكاء: والله ما عملت حاجة خالص يا أحمد، إنت عارف إنها بتكرهني وإستفردت بيا على السلم وضربتني بالقلم وزقتني وقعت، حسبي الله ونعم الوكيل. زفر أحمد أنفاسه ثم جلس قائلًا بحدة: يعني هي عملت كده من غير ما تعمللها حاجة مش معقول يا مني! مني من بين بكاؤها: صدقني يا أحمد، أنا معملتش حاجة أنا عارفه إن كلكوا هتصدقوها زي كل مرة، كل ده عشان أنا يتيمه مليش أب الله يرحمك يا بابا كان زمانك جبتلي حقي منهم..
أحمد معاتبا: إيه الهبل اللي بتقوليه ده! أنا مش هعدي الموضوع ده على خير، ماشي يا فاطمة.
ترجل كريم من سيارته بصحبة والده إبراهيم، ثم صعدا الدرج وهما يتمازحان كعادتهما دائما، حتى وصلا إلى الطابق العلوي ليجد كريم زوجته تجلس بصحبة شقيقته على إحدي درجات السلم.. فعقد حاجباه بإستغراب، وقال بجدية: في إيه قاعدين هنا ليه. نهضتا معا لتقول هالة بهدوء: مفيش أصل في حاجة كده حصلت بس أرجوك متتعصبش يا كريم.
نظر كريم إلى زوجته التي تطالعه بخوف، فعلم على الفور أنها فعلت مصيبة أخرى جديدة، فراح يسألها بنفاذ صبر: في إيه يا فاطمة؟ تابعت هالة بحذر: أصل مني وقعت من على السلم النهاردة ورجلها إتكسرت و، و ف فاطمة ضربتها بالقلم وعمتي زعلانه والدنيا بايظة خالص بصراحة. أغلق عينيه بشدة وهو يرفع رأسه للأعلي هاتفا: ياربي، منك لله يا فاطمة، أقسم بالله حرااااام عليكِ.
بينما قال إبراهيم بعتاب: ليه كده يا فاطمة، ماتسمعي الكلام بقي يا بنتي وبلاش عداوة بينك وبينها.. فاطمة وقد لألأت عينيها بالعبرات: والله يا عمي هي اللي إستفزتني خالص، وأنا ضربتها بس بالقلم لكن مزقتهاش أقسم بالله.. هز كريم رأسه بيأس وقال بمنتهي الهدوء وهو يقترب منها: مافيش فايدة صح؟، يعني أعمل فيكِ إيييييه؟ أحبسك في أوضة لوحدك، ولا أرمي نفسي من البلكونة وأموت كافر عشان تستريحي؟
إصطدمت بالحائط من خلفها، ثم إنفجرت باكية وهي تقول من بين شهقاتها: و، والله يا كريم آآ... قاطعها وهو يصرخ في وجهها: بس، بس بلي كريم بلا زفت، مفيش ولا كلمة بتسمعيها وعمالة تتصرفي من دماغك.. إقترب والده يهدئه: بس يا كريم إهدي إما نشوف إيه اللي حصل الأول.. كان أحمد يهبط الدرج في هذا الحين، ليهتف بغضبٍ سافر: اللي حصل يا خال، إن فاطمة هتموت مني أختي في أي مرة من المرات، ياااه للدرجة دي بتكرهيها يعني؟
إبراهيم بجدية: إيه اللي بتقوله ده يا أحمد، إهدي كده وإعقل.. أشار أحمد بسبابته إلى فاطمة وهتف في توعد: تعرفي لو إتعرضتلها تاني، محدش هيقفلك غيري وإن كانت هتبقي ملطشة ليكي ومفكرة إنها ملهاش حد يدافع عنها تبقي غلطانة! تدخل كريم في هذه اللحظة قائلًا بصوت جهوري: إيه ده، ما تيجي تاخدها قلمين أحسن يا أحمد بيه، مينفعش كده يا راجل..! أحمد وقد إعتلي صوته أكثر:.
مش معني إني ساكت وبقول مش مهم ما هي أختي بتبقي غلطانة إن مراتك تسوق فيها يا كريم باشا! وضع كريم كلتي يديه في جيب بنطاله قبل أن يهتف بجمود وهو يقول: طب ما تلم إنت أختك وتبعدها عنها وهي مش هتقرب منها، ما هي أكيد إستفزتها كعادتها.. أحمد صائحا: يبقي تيجي تقولي وأنا أجبلها حقها مش شغل بلطجية هو، وبعدين أنا هلم أختي وإنت كمان أحكم مراتك و...
قاطعه إبراهيم وهو يصيح به غاضبا: بس لحد هنا وكفاية إيه هتتخانقوا قدامي مش مالي عينكم أنا! إلتفت كريم إلى والده يقول بجدية تامة: فعلا يا بابا لحد هنا وكفاية أوي، أنا هحكم مراتي على رأي أحمد، ومن اللحظة دي أنا هرجع شقتي القديمة وسايبلكم البيت باللي فيه هنبعد خالص عشان لا تقولوا فاطمة عملت ولا سوت...
أنهي حديثه وجذب زوجته بعصبية تامة ثم فتح الباب ودخل بصحبتها صافقا الباب خلفه، في حين نظر إبراهيم إلى أحمد في عتاب وقال وهو يصعد الدرج: إرتاحت كده يا أخويا كان لازم يعني تقوله أحكم مراتك أوف عليك أنت وهو يا شيخ!
جلست تبكي وهي تدفن وجهها بين كفيها بينما هو إستمر في تعنيفه لها بشدة.. - عاجبك كده؟ عاجبك اللي حصل دلوقتي، شوفتي وصلتينا لفين، أهو طلعت مش عارف أحكمك، غبيه وهتفضلي طول عمرك غبيه.. رفعت رأسها إليه لتقول من بين دموعها: هي مش كويسة وهي السبب في ده كله مش أنا هي اللي بتخليني أعمل كده خليها تغور بعيد عني بقي.
صر على أسنانه بشدة ثم تابع بتوعد: الكلام مش جايب معاكي نتيجة نجرب بقي نمنع الكلام أحسن يمكن تتعدلي من دلوقتي لساني مش هيخاطب لسانك أبدا يا فاطمة.. حاولت أن تتكلم إلا إنه صاح بها مجددًا: مش عاوز أسمع صوتك خالص، وإتفضلي قومي جهزي نفسك عشان هنمشي من هنا يلا!
رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس عشر
أحكمت غلق الحقائب بعد إن وضعت ملابسها هي وزوجها وصغارها أيضًا، وجميع متعلقاتهم، حتى آتي الصغار من المدرسة في حين دلفت هالة تقول بجدية: - كريم لو سمحت بلاش تمشي من البيت وتسيبنا كل شئ هيتحل أرجوك يا كريم. حرك رأسه قبل أن يردف بنفي تام: - لا لازم أمشي، وهو ده الحل الوحيد يا هالة. هالة برجاء: - بس إحنا ذنبنا إيه إذا كانت مني أوس البلاوي دي كلها إحنا ملناش ذنب يا كريم. كريم بنفاذ صبر:.
- خلاص يا هالة إسكتي بقي.. إقتربت هالة من فاطمة تعانقها بعاطفة قوية وقد إنسابت دموعها تأثرا برحيل شقيقها وزوجته والتي تكن بمثابة أخت وأكثر فإنها من أحب الناس على قلبها.. بادلتها فاطمة العناق وإختلطت الدموع، في حين قالت هالة من بين بكاؤها: خلي بالك من نفسك يا حبيبتي ومتزعليش أنا هبقي أجي أزوركم.
إكتفت فاطمة بإيماءة خفيفة من رأسها وتوجهت إلى خارج الشقة بصحبة زوجها وصغارها اللذين حزنا وبشدة حين علما أنهم سينتقلون إلى منزل آخر بعيدا عن ذلك المنزل.. هبط إبراهيم الدرج فتفاجئ أنهم بالفعل سيرحلون وليس فقط كلام في لحظة غضب.. إقترب من ولده يهتف في دهشة: إيه ده؟ إنت هتمشي بجد يا كريم؟ أومأ كريم برأسه وقال مؤكدا: أيوة يا بابا وده قرار مش هرجع فيه. كشر إبراهيم وهو يسأله بضيق:.
طيب وأنا؟ هتسيب أبوك في السن ده يعني عشان خاطر التفاهات دي! ربت كريم على كتف والده قائلا في هدوء: مش هسيبك ولا حاجة يا بابا أنا معاك ديما هبقي أجيلك وأدينا في الشغل مع بعض لكن عشان خاطري سبني أمشي ومتزعلش مني عشان بجد تعبت.. زفر والده بضيق وراح يقول بنبرة حادة: بس أنا مش عاوزك تمشي، لو في حد لازم يمشي تبقي مني و لو أمها عاوزها تمشي معاها وتبقي تجيلنا زيارة وخلاص.
كريم بتصميم: لا يا بابا معلش، بلاش تزعل عمتي هي ملهاش ذنب بأي حاجة وبعدين يعني أنا مش ههاجر أنا جنبك برضو... تنهد إبراهيم بيأس وقال: يعني مصمم يا كريم؟ هز كريم رأسه وقال بتأكيد: أيوة، كده أحسن يا بابا صدقني.. ثم إنحني بجسده ليقبل كفه، ومن ثم إستقام ليحتضنه بقوة بينما عانقه إبراهيم بحزن وهو يقول: مش هضغط عليك بس هسيبك فترة صغيرة ترتاح من المشاكل دي وبعدها هترجع، تمام؟ أومأ قائلًا بإيجاز: إن شاء الله..
توجه إبراهيم ناحية فاطمة، ثم إحتضنها بحنان أبوي وهو يربت على ظهرها، ثم قال هادئا: مع السلامة يا فاطمة، خلي بالك على نفسك، ثم وجه حديثه إلى كريم: خلي بالك منها يا كريم وبراحة عليها عشان خاطري ماشي؟ كريم بجدية وهو ينظر إلى زوجته بجمود: طيب، ثم إستكمل في حزم: يلا، يلا يا إبراهيم خد أختك وإسبقونا تحت.. هبطا الطفلان فإقترب كريم يصافح شقيقته وهو يهمس لها: خلي بالك من نفسك وإسمعي كلام جوزك تمام؟
عانقته بقوة وهي تومئ برأسها حابسة دموعها داخل مقلتيها، فإبتسم لها بخفة وأمسك يد زوجته وقال وهو يهبط الدرج: يلا سلام عليكم. ثم هبطا معا وإستقلا السيارة بصحبة الطفلان وإنطلقوا بها...
صعد إبراهيم بعد ذلك إلى شقة شقيقته رجاء حيث دلف بعصبية وهتف بإنفعال: - أهو كريم سابلكم البيت باللي فيه ورجع شقته القديمة، إرتاحتي دلوقتي يا رجاء إنتي وبنتك وإبنك؟ يارب تهدوا بقي! عقدت رجاء حاجباها بإستغراب تام وهي تقول: كريم ساب البيت؟
قال إبراهيم بغضب: أيوة يا رجاء أرجو ان بنتك تهدي بقي كده وميبقاش ليها حجة تعمل مشكلة جديدة! عشان بجد المرة الجاية أنا كمان هسيب البيت وعيشي فيه مع بنتك لوحدكم بقي.. أنهي كلامه وخرج متجها إلى شقته في حين قالت مني في حزن: طب وكريم يمشي ليه ما كانت هي تغور في داهيه لوحدها! تأففت رجاء ثم هتفت بحنق: ما تسكتي بقي يا مني الله كفاية كفاية..
هدئتها مني، وقالت مستفسرة: سوري يا ماما هسكت أهو، بس هما راحوا فين يعني؟ أجابتها بضيق: راحوا شقتهم القديمة.. سألتها بدهشة: هما عندهم شقة قديمة!؟ أول مرة أسمع عنها أجابتها مرة أخرى بنفاذ صبر: أيوة في بداية جوازهم كريم إختلف مع عمه حسين وسكن برة لفترة وبعدين إصطلحوا ورجع بس خلي شقته زي ما هي لوقت عوزة.. طغت علامات الضيق على وجه مني التي قالت في وليجة نفسها: تؤ، يعني مش هشوف كريم تاني أنا لاااازم أتصرف..
- على فكرة اللي عملته عيب أوي يا أحمد ومكنش ينفع أبدا تكلم كريم بالأسلوب ده. أردفت هالة في ضيق، بينما قال أحمد بحدة: أنتي تسكتي خالص يا هالة ومتدخليش أحسن.. هالة وقد تجهمت قسماتها: يعني إيه؟ أشوفك بتغلط وأسكت؟! لا بقي مش هسكت وأنت غلطان وكريم ده يبقي أخويا على فكرة عشان تقولي متدخليش..! ثم إن إزاي تقوله إحكم مراتك؟ رد عليها صائحا: وهو إزاي يقولي لم أختك؟
أجابته بنبرة ساخرة: ما هي أختك بتاعة مشاكل مقالش حاجة غلط على فكرة، وأنت عارف كده كويس أوي، بس بتبالغ إقترب منها يهتف محذرًا: حاسبي انتي كمان على كلامك يا هالة، أنا سكت كتير لكن المرادي هي معملتش ليها حاجة عشان تضربها وتوقعها تكسرها كده! تنهدت هالة قبل أن تخبره بهدوء:.
بص يا أحمد مني عمرها ما إعترفت بغلطها واكيد مش هتقولك أنا عملت كذا لا هتنتهز الفرصة وتسخنك ومتزعلش مني هو ده إسلوبها، وإنت بدل ما تسمع من الطرفين جيت على فاطمة وغلطت في كريم ومش عشان يا أحمد مني مستهترة هتوقعنا كلنا في بعض ده إحنا حتى لحم ودم وعيلة واحدة.
جلس أحمد يمسح على وجهه محاولا تهدئة نفسه، بينما جلست هالة إلى جواره تقول بخفوت: أحمد أنا مش بسخنك على أختك أقسم بالله، بس هي فعلا زودتها أوي والكل بقي يتجنبها عشان ميغلطوش فيها وكل ده عشان خاطرك انت وعمتي فمينفعش إنهم يعملولك خاطر وانت من أول موقف متعملش خاطر لحد وتدافع عن أختك اللي هي أصلا غلطانة جدا.. أحمد وقد إقتنع قليلًا: هو سبب الخناقة بينهم أصلا؟
صمتت هالة لبرهه، لتتابع بخفوت: بتتريق عليها عشان موضوع السواق ده وبتقول إنها بلطجية وكمان بتقولها نفسي في الكراميلة.. أحمد وقد رفع أحد حاجباه بإندهاش: كراميلة إيه دي!؟ تنحنحت هالة وأجابته: إحم كراميلة ده دلع كريم بس محدش بيقوله كده غير فاطمة فهي قالتلها كده عشان تضايقها.. كشر أحمد عن جبينه، ثم قال بجدية: مني لازم تسافر تاني لازم!
وصلوا أخيرًا بعد ما يقارب الساعة إلى المنزل القديم الخاص بهم، ترجلوا من السيارة وصعدوا حتى فتح كريم الباب بالمفتاح ودلف وإتبعته هي بصحبة صغارها، تأففت ما إن دلفت من عتمة المكان والأتربة المتناثرة على الأثاث والحائط.. أغلقت الباب بيدها، بينما توجه كريم يفتح النوافذ، فشعشع ضوء الشمس منتشرا بالمكان، في حين قالت فاطمة بتذمر وهي تنفض يدها من أثر الأتربة: - البيت محتاج نضافة جامدة أوي..
نظر لها في صمت وتجاهلها عمدا، فكتمت هي عيظها وإحتقن وجهها بالدماء من أسلوبه ذاك وفضلت الصمت هي الأخري.. مرت ساعة، ساعتان وهي لم تكف عن تنظيف المنزل، ولم تكن بمفردها بل كان يساعدها تارة ويجلس تارة وكذلك الصغار حتى إنتهوا أخيرا، وجلست فاطمة تلهث بتعب، فنهض كريم قائلًا بجدية تامة: أنا هنزل أشتري أكل.. فصاح إبراهيم برجاء: وأنا هاجي معاك يا بابا لو سمحت. قال كريم بإيجاز وهو يرتدي حذاءه: تعالي.
توجها إلى الخارج بعد قليل، فإستشاطت فاطمة غضبا من تجاهله فهي لا تتحمل خصامه، تعلم أنها متسرعة، متهورة، تأتي له بالمشاكل ولكن هذا خارج عن إرادتها فهي تكره الظلم والشر لذا تفعل ما تراه صحيحا دائما من وجهة نظرها..
عاد إلى البيت منهكا بعد إنتهاء يومه العملي الشاق، فتح الباب بالمفتاح ودلف ثم أغلق الباب خلفه بقدمه، بحث بعينيه عنها، توجه إلى الغرفة فلم يجدها، ظن أنها قد ضربت بكلامه عرض الحائط وخرجت، ولكن أخاب ظنه حينما إستمع صرير المياه فعلم أنها بالحمام، جلس على الفراش وهو يخلع سترته بإرهاق، فالأيام الماضية كانت مرهقة جدا بكل ما حملت من شجار مع زوجته وها هو ينوي الرفق بها والبدء من جديد معها، صفحة، صفحة جديدة يريد أن يفتحها معها ليعيشا كحبيبان ويتمتعا ببعضهما..
مرت ربع ساعه حتى خرجت سارة من الحمام تلف جسدها بمنشفة كبيرة، وما إن دلفت إلى الغرفة حتى شهقت بقوة وهي ترجع للخلف.. فآتاها صوته الرجولي يقول في هدوء: إيه مالك، شوفتي عفريت ولا حاجة؟!
إزدردت ريقها بتوتر وقد توردت وجنتاها من نظراته المصوبة على جسدها، لكنها تجاهلته بعد أن رمقته بحدة ووقفت أمام المرآة تمشط شعرها المبتل غير مباليه به، فنهض حسام ومشي خطوتين حتى وقف خلفها مباشرة ولف ذراعيه حول خصرها هامسًا: وحشتيني على فكرة.. إندهشت بشدة، فظنت أنه سيصفعها مجددًا أو حتى يجذبها من خصلاتها كعادته الأخيرة معها..
خفق قلبها بقوة أثر لمسته الدافئة الحنونة تلك، فما كان منها إلا أن إلتفتت تعانقه بكل ما تمتلك من قوة دون مقدمات وقد أجهشت بالبكاء، بكت وبكت وتعالت شهقاتها بين أحضانه، بينما كان هو يربت على شعرها نزولا إلى ظهرها هامسًا بحزم هادئ: ششش إهدي، إهدي وإنسي اللي حصل، وتعالي نبدأ من جديد..
أومأت برأسها موافقة إياه وبكاؤها يزداد فإنها كانت تشتاق له رغم كل شئ رغم تظاهرها بالقوة الخادعة والصمود الزائف، وفي وليجة نفسها هي أضعف المخلوقات وروحها تائهة، ممزقه، مرهقة، تحتاج لعطفه وحنينه تريد أن تعيش، تعيش الحياة كما يجب أن تعاش ولكنها غير قادرة، غير قادرة ولا تعرف أين السبب؟!
إحتضن وجهها بين كفيه، وراح يمسح دموعها بإبهامه، ثم طبع قبلة فوق جبينها وقال بخفوت: أنتي عارفة إني بحبك بس إنتي إضطرتيني أعاملك المعاملة دي يا سارة، ومكنتش متخيل إنك بتردي عليا بكل جبروت كده..! أنا أسفة، قالتها بشفتين مرتعشتين وهي تنظر إلى عمق عينيه الواسعتين.. فإبتسم حسام وقال مازحا: أوك، وأنا قبلت أسفك.
ضحكت بخفوت ثم قالت وهي تمسح دموعها بظهر يدها: بس، إنت كمان قسيت عليا على فكرة، وخلتني أبكي بحرقة كل يوم.. رد عليها بجدية: عارف وأنتي كمان قسيتي عليا وعليتي صوتك وفتحتيها على الرابع معايا! ضحكت مجددًا، بينما واصل هو وقد أرجع شعرها للخلف: هتهتمي ببيتك وجوزك يا سارة؟ أومأت له في هدوء، فتابع بنظرة ذات معني: هتهزري مع حد غريب تاني يا سارة؟ حركت رأسها بعلامة النفي، فتابع بتنهيدة عميقة: لسه بتحبيني؟
أومأت مجددًا وقالت بصدق: بحبك وعمري ما هحب غيرك يا حسام، مهما عملت مش هحب غيرك.. إقترب بوجهه يطبع قبلة فوق وجنتها الناعمة وهمس بإرتياح: وأنا كذلك يا سو، ثم رفع رأسه ينظر لها من علو قائلا بمرح: بس إيه البشكير الجامد ده؟ هياكل منك حتة ضحكت برقة، فإنحني بجزعه ليحملها بين ذراعيه هاتفا بمزاح: وحشتيني جدا يعني، وحشتيني بغباء.. تعالت الضحكات وغابا معا في عالم آخر..
في منزل أهل إسلام.. طرق إسلام الباب برفق، ففتح والده بعد قليل وما إن وجده حتى قال بترحيب وإشتياق: أهلااا، إسلام وحشتني. دلف إسلام وراح يعانق والده قائلا بنبرة دافئة: حبيبي يا بابا وأنت كمان والله ربت عبد العزيز على ظهره ثم توجها إلى صالة المنزل..
كانت عفاف تشاهد التلفاز فهبت واقفة بغضب ما إن وجدته وكادت لتغادر الصالة، فأسرع إسلام يقف أمامها وقد إحتضنها رغما قائلا بإبتسامة: أقسم بالله وحشتيني جدا يا ست الكل.. مازالت غاضبة منه فإنحني يقبل كف يدها بحنان، ثم إستقام ليقبل جبينها أيضًا وقال بمرح: مقدرش على زعلك والله يا ماما ده إنتي الغالية..
رق قلبها له، ولانت ملامحها قليلًا ثم قالت بتذمر: يا سلام ما إنت سبتني زعلانه من يوم ما مشيت من عندك ولا حتى فكرت ترفع سماعة التلفون عليا.. إنفجر إسلام ضاحكا هاتفا من بين ضحكاتهُ الرجولية: حرام عليكي يا أمي، ده أنا كنت عمال أتصل وإنتي مش راضية تردي عليا فقولت مبدهاش بقي لازم أجي عشان ترضي عني، سماح بقي يا أم إسلام إبتسمت له وعانقته بقوة، ثم تفوهت قائلة: ماشي يا قلب أمك ما أنا بضعف قدامك يا ولا..
ضحك وهو يقبل رأسها مرة ثانية هاتفا: ربنا يباركلي فيكي يا ست الحبايب.. قاطعهما عبد العزيز وهو يهتف مازحا: اجيب شجرة وإتنين لمون؟ جلسوا ثلاثتهم وهم يضحكون عاليا، فيما قالت عفاف بعد ذلك بتساؤل: أومال مراتك ماجتش معاك ليه هي وسارة؟ مستكبرة تيجي ولا إيه، أما عجايب والله.. قال إسلام بهدوء: لا هي متعرفش اني هنا أصلا لأني طلعت من الشغل عليكي فورًا..
أومأت رأسها وقالت وهي تنهض: ماشي يا سلوم، تتغدي معانا بقي يا حبيب أمك. إسلام بنفي: مش لازم يا ماما أنا جيت أصالحك بس يا جميل. وكزته في كتفه وهتفت متذمرة: بس يا واد تبقي عندي وتنزل من غير أكل ده أنا حتى عاملة شوية ملوخية زي السكر وكمان ورق عنب من اللي أنت بتحبه.. إزدرد إسلام لعابه بشهية، ثم قال بمرح: لا طالما ملوخية وورق عنب يبقي نشمر بقااااا...
في المساء.. تسطح على الفراش متجاهلا إياها تماما كما لو أنها هواء بالنسبة له، فأصبحت على وشك الإنهيار وهي تهتف بنفاذ صبر: ممكن متعاملنيش كده، إتكلم معايا، إعمل أي حاجة زعقلي أو حتى إضربني لو تحب بس بلاش تعاملني بالأسلوب ده..! أيضًا لم يرد بل أغلق عينيه متجاهلها مرة أخرى، فإقتربت منه تصرخ بغضب: رد علياااا بقي أنا بكلمك حرااااام عليك أنا عملت إيه لده كله يعني!
نهض من الفراش وقد توهجتا عينيه بغضب شديد وهو يهتف محذرًا: تعرفي طوتي صوتك؟! وتخرسي خالص بقي. حركت رأسها بعنف وهي تقول معترضة: مش هسكت، مش هسكت، وهتكلمني عشان مموتش نفسي! أمسكها من فكها هاتفا بعصبية: وأكلمك ليه؟ أكلم واحدة بتكسر كلامي ومبتسمعوش لييييه! أكلم واحدة مش بتعرف تعمل حاجة غير المشاكل ليه؟! إنهمرت دموعها كأنهارا صغيرة فوق وجنتاها، ثم هتفت بصوت متحشرج من بين شهقاتها:.
إنت بتعمل، كل ده، ع عشان بحبك وبغير عليك، ده جزاتي يعني إني مش بحب حد يقرب منك ولا يبصلك!، أنا بحبك، بحبك خالص! أنهت كلامها وإنفجرت مجددًا في البكاء وقد إعتلت شهقاتها وراحت تدفن وجهها بين صدره متشبثه به بشدة، إلا إنه أبعدها برفق وولاها ظهره قبل أن يضعف أمامها كعادته دائما وتذهب مني والجميع إلى الجحيم، ولكن لا سيعالجها بطريقته الخاصة فهو ليس بغني عنها، فإن دللها ستضيع ذات مرة..
إزداد بكاؤها وهي تحاول إستعطافه، فقال بغضب وهو يعاود إلى الفراش: تعالي نامي ومتحاوليش قولت مش هكلمك يعني مش هكلمك ولو كترتي في الكلام هسيبلك البيت وأغور في داهية.. إنصاعت له خوفا من أن يتركها كما يقول، فأغلقت الإضاءة وصعدت إلى جواره وحينما إقتربت منه إلتفت موليها ظهره، فصرت على أسنانها غيظا وإقتربت تلتصق به رغمًا عنه، فأغلق عينيه بنفاذ صبر ثم أعاد فتحها حين سمع همسها الخافت: بحبك..
إبتسم رغمًا عنه، ماذا يفعل معها كل محاولاته في العقاب تفشل بسبب حبها هذا وهو أيضًا يعشقها عشقا جارفا، لكنه أقسم أن يكمل العقاب هذه المرة، ربما تفيق...
رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع عشر
إستيقظت في الصباح الباكر بعد نوم قلق ومرهق طوال الليل، يا له من عقابٍ قاس، كيف ينام موليها ظهره ويتركها تتقلب وحيدة رغم إنها إلتصقت به رغمًا عنه!. فركت عينيها بتكاسل وراحت تنظر إلى وجهه الحبيب بتمعن، ثم إقتربت بحذر تطبع قبلة طويلة فوق جبينه، ثم همست بجانب آذنه متوسلة إليه: كيمو سامحني بقي عشان خاطري، كفاية كده عليا!
شعر بهمسها الدافئ وأنفاسها التي لفحت بشرة وجهه، فرمش بعينيه وتشنجت ملامحه مطصنعا الإنزعاج، فكشرت عن جبينها بضيق، هل لهذا الحد يزعجه قربها منه؟ فتح عينيه ببطئ ليصطدم بوجهها مباشرة من فوقه، فتأملها قليلًا، ثم تأفف قائلا بجدية: مقربة مني ليه كده؟ إتفضلي إبعدي عني لو سمحتي! رمقته بنظرات مغتاظة وإعترضت، فصاح بها بصوتٍ أرعبها: إبعدددددي عني بقااااا!
إبتعدت عنه بسرعة شديدة، وقد لألأت عينيها بالعبرات وهي تنظر له بعدم تصديق، هل هذا زوجها الحنون حقا؟! نهض جالسا على الفراش زافرا أنفاسه بضيق، ثم تابع بصوته الأجش: إنتي إيه لازقه! بقول مش عاوز أكلمك يعني مش هكلمك، أنا زهقت، زهقت.. إنفجرت باكية وقد تعالت شهقاتها كطفلة صغيرة، فشعر أنه قد أزادها وعنفها أكثر من اللازم ولكن هذا ما أراده، سيجعلها تكف عن أفعالها عنوه..
إنتصب واقفا بعد ذلك وصاح مجددًا وهو يتجه نحو خزانة الملابس لينتقي منها ثيابه: عيطي، ما هو أنتي مش فالحة غير في العياط والمشاكل فقط لا غير أي حاجة تانية لا.. نهضت هي الأخري عن الفراش بغضب وقد إقتربت منه هاتفه بإنزعاج: إنت بقيت تكرهني كده ليه؟ كل ده عشان آآ..
قاطعها وهو يقول متهكما: ايوووة الاسطوانة بقي بتاعة كل يوم، كل ده عشان بدافع عن الحق، عشان بحبك، بس إنتي أصلا مش بتحبيني عشان اللي بيحب حد بيسمع كلامه وإنتي ما شاء الله أقولك الكلمة تخرجيها من الناحية التانية! صاحت به وهي تضرب الأرض بقدمها: ما هما اللي بيستفزوني أعمل إيه يعني، أووووف ده إنت حاجة صعبة يا شيخ! رفع أحد حاجباه وهو يقترب منها قائلًا بتجهم: يلا على صوتك أكتر عشان مش هيحصلك كويس يا فاطمة.
إزدردت ريقها بخوف، ثم تابعت بصوت خافت: ماشي، سكت، بس إنت هتفضل مخاصمني على طول؟ أومأ لها في صمت، فتابعت هي بتوسل: طيب أنا آسفة وهسمع كلامك بعد كده على طول، ممكن تسامحني؟ لانت ملامحه وراح يقترب منها أكثر، فتنهدت بإرتياح، أخيرًا سيرضي عنها ويسامحها، وحين شعرت به يقترب من آذنها، إبتسمت ببراءة، وما لبثت أن إتسعتا حدقتا عينيها بصدمة حين همس لها بحزم هادئ: آسفك مش مقبول يا فاطومة..
ثم إبتعد متجها إلى الحمام تاركا إياها تعض على شفتها السفلي بغيظ شديد...
صباحًا متغيرًا بكل ما تحمله الكلمة من معني عن صباح تلك الأيام الماضية، تشعر براحة نفسية إفتقدتها منذ فترة طويلة، وها هي تشعر وكأنها حمامه صغيرة ترفرف بحرية بعد ليلتها الحالمة، ليلة أمس، لا تعرف لمَ شعرت بسعاده غامرة لم تشعر بها في أي ليلة مضت منذ زواجهما ربما لأنها ذاقت قسوته، وتليها عشقه وحنانه من جديد فأدركت الفرق!
أحضرت فطارًا جميلًا وكل ما يحبه هو، تنقلت بين المطبخ وطاولة الطعام، ورصت الصحون بشكلٍ منظم، جذاب، ثم توجهت إلى الغرفة وراحت تقترب منه بإبتسامة واسعة تهزه برفق هامسة: - حسام، حس، قوم يا حبيبي الفطار جاهز. تمطع متكاسلا، ثم فتح عينيه ببطئ وعاد يغلقها قائلًا بصوت ناعس: عاوز أنام يا سو، خلي الفطار بعدين.. تحولت ملامح وجهها للإنزعاج قبل أن تهتف بضيق: تنام إيه، يلا عشان تفطر وبعدين تروح الشغل ولا هتأنتخ بقي!
نهض جالسا على الفراش وهو يتنهد بعمق، ثم فرك عينيه وهو يهمس لها: لا وهو أنا وش أنتخه يا سو، أمري لله إتكتب علينا الشقي.. ضحكت بصوت رنان، فهتف بمزاح: صل على النبي، أنا كده هلزقلك ومش هشتغل! كتمت ضحكاتها وأومأت له برأسها فنهض بحركة خفيفة، وجذبها يطبع قبلة ناعمة فوق جبينها غامزًا برومانسيه: صباح الخير بقا.. منحته إبتسامة رقيقة صافية وقد توردت وجنتاها قليلًا، ليتابع متغزلا ؛: - أحبك وأنت هادي ورقيق كده..
بادلته قبلته بقبلة أخري حانية وهي تهمس بحب: وأنا بحبك على طول، ثم صمتت لتستكمل بنبرة جادة: حسام، متزعلش مني على أي حاجة عدت ربنا يقدرني وأقدر أعوضك.. إتسعت إبتسامته وظل صامتا يتمعنها بعينيه مستمتعا لشعورها بالتقصير نحوه، وسعيدا بتغيرها ذاك حتى أنه لا يصدق هل هذا بفضل كلام صديقه كريم أم إنها شعرت به أخيرًا وقررت إعطاءه ما يريد؟
إستكملت حديثها بعفويه: حسام أنا مش خاينة ولا وحشة زي ما وصفتني، أنا بس بحس إني تايهه مش عارفه أنا عاوزة إيه، بتيجي عليا أوقات بحس إن مافيش حب بجد.. عقد حاجباه مستفسرا: إزاي يعني مافيش حب بجد؟ تنهدت طويلًا قبل أن تخبره بمرارة: يعني الحب ده أنا محستهوش غير في إخواتي فقط، أي حد تاني محستهوش، وغيرك إنت طبعا بس من اللي أنا شوفته قولت الرجالة كلهم زي بعض، زي بابا، وزي..
صمتت وقد إنتبهت لما تقول، فتابع حسام متفهما بجدية: وزي مين تاني؟، تقصدي الحوار بتاع زمان ده صح؟ أومأت وقد أطرقت رأسها للأسفل، في حين تابع حسام في كياسه:.
كلها تجارب، الحياه تجارب ومراحل يا سارة، بس التجارب دي لازم تعلمك ولازم تعرفي ان الجميع مختلف عن بعضه مافيش حاجة إسمها الرجالة كلهم زي بعض ولا الستات كلهم زي بعض، في حلو وفي وحش واحنا لازم نفرق، لازم نعيش، لازم نكافح، بإختصار ياتكوني قد الحياة، يا هتعيشي في معاناه، فهمتي حاجة! أومأت مبتسمه وتابعت بأمل: وأنا نفسي أعيش، وبحاول، و..
قاطعها وهو ينهض جاذبا إياها من يدها: هتعيشي طالما هتفضلي هادية ورقيقه كده خالص هتعيشي.. ضحكت عاليا وإتجهت معه إلى طاولة الطعام ليتشاركا الضحكات معا ويسرقان من الزمن بضع لحظات سعيدة..
اااااي، كريييييم، إلحقني.. ركض مسرعا عقب إن إستمع إلى هتافها، ليجثو على ركبتيه أمامها على أرض المطبخ في قلق وهو يسندها برفق قائلا بقلق واضح: - إيه مالك في إيه؟ طصنعت الآلآم وهتفت متذمرة: وقعت، إتزحلقت في المياه وأنا بمسح الأرض.. مسك رجلها بيده بحذر ثم تابع في تساؤل: بتوجعك؟ أومأت له، ثم قالت ببكاء مصطنع نجحت في إصطناعه: أوي، شكلها إتكسرت..
بادرها يقول: لا إن شاء الله مافيش كسر تلاقيها إتجزعت بس وبعدين في حد يمسح على الصبح كده؟ زفرت حانقة: يوووه بقي، إنت في إيه ولا إيه أنا رجلي إتكسرت.. نهض بنفاذ صبر حاملا إياها بين ذراعيه، فرفرف قلبها فرحا وهي تتعلق بعنقه مستمتعة بقربه منها وكأنه لمح كذبها فرمقها بتمعن يتابع تعبيرات وجهها التي تحولت من الحزن للفرح مجرد أن حملها بين يديه، ضيق عينيه متسائلا بغيظ: لسه بتوجعك؟
أومأت له بحذر، وأرجعت ملامحها للحزن المصطنع مرة ثانية، وكاد أن ينزلها أرضا فتشبثت به بشدة معترضة وهي تهتف بتوسل: لا لا أرجوك، مش قادرة أدوس عليها.. كشر بشدة ثم أنزلها رغمًا عنها هاتفا بحنق: وكمان بتكذبي!؟ كذابة كمان، رصيدك معايا عمال يزيد والعقاب برضو بيزيد يا كذابة.. قفزت في مكانها بتذمر طفولي تتوسله بأن يصفح عنها: خلاص خلااااااص اناااااا اااااااسفه اوووف..
كادت أن تفلت منه ضحكة على تصرفاتها لكنه زاد من عبوس وجهه هاتفا بحدة: قولتلك اسفك مش مقبول! وتاني مرة متمثليش عليا يا كذابة يا مستهترة يا عديمة المسؤولية.. دمعت عيناها سريعا من إهانته الصريحة، ماذا حدث له؟! يعنفها ويتجاهلها أين ذهب كريمها الحنون؟! آتاها صوته الأجش يأمرها: حضري الفطار..
رمقته بنظرات تحمل العتاب والحزن الشديد، ثم إتجهت إلى المطبخ بصمت تام، أشفق عليها وبشدة يريد جذبها إلى أحضانه ثم الأعتذار عن معاملته الجافة حالا، ولكن وآه من لكن تلك، هو أقسم وسينفذ، رغمًا عنها وعنه! جلس بعد قليل يتناول معها الإفطار وحدهما فلقد ذهب الصغار إلى المدرسة، الصمت كان سيد الموقف، فقط ينظر لها بحب دفين دون أن تشعر، وعندما ترفع رأسها إليه يتجاهلها مرة أخرى كأنه لم ينظر..
لم تقدر على البقاء صامته، فتحدثت بهدوء وثبات: أنا محتاجة فلوس، ممكن تديني فلوس؟ قال بلا مبالاه وهو يتناول طعامه: ليه فلوسك راحت فين، مصروف البيت خلص إزاي وإحنا لسه في أول الشهر وكمان مرتبك ملحقتيش تصرفيه مش إنتي قبضتي قبل ما تقعدي بكام يوم؟ إنه أزادها حقا، هل سيحقق معها، لم تتعود منه هي على التحقيق الممل ذاك، متي أرادت أموال كان يعطيها دون أن يسأل، إنه تحول فعلا، هذا ليس زوجها!
صمتت متحاشية النظر إليه وقد طغي الحزن على ملامح وجهها، ليستكمل كريم بحزم: لما أكلمك تردي عليا، وديتي فين الفلوس؟! أجابته بهدوء حزين: صرفت جزء كنت محتاجة حاجات شخصية.. رد بجدية: والجزء التاني؟ أجابته بصراحة: نوارة صاحبتي كانت محتاجة فلوس وإديتها جزء وخلص على كده..
كريم بنفاذ صبر: أها إديتي نوارة صاحبتك نص فلوسك وقبل كده برضو إدتيها كتير، بس اللي متعرفهوش بقي إن نوارة دي بتستغلك عشان هبلة، ولو كانت سلف زي ما بتقولي كانت رجعت حتى جزء منهم! هتفت فاطمة بإنزعاج: لو سمحت متقولش كده على نوارة دي صاحبتي وأنا بحبها.. رفع أحد حاجباه متابعا بحزم: ماشي، مافيش فلوس..
ثم نهض متجها صوب الباب ليرتدي حذائه، في حين إنهمرت دموعها كعادتها الأخيرة، ليس بيدها سوي البكاء، إنه أصبح قاسي بل وبخيل! هكذا راحت تفكر وهي تنظر له من بين دموعها، مد يده داخل جيبه وأخرج ما يكفيها من أموال وإتجه لها قائلًا بجمود: إتفضلي، ومتنسيش تصرفيهم على نوارة.. أنهي كلامه وإتجه سريعًا صوب الباب ثم خرج صافقا الباب خلفه، لتجهش بالبكاء الحار، إلى متي سيظل هكذا حبيبها، حبيبها وحدها..
نهضت معه حتى وصلا إلى باب الشقة تساعده على إرتداء سترته وهي تمنحه إبتسامة حانية وصافية.. فبادرها هو بقبلة فوق جبينها، ليسألها بعد ذلك بمودة: محتاجة حاجة؟. أخذت تهز رأسها إيجابا، فسألها مجددًا: قولي؟. قالت بتردد وقد زاغت أنظارها خوفا: - هو أنا ممكن أرجع الشغل إمتي؟. بدي الإنزعاج واضحا عليه، ولكنه حاول جاهدا التغلب على هذا الشعور، فأخبرها بحزم هادئ:.
بس إنتي وجودك في البيت مريحني يا سارة، حاسس بدفئ وروح حلوة، لما بتروحي شغلك بتتغيري مبتبقيش إنتي، أنا عاوزك هنا، هنا في بيتك. تنهدت متفهمه لما يقول، وهي أيضًا مثله، ولكن عملها، عملها الذي سهرت من أجله ليالي لن تتنازل عنه ببساطة هكذا، ستتغير، ستوفق بين عملها وزوجها، وستوعده بذلك.. أردفت بعد عدة دقائق من الصمت:.
أوعدك إني مش هأثر المرادي، هشتغل وهراعي بيتي وجوزي، ولو في يوم حسيت بالتقصير ساعتها مش هعارض لو طلبت مني أسيب الشغل، تمام؟ أومأ مقتنعا بكلامها: تمام يا سو، سلام بقي عشان إتأخرت.. ودعته بإبتسامة رقيقة ثم أغلقت الباب تتنفس أكبر قدر ممكن من الهواء وزفرته دفعه واحدة وكأنها تفرغ معه، بعض من آلامها...
جلست تلتقط هاتفها المحمول وقد أجرت إتصالا ما وإنتظرت حتى آتاها الرد من الطرف الآخر، لتردف في إشتياق: داليا، وحشتيني حبيبتي. ردت داليا بمودة: سو، وإنتي كمان والله، فينك كده بقالنا كتير مشفناش بعض.. ردت الأخيرة بهدوء: عندي كلام كتير أوي عاوزة أقوله ليكي يا داليا، محتجالك جدا.. آتاها صوتها يخبرها بنبرة هادئة: تعالي نتكلم يا سو، منتظراكي في أي وقت حبيبتي.. وافقتها سارة قائلة بمحبة: قريب جدا هاجيلك..
أنهت المكالمة بعد بضعة دقائق، لتنهض بعد ذلك ترتدي ثيابا محتشمة عازمة على الهبوط للأسفل حيث شقيقتها فاطمة أو هالة، تعلم أن جميلة بعملها، ولكنها لم تعلم رحيل شقيقتها بصحبة زوجها.. طرقت الباب بخفة مرة وإثنان وثلاث بلا فائدة حتى فتحت هالة تقول بإبتسامتها المعتادة: سارة! أخيرًا إتفك عنك الحصار؟! ضحكت سارة وأجابتها ببساطة: أيوة أخيرا أخدت إفراج.. ثم إستكملت في تساؤل: هي فاطمة رجعت الشغل ولا إيه؟!
ضحكت هالة مجيبة عليها من بين ضحكاتها: فاطمة عزلت من هنا يا سوسو، إنتي لسه فاكرة! فغرت فاها ببلاهه، وراحت تسألها بتعجب: فاطمة عزلت من هنا!
تعمل جميلة كعادتها بجدية ولكنها تغفل عن تلك العينان اللتين تراقبناها بإعجاب واضح منذ أسبوع أو أكثر، فهي تقضي وقتها دون أن تلتفت لهذا وذاك.. طرق مكتبها بخفة ودلف يقول بإبتسامة واسعة: إتفضلي يا أستاذة جميلة، الفايل جاهز.. منحته إبتسامة مجاملة وهي تومئ برأسها قائلة بإتزان: شكرا يا أستاذ باسم.. باسم وقد جلس أمامها قائلًا في مرح: تسمحيلي إقعد معاكِ خمس دقايق؟
أومأت في جدية وتابعت مستفسرة: خير يا أستاذ باسم؟ صمت قليلًا قبل أن يردف في توتر ملحوظ: حضرتك مرتبطة؟ صدمتها الجملة قليلًا، لتتابع بجدية تامة: أنا زوجة وأم يا أستاذ باسم! والشركة كلها تعرف ده.. تنحنح ثم وقف قائلًا بحرج: آآ أنا أسف جدا، مكنتش أعرف لأني بقالي شهر واحد شغال هنا! عادت تبتسم بعفوية ؛: حصل خير..
إسبوعا كاملا وهو مستمر في عقابها بل تعذيبها بخصامه الذي أرهقها بشدة.. قررت مساء هذا اليوم أن تنفذ نصيحة شقيقتها جميلة وتفعل ما سردته عليها هذه الليلة عله يرضي عنها ويسامحها.. سمعت صوت حركته بعد أن فتح الباب بالمفتاح، وصوت خطواته تقترب من الغرفة..
فركت كلتي يديها في بعضهما في خجل وتوتر بينما فتح هو الباب ودلف ليتسمر مكانه وهو يتطلع إليها بهيام، ما هذا، تلك المنامة الحريرية ذات اللون الموف التي يعشقها عليها، وشعرها، تركت شعرها ينسدل خلف ظهرها كما يحب أيضًا وعينيها، واه من عينيها السمراوتين اللتين كحلتهما، لتلمعتان ببريقٍ جذاب.. وتلك البسمة البريئة التي تحتل ثغرها، ستفقده الذاكرة..
إقتربت منه تخلع عنه سترته برفق فإزدرد ريقه يحاول السيطرة على نفسه فهو إشتاق لها بشدة، ولكنه مصرا على عقابها.. وقفت أمامه مرة أخري تهمس برقة: حمدالله على سلامتك حبيبي.. لم تتوقع رد فعله هذا أبدا، فإنه صدمها حين قال وهو يتجه نحو الفراش: الله يسلمك، ياريت تطفي النور عشان تعبان وعاوز أنام..
وكأنه دفعها بإناء مياه باردة جعلها تتجمد وقد ظهرت خيبة الأمل واضحة على ملامح وجهها، لينظر لها بطرف عينه وهو يخلع حذائه عن قدميه.. إلتفتت تغلق الإضاءة كما قال، لتتجه إلى الفراش تنام بجواره، وتلك المرة ولته ظهرها وإنفجرت باكية، لقد كسر خاطرها ومحي بسمتها وجعلها تنام باكية، لأول مرة تغضب منه هكذا..
بكاؤها مزق قلبه فلم يعد يحتمل أكثر من ذلك، إلتفت لها يجذبها نحوه إلا أنها دفعته بعيدا وهي تهتف من بين شهقاتها: ب، بس، إبعد، إبعد، ع، عني.. نهضت عن الفراش تبتعد عنه وهي تبكي بهستيرية وتلتصق بالحائط فأسرع يشعل الإضاءة ويتجه نحوها محاولا تهدئتها.. - فاطمة، حبيبتي، متزعليش آآ.. قاطعته وهي تضرب صدره بضعف وتهتف بصوت متحشرج: إ نت. مبتحبنيش، آآ..
لم تكمل جملتها لتسقط بين ذراعيه مغشيا عليها مما زاده هلعا وهو يصيح بإسمها...