رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر
صباح يوم جديد، فتح كريم عينيه ببطئ، لم يغمض له جفنا طوال الليل وظل هكذا حتى آذان الفجر ومن ثم قام بالصلاه، ثم غفي ساعتان فقط من الزمن..
نظر لها وهي نائمة في ملكوت آخر، ملامح وجهها الساكنة، براءة وجهها الحبيب، كل ما فيها يعشقه، ولكنه مازال عند قسمه في معاقبتها، مد يده يتلمس وجنتها التي إستبغت باللون الأزرق، ليضغط على أسنانه بغيظ من أفعالها المتهورة تلك، زفر بقوة ثم نهض متجها إلى الحمام ليغتسل بينما إستيقظت فاطمة على صوت حركته فنهضت جالسة على الفراش وهي تفرك عينيها بتكاسل، ومن ثم إنتصبت واقفة وذهبت إلى غرفة صغارها وقامت بإيفاقتهما..
خرج كريم من الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفه، فإقتربت منه تقول بحذر، وإبتسامتها المعتادة كل صباح: - صباح الخير.. لم يرد عليها وتجاهلها عمدا، فتنحنحت بحرج وهي تقول بخفوت: إيه اللي صحاك بدري النهاردة؟ زفر أنفاسه بقوة، ثم قال بإيجاز: يلا جهزي نفسك.. سألته وهي تصطنع عدم الفهم: - أجهز نفسي لإيه؟، آٱ أنا تعبانة أوي النهاردة مش هقدر أروح الشغل، ه هنام.. إلتفت مقتربًا منها وهو يمسكها من رسغها قائلًا بحزم هادئ:.
ومين قالك إني بقولك على الشغل؟ أنتي عارفة بقولك على إيه إخلصي وعدي يومك بقي، ومتختبريش صبري أكتر من كده. ثم تركها ووقف يرتدي ثيابه بملامح وجهه الجامده، فزفرت فاطمة وحاولت إقناعه بعدم الذهاب إلى ذاك السائق إلا إنه لم يسمعها، حتى مرت نصف ساعة قد ذهب الصغار إلى مدارسهم وأصبح كريم على وشك الإنفجار بها بسبب عنادها معه.. إقترب منها قابضا على ذراعيها بقوة وهو يهزها قائلًا بغضب:.
إلبسي يا فاطمة وإتقي شري، يلا عشان مترجعيش تندمي. قالت في توسل وقد دمعت عيناها: أرجوك خلاص أنا... قاطعها بنفاذ صبر: إلبسي، وخلصيني، يلااااااا. أغلقت عينيها بقوة، ثم لم تجد حلا سوي أنها تنصاع له.. إرتدت ملابسها وهي تبكي في محاولة منها لإستعطافه، إلا إنه كان ينظر لها بجمود وهو يكتف ذراعيه أمام صدره، وما إن إنتهت خرجا سويا من الشقة وهبطا الدرج ومن ثم إلى السيارة..
إستقل السيارة وجلست هي إلى جواره، قاد السيارة بصمت تام وإنطلق بها وسط توسلاتها له المتتالية..
وحيدة في فراشها، منذ بداية زواجهما وهو لم يتركها ليلة واحدة، لكنه تركها هذه الليلة ولم يأتي لها، لم يأخذها داخل أحضانه ولم يربت على ظهرها بحنانه.. شعرت ببرودة تسري في جسدها فإحتضنت نفسها بكلا ذراعيها علها تشعر بالدفئ، لكنها لم تشعر فهو من كان يشعرها بذاك، هو أمانها الذي ربما يضيع ويرحل بلا عودة إن لم تتدرك سارة خطورة أفعالها!
إنحدرت دمعة حارقة فوق وجنتها، وهي تفكر فيه، هل إلى هذا الحد لا يريد رؤيتها، هل أغضبته لهذه الدرجة، هل ما زال يحبها..؟ وهل سيظل يغفر لها! نهضت جالسة على الفراش وهي تمسح دمعتها بكف يدها، ثم حدثت نفسها بحزن: ماشي يا حسام، ثم صمتت قليلا ثم إتسعت عينيها في صدمة وهي تقول: - معقولة يكون عندها؟!
صف كريم سيارته ثم إلتفتت لها قائلًا بحزم: يلا وريني الزفت ده! أصابها إرتجافة قوية وهي تنظر من نافذة السيارة وتبحث بعينيها بين السائقين، فلم تجده، إلتفتت له تقول بخفوت: مش موجود. أظلمت عينيه وهو يقبض على ذراعها بشدة هاتفا بغضب: لا موجود، إنطقي مين فيهم؟ دمعت عيناها وتألمت بشدة من قبضته على ذراعها، ثم قالت من بين بكاؤها: والله مش موجود أقسملك بالله.
ترك ذراعها ونظر من النافذة وهو يزفر أنفاسه بقوة، بينما دفنت هي وجهها بين كفيها وبكت بخفوت، فعاد ينظر لها وقد أشفق عليها، يبدو أنها تألمت، كان على وشك جذبها إلى أحضانه، فليذهب الجميع إلى الجحيم وتبقي هي بخير، ولكنه تراجع عن فعل ذلك وتنهد بقوة قبل أن يقول بصوته الأجش: - خلاص إسكتي متعيطيش، دراعك وجعك؟ رفعت رأسها لتنظر له من بين دموعها ثم أومأت برأسها في صمت..
جذب هو منديلا ورقيا ومد يده لها قائلًا بجمود: إمسحي دموعك، ومش هتصعبي عليا على فكرة، أنا أصلا هربيكي من أول وجديد. أخذت منه المنديل ومسحت دموعها ثم قالت بحزن: شكرًا.. ثم إستكملت بإيجاز: يلا نروح بقي! قال بنفي تام: لا مش هنروح قبل ما يجي الحيوان ده وتشاوريلي عليه! زفرت مجددًا وقالت في ضجر: ما ممكن ميجيش أصلا.. رد عليها بعصبية: هايجي وإسكتي بقي، إسكتي خالص..
قضي ليلته داخل حجرة مكتبه، ولقد نام على الأريكة بعد إن تزاحمت الأفكار داخل عقله، ونام حزين مهموم..
فتح عينيه ونهض جالسا وهو يتألم قليلًا من نومته على الأريكة، ثم فرك وجهه بكف يده وهو يتذكرها، يتذكر عنادها وردها عليه بجراءة، يريد صفعها مرة ثانية وثالثة أيضًا، كلما تذكر كلماتها المستفزة كلما إحتدت ملامحه وبالأخص هذه الجملة مش هطاطيلك يا حسام، هل عملها أهم منه، هل تحب عملها أكثر منه، هكذا راح يفكر حسام بضيق، هو متحمل كل شئ لأجلها في حين هي لم تتحمل لأجله أي شئ، فهل سيظل يتحمل؟.
أمسك هاتفه ونظر إلى الشاشة ليجد عدة مكالمات فائتة، منها فجر، وكريم، وأيضا إبراهيم.. نهض وهو يتنهد بعمق، ثم دلف إلى الحمام الملحق بغرفة المكتب حتى يغسل وجهه ورأسه بالمياه الباردة علها تهدأ من غضبه ذاك.. وما إن إنتهي أخذ متعلقاته وخرج من مكتبه عازما على الذهاب إلى تلك الصغيرة التي تعشقه في صمت! ...
ساعة كاملة وهما يجلسان بالسيارة ينتظران وصول السائق، أخيرًا لمحته فاطمة يترجل من السيارة بعد أن صفها بأحد الأركان، نظرت إلى زوجها لتقول بقلب وجل: أ أهو، هو، ده، إلى هناك.. وأشارت إليه بسبابتها، فلألأت عينيه بوحشيه وهو يضغط على أسنانه قائلا بصيغة آمرة: إياكي تنزلي من العربية سامعة! وما لبث أن ترجل من السيارة، صافقا الباب خلفه، فإرتعدت فاطمة وهي تتابعه بعينيها بخوف شديد..
سار في إتجاه السيارات المتراصة بجانب بعضهم، وعينيه لم يطرف لهما جفنا مصوبة على ذلك الذي أشارت عليه زوجته، ذلك الذي صفعها على وجهها بلا شفقة مستغلا ضعفها كإمرأة، وقد تركت أصابعه بصمة عليه.. أخذ كريم نفسا قويا قبل أن يقف أمام بعض الرجال الذين يعملون كسائقين لسيارات الأجري.. إقترب من هذا الشخص وهو يصر على أسنانه بشدة جاذبا إياه من تلابيبه، فُزع الرجل من هذه الحركة المفاجئة وكذلك البقية..
صاح الرجل بغضب يمتزج بالخوف أيضًا: في إيه يا عم أنت، أنت مين؟ رفع كريم يده عاليًا ثم هوي بها بكل ما يمتلك من قوة على وجهه، ثم هتف بغضب عارم: أنا إلى هطلع روحك في إيدي يا روح أمك. إرتعدت أوصاله وهو يقاومه إلا أن كريم صاح به بعنف: بتمد إيدك على مراتي يا ------! تجمعت الناس في محاولة منهم لفض الشجار إلا إنه لم يتركه بل كان يحاول ضربه مرة ثانية، وهو يسبه بغضب جلي، فكيف يتجرأ ويضرب زوجته الوقح هذا!.
ترجلت فاطمة من السيارة وقلبها يخفق خوفا على زوجها، تلعن ذاتها التي دائمًا تجلب له المشاكل من حيث لا يعلم.. وقفت على بعد خطوات منه وهي ترتعش من الخوف وتدعي الله سرًا بأن لا يصيبه أي مكروه..
بينما علمت الناس أنه زوج المرأة التي ضربها ذاك أمس، لم يتعرضله أحد فإنهم عنفوه بالأمس على فعلته تلك، إلا إنهم توسلوا إليه بالعفو عنه، فتمكن من الوصول إليه مرة ثانية وصفعه مجددًا بقوة أشد وما لبث أن لوي كف يده بحركة عنيفة فأصبحت على وشك الكسر وهذا ما أراده، كسر اليد التي رُفعت على زوجته!
بالفعل شعر الرجل بأن يده قد تكون كُسرت ولم يعد حتى قادرا على الدفاع عن نفسه، فدفعه كريم بيده، ثم بصق في وجهه وتراجع خطوتين للخلف وهو يلهث مُشيرا له بسبابته وقال بنبرة تحمل التهديد: وبرضو مش هسيبك لسه حسابك معايا مخلصش يا عرة الرجالة. إلتفت ليجد زوجته تبكي خوفا، جذبها من يدها وسار نحو سيارته وهو يصيح بها: إنتي إيه مبتفهميش؟ أقولك متنزليش بتنزلي برضو؟ أعمل فييييكي إيييييه!
تلفتت حولها وهي تمسح دموعها بإحراج فصوته عالي بشدة وبدأت الناس تنظر إليهما، فتح لها باب السيارة وقال بغضب: إدخلي.. دخلت ومن ثم أغلق الباب، وإستقل جوارها ثم قاد السيارة وإنطلق بها.. كان الصمت هو سيد الموقف فقط صوت شهقاتها وصوت أنفاسه اللاهثة الغاضبة..
كانت تراقب ملامحه وهي تعرف أنه وصل إلى أشد غضبه، تعلم أنه سيعاقبها لا مفر هذه المرة فلقد سامحها بما يكفي ولكن هذه المرة تحديدًا لن تمر بسلام هكذا أخبرها قلبها هي تعرفه جيدا. خرج صوتها محاولة أن تهدئه من بين شهقاتها الخافتة: ك كريم، آآ أنا أسفة إني حطيتك في الموقف ده أنا...
قاطعها وهو ينظر لها متابعا بعصبية تامة: مش عاوز أسمع صوتك، يا ريت تخرسي خالص لحد ما نروح وحسابك معايا تقل أوي، أقسم بالله تقل أوي يا فاطمة... صمت قليلًا، ثم أردف مكملا بحدة: ما هو العيب مش عليكي، العيب عليا، أنا اللي دلعتك بزيادة لو كنت لطشتك كده كام قلم كنتي إتعدلتي، بس ملحوقة، حاضر لما نروح، ما هو إنتي مش هتعقلي إلا لما تضربي صح؟
لألأت بعينيها بخوف، ثم تابعت من بين شهقاتها: يعني، هتضربني؟، لا أنت متعملش كده ولا هتضربني... نظر لها نظرة أخافتها قبل أن يردف في توعد: لما نروح هتعرفي! إزداد بكاؤها وهي تقول ببراءتها تلك البراءة التي لا تظهر إلا معه هو فقط: طيب، أنا أسفة، أسفة، أعمل إيه تاني يعني؟ رمقها بغيظ وتمتم بحنق: إسكتي، تعرفي تسكتي؟
توقفت سيارة حسام أمام المستشفى ليترجل منها ويتجه صاعدا إلى الأعلي، ما إن صعد حتى توجه إلى الغرفة التي تقطن بها فجر، طرق الباب وإنتظر فلم تفتح، طرق ثانية، أيضًا لم تفتح ولكن آتاه صوتها المرهق: إدخل.. فتح الباب ودخل قائلًا بإبتسامة: صباح الخير، أخبارك إيه دلوقتي؟ خفق قلبها بقوة مجرد أن رأت إبتسامته الجذابة، قبل أن تردف بهدوء: الحمدلله أحسن.. سألها وهو يتلفت حوله: إنتي لوحدك هنا؟
أومأت برأسها ثم تابعت: نور راحت الجامعة لأن في محاضرات مهمة.. هز رأسه ثم قال متسائلا مرة ثانية: كنتي متصلة عليا، خير يا فجر؟ سوري ماسمعتش الموبايل. تلون وجهها بحمرة الخجل وإرتبكت بشدة فهي لم تريد شيئًا منه، فقط أرادت الإطمئنان عليه أو بالأحري سماع صوته المحبب إليها... تعجب حسام من حالتها، بينما قالت فجر بتلعثم: آآ أنا، أنا، مش فاكرة، بصراحة نسيت لما أفتكر هبقي أقول لحضرتك.. ضحك بخفوت، ثم قال:.
إنتي محتاجة فلوس يا فجر؟ متتكسفيش وإطلبي اللي إنتي عاوزاه.. حركت رأسها بنفي قبل أن تردف بتجهم: لا مش عايزة فلوس، مستورة الحمدلله. ضحك مرة ثانية متابعا بمزاح: طب ومالك زعلانه ليه يعني؟ ردت بجدية: عشان أنا مش بحب أطلب حاجة من حد أنا نفسي أشتغل بس مش لاقيه شغل، حتى حضرتك مش راضي تشغلني عندك.. مسح على رأسه بهدوء وقال بإيجاز فليس لديه طاقة للحديث الآن ؛: بس تخفي ويحلها ربنا يا فجر، ووعد أشغلك معايا...
أغلق الباب بعد أن دلف بصحبتها، ركضت كعادتها لتختبئ منه، لكنه لحق بها قبل أن تغلق باب الغرفة عليها، فدفعها برفق للداخل ودخل خلفها مغلقا الباب خلفه ثم نظر لها بوحشية تعمد هو في إخافتها، تراجعت للخلف وهي تبتلع ريقها بصعوبة، بينما فك هو حزام بنطاله عن خصره ولفه على يده عدة مرات، فإتسعت عينيها بصدمة وقد إلتصق ظهرها بخزانة الملابس، إقترب منها بخطوات متمهلة، فإنهمرت دموعها بغزارة وهي تتوسله من بين بكاؤها: لا، ضرب، لا يا كريم ضرب لا أنت عمرك ما ضربتني، بلاش ضرب ع..
كادت أن تفلت منه ضحكة عاليه فلأول مرة تخشاه بهذه الطريقة، ولكن هذا أرضاه رغم رغبته في إحتضانها الآن.. ضيق عينيه وتابع بصوت جهوري: قدامك تلات إختيارات من العقاب، شوفي أنا كويس معاكي لحد فين؟ عشان كده هيكون عداني العيب، هتختاري العقاب اللي يريحك وبسرعة عشان معنديش صبر، تمام؟ أومأت برأسها موافقة، فتابع كريم بحزم هادئ:.
يا إما هتضربي بالحزام ده، يا إما لسانك ميخاطبش لساني نهائيا، يا إما هتقعدي من الشغل ومش هتخرجي برا باب الشقة ده، إختاري؟! إعترضت قائلة بخفوت: طيب التلات إختيارات دول ظلم وأنا مش هقدر أختار منهم قال بنفاذ صبر: إختاري بدل ما أنفذ التلاته مع بعض.. أغلقت عينيها في ضيق وساد الصمت بينهما لعدة دقائق إلى أن قالت بحنق: هقعد من الشغل، إرتاحت كده؟
ترك الحزام من يده، ثم قال بتنهيدة: تمام، إيدك بقي على الموبايل بتاعك ومفاتيح الشقة اللي معاكي.. كشرت عن جبينها وهي تسأله: ليه بقي إن شاء الله؟ قال بهدوء تام: مزاجي كده..! تأففت وهي تضرب الأرض بقدمها: بس ده ظلم، ظلم. أومأ لها غامزًا بإستفزاز: ما هو أنا راجل ظالم أصلا ومفتري كمان، هاتي الموبايل والمفاتيح بقي.
صرت على أسنانها بغيظ، ثم فتحت حقيبتها ونفذت ما قاله، فأخذهما منها قائلًا بجدية: تمام، لو شوفتك بقي خارج برة باب الشقة هتزعلي مني جدا جدا، أوك؟ هزت رأسها قائلة بغضب: إن شاء الله.. ثم تحركت من أمامه وهي تمسح دموعها بظهر يدها فإبتسم وهو يرتدي حزام بنطاله مرة أخرى قائلًا في مرح: حضريلي الفطار بقي عشان جعاااان..
رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث عشر
طرقت السكرتيرة نسرين باب مكتب جميلة، ثم ولجت إلى الداخل بعد عدة ثوانِ لتقول في هدوء: - مدام جميلة، أستاذ إبراهيم طالب حضرتك. أومأت جميلة بإبتسامة ثم نهضت قائلة: تمام، شكرًا ليكِ. خرجت من مكتبها وسارت إلى مكتب عمها.. طرقت الباب عدة طرقات ثم دلفت والإبتسامة تحتل ثغرها، وما لبثت أن إختفت تدريجيا وهي تنظر إلى تلك المرأة المُسنة التي تجلس قبالة عمها، إنها هي، هي والدتها التي لم تراها منذ سنوات عديدة!
جلس على طاولة الطعام وهو يعبث بهاتفه، بينما رصت هي الصحون أمامه على الطاولة كما طلب منها.. تنهدت قبل أن تردف بهدوء حزين: - إتفضل الفطار اللي طلبته. رفع عينيه لينظر إلى وجهها، فإبتسم قائلًا وهو يجذبها من يدها: - تسلم ايدك يا بطتي، إقعدي كلي معايا بقي. نزعت يدها منه بغضب ثم أردفت في حزم: - مش عاوزة أكُل معاك، أنا داخلة أنام. أنهت كلامها وإتجهت إلى الغرفة وقد إنسابت دموعها مرة أخرى فوق وجنتاها..
بينما نهض كريم خلفها، يعلم أنه أخافها بل أرعبها للغاية فلم تتعود هي منه مهما فعلت على هذا الأسلوب المرعب.. دلف خلفها الغرفة ليجدها تدفن وجهها بين الوسائد وتبكي بنعومة، إتسعت إبتسامته العابثة فرغم توالي السنوات عليهما إلا أنها ستظل كما هي، طفلة في غضبها.. جلس إلى جوارها ثم رفعها برفق قائلًا بمزاح: - كل ده عشان أصالحك يعني؟ حاولت الإبتعاد عنه، إلا أنه لم يتركها وهمس لها في مرح:.
- يعني غلطانة وكمان زعلانه مني، مش بقولك مجنونة! نظرت له في عتاب، فرفع أنامله ومسح دموعها بحنان ثم طبع قبلة فوق جبينها قائلًا بصوت هادئ: - بتعصب عليكِ عشان بحبك وبخاف عليكِ، وكنت لازم أعاقبك عشان متضيعيش نفسك في أي مرة. قالت بخفوت من بين بكاؤها: - أنا صعبان عليا منك أوي، مش قادرة أتخيل إنك كنت هتضربني بالحزام. قهقه قائلًا من بين ضحكاته الرجولية:.
- والله ما كنت هضربك أبدا، كنت بخوفك بس، حتى لو كنتي إختارتي الضرب مكنتش هضربك، مقدرش أصلا. حركت رأسها نافية بتذمر ثم تابعت: - لا كنت هتضربني أنت رعبتني وخليت ركبي بتخبط في بعضها. ضحك بقوة وهو يضمها إلى صدره هاتفا: أقسم بالله ما كنت هضربك يا بطتي، معقولة يعني أضرب بطتي؟ مش ممكن طبعا، أخوفها ماشي وأزعقلها كتييير بس أضربها نووو. إبتسمت رغمًا عنها وراحت تحاوط عنقه بذراعيها قائلة بإرتياح:.
وبالنسبة للعقاب التاني بتاع لساني ميخاطبش لسانك ده إيه نظامه بقي؟ ضيق عينيه قائلًا بنبرة جادة: - بصراحة كنت هنفذه لو كنتي إختارتيه. عقدت ما بين حاجباها قبل أن تتابع متذمرة: - بس أنا معرفش أقعد ساعة من غير ما أكلمك أصلا، كريم أنت قاسي على فكرة. رد عليها بمرح: - وأنتي مجنونه على فكرة، ، بس ده ميمنعش إني بعشقك. إبتسمت ببراءة، ثم تابعت بحب جارف:.
- وأنا كمان على فكرة يعني، بس أنا معملتش حاجة غلط ممكن أعرف إنت ليه بتزعقلي؟ رفع حاجبيه بإندهاش قبل أن يردف بغيظ: بجد! تنهدت وهي تومئ برأسها، وقالت: - أيوة، يعني ده جزاتي إني مش بحب حد يتهان يعني كنت أسيب الست تقع ويجرالها حاجة وتتشتم كمان من حيوان زي ده! قال بجدية:.
- محدش قالك تسبيها تقع ولا حاجة، كتر خيرك إنك ساعدتيها تطلع الميكروباص وإستب لحد كده، ملكيش دعوة بقي بمين قال ومين عاد، لو هتردي على كل واحد مش هنخلص يا فاطمة، الراجل شتمها، هو راجل مش محترم أصلا يبقي مينفعش تشتميه لأنه هيشتمك! تابعت في هدوء: ماشي. قرص وجنتها بخفة وتابع ضاحكا:.
- إسمعي من هنا وخرجي من الناحية التانية، إعقلي بقي عشان خاطري يا بطتي، مش عاوز أقسي عليكي والله بس هتيجي في مرة وتخليني أقسي عشان مبتسمعيش الكلام أبدااا.. أومأت قائلة بإيجاز: هسمع هسمع، المهم أنت فعلا مش هتوديني الشغل تاني؟ أومأ برأسه مؤكدا: اه يا فاطمة معلش ده قراري ومش هرجع فيه، يمكن قدام شوية كده تبقي ترجعي إنما دلوقتي لا. زفرت بضيق، ثم قالت بإمتعاض: ماشي، طيب والموبايل والمفاتيح؟
رفع أحد حاجبيه متابعا بحزم: برضو لا.. صمتت بحزن، فتابع ضاحكا: خلاص هديكي الموبايل والمفاتيح بس برضو على إتفاقنا مفيش خروج برا باب الشقة ماشي؟ قالت موافقة: ماشي يا حبيبي. إقترب منها بشدة قائلًا بمرح: ماسمعتش، بتقولي إيه؟ ضحكت برقة وكررت بنعومة: حبيبي. ليغيب معها في عالم آخر، وقد نسي ما أغضبه منها وهي كذلك...
تقلصت عضلات جسدها وأصابتها برودة شديدة وهي تنظر لها بعدم إستيعاب، تبادلت الأخيرة معها النظرات والوجوم مخيما على المكان، فقط النظرات هي التي تتحدث... نظرات عتاب وأخري حنونه، إشتياق وأخري حزينة أليمة... لم تعرف جميلة ماذا تفعل أتعانقها، أم تبكي أم تبتعد عنها رغم إشتياقها الشديد لها، فبرغم إبتعادها عنهن لأعوام مديدة بكامل إرادتها إلا أن جميلة تشتاق لحنانها الذي لم تشعر به قط.
قطع الصمت إبراهيم حين قال بجدية: إقعدي يا جميلة يابنتي. سارت بخطوات مترددة إلى أن جلست قبالتها وتلاقت الأعين، فتحركت شفتي الأم بإسمها: جميلة.. دمعت عيناها وهي تستشعر حروف إسمها ثم إستكملت بمرارة: بن، بنتي، حبيبتي. إندهشت، حقا إندهشت، من إبنتها ومن حبيبتها تلك التي تحدثها؟!، هل تذكرت أخيرًا أن لديها بدلا من الإبنة ثلاثة، ثلاثة تحطمن نتيجة علاقة زوجية فاشلة فشل تام!
- جميلة، أمك ندمانة على السنين اللي فاتت وأنا فضلت إنها تقابلك لوحدك عشان أنتي العاقلة اللي فيهم وهتقدري موقفها.. أردف إبراهيم بهدوء، في حين قالت جميلة ساخرة: أفهم إيه وأقدر إيه يا عمي؟ آتاها صوتها المهزوز: أنا، عارفة إني مهما قولت مش هتسامحوني بس، بس أنا يابنتي إتعذبت بما فيه الكفاية، أنا يوم ما سبتكم كان غصب عني ص.. قاطعتها بإنفعال:.
لا كان بارادتك انتي مش غصب عنك، سبتينا وأنتي عارفة كويس أوي إننا هنتبهدل، حتى وانتي عايشة معانا كنتي بتسبينا نتبهدل ونتضرب ونتهان من أبونا بدون حتى ما تدافعي عننا ولا تكلميه وتحاولي تصلحي منه عشان خاطرنا، عشان نعرف نعيش، وكل ده ليه، عشان خايفة، خايفة تكلميه ياتري بقي لما سبتينا برضو كنتي خايفة؟ ويوم ما إتجوزتي واحد من دور عيالك برضو كنتي خايفة، يوم ما بعد كل ده قولنالك تعالي شوفي ولادنا إحنا بقينا أمهات وأنتي بكل جبروت رفضتي، أنتي جاية تبرري إيييه!
إنهمرت دموعها فكل كلمة نطقتها إبنتها صحيحة، تعلم أنها إرتكبت خطأ كبير، ولم تضمن الغفران منهن.. ترقرقت عيني جميلة هي الأخري بالعبرات قبل أن تردف بحزن: أنا ممكن أتقبلك في حياتي عادي جدا لكن للاسف مش حساكي مش حاسة إنك أمي، كان نفسي اشوفك أوي وأقابلك بس مكنتش عارفه ان المقابلة هتكون صعبة كده، معرفش إنك هتفتحي جرح السنين اللي فاتت! ساد صمت متوتر لعدة دقائق قبل أن تنفجر أنهار مدافعة عن نفسها:.
- جرحتكم عشان أنا كمان إتجرحت، عايزة بقي تسمعي الحكاية من الأول هقولك، هقولك إني إتجوزت أبوكي غصب عني، مكنتش عاوزاه وهو عارف ومع ذلك اتجوزني غصب وأهلي وافقوا بكل سهولة لأنه معاه فلوس، وقالولي ده عريس لقطة هيعوضك، ولما اتجوزت عيشني في مراااار، فضلت كده لحد ما خلفتكوا، ساعتها قولت إستحملي عشان خاطر عيالك بس مقدرتش كل يوم كنت بتهان زيكوا بالظبط وفعلا كنت بخاف، بخاف جدا منه، لما لقيته غصب فاطمة على كريم ابن عمها وجابلك انتي كمان عريس قولت أمشي بقي ما أنا مش قادرة أعملهم حاجة، بس ده كان أكبر غلط مني أنا فعلا غلطت في حقكم وحقكم عليا يابنتي أنا طالبة السماح وبس حتى ولو مش هتقبلوني في حياتكم..
تدخل إبراهيم قائلا بجدية: إن شاء الله ربنا هيلم شملكم وهيسامحوكي يا أنهار، بس إنتي لازم تعذريهم وتستني شويه عليهم وأنا متأكد إنهم هيسامحوكي مش كده يا جميلة؟ مسحت جميلة دموعها بأنامل يدها ثم قالت بصوت مرتجف: إن شاء الله.. ثم نهضت من مقعدها، لتنهض هي الأخري هاتفه بتوسل: جميلة. إلتفتت لها بصمت، فإقتربت منها قائلة في رجاء: ممكن أطلب منك طلب؟ أومأت جميلة بإستغراب، فتابعت أنهار من بين بكاؤها المرير:.
ممكن أحضنك! لم تنتظر ردها حيث عانقتها بقوة وعاطفة أقوي، إنفجرت باكية وهي تشتد في عناقها بينما أغلقت جميلة عينيها بشدة ورغما بادلتها العناق مستسلمة لعاطفتها التي إستشعرتها بجوارحها... ستظل أما لها مهما فعلت، وها هي تطلب منها السماح وتعترف بأخطائها في حقهن فهل ستغفر؟! ...
صف سيارته أمام البناية، ثم ترجل من السيارة وصعد بإرهاق، لا يريد التحدث، يريد أن ينعم بالراحة قليلًا رغم إنه يعلم أنه لن ينولها بمجرد دخوله من باب المنزل.. فتح بالمفتاح ودلف مغلقا الباب فإنتفضت سارة من مكانها على الصوت ونهضت على الفور خارجة من الغرفة.. إشتبكت عينيها بعينيه فأرهبتها الحدة المنبعثة منهما، إنتظرت حتى يتكلم لكنه لم يفعل، وتوجه إلى الغرفة بصمت تام..
إستجمعت شجاعتها وراحت تقترب منه قائلة بخفوت: حسام. تحدث وهو يلقي بجسده على الفراش دون أن ينظر إليها ؛: عاوزة إيه من زفت. قالت بثبات: عاوزة أتكلم معاك يا حسام. رد بنبرة حادة: مفيش كلام بيني وبينك تاني، خلص خلاص. تأففت وهي تسأله بضجر: يعني إيه الكلام ده؟ إومال فيه إيه بيني وبينك يعني! أغلق عينيه ثم قال بنبرة ساخرة:.
في أوامر مني وتنفيذ منك إنتي، زمن الرفق واللين ده خلص خلاص، عشان إنتي صنف مينفعش معاه الرفق، صنف لازم ياخد على دماغه.. هل سيستكمل وصلة الاهانة خاصته مرة ثانية! إنها إستكفت إهانة منه المرة السابقة، يبدو أنه سيتقمص شخصية سي السيد قالت معترضة: مسمحلكش على فكرة، ياريت تغير لهجتك دي معايا وإتكلم زي الناس عشان أنا مش هاخد على دماغي وأسكت وأقعد أعيط زي الستات الخايبة!
مط شفتيه متابعا ببرود تام متعمدا إستفزازها: والله ده اللي عندي وهتنفذي اللي هقوله ورجلك فوق رقبتك ولو مش عاجبك إخبطي دماغك في أتخن حيطة.. إتسعت عينيها بغضب وهتفت بعناد: محدش قالك إنك قليل الذوق قبل كده؟ فتح عينيه التي توهجتا غضبا، ثم هب واقفا جاذبا إياها من خصلاتها بعنف، هاتفا بصوت أرعبها: ومحدش قالك إنك مش متربية قبل كده؟ شكلك عاوزة تضربي تاني وتالت يا سارة هانم ولا أقولك يا دكتورة أحسن!
تلوت بين يديه وهي تصيح به: سيب شعري يا حسام، أنا قولتلك إنك مش هتتحكم فيا فمتحاولش.. ضحك متهكما وهو يشتدد على شعرها أكثر، ثم إقترب منها بوجهه هامسًا بفحيح: مممم، طب أنا هتحكم وريني اللي عندك يا دكتورة. كزت على أسنانها بقوة، ثم هتفت بضيق شديد: يبقي هطلقني، طلقني يا حسام.. قهقه عاليا ثم هتف بجمود:.
ياه خلاص مستغنية للدرجة دي؟، بس برضو بعينك أي حاجة ليكي رغبة فيها أنا هعمل ضدها مش هريحك يا حبيبتي، مش أنا قولتلك قولي عليا مش راجل لو مربتكيش؟ يرضيكي يعني أبقي مش راجل؟ نظرت له بسخرية قبل أن تردف متعمدة إستفزازه: وهو إنت كده راجل؟ وكان رده عليها صفعة مدوية، وصوته الجهوري آتاها بوعيد: غصب عنك، سمعاني راجل غصب عنك، والله يا سارة لتشوفي أيام سودة على دماغك.
لم تبكي ولم تهتز منها شعره فقط كانت تنظر له بقوة وتحدي سافر، وعيناها تخبرانه بأنها لم ولن تخضع مهما فعل من تسلط وتحكم..! وهذا ما زاد من غضبه، لينظر بوحشيه إلى عمق عينيها وهو يهتف بجمود: بلاش تتحديني عشان إنتي اللي هتخسري، وبرضو أوامري هتتنفذ.. حرر خصلاتها أخيرًا وتراجع خطوة للخلف لتحبس هي دموعها تأبي البكاء، وتأبي الضعف أمامه..
تعقدت العلاقة بينهما أكثر وأكثر، لطالما كان العناد نابعا من الطرفان، وإن لم يتخلي أحد منهما عن عنده ذاك سيخسرا الإثنان معا فلا يولد العند إلا الكفر!..
طرقت هالة باب شقة أخيها فتوجه كريم ليفتح الباب، وما إن وجدها حتى إبتسم قائلًا: تعالي يا هالة. ولجت هالة إلى الداخل وهي تبتسم له: إزيك يا كيمو؟ رد عليها وهو يقرص وجنتها بخفة: بخير يا لولو، طمنيني إنتي عليكي؟ قالت بهدوء: أنا تمام الحمدلله والله. تفاجئ كريم بذراعين تحتضن ساقه، فنظر للأسفل لتصيح جودي بمرح: خالووووو. ضحك بشدة وهو ينحني ليحملها هاتفا بمرح:.
يا بت خضتيني يا أوزعة مروحتيش المدرسة ليه النهاردة؟ قالت هالة بغيظ: مثلت عليا إنها تعبانة الجزمة عشان تغيب من المدرسة. ضحكت الصغيرة وهي تؤكد على كلامها: أه يا خالو أنا عملت كده.. ضحك وهو يقول مندهشا: وفخورة أوي يا أوزعة! آتيت فاطمة من الخلف تقول بمشاكسة: إيه الدوشة دي، عاملة إزعاج ليه يا ست هالة إنتي وبنتك؟ ضحكت هالة ثم قالت متساءلة: قولولي صحيح عملتوا ايه في موضوع السواق ده؟
قصت عليها فاطمة ما حدث في حين قالت هالة بإنبهار: أوووه يا سلام يا كيمو طول عمرك رجولة بس والله أنا بخاف عليك أوي خلي بالك على نفسك بالله عليك. رد عليها بمزاح: عمر الشقي بقي يا لولو، متخافيش ربنا الحافظ. أومأت مبتسمه: ونعم بالله، المهم عرفتوا اللي حصل بين سارة وحسام؟ سألها كريم بتعجب ؛: لا إيه اللي حصل؟
قصت عليهما ما حدث، في حين قال كريم بذهول: كل ده حصل بينهم!، عشان كده حسام ما بيردش عليا لما بتصل بيه... بينما قالت فاطمة بضيق: إزاي يمد إيده عليها، ده إتجنن خلاص، أنا هطلع بجد أبهدله إيه مفكرها ملهاش أهل! نظر لها كريم بتحذير قبل أن يردف بحزم: فاطمة!، لسه كنا بنقول إيه، إسكتي. أومأت برأسها وقالت بحنق: سكت..
بينما هتفت جودي بمرح: خالو، أنا عاوزة موبايل زي اللي كان مع إبراهيم، اللي طنط مني جابتهوله وخالتوا فاطمة زعقتلها.. إتسعت عيني فاطمة بصدمة وكذلك هالة التي صاحت بإبنتها حتى تصمت فيما نظر كريم إلى زوجته بغضب وهو يسألها بنفاذ صبر: موبايل وخناقة يا فاطمة؟
رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع عشر
تراجعت للخلف خوفا من ملامحه الغاضبة التي تحولت فورًا عقب إن إستمع ما قالته الصغيرة، بينما قالت هالة في محاولة منها لتهدئته: - ماحصلش حاجة يا كريم، الموضوع بسيط والله هو اللي حصل إن... قاطعها وهو يقترب من زوجته التي إختبئت سريعا خلفها، قائلًا بغيظ: - اللي حصل إن مراتي بتكذب عليا ومفيش فايدة فيها.. جذبها من يدها إليه وهو يهتف بنفاذ صبر: تعالي تعالي ده أنتي أيامك معايا شكلها مش هتعدي..
إبتلعت ريقها قبل أن تقول بخفوت: إستهدي بالله بس وهفهمك اللي حصل، والله ما ليا ذنب، دي هي اللي ما تسمي اللي إدت لإبراهيم موبايل وأنا... قاطعها وقد إرتفع أحد حاجباه قائلًا: وأنتي بقي إتخانقتي ودخلتي بقلب جامد وبعد كده قولتي مش هجيب سيرة لكريم عشان ميوجعليش دماغي هو أنا ناقصة وجع دماغ! رفعت حاجباها مندهشة وقالت بمزاح: إيه ده عرفت منين؟ كز على أسنانه غيظا، ثم هتف بغضب: وكمان بتهزري؟
حركت رأسها بعلامة النفي وقالت: لا لا مش بهزر خالص، بس حبيت أهديك شوية، ممكن طيب تسمعني الأول؟، لو سمحت، أرجوك، ربنا يباركلك إسمعني الأول، عشان خاطري، ه.. كتم فمها بيده وهو يهتف بنفاذ صبر: ششش بس بس، إيه بالعة راديو يخربيت كده... بينما قالت هالة ضاحكة: خلاص بقي يا كريم قلبك أبيض إسمعها وبراحة هي فعلا مني اللي غلطانة، هسيبكوا وادخل أشوف ورايا إيه، سلام.
أخذت إبنتها وخرجت، ليغلق كريم الباب فوقفت فاطمة تنظر له في محاولة منها لإستعطافه، فتنهد بغيظ وجذبها ليجلس بها على الأريكة قائلًا بحزم هادئ: إحكيلي اللي حصل. أومأت رأسها ثم تابعت بهدوء: أنا إتفاجئت إن إبراهيم معاه موبايل ولما سألته قالي إن مني هي اللي جابته. سألها مستفسرا: وبعدين؟ قالت بتوتر: و، وبعدين رحت كلمتها وهي كذبت وقالتلي مدتوش حاجة، فزعقتلها شوية بس وخلاص... ضيق عينيه متسائلا: ومقولتليش ليه؟
حملقت به لثوان، ثم تابعت بجدية: بصراحة إبراهيم وعدني إنه مش هيعمل كده تاني وكان خايف منك، وأنا وعدته إني مش هقولك بس كده والله هو ده كل اللي حصل، لو سمحت متزعلش مني كشر عن جبينه وهو يقول بحدة: لا زعلان ومخاصمك، قومي بقي من جنبي يلا! فتحت فاها بصدمة، ثم تابعت بضيق: لا مش هتخاصمني، مش هتخاصمني ها. رفع أحد حاجباه قائلًا: والله! بالعافية ولا إيه؟ أومأت برأسها وراحت تلتصق به أكثر وهي تقول بتوسل:.
أنا أسفة طيب، أوعدك مش هعمل كده تاني وهقولك على كل حاجة. ماذا يفعل معها، بالتأكيد سيسامحها هي حبيبته مهما فعلت من مصائب..
مازالت تحبس دموعها وهي تجلس على الأريكة تتحسس وجنتها بألم، بينما جلس هو على الفراش يضغط على أسنانه بقوة من عنادها معه الزائد عن الحد، ينظر لها بين الحين والآخر عله يجد نظرة إعتذار منها فيشفق عليها، إلا إنه لم يجد سوي نظرات التحدي والعناد.. إندلعت نيران الغضب بداخله، ليهتف وهو يغلق عينيه محاولا التحكم بأعصابه: - ساااارة. نظرت له بصمت منتظرة ما سيقول، فنظر لها بقوة قائلًا بجمود: - حضري الغدا!
ذُهلت مما يطلبه، أيضربها ويعنفها ثم يطلب الطعام كمن لا يفعل شئ! ظلت تنظر له بإستغراب فعاد يصيح بنفاذ صبر: سمعتي أنا قولت إيه؟ حركت رأسها نافية وقالت بإستفزاز: المطبخ عندك قوم إنت إعمل لنفسك، هو أنا خدامة عندك!؟ هذه المرة سيدفع رأسها بالحائط لتتحطم، لطالما تتحداه بقوة.. نهض من مكانه وإتجه إليها جاذبا إياها من ذراعها هاتفا بصرامة:.
متخلنيش أعمل منك خدامة فعلا، أقسم بالله يا سارة لو ما إتعدلتي لخليكي خدامة بجد وهوريكي، قوليلي وريني وأنا هوريكي فورًا! صمتت وهي تري الشر يتطاير من عينيه، هو لا يتحدث مجرد كلام، فعيناه توحي بأنه على أتم إستعداد لفعل ما يقول... نزعت ذراعها منه قائلة بصوتٍ خافت متألم: ماشي، هروح أحضرلك الغدا..! إبتسم بإنتصار وهو يقول بهدوء مستفز: أهو كده تعجبيني يلا يا دكتورة بس إوعي تحطيلي سم عشان تخلصي مني.
إبتسمت بتهكم ثم خرجت من الغرفه وإتجهت إلى المطبخ، فزفر حسام أنفاسه بقوة وضرب الحائط بقدمه قائلًا بغيظ شديد: مستفزة..
بعد مرور الوقت.. إنتها إسلام وجميلة من تناول وجبة الغداء بصحبة صغيرتهما.. بينما أحضرت جميلة الشاي وجلست معه بصمت، فسألها بقلق: مالك يا جميلة، مش عجباني من ساعة ما رجعتي من الشغل؟ ظهر الألم جليًا في عينيها، قبل أن تخبره بتنهيدة مؤلمة: - أنا شوفت ماما النهاردة يا إسلام.. سألها مرة أخرى بتعجب: شوفتيها فين؟! قالت بخفوت: في الشركة في مكتب عمي.. وبعدين، قالها مستفسرا..
لتستكمل جميلة في ضيق: مكنتش أعرف إني هتعب نفسيا كده بجد، يوم ما فاطمة وسارة قالولي مش هنقابلها عارضتهم وقولتلهم لا هقابلها وهسمع منها بس معرفش إنها هتفكرني بكل السنين والالم اللي عشناه ده! مسد إسلام على شعرها في حنو ثم قال هادئا: ده شئ طبيعي على فكرة بس أنا متأكد إنك لو شوفتيها مرة تانية وتالته الاحساس ده هيقل تدريجيا ومع الوقت هيختفي، بس أهم حاجة متزعليش كده كل شئ هيتحل.
أومأت برأسها وقالت: عندي إحساس بكده بس اللي متأكدة منه إن فاطمة وسارة مش هيسامحوها إذا كنت أنا تعبت جدا هما هيعملوا إيه، بصراحة معاهم حق في كل اللي قالوه كان يسمعها بصمت تاركا إياها تفرغ من صدرها كل ما يؤلمها، في حين تابعت هي وقد تلألأت عينيها بالعبرات:.
إحنا إتعذبنا أوي يا إسلام، في وقت مكنش فيه حد بيسأل فينا، إنت متخيل إنك تعيش مع أب قاسي جدا وأم سلبية جدا جدا، وفي الاخر ترميك وتمشي ويجي أبوك يلطش فيك ويهينك بدون سبب وكل ده ليه؟ عشان إحنا بنات وهو عاوز صبيان يعني شئ ملناش أي دخل فيه!، نفسي أعرف بيخلفونا ليه طالما هيمسحوا بكرامتنا الأرض بيخلفونا ليه!
جذبها إليه وقد ربت على ظهرها في حنان متابعا: كل شئ هيبقي كويس يا جميلة، مينفعش تقولي بيخلفونا ليه لأن دي إرادة ربنا يا حبيبتي، وبعدين يعني مش إنتي ديما تقوليلي ربنا عوضني بيك، معني كده إنه ربنا كريم صح؟ هزت رأسها بتأكيد، ثم تابعت وهي تتطلع إلى عمق عينيه: وأنت اللي داويت جرحي أصلا، ربنا يباركلي فيك ولا يحرمني منك.
إبتسم لها قبل أن يردف بمزاح: ولا يحرمني منك يا جميلتي بس ده ميمنعش إني عاوز أكُل بسبوسة بالقشطة والمكسرات لأزعل وأجيب ناس تزعل ضحكت بشدة ثم قالت من بين ضحكاتها الرقيقة: من عنيا يا سولي.
في اليوم التالي.. كان مندمجا في عمله الذي تراكم عليه حيث أنه لم يأتي أمس.. في حين دلف والده بعد أن طرق الباب يقول بجدية مُصطنعه: أهلا أهلا بالباشا اللي سابني محتاس إمبارح وقعد في البيت. تراجع كريم بالمقعد قليلًا وهو يقول بحسرة: يارتني ما قعدت، حرام عليك يا بابا كل ده شغل!
ضحك بشدة ثم هتف: أعمل إيه بقولك كنت محتاث إمبارح والشركة بقت فوضي مش عارف مين داخل ومين خارج، شايف دلوقتي عاملة إزاي كله محترم نفسه. ضحك كريم قائلًا بإندهاش: ليه هو حصل إيه إمبارح.. إبراهيم بجدية: حصل هرجلة وعدم نظام، إنت حاكمهم وشاكمهم بصراحة، محدش بيخاف مني أبدا. كريم مبتسما: عشان طيب يا أبو خليل، الكل بيحبك وعشمان فيك، ربنا يباركلنا في عمرك.
إبراهيم بهدوء: ويباركلي فيك يا أبو الكرم، المهم عاوزك تكلم الواد حسام ده، عشان أنا لو كلمته بجد هطين عشته، إزاي الواد يضرب البت كده ولا كأن ليها أهل. تنهد كريم وقال: إهدي يا بابا أنا فعلا كنت ناوي أكلمه بس أكيد سارة إستفزته ماهو مش هيعمل كده من فراغ.. إبراهيم بنفي: لا ده عمتك كلمتني وبتقولي إنه حابسها في البيت وضربها تاني، وعشان هو صاحبك كلمه إنت تمام؟
أومأ كريم برأسه وقال متنهدا: حاضر يا بابا هخلص شغل وأروحله الشركة عشان مبيردش على تلفوناتي.. نهض والده قائلا بجدية: تمام يا كريم، يلا أنا كمان هشوف شغلي... خرج وأغلق الباب خلفه، فمط كريم شفتيه وحدث نفسه وهو يتابع عمله: كان مالي ومال العيلة دي ياربي، مش كفاية عليا بطتي المجنونة.. تفاجئ بالهاتف يصدح عاليا، فنظر إلى الشاشة ليفتح فاه بذهول قائلًا: مش ممكن بتيجي على السيرة..
فتح ورد عليها بهدوء: خييير يا بطتي. آتاه صوتها الحبيب تقول بنبرة دافئة: وحشتني خالص.. ضحك وقال: وإنتي كمان، ها إنجزي عشان عندي شغل.. ردت بتذمر: حاضر، ممكن يا كريم أدخل عند هالة ولا ممنوع برضو؟ كريم بنفاذ صبر: هتدخلي تعملي إيه يا بطتي؟ أجابته بجدية: هشرب نسكافيه وأكل بسبوسة بالقشطة من اللي جميلة عملتها إمبارح، أصلها سابتلي نصيبي منها عند هالة وهالة مش راضية تدهوني فأنا هدخل أكله وبعدين...
قاطعها بصياح: باااااااااااااااس، وربنا حرام كل ده كلام، إدخلي يا حبيبتي إدخلي وسبيني أشوف شغلي سلااام.. مطت شفتيها وتابعت بإستغراب: بتزعقلي ليه دلوقتي، أنا ضايقتك في حاجة؟ قال بنفي وهو يغلق عينيه بشدة: لا هو أنتي بتضايقني، أنتي ملاك بجناحات يا بطتي يلا يا حبيبتي قومي كلي البسبوسة سلام. ضحكت برقة وقالت بدلال: هشيلك حته يا كيمو. أردف بنفاذ صبر: ماشي يا بطتي سلام.
ثم أغلق الخط وهو يضحك بشدة، بينما نهضت فاطمة قائلة بتذمر: مافيش مرة أكلمه إلا لما يقفل في وشي ماااشي يا كرميلة.. إتجهت صوب الباب وفتحت، وما إن خرجت حتى وجدتها تهبط الدرج، فتجاهلتها فاطمة وكادت لتتحرك لكنها وقفت حين سمعتها تقول عبر هاتفها: أووه مقولكيش بقي يا مها على الناس البيئة اللي بتتخانق مع سواقين الميكروباصات بجد فيلجر خالص. إلتفتت لها فاطمة تحدجها بنظرات نارية في حين تابعت مني بإستفزاز:.
تعرفي بقي إن جوز الناس دي بيقول عليها بلطجية، بجد حاجة تقرف.. تحاملت فاطمة على نفسها وتجاهلتها مرة ثانية حتى لا تفعل مشكلة مرة أخري، بينما الأخيرة لم تكف عن كلامها المستفز ذاك فقالت متعمدة إستفزازها أكثر: بس يا مها أنا نفسي أدوق الكراميلة أوووي. في هذه اللحظة إتجهت إليها فاطمة وقد رفعت يدها لتهوي بها على صدغها ثم صاحت بغضب عارم: إخرسي يا سافلة!..