رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس( وعد )انتهى الطبيب لتوه من فحصها بدقة كما طلب يوسف في وجلٍ شديد على محبوبتهِ الصغيرة، ألقى الطبيب عليه تعليماته بالراحة التامة والطعام الصحي وبعض الأدوية ك خافض الحرارة وما شابه ذلك.نفّذ يوسف ووفر لها الراحة التامة آملا في معافاتها عاجلًا، عدل وسادتها تحت رأسها في وضعٍ مُريح وهو يميل عليها قليلًا سائلاً إياها باهتمام ونبرة حملت في طياتها فيضا من الحنان:- أحسن دلوقتي يا روما؟هزت رأسها إيجابا وأجابت بصوت رقيق:- الحمدلله كويسة يا يوسف..منحها ابتسامة راضية وهو يقول مرددًا:- يارب دايمًا يا روح يوسف، شوفتي أخرة لعبك تحت المطر عمل فيكِ إيه؟زفرت بإرهاقٍ بينما تردد متذمرة بغضب طفولي:- خلاص بقى يا يوسف مش إحنا انتهينا من الموضوع دا؟ضحك قائلًا بغمزة:- خلاص من غير عصبية بس، براحة عليا يا رومتي أناااابتسمت رغمًا عنها وهي تشيح بوجهها للناحية الأخرى، فتابع يوسف متنهدًا بحب:- عاوزك تخف عشان كتب الكتاب يا جميل..عادت تنظر له بشرود وقد لمعَ الحُزن بعينيها الصافيتين، كشر يوسف عن جبينه مخبرًا إياها بهدوء صارم:- مريم، مش عاوزك تقلقي من حاجة خالص، ماحدش يقدر يقرب منك ولا يزعلك، ثقي فيا يا روما.. ممكن؟أومأت موافقة وهي تقول بمشاكسة:- ممكن يا سيدي، ها هنروح نجيب الفستان إمتى؟ضحك وأخبرها:- أما تخفي يا قلبي..قالت في سرعة:- خفيت بقى أنا عاوزة الفُستان أحمر ويكون حمالاته رفيعة وضيق من فوق ونازل بوسع من تحت و...بتر عبارتها حين قال بملامح متجهمة:- حمالات؟ وضيق من فوق؟ وكمان أحمممر؟! مين قالك إنك هتلبسي فستان يكشف منك حاجة أصلا؟حاولت الاعتدال فلم تستطع.. وتابعت بغيظ رغم ارهاق صوتها:- ليه ؟تابع بجدية حازمة:- عشان أنا مش عاوزك تلبسي كدا، إلبسي حاجة محتشمة وهادية دا كتب كتاب عائلي مش فرح العمدة هو يعني يا روما!لم ترضيها كلماته لتردف بضيق شديد:- لا عاوزة فرح وهلبس الفستان اللي يعجبني يا يوسف، دا كتب كتابي أنا وأنا حرة أنت مالك؟!رفع أحد حاجباه متابعا بلهجة صارمة:- دا كتب كتابك لوحدك؟ ما أنا اللي هكتب عليكِ يا روحي، يعني الكلمة اللي أقولها تتسمع وتتنفذ فاهم يا جميل؟أومأت سلبًا وقالت:- مش فاهمة، مش هسمع كلامك أساسا.ضيق عيناه بمكر وهو يقترب منها هامسًا بتنهيدة عميقة:- ممم خلاص أوك، مالكيش دعوة بيا بقى لمدة شهر كدا على الأقل، وتنسي يوسف خااااالص خاااالص!رمشت عدة مرات قبل أن تقول بقلة حيلة ؛- مش عاوزة ألبس فستان مين قالك إني هلبس؟.. وياريت منعملش أي دوشة كدا ويبقى عائلي...كتم ضحكاته بصعوبة وهو يهمس غامزًا بغزل:- أحبك وأنت بتسمع الكلام.. مش هتقولي كلمة حلوة كدا قبل ما تنام؟- أنت بتقول شعر يا يوسف؟- حد يقعد مع الحُب وميقولش شعر دا حتى يبقى جبلة!زفرت بضيق رغم مزاحهُ، ليضحك قائلًا ؛- فُكي بقى يا روما، وبطلي دلع عاوز أروح الشغل همام هينفخنيارتعشت ما إن قال جملته الأخيرة، ليظهر الخوف جليًا بعينيها وهي تقول:-يوسف أنت هتسبني وتمشي؟تنهد قائلًا برفق:- والله يا حبيبي لو عليا مش عاوز أسيبك خالص بس أعمل إيه في شغلي بس..ترقرقت عينيها بالعبرات، ثوانِ معدودة وكانت تجهش في بكاءً ناعمًا هز قلبه وحرك مشاعرهُ الخامدة، بينما دقات قلبهُ تتقافز في سرعة وهو يطالعها بابتسامة عذبة اِفتر ثغره عنها، وراح يقول بهدوء:- ليه البكاء دلوقتي يعني؟!فقالت من بين دموعها:- أنا هخاف أقعد هنا من غيرك، عشان خاطري خليك جنبي عشان خاطري يا يوسف..ماذا يفعل معها؟ تدللت وانتهى الأمر.. فليذهب العمل للجحيم وكُل شيء يذهب معه، سيبقى معها ولأجلها...ووالده؟فلينتظر إذن.. هكذا حدث نفسه، ثم قال بصوت يحمل في طياته عواطف قوية:- يولع الشغل يا حبيبتي، إن شاء الله حتى أبويا يرفدني وأشحت على باب السيدة فداك يا قمر، المهم مشوفش الدموع دي أبدا..ابتسمت له ابتسامة عاشقة تعبر عن مدى سعادتها ثم وبدون سابق إنذار تعلقت بعنقه قائلة بفرحة عارمة:- ثانكيو يا حبيبي، ربنا يخليك ليا جدا..يوسف وقد تصنع الجدية في قوله:- يخليك ليا جدا؟ أنتِ لسه سخنة أكيد، ممكن بس تفكي ايدك عن رقبتي عشان أنا بنهار دلوقتي؟بالفعل تركته بخجل وقد أغمضت عينيها قائلة:- أسفة.للحظة تاه في ملامحها الذي يعشقها بشدة وكاد يقترب أكثر فأكثر،لكنه توقف قائلًا بأنفاس متسارعة:- اللهم أخزيك يا شيطان!هب واقفًا عن مجلسه وهو يقول بزفرة قصيرة:- خمسة هعتذر لهمام وراجع وبالمرة أشم شوية هوى بدل ما أطب ساكت..توجه إلى الشرفة وضحكاتها الناعمة تلاحقهُ، ليحدث نفسه مغتاظًا:- اه يانا من دلالك..آتاه صوت والدهُ عبر الهاتف شاتما، فتنحنح يوسف وقال بتهذيب قدر استطاعهُ:- إحم.. ليه كدا يا حاج همام؟ بتشتم ليه دلوقتي؟فقال والده مزمجرًا:- أنت فين يا زفت لحد دلوقتي، بتستهبل يعني ولا إيه؟يوسف وقد حك صدغه بإبهامه متابعا:- أشكرك، أنا في البيت.. أنت متعرفش إيه اللي حصل أصلا!والده باهتمام رغم انفعاله:- حصل إيه؟فقال يوسف مُهولًا الأمر:- مريم يا بابا مريم، أسكت أسكت متعرفش إيه اللي حصلها!والده وقد قال بقلق بالغ:- مالها يابني مريم، انطق جرى لها إييييه؟أخبره يوسف بهدوء حزين:- تعبت أوي، فجأة سخنت واحمرت ووشها بقى أصفر زي اللمونة!والده بنفاد صبر:- هااا وبعدين؟- جبتلها الدكتور- وقال إيه- شوية برد متقلقشأطلق والده سباب بعنف وهو يهتف غاضبا:- لما أشوفك يا إبن تهاني، وقعت قلبي يا جزمة، بقولك إيه خمس دقايق وتكون عندي أنت فاهم؟يوسف وهو يقول ببساطة:- بصراحة كدا وبدون زعل يا حاج أنا مش جاي، اتصرف النهاردة محبكتش يعني، مريم خايفة تقعد لوحدها هنا وأنت عارف إن فيه اتنين مش طايقينها أمي والحرباية التانية دي.. قلبها في دماغك كدا وفكر كويس، قدر جيت وحصل كارثة هترجع تقول ياريت اللي جرى ما كان صح؟تابع والده وهو يصر على أسنانه بقوة:- اترزع يا يوسف بس والله ما أنا عاتقك خد النهاردة بمزاجي ها، وبكرا لينا كلام تاني!ابتسم يوسف وقال مراوغا:- أنا محتاج أجازة عشان أنا عريس وكداأغلق والده الخط بنفاد صبر في وجهه،ليضحك يوسف مقهقها ويخرج من الشرفة إلى الغرفة هاتفا بمزاح:- أي خدمة يا روما، همام إداني إفراج أخيرًا بس مسخرني أخر مسخرة.ضحكت قائلة بنعومة:- معلش يا حبيبي، لما يجي عمو هقوله أنا اللي قلت لك..يوسف بمرح:- إذا كان كدا ماشي يا رومتي... بعد مرور إسبوع..حفل عائلي بسيط للغاية، موسيقى هادئة، حركات ساكنة، وهناك ابتسامات راضية... ونظرات شرسة حاقدة!كان يوسف في سعادة عارمة، وفرحة تغمر قلبه المتقافزة دقاته عشقًا..فاليوم.. مميز.. رائع.. مبهج.. تمناهُ طويلًا..صغيرته التي تربت على يده ستُكتب اليوم على إسمه، ستكون زوجته وهو قد وعدها أن لن تفارقها الابتسامة يومًا...لكن يبدو أن الصغيرة تبكي اليوم، وتبدو عيناها حزينتان تترقرقان بالعبرات، رغم جمالها الآخاذ وأناقتها وطلتها المُتألقة في فُستانها المُحتشم صاحب اللون الأحمر القاني!تشعر أنها وحيدة.. لم تكن والدتها جوارها ولم يكن لها شقيقة.. ولم يكن لها أب يضع يده في يد حبيبها.. تلك الأشياء الهامة التي افتدقتها للأبد تركت أثرًا بقلبها الصغير...جففت عبراتها سريعًا وهي تحاول ضبط هيئتها، وراحت تعدل من خصيلات شعرها الناعمة وهي تغتصبُ ابتسامة على شفتيها..طُرق الباب ودق قلبها معه، نهضت واقفة فقد علمت أن الآتي هو..فتح الباب وولج بكامل أناقتهُ المعهودة، افتر ثغره عن ابتسامة سعيدة وهو يتقدم منها بهدوء، وما إن لمح الحُزن بعينيها تلاشت ابتسامتهُ فورًا، وراح يسألها في لهفة:- مريم أنتِ بتبكي؟حركت رأسها بنفي، ثم أخبرته هامسة:- أبدًا يا حبيبي، دا أحلى يوم في عمري هبكي إزاي؟لم يقتنع بقولها، ليقول بإصرار:فيكِ إيه يا مريم؟ هتخبي عليا؟ أنتِ زعلانة من حاجة وجدا كمان!نظرت إلى الأرض بصمت وهي تجاهد في حبس عبراتها التي هددتها سريعًا بالإنفجار، لتقول بصوت خافت للغاية:- مافيش، كان نفسي ماما تبقى معايا في اليوم دا، زيي زي كل البنات.. بس خلاص ماتشغلش بالك يا يوسف، أنت كفاية أوي وبمجرد ما شُفتك دلوقتي كل حاجة بقت كويسة..أخبرها يوسف بنبرة واعدة محملة بالدفئ:- أوعدك إني أعوضك عن أي حاجة يا روما، واثقة فيا ولا لا؟أومأت بلا تردد قائلة:- واثقة أوي يا يوسف.. وأنت واثق فيا؟ضحك بخفوت مقلدًا صوتها:- واثق أوي يا مريم..استطردت بنبرة جادة:- مهما حصل يا يوسف هتفضل واثق فيا، وهتفضل تحبني بنفس الدرجة، أوعدني يا يوسف..- أوعدك يا روما، أوعدك بجد..أخبرها بوعده ثم تابع في مزاح:- شوفي حتى كسرتي كلامي ولبستي الأحمريكا!مطت شفتيها متابعة في تذمر:- ما هو محتشم أهو يا يوسف، الله!- لينا كلام تاني بعد كتب الكتاب على فكرة!غمز لها بنبرة ذات معنى جعلها تتورد خجلًا بشدة وراحت تتأبط في ذراعه وخرجا معا من الغُرفة، ثم هبطا الدرج حيث والده.. ووالدته وشقيقته وبعض المقربين مثل خالته ونهال.. التي بكّت بالفعل على تلك الزيجة.. بينما ترمق خالتها بعتاب، حيث سيتم عقد القران ولم توفي بوعدها بعد بإفساد علاقتهما!تم عقد القران رغمًا عن تهاني، وبرضى تام من والده وشفيقته يُسر التي سعدت لسعادتهما..لتبقى مريم زوجتهُ رسميا وشرعيا..ويبدو أن افساد لحظاتهما الأولى معا قد أتى، حين تقدم منها أحد الخدم وبيده باقة من الزهور قائلًا:- الورد دا عشانك..تعجبت مريم وهي تلتقطه بيدها قائلة بابتسامة عفوية:- مين اللي بعتلي وردبينما وقعت عيني يوسف على الكارت الموضوع داخل الباقة ليقوم بجذبه ثم قراءته، وتتوسع عيناه في دهشة وهو يقرأ محتواه:- ألف مبروك يا روما، يا بختهُ بيكِ...ثم توقيعه أسفل الكلام! .
رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس( حلوى الحياة )مازالت الدهشة تُسيطر على قسمات وجهه التي وهجت بالغيرة القاتلة، أما عنها فقد ارتبكت وتوترت بشدة وهي ترى تعبيراتهُ غير المُبشرة..لكنها رأتهُ يطوي الورقة ويضعها في جيب بنطاله ثم يبتسم لها بهدوء وكأن شيئا لم يحدث، مما أثار دهشة أمه ونهال، اللتين لم تتوقعا ردة فعله هذه..أين نخوتهُ وهو يرى مباركة من شخصٍ غريب؟ ..اعتدلت مريم في جلستها وهي تهمس بجوار أذنه محاولة انقاذ موقفها:_ يوسف...لكنه أسكتها وهو يسحبها من يدها خارجًا بها إلى الحديقة، سار بها عدة خطوات حتى وقف أمام شجرة ما، راح ينظر إلى عمق عينيها متسائلًا بلهجة صارمة:_ مين دا؟..صمتت مريم حينها وأطرقت برأسها في خوف، فركت كفيها معا في توتر بالغ ولم تجد إجابة مناسبة.. تعلم أنه سيغضب ومن الممكن أن يعاقبها..تابع مرة أخرى في هدوء حازم:_ كنت هقول إن دا ملعوب من اللي في بالي، لكن لما شفت تعبيرات وشك يا مريم قلت لا، أنا عارفك كويس، قوليلي مين دا يا مريم!؟رفعت رأسها إليه مجددًا، وراحت تقول بنبرة خافتة:_ دا واحد معايا في الجامعة، من أول يوم وهو بيضايقني، وامبارح لما رحت وعرفت صحباتي إن كتب كتابي بكرا وهو سمع وباركلي و..._ باااركلك!هتف بها بصوت أرعبها وجعلها تنكمش على نفسها بوجل، بينما يستطرد بغضب عارم:_ بيضايقك من أول يوم وساكتة؟! ليه مقولتليش؟حركت كتفيها بعفوية مع قولها المتلعثم:_ ماحبتش أضايقك يا يوسف والله، أنا أسفة..فاجئها بقوله القاسِ حين هتف:_أسفك مش مقبول يا مريم، أنتِ إزاي تخبي عليا حاجة أنتِ عارفة كويس إنها هتضايقني جدا، وأديني عرفت! وقوليلي بقى الزفت دا يعرف عنوانك منين؟!حركت رأسها سلبا وقالت بصدق:_ مش عارفة..التفت مولّيها ظهره بعصبية تامة وهو يزفر أنفاسه بغضب جلي، بينما دمعت عيناها حزنا على ليلتها التي تعكرت في غمضة عين، والأصعب غضبه هو منها ونظراته المعاتبة التي أوجعتها..راحت تواجهه، التفتت إليه وعانقته بدون مقدمات وقد تعالت شهقاتها معتذرة:_ أنا أسفة إني خبيت عليك، بس أنا معرفش إنه هيعمل كدا، حقك عليا يا يوسف..ويبدو أن قلبه لم يرق كعادتهُ معها، يبدو أن الغيرة قضت على رفقه بها الآن والغضب حل مكانه..لذا أبعدها عنها بحزم وهو يخبرها:_ لازم تعرفي يا مريم إن مش كل حاجة هسامحك فيها، أنا قلت لك قبل كدا اللي يغلط لازم يتعاقب، مش معنى إني بدلعك دا يديكِ الحق تخبي عني، ومعنى إنك خبيتي مرة يبقى هتخبي كل مرة...بينما كانت نبرتها منكسرة وهي تسأله ببراءة:_ يعني هتخاصمني؟هز رأسه مؤكدا ذلك وهو يُخبرها بقسوة:_ أيوة، وخصام طويل، ودلوقتي مش عاوز عياط ولا عاوز حد يلاحظ حاجة مفهوم ولا لا؟لم ترد عليه بل كانت غارقة في بكائها، فكرر بصرامة أشد:بقول بطلي عياط!أخذت تمحي عبراتها سريعًا عن وجنتيها، بينما أخرج منديل من جيبه وراح يمسح دموعها بملامح جامدة وما إن انتهى قال بصيغة آمرة:_ يلا إدخلي..دخلت أمامه مطأطأة الرأس عائدة إلى حفلها البسيط بغير نفس، وكذلك هو، كان حازما معها ورُبما بالغ في ذلك، لكنه حقا تمزق قلبه من شدة غيرتهُ، صغيرته ومن غيرها يسكن قلبه!ليس من حق أحد أن يحادثها أو يدللها غيره.. هو فقط، يعلم أنها نقية كنقاء المياه العذبة تماما.. كما يعلم أيضًا براءتها التي من الممكن أن تودي بها إلى مئازق كثيرة ليس لها نهاية...لم تسلم مريم من همزات نهال وخالتها وضحكاتهما الساخرة الواضحة، ضحكاتهما المغتاظة التي أشعلت فتيل غضبها وجعلت النيران تتأجج في صدرها، اليوم أصبح تعيس للغاية، ليس كما توقعت، ألم يكفي غضب يوسف منها!كيف ستتحمل سخافة نهال تلك أيضًا؟بالطبع لن تتحمل كثيرًا إن لم تكُف هذه عن سخافتها، ويبدو أنها لن تتوقف نهال وتزال تصرُ على مضايقتها، حيث مضت نحوها وتعثرت عن قصد، لينزلق كأس العصير من يدها على فستانها الأنيق...كز يوسف على أسنانه وهو يشاهد الموقف ودماؤه تغلي من شدة غضبه، ولم يكد يتحدث حتى وجد صغيرتهُ تقوم باللازم، حيث جذبت الكعكة المُزينة ودفعتها بوجهها، لتصرخ نهال شاتمة بغل سافر، وتتعالى ضحكات البعض على الموقف..بينما احتقن وجه "تهاني" بالدماء وكادت تهجم عليها بشراسة، إلا أن يوسف بلحظة واحدة كان يحميها خلف ظهره واقفًا أمام والدته كجبلا شامخًا، صاحت تهاني باهتياج وهي تريد الامساك بها قائلة:_أوعى كدا، البت دي لازم تتربى، دي وقحة..هدر يوسف في المقابل:_ هي برضوه اللي وقحة؟.. لكل فعل رد فعل يا ماما، الوقحة هي اللي وقعت عليها العصير وهي خدت حقها كدا يبقوا خالصين..تدخل والده بقوله:_ روحي يابنتي إغسلي وشك الاول، روحي معاها يا تهاني بدل ما تعمى بعنيها ولا حاجة!ركضت تهاني بإبنة شقيقتها إلى الحمام في خوف، بينما قام همام بتعنيف إبنه وهو يقول:_ يوسف، متسوقش فيها، مريم زودتها ازاي تلطخ وش البنت كدا؟أجاب بثبات:_والتانية إزاي توقع عليها العصير كدا؟والده بنفاد صبر:_ العصير مش زي التورتة يابني، كانت جات اشتكتلي وانا كنت بهدلها..استطرد يوسف بحزم:_ مريم مبتشتكيش لحد غيري يا بابا، أنا راضي عن تصرفها، ما هو دا اللي ينفع مع الأشكال دي..والده وقد ارتفع أحد حاجبيه:_ ليه يا أخويا مش بتشتكي لحد غيرك، ولاااااا اتعدل بدل ما أعدلك..يوسف بجدية:_ لا تعدلني ولا اعدلك أنا طالع أنام أحسن وياريت تمشي الناس دي من هنااا عملولي صداع..لم يعطيه الفرصة للتحدث ثانية، جذب مريم معه وصعد بها الدرج، ليقف والده مذهولا وهو يقول بتوعد:_ يا إبن الذين، أخدت غرضك وخلاص مش همك، طيييب يا يوسف يا جزمة إن ما وريتك!وقف أمام باب غرفتها وأشار لها بحزم شديد قائلًا:_ يلا على جوا، غيري هدومك ونامي..زفرت بضيق وهي تناظره بحزن، بينما تردف بدلالها الفطري:_ بس أنا مش عاوزة أنام يا يوسف، عاوزة أسهر معاك دا النهاردة يوم كنت بتستناه ليه عاوز تقلبه تكد علينا يعني؟لم تلين ملامحه وهو يرد عليها بغضب:_ مين اللي نكد على مين؟! أنتِ السبب، إتحملي نتيجة هبلك يا مريم..رأته مصرا على تعكير ليلتهما الخاصة، فأولته ظهرها دون كلمة أخرى وولجت إلى غرفتها وأقفلت الباب خلفها، فتنهد بغيظ من افساد ليلته هكذا... ولج إلى غرفته هو الآخر بحنق شديد وأخذ يدور بأنحائها بصبر قارب على النفاد..توجهت يُسر إلى غرفة شقيقها وطرقت الباب في هدوء، وبالداخل ركض يوسف إلى الباب ظنا منه أنها حبيبته أتت معتذرة مرة ثانية، لكنه وحدها شقيقته، فابتسم لها بحنو وهو يقول:_تعالي يا حبيبتي..ولجت إلى الغرفة وهي تسأله برقة:_ ممكن أتكلم معاك شوية؟أومأ قائلًا بلا تردد:_ طبعا، خير محتاجة حاجة ولا اية؟أومأت سلبًا وهي تخبره:_ بصراحة كدا أنا متابعة الموقف في صمت، وعارفة انك زعلت من مريم وليك حق تزعل منها عشان خبت عليك، بس مريم بتفكيرها بتحاول تبعد اي حاجة تعكر مزاجك عنك وطبعا هي عارفة ان حاجة زي كدا هتزعلك فخبتها عليك..تنهد يوسف بعمق وقال:_ عارف يا يُسر، وعارف كمان هي بتفكر إزاي، لكن لازم أكون حازم معاها عشان متكررش دا تاني، مريم بالبلدي كدا على نياتها أوي وممكن أي حد يضحك عليها، عاوزها بس تركز شوية وموضوع انها تخبي عليا حاجة دا مرفوض تماما وهي لازم تعرف كدا..قالت موافقة على كلامه:_ ماشي بس بلاش عقاب النهاردة يعني، دا كتب كتابكم مش لطيف انكم تبقوا كدا..ضحك يوسف وهو يقول بمزاح:_ ودا بقى عشان مريم صاحبتك فجاية تروقي لها الجو؟أردفت ضاحكة:_ مريم أختي على فكرة مش صاحبتي، وبحبها جداااقرص وجنتها بخفة متابعا:_ وأنا بحبكوا انتوا الاتنين على فكرة..مطت شفتيها متابعة بتذمر مصطنع:_ممم، بس مريم أكتر على فكرة.. ما هي الحُب كله بقى..ضحك مقهقها وهو يخبرها من بين ضحكاته:_ لا أنتِ كمان الحب كله بس أنتِ حب أخوي يا هبلة إنما هي حب من نوع أخر وأنت فاهمني بقا يا صغنن!أومأت رأسها بطريقة مسرحية قائلة وهي تتجه صوب الباب:_أيون عارفة عارفة..مرت ساعة أخرى على يوسف وعقله يُراوده بالذهاب إليها أم مواصلة عقابهُ لها، ولكن هيهات!لن يتحمل.. لن يتحمل خصام صغيرتهُ أبدًا سيذهب إليها بخطواتٍ متعجلة هكذا، ويطرق الباب هكذا.. وينتظر بشوق هكذا أيضًا..!فتحت له الباب بعد قليل بوجه عبوس وعينان متورمتان من كثرة بكائها، تركت الباب وعادت إلى فراشها مرة أخرى، فدخل وأغلق الباب خلفه وسار نحوها وهو يزدر ريقه الذي جف مجرد أن رأها، تلك البيجامة الوردية الطفولية ذات الرسومات الكرتونية أفقدتهُ ما تبقى من ثباته، هي تماما كقطعة الشكولاه الناعمة بعينيه، هي حُلو حياته...زفر بنفاد صبر وراح يستلقى جوراها على فراشها الصغير، فشهقت وهي تبتعد عنه مصدومة من فعلته، إلا إنه ثبتها مع قوله:_ إيه مالك؟ براحتي! أنتِ ناسية إنك اتكتبتِ على إسمي الليلة ولا إيه يا صغنن!زفرت بغيظ وهي تعتدل جالسة وتخبره:_ إيه اللي جابك هنا مش أنت مخاصمني خصام طويل! يلا إمشي..اقترب منها اقتراب مُهلك لمشاعره وراح يُقبل وجنتها بتهمل مع قوله:_ مش قادر.. مش قادر خاااالص..اقشعرت إثر لمستهُ وقبلته لتقول بخفوت شديد:_ مش.. مش ه هينفع كدا، عيب أنت قلتلي إني كدا هبقى رخيصة! ..ضحك بشدة وهو يُقبل وجنتها الأخرى قائلًا بغمزة:_ لا ما ده كان قبل ما نكتب يا عسل، دلوقتي الوضع اختلف..تخضبت وجنتيها بخجل وهي تحدق بعينيه المشعتين حبا مع همسها الدافئ:_ يعني خلاص سامحتني ورضيت عني؟رفع حاجب مع قوله:_ لا هأجل العقاب لوقت تاني، النهاردة استثنائي..ضحكت وهي تومئ برأسها قائلة:_ ماشي..هو غامزًا:_ طبعا أنتِ عارفة إني فشار ولا هعاقبك ولا هتنيل على عيني صح؟هزت رأسها إيجابا وابتسمت بحب، ليتابع بتنهيدة عميقة متأملًا ملامحها بشغف:_ عارفة يا روما، أنتِ حلويات حياتي، سكر وعسل كدا في بعض، إزاي أنا بعشقك بهبل كدا، نفسي أخد منك موقف وأظبطك كدا مش عارف.. بحس إني بعاقب نفسي أصلاااتابعت هادئة بنبرة حانية:_ عشان أنت عارف إني ماليش غيرك.أومأ قائلًا بجدية:_ ماتخبيش عني حاجة تاني يا روما..حركت رأسها موافقة، لكنها توترت قليلاً وهي تقول:_ حاضر..
رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع( غيرته )ومع تأملهُ لملامحها البريئة المُحببة إليه كاد يتعمق أكثر في قُربه المُهلك هذا، إلا أنها أفسدت عليه كُل شيء بقفزها من الفراش إلى الأرض، ثم صياحها بتدليلها الطفُولي:-يوووسف، تعرف كان نفسي في إيه ولسه محققتهوش معاك؟عض شفته السفلى في غيظ، بينما يرمش بعينيه وهو يسألها:- إيه يا قلبي؟افتر ثغرها بابتسامة ناعمة وهي تخبره بعفوية:- هوت شوكلت.صُدمت ملامحه وهو ينهض واقفًا قائلًا بحدة نوعا ما:- نعم ياختي!؟فضحكت بتسلية وهي تستطرد:- أقصد نفسي أشرب هوت شوكلت معاك في البلكونة، خصوصا إن الجو برد والقمر ساطع كدا وحاجة واو جدًا..مسح على رأسه بتنهيدة عميقة وهو يخبرها غامزًا:- إذا كان كدا ماشي..ابتسمت برقة، ثم قالت بامتنان:- ثانكيو يا حبيبي..فُتح الباب فجأةً وولج همام بملامحه الصارمة، وعيناه كانتا متوهجتين بشرر غاضب، ليهتف بصوتهُ الأجش:- إيه اللي بيحصل هناااا؟ وإيه اللي جابك هنا أنت؟وجّه حديثهُ ليوسف الذي أجابهُ ضاحكًا ببساطة:- أنا جيت هنا عشان أصالح مريم، أصل كان فيه بينا تاتش صغير وخلاص متقلقش المياه رجعت لمجاريها..اقترب منه، بينما يرمقهُ بنظراتٍ مغتاظة ثاقبة:- مياه إيه ومجاري إيه يا جزمة أنت، أنت هتستهبل، ماتخلنيش أندم إني نفذت رغبتك، مش عشان كتبت يقبى ليك الحق تيجي هنا كل شوية وبعدين الباب دا ميتقفلش نهائي طول ما أنت موجود فاهم ولا أفهمك؟!يوسف وقد واصل في ضحكاته:- مش عاوزك تفهمني صح، وبعدين أنت متعصب ليه كدا يا حاج همام، ريلاكس من فضلك مجراش حاجة، دي كل الحكاية انها عاوزة تشرب هوت شوكلت بس صدقني!انتقل همام بنظراته إلى مريم، ليقول بغضب بان على ملامحه:- وأنتِ يا هانم، لحد دلوقتي أنا مش عاوز أزعلك ومتضطرنيش لكدا لأنك أمانة في رقبتي، لازم يكون فيه حدود بينك وبين الزفت دا..اختتم جملته وهو يشير له بسبابته، فتنهد يوسف بنفاد صبر وهو يرد عليه:- باباااااا، متزعقش لمريم كدا أرجوووك..رفع همام حاجب مع قوله الحازم:- اتفضل إخرج من الأوضة واسبقني على المكتب عاوزك في شغل مهم.. يلااااايوسف وقد حرك رأسه نفيًا قائلًا بجدية تامة:- مش هينفع دلوقتي، شغل إيه دا السعادي حضرتك، وليلة كتب كتابي اللي اتضربت دي؟!..كز همام على أسنانه قائلًا:- أنا مش هعيد كلامي مرتين، قدامي على المكتب!زفر يوسف بعنف واصطحب صغيرتهُ معه خارجًا من الغُرفة، بينما يستطرد همام بحنق:- أنت يابني!.. بقول عاوزك في شغل!يوسف بلا مبالاة:- تمام يا بابا في إي؟أغمض همام عينيه بصبر وهو يشتم بخفوت، في حين انفجر يوسف ضاحكاً متابعا من بين ضحكاته:- سامعك على فكرة!بعد عدة دقائق بالمكتب الخاص ب همام..انتفض يوسف في جلسته وهو يقول بضيق شديد:- أسافر إزاي وأسيب مريم؟أردف والده بهدوء استفزه:- زي الناس دا شغل يا أستاذ، مريم هتكون معايا مينفعش تخاف عليها وهي معايا..رفض يوسف قائلًا بجدية:- لا.. مستحيل أسيب مريم لوحدها.وأكدت مريم على ذلك حيث قالت بحزن حقيقي:- لا يا عمو بلاش عشان خاطري، مش هقدر أعيش من غير يوسف.!زفر همام بحدة وهو يرمقها بنظرة جامدة مع قوله:- بطلي دلع يا مريم، إيه مش هنشتغل بقى ونقعد في البيت عشان حضرتك مش قادرة تعيشي من غير سي يوسف بتاعك؟!تشنجت واختنق صوتها وهي تقول:- أيوة، مش بقدر أعيش من غيره، مافيش حد بيحبني غير يوسف في الدنيا دي، أعيش من غيره إزاي؟.. ياريت حضرتك تسافر أنت..لقد نفد صبر همام الذي قال بصرامة شديدة:- طب أنا هشوف كلامي هيمشي ولا لا يا يوسف أفندي، عاوز كلامي ميتنفذش، فاهم؟!نهضت مريم وبرحت الغرفة راكضة إلى غرفتها وهي تبكي...أما عن يوسف فقد نهض هو الآخر قائلًا بجدية:- براحة شوية عليها يا بابا، قلتلك مابحبش حد يزعلها حتى لو كان أنت، هي عملت إيه يعني؟.. هي بتقول اللي حاسة بيه وبعدين أنت من إمتى بتزعقلها كدا، مش دي اللي دايمًا بتوصيني عليها؟..استند همام بظهره على ظهر كُرسيه، ثم واصل في هدوء صارم:- أنا مش بزعقلها يا أستاذ، هي لازم تفهم إن الدنيا مش زي ما هي عاوزة وإن الشغل ليه حق عليك زي ما هي ليها حق عليك، وأنت لازم بنفسك تفهمها كدايوسف بتفهم:- أنا بفهمها بس أنت مش مديني فرصة!.. وبعدين لو ماما كانت بتعاملها كويس من زمان مكنش دا بقى حالها ولا كانت إتعلقت بيا كدا، أنت في شغلك على طول وهي مش لاقية غيري شيء طبيعي يعني هتعيش مع مين؟.. فمتلومش عليها! وعلى العموم يا بابا أنا هسافر وهعملك اللي أنت عاوزه بس مريم هسيبها أمانة معاك وأنا مطمن لأن هي أصلا أمانة في رقبتك من زمان..ما إن أنهى حديثه برح غرفة المكتب في هدوء، وراح يصعد الدرج فتقابل مع " نهال".. ليتجاهلها ويصعد قاصدًا.وتزداد نظراتها حدة وشراسة محملة بالتوعد..كان بشرفتها تبكي في صمت وهي تحتضن نفسها بكلا ذراعيها وترتجف قليلًا، دخل يوسف في صمت يراقبها بابتسامة هادئة، لم يمل منها يومًا، كما لم يغضب إلا قليلًا.. يعلم أنها مدللة حد الهلاك.. لكنه يعشقها. بكُل ما تحمل من عيبٍ وميزة.. هو يعشقها!شعرت بذراعيه يحتضناها من الخلف وبه يتكئ بذقنه على كتفها، وهي استدارت فورًا تسأله بتلهف من بين دموعها:- أنت هتسافر؟صمت قليلًا وهو يجيب عليها بحذر:- يومين بس، وهكون عندك في التالت، وأنا واثق إنك هتقدري تقعدي من غيري، مع بابا ويُسر.. وهتروحي كمان الجامعة وهتواصل أنا معاكِ فيديو يعني الحكاية سهلة وبسيطة خالص..نكست رأسها للأسفل غير راضية عما يقول، فتابع بابتسامة حانية:- عشان خاطري بلاش زعل، هو مش مريم كبرت ودخلت الجامعة؟ إزاي عقلها صغير كدا!؟رفعت رأسها إليه مرة أخرى قائلة بغضب:- أنا عقلي مش صغير، أنا بحبك فهمت؟ضحك وأومأ برأسه قائلًا:- فاهم، وأنا كمان بحبك أكتر وأنتِ عارفة يا روما، بس فعلا عندنا شغل كتير ولازم أسافر بنفسي ولو كان ينفع أخدك معايا كنت أخدك، بس وعد عليا يا ستي لما أفضى خالص هاخد أجازة طويلة ونسافر مع بعض، أنا وأنتِ لوحدنا والمكان اللي تقوليلي عليه كمان..زفرت زفرة قصيرة قبل أن تخبره بضيق:- أنا مش عاوزة حاجة ولا عاوزة أسافر، وبعدين وجودك جنبي بيغنيني عن كل الحاجات دي، بس خلاص أنا مش هقدر أكون عقبة وأقف في طريقك وأعطلك عن شغلك..، بس ياريت تقولي أتصرف إزاي مع مامتك في غيابك؟مسح على وجنتها بهدوء وهو يقول مبتسما:- سيبي الموضوع دا على بابا، هو مش هيخليها تكلمك خالص وانتِ عارفة أنه مش بيقدر على زعلك برضوه ويحبك.أومأت برأسها وقالت:- ماشي، تروح وتيجي بالسلامة يا يوسف.اقترب بوجهه من وجهها وهو يهمس بحنان:- مش من قلبك على فكرة، لسه زعلانة أنتِ يا رومتيحركت رأسها نافية وأردفت:- مش زعلانة، صدقني..تابع في مرح:- طب إثبتي لي إنك مش زعلانة.نظرت إلى عينيه وابتسمت قائلة:- أعمل إيه طيب؟- حضن..قالها وغمز، فتوردت بخجل وهي تمنحه إياه بدون تردد، فيضحك بخفوت وهو يخبرها بصدق:- أغلى حاجة في حياتي..صباح يوم جديد، يوما مشرقا قد شعشع فيه ضوء الشمس ناشرا دفئه في كل مكان..ارتدت مريم ملابسها في حيوية استعدادًا للذهاب إلى جامعتها، ثوانِ وطرق بالباب فعلمت أنه يوسف، حتى طرقاته على الباب تعلمها وتُميزها..قالت هاتفة بنبرة مرحة:- إدخل..فتح الباب وولج مبتسما بإشراق بينما يقترب طابعا قبلة فوق جبهتها قائلًا بغزله المعتاد:- صباح الورد على الورد، أخبارك إيه نمتي كويس؟أجابته قائلة:- أيوة نمت كويس..شرعت في تمشيط شعرها ما إن أنهت جملتها، فجذب منها فُرشتها وقال بمشاكسة:- هسرحهولك أنا..تركته مستمتعة بذلك، وبدأ يمشطه بهدوء وتركيز، كأنه عملا هاما للغاية..كانت الابتسامة تملىء شدقيها وهي تراقب تعبيرات وجهه في المرآة، بينما يقول بحماس:- هعملك ضفيرة..تركته أيضًا يفعل ما يروق له، وظلت تراقبه فقط، حتى انتهى بعد مرور وقت ليس بقليل، لكن كانت النتيجة مبهرة والضفيرة في غاية الآناقة..- ها إيه رأيك يا روما؟- تحفة يا حبيبي...أجابته وهي تتلمسها بيدها ثم تستدير له متابعة؛- تسلم إيدكمنحها ابتسامة، ليسأل بعدها:- فين بوكيه الورد بتاع امبارح يا روما؟مطت شفتيها وهي تسأله باستغراب:- ليه؟- عاوزه!تأففت وهي تجيب قائلة:- ليه هو احنا مش خلصنا يعني؟يوسف بحزم رفيق:- بطلي لماضة وهاتيه ويلا هتتأخري على الجامعة خليني أوصلك قبل ما أروح الشركة..أسرعت تجذبه وأتت به قائلة بتذمر:- أهو..ثم تسأله ؛- هتسافر إمتى بالظبط؟أجابها؛- هخلص شغل في الشركة وهجيلك زي كل يوم أوصلك البيت وبعدين أسافر..أومأت في هدوء وخرجت معه وهي تعود تسأله باستغراب:- أنت واخد الورد معاك ليه طيب؟قال بإيجاز:- هقولك بس اصبري .ركبا معا سيارته وانطلق بها، وقف أمام جامعتها بعد مدة قصيرة من الزمن، ترجل من سيارته وهي كذلك..دنى منها وهو يسألها بجدية:- هو فين بقى؟احتدت ملامحها قليلًا وهي تسأله بقلب واجل:- هو مين؟!- صاحب الورد دا، شاوري عليه يلاوقفت مرتبكة وتملكتها حالة من الخوف الشديد، لتقول بقلب خافق بشدة:- بلاش يا يوسف، بالله عليك عشان خاطري..أغلق عينيه لثوان ثم أعاد فتحهما مع قوله الصارم:- مريييم، إسمعي الكلام، هو فييين!وبعد محاولات أشارت له عليه، فاقترب منه بعينين جامدتين حادتين...والأخير كان موليه ظهره، فوضع يوسف يده فوق كتفه قائلًا بجدية:- لو سمحت..التفت الفتى له وهو يقول باستغراب:- أفندم..رمقه بنظرة ساخرة أولا، ثم رفع باقة الزهور بيده وراح يدفعها بوجهه قائلًا بصرامة قاتلة:- مريم مش بتقبل الهدايا...