تعالت أصوات الزغاريد، في منزل ميار وطغي على المكان البهجة والسرور، لتفرح القلوب والأخص قلب ميار الذي يكاد أن يطير فرحاً، إرتدت فستان رقيق به ورود أرق وطرحة طويلة إختارتها لها دعاء، ولم تتزين أو تضع أي مستحضرات تجميل، فكان وجهها برئ يزينهُ الفرحة الطاغية عليه، وقفت آمام المرآة تفرك يديها بخجل، وهي تقول بتوتر: أنا مكسوفة أوي يا دعاء إبتسمت دعاء بهدوء وإقتربت تقول وهي تربت على كتف رفيقتها:.
ده شئ طبيعي يا مرمر، أنتي بس إذكري الله كده وروقي وإن شاء الله هتهدي.
أخذت ميار نفساً عميقاً ثم زفرته وهي تردد بعض الأذكار، لكنها إزدادت توتر حين سمعت جرس المنزل، معلناً عن وصول العريس بصحبة أمه، وكذلك محمود بصحبة أمه، وبعض الجيران الساكنين بجوارهم، دلف الجميع يهنون، حتى، إمتلئ المنزل، فإقترح الشيخ سعيد أن الرجال تجلس في الصالون والنساء في الغرفة حتى، يكون فيه إرتياح أكثر، وبالفعل إنفصل النساء عن الرجال في غرفة خاصة بيهن، إقتربت والدة محمد وعانقت ميار بفرحة وهي تقول مازحة: زي القمر يا عروسة إبني ربنا يحميكي.
إبتسمت ميار بخجل وتابعت قائلة: ربنا يخليكي يا طنط أطلقت أم ميار زغرودة عالية، ثم قالت بسعادة: طب ما تسقفوا شوية بقي كده خلونا نفرفش وتفك عن نفسنا.
بالفعل نهضن الفتيات يصفقن بأيديهن ويغنن بمرح، وميار تبتسم بإتساع وكذلك دعاء التي شعرت بفرحة عارمة لصديقتها ميار، وكذلك شعرت وتخيلت أن تكون هي الأخري عروس، كما تخيلت نفسها بالفستان الأبيض الذي يكون حلم لكل فتاة تتمني أن ترتديه ذات يوم، وسرعان ما آفاقت من شرودها وأخذت تتحدث مع رفيقتها وتتمازح معها...
في الجانب الآخر، إقترب محمود من الشيخ سعيد وجلس إلي جواره وقال بتساؤل: يا شيخ أنت مقولتليش إيه الأخبار ورأي دعاء إيه إبتسم له سعيد وقال مازحاً: هات الوالدة وتعالي بكرة بعد العشا مباشرة عشان تتعرف على عروستك ونقرا الفاتحة يا أبو حنفي! شعر محمود وكأنه سيطير في الهواء حالاً من الفرح الذي سيطر عليه في التو، إتسعت إبتسامته وهو يقول متساءلا: يعني هي وافقت عليا؟!
وكزه الشيخ سعيد بخفه وهو يقول ضاحكا: أومال يعني هقولك تعالي وهي رفضت يا أبو حنفي.
حمد محمود ربه سراً، كان إحساسه يتراوح ما بين قبولها ورفضها، ك كثير من الفتيات ينظرن إلي المظهر، ولكنها كسرت له هذه القاعدة وجعلت قلبه يرفرف فرحاً ويرقص طرباً، أغلق عينيه لثوانِ، ثم أعاد فتحها متنهداً بإرتياح شديد وهو ينظر للأعلي وعيناه تنبع منهما الفرحة، وكان الشيخ سعيد يتابعه بعينيه، وهو يبتسم، فهو يعلم أين سيضع إبنته ومع من، يعلم جيداً أن محمود شاب تقي، يخاف الله وسيحافظ على إبنته وسيكون خير زوجاً لها...
في غرفة النساء... وضعت أم محمد المحبس في يد ميار ومن ثم وضعت الخاتم وهي تقول لها بحنان: ألف مبارك يا بنتي ربنا يسعدك وعقبال الليلة الكبيرة ردت ميار قائلة: الله يبارك فيكي يا طنط ويخليكي لينا بينما عانقت دعاء صديقتها وقالت: ألف مليون مبروك ياحبيبتي ربنا يسعدك ديما يارب ميار بإبتسامة: الله يبارك فيكي يا صديقة عمري وعقبالك يا حبيبتي.
تبادلن جميع النساء مع بعضهن التهاني وكذلك الرجال حتى، إنتهي حفل الخطبة البسيط الذي لم يكن متضخم في أحد القاعات الفخمة، ورغم تلك البساطة إلا أنهم جميعاً يفرحون من صميم قلوبهم، لطالما وجدت المحبة والإخلاص!
عاد الجميع إلي منزله، ودلفت ميار إلي فراشها بعد أن أبدلت ملابسها وإغتسلت، فتفاجئت بهاتفها يرن فأجابت على الفور قائلة بهدوء: أيوه يا محمد إبتسم محمد بإتساع وقال: مبروك يا ميار، مش قادر أوصفلك فرحتي اد إيه النهاردة! تنهدت ميار تنهيدة طويلة ومن ثم قالت بسعادة: وأنا كمان يا محمد فرحانة أوي أوي محمد بهدوء: عقبال الليله الكبيره يا ميرو توردت وجنتيها، وقالت بخفوت: إن شاء الله.
أخذ نفساً عميقاً ونهض يقف في الشرفة ورفع وجهه للأعلي حيث السماء والقمر المضئ يزينه النجوم من حوله، شرد قليلاً ثم قال: مبسوطة يا ميار؟ مبسوطة إنك هتعيشي معايا في بيت أمي؟ مبسوطة بالدبلة والخاتم؟ تسطحت على الفراش وهي تقول برقة: مبسوطة جدا أوي خالص ضحك ثم قال متساءلا: من قلبك؟ أومأت برأسها وقالت: من قلبي يا محمد، بقولك إيه ما تنزل من على وداني كده عاوزة أنام.
رفع محمد حاجبيه وأبعد الهاتف عنه وهو ينظر إليه ثم عاد يضعه على أذنه، وقال مازحاً: مين معايا؟ ضحكت ميار وردت قائلة: مديحة شواية قهقه محمد ثم قال من بين ضحكاته: طب صبيلي ميه في الكوباية! تبادلت معه الضحكات وهي تقول: هويلي الأول بالهواية رد بمزاح ولا زال يضحك: الشاي في الغلاية ضحكت بشدة وقالت بصوتٍ لاهث: مش هخلص منك النهاردة تصبح على خير غمز بعينه وهو يقول: وأنتي من أهله يا، يا ميار.
أغلقت الخط لتضع الهاتف على قلبها وهي تبتسم بخجل ومحدقة بالسقف...
جلس محمود على فراشه، بينما دلفت زينب لتجلس قبالته على مقعد خشبي صغير، فقالت بإبتسامتها المُعتادة: عقبال ليلتك يا حودة بادلها الإبتسامة وقال: ربنا يخليكي يا أم محمود زينب بتساؤل: طب قولي بقي، ايه أخر الأخبار محمود بهدوء: الشيخ سعيد قالي إن دعاء موافقة وقالي زرونا بكرة بعد العشا إتسعت إبتسامة زينب وهي تقول: ألف حمد وشكر لله، ربنا يابني يتمم بخير يارب وأفرح بعوضك.
قبل محمود كف والدته وقال مبتسماً: ويخليكي ليا يا ست الكل ربتت زينب على ظهره بحنان، ثم نهضت وهي تقول: تصبح على خير بقا يا حبيبي نام وإرتاح، ثم إتجهت خارجة الغرفة مُتجهه إلي غرفتها، تاركه لمحمود، يشرد مرة أخري في تلك التي خطفت قلبه، بحيائها وأخلاقها التي يتحاكي عنها الجميع...
وأما عن دعاء، فكان حالها لم يختلف عن حال الأسمراني و أصابها الخجل حينما أخبرها، والدها بأنه سيأتي غداً بصحبة أمه لقراءة الفاتحة والتعرف عليها أكثر، فإزدادت توتر وقلق من تلك المقابلة بينهما فهي خجولة إلي حد كبير، ولكنها تريد أن تتعرف عليه أكثر وأكثر رغم أنهما جيران منذ زمن، ظلت شاردة إلي أن غطت في سباتٍ عميق..
في صبيحة اليوم التالي، يوم يحمل في طياته الفرح والسرور، نهضت دعاء عن فراشها بحيوية ونشاط ودلفت إلي المرحاض حتى، تغتسل، ثم بعد ذلك آدت صلاة الضحي وما إن إنتهت وقفت في المطبخ تجهز الفطار، في حين توجه والدها خارج غرفته وهو يسبح وما أن وجدها حتى، قال مبتسماً بمزاح: صباح الخير يا عروسة بادلته بإبتسامة خجولة وهي تقول: صباح النور يا بابا ثواني والفطار هيكون جاهز.
ضحك والدها لخجلها وإتجه إلي طاولة الطعام ثم جلس، يكمل التسبيح ولا زال مبتسماً... أقبلت عليه دعاء بعد قليل وهي تمسك بالصحون وقامت برصها على الطاولة ثم عاودت إلي المطبخ لتحضر بقية الطعام والخبز ووضعت إناء الماء على الوقود، وعادت إلي والدها مرة أخري لتجلس قبالته، فيما قال سعيد بمراوغة: وشك أحمر ليه؟
نظرت دعاء إلي الأرض وإزدردت ريقها بتوتر بالغ وتورد وجهها أكثر، مما زاد إبتسامة سعيد وهو ينظر إلي إبنته بإعجاب فقال متنهداً: والله وكبرتي يا دودو وبقيتي عروسة زي القمر، ثم أكمل مازحاً ؛: وبتتكسفي كمان، ربنا يسعدك يا حبيبة بابا ويرضي عنك خرج صوت دعاء منخفض بشدة وهي تقول بخجل واضح: ربنا يباركلي فيك يا بابا ويخليك ليا.
نهض والدها وهو يقول بعد أن أنهي طعامه: طيب يا دودو هروح أنا بقي الشغل وأسيبك تشوفي ايه وراكي نهضت خلفه مسرعه وهي تقول: الشاي يا بابا على النار طيب سعيد بإيجاز: لا يا حبيبتي كفاية كده لحسن السكر يعلي عليا وأنا عاوز أكل جاتوه بليل مع العريس ضحكت دعاء برقة وخجل وقالت: ماشي يا بابا، خلي بالك من نفسك إبتسم لها بحنان وقال: ماشي يلا سلام عليكم.
ردت عليه قائلة: وعليكم السلام ومن ثم أغلقت الباب لتبتسم بإتساع وتتنقل في أنحاء المنزل لتقوم بترتيبه وتنظيفه لتستقبل فيه الأسمراني مساءاً...
آتي المساء بكل ما يحمل من مفاجآت، حيث أضاء القمر عالياً في السماء، وكان الهواء يداعب الأشجار، كانت تقف في الشرفة بعد أن آدت صلاة العشاء، وظلت تذكر الله حتى، تهدئ من توترها الشديد، وتدعي الله أن يوفقها ويجعل لها القبول، شعرت بحركة جوارها فإستدارت لتجد ميار تقول بمزاح: يا ألف نهار أبيض يا عروستنا ضحك دعاء لتقول بإرتباك: أنا حاسة إني هموت من الكسوف يا ميار.
ربتت ميار على كتفها لتقول: كل البنات كده يا حبي نسيتي كلامك إمبارح ليا إجمد كده يا وحش ده الليلة ليلتك يا معلم دعاء مازحة: ايه شغل التباعين ده أنتي كمان، هو أنا ناقصة يا بت ضحكت ميار قائله: طب يلا ياختي تعالي إلبسي زمان أبو حنفي على وصول هو وطنط زينب دلفت دعاء إلي غرفتها وأغلقت الشرفة وهي تقول: يارب خليك معايا وعديها على خير قهقهت ميار ثم قالت من بين ضحكاتها: يابنتي أنتي راحة إمتحان مالك في إيه.
لوت دعاء فمها وهي تقول: أصعب من الإمتحان ياختي ويلا بقي بره الأوضه عشان هلبس تحركت ميار متجهه إلي الخارج وهي تقول: ماشي يا كبير أنا في المطبخ لو عوزتي حاجة كده ولا كدة دعاء ضاحكة: متحرمش ياختي...
كذلك تجهز محمود، وإرتدي ملابسه حيث كان يرتدي بنطال جبردين من اللون الكافيه، ويرتدي فوقهُ، قميص من اللون البني وحزام وحذاء بنفس اللون وما إن إنتهى وقف يمشط شعره ووضع عليه قليلاً من الچيل المثبت، ثم قام بتعطير ملابسه ونظر إلي نفسه برضا فكانت هيئته مُشرقة رغم سماره وملامحه التي لا علاقة لها بالوسامة إلا أن روحه الطيبة والمرحة تعطيه القبول وكما أن إيمانه بالله وذكره الدائم للخالق يعطيه نور وبشاشة في وجهه والسماح يرتسم على ملامحه...
دلفت زينب ونظر إلي ولدها الوحيد بإنبهار وقالت: الله أكبر يا حبيبي زي القمر ما شاء الله ضحك محمود وقال: قمر مرة واحدة يا أم محمود لا وسعت منك دي والدته بإبتسامة حانية: وأحلي من القمر كمان يا حبيبي يارب يجبر بخاطرك ويسعدك ديما يا محمود يا إبن زينب عانق محمود والدته وهو يقول بهدوء: ربنا يبارك في عمرك يا ماما مسدت على ظهره وقالت بإيجاز: طب يلا بينا بقي نروح للعروسة.
أومأ محمود رأسه وهو يقول متساءلا: طب كده حلو الطقم ده ولا أغير ضربت زينب كف على كف وهي تقول: يا واد بقولك قمر تقولي حلو يلا قوام ضحك محمود وسار مع والدته متجهان إلي منزل الشيخ سعيد.
وفي نفس الحين كانت دعاء قد إنتهت من إرتداء ملابسها فكانت دعاء ترتدي ملحفه باللون البني أيضاً وتحت هذه الملحفة الفضفاضة طرحة ستان لامعة من اللون الكافيه، وبالطبع لم تضع أي شئ في وجهها ولكنها كانت راضية تمام الرضا عن هيئتها المحتشمة، وجهها فقط كان يتزين بالإحمرار المتركز في وجنتيها، دلفت ميار وهي تقول بفرحة: ما شاء الله يادودو زي القمر إزدردت ريقها وتابعت بتوتر: بجد.
أومأت ميار برأسها وقالت: جد الجد ولم تكمل حديثها حتى، سمعا صوت جرس الباب مما زاد دعاء توتر على توترها توجه الشيخ سعيد ليفتح الباب ويدلف الأسمر بصحبة والدته، فرحب بهما سعيد وهو يقول مبتسماً: أهلا أهلا يا خطوة عزيزة إتفضلوا دلفا ثم جلسا في صالة المنزل وجلس قبالتهما سعيد وهو يقول ولا زال مبتسماً مرحباً بهما: نورتينا يا أم محمود نورتنا يا محمود زينب بإبتسامة: تعيش يا شيخ سعيد البيت منور بإصحابه.
وكذلك أجاب عليه محمود وقال: البيت منور بيك يا شيخ سعيد رد عليهما سعيد وقال: الله يعزكم يابني ساد الصمت للحظات لم يصدر فيها أي صوت إلي صوت الأنفاس المتوترة فكان محمود يفرك يديه منتظراً رؤية دعائهُ في كل صلاة منتظراً دعاء الذي تمناها ويتمني النظر إلي عينيها في الحلال، الآن هو ينتظرها وبشغف...!
قطعت ذلك الصمت ميار وهي تتجه إليهم وتقول بمرح وهي تمسك بصينية العصائر والحلوي: أهلا وسهلا منورنا والله ضحكت زينب وهي تقول: بنورك يا ميار يابنتي بينما إكتفي محمود بالإبتسامة وكذلك الشيخ سعيد، وضعت ميار الصينية وأقبلت عليهم دعاء وهي تفرك يديها في بعضهما بخجل وتوتر شديدين، فقالت بصوتها العذب الهادئ: السلام عليكم.
خفق قلب محمود لسماعه صوتها الرقيق الذي إخترق قلبه إختراق لكنه لم يرفع عينيه إليها وقال: وعليكم السلام كذلك رد والدها السلام وزينب، ونهضت تعانقها وتقبلها ثم جلست جوارها فتحدثت زينب بإيجاز موجهه حديثها للشيخ سعيد: طبعا يا شيخ أنت عندك خلفية عن الموضوع ومحمود بلغني إنك موافق وعروستنا كمان بس خليني أقولك على إمكانيات محمود الأول...
قاطعها الشيخ سعيد وقال: أنا عارف إمكانيات محمود كويس يا أم محمود أنتي ناسية أنه متربي على إيدي بعد وفاة أبوه الله يرحمه، أنا بشتري راجل لبنتي ومش أي راجل أنا عارف إن محمود هيبقي سند ليها من بعدي مش كده ولا إيه يا حوده إنتبه محمود إلي حديثه وقال: طبعا يا شيخ سعيد في عنيا إن شاء الله.
تحدثوا مع بعضهم قليلاً في أمور المهر والمؤخر والشبكة وإتفقوا جميعاً على أن مسكنها سيكون معهم في نفس الشقة وستقيم مع والدته، فليس داعي للمانع فهم عائلة واحدة منذ زمن وليس جديد أن يعيشوا مع بعضهم، وما إن إنتهوا من الإتفاق تركوا محمود مع دعاء قليلا حتى، يأخذا راحتهما بالحديث مع بعضهما وأي تساؤلات بينهما...
ما إن نهضوا وتركوهما معا رفع محمود بصره ودقات قلبه تتزايد، وكأن الكلمات قد هربت في الحال ونسيّ كل شئ، وكذلك دعاء كانت تنظر إلي الأرض ولم تجرأ على رفع وجهها أبداً، إزدردت ريقها بصعوبة من شدة الخجل المُسيطر عليها، فتنحنح محمود وهو يقول: إحم آآ إزيك يا آنسة دعاء؟ أغلقت عينيها لثوانِ واعادت فتحها سريعاً وإنطلقت الكلمة من فمها وهي تقول بخفوت: الحمدلله.
إبتسم محمود بإعجاب شديد وهو يقول: أدام الله حمدك يا دعاء وكأن لإسمها مذاق خاص ف لأول مرة تسمعه منه الآن كأنه يتغلف بالعشق والحب الصادق، شعرت بإرتياح بعد سماعها إسمها من فمه ولا تعرف لماذا فتنهدت محمود بعمق وقال مبتسماً: طيب إتفضلي لو عندك أي سؤال أو أي إستفسار قبل ما نقرأ الفاتحة إستجمعت دعاء بعض من قواها وأجابت بثبات وجدية:.
أنا طول عمري اعرف إنك إنسان ملتزم وبتصلي وتحفظ قرآن وكمان بتحفظ الأطفال، فديما أنا مش بحب أخد بالمظاهر يعني أنا هكون صريحة معاك أنا إيه يضمنلي، إنك فعلا من جواك إنسان صالح ودي مش مظاهر بس.
إبتسم محمود وأجاب عليها بهدوء: مش عارف أثبتلك إزاي إني من جوايا صالح، لأن أنا معرفش إذا كان ربنا متقبل مني أعمالي ولا لاء، فأنا مقدرش أحكم على نفسي الناس ديما بتحكم علينا الحمدلله في محبة بيني وبين الناس أنا بحاول أرضي ربنا في كل حاجة لما بعامل أمي بفتكر ربنا وعارف أنه شايفني ولما بشتغل بفتكر ربنا وعارف أنه شايفني فبتقن عملي عشان يباركلي بحاول أسعي لإرضاءه ديما ولما، صمت لبرهه ثم تابع وهو يقول بتلقائية: ولما إتمنيتك دعيت ليل مع نهار تكوني من نصيبي محاولتش أجي أكلمك أنتي لا أنا طلبت من ربنا الأول وبعدين لوالدك والحمدلله أنا قاعد معاكي دلوقتي بدون ما أغضب ربنا، بس أنا برضو مش عارف أثبتلك إني كويس من جوه إزاي إطلبي أي حاجه أثبتلك بيها وأنا مش هتأخر.
ظهرت إبتسامة خفيفة على محياها ولكنها تلاشت سريعاً وهي تقول: طيب ممكن تفهمني سبب فك خطوبتك مع بسمة جارتنا ايه؟ وأنت الي سبتها ولا هي؟ حك محمود صدغه بإبهامه وقال هادئاً: مرتحناش مع بعض من الأول مكنش فيه أي تفاهم بينا والقرار ده خدناه إحنا الاتنين وإنفصلنا أومأت دعاء برأسها وقالت: ربنا يوفقك محمود بتساؤل: في أسئلة تانيه؟ تنهدت دعاء قائلة: لاء، إتفضل أنت إسألني.
ضيق محمود عينيه قليلاً ثم تابع بجدية: هو سؤال واحد بس! دعاء بإهتمام: إتفضل! محمود بثبات: ليه وافقتي عليا؟ أنا عارف إن كان في ناس كتير بيتقدموا ليكي والشيخ سعيد كان ديما يقولي إنك بترفضي، ليه أنا تحديدا الي وافقتي عليه..؟ سؤاله كان مفاجأة بالنسبة لها لم تعرف بماذا تجيب عليه ولا تقول له الآن، صمتت، وساد الصمت بينهما للحظات تمنت دعاء أن تنشق الأرض وتبتلعها ما هذا السؤال الحرج وبماذا أجيب عليه...!
كان محمود مستمتعاً لسؤاله ويريد الإجابة بتصميم فكرر وهو يقول: ها، ليه؟ هو السؤال صعب أوي كده خرج صوت دعاء وكأنه خرج من تحت صخرة كبيرة، لتقول بصوت مُرتعش: آآ أنا ينفع مجاوبش محمود بتصميم ؛ ليه طيب ما أنا جاوبت على أسئلتك إبتلعت ريقها وتابعت قائلة: ط طيب ممكن نأجله بعدين محمود بتفهم: ممكن، بس ممكن توعديني تجاوبي عليه؟ أومأت دعاء برأسها ولا زالت ناظرة إلي الأرض: أوعدك.
إبتسم محمود متنهدا بإرتياح وقال بمرح: بس ايه الصدفة الحلوة دي؟ دعاء بإندهاش: صدفة ايه؟ محمود ضاحكا بهدوء: أصل إحنا لابسين زي بعض بني في كافيه صدفة حلوة بالنسبة ليا! توترت ونظرت إلي الأرض بخجل بينما أقبل عليهما الجميع وجلسوا مرة ثانية وفيما قال الشيخ سعيد مازحاً: هااا نقرا الفاتحة بقاا؟ ضحك الجميع وفيما قال محمود بمرح: ياريت.
ألقي الشيخ سعيد نظرة على إبنته فوجد وجهها مبتسماً خجول يوحي الرضا، فإبتسم وقال: طب يلا بسم الله رفع الجميع أيديهم وتمت قراءة الفاتحة بسعادة بالغة غمرت قلوبهم وكذلك كانت دعاء تكاد أن تطير فرحاً تشعر بإرتياح نفسي وهدوء داخلي، فما أجمل الحب الذي يأتي دون سابق إنذار بل والأجمل إذا كان تحت رضا الله وف حلاله..!
نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل العاشر والأخير
آيوة يا دعائي بحبك بكل المعاني بحبك بكل لغات العالم بحبك وربنا العالم حبك في قلبي محفور أنا الفايز بحبك وأنا المحظوظ ملامحك برائتك زلزلت كياني أنتي أكبر الأماني وحلم الليالي وأنتِ الحبيب الغالي بحبك يا دعائي يا أغلي الأماني.
عندما تمر الأيام والأشهر كأنها دقائق وثواني فنريد أن تطيل من أجل المزيد من السعادة، فدائما ما يقولون أن الأيام السعيدة تتوالي سريعاً هكذا كانت، أيام دعاء ومحمود وكذلك محمد وميار بعد أن مرت شهور عدة تم فيها عقد قرانهم فأصبح الحب له طعم ومذاق خاص... وقف محمود بجانب دعاء في شرفة المنزل بعد آن تم عقد القران في المسجد، فتركهما الشيخ سعيد على إنفراد لينعما بالحديث سويا...
نظر لها مبتسما بإعجاب مستمتعاً بخجلها الذي يزين وجهها حين تتورد وجنتيها، ظل محدقاً بها لثوان بصمت حتى، قطع الصمت حين مد يده يلتقط كف يدها بين راحة يده ويضغط عليها برفق، مما جعلها تنتفض أثر هذه اللمسة ف لأول مرة يلمس فتاة وكذلك هي! همس لها قائلاً بنبرة عاشقة: مبسوطة يا دعاء؟ مبسوطة إنك خلاص بقيتي على ذمتي؟
إزدردت ريقها بخجل شديد، ثم ألقت نظرة سريعة إليه وعاودت النظر إلي الأرض مرة ثانية، فقال هو هامساً مرة أخرى: عاوز أسمع صوتك يا دُعائي رفعت بصرها إليه بتلقائية وقالت متسائلة بتوتر: د د، دعائي، آآ أول مرة حد يقولي كده إبتسم لها بحنان ينبع من عينيه السمراء: بس أنا مش أي حد، وبعدين أنتي فعلا دعائي، في كل صلاة، كنت بدعي ليل نهار تكوني نصيبي وحلالي، والحمدلله ربنا تقبل مني الدعاء يا، دعائي.
إبتسامة حلت على ثغرها، ونظرت إلي الجهة الأخري وهي تتنفس بعمق، بينما تابع محمود وهو يقول بمرح: ها جاوبي بقي عليا؟ مسحت دعاء وجهها بكف يدها الأخري، وتابعت بخفوت: أجاوب على إيه؟ أجابها بنفس الإبتسامة: جاوبي عليا بإنك مبسوطة؟ أومأت برأسها دون التفوه فيما قال محمود: والسؤال بتاع المرة الي فاتت؟ نظرت له قائلة بنفاذ صبر: سؤال ايه تاني؟
محمود ناظراً إلي عينيها مباشرة: ليه وافقتي عليا أنا بالتحديد؟ أنتي وعدتيني تجاوبي عليا! أصابها الإرتباك الشديد من جديد وإزدردت ريقها ولكنها حاولت التماسك وبالفعل نجحت وتماسكت ثم أخذت نفساً عميقاً قوياً وزفرته بهدوء ومن ثم نظرت إلي عينيه المحدقة بها وقالت بهدوء وصوتها العذب الرقيق:.
وافقت عليك لأني إرتاحت ليك وحسيت بالسعادة بعد ما صليت الإستخارة وشوفت في حلمي، حسيت إن قلبي منشرح وإن إنت نعمة من ربنا مينفعش أضيعها من إيدي وكفاية أخلاقك وإلتزامك وحبك وبرك لوالدتك وسمعتك وسيرتك الطيبة كل ده كفيل يخليني أوافق عليك وأنا مرتاحة وكمان بابا بيحبك وبيعتبرك أبنه.
كلماتها كانت كالبلسم المداوي للجروح، ويزيد من جمال الروح فجعلته وكأنه يطير عالياً في السماء ويرفرف بأجنحته كالطائر الحر الطليق... همس لها بنبرة آذابتها كلياً: بحبك أغلقت عينيها لإستشعارها بخفقان قلبها المتتالي وسرعة دقاته، إحساس لم تذيقهُ من قبل، ولكنه إحساس رائع ينعش قلبها وروحها... لم يكتفي محمود بل رفع يدها إلي فمه وقبلها برقة وتمهل، مما زاد توترها أكثر فأكثر فكرر ثانية بهمس: بحبك أوي.
إبتسمت رغماً عنها فكيف لا تبتسم أمام ذاك الأسمراني العاشق ذو القلب الأبيض والروح الجميلة، فبادلها الإبتسامة وهو يقول بمراوغة: مش عاوزة تقوليلي حاجة بقي؟ تركت يده سريعاً وهي تتنحنح بخجل قائلة بتوتر: لاء بليز عن إذنك، ثم خرجت من الشرفة راكضة تاركا له يضحك عالياً وهو يقول: كلها سواد الليل بس يا دعائي ويتقفل علينا باب واحد.
كذلك كان تم عقد قران محمد وميار في نفس التوقيت لتكون الفرحة جماعية..! محمد بمرح: تصدقي يا ميرو الحلال فعلا ليه طعم تاني صدق محمود لما قالي أصبر وحب صح إبتسمت ميار وقالت: صح عنده حق إقترب منها حتى، جلس إلي جوارها ومن ثم قال مازحاً: حبيبي أنت، خلينا في الي إحنا فيها أنا كنت عايز أقولك حاجة مهمة جداً! رفعت حاجبيها ثم قالت بإندهاش: ايه هي؟ غمز لها وقال متغزلاً بها: بحبك وبموت فيكي.
توترت بشدة ثم فغرت شفاها وهي تقول: ها ضحك بسعادة ملئ وجهه ثم قال: بعشقك طيب ينفع؟ إبتسمت بخجل وتنهدت بعمق وسعادة، فيما قال محمد مازحاً: تصدقي مكنتش أعرف إنك قمر كده وأنتي محمرة تحسست ميار وجنتيها بيديها المرتعشة، وهي تضحك برقة آذابت قلبه فيها عشقاً، وشعر بمشاعر متأججة والسعادة تتغلغل داخل قلبه، شعر فعلا بمذاق خاص عن ذي قبل، الآن حبهما في النور علناً، وحلالاً أمام الناس، لم يخشي أحد آن يراهما...
تصنع محمد الغضب وهو يقول بمراوغة: يعني ايه يعني النهارده كتبت كتابنا ومتبليش ريقي بكلمة حلوة ده إيه الذل ده؟ قهقهت ميار وقالت من بين ضحكاتها: إزاي يعني، أبل ريقك ازاي ما الحاجة الساقعة مالية البيت أهو بل ريقك زي ما أنت عاوز رمقها بنظرات مغتاظه وقال وهو يصر على أسنانه: ما تتعدلي يا ميار ولا أعدلك أنا، وبعدين أنتي دلوقتي مراتي وأنا أصلا ممكن أكسرك إتسعت عينا ميار ونظرت له لتقول بحنق: تكسرني أنا؟
ضحك محمد سريعاً وقال: بهزر معاكي يا باي، خلينا في الي إحنا فيه ها؟ ميار بمزاح: ها ايييه! محمد بنفاذ صبر: أنا بقيت جوزك ها مش ملاحظة كده ولا إيه؟! أومأت برأسها وقالت: أيوة ملاحظة أعمل إيه يعني نهض محمد، متصنعاً خيبة الأمل ثم قال بحزن: طيب عن إذنك يا ميار سلام نهضت سريعاً خلفه وهي تستوقفه وتقول: ايه يا محمد أنت قفشت ليه كده! محمد مطصنع الحزن: حسستيني إني عبئ عليكي وبشحت منك الكلمة!
ميار بهدوء وإرتباك: ٱحم، ط طب متزعلش طيب محمد رافعا حاجبه ولهجة آمرة: صالحيني! ميار بهدوء: متزعلش نظر لها بطرف عينه وقال: صالحيني، يا إما فعلا مش هكلمك تاني وهخاصمك رمشت ميار بعينيها عدة مرات، ثم قالت بتوتر بالغ دون النظر إليه: بحبك إبتسم آخيرا وقد نال مراده، فتنهد بإرتياح ولكنه قال بمراوغة: مسمعتش عبست بوجهها وقالت: عنك ما سمعت يا محمد.
إبتسم وقال بهدوء: أعمل إيه ما هو لسه شوية على دخلتنا وأدينا بنتصبر بس بادلته ميار الإبتسامة وهي تقول: يلا إتجدعن إنت بس وهات العفش وكله يكون تمام، وبعدين أنا فرحانة أوي إن بكره دخلة دعاء حبيبتي وأخيراً هشوفها عروسة ربنا يسعدها يارب محمد متنهدا: يارب، ويسعدك يا روح قلبي أنتي ...
جلست ميار على فراشها الصغير، بعد أن أبدلت ملابسها، وظلت تتأمل الغرفة بإبتسامة، فاليوم آخر يوم لها في بيت آبيها وهذه الغرفة التي قضت بها عمرها منذ الصغر وشهدت ذكرياتها كلياً، رفعت بصرها إلي سقف الغرفة وتنهدت بإبتسامة حين تذكرت كلماته العذبة الرقيقة معها، ووجهه الذي يبدو عليه دائماً الطيبة الشديدة...
تفاجئت بطرقات خفيفة على باب غرفتها فعلمت أنه والدها فإعتدلت في جلستها وقالت: إتفضل يا بابا دلف سعيد مبتسماً كعادته بوجهه البشوش دائماً، ثم جلس بهدوء إلي جوار إبنته وقال متنهداً: ألف مبروك يا حبيبتي ربنا يسعدك إبتسمت له وقالت: الله يباركلي في عمرك يا بابا ربت على كتفها ومن ثم قال: بصي يا حبيبتي في كام كلمة كده لازم أقولهم ليكي وعايزك تحطيهم حلقة في ودانك دعاء بإهتمام: إتفضل يا بابا سمعاك.
تنهد بعمق وقال: دلوقتي أنتي يا دعاء خلاص حطيتي رجلك على أول الطريق وهتشيلي مسؤولية كبيرة يعني حياتك دي معايا حاجة والي جاي حاجة تانية، الجواز يا حبيبتي مشروع إما ينجح أو يفشل ونجاحه وفشله فإيدك أنتي كزوجة وأم إن شاء الله فيما بعد، عاوزك أول حاجة تشيلي حماتك جوه عنيكي وتعامليها كأنها والدتك بالظبط حتى، لو في يوم صدر منها أي حاجه معجبتكيش، عديلها ومتاخديش على خاطرك لأن دعوة حماتك ربنا بيقبلها ولو رضيت عليكي جوزك هيرضي وهتزيدي محبة عنده مش عاوزك بقي تقولي لا ده جوزي ومش عارف ايه وتعانديها وخلاص و...
دعاء مقاطعة لحديثه: عارفة يا بابا وأنا عمري ما هعاملها وحش.
إبتسم لها بهدوء وتابع قائلا: عارف يابنتي، بس لازم أكد عليكي، بالنسبة بقي لجوزك لو في أي يوم من الأيام لقتيه إتعصب عليكي، أوعي تردي عليه سبيه لما يهدي خالص وبعدين لو هو غلطان عاتبيه ولو مش غلطان وفعلا أنتي الي غلطتي يبقي تعتذري وتصالحيه يابنتي في إيدكي مفتاح السعادة الزوجية وطول ما أنتي بتسمعي كلامه ديما هيحبك أكتر وأكتر لأن طاعة الزوج واجبة، ولما تكوني بقي أم بإذن الرحمن، زي ما علمتك القرآن وأنتي صغيرة علميهم وهما صغيرين لأن الطفل لما يكون لسه صغار كده بيكون المخ فاضي فأول حاجة بتعلميهاله تثبت ومتطلعش أبدا مدي الحياة، زي لو علمتيه أغاني هيطلع يحبها وحياته مبرجلة لكن لما تعلميه آيات الرحمن تهدي قلبه وعقله ويطلع صالح محب لدينه وأنا عارف إنك هتعملي كده ومحمود كمان وبتمني من ربنا أكون فعلا إديتك للرجل الصح يابنتي الي يحميكي ويصونك ويكون خير سند ليكي في الدنيا...
كانت دعاء تستمع إلي والدها وعينيها تترقرق فيها العبرات، لم تعلم أن ذاك الكلام أثر بها، أم أن هذه الليلة آخر ليلة مع والدها الذي فني عمره لأجلها، ما كان منها إلا أنها عانقته بشده قائلة من بين دموعها: أنا بحبك أوي يا بابا، وهعمل كل الي قولتلي عليه مسد على ظهرها بحنان أبوي بالغ وقال هادئاً: ربنا يرضى عليكي ويراضيكي يابنتي ثم نهض قائلاً بمزاح: أسيبك وأدخل أنام يا عروسة.
ضحكت وهي تكفف دموعها بأناملها، وقالت: ماشي يا بابا تصبح على خير...
ومرت، مرت الليلة ولم يغمض لدعاء جفناً، وكذلك محمود الذي كان فرحّ، فآخيرا سينول ما تمناه... آتي اليوم الموعود بكل ما فيه من تغيير بكل ما يحمل من سعادة وحب كبير يفيض ويفيض كالأنهار، ...
تزينت، عينيها السمراء المزيتنين بالكحل وأهدابها الطويلة أصبحت أكثر جمالا لم تضع في وجهها إلا كحل فقط آزادها جمال ولم ينقص من براءة وجهها الطفولي، وقفت بعد آن إنتهت خبيرة التجميل من لف طرحتها الطويلة المنسدلة على فستانها الأبيض، نظرت إلي نفسها في المرآة لتبتسم ويزداد قلبها دق، يرتسم الرضا على ملامح وجهها وعينيها تنظران برضا كما لو أنها ملكة بالفعل...
تحدثت ميار قائلة وهي تعانق صديقة عمرها: حبيبتي زي القمر ألف مبروك ربنا يسعدك بادلتها دعاء العناق وهي تقول: عقبالك حبيبتي أنتي ومحمد.
دلف والدها ينظر لها بإعجاب، إبتلع ريقه وهو يجاهد في حبس تلك العبرات التي أبت على النزول، حاول التماسك وإقترب يعانق إبنته ويربت على ظهرها، أغلق عينيه حتى، لا تخونه دموعه، وكذلك لم يختلف حال دعاء عن حاله، فكانت تحبس العبرات داخل عينيها شعورا مختلط ما بين الفرحة والفراق أتفرح أنها ستتزوج الآن وهي بفستان الزفاف، أم تحزن أنها ستترك والدها وحيدا رغم أنها ستكون بجانبه أيضاً في هذه البناية البسيطة، إلا أنها لم تتعود أبدا أن تتركه وحيدا...
بعد عناق طويل اخذها من يديها وخرج بها متجهاً بصحبتها خارج الشقة إلي حيث يوجد محمود الذي كان يرتدي بدلته السمراء وفي كامل أناقته رغم بساطته، ما آن وجدها إتسعت إبتسامته، ومد يده ليعطيه والدها أياها قائلاً بصوتٍ يغلب عليه البكاء: خلي بالك منها يا محمود وأوعي تزعلها أمانة عليك أومأ محمود برأسه مبتسمآ وقال: في عنيا يا شيخ سعيد متقلقش عليها.
بينما إقتربت زينب منها وعانقتها ومن ثم عانقت ولدها الوحيد وقالت بدموع فٙرحّة: ربنا يسعدكم يارب هبطوا جميعاً درجات السلم وسط الزغاريد التي تصدح عالياً، والفرحة العارمة من الجميع، توجهوا إلي خارج البناية حيث توجد السيارة التي ستنقلهما إلي مدينة الأسكندرية ليقضي الأثنان وينعما بأيام سعيدة هناك بدلاً من عمل حفل زفاف، فقد إتفقا على ذلك...
نظرة آخيرة ألقتها دعاء على آبيها، لتلقي نفسها في أحضانه باكيه، وهنا إختلطت الدموع فلم يقدر والدها كبت مشاعره اكثر من ذلك عانقها، بكي، بكي وبشدة إبنته الوحيدة! الآن ستتركه ويأخذها غيره، رغم علمه أنها سنة الحياة ولكن إبنته غالية بل أغلي الغالين على قلبه، وليس يملك من الدنيا سواها هو من رباها وإحتواها...
إبتسم لها من بين دموعه ورفع وجهها يمسح تلك الدموع، وهو يقول: كده يا دعاء ليه كده يا بنتي، متبكيش أبدا أنا جنبك يابنتي وجوزك كمان جنبك وبعدين كلها إسبوع واحد وترجعي وهتبقي معايا برضو مش كده ولا إيه يا أبو حنفي ما تشوف مراتك ضحك محمود، وإقترب يربت على كتف زوجته وهو يقول: كلها إسبوع بس يا دعاء ولو عايزاهم يوم او حتى، مش عاوزة خلاص خلينا هنا.
سعيد رافعا حاجبه: لالا يلا خد مراتك وإتكل على الله خليكوا فين بس! خرج صوت دعاء مبحوح وهي تعانق والدها ثانية: خلي بالك من نفسك يا بابا إبتسم لها وقال: حاضر.
إنحنت تقبل كفه ليربت هو على ظهرها ثم دعي لها وإستقامت هي وتحركت مع زوجها ليستقلا السيارة، وتتابعهما العيون وهناك عينين حزينتين تتابعهما بحسرة وندم إنها بسمة حين وجدتهما يجلسان في مقعد السيارة الخلفي وأخذ محمود كف زوجته رافعاً له إلي فمه مقبلاً له برقة مواسياً لها بكلماتٍ رقيقة، تمنت أن تكون هي بجانبه بعد آن تمردت عليه كثير وسخرت منه ومن مظهره وبشرته السمراء الداكنه فالآن تتمناه ولكن بندم...!
إنطلقت السيارة بالعروسين إلي حيث وجهتها، ورحل الجميع إلي منازلهم متمنين لهما السعادة والرخاء...
وفي السيارة ظل محمود ممسكاً بيدها الرقيقة ومن ثم قال محاولا التهوين: مش كفاية دموع بقي ولا إيه يا حبيبتي أومأت برأسها ونظرت إليه دون أن تتفوه، بينما قال هو هامساً: بذمتك ينفع العيون الحلوة دي تبكي ها؟ إبتسمت رغماً عنها ونظرت من النافذة بينما ضغط محمود على يدها برفق وقال: بحبك جدا على فكرة.
خرج صوتها وإنطلقت الكلمة من فمها منطلقة إلي وجهتها حيث مقرها قلبه، وكأنها إخترتقته إختراق حين قالت برقة: وأنا كمان بحبك أوي إبتسم، إبتسم بإتساع وقال بسعادة: هاااا؟ قولتي ايه مسمعتش كويس كررت بنفس الرقة: بحبك جدا ضمها إلي صدره بقوه حيث أراحت رأسها على صدره ولف هو ذراعيه حولها ليغلق عينيه مستمتعاً فقط بها في أحضانه...
توالت الأيام كانت أيام سعيدة بكل المعاني يتجولا الإثنان في أنحاء إسكندرية ويزورا الأماكن، ويلعبا على الشاطئ وكل شئ متاحاً لطالما لم يغضبا خالقهما، وبعد أن توالت الأيام مر الأسبوع وعادا مرة ثانية إلي مقرهما لتستقر حياتهما، ويعيشا بحب ومودة ورحمة وإخلاص، لتتوالي بعد ذلك الأشهر وتحمل دعاء في أحشائها جنين يكبر يوما وراء يوم وأسبوعا وراء أسبوع وشهرا وراء شهر، في خلال الأشهر هذه قد تم ختم القرآن الكريم لها ولزوجها الصالح الذي يخاف الله ويتقيه ويحسن إليها لتحسن هي الآخري إليه، فقال تعالي ( هل جزاء الاحسان الا الاحسان) وقال أن الطيبون للطيبات، فكوني طيبة عزيزتي يأتيكي الطيب، كوني أنتي كما أنتي كما خلقكي الله جوهرة مُكرمة غالية، لا تلتفتي لهذا وذاك، لا تلتفتي إلي من يقول أحبك إلا إذا بالحلال، أنتي مُسلمة يجب أن تكوني قدوة، صوني وعفي ذاتك وإحفظيها، إنتظري فقط رزقك فالله كتب لنا ارزاقنا منذ ولادتنا فلا تجهدي نفسك كثيرا فقط الصبر...
تزوجي من يشقي ويعمل ويعرق من أجل لقمة شريفة، تزوجي من يخاف الله ويتقيه ويحسن إليكي إن لم تجدي فإلتزمي الصبر في بيت آبيكي ولا تتعجلي عزيزتي كما قلت لكي أنتِ جوهرة غالية... لا تأخذي بالمظهر فالجوهر افضل مع الزمن سيرحل الجمال الخارجي ويبقي الداخلي فقط، فأحسني الإختيار، وأكرر أنتِ جوهرة غالية.
أتمنى أن تكون كلماتي وهذه القصة قد آفادت إخواتي في الله ولو بكلمةٍ واحدة، وآخيرا وليس آخرا أحبكن في الله. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم