رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخمسون
هب سامي واقفًا من مقعده وهو يضع يده على معدته، بينما عض على شفته السفلي بألم فلقد إشتغل مفعول السم فورًا! أخذت هدي تضحك بتشفي، ليقترب منها سامي وقد تلونت عينيه بحمرة الغضب، حاول جذبها إلا إنها إبتعدت مُتجهه إلى الباب وأوصدته جيدا حتى لا يدلف أحد الموظفين وينقذه، فهي أقسمت أن تنتقم وأبدا لن تعيش يا من دمرت حياتي..! تأوه بألم شديد وهو يهتف بتوسل: إفتحي الباب ده أنا بموت، بموت..
أنهي كلامه وهبط ساقطا على الأرض، فظلت هدي تضحك بهستيريه وراحت تجلس على المقعد واضعة ساقيها فوق بعضهما، ليزحف سامي بإرهاق في إتجاهها وهو يصرخ: ااااه، بطني، هموت، آآ، إطلبي الإسعاف..! قهقهت هدي ثم هتفت من بين ضحكاتها ؛: - موت، موت يا سامي، خلينا نرتاح من قرفك، إيه رأيك بقي مش ده السم الي كنت عاوز تسم بيه أمير!، يلا حلال عليك يا قلبي.
ظل يتلوي على الأرض والآلام تنهش فيه، بينما أخذ يسعل بشدة حتى إختنق وجهه وأصبح لونه أزرق داكن!، وأنفاسه تتسارع بل تنتزع منه نزعا، مازال يقاوم حيث أمسك قدمها، وهو يتوسلها: ه هتجوزك، ب بس إط اطلبي الإسعاف، آآ أبوس إيدك، م مش عاوز آآ أموت..! حركت رأسها بهستيريه وهي تهتف: لأ لا هتموت، هتموت يا سامي وهتغور في داهية، أنت شر، شر ولازم نخلص منه... صرخ عاليًا: اااااه، يارب، ااااه..
ضحكت هدي ساخرة: دلوقتي إفتكرت ربنا، ربنا هيحرقك في نار جهنم أنت الي زيك ميستحقش الرحمه..! بينما تجمع الموظفين على أثر صراخه وظلوا يطرقون على الباب، إلا أن هدي لم تصغي لهم أبدا، ولم تفتح إلا عندما تخرج روحه من جسده.. إنتشرت حبات العرق الباردة فوق جبينه ولقد أصبح وجهه مُخيف بلون الأزرق الداكن المائل ل السواد، عينيه حمراوان مخيفتان..
أخذ زفيرًا قويًا وزفره بصعوبة بالغة، إنها النهاية لا محالة ولا مجال للهروب، إنها الروح تنتزع منه نزعا، إنها سكرات الموت، إنها النهاية!. وأخيرًا سكن جسده وصعدت روحه، أصبح جثه هامدة لا روح ولا حركة، إنتهي الإنسان الذي دمر حياة الكثيرين في لحظة وسُحبت ورقته من الدنيا!.. أخذ صدر هدي يعلو ويهبط بخوف شديد، تعالت شهقاتها وضحكاتها في نفس الحين، حالة من الذهول والجنون و مزيجا من الصدمة..
إنتهت وأنهت عليه، قتلته وقتلت ذاتها أيضا، ليتها لم تراه وليتها لم تتيح نفسها لهذا الشيطان أنها في حالة ندم أيضا، ويا ليت الندم يُرجٙع الذي رحل!..
لم تستوعب أروى التي كانت ترتجف بشدة، الذي إستمعت إليه عبر الهاتف، قُتل سامي في لمح البصر على يد سكرتيرته!، وما أبشعها موته.. لم تتحمل فشعرت أن الدنيا تدور بها، وشحب وجهها، فإنتفض أمير ممسكا بها وجاذبا إياها إلى أحضانه وهو يسألها بهلع: إيه يا أروى في ايه بس؟ أخذت تتنفس بصعوبة وهي تتشبث بقميصه، وتردف ببكاء: أنا خايفة، خايفة.
ربت على ظهرها برفق وقال بإيجاز: طيب نامي يا حبيبتي دلوقتي، أنا لازم أخرج إنتي نامي ومتخافيش.. حركت رأسها بنفي وهي تتشبث به أكثر: لا لا الله يخليك متسبنيش، متسبنيش أنا هموت من الرعب.. أمير بتنهيدة: خايفة من إيه يا أروى.. أردفت وعينيها تزوغ في أركان الغرفة: من سامي، ه هو هيطلعلي دلوقتي من أي حته، أنا خايفة!
إنفجر أمير ضاحكا رغما عنه، ثم قال من بين ضحكاته: ضحكتيني يا مجنونة، الراجل مات والسكرتيرة قتلته وإحنا بنضحك، لا إله إلا الله، هو ايه الي بيحصل يا جدعان.. مسحت أروى على جبينها وهي تهمس بخوف: ينهار أبيض سامي إتقتل وهدي هتروح في داهية، مش قادرة أنسي صوته المرعب وهو بيصرخ، أنا بجد هموت من الرعب..
مسد أمير على شعرها ولا يزال يضحك، بينما حاول تهدئتها إلا إنها ظلت متشبثة به وهتفت: أبوس إيدك متخرجش وتسبني، عفريت سامي هيطلعلي.. أخذ يضحك عاليًا وهو يشدد من ضمها له، ثم أردف بتنهيدة بعد ذلك: هو سامي مات بجد ولا أنا سمعت غلط؟، مات بالسم الي كان هيسمني بيه، سبحان المنتقم! أردفت أروى سريعا: بعد الشر عليك يا حبيبي، أهو غار أعوذ بالله منه إيه الشر ده!
صمتت قليلًا ثم تابعت بتوسل: خليك معايا عشان خاطري بليز يا أمير! أومأ أمير برأسه وقال بنفاذ صبر: حاضر أديني قاعد أهو، بس أنا جعااان على فكرة.. هبت أروى واقفة، ثم قالت سريعا وهي تتجه خارج الغرفة: حالا يا حبيبي الأكل يكون جاهز.. ضحك أمير، ثم هتف مازحًا: أوعي تلاقي سامي في المطبخ! تسمرت مكانها، ثم عادت تركض نحوه، وهي تهتف بخوف: يا مامااااا، ثم وكزته بغيظ: مفيش أكل يلا خليك جعان ها بس..
قال من بين ضحكاته: خلاص خلاص مش هتكلم! حركت رأسها نافية وقالت بإصرار: مش هقوم خلاص، أنا مرعوبة! تمتم أمير بحزن: خلاص خليني جعان وذنبي في رقبتك! أشفقت عليه ولكنها خائفة تهبط بمفردها، فأردفت بحماس: طيب أنا هعملك أكل بس تعالي وصلني للمطبخ بليز.. نهض وجذبها من يدها حاملا إياها بمرح وهو يقول: أمري لله تعالي يا مجنناني!. هبطا الدرج معا وإتجها إلى المطبخ لتُعد له أروى الطعام..
بعد مرور ساعة. تم نقل سامي إلى المستشفي بسيارة الإسعاف، وهدي إلى مركز الشرطة، حيث أنها إعترفت بقتله وتنتظر عقابها أيضا!. علم أمجد بالذي حدث فقرر أن يُهاتف أمير ويُخبره.. تفاجئ أمير بهاتفه يصدح عاليًا، فتوقف عن طعامه وأجاب قائلًا بجدية: أيوة يا أمجد؟ رد أمجد هاتفيًا: عرفت الي حصل؟ أمير بإيجاز: سامي مات صح أمجد بإستغراب: عرفت منين؟ ضحك أمير وتابع: من جهاز التصنت إنت نسيت!
أومأ أمجد: أهااا، وإنت مالك منشكح كده ليه؟ أمير وهو يتناول طعامه: أومال هعمل إيه، الله يرحمه بقي! أمجد ضاحكا: لا قلبك حنين أوي، أنا هجيلك بكرة عاوزك في كام حاجة كده! أمير بإيجاب: تمام في إنتظارك يا أمجد.. ثم أغلق الخط، وهو يقول متساءلا: الحمل عامل معاكي إيه يا أروى؟ إبتلعت أروى الطعام الذي بفمها، وتابعت بهدوء: كويس ساعات بتعب بس الحمدلله، هو إنت مش هتيجي معايا عند الدكتورة بقي؟ أومأ أمير بجدية: هاجي.
أروى بتذمر: إمتي؟ أمير بنفاذ صبر: لما تروحي يا أروى.. عادت تسأله: طيب هنروح القاهرة إمتي سهيلة وحشتني جدا.. رفع أمير حاجبيه في دهشه وتابع بحزم: والله؟ دول لسه ماشين النهارده على فكرة! أومأت أروى عدة مرات برأسها وتناولت طعامها بصمت، فأردف أمير بتنهيدة: الحمل آثر عليكي يا رورو.. تنهدت أروى ثم قالت بنظرات ذات معني: إن شاء الله لما أولد لازم نعمل تحليل dna، عشان تتأكد إن...
قاطعها زافرًا بضيق: متكمليش ومتفتحيش الي فات، سامعة ولا لاء؟ أروى بنفي: بس أنا مش هتنازل عن التحليل، لازم تتأكد عشان ترتاح وأنا كمان أرتاح! صر أمير على أسنانه وتابع بحنق: متخلنيش أزعلك يا أروى ولما أقول كلمة تتسمع، قولتلك ميت مرة أنا معنديش صبر! أوووف..
أنهي كلامه ونهض خارجا إلى الحديقة، بينما زفرت أروى وعاتبت نفسها على ما قالته، فإنها تعلم أنه لم يكن في كامل وعيه حين إتهمها وأصر على التحليل وتعلم أيضا إنها كانت مُخطئة!. نهضت خلفه بخطوات حذرة، خرجت لتجده يتنفس بعمق وهو يضع كلتي يديه في جيب بنطاله، إقتربت منه وقالت بهدوء: أنا آسفة.. أومأ برأسه، ثم همس بضيق: طيب..
إقتربت أكثر ثم همست بإبتسامة: أنا معرفش إنك هتضايق كده، أنا حبيت بس أريحك وبصراحة أنا كمان عاوزة أرتاح عشان محسش بعد كده إنك... قاطعها مرة أخري بغضب: تاني، تاني يا أروى! قولتلك متتكلميش في الي فات، إقفلي على الي حصل ده خالص مش عاوز أفتكر أي حاجه كفاية بقي كفاية.. تنهدت بعمق، ثم قالت بخفوت: حاضر خلاص مش هتكلم تاني، ممكن تهدي بقي؟ رمقها بغيظ، ثم قال بعتاب: تعصبيني وبعدين تقوليلي إهدي، أعمل فيكي إيه؟
أطرقت رأسها للأسفل، ثم همست بحزن: صدقني مش قصدي أزعلك، أنا آسفة! رفع هو وجهها لتواجه وجهه، ثم قال بخفوت: مش كل ما أكلمك تعيطي يا أروى، إنتي الي إستفزتيني أصلا، ٱنتي عارفة إن الي حصل خلاني بني آدم تاني وخرجت عن شعوري! قالت بصوتٍ مُختنق: وأنا كنت بتمني مكذبش عليك، أنت سامحتني بس أنا مش قادرة أسامح نفسي، وحاسة إنك بعد كده مش هتصدقني في أي حاجة وأي مشكلة هتفكرك بالي حصل..
قال بنفي: لا أنا نسيت الي فات وإنتي كمان لازم تنسي كفاية لحد كده إحنا فتحنا صفحة جديدة كلها صراحة وإخلاص وأنا متأكد إنك إتعلمتي من الي فات أرجوكي إنسي، إنسي يا أروى.. أومأت برأسها وراحت تمسح دموعها براحة يدها، بينما طبع هو قبلة على جبينها قائلا بهمس: حبيبتي..
في اليوم التالي. لم تتوقف دموعها لحظة منذ أن توفي ولدها، لم تتخيل ولم تستوعب أنه غادر الدنيا في لحظةٍ واحدة!.. عادت إلى البيت منهكة، بعد أن تمت مراسم الدفن، عادت وقلبها يبكي قبل عينيها لقد تركته وحيدا تحت التراب فهل يا تري كيف حاله؟
هكذا كانت تُفكر السيدة كوثر وهي تجلس بجانب إبنتها سلمي والسيدات من حولها، ولقد خيم الحزن على المكان، رغم كل ما فعله ماجد إلا أنها أم وكانت تتمني أن تراه رجلا يتحاكي عنه الجميع في أخلاقه ولكنه أخاب ظنها وها قد رحل وتركها تبكي حسرةً.. بينما في أسفل المنزل، تراصوا الرجال يأخذون العزاء وعلي رأسهم أمير، الذي علم بوفاته وآتي يأخذ العزاء...
وبعد مرور ساعتان، صعد بصحبة خالد إلى شقة السيدة كوثر، ما إن رأته كوثر حتى هبت واقفه محتضنه إياه بقوة وهي تردف من بين بكاؤها: لو إبني عمل فيك حاجة سامحه، سامحه يابني عشان خاطري.. ثم إبتعدت عنه وهي تنظر له بتوسل، فما كان منه إلا أن ربت على كتفها برفق وقال بخفوت: مسامحه من قلبي، ربنا يرحمه ويغفر له وربنا يصبرك.. رفعت يديها تقول بتأمين: يارب، اللهم امين..
بينما أخرج أمير من جيبه ظرف، وراح يمد يده لها قائلًا بهدوء: إتفضلي.. عقدت كوثر ما بين حاجباها وسألته بجدية: ايه ده؟ أجابها بثبات: ده مبلغ بسيط، إعتبريه مرتب ماجد الي كان بياخده، أو إعتبريني أنا زي ماجد! قالت كوثر بنفي: لا يابني شكرا، أحنا مش محتاجين حاجة.. تنهد أمير وقال بتصميم: أنا مش بعطف لا سمح الله، ده واجبي ومهما كان ماجد كان صاحبي في يوم من الأيام وأنا لازم أعمل بوصيته لأنها هتكون في رقبتي أنا.
إزدردت كوثر ريقها وتابعت بحزن: كفاية عليا أبقي أشوفك كل فترة، على الأقل أحس إن ليا حد وضع أمير الظرف على الطاولة الصغيرة، ثم قال مبتسما: وأنا تحت امرك في أي وقت، بس لازم تقبلي المبلغ ده وهيوصلك زيه كل أول شهر وهبقي أجي لحضرتك زيارة إن شاء الله. عانقته كوثر بتلقائية، ثم هتفت ببكاء: ربنا يحميك لشبابك ويخليك لأهلك يابني، متشكرة على مساعدتك، ، ثم قالت وهي تبتعد مرة ثانية: إبقي خليني أشوفك..
أومأ أمير قائلًا بإيجاب: حاضر، أستأذن أنا بقي.. ردت بحنان: مع السلامه.. بينما أوصله خالد خارج المنزل هابطا معه درجات السلم وهو يقول بإمتنان: شكرا لحضرتك تعبناك معانا! رد أمير عليه بجدية: لا تعب ولا حاجة، ربنا يجعلها أخر الأحزان.. إبتسم له خالد، فإستقل أمير السيارة، ثم قال وهو يُدير محرك القيادة: سلام..
لينطلق بعد ذلك بسيارته ويصعد خالد مرة أخرى إلى شقة السيدة كوثر، ليجدها تبكي كما كانت، جلس إلى جوارها وتابع بتنهيدة: أمر ربنا ونفذ مفيش بإيدينا حاجة غير إننا ندعيله بالرحمه والمغفرة ياريت البكاء بيرجع الي راح..
كوثر من بين بكاؤها المرير: إبني أذنب كتير، أنا عارفة أنه مكانش شاب صالح ولا بيعمل حاجة ترضي ربنا، وده الي قاهرني ده الي قاهرني يابني، ياتري ربنا هيعمل فيه ايه ياتري هو عامل ايه دلوقتي، اه يابني اه ربنا يعفو عنك! ربت خالد على كتفها ثم أردف هادئا: ربنا رحيم وهو أرحم بيه مننا هقولك حديث يطمنك..
لما مات هارون أخو سيدنا موسى ذكر مفارقته له وظلمة القبر ؛ فبكي وجه الحديث ساعتها وربنا قاله ( يا موسى، لو أذنت لأهل القبور أن يخبروك بلطفي بهم لأخبروك يا موسى، لم أنسهم على ظاهر الأرض أحياء مرزوقين، أفأنساهم في باطن الأرض مقبورين؟! يا موسى، إذا مات العبد لم أنظر إلى كثرة معاصيه، ولكن أنظر إلى قلة حيلته! ) فقال موسى عليه السلام: يا رب من أجل ذلك سميت أرحم الراحمين ...
يعني عاوزك تطمني وتدعيله بس بالرحمة وأنا أكيد مقدر حزنك وكلنا مقدرين كده.. أومأت كوثر برأسها، وهي تدعي: الله يرحمه برحمته.. ثم تابعت بخفوت: يلا يابني خد مراتك وإطلع شقتك.. أردفت سلمي وهي تمسح دموعها: لا يا ماما أنا مش هسيبك.. كوثر بحزم: إسمعي الكلام يابنتي، إطلعي إرتاحي إنتي حامل.. قال خالد بإبتسامة: سلمي هتفضل معاكي لحد ما تتحسني وتبقي كويسة تنهدت كوثر بثقل، وهي تقول بحزن: كتر خيرك يابني..
في شركة الأمير. -أنتي تاني؟! نطق بها أمجد بنفاذ صبر.. لتهتف ماهيتاب بحنق: أوف، إنت تاني! أمجد رافعا أحد حاجبيه: أنتي بتقلديني ولا إيه؟! زفرت ماهيتاب أنفاسها بضيق، ثم قالت بغيظ: أمير عنده ناس جوه، إتفضل حضرتك إقعد لحد ما تنتهي المقابلة! جلس أمجد أمامها واضعًا ساقا فوق الآخر بعنجهية، لتردف ماهيتاب بهمس: مغرور! أردف أمجد: بتقولي حاجة؟ ماهيتاب ببرود: تشرب إيه! أمجد بهدوء وهو يتأملها: ممم قهوة مظبوط..
نهضت ماهيتاب على مضض، ثم خرجت من المكتب، ليضحك أمجد بصوت خافت وهو يتفوه: شكلها مجنونة ومش طايقة نفسها، صمت ليتابع بغرور: بس على نفسها! عادت ماهيتاب بعد ثوانِ، ليسألها أمجد: فين القهوة حضرتك؟ ماهيتاب بضيق: زمانها جاية.. - لوحدها؟، قالها بهدوء مستفز.. لتضغط ماهيتاب على شفتيها بغيظ وهي تتابع: ده إيه الظرافة دي؟ لأ بجد يعني دمك تقيل وحاجة تخنق!
قال أمجد بجدية: على فكرة أنتي بتتعدي حدودك معايا، وشكلك كده متعرفيش إنتي بتتكلمي مع مين أصلا، فوقي لنفسك! ماهيتاب بلا مبالاه: يعني بتكلم مع مين؟ مين أنت أمجد وقد رفع أحد حاجبيه: أمجد مأمون! لوت ماهيتاب فمها بتهكم، ثم تابعت بنبرة ساخرة: حصلنا الرعب يا حاج أمجد..! كاد أمجد أن يضحك ولكنه تماسك حيث قال بصرامة: أوك يا حاجة ماهيتاب.. ماهيتاب بضجر: قولتلك متقولش حاجة!
أمجد بهدوء: ما أنتي قولتيلي يا حاج أمجد، زعلت أنا؟ عجايب والله! مسحت ماهيتاب على وجهها وهي تقول بعصبية: بجد حاجة لا تطاق.. - ولا أنتي، قالها أمجد وهو يهندم ملابسه، لتزفر ماهيتاب بغضب وتتجاهله.. نهضت بعد قليل لتدلف إلى مكتب أمير، ثم عادت إليه قائلة بحدة: إتفضل.. نهض أمجد وهو يغلق سترته ويقول بإستفزاز: شكرا، يا... حدجته ماهيتاب بشراسة ليتراجع هو ويقول: يا آنسه ماهيتاب!
ثم دلف إلى المكتب فأغلقت هي الباب وهي تهمس لنفسها: مغرور! بينما رحب أمير بأمجد الذي جلس قبالته قائلًا بمزاح: البقاء لله رد أمير ضاحكا: ونعم بالله يا عم، إذكروا محاسن موتاكم بقي! ضحك أمجد: لا ما ده معندوش ولا حسنه عشان نذكرها، ده سيئات بالهبل يلا ربنا معاه اللهم لا شماته بقي أمير من بين ضحكاته: يااا راجل ده الشماته بتنط من وشك!
أمجد بنفي: لا والله، بس الواحد إرتاح منه صراحة ياباي ده كان عامل زي الهم على القلب أووف... أمير بجدية: أنا سمعت إن ليه بنت، وهي ومراته ملهمش دخل غير من الشركة، وبما إن البنك حجز على أملاكه وأصلا عرفت إن أصل الشركة من أملاك مراته، فأنا بقول يا أمجد تسحب الفلوس الي أخدتها منه من الشركة الي كنت هتدبسه فيها وتسدد قروض البنك خلاص هو أخد جزاءه وأنا شايف إننا هنظلم مراته وبنته!
أمجد موافقا: تمام وأنا موافق، إن شاء الله هبعت لمراته كل الفلوس الي حولهالي وهي تبقي تتصرف بقي.. أمير بجدية: تمام.. صمت أمجد قليلًا، ثم تابع بتوتر بعض الشئ: مش أنا نويت أتأهل! رفع أمير حاجبيه بدهشة: ياراجل! ومين الي نويت عليها إن شاء الله؟ مسح أمجد على رأسه وتابع بمزاح: إنت عاوز الصراحة ولا بنت عمها!؟ أمير ضاحكا: إنجز يا أمجد أمجد بجدية: الحاجة الي برا دي! أمير بإندهاش: ماهيتاب..
أومأ أمجد برأسه وتابع متساءلا: إيه مرتبطة لا سمح الله؟ أمير بنفي: لا بس مستغرب بس أمجد بتذمر: أعمل إيه معششه في دماغي من المرة الي فاتت.. إبتسم أمير وقال: ممم قولتلي بقي! ضحك أمجد وتابع: طيب أشرف إمتي بقي؟ أمير بجدية: هكلم زياد، وأبلغك على طول.. نهض أمجد قائلًا: وهو كذلك، وأنا في الإنتظار سلام يا كبير..
نهض أمير، مودعا إياه، بينما خرج أمجد ليجد ماهيتاب، فنظر لها نظرة لم تفهمها هي وتابع بجدية: سلام يا حاجة ماهيتاب.. ضغطت على أسنانها ثم هتفت بضيق: قلة ذوق! لم يعقب أمجد إنما إبتسم بإستفزاز وخرج قائلًا لنفسه في وعيد: عاوزة تتربي يا حاجة ماهيتاب، وأنا الي هربيكي!
بعد مرور شهر. إستطاع سليم أخيرا أن يأخذ راحة من عمله، وعاد إلى القاهرة مجددًا بصحبة والدته السيدة نبيلة... رحب بهما مصطفي وكذلك فعل والده محمد.. بينما أقبلت سهيلة لتعانق نبيلة وتصافحها، ولم تنظر إلى سليم الذي ضغط على شفتيه بغيظ من فعلتها تلك!. جلسوا جميعًا بعد ذلك يتناولون الغداء حول مائدة الطعام، بينما قال مصطفي بمرح: سهيلة الي عاملة الأكل ده كله يا جماعة ولوحدها!
أردفت نبيلة بإنبهار: ما شاء الله، بجد الأكل يجنن يا سوسو، مكنتش أعرف إن أكلك حلو كده إنتي إتعلمتي الطبخ إمتي؟ أجابتها سهيلة بإبتسامة خفيفة: من زمان كنت بشوف برامج الطبخ وأتعلم أنا وأروي.. نبيلة بإعجاب: نفسك حلو أوي في الأكل، إيه رأيك يا سليم!؟ مط سليم شفتيه وتابع بهدوء: عادي بصراحة يا ماما، وأكلك أنتي أحلي...
صُدمت سهيلة من كلامه، وحدقت به، ليردف هو بجدية مصطنعة: سوري يا سهيلة أصل أنا صريح، والأكل ده مايع جدا وملوش طعم.. مصطفي بإستغراب: بس الأكل حلو ولذيذ يا سليم، إنت أكيد مش في وعيك. سليم بهدوء: جايز أنا الي حاسس كده عشان إتعودت على أكل ماما بس..
علم مصطفي أنه يفعل ذلك عندا في سهيلة، فضحك بخفوت وتناول طعامه بصمت، وساد الصمت لعدة لحظات كلا منهم يتناول طعامه بصمت تام، فكان سليم يختلس لها النظرات وكذلك هي، إلى أن رن هاتفه، فإلتقطه وأجاب قائلًا بتلهف: حبيبي، كنت مستني منك مكالمة. إتسعت عيني سهيلة لسماعها هذه الكلمة حبيبي من هذه ياتري؟
إزدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تستمعه يقول: طبعا هقابلك ده أنا واخد أجازة مخصوص عشان خاطرك يا قمر، أستريح بس وجايلك على طول، تمام، سلام يا روحي!. أغلق الخط، ليقول مصطفي بضيق: مين دي يا سليم الي إنت نازل حب فيها ولا عاملنا أي إحترام!
نظر له سليم ثم قال بتنهيدة: واحدة أعرفها من فترة يا عمي، في الأيام الأخيرة إتكلمنا كتير وبصراحة حسيت إنها ملت الفراغ الي جوايا وبعد إذنك إنت وبابا وماما طبعا، عاوز أتقدملها.. ألقت سهيلة الشوكة من يدها وأصبحت في حالة من الصدمة واليأس والغضب أيضا، بينما قال محمد بجدية: ايه يا سليم الكلام ده؟ وكذلك قالت نبيلة: مالك يابني إنت سخن ولا إيه؟
نهض سليم قائلًا بجدية: أبدا يا ماما أنا زي الفل، عن إذنكم أطلع أوضتي بقي أغير عشان متأخرش على جوجو! ثم تحرك متجها إلى الدرج وصعد قبل أن ينفجر على منظر سهيلة التي كانت فاغرة شفتيها بصدمة جلية.. ضرب مصطفي كفا على كف وهو يتابع: الواد ده شارب حاجة ولا إيه، جوجو مين وبتاع ايه!
نهضت سهيلة وهي تقول بثبات: الحمدلله شبعت، ثم توجهت لتصعد إلى غرفتها، ركضت على الدرج وقلبها يخفق بعنف، مرت من أمام غرفته لتجد الباب مفتوح فهتف مناديا عليها: سهيلة! تسمرت مكانها لثوانِ، ثم إلتفتت له فقال مبتسما: تعالي عاوز أخد رأيك في حاجة.. دلفت إلى الغرفة وهي تسأله بحدة: نعم، في إيه؟ سليم بهدوء وهو يغلق أزرار قميصه الجديد: إيه رأيك في القميص ده؟ سهيلة بإيجاز: حلو..
سليم غامزًا: تعرفي ده هدية من جوجو، تصوري بعتتهولي على إسكندرية! زفرت سهيلة بضيق وراحت تمسح على وجهها بتوتر، ليقول سليم بإبتسامة: مالك، إنتي كويسة؟ صاحت سهيلة بغضب: أيوة كويسة، كويسة خالص، مالي يعني ما أنا كويسه أهووو صمت سليم كاتما ضحكاته، لتخرج سهيلة من الغرفة وتتجه إلى غرفتها، فأغلق سليم الباب وإنفجر ضاحكًا عليها بعد أن تأكد من مشاعرها تجاهه..
رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الحادي والخمسون
خرج سليم من غرفته وهو يضحك بشدة، بينما هتف مناديًا على الشغالة: يا سنية.. هبط الدرج بتمهل ولا يزال يضحك، ثم قال من بين ضحكاته: خدي يا سنية القميص ده إكويه من فضلك..
أومأت سنية في طاعة وأخذته منه، ليضرب سليم كفا على كف ويصعد مرة أخرى إلى غرفته، خرجت سهيلة من غرفتها لتتقابل معه في الرواق، ثم رمقته بنظرات مغتاظه وهي تراه يضحك عاليًا بتسلية، أغلقت عينيها وهي تتأفف بضيق، ثم تحركت من أمامه هابطه الدرج بعصبية، لتسمع صوته يهتف من بين ضحكاته: جايلك يا جوجو..
عضت على شفتها السفلي بضيق لتتجه إلى الردهة، وجدت سنية تقوم بكي القميص، فإقتربت تحدجه بحنق وهي تهمس: مش حلو أصلا وذوقها وحش جدا صح يا سنية؟ إبتسمت سنية ولم تعقب لتتفاجئ بمصطفي ينادي عليها وهو يقول: سنية تعالي من فضلك.. تركت سنية المكواه وصعدت إليه، بينما لاحت فكرة شريرة في عقل سهيلة، فإبتسمت بمكر وراحت تجذب المكواه وتضعها على القميص وتتركها لتركض إلى غرفتها سريعا..
عادت سنية بعد قليل لتتسع عينيها وتلطم على صدرها بصدمة، وتحدث نفسها: ينهار أسود، والله أنا سبت المكوة بعيد عن القميص إزاي إتحرق كده! بينما هبط سليم الدرج وهو يقول بجدية: خلصتي يا سنية؟ ترقرقت العبرات في عيني سنية وهي تقول بخوف: آآ، أنا والله مش عارفه ده حصل إزاي.. نظر سليم إلى قميصه بصدمة جلية، ثم هتف بعدم تصديق: ينهار مش فايت، القميص الجديد، إنتي بتهزري يا سنيه.
قالت سنية: والله يا سليم بيه أنا حطيت المكوة بعيد عنه ومصطفي بيه ندهلي طلعت أشوفه عاوز إيه، رجعت لقيت المكوة محطوطه عليه كده والله ما عملت حاجة.. زفر سليم بضيق، وهو ينظر بحسرة إلى القميص ذو الماركة الفخمه، ثم قال بعصبية: القميص جديد لانج يا سنيه، صحصحي يا سنيه! هبطت سهيلة مرة أخري وهي تستمع صياحه، كانت تبتسم بإنتصار، ليقول بمكر بعد أن لمحها تهبط: ياسنيه القميص هديه من جوجو، عارفة يعني ايه جوجو..؟
قالت سنيه من بين دموعها: والله يا سليم بيه ما حطيت المكوة على القميص حتى أسأل ست سهيلة هي كانت واقفه و... قاطعها سليم رافعًا أحد حاجبيه وهو يلتفت إلى سهيلة: أهاااا، قولتيلي بقي، خلاص أنا كده عرفت مين الي حرق القميص! إرتبكت سهيلة وهي تقول بتوتر بالغ: نعم، تقصد ايه بكلامك يعني أنا الي حرقته؟ سليم بهدوء: حد قال إن إنتي، مالك متعصبة ليه؟ إزدردت ريقها وتابعت بخفوت: أها بحسب!
تفاجئ سليم بوالده يهتف بإسمه، فتنهد بغيظ، وتحرك متجها إليه، بينما صعدت سهيلة مرة أخرى إلى غرفتها بخجل شديد وهي تؤنب نفسها على فعلتها..
منذ أن علمت ماهيتاب برغبة أمجد في الزواج منها وهي تراوغه، لم ترفض ولم تقبل إنما أقسمت أن تُربيه أولا قبل أن ينولها.. بينما كان أمجد يهاتف زياد يوميًا لمعرفة قرارها إلا أن زياد كان يخترع أي عذر ويعود يتحاور مع شقيقته، حتى يعرف ردها النهائي.. شهرًا كاملًا ٱلي أن نال أخيرًا أمجد موافقة سمو الأميرة ماهيتاب التي توعد لها بداخل نفسه.. وحان الآن الوقت لزيارته لمنزل زياد..
آتي بصحبة أمهُ وشقيقته الصغري ذات العشر أعوام التي أضافت بهجة وجو من المرح.. بينما في الأعلي كانت ماهيتاب متوترة إلى حد كبير وكانت دارين تحاول تخفيف توترها بأي وسيلة.. - هموت من التوتر يا دارين! أردفت ماهيتاب بتلك الكلمات بتوتر بالغ، في حين تابعت دارين ضاحكة: - دلوقتي عاملة مكسوفة وأنتي بقالك شهر مغلبانا معاكي، أنا قولت إنتي هتخشي بقلب جامد.
أخذت ماهيتاب زفيرًا قويًا لتحاول السيطرة على توترها، إلى أن طرقت أروى الباب قائلة بإبتسامة: يلا يا جماعة زياد بيقولكم إنزلوا.. أومأت دارين بإيجاب وجذبت معها ماهيتاب وخرجتا بصحبة أروى.. ما إن توجهن إلى الأسفل حتى هتفت الصغيرة بمرح طفولي: أمجد هي دي الحاجة ماهيتاب؟ وضع أمجد يده على فمها وقد إتسعت عينيه وهو يرمقها بتحذير، فقال بحرج: احم، آآ دي العروسة..
بينما ضغطت ماهيتاب على شفتيها بغيظ وهي ترمقه بتوعد، لتبتسم والدته السيدة سميرة وتصافحها بإعجاب وهي تقول: أهلا يا حبيبتي، ما شاء الله زي القمر.. إبتسمت لها ماهيتاب بخجل ثم راحت تجلس بجانب شقيقها، ووالدتها التي رحبت بهم.. أسرعت الصغيرة تصافح ماهيتاب وهي تتابع ببراءة: أنا ملك أخت أمجد الصغيرة..
إبتسمت ماهيتاب وقبلتها بحنان، بينما قالت ملك بضحكة طفوليه: أمجد حكالنا عنك كتير تعرفي كان بيقول عليكي ايه، آآ.. قاطعها أمجد بحزم: ملك تعالي هنا! بينما قالت سميرة بجدية: إقعدي ساكتة يا ملك عيب.. ركضت الصغيرة لتجلس بجانب شقيقها الذي همس بغيظ: بتسيحيلي، ماشي يا ملك لما أروحلك بس.. كتم أمير ضحكاته حيث كان يجلس بجانبه من الجهه الأخرى، ليردف بخفوت: - إتسيحلك وبقي شكلك في الضياع يا أمجد!
وكزه أمجد بخفة، ليعتدل في جلسته، وهو يسمع والدته تقول بجدية: - إحنا جايين النهارده عشان نطلب إيد ماهيتاب بنتكم ل إبني أمجد يا جماعة أردفت نجاة بإبتسامة: أمجد ما شاء الله شاب كويس وأخلاقه عاليه وإحنا يشرفنا يا مدام سميرة بادلتها سميرة الإبتسامة وهي تردف: الشرف لينا يا حبيبتي.. بينما قال زياد بمرح: وبالنسبة للأخ أمجد، مش هتعرفنا على حضرتك؟ إتفضل المايك معاك!
ضحك الجميع، ثم تابع أمجد من بين ضحكاته: ايه يا زياد ما أنت عارف كل حاجه! زياد ضاحكا: وماله نتعرف تاني!، ثم تابع بمرح: خلاص هنسيبك إنت والعروسة تتعرفوا على بعض بس بقولك إيه ربع ساعه بس فاهم.. أومأ أمجد ضاحكا: طب جاي على نفسك ليه، خليها عشر دقايق بس!. ضحك الجميع وتركوهما بمفردهما وأصبحوا على بعد مسافة لا بأس بها منهما..
ساد الصمت بينهما، كانت ماهيتاب في أشد حالاتها خجلا، بينما كان أمجد ينظر لها بتمعن إلى أن رفعت وجهها ونظرت إليه لتراه محدقا بها فتحاشت النظر إليه بإرتباك.. أردف أمجد بصوت رجولي: هتفضلي ساكته كتير يا ح، صمت ليتابع غامزًا: قصدي يا آنسة ماهي! رفعت ماهيتاب رأسها ترمقه بحدة، ثم قالت بضيق: ايه ماهي دي، أنا إسمي ماهيتاب على فكرة.. أمجد بهدوء: ما أنا عارف، بس بدلعك! ماهيتاب بخجل: أها، شكرا مش عاوزة دلع!
أمجد وقد إرتفع أحد حاجبيه: والله براحتي، أنا حر.. صمتت ماهيتاب بغيظ، ليتابع أمجد بجدية: عرفيني على نفسك يا آنسة ماهيتاب ولو عندك أي أسئلة إتفضلي!. تنهدت ماهيتاب بعمق، ثم أردفت بثبات: إسمي ماهيتاب جمال، عندي 21 سنة في السنة الآخيرة بكلية التجارة، كنت عايشة السنين الي فاتت في أمريكا مع بابا وماما وزياد ونزلنا مصر بس بابا معرفش ينزل عشان شغله كله هناك، وأنا حولت تعليمي هنا..
أومأ أمجد وتابع: على كده بقي بتتكلمي إنجلش كويس صح؟ أومأت ماهيتاب بثقة: طبعا، معايا كورس إنجلش وفرنساوي! أمجد مبتسما: برافو عليكي، ثم تابع: كنتي بتحلمي فارس أحلامك يكون ايه مواصفاته؟
أجابته بخفوت بعد أن أطلقت تنهيدة طويلة: أنا هكون صريحة معاك جدا، أنا مكنتش ملتزمة كده ولا ده كان لبسي أصلا، تقدر تقول كنت طايشة وهوائية، بحلم بشاب إستايل وأمور وجنتل بس مكنتش أعرف حاجات كتيرة أوي، لحد ما في يوم إتغيرت وقعدت مع دارين وعلمتني حاجات كتيرة في ديني مكنتش أعرفها، وأقنعتني إني أغير من لبسي وأسلوبي وفعلا إقتنعت جدا وبقيت أحسن من الأول، أنا دلوقتي حاسة إني مرتاحة نفسيا وأنا لابسه واسع ومرتاحة وأنا بصلي وبذكر ربنا، مرتاحة لأني إتغيرت من جوه ومبقتش طايشة، صحيح ساعات بتجنن شوية بس أنا راضية عن نفسي دلوقتي..
أعجب أمجد بها بشدة، فأردف بإبتسامة: كلام جميل وموزون، وأنا فخور بيكي! إبتسمت بخجل ثم قالت بضحكة خفيفه: بس أنا لسه مش جاوبتك على سؤالك، مواصفات فتي أحلامي دلوقتي، إنه يكون محترم وبيصلي ومش بيشرب سجاير، ولا يشتم ولا يهين ولا يضرب كمان، أنا عاوزة أعيش حياة هادية تحت رضا ربنا بإختصار فهل أنت الإنسان ده..؟
صمت أمجد قليلًا ثم تابع مبتسما: ولو مش أنا هحاول، أنا الحمد لله بصلي، ومش بشرب سجاير، بس لأكون صريح معاكي أنا عصبي جدا وبصراحة تامة لساني بيطول ومبعرفش أنا بقول ايه لما بتعصب! ماهيتاب بجدية: أفهم من كده إنك ممكن تتطاول عليا في أي مرة؟
أمجد بتنهيدة: أنا بحب الي يطاوعني، وحتى لو هتعملي الي إنتي عاوزاه بس بلاش مجادلة يعني وقت غضبي تسكتي بمعني أصح، أنا بعرفك عيوبي قبل مميزاتي وده حقك عليا عشان بعد كده متتفاجئيش طبعا ليكي الحرية تقبلي دلوقتي أو ترفضي، بس إحنا بشر ومفيش حد كامل مش كده برضو ولا إيه؟ أومأت ماهيتاب بهدوء: أكيد كلنا فينا عيوب.. أمجد رافعا أحد حاجباه: يعني موافقة؟
صمتت بخجل شديد وهي تطرق رأسها للأسفل، بينما تابع أمجد بتصميم: عاوز أسمعها منك لو سمحتي، موافقة على الجواز مني يا ماهيتاب؟ ظلت صامتة، وطال الصمت، لكنه ينتظر ردها بشوق وتصميم.. إلى أن قالت بخفوت ووجنتيها تتورد خجلا: م موافقة! إبتسم بإتساع، ليردف بمزاح: على خيرة الله يا حاجة ماهيتاب! إستجمعت ماهيتاب قواها وقد هبت واقفه لتشير إليه بسبابتها: تاني! بتقولي يا حاجة تاني.. أمجد ضاحكا: خلاص خلاص سحبت الكلمة..
لتتم بعد قليل قراءة الفاتحة وسط جو من المرح والبهجة وتبادل الضحكات والمزاح من الجميع..
تأخر الوقت وأصبحت الساعة بعد منتصف الليل ولم يحضر، فهل هو مع هذه الفتاة التي يحدثها وعلي موعد معها؟ كانت سهيلة تُفكر بضيق وهي تقف في الشرفة تقضم أظافرها بغيظ.. شعرت بالملل فخرجت من الشرفة ومن الغرفة، دلفت إلى غرفته وهي تبتسم بحزن، هل سيتركها بعد أن زرع الأمل بداخلها، هل لم يحاول مرة ثانيه في إقناعها للزواج منه، وركض وراء أخري؟
ترقرقت العبرات في عينيها وهي تنظر إلى صورته المعلقة على الحائط، تريده، وتريده بشدة، تريد أن تبني حياتها من جديد تريد حياة نظيفة وهو فارسها فيها وحبيبها.. أخذت تتفحص أشيائه وملابسه المبعثرة على الفراش بإهمال، مسحت دموعها بإيجاز وإلتفتت لتخرج، لكنها شهقت بفزع حين إصطدمت بجسده القوي.. سألها بخشونه وهو رافعا أحد حاجبيه: بتعملي إيه هنا..؟ قالت بصوت مرتجف: آآ أن أنا، أنا...
صمتت وهي تبتلع ريقها الذي جف فجأه، بينما هو دلف وأغلق الباب لتتسع عينيها صدمة وهي تهتف: إفتح الباب! -ششششش، همس لها بجدية وهو ينظر إلى عمق عينيها، تابع بحزم: هو دخول الحمام زي خروجه ولا إيه..؟ إقعدي عشان عاوزك في كلمتين! ظلت محدقة به دون أن تنبس ببنت شفه، فزمجر هو بخشونة: بقول إقعدي ؛!
جلست على طرف الفراش، ليجلس هو قبالتها على مقعد صغير، وراح يستند بمرفقيه على ساقيه وهو يقول بغضب مصطنع: أنا هسأل وإنتي تجاوبي وإياكي تكذبي مفهوم ولا لأ؟ أومأت سهيلة برأسها وقالت حانقة: طيب.. سليم بجدية: س/ كنتي بتعملي إيه في أوضتي؟ سهيلة بتوتر: ها.. سليم بحدة: جاوبي إزدردت ريقها وتابعت بإرتباك: آآ أنا دخلت بالغلط كنت فكراها أوضتي وكنت خارجة.. حك سليم صدغه بإبهامه، ثم تابع: مم أوك هعمل نفسي مصدقك..
ثم عاد يسألها: س/ مين حرق القميص بتاعي، أقصد الي جابتهولي جوجو؟ زفرت سهيلة بضيق وأجابت: معرفش.. سألها بهمس: ايه مصحيكي لحد دلوقتي؟ أجابته بحنق: أنا حرة! تابع بحزم: كنتي بتعيطي ليه؟ سهيلة بتنهيدة مؤلمة: مش بعيط، يعني هعيط ليه أصلا؟! صمت طويلًا، إلى أن قال فجأة بهمسٍ أذابها: أنا بحبك يا سهيلة وعاوزك تبقي مراتي.. صُدمت وهي تحملق به بتوتر وخجل شديدين، رمشت بعينيها عدة مرات، ثم تفوهت بخفوت: ها آآ...
قاطعها بهدوء: إنسي الي فات وإبدئي معايا من جديد لكنها قالت بخفوت وهمس حزين: بس إنت مرتبط وهتتقدم لجوجو دي.. ضحك عاليًا وهو يقول غامزًا: يعني بنغير أهو وحلوين أومال مصدرالي الطرشه ليه بس! قالت سهيلة بثبات: مش بغير، أنا بسألك بس.. أجابها سليم بمزاح: مفيش حاجة إسمها جوجو أصلا، بصراحة دي كانت خطة عشان أصحصحك وأعرف مشاعرك والحمدلله عرفت وإتاكدت إنك بتبادليني نفس الشعور..
تلعثمت سهيلة وهي تقول بنزق: آآ، على فكرة يعني عيب.. قهقه سليم ليقول من بين ضحكاته: لا بس جابت نتيجة!. لتقول سهيلة بتساؤل: أومال مين الي كنت بتكلمها في التلفون؟ أجابها ضاحكا: ده واحد صاحبي، والقميص أنا الي إشتريته جديد بس يا خساااارة دمرتيه سهيلة بإرتباك: قولتلك مش أنا سليم بغمزة: عموما حسابك معايا بعدين، مش دلوقتي!.
ثم تابع مكملا بجدية: عاوز أسمع رأيك يا سهيلة وده أخر كلام عندي، بعدها هحترم قرارك أيا كان ومش هفتح معاكي الموضوع ده تاني، لكن دلوقتي لازم تجاوبيني وبصراحة، تقبلي تعيشي معايا زوجة وحبيبه؟ أغلقت عينيها بألم، إنسابت دموع حارقه ألهبت وجنتيها المحمرتين بشدة.. سألها سليم بقلق: طب ليه الدموع..؟
ردت عليه بصدق بعد أن فتحت عينيها لتنظر له: أنا خايفة، خايفة ومش مصدقة إنك هتقبل تتجوزني وإنت عارف كل حاجه حصلت معايا، مش مصدقه إنك هتتغاضي عن الي حصل وتكمل حياتك معايا، وخايفة في يوم من الأيام، ت.. صمتت فجأة وهي تمسح دموعها، ليقول سليم بهدوء: كملي، خايفة في يوم من الأيام أعمل إيه؟
ردت عليه بخجل: خايفة تعايرني لو حصلت بينا أي مشكلة وتفكرني بالي حصل، خايفة ميبقاش عندك ثقه فيا، خايفة تشك إني ممكن أعمل زي مراتك الألونيه!
حرك رأسه نافيًا ورافضا لما تقول، ثم قال بجدية تامة: مستحيل، كفاية إنك واضحة وصريحة وكفاية إنك ندمانة وتوبتي، كفاية قلبك الي إتعذب ولسه طيب وأبيض، أنا بحبك يا سهيلة ومن أول ما شوفتك في القسم وأنا حسيت إنك كويسة، أوعدك عمري ما هفكرك بالماضي وهنبدأ من جديد وأنا بقي هثبتلك كده، وبعدين ليه مش مصدقه، إنتي مش عارفة إن الجواز ده قسمة ونصيب وإنتي قسمتي ونصيبي يا سهيلة وحقي كمان..
ظلت صامتة وهي تستمع إليه بينما قلبها يضرب كالطبول، ليقول بتصميم وإصرار: موافقة تتجوزيني يا سهيلة..؟ وما كان من سهيلة إلا أن أومأت رأسها ببطئ ثم قالت بصوت مرتجف: أوعدني متجرحنيش ومتسبنيش أوعدني تكون دنيتي وأماني إبتسم وقال: أوعدك.. بادلته الإبتسامة وهي تهمس: وأنا كمان أوعدك أكون ليك زوجة تصونك وتطيعك..
ثم نهضت سريعًا بخجل وإتجهت إلى الباب لتفتح وتخرج ليتنهد سليم بحرارة وهو يبتسم بإتساع، بينما دلفت سهيلة وهي تتحسس وجهها الساخن ووجنتيها المتوردتين، لتهمس بسعادة: وأنا كمان بحبك..
صباح يوم جديد.. نهضت سهيلة بحيوية لتتوضأ وتصلي صلاة الضحي أولا.. حتى إنتهت وهبطت للإسفل تجهز وجبة الإفطار بسعادة لا توصف ل أول مرة بحياتها تشعر بها.. ذهبت إلى طاولة الطعام ترص الأطباق وتعود إلى المطبخ، ليأتي مصطفي بعد قليل وهو يهتف بإبتسامة: صباح الخير يا سوسو آتيت سهيلة من المطبخ: صباح الخير يا بابا.. نظر لها وقال بمرح: إيه القمر ده، مالك النهارده حلوة أوي كده ليه؟ - هي على طول حلوة يا عمي..
تفاجئ بسليم الذي نطق بهذه العبارة وهو يجلس على أحد المقاعد.. بينما رفع مصطفي أحد حاجبيه وهو يقول: ده ايه الي بيحصل بقي، سبحان مغير الأحوال، فهموني؟ قال سليم وقد بدأ يتناول طعامه: مفيش يا عمي، أنا وسهيلة إتفاهمنا وإتفقنا على الجواز خلاص.. مصطفي بسعادة وهو ينظر إلى إبنته: بجد؟ أومأت سهيلة بإبتسامة، بينما قال مصطفي بفرحة: مبروك، ربنا يتمم بخير أخيرا إتفقتوا أومال إيه حكاية جوجو دي يا سي سليم؟
ضحك سليم بمرح، لتقول سهيلة مبتسمه: حضرت الرائد كان عامل مقلب فيا عاجبك كده يا بابا؟ والدها نافيًا: أبدا، حسابك معايا بعدين يا سليم.. ليأتي الجميع بعد قليل ويسود بينهم جو من السعادة والبهجة...
رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والخمسون
في فيلا زياد.. نهض زياد من فراشه بتكاسل فلم يجد دارين بجواره، ولم تقوم بإيفاقته كعادتها كل يوم، فعقد حاجبيه بإستغراب، ونهض ليدلف إلى المرحاض، ومن ثم خرج بعد قليل بعد أن إغتسل وتوضأ ليصلي صلاة الضحي.. ثم إرتدي ملابسه وخرج من الغرفة باحثًا عن زوجته ليتقابل مع ماهيتاب التي قالت بإبتسامة: صباح الخير يا زيزو بادلها الإبتسامة وهو يقول: صباح النور يا ماهيتاب، هي دارين فين..؟
ماهيتاب بهدوء: معرفش هي مش جوه في الأوضة؟ زياد بنفي: لأ مش جوه، ثم توجه ناحية الدرج وهو يقول بقلق: هشوفها يمكن في المطبخ! هبط الدرج ليتجه إلى المطبخ فلم يجدها أيضا، فإزداد قلقًا وهو يهتف: مش جوه، إومال راحت فين! قالت ماهيتاب: يمكن خرجت تشتري حاجة.. زياد بجدية: من إمتي وهي بتخرج من غير ما تقولي.. أنهي كلامه وإلتقط هاتفه من جيبه ليهاتفها..
وضع الهاتف على آذنه وإنتظر حتى يأتيه الرد منها، إنتظر طويلا فلم ترد.. ضغط على أسنانه بغضب وهو يقول: مبترديش كمان، يا دارين!، طيب بس لما أشوفك.. أردفت ماهيتاب: إهدي يا زياد يمكن خرجت ل أمر ضروري! مرت ساعة، ظل زياد يسير ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ وعصبية شديدة.. إلى أن وجدها أخيرًا تفتح وتدلف من الباب بصحبة السيدة نجاة..
أسرع زياد نحوها وعينيه تتوهج غضبا، جذبها من ذراعها وهو يهتف بعصبية: كنتي فين؟ وإزاي أصلا تخرجي بدون إذني؟! قالت دارين بخوف: زياد آآ... قاطعها زياد بحدة: نهارك مش فايت معايا أصلا! بينما قالت نجاة بإبتسامة: صلِ على النبي يا زيزو، أنا الي قولتلها متقوليش لزياد والله هي ملهاش ذنب، أنا قولتلها على ما يصحي نكون جينا.. زياد بغضب: تكونوا جيتوا منين يا ماما؟ هتفت دارين سريعًا: من المستشفي..
زياد بقلق ممزوج بالغضب: مستشفي ليه؟ أسرعت نجاة تقول: أبدا يا سيدي دارين حامل وهتبقي أب عن قريب وحبينا نعملهالك مفاجأة.. شعر زياد بالفرحة تغمر قلبه، لكنه لم يرخي ملامح وجهه الصارمة، حيث قال بجدية: بس الي عملتيه غلط يا دارين، ومش هعديهالك، ومتتكلميش معايا نهائي مفهوم ولا لأ؟
أمسكت دارين يده وهي تقول بتوسل: لا يا زياد الله يخليك، والله أنا آسفة حقك عليا، أنا فعلا غلطانة ومش هعمل كده تاني، والله حبيت أعملك مفاجأة لما تصحي من النوم بس.. بينما هتفت ماهيتاب وهي تصفق بيدها بسعادة: هيييه هبقي عمتو وهيبقي عندنا نونو ألعب بيه.. كاد زياد أن يضحك لكنه قال بجدية مصطنعة: إسكتي إنتي كمان إحنا في إيه ولا إيه؟ بنتكلم جد وأنتي عاوزة تلعبي بالنونو، محدش هيلعب بيه غيري أصلا!
قهقهت نجاة قائلة من بين ضحكاتها: أنت ملكش حل يا زياد بينما ضحكت دارين وهي تدفن وجهها في كتفه، ليقول زياد رافعًا أحد حاجبيه: بتضحكي على إيه يا دارين، قولت مخاصمك! دارين برقة: أنا آسفة يا زيزو.. أشارت نجاة إلى إبنتها ماهيتاب وهي تهتف: تعالي يا ماهي نحضر إحنا الفطار.. بالفعل ٱتجهتا إلى المطبخ وتركتا زياد ودارين بمفردهما..
رفعت دارين وجهها عن كتفه وهي تقول بخجل: حقك عليا يا زياد، والله أول وأخر مرة أخرج من غير ما أقولك ولو عملت كده تاني إبقي خاصمني براحتك ماشي..؟ حرك زياد رأسه بنفي، لتردف دارين: طيب حقك عليا طاه! - طاه! قالها بجدية وهو يتابع: يعني غلطانة وبتهزري صح؟ أومأت ضاحكة: ما إنت الي علمتني، وبعدين أنا كنت عاوزة أعملك مفاجأة والله يا زياد قولت لما تعرف إني حامل مش هتتعصب كده..
صمتت قليلًا ثم تابعت: ولسه عندي مفاجآت تاني كتيييير، بس مش هقولك إلا لما تصالحني الأول.. زياد بإيجاز: مصالحك، يلا قولي دارين بتذمر: لأ صالحني بذمة عشان خاطري.. ضحك زياد رغما عنه، ثم قبل وجنتها برفق وإنتقل إلى وجنتها الأخري يقبلها بتمهل، وهو يهمس: حلو كده يا ست دارين؟ أومأت دارين برأسها وقالت مبتسمة: حلو أوي، بص بقي المفاجأة الأولي.. صمتت وهي تمسك يده وتقول بمرح: هيبقي عندنا إتنين نونو مش واحد بس..
رفع زياد حاجباه في دهشة، ثم تابع بتساؤل: أنتي حامل في توأم؟ أومأت دارين بسعادة، ليبتسم زياد بإتساع ثم جذبها إلى أحضانه معانقا إياها بقوة وهو يهمس: الحمدلله والشكر لله، أنتي متأكدة يا دودو؟ قالت دارين مؤكدة: اه والله، أنا روحت المستشفي عشان أعمل إختبار وكمان سونار أبعدها زياد عنه قليلًا وراح يطبع قبلة فوق جبينها، ثم قال بفرحة: مبروك يا حبيبي، ثم قال في تساؤل: فين باقي المفاجآت بقي؟
نهضت دارين قائلة بحماس: غمض عيونك الأول يا زيزو.. زياد ضاحكا: ليه يا مجنونة هتعملي إيه؟ دارين بتصميم: غمض بس وأوعي تفتح عشان خاطري، ماشي؟ اومأ لها ثم أغمض عينيه وهو يبتسم، بينما ركضت دارين إلى المرآه وهي تمسك بيدها حقيبه صغيرة، ثم أخرجت منها نقاب وإرتدته على عجالة، ليهتف زياد بنفاذ صبر: خلاويص؟ هتفت دارين بمرح: لسه.. إنتهت من إرتدائه وهي تنظر إلى نفسها برضا، ثم عادت تتجه إلى زياد وقالت بسعادة: خلاويص.
فتح زياد عينيه ليراها هكذا، إبتسم بإتساع وقال: ايه ده، نقاب يا دودو أومأت دارين ثم دارت حول نفسها بفرحة وهي تقول: إيه رأيك يا زيزو..؟ أجابها زياد بإعجاب: جميل يا حبيبتي، ربنا يحميكي ليا ويباركلي فيكي.. إرتمت دارين في أحضانه، ليربت زياد على ظهرها برفقٍ وهو يهمس لها: إنتي أحلي حاجة في حياتي يا دارين..
في فيلا الأمير. إرتدت أروى ملابسها الجديدة التي إشترتها بصحبة دارين والسيدة نجاة.. حيث إرتدت عباءة واسعة تستر مفاتن جسدها بالكامل وإرتدت عليها طرحة طويلة تغطي ما يجب أن يُغطي ليُصبح لباسها، لباس شرعي كما قال الله.. إبتسمت برضي فما أجمل الستر والعفاف والحشمة، إنها تشعر بفرق شاسع بين ثيابها هذه وثيابها من قبل، شعرت به يحتضنها من الخلف وذراعيه القويتين تحيط خصرها وهو يهمس لها..
- زي القمر يا رورو اللبس ده أحلي بكتير أومأت له بسعادة: أيوة وأنا مرتاحة أوي كده يا أمير. قبل وجنتها برفق وهو يقول برومانسية: قلب أمير، راحتك أهم شئ عندي يا حبيبي. قالت أروى بإبتسامة: أنا إشتريت لسهيلة كمان لبس زي، وأول ما ننزل القاهرة هديهولها عشان أبقي أنا وهي زي بعض. اومأ لها قائلًا: تمام يا رورو..
مرت عدة أشهر، كانت أيام مستقرة للجميع حيث تمت فيها خطبة أمجد وماهيتاب كانت خطبة عائلية نظرا لعدم وجود والدها وإتفقوا آن يكون حفل الزفاف عندما يأتي من أمريكا إلى مصر، وكذلك تمت خطبة سليم وسهيلة وهما الآن يحضران لحفل زفافهما الذي ينتظره الجميع بشوق..
بينما أصبحت أروى في شهرها الأخير من الحمل وظهر على بطنها الإنتفاخ، تنام وتنهض بصعوبة بالغة تطلب أشياء غريبة للغاية ولكن أمير يفعل ما تريد بتعجب لحالتها المتقلبة.. بينما أصبحت دارين في الشهر الخامس وفي معاناه أيضًا مع طفليها اللذان يتكونان داخل أحشائها..
وأما عن السيدة كوثر فقد تحسنت حالتها للأفضل قليلًا ولم تنسي الدعاء بالرحمة يوميا لولدها الراحل، بينما أوشكت سلمي على الولادة فكان خالد يُساعدها دائما في كل شيئا يخصها ويعاملها برفقٍ تام..
وفي أحد الأيام.. تزينت الفيلا فأصبحت شكلها مبهج وجميل فاليوم هو عقد قران سهيلة وسليم.. الجميع يفرح والسعادة تعمّ على المكان وها قد إبتسمت الدنيا وآتي النور بعد الظلام، وأشرقت الشمس من جديد..
تزينت سهيلة وأصبحت كالقمر في تمامه، إرتدت فستانا رقيقا لونه أزرق سماوي بلون السماء مُطرز بالخرز الكريستال وفوقه طرحه ستان بنفس اللون بينما وضعت تاجا رقيقا فوق رأسها فأصبحت كالملكة المتوجة وعينيها تلمعانِ ببريقا من السعادة والخجل وهي التي كانت تظن أنها لن تمر بهذه اللحظة كانت تظن أنها لن تعيش حياة سعيدة مع رجلا يعوضها عن ما مضي..
أدركت فقط في هذه اللحظه أنها كانت مخطئة فهناك رب كبير يرزق من يشاء بغير حساب.. أقبلت عليها شقيقتها أروى تعانقها بسعادة بالغة فها هي شقيقتها أصبحت عروس جميلة، جميلة للغاية.. وكذلك فعلت السيدة نبيلة وهي تهتف بفرحة: زي القمر يا حبيبتي ربنا يسعدك إنتي وإبني يارب.. إبتسمت سهيلة بسعادة، ليتوجهن بعد ذلك إلى الأسفل حيث يوجد الرجال بصحبة سليم الذي إرتدي بدلة رمادية أبرزت وسامته وملامحه الرجولية..
وقف سليم ما آن رأها وفغر شفتاه بإنبهار فكانت حقا كالأميرات.. بينما أقبل مصطفي على إبنته يحتضنها بحنان بالغ وقد تلألأت عينيه بالعبرات، ثم طبع قبلة حانية على جبينها وهو يقول بسعادة: ألف مبروك يا بنتي ربنا يسعدك دايما.. إبتسمت له سهيلة وبادلته العناق بقوة محاربة شعور البُكاء الذي إنتابها الآن.. هتفت نبيلة بمرح: كفاية دموع بقي، يلا المأذون جه..
إبتعد عنها مصطفي وراح يضم إبنته أروى إليه وهو يمسح على ذراعها بحنان ويقبل وجنتها برفق، فهو أسعد الناس الآن فتياته بجانبه وفي أحسن حال بعد معاناة دامت عشرون عاما!. جلس المأذون وجلس مصطفي على يمينه وسليم على يساره الذي كان يحدق بسهيلة ويكاد أن يلتهمها بعينيه من شدة جاذبيتها.. ووقف أمير إلى جوار أروى محاوطا كتفيها بذراعه يشاركانِ العروسان فرحتهما..
بدأ المأذون في عقد القران إلى آن إنتهي بعد قليل وهو يهتف بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير تعالت الزغاريد وتعانق الجميع وتبادلون التهاني والمباركات.. إقترب سليم من سهيلة التي أصبحت زوجته شرعا أمام الله والناس.. ضمها إليه وهو يهمس بعشقٍ أذابها: مبروك يا روح قلبي.. توردت وجنتيها بشدة من فعلته تلك أمام الجميع لم تجرؤ على رفع وجهها أو حتى التفوه بكلمة واحدة، ظلت صامته تبتسم بخجل..
هتف مصطفي غامزًا: خُد عروستك وإخرج في الجنينه يا سليم، حلوا عننا بقي.. ضحك الجميع، ليجذبها سليم من يدها ويخرج بها إلى الحديقة.. كان يمسك يدها بشدة حتى قالت سهيلة بخجل: إيدي وجعتني يا سليم.. أردف سليم برومانسية: سلامتك يا قلب سليم، أصل أنا خايف تهربي مني.. ضحكت بخفوت: يا سلام ههرب أروح فين مط شفتيه وهو يُتابع: مش عارف، أنا عاوز أحبسك جوه قلبي عشان اطمن، مش عارف أنا بعشق أهلك كده إزاي!
ثم إحتضن وجهها بين كفيه وهو يهمس: بعشقك يا سهيلة إحمرت وجنتاها بشدة ثم أجفلت بخجل، شعرت بأنفاسه تلفح وجهها الناعم فإزدردت ريقها بتوتر، ليقترب هو ويطبع قبلة مطولة فوق جبينها ثم يأخذها في أحضانه مغلقا عينيه بإستمتاع.. أول لمسه وهمسه في الحلال، جعلها تندم عن الماضي ف آه لو كنت أنت الماضي والحاضر، آه لو كنت معي من بداية العمر ولم يلمسني غيرك.. أبعدها عنه قليلًا وهو يقول بتذمر: إيه بقي؟
سألته بإبتسامة: في إيه..؟ أجابها بمرح: في فرح وإتنين بيتجوزا! مش عاوزة تقولي حاجة لجوزك؟ حركت رأسها نافية بمراوغة، ليردف بغضب طفولي: والله أزعل وأجيب ناس تزعل يا سوسو قالت برقة: أقولك ايه بس يا سليم! تنهد سليم بنفاذ صبر وهو يقول بحزم: سهيلة! عضت على شفتها السفلي وهي تطرق رأسها للأسفل، ثم همست سريعا بخجل: بحبك يا سليم.. خفق قلبه بشدة لكنه قال بمزاح: مسمعتش! لكمته في صدره وهي تقول بتذمر: لا سمعت.
ضحك بخفة، ثم همس بجدية: مبسوطة يا سهيلة؟ مبسوطة إنك بقيتي على ذمتي ومراتي حبيبتي..؟ أومأت سهيلة وتفوهت بتلقائية: مبسوطة جدا، ربنا ميحرمنيش منك وتفضل تحبني على طول إختطف منها قبلة رقيقة ثم أسند جبينه على جبينها وهو يهمس بعشقٍ جارف: هفضل أحبك لآخر نفس فيا!
في اليوم التالي. ذهبت سلمي بصحبة خالد زوجها وامها وحماتها أيضًا إلى مستشفي خاصة بالنساء والتوليد، فاليوم هو موعد ولادتها القيصرية وهي الآن في أشد حالاتها توتر.. بينما كان خالد يمسح على ظهرها برفقٍ وهو يقول بإطمئنان: متخافيش يا لوما، أنا جنبك يا حبيبتي.. أومأت سلمي بخوف، وهي تري الممرضة تقبل عليها وهي تقول بإبتسامة: يلا يا مدام سلمي.. تشبثت سلمي بيد زوجها وقالت بخوف: تعالي معايا..
فأسرعت الممرضة تقول: ممنوع، لازم تدخلي العمليات معايا لوحدك، متخافيش.. أردف خالد بصوت رجولي: طيب أنا هاجي أدخلها بس وأخرج! أومأت الممرضة بنفاذ صبر لتخرج بصحبة خالد وسلمي.. وصلوا إلى باب غرفة العمليات، لتقول الممرضة بجدية: لحد هنا بس لو سمحت دي التعليمات أرجوك.. تنهد خالد ثم طبع قبلة فوق جبين زوجته، وقال محاولا بث الإطمئنان داخلها: حبيبتي، متخافيش أنا هفضل واقف هنا لحد ما تخرجي.
إنفجرت سلمي باكية وإرتمت في أحضانه وهي ترتجف بشدة، أخذ خالد يمسح على رأسها بحنان وهو يقول: ليه كده بس يا سلمي - أنا خايفة، قالتها وهي تدفن وجهها بين ضلوعه، ليقول هو بهدوء: لأ يا حبيبي متخافيش إقري المعوذتين والخوف هيروح وأنا هفضل هنا ماشي؟ أومأت له فراح يمسح دموعها بهدوء ثم دلفت بعد ذلك مع الممرضة تاركه إياه يدعو ويتضرع إلى الله أن يحفظ زوجته ويخفف من آلامها..
وما هي إلا نصف ساعة حتى خرجت سلمي على السرير النقال، فركض خالد إليها وأمسك يدها وهو يسير بسرعة حتى دلفوا بها إلى الغرفة مجددًا، نقلوها على الفراش برفقٍ، لتهتف نعمة بإبتسامة: حمدالله على السلامة يا سلمي.. بينما جلست كوثر جوارها وهي تقول بخفوت: حمدلله على سلامتك يا بنتي.. كذلك إقترب خالد يمسح على كف يدها وهو يقول: سلامتك يا لوما إبتسمت سلمي بإرهاق وسألت بصوت خافت: فين إبني؟
كاد خالد أن يتحدث فتفاجئ بالباب يُفتح وتدلف الممرضة وهي تحمل الصغير بين يديها، أخذه منها خالد بإبتسامة عريضة ليخفق قلبه بشدة فعاطفته الابويه تحركت مجرد أن حمله.. قبله بحنان ثم رفعه قليلًا وكبر في آذنه.. ثم إتجه إلى زوجته ليميل عليها قليلًا وهو يقول: سمي يا لوما. همست سلمي بإرهاق: حبيبي، إبني..
حملته نعمة وهي تهتف بسعادة: الله أكبر، زي القمر يا خالد يتربي في عزك يا حبيبي، ثم تابعت في تساؤل: صحيح هتسموه ايه يا ولاد..؟ قالت سلمي وهي تنظر إلى أمها الجالسة بجانبها: هنسميه ماجد إبتسمت نعمة وإتجهت إلى كوثر وهي تقول بمرح: خدي شوفي حفيدك ماجد يا أم ماجد.. حملته كوثر وهي تبتسم بحزن ولقد إنسابت دموعها الحارقه: ماجد!، أكملت بمرارة: يارب تتطلع شاب صالح وتكون فخر لأبوك وأمك، ربنا يبارك فيك يا حبيب ستك.
وفي مساء اليوم، كان حفل زفاف سليم وسهيلة حيث كان في أكبر الفنادق بالقاهرة، كان يمتلئ بالضباط والرتب ذو المناصب العليا الذين آتيوا لتهنئة الرائد سليم كارم.. كان حفل زفاف ضخم بمعني الكلمة، لم تصدق سهيلة هذا الحشد المجمع من الناس! أهذا حفل زفافها، نعم هو الذي وعدها به سليم وأقسم أن يكون حفل زفاف يتحاكي عنه الجميع..
كانت تتأبط في ذراعه بفستانها الأبيض الرقيق الذي يرفرف من حولها أينما تحركت، ومما أزادها جمالا ذلك الحجاب الذي إنسدل فوقه فأصبحت أكثر جمالا.. بينما كان سليم يتألق في بدلته السمراء وهو يقف جوارها بوقار.. همست سهيلة في آذنه: فرح ده ولا قسم بوليس..؟ إيه كمية الظباط واللوؤات دي؟ ضحك سليم وهو يقول: أصدقائي يا سوسو الله! ضحكت سهيلة برقة، ليهمس سليم بمرح: مش أوي كده عشان أنا مش مستحمل أصلاااااا.
وكزته سهيلة بخفة وهي تقول بتذمر: عيب بقي!
لاحظ أمير شحوب وجه زوجته حيث كانت تمسح حبات العرق عن جبينها، بينما يدها الأخري على بطنها وكأنها تنازع.. أسرع أمير متجها نحوها ثم مد يده ليمسح لها حبات عرقها الباردة وهو يقول بقلق: أروى، مالك يا حبيبتي في ايه؟ عضت أروى على شفتيها وهي تقول من بين أنفاسها اللاهثه: مش عارفه يا أمير، وجع جامد في بطني وضهري، أنا تعبانة أوي! أمير بقلق: أروى أنتي شكلك هتولدي صح؟
حركت رأسها بنفي وهي تقول ببكاء: لالا مش معقولة أنا كويسة.. هتف أمير وهو يجذبها إلى حضنه برفق: كويسة إزاي يا أروى أنتي بتولدي أنتي مش شايفة نفسك! أردفت أروى من بين بكاؤها: فرح سهيلة يا أمير، دي اول مرة تفرح مش عاوزة أبوظ الفرح، ااااااااه صرخت بشدة وهي تهتف بألم: اه اه ضهري! أسرع مصطفي إليها بهلع وهو يهتف: أروى، مالك يا حبيبتي.. أجابه أمير سريعا: شكلها بتولد.
صرخت أروى عاليًا وهي تضع يد على بطنها والأخري أسفل ظهرها: اااااه إلحقوني، إلحقوني.. أمسكها مصطفي مع أمير وهو يقول بإطمئنان إهدي يا حبيبتي متخافيش أنا معاكي إهدي.. توقفت الموسيقي وهبت سهيلة واقفة ثم ركضت وهي ترفع فستانها بيديها، وقالت بخوف: أروى حبيبتي في إيه؟ أجابها والدها بإيجاز: أروى بتولد يا سهيلة، إرجعي إنتي مكانك خدها يا سليم وإرجع الكوشة وأنا هاخد أروى على المستشفي أنتوا كملوا الفرح!
سهيلة بإعتراض: لا أنا لازم أجي مع أروى لا يمكن أسيبها أبدا! هتف والدها نافيا: لأ يابنتي مينفعش تيجي فين بس.. صرخت أروى مرة أخرى: إلحقني يا أمير إلحقني هموت.. أسرع أمير يقول: بعد الشر عليكي يا حبيبتي، ثم حملها بين ذراعيه وركض بها إلى الخارج فلم يتحمل صراخها أكثر من ذلك!.
ليتبعه مصطفي وكذلك سهيلة التي ركضت خلف شقيقتها تاركه حفل زفافها الإسطوري ووقف سليم لا يعرف ماذا يفعل بإحراج شديد وهو يهمس بذهول: ينهار أسود الفرح يا سهيلة!، ثم تلفت حوله بإحراج ليحسم قراره ويسرع خلف سهيلة وهو يهتف بحسرة: إستني يا سهيلة جاي معاكي، يخربيت حظي النحس!