رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع والعشرون
صعدت دارين خلف ماهيتاب الباكية وسط دهشة الجميع.. إرتمت ماهيتاب على الفراش وهي تشهق عاليا بمرارة.. لتجلس إلي جوارها دارين محاولة تهدئتها وهي تقول بحنان: - إهدي يا ماهيتاب، وقوليلي مالك إشكيلي إيه الي مزعلك؟ نهضت ماهيتاب جالسة على الفراش قائلة من بين بكاؤها:.
يعني أنتي مش عارفه؟، آد ايه كان نفسي أنزل مصر عشانه وكنت بعد الأيام والليالي عشان أنزل وأشوفه وفي الآخر ألاقيه بيحب واحدة تانية، ليه كده أنا عملتله ايه! وهي أحسن مني في ايه..
ضحكت دارين بخفوت على حديثها الساذج، ثم قالت بهدوء: وهو ذنبه ايه يا ماهيتاب، وهي كمان ذنبها ايه؟، أنتي بتقولي أنك بتحبيه بس هو حب واحدة تانية، وبيعتبرك أنتي زي أخته في الحالة دي مقدامكيش غير إنك تتمنلهم الخير وتعيشي حياتك عادي خالص كان شئ لم يكن.. ماهيتاب بحدة: بالبساطة دي!، هو أنا مش إنسانة وعندي مشاعر، إزاي بتقوليلي كأن شئ لم يكن! ربتت دارين على كتفها برفق قبل أن تتابع برزانة:.
بصي يا ماهيتاب خلينا نتكلم بصراحة، أنتي معشتيش مع أمير كتير، هو في مصر وأنتي في أمريكا بتشوفيه كل فين وفين فإزاي حبتيه وهو بعيد كده ومتقوليش احساسي، عشان الأحساس ده مش بيجي من فراغ كده، لازم يكون في مواقف خلتك تنجذبي ليه!، وأنا أعتقد يا ماهيتاب إنك منبهرة بس بيه مش حب.. قطبت ماهيتاب مابين حاجبيها ثم تابعت بإختناق: يعني ايه كلامك ده؟
تابعت دارين متنهدة بإبتسامة: يعني يا ماهي، أنتي ممكن تكوني معجبة بشكله أو إستايل لبسه فعقلك صورلك إنك بتحبيه، أو إنك شايفاه فعلا في صفات كويسة بس ممكن أوي ميكنش حب وحتى ياستي لو حب لازم تحاربي مشاعرك تجاهه طالما مش بيبادلك نفس المشاعر دي وقلبه مع واحدة تانية وده شئ ميزعلكيش، عشان كل ده قسمة ونصيب وارزاق ربنا موزعها وأكيد نصيبك حد تاني غيره ويمكن يكون أفضل منه كمان يحبك وميشوفش غيرك..
حركت ماهيتاب رأسها والعبرات تتساقط فوق وجنتيها، ، ثم همست بنبرة حزينة: لأ يا دارين أنا بحبه!
إبتسمت دارين مجددا ثم تابعت مردفة: تمام، في ايدك تتغاضي عن الشعور ده، متقبليش على نفسك تحبي حد بيحب غيرك، ، يعني الي هتحبيه ده لو مش بيحبك أكتر يبقي ميلزمكيش يا ماهي!، هو بيعتبرك زي أخته ولازم أنتي كمان تعتبريه زي زياد أخوكي، يا إما كده يا إما هتكوني بترخصي نفسك يا ماهيتاب وأنتي ربنا خلقك غالية، ده زائد الذنوب بقي الي هتاخديها طول ما أنتي باصلهم كده وبتعاملي أروى بالطريقة دي..
إزداد بكاء ماهيتاب المرير فما كان من دارين إلا أنها عانقتها رابتة على ظهرها برفقٍ وحنان قائلة بصوتٍ هادئ: شليه من دماغك يا حبيبتي وربنا هيعوضك خير، من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.. إبتدت ماهيتاب تهدأ قليلا، وقد إقتنعت إلي حد ما بحديث دارين، بينما جففت دارين دموعها بأنامل يدها وهي تقول بحماس: توعديني من النهاردة، تعاملي أروى بطريقة كويسة وتعتبري أمير زي زياد أخوكي؟
أومأت ماهيتاب برأسها وهي تقول بتنهيدة مؤلمة: أوعدك يا دارين.. عانقتها دارين وهي تقول بفرحة: ربنا يرزقك الزوج الصالح يا قلب دارين، يلا قومي بقي ٱغسلي وشك كده وأنا هنزل أطمنهم وأقولهم إنك كنتي مخنوقة شوية وكله بقي تمام إبتسمت ماهيتاب قائلة: ماشي..
توجهت دارين خارج الغرفة وأغلقت الباب بهدوء وما أن خرجت تفاجئت ب زياد واقفا وهو يبتسم لها بعذوبة، شهقت دارين بخفوت وهي تقول بجدية: خضتني يا زياد، أنت واقف كده ليه! غمز لها وقال مازحاً: كنت جاي أشوف ماهيتاب بتعيط ليه بس إظاهر إنك قومتي بالواجب يا دودو عقدت دارين حاجباها وهي تتابع بغضب طفولي وقد رفعت سبابتها أمام وجهه: أوعي تكون كنت بتتسنط علينا يا زياد!، هقتلك..
زياد ضاحكا: لأ والله بس سمعت أخر جملتين تلاتة كده وانا جاي إتسعت عيني دارين وهي تقول: جملتين تلاتة! سمعت ايه؟ تنهد زياد وقال: أنا فاهم الي بيحصل حواليا جدا وكنت متأكد من شعور ماهيتاب ناحية أمير، بس محبتش أحرجها وأنا سعيد جدا بكلامك معاها واكيد هي هتفوق وتشيله من دماغها، تابع بمزاح: بس ايه العقل ده يا دودو؟
ضحكت دارين وقد توردت وجنتيها وهي تنظر إلي الأرض بخجل، ليتابع زياد هامسا: هو أنا بحبك من شوية، يا... قاطعته وهي تنظر له بحدة قائلة بجدية: أنا كام مرة أقولك متقوليش الكلام ده؟، عيب عيب عيب.. أنهت كلامها وإنصرفت من أمامه حيث هبطت الدرج ليقف زياد مشدوها: كل ده عيب، آه يا مجنونة، شوية شوية هحس إني جاي من الكفار بسببك...
أصبحت سلمي كحمامة بيضاء ناعمة بفستانها الأبيض الرقيق وحجابها الذي أزاده جمالا وتألق.. كالفراشة الصغيرة وسط الورود ترفرف من شدة سعادتها، فها هي تنتظر حبيبها الذي أحبته وتمنت حياتها معه.. إتسعت إبتسامتها إشراق حين وجدته يدلف من باب مركز التجميل يبادلها الإبتسامة العاشقة، ليقترب منها وينظر إلي عمق عينيها بتمعن، ليجد حب صادق ينبع منهما.. ف أمسك بكف يدها الصغير مقبلا إياه بهدوء ثم همس في آذنها:.
شكلك زي القمر! إرتجفت ولا تزال تبتسم بسعادة، ثم تأبطت في ذراعه ليتوجها إلي السيارة المزينة بالورود.. إستقلا السيارة وظل ممسكا بيدها كأنه يخشي أن غيابها عنه.. سمعت صوته الرجولي يهمس لها: هو ده بجد ولا أنا بحلم؟ يعني إحنا مروحين على بيتنا وأنتي معايا! أومأت له بإبتسامة رقيقة: اه يا حبيبي.
تنهد بصوت مسموع ثم قال بغزل: يا قلب حبيبك، ده شكله هيبقي يوم عسل، ثم تابع بجدية: كان نفسي أعملك فرح كبير يا سلمي، بس الظروف بتحكم سلمي بتفهم: أنا مش عاوزة فرح، كفاية عليا أنت، والفستان الابيض وزفة العربيات دي! ضحك على حديثها العفوي وهو يضمها إليه بسعادة غمرت قلبه، متمني أن هذه السعادة تدوم ولا يوجد ما يعكر صفو حياتهما البسيطة تلك..
في ڤيلا الأمير إنتهوا من تناول الغداء وإحتساء الشاي أيضا.. قالت نجاة بمزاح: ياه، بجد مش قادرة أتنفس وحشني أكل سحر والأكل المصري أبو سمنة بلدي ده! ضحك زياد وتابع مرددا: وأنا كمان، بس للاسف دارين مبتعرفش تطبخ يعني على ما تتعلم هيكون جالي تلبك معوي رمقته دارين بنظرات مغتاظة وتابعت: كده يا زياد، ماشي وبعدين ماما نجاة هتعلمني أطلع اسكت بقي.
نجاة ضاحكة: طبعا إن شاء الله، هعلمك أنتي وأروي ولا أروى بتعرف تطبخ؟ أومأت أروى برأسها وقالت بإبتسامة: أيوة بعرف اطبخ الحمدلله.. نجاة بتساؤل: مامتك علمتك؟ إزدردت أروى ريقها بمرارة، ثم تابعت بثبات: لأ، أختي سهيلة نجاة بحماس: أنتي ليكي أخت؟ طب ليه مجاتش معاكي النهارده أروى بخفوت: هي مشغولة شوية.. نجاة بتفهم: ربنا معاها، أنتي معندكيش أخوات غيرها أروى نافية: لأ هي دي بس الي ليا في الدنيا كلها.
نجاة بفضول: يعني ايه، هو أنتي أهلك متوفيين؟ أومأت أروى برأسها وقالت: أيوة نجاة بتأثر: يا حبيبتي، زي أمير يعني.. إبتسمت وهي تطلع إلي أمير الجالس إلي جوارها: بس أمير عنده عمة جميلة وحنونة، يابخته بيها إبتسمت نجاة بإتساع وتابعت بحنان: وعمتك أنتي كمان ومامتك تصدقي بالله والله حبيتك أوي كأني أعرفك من زمان، أنتي زيك زي ماهيتاب بنتي متستغربيش ردت أروى بخجل: ربنا يخليكي، ده شرف ليا والله..
تابعت نجاة بتساؤل: قولولي صحيح، هتعلنوا الخطوبة إمتي؟ رد أمير، قائلاً بجدية: إحنا مش هنتخطب أصلا! نظر له الجميع بذهول وقالت أروى بقلق: ايه! حك ذقنه النابته وتابع بنفس الجدية: إحنا هنتجوز على طول، أنا إتعرفت على أروى بما فيه الكفاية، والخطوبة ملهاش أي لازمة بالنسبالي قال زياد مازحا: ممم، تحب تخش انت في المفيد على طول.. ضحك أمير وهو يقول بمرح: ولا أنتي ايه رأيك يا أروى؟ أروى بإبتسامة حزينة: الي تشوفه.
أردفت نجاة بحماس: على خيرة الله.. نهضت أروى قائلة بهدوء: أنا لازم أروح بقي إتأخرت أوي.. لينهض أمير هو الآخر قائلاً: ماشي يلا أوصلك عشان متتأخريش عن كده صافحت أروى نجاة التي قالت بحنان: مع السلامة يا حبيبتي، خلي بالك من نفسك.. إبتسمت أروى وقالت: الله يسلمك.. وكذلك صافحت دارين، وماهيتاب التي إبتسمت لها لاول مرة.. ومن ثم غادرت بصحبة الأمير..
إستقلا السيارة وإنطلقت بهما، ليسود الصمت بينهما لعدة لحظات.. ظلت أروى شاردة خائفة متوترة، أين سأذهب، هل سأبني حياتي معه على كذبة؟. وهل إذا إعترفت سيسامحني ويغفر لي؟ فكيف إذا لم يغفر ويعفو! كيف سيكون مصيري حينها، سأكون قد خسرت كل شئ، وسأعود مجبرة إلي تلك التي تسمي أمي، وستتحطم أحلامي جميعا..
هكذا راحت الأفكار تتخبط بداخلها حتى أنها سقطت دمعة حارة فوق وجنتها دون أن تشعر بها حتى آفاقت على صوته يتساءل بقلق: أروى، مالك أنتي بتعيطي؟ إنتبهت أروى له وقد محت هذه الدمعة وقالت بتوتر: لأ، بس تلاقي عيني إطرفت ولا حاجة أمير بحسم: لا بتعيطي، قوليلي في ايه؟ مالك، ليه على طول شايف عينكي حزينة مهما ضحكتي؟ ومهما شوفتك سعيدة برضو حاسس إنك مش طبيعية وبتتألمي من حاجة، بس ايه هي معرفش، إحكيلي عشان ترتاحي!
لم تعد قادرة على حبس عبراتها أكثر من ذلك فتدفقت من عينيها المتألمتين، وتعالت شهاقتها بمرارة.. فما كان منه إلا أنه أوقف السيارة وترجل منها ثم إتجه إليها وفتح الباب ليخرجها من السيارة حيث وقفت أمامه، فأطرقت رأسها والعبرات تتساقط بغزارة.. فقال وهو يرفع ذقنها برفق لتبقي في مواجهته: ايه الي واجعك؟ نظرت إلي عينيه الواسعتين المشعتين، وبداخلها صراع، بل بركان يهدد بالإنفجار في أي وقت..
كرر هو بنبرة دافئة: نفسي أعرف فيكي ايه، نفسي تحكيلي وتريحيني وترتاحي أنتي كمان - وأنا كمان نفسي نطقت بها من بين دموعها الغزيرة، لتتابع.. نفسي أعيش مرتاحة بس أنا خايفة، خايفة تسبني وتبعد.. - ليه بتقولي كده؟، قالها أمير بقلق، ليتابع بفضول لعله يستشف منها أي شئ.. ليه خايفة أسيبك، أنا عمري ما هسيبك أبدا يا أروى، أنا حبيتك بجد وعمري ما حبيت غيرك، ايه بقي الي يخليكي تخافي إني أسيبك؟
تفوهت بضعف: يمكن عشان مستكترة الفرحة الي أنا فيها على نفسي، أنت كتير عليا أوي إحتضن وجهها بين كفيه، ثم تابع مبتسمًا بحنان: عمري ما هسيبك ده وعد مني يا أروى، مهما حصل هتفضلي حبيبتي، صمت ثم تابع بحب: أنتي حبيبتي، عارفة يعني ايه حبيبتي إبتسمت له من بين بكاؤها ثم قالت بخفوت: ربنا يخليك ليا مسح دموعها بإبهامه وهو يقول بمرح: كفاية دموع، مش شايف عنيكي.
قالت تلقائياً: يعني مهما حصل ومهما عملت مش هتسبني أبدا؟ حتى لو، لو عملت حاجة تضرك بس غصب عني؟ قطب جبينه ثم تابع ضاحكا: ايه الكلام ده، أنا لو الدنيا كلها ضرتني أنتي لأ، أنا متأكد من كده، إطمني عمري ما هسيبك خلاص قاعد على قلبك ومربع.. ضحكت بخفوت ورقة ليتابع مازحا: يلا نمشي، لنتاخد في بوليس الآداب النهارده!
مر يومان.. ذهبت أروى إلي شركة سامي في الصباح الباكر، وما أن وجدها تحمل ظرفٍ ما حتي هب واقفًا وقد إتسعت إبتسامته قائلاً بسعادة: جبتيلي الملف صح؟ ضحكت ساخرة وهي تفتح ذاك الظرف الذي بيدها وتابعت: لأ جبتلك حاجة أحلي من الملف، ثم مدت يدها له قائلة بإنتصار: شوف كده الصور دي وقولي ايه رأيك؟
نتش منها الصور وهو يتطلع إليها بصرامة مخيفة، ثم نظر إلي الصور واحدة تلو الأخرى وعيناه تتسع بصدمة جلية حتى هتف بصوت هادر: ايه ده؟ ردت عليه بحدة: دي قذارتك..! إقترب منها بخطوات سريعة وقال صائحا: يعني ايه، مش فاهم؟ لوت فمها بتهكم، قبل أن تقول بتشفي: يعني يا سامي بيه لو فكرت مجرد تفكير تضغط على سهيلة أو تنشر صورها أو تقرب مني أو من أمير، الصور دي هتروح لمراتك، ناريمان هانم صاحبة الأمبراطورية دي كلها!
كاد سامي أن يباغتها بصفعة إلا أنها أمسكت يده ودفعته بعنف وهي تقول بغضب عارم: أوعي تمد ايدك بدل ما أقطعهالك، أنا اخيرا عرفت أمسك عليك ذلة وأنتقم منك على الي عملته فيا، يا حقير صر سامي على أسنانه وهو يتابع بصرامة: بس الصور دي مش هتقدري تعملي بيها أي حاجه ومش هتعرفي توصلي لناريمان أصلا.
أجابته بتهكم: لأ، ده أنا عرفت عنوان بيتكم وكمان معايا رقم تليفونها، أحذر مني يا سامي، إن لعبت بديلك هلعب أنا كمان والشاطر الي يربح في الآخر، سلام، ولا أقولك من غير سلام!
مر اليوم بسلام وعادت أروى إلي الشقة بعد أن اوصلها أمير كعادته كل يوم، لتصعد وتقص على شقيقتها كل ماحدث.. هل تفرح سهيلة أم تحزن وشقيقتها يوما عن يوم تزداد تعلقا بأميرها، وتُصبح تائهة بين حبها له وعذاب ضميرها الذي يؤلمها بشدة.. قالت سهيلة بشرود: سيبك من كل ده، إزاي هتتجوزيه وأنتي مش عارفه رد فعله إذا عرف بالكذبة دي، وهل هيتقبل موضوع إنك كنتي عايشة في بيت مشبوه ولا لاء؟
وكأنها ضغطت على جرحها لتأن وجعا وهي تتخيل حين يعرف ويتركها تعاني من جديد.. صمتت، صمتت طويلاً إلي أن قالت بإصرار: مش هقدر أضيعه من إيدي يا سهيلة، مش هقدر، هتمسك بيه بكل قوتي حتى لو فيها موتي مش هسيبه ومش هرجع لمعاناتي تاني، لا أنا قادرة أحكي ولا قادرة أتخيل أنه يسبني.. هو طوق النجاة الي ربنا بعتهولي وحافظ عليه بأي طريقة...
رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثلاثون
جلس أمير على كرسيه وهو يستند بظهره على ظهر المقعد بأريحة، ليقول بثبات موجها حديثه للموظف طارق: يعني راحله كام مرة؟ أجابه طارق هادئاً: مرتين، بس معرفتش ايه الي تم في المرتين.. زفر أمير وهو يقول بصوت حاد بعض الشئ: أومال مين الي يعرف يا طارق؟ هو أنا مخليك تراقبه عشان تقولي معرفش.
رد طارق بجدية: والله يا أستاذ أمير حاولت أكلم أي موظف من عنده يحطلي جهاز تسجيل في مكتب سامي معرفتش إظاهر أن كل الي عنده عندهم ضمير بقي ضحك أمير ثم قال ساخرا: اه زي الي معينهم، طب وماجد؟، وصل لحد فين أكيد كلمه في التلفون وهو في المكتب يا طارق فين التسجيلات.. طارق بنفي: ماجد حريص جدا وزي ما يكون شاكك أن حد مراقبه بس أنا وراه لحد ما يقع.
أومأ أمير برأسه وقال بجدية: ماشي، بلغني بالجديد أول بأول وأوعي حد يحس بحاجة أومأ طارق برأسه ثم تابع وهو يتجه صوب الباب: تمام.. خرج طارق لتدلف أروى خلفه قائلة في تساؤل: في ايه؟ رفع أمير أحد حاجبيه وقال بمرح: في ايه؟ إبتسمت أروى وقالت: أنا الي بسألك، ممكن اعرف بتخطط لإيه أنت وطارق ده! حرك أمير رأسه بنفي ثم قال غامزاً: فين قهوتي؟ أروى بغيظ: معملتش.
نهض أمير ثم إرتدي سترته بينما تابعت أروى بإستغراب: رايح فين.. أجابها بهدوء، وهو يمسك يدها ويتجه صوب الباب: هنروح مشوار صغنون..
تململ خالد في فراشه على طرقات الباب المُزعجة، ليفتح عيناه ببطئ ويري زوجته نائمة فإبتسم وهو يرفع الغطاء عليها ثم نهض ليفتح الباب.. دلفت نعمة وهي تقول بحدة: ايه يا خالد كل ده عشان تفتح الباب! فرك خالد عينيه بتكاسل ثم قال بخفوت: معلش يا ماما مسمعتش في حاجة ولا إيه؟ صرت على أسنانها وهي ترمق سلمي الغافية بنظرات قاتلة ثم قالت بغيظ: بصيحك عشان تفطر يابني ده إحنا بقينا بعد الضهر، نايم كل ده ليه!
تنهد خالد وجلس على الفراش وهو يقول: ده يوم أجازتي يا ماما، كمان مش عاوزاني أنام فيه! ردت بنفاذ صبر: طب قوم إفطر معايا.. إبتسم ثم قام بإيفاق زوجته حيث مسد على ظهرها برفق وهو يقول: قومي يا لوما عشان نفطر قومي يا حبيبي..
لم تدري نعمة بحالها إلا وهي تصيح غيظا: يابني ما تسيبها نايمة ولا تولع ايه الدلع الماسخ ده، ده عيشة بقت تقرف بجد، بدل ما تقوم هي تحضرلك الفطار كمان بتصحيها وتدلعها، وبعدين أنا عملالك أنت الفطار مش هي عشان تصحيها ذُهل خالد من حديث أمه الفظ وكذلك سلمي التي هبت جالسة على الفراش وقد إتسعت عينيها بحنق.. ليقول خالد بجدية: نفسي اعرف لازمته ايه الي بتعمليه كل يوم ده يا ماما بجد حرام عليكي أنا تعبت منك.
صاحت نعمة مرة أخري: تعبت مني دي اخرتها يا خالد، أخص عليك أخص، وأنا الي تاعبة نفسي وقايمة أعملك فطار وفي الآخر بتزعقلي عشان المحروسه مراتك خالد بصدمة: أنا زعقتلك! - أنا خارجة مستنياك برة اغسل وشك وحصلني مبعرفش أفطر من غيرك يابني يلا! أنهت جملتها وخرجت من الغرفة صافعة الباب خلفها، ليضرب خالد كفا على كف وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله..!
ثم إلتفت ليري سلمي تبكي بصمت، فإقترب منها وقال بهدوء: متبكيش يا سلمي حقك عليا أنا حركت سلمي رأسها بالنفي وهي تتابع من بين بكاؤها: لا يا خالد أنا تعبت من مامتك، ده احنا بقالنا اسبوع بس ومورياني النجوم في عز الضهر، أومال بعد كده هتعمل فيا ايه..!
جذبها خالد إلي أحضانه وضمها إليه ثم قال بحنان: مش هتعملك حاجة طول ما فيا نفس يا لوما، لا هي ولا أي حد خلقه ربنا، هي بكرة هترجع لطبيعتها أنا متأكد أنا عارف أمي لما بتزعل من حاجة بتاخد فترة على ما تنسي سلمي ببكاء: بس أنا مليش ذنب ومزعلتهاش في أي حاجة يا خالد، أنا مالي اذا كان ماجد غلط أنا ايه ذنبي طيب، أنا مش مصدقه أن دي طنط نعمة الي كانت بتحبني وبتعاملني احسن معاملة ازاي اتغيرت كده ازاي.
تنهد خالد بعمق وأردف: هترجع زي ما كانت، بس إصبري شوية عشان خاطري يا سلمي لو ليا غلاوة عندك، مترديش عليها وهي هتهدي واحدة واحدة.. سكنت سلمي بين ذراعيه بينما هو يُهدهدها كطفلة صغيرة، وقد أصلح ما بعثرته أمه.. سمعت صوته الهامس: لسه زعلانة؟ رفعت وجهها ونظرت إليه مبتسمة قائلة بهمس: مش زعلانة وأنا معايا أحن راجل في الدنيا كلها طبع قبلة فوق جبينها ثم قال بحب: حبيبي يا لوما، يلا قومي عشان نفطر بقي.
سلمي بخوف: لأ كده طنط نعمة هتقتلني روح أنت إفطر وأنا هستناك هنا. قهقه خالد ثم قال من بين ضحكاته: يا خوافة، ما تخافيش يا عبيطة قومي إفطري معايا يلا نهضت سلمي معه حيث توجها إلي الخارج حيث تجلس نعمة التي رمقتها بغل.. فجلس خالد بهدوء وسلمي إلي جواره متشبسه به كالطفلة الصغيرة... بينما إبتسم خالد كأن شيئا لم يكن وهو يقول: صباح الخير يا ماما، تسلم ايدك يا ست الكل..
تنهدت نعمة بغيظ وأردفت: صباح النور يابني يلا كل وسمي أومأ خالد ولازال مبتسما ثم شرع في تناول الطعام، ظل يأكل تارة ويطعم زوجته تارة وسط نظرات نعمة المغتاظة من افعال ولدها الذي إحتارت كيف تفعل به وهو يبرها مهما فعلت معه، يُعارضها بالحكمة ولا يحرجها رغم أنها مُخطئة لكنه يعلم جيدا أنه ليس من حقه أن يُحاسبها مهما فعلت..!
دلف أمير بصحبة أروى إلي إحدي معارض المجوهرات الفاخرة ذات الموديل الحديث.. إنبهرت أروى حين أخرج صاحب المعرض بعض الخواتم والسلاسل الألماس، ثم سمعت صوت أمير وهو يقول بخفوت: نقي الي يعجبك نظرت له مذهولة وقد إنفرجت شفتاها ثم تابعت: أنا! أومأ لها بجدية وتابع: أها، نقي شبكتك يا أروى إزدردت ريقها وهي تنظر إلي المجوهرات بعدم تصديق، ثم تفوهت بخفوت: شبكتي!
ظل أمير يتأملها بإبتسامة، بينما هي متوترة بشدة، ما هذا، ألماس! سأرتدي شبكة ألماس.. إبتسمت بفرحة وعينيها تلمعتان ببريق السعادة، ليمسك أمير أحد المحابس ويوجهه نحوها قائلاً بإبتسامة: قيسي ده كده..! أخذته منه بيد مرتجفة لتدخله في أحد أصابعها الرفيعة، لتتسع إبتسامتها السعيدة بإنبهار، ليقول أمير بحماس: شكله حلو يا أروى على إيدك ولا أنتي ايه رأيك، لو مش عاجبك نقي واحد تاني..
حركت أروى رأسها بعلامة النفي، وهي تبتسم له وتقول: لأ ده جميل أوي قال بهمس: أوك يا رورو، ثم إنتقي لها سلسله أيضًا وكذلك خاتم شيك بجانب المحبس.. فقالت بصدمة: ايه دول كمان.. رد عليها بهدوء: باقي الشبكة رمشت بعينيها عدة مرات وهي تقول: بس كده كتير أوي عقد حاجباه ثم قال بجدية: مش كتير ولا حاجة ملكيش دعوة أنتي..!
ثم أشار لصاحب ذاك المعرض وأخرج دفتر شيكاته ليوقع له على شيك بمبلغ وقدره حق تلك الشبكة الثمينة ليبارك لهما ويقدم التهنئة ثم ينصرف أمير بصحبة أروى التي لم تصدق أنه إشتري لها شبكة بهذا الثمن وأوهبها لها بكل حب...
إستقلا بعد ذلك السيارة، لتتفاجئ به يمسك يدها بين راحتي يديه ويلبسها الشبكة، بدأ بالمحبس ثم الخاتم، ومع لمسته كان قلبها يهتز عشقا له، وجسدها يرتجف بشدة آثر لمسته الرقيقة، ثم رفع رأسه وهو ينظر إلي عمق عينيها وهي يقول بصوتٍ هامس: قربي شوية، عشان ألبسك السلسلة.
إقتربت منه ببطئ وهي تزدرد ريقها وقد تورد وجهها بحمرة الخجل، وعندما إقترب شعرت وكأنها في عالم آخر، رائحة عطره الرجولي التي إخترقت أنفها جعلتها تذوب فيه، بينما أنفاسه تلفح صفحة وجهها لتغلق عينيها وقلبها يكاد أن يخرج من مكانه بسبب دقاته العنيفة..
أخيرا إنتهي ليتراجع إلي الخلف قليلا وهو يتطلع إلي سحر عينيها الخضراوتين الجميلتين، ٱزدرد ريقه وهو يجاهد محاولا السيطرة على نفسه حتى لا يغرق في سحرها ذاك، لكنه لم يشعر بنفسه وهو يقول هامسا: أنتي جميلة يا أروى، جميلة جدا تعرفي كده؟ تفاجئت بجملته تلك، لتزداد توترا وإرتباك وهي تحرك رأسها نافية، ليضحك هو قائلاً بمرح: محدش قالك قبل كده إنك جميلة، وعنيكي تهبل؟.
إبتلعت ريقها بعد أن أخذت زفيرا قويا وقد عادت إلي وعيها قليلاً: آآ، لأ، أنت بس الي بتقول كده ضحك بخفوت ثم تابع: طب يلا نمشي لحسن كده أنا بضيييييع أنهي جملته وأدار محرك السيارة، بينما إبتسمت أروى وهي تطلع إليه وقالت بحنان: شكرا على كل حاجة حلوة عملتهالي، أنا مكنتش أحلم أني ألبس ألماس في يوم من الايام يا أميري.
قال مبتسما: أنتي أغلي من الألماس يا أروى، أنتي خلتيني أحب واحس إن قلبي بيتنفض، وبعدين أنا عمري ما عرفت حد ممكن يضحي بعمره عشاني، غيرك انتي وبس يا أروى وبعدين كفاية كلمة أميري دي أصلا.. تفاجئ بعد ذلك بهاتفه يصدح عاليًا، ليجيب على المتصل قائلاً بمزاح: دايما هادم اللذات، عاوز ايه؟ رد زياد هاتفيا بمرح: وأنا نفسي مرة تقولي ازيك عامل ايه، زي الناس العاديين يعني! أمير ضاحكا: إنجز..
قال زياد بتنهيدة: أنا أقنعت دارين إني هعمل فرحي معاك ويبقي في يوم واحد ايه رأيك؟ أمير بجدية: فكرة حلوة، موافق زياد مازحا: اوك يا عريس مع إني هبقي أحلي منك وهقفل عليك رد أمير ضاحكا: مهما تعمل، أنا الأصل يا معصعص أنت.. زياد بصدمة: أنت بتتريق عليا عشان عندك عضلات؟، مع إني بلعب رياضة ياربي كل يوم اشمعنا أنت، أنا بحقد عليك قهقه أمير عليه، ثم قال من بين ضحكاته: كفاية قر يخرب عقلك، إنزل من على وداني بقي..
قال زياد بمرح: ماشي، مع السلامة ثم أغلق الخط ووقف ينتظر دارين التي خرجت من إحد محلات الأحذية الحريمي تحمل حقيبة بلاستيكية.. فقال زياد بنفاذ صبر: خلصتي يا دارين؟ أومأت دارين برأسها وهي تقول مبتسمة: اه أخيرا لقيت الشوز المناسب تنهد زياد بإرتياح: أحمدك يااارب، يلا نروح بقي عشان خلاص رجلي باظت، من صباحة ربنا بنلف على حتة جزمة، حرام عليكي يا دارين. دارين بجدية: إجمد كده يا زياد مالك في ايه؟
زياد بمزاح: أنا زعلان صالحيني طيب، هاتي بوسة على الطاير كده عقدت دارين حاجبيها ثم هتفت بحنق: لم نفسك يا زياد قولتلك عيب ميت مرة أقولك عيب وحرام! ضرب زياد كفا على كف قبل أن يردف بغضب طفولي: هموت وامسك إيدك، يابنتي أنتي حد مسلطك عليا ولا إيه! تجهمت ملامح دارين قبل أن تقول بحدة: يا زياد أنت قليل الأدب على فكرة وأنا هصرف نظر عن الجوازة دي!
أنهت جملتها وسارت بخطوات سريعة، ليسير خلفها ضاحكا وهو يقول: إستني يا مجنوونه يا مرارك يا زياد...
صاحت كوثر بماجد وهي تقول بنفاذ صبر: أنت إتجننت خلاص عاوز تتجوز البت دي ازاي يعني! ماجد بتصميم: زي الناس يا ماما، أنا بحب مايا وهي بتحبني في ايه بقي! كوثر بحدة: ما البنات كتير اشمعنا دي بقي أجابها ببرود: بحبها صاحت بغيظ: يا اخي حبك برص وعشرة خرص جتك الارف..! ثم تابعت وهي تلتقط انفاسها: غور اتجوزها، أنا حذرتك وخلاص اتفلق بعد كده!.
زفر ماجد بضيق قبل أن يتابع: وهتبيعي الأرض إمتي عشان عاوز نصيبي، ولا هتجوز كده من الهوا.. قالت وهي تتجه إلي غرفتها بغضب: ربنا يسهل!
بعد مرور أسبوع آخر.. تحديدا في مركز التجميل الخاص بالنساء.. تزينتا كلا من أروى ودارين حيث إرتدت كلا منهما فستانها الأبيض الجميل واصبحتا كفراشتان رقيقتان وسط بستانٍ من الورود بينما كانت أروى كالملكة المتوجة التي تسحر كل من ينظر إليها، لم يكن فستانها عاري بناءا على رغبة الأمير فكان محتشم إلي حد ما وشعرها الطويل ينسدل خلف ظهرها وتاجا بسيطا يترأس منتصف راسها..
على عكس دارين التي إنسدل حجابها الطويل على فستانها الرقيق الهادئ بينما وجهها يبدو عليه براءة كبراءة الاطفال مع لمساتٍ هادئة من مستحضرات التجميل فأصبحت حورية جميلة.. كذلك تزينت سهيلة التي كانت سعيدة لسعادة شقيقتها أروى.. بينما ماهيتاب تشعر بالضيق قليلاً كلما رأت السعادة في عيني أروى، فهي من خطفت قلب الأمير وعشقها والآن سيكون ملكا لها وحدها.. لكنها تحاول قدر الإمكان استبعاد ذاك الشعور عنها..
وصلا بعد قليل كلا من أمير وزياد اللذان كانا يتألقان في البذلة السمراء الأنيقة.. وإتجه كلا منهما إلي عروسه ليستقل الجميع بعد ذلك السيارات متجهين إلي القاعة التي سيقام بها حفل الزفاف.. همس أمير في آذن أروى بطيب الكلام جعلها تخجل وترتجف وهي تتخيل القادم من حياتهما، تغاضت عن أي شئ ممكن أن يؤلمها في هذه الليلة التي لن تتعوض، فهي سعيدة الآن، سعيدة جدا.. في سيارة زياد..
حيث كانا يجلسانِ هو ودارين في المقعد الخلفي من السيارة، ونجاة في الأمام بجانب القائد.. كان دارين تلتصق بباب السيارة واضحة مسافة لا بأس منها بينها وبين زياد الذي كان سيموت غيظا منها.. بينما قال بحنق: على فكرة النهارده دخلتنا قربي شوية عشان مضربكيش يا دارين! أردفت دارين بإعتراض: لسه مكتبناش الكتاب يا زياد، بليز لم نفسك..!
صر زياد على أسنانه وهو يتوعد لها قائلاً: صبرك، صبرك عليا ده أنا هطلعه عليكي كلها ساعة من الزمن بس..! ضحكت نجاة التي كانت تجلس بالأمام عليهما، .. فحاول زياد الإقتراب منها إلا أنها أوقفته بحدة: زياد لو قربت هرمي نفسي من العربية انت حر.. تراجع زياد مكانه وهو يعض على شفته السفلي بغيظ ثم غمز لها متوعدا إياها بمرح، وهمس بخفوت: ماشي يا دارين أن ما طلعته عليكي مبقاش أنا زياد! بعد مرور نصف ساعة.
دخلوا جميعا إلي القاعة، فرحين وسعداء ما إن دخلوا، حتى جلس كلا من أمير وأروي في الكوشة وكذلك زياد ودارين التي ابتعدت عنه بمسافة قائلة بحنق: كان نفسي في فرح إسلامي، مش عارفه أنت ليه مش بتحقق رغباتي يا زياد غمز لها زياد وقال مازحًا: هحققها في البيت أشاحت بوجهها خجلاً ليضحك زياد مقهقها عليا قائلاً من بين ضحكاته: ليلتك زي الفل يا دارين..!
ظلت أروى مبتسمة، والإبتسامة لا تفارق ثغرها وفجأة، فجأة تلاشت تماما وحل مكانها الصدمة حين رأت سهير تقف أمامها وهي تبتسم لها بإستفزاز، لتسمع صوتها الذي تبغضه بشدة: مش تعزميني يا أروى، ولا أنا مش قد المقام؟
رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الحادي والثلاثون
تسمرت أروى حين وجدت سهير، لتتقلص عضلاتها وتتشنج ملامحها غير مستوعبة أنها تقف أمامها الآن، وستفسد عليها تلك الفرحة.. آفاقت من صدمتها على صوت أمير وهو يقول بجدية: مين دي يا أروى؟! ثم تطلع إلي سهير بإستغراب فقد كانت ترتدي ملابس أقل ما يقال عنها أنها فاضحة! قطب ما بين حاجباه وهو يُكرر بصوت حاد بعض الشئ: مين دي يا أروى! كادت سهير أن تتحدث ولكن قاطعها قدوم سهيلة التي آجابت على سؤال أمير بإرتباك:.
- دي صاحبة المحل الي أنا بشتغل فيه، وهي زعلانة من أروى عشان معزمتهاش على الفرح..! أخذت أروى تلتقط انفاسها بسرعة وجسدها يرتجف بشدة، في حين قال أمير بحدة: فعلا الاشكال دي مينفعش تدخل مكان زي ده، خليها تخرج من هنا بدل ما انده أمن المكان يرموها بره! إنفعلت سهير وتعالي صوتها وهي تهتف بغضب: ايه أنا آآآ... إلا أن سهيلة قاطعتها وهي تمسك يدها وتتجه بها خارج القاعة، ليتحدث أمير بغضب:.
إيه البني آدمة الزبالة دي، ازاي أختك بتشتغل عند حد بالمنظر ده يا أروى، دي تجيب العار! إزدردت أروى لعابها، بصعوبة بالغة ثم تفوهت بخفوت وتوتر: م معرفش، أن أنا قلت لسهيلة تمشي وتسيبها بس هي مش لاقية شغل في حتة تانية... ثم صمتت وسرعان ما تلألأت العبرات في عينيها وجاهدت حتى لا تنهمر بغزارة، بينما أمير حاول تهدئة نفسه هو الآخر لقد غضب من هيئتها الفاضحة تلك!.
وكادت أروى أن تموت رعبا وهي تري سامي يقبل عليهما.. في حين تقدم نحو أمير ومد يده مصافحا إياه وهو يقول ببرود مستفز: ألف مبروك يا أمير باشا، مش تعزمنا يا عم ولا أنا مش قد المقام ولا إيه؟! رد أمير بثبات: أهلا يا سامي ليكز سامي على أسنانه بغضب دفين، ثم إنتقل إلي أروى وكاد أن يصافحها هي الأخري بإبتسامة شيطانية، إلا أن أمير أبعد يده بنفس الثبات وهو يقول بصوتٍ جهوري: متلمسهاش!
صُدم سامي من فعلته، ثم تنحنح بحرج وهو يضحك بإستفزاز وينظر ل أروى بتوعد، ومن ثم إنصرف ولازال يضحك بلا مبالاه..
خارج القاعة.. صاحت سهيلة بضجر: - جاية ليه؟ عاوزة مننا ايه تاني حرام عليكي سبينا في حالنا وإبعدي بقا صرت سهير على أسنانها وهي تقول في وعيد: والله العظيم يا سهيلة إما رجعتي معايا بالذوق كده لكون داخلة مبوظة الفرح ده وخرباها عليكي وعلي أروى واكشف المستخبي!، وأقول للبيه الي أختك متجوزاه ده أن أنا أمكوا وأنتوا مستعريين مني، وكمان أحكي له على لعبة سامي، سامي حكالي على كل حاجة!
رفعت سهيلة رأسها للأعلي حيث نظرت إلي السماء وكأنها تناجي خالقها، كيف تفعل في ذاك الموقف السخيف، هل تترك أمها تقضي على فرحة شقيقتها، أم تنسحب بهدوء وترحل معها إلي طريق الضلال مُجددا؟! باتت في حالة يرثي لها، وأخيراً قالت في ضعف: هرجع! إبتسمت سهير بإنتصار، لتردف سهيلة بمرارة: بس مش دلوقتي، أرجوكي تمشي من هنا وأنا أول ما الفرح يخلص هتلاقيني عندك.. أردفت سهير بنفي: لأ يا حبيبتي رجلي على رجلك!
ردت سهيلة بغضب: سبيني اطمن على المسكينة الي جوه دي، أرجوكي خلي عندك ذرة رحمة وأنا أوعدك هجيلك تاني برجليا.. قالت سهير ببرود: اوك، بس اعملي حسابك لو مجتيش، متلوميش إلا نفسك وبرضو هفضح الدنيا.. أنهت جملتها وسارت مبتعدة عنها تاركة إياها تبكي بحسرة بل وتتمني أن تنتهي حياتها حتى ترتاح! وجدته أمامها بعد عدة ثوانِ وهو يقول بإندهاش: أنتي! عقدت سهيلة حاجباها بإستغراب وتابعت بغضب: أنت إيه الي جابك هنا؟
أردف ماجد بهدوء: أنا جاي فرح أمير، صاحبي! إزدردت ريقها وتابعت بدهشة: صاحبك! أومأ ماجد برأسه وتابع: أيوة، أنتي الي بتعملي ايه هنا؟! أبدا لم تخبره أنها شقيقة أروى، وابدا لم تفسد سعادتها وتطفئ تلك الفرحة التي تلمع بعينيها، مهما كلفها الأمر، فقالت بثبات: أنا كنت جاية مع واحدة صاحبتي، وبعدين لو أعرف إني هشوف وشك ماكنتش جيت أبدا، بقيت بقرف منك ومن أشكالك ربنا ينتقم منكم ويوريني فيكم يوم يا بُعدا!
أردف ماجد بحدة: يعني أنا الي عاوز أشوفك ياختي، أنا كده كده ماشي من أم الفرح الخنيق ده، ثم رمقها بإستحقار وإنصرف، لتأخذ نفسا عميقا وتزفره بهدوء وتجفف دموعها وتدلف مجددا إلي القاعة..!
ما إن دلفت سهيلة حتى توجهت نحو شقيقتها، ثم همست في آذنها بخفوت: متقلقيش أنا إتصرفت وهي مشيت دلوقتي، فكي بقي أردفت أروى بإرتياح نوعا ما: بجد، طب عملتي ايه معاها؟ سهيلة بتنهيدة مؤلمة: عملت الي عملته بقي يا أروى، خليكي في الي أنتي فيه دلوقتي!
صمتت أروى وقد إرتاحت قليلاً ولكن هناك شيء يقلقها بشدة، إلا أنها تغاضت الآن عن كل شيئاً من الممكن أن يؤلمها، وإبتسمت من جديد، و مالت على أمير قليلاً وهي تهمس في آذنه: زعلان ليه؟ تنهد قبل أن يردف بإبتسامة: مش زعلان يا حبيبتي، بس الست دي عصبتني وكمان الزفت سامي.. أروى بتوتر: معلش شيلهم من دماغك وأفرح عشان خاطري.. أخذ كف يدها بين راحتي يديه، ثم قال بحب: بحبك جدا يعني.
قالت بهمس: وأنا كمان يا أغلي من حياتي..
إتسعت إبتسامة دارين حين وجدت والدتها تقبل عليها وتعانقها بحنان بالغ، لتهمس دارين بسعادة: ماما حبيبتي، الحمد لله انك جيتي قبل كتب الكتاب مسدت صفية على ظهر إبنتها وقالت: ربنا يسعدك يا حبيبتي ويهنيكي يارب، لتبتسم لزياد وهي توصيه على إبنتها الوحيدة، فقال زياد بصدق: في عنيا، متخافيش عليها.. تنهدت الأم بإرتياح ثم قامت بمصافحة نجاة لتقوم نجاة بدورها وتعرفها على الحاضرين..
لتتم بعد قليل مراسم عقد القران، حيث جلس المأذون وخطب خطبة صغيرة جدا ومختصرة عن الحياة الزوجية لتنتهي بتوقيع أروى على عقد زواجها من الأمير وتصبح زوجته رسميا وكذلك دارين وزياد.. ثم طلبوا منهم رقصة سلو، ليقف أمير محاوطا أروى بذراعيه وحاوطت هي عنقه بدورها، وتمايل معها بخفة وعينيه تشع عشقا لها..
بينما دارين حاولت الإعتراض على هذه الرقصة إلا أن زياد لم يترك لها المجال وأجبرها على الرقص معه وهو يهمس بغيظ: عدي ليلتك على خير يا دارين، ده بيناها ليلة مش فايتة بجد..! ثم تمايلت معه على أنغام الموسيقي الهادئة ووجهها يتلون بحمرة الخجل، بينما زياد في أشد لحظاته السعيدة مستمتعا بخجلها، فأراد أن يزيدها خجلا حين همس في آذنها قائلا بخفوت: بحبك وأنت أحمر وشبه التفاح كده يا سكر..
أطرقت راسها وهي تبتسم بحياء لتستكمل رقصتها بصمت.. ووقفت سهيلة تتابعهم بعينيها الدامعتين بإبتسامة، تخيلت نفسها بالفستان الابيض كأي فتاة في عمرها إلا أنها تفقد الأمل في إرتدائه وفقدت الامل في الحياة أيضًا..
كانت ماهيتاب تسير بهدوء وتتأفف بضيق، وما زاد من ضيقها حين دعس شخصا ما على فستانها الطويل من الخلف بقدمه، لتلتفت وتصيح بشراسة: إيه ده أنت متخلف ولا إيه، حد يعمل كده! عقد أمجد حاجبيه بغضب وتابع بحدة: ما تلمي لسانك، أنتي مجنونة ولا إيه، ايه يعني دوست على الفستان بدون قصد، ميكونش فستان شهرزاد وأنا مش واخد بالي ولا إيه! إتسعت حدقتا ماهيتاب قبل أن تردف بصدمة: شهرزاد، على فكرة أنت قليل الذوق ومش محترم.
لتتسع عينا أمجد ويهتف بصرامة مخيفة: أنتي إتجننتي يا بت أنتي، أنا مش محترم، لا على فكرة أنا ممكن أربيكي وأمد إيدي عليكي أنتي متعرفنيش..!
لاحظ زياد مشاجرتهما من بعيد ليترك دارين ويسرع خطواته ناحيتهما وكذلك فعل أمير حين وجد زياد يسرع نحوهما.. هتف زياد بحدة: ايه الي بيحصل هنا في ايه؟ كاد أمير أن يتحدث ولكنه قال بدهشة: أمجد!، ايه الي حصل مالك بتزعق لماهيتاب ليه؟ مسح أمجد على رأسه بعصبية وتابع بغضب: دي بتقل أدبها عليا، هي تخصك ولا إيه يا أمير؟ أمير بجدية: أيوة بنت عمتي يا أمجد، وده زياد أخوها..
صر أمجد على أسنانه وتابع بحنق: طب كويس إنك عرفتني، والله ما كنت هعتقها دلوقتي صاحت ماهيتاب بغضب: يعني كنت هتعمل ايه أن شاء الله؟ إتسعت عيني أمجد وهو يتابع: بص بتتكلم ازاي! تدخل زياد قائلاً بجدية: ماهيتاب، روحي إقعدي جنب ماما، يلا بسرعة.. رمقته ماهيتاب بنظرات نارية قبل أن تنصرف، ليقول أمجد بتنهيدة موجها حديثه ل زياد: أنا آسف، بس هي الي عصبتني، بعتذر لو خرجت عن شعوري معاها..
قال زياد بمرح: سماح المرادي عشان تبع أمير، إنما غير كده كنت شنيرتك! ضحك أمجد ضحكة رجولية، بينما قال أمير بمرح: على طول عامل مشاكل يا أمجد أعقل بقي أمجد بجدية: والله ما أنا يا عم، المشاكل بتيجلي لوحدها.. رد أمير: أعرفك يا زياد، أمجد مأمون صاحبي من زمان وصاحب شركة مأمون رجل أعمال شاطر بس مش أشطر مني طبعا!
لينفجر أمجد ضاحكا وهو يضرب كتفه بخفة، فتابع أمير: وده زياد إبن عمتي وصديقي الصدوق، وعريس الليلة برضو فقال أمجد بإبتسامة: تشرفت بمعرفتك يا زياد وألف مبروك ليقول أمير مازحا: عقبالك يا نجم أمجد نافيا: لااا، أنا كده كويس وتمام التمام! ليضحكوا ثلاثتهم ويعودوا إلي الحفل مجددا..
فنظرت ماهيتاب إلي أمجد بغيظ وهي تراه يضحك كأن شيئا لم يكن! تطلعت إلي هيئته فكان يرتدي بدلة راقية من اللون البني أوضحت رشاقة جسده الطويل ثم مرت بعينيها على ملامحه الرجولية الشرقية، حيث العينان السمراء الواسعة وبشرته القمحية الخشنه وشعره الكثيف الأسمر.. ثم أخفضت عينيها في لمح البصر عندما نظر لها بغرور رافعا أحد حاجبيه، لتهمس بخفوت: مغرور!
بعد ما يقارب الساعتان.. تشبثت سهيلة بشقيقتها أمام القاعة لتخطلط دموع الأختان معا، كلا منهما تخشي القادم من حياتها فها هي أروى أصبحت زوجة رجل أحبها بشغف لكنها لم تعلم إلي الآن ما مصيرها..! وكذلك سهيلة قد حددت مصيرها وستعود مجبرة إلي الهلاك ثانية! إبتعدت سهيلة عن شقيقتها قليلاً ثم أردفت من بين بكاؤها: متبكيش أنا هبقي معاكي ديما مش هسيبك، إفرحي وميهمكيش أختك ديما في ضهرك يا حبيبتي.
ظلت أروى تبكي كطفلة صغيرة، تخشي البُعد عن أمها، نعم هي تشعر أن سهيلة بمثابة أم أكثر من كونها أخت.. إنتقلت سهيلة بعينيها إلي أمير لتقول بتوسل: بالله عليك تخلي بالك منها، هي عمرها ماحبت حد آد ما حبتك أنت، رجاءا متأساش عليها أوعدني متجرحهاش.. قال أمير بإطمئنان: متقلقيش عليها، وإطمني..
عانقتها مرة أخري بقوة قبل أن تستقل السيارة مع أميرها ثم إنطلقت السيارات واحدة تلو الأخرى، لتقف سهيلة وحيدة ضعيفة منكسرة تبكي وتبكي بحسرة..
في السيارة.. رفع أمير أنامله ثم مسح دموعها بحنان وهو يقول هامسا: كفاية يا أروى، عيونك هتوجعك وبعدين يعني أنتي زعلانة عشان هتروحي معايا؟ حركت أروى رأسها نافية، بينما إبتسم أمير وجذبها إلي أحضانه قائلاً بحنو: عارف إنك زعلانة عشان هتبعدي عن أختك بس هي هتجيلك وتقعد معاكي براحتها البيت مفتوحلها في أي وقت، متزعليش بقي عشان خاطري..
حدثت أروى نفسها والالام تنهش قلبها: اه، قلبي بيوجعني كل ما يحس بحنانك وحبك الصافي، أنا مستحقش قلبك وحنانك يا أمير، يارب ساعدني!
سارت سهيلة، على غير هدي لم تعرف إلي أين، تأبي العودة إلي ذاك المستنقع الذي دمر حياتها، فبالتأكيد إذا ذهبت سوف تنتهي هذه المرة، ولكن أين تذهب وحياة شقيقتها مُعلقة في عنقها! لا سأضحي من أجل شقيقتي حتى وإن كان على حساب سعادتي سأعود من أجلك يا ملاكي إلي هلاكي..