logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 4 من 14 < 1 4 5 6 7 8 9 10 14 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:17 مساءً   [19]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل العشرون

استفاقت شادية مبكراً كعادتها وبرغم أن زوجها هاني قد أخبرها بأنه سيعود مبكراً من عمله، إلا أن هذا لم يمنع ذهابها إلى أميرة، يحدوها الفضول في معرفة بقية الحكاية المُشوقة.
استقبلتها جارتها ببشاشة، وماكادت شادية تخطو داخل المنزل حتى هتفت بحماس: هل تصدقيني لو أخبرتك أنني كل ليلة انتظر انبلاج النهار لآتي إليكِ فأسمع باقي القصة؟

استدارت نحوها عندما وصلت إلى الأريكة في الصالة متابعةً: أميرة، أشعر أنتي أسيرة حكايتك الآن!
ابتسمت أميرة بلا حياة مجيبةً: صدقيني أنتي شادية إذا أخبرتك بأن القادم ليس سهلا أبداً.
عقدت حاجبيها بريبة لتطالع أميرة التي جلست قبالتها لتسألها: ماذا تقصدين؟
رمقتها أميرة بنظرات ذابلة واكتفت بتنهيدة مُتعبه خرجت من جوفها، تناولت أوراقها لتتابع سرد الأحداث.

Flash Back.
جلست بجانب يوسف في السيارة لتنطلق بهما عائدةً إلى القصر، كانت أميرة صامتةً تراقب الطريق بوجهٍ جامد الملامح حتى وصلا، لكنها لم تترجل منها بل بقيت داخل السيارة مما أثار استغراب يوسف الذي سألها بهدوء: مالأمر أميرة؟ لمَ لمْ تنزلي؟
تطلعت إليه ترمقه بنظرةٍ غامضه لم يستطع تفسيرها، لتقول بعد برهةٍ بهدوء: لمَ فعلتَ هذا مع الضابط مجدداً يوسف؟

قطب جبينه بعدم فهم فأضافت مُوضحةً: لمَ أخبرته أنني خطيبتك ثانيةً؟ ألم تملَّ من توبيخي الدائم لك؟
احتدت نظراته وقست نبرته وهو يجيبها: ومالذي يُزعجكِ في إخباري له بأنك خطيبتي؟ ولمَ أنتي مهتمةٌ به اساساً؟ هل أعجبك جماله؟
صُدِمت من حديثه لتجيبه بانفعال: لا يحقُ لكَ بثّ هذه الشائعة عني يوسف.

فتحت الباب لتنزل إلا أنه قبض على رسغها بقسوة ليسألها و هو يصرُّ على أسنانه غيظاً: هل أنتي مُقتنعةٌ أنها مُجرد إشاعات؟ متى ستشعرين بحبي لكَ أميرة؟
لم تجبه فصرخ بها باهتياج: أخبريني متى؟
نفضت يده عنها لتقول له بثباتٍ مُرددةً: أنا لستُ خطيبتك يوسف، ولن أكون كذلك يوماً.
وقبل أن يتهور عليها ترجلت من السيارة متجهةً إلى القصر بخطواتٍ أشبه بالركض، تاركةً يوسف خلفها يضرب مقود السيارة و هو يصرخ غيظاً.

مرّت ثوان معدودة حتى هدأ أخيرا، سحب هاتفه ليطلب أحد رجاله الأوفياء، ماإن استجاب الطرف الآخر حتى أخبره يوسف بكلمات مقتضبه لكنها تحمل دلالةً مفهومة: لقد حان الوقت، سأرسل إليك عنوانه حيث يتواجد الآن، قم بالتنظيف دون أخطاء.

أنهى المكالمة قبل أن يسمع الرد من الطرف الآخر، عبث بهاتفه قليلا كأنه يكتب شيئاً ما، ماإن انتهى حتى رمى الهاتف بإهمال وهو يطالع شرفتها، وقد بانت علامات الغدر واضحةً في عينيه الزرقاء.

قاطعتها شادية مشيرةً بيدها: حسناً دعيني أسألكِ سؤالاً، ما كان شعورك حيال يوسف حقيقةً؟
التزمت الصمت لثوان معدودة بدت فيها كمن يفكر، ثم انشقّ ثغرها عن ابتسامة بسيطه قائلةً: أنا أعرف يوسف مذ كان عمري سبع سنوات، دخل منزلنا للمرة الأولى برفقة زوج والدته الذي كان صديقاً لوالدي حينها، توطدت صداقتنا بسرعة حتى أننا ارتدنا المدرسة ذاتها برغم أنه يكبرني بسبعِ سنواتٍ تقريياً.

تنهدت بضعف وهي تضيف: لقد كنا سوياً دائما و كان يُدافع عني أيضاً، لذا لم أكنّ له يوماً سوى مشاعر الصداقة والأخوة، فقط.
- لكنه كان يحبك بالفعل؟أليس كذلك؟
سألتها شادية وهي تطالعها بتفحص، رمشت وهي تحدّق في نقطة في الفراغ، لتقول بنبرةٍ بلا روح: نعم، لكنّ حبه كان قاتلاً.
لم تفهم مقصدها، وقبل أن تسألها انطلق صوت هاتفها وقد كانت راشيل تخبرها بعودة هاني من عمله.

أغلقت الهاتف ثم استأذنت من أميرة لتخرج إلى منزلها تاركةً إياها تحارب مرارة الذكريات وحيدةً.

استيقظ جواد صباحا وهو يشعر كأنه وقع من الطابق العشرين، نظراً لكل تلك الآلام التي تغلغلت في عظامه، فرك رقبته برقة ليحررها من تيبسها المؤلم، استقام من جلسته بهدوء لينظر حوله، مرت ثوانٍ عدّة حتى استطاع تمييز مكانه فهو الآن في منزل براء، وفي البهو تحديداً حيث غفا بالأمس بينما كان براء يتحدث، عض على شفته بخجلٍ وهو يلوم نفسه، لم يحتج لأن يبحث عنه فقد خمّن مكانه.

كان براء يجلس كعادته على كرسيه مقابلاً للبحر حين شعر بحركة خفيفة خلفه، فتحدث بسخرية طفيفة: عِمتَ صباحاً حضرة الطبيب المُخضرم.
ابتسم جواد بخفه ولم يعقب، ساد الصمت بينهما لثوان قبل أن يقطعه جواد مُتسائلاً: أخبرني براء، ماسرُّ علاقتك بالبحر؟
تنفس بعمق ليجيبه: لأنه يشبهني.
عقد جواد حاجبيه بعدم فهم، فأضاف براء بنبرة حزينة: قلب البحر مظلمٌ كقلبي، وفي داخله أسرارٌ كثيرة مثلي تماما.

رمقه جواد بإشفاق، ثم تحدث بشرود: أتعلم براء، اشعرُ أنني أتعرف إليكَ لتوي.
استدار براء نحوه يتابعه باهتمام بينما أضاف جواد: أنا أعرفك منذ سبعة عشر عاماً، لكنني دائماً ما كنتُ أشعر أننا غرباء، طوال الوقت كنت هادئاً، وعاقلاً ايضاً، لم يكن لك أصدقاء سوى عادل في صغرك، وسمير في الجامعة، حتى إذا ضحكت، دائماً ماكنتُ أشعر أنك تخفي خلف ابتسامتك ألماً عظيما.

أغمض براء عينيه بألم عائداً إلى وضعيته السابقة، بلع ريقه بصعوبة هامساً: نعم أعلم هذا.
أبتسم بتهكم وهو يضيف: أتعلم أنت؟ لولا والدتك لما استطعت متابعة حياتي.
عقد حاجبيه بعدم فهم ليردف براء وهو مازال مغمض العينين: نعم لاتُحدّق بي هكذا، والدتك ساعدتني وساعدت أبي أيضاً.
سكت لثانية قبل أن يتابع بحشرجه: لولاها لانتحرتُ خلف والدتي أيضاً.
اتسعت حدقتاه بدهشة ليسأله بتعجب واضح: مالذي قلته براء؟

- كمن لم يصدقه فهمس له بشك: كلّ ماأعرفه أن والدتك توفيت في حادث مروري، وهو السبب أيضاً في أن والدك مُقعدٌ الآن!
فتح عيناه ليطالع السماء المُلبدة بالغيوم هامسا بشرود: بعض القصص حقيقية لدرجة الخوف من سردها.
رمش بعينيه و هو يحرّك رأسه للجانبين مُردداً بضياع: لم أعد أفهم شيئا!
طالعه بنظراتٍ باردة معقباً: ستفهم جواد أعدك، فقط كن صبوراً.

ضغط على شفتيه وهو يومأ بتفهم، عاد براء إلى وضعيته المُعتادة ليسرد له اعترافات عليا.

كانت عليا مُدللة والديها تحيا حياة سعيدة مُستقرة مع والدين مُحبين وشقيقٍ لها من والدتها.
كانوا عائلة ميسورة الحال، فوالدها امتلك العديد من المحالّ التجارية، اما والدتها فقد كانت تملك العديد من الأراض والمزارع ورثتهم عن زوجها الأول.
تعرفت إلى عمار عندما بلغت الستة عشر عاماً، حيث كان صديقاً لشقيقها أي أنه كان يكبرها بعامين، وقد وقعت في حبه منذ الوهلة الأولى.

بدأت علاقتهما كصداقة عادية، حدّثها عن نشأته وهو ابن عائلة فقيرة، كانت ذووه يملكون فرناً صغيراً، انفجر بهم عندما كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات، بسبب بعض التسريب في الغاز، فكفله عمه الذي توفي بعد أن بلغ عمار السبعة أعوام.
تشرّد في الأزقة حتى وجد محلّ حدادة، يعمل فيه نهاراً ويبيت به ليلاً، وقد ساعده ربُّ عمله في الدخول إلى المدرسة، حيث تعرف إلى شقيقها واصبحا أصدقاء منذ ذلك الحين.

تنهدت عليا بتعب وهي تتابع قصّ حكايتها على مسامع براء: توفيت والدتي بأزمة قلبية، ولم يلبث أبي بعدها طويلاً، حيث كان بعدها بأسبوع واحد.
لقيتُ مع شقيقي وحيدين ولم يتركنا عمار أبداً، بل دائماً ماكان يبثُّ فينا الأمل لنمضي في حياتنا.
بعد فترةٍ وجيزة بدأ أخي يتغيرُ وأصبح عصبياً للغاية، وايضاً كان يتغيب عن المنزل لفترات طويلة حتى اختفى نهائياً، بحثتُ عنه مُطولاً حتى فقدتُ الأمل في عودته.

ارتخت تعابيرها قليلاً لتضيف وهي شاردةٌ في السقف: حينها اعترف لي عمار بحبه وطلب مني أن نتزوج.
قاطعها براء قائلاً: وهل وافقتِ؟
ابتسمت بتهكم مجيبةً: بالطبع وافقتُ فقد كنتُ أحبه، ماإن سمع موافقتي حتى هرول ليجلب رجل الدين وشاهدين ليعقد قراننا.
قاطعها ثانيةً مُتسائلاً بجدية وهو عاقدٌ حاجبيه: ولكنني لم أجدْ في السجلات الرسمية أيُّ شئٍ بهذا الخصوص؟

طالعته بنظرةٍ باردة قائلةً بسخرية: طبعاً لن تجد براء، لإننا لم نتزوج.
رفع حاجبيه بدهشة مما قالت، فأضافت: كما سمعتَ سيادة الضابط، لقد كان الأمر برمته مسرحيةً رخيصةً من عمار، وقد لعب دوره ببراعه.
ظلّ يرمقها بنظراتٍ مُتفحصه ليشعر بصدقها، فيما تابعت هي: بُعيد زواجنا المزعوم بفترة قصيرة طلب إليّ توقيع وكالةٍ عامةٍ له بكافة أملاكي، ليتسنى له العمل بحرية دون الرجوع إليّ في كلّ أمرٍ صغير.

زفرت بحرارة وهي تضيف: لاأعلمُ ماحدث بالضبط، كلّ ماأعرفه أنني نمتُ يوماً في منزلي، واستفقتُ في اليوم التالي في أميركا.
ضيّق براء عينيه مُتسائلاً بجمود: كيف ذهب بكِ إلى أميركا وهو لم يكن يمتلكُ حتى قوت يومه كما قلتِ؟
انشق ثغرها عن ابتسامة ساخرة مُرددةً: عرفتُ فيما بعد أنه باع أملاكي كلها بوساطة التوكيل الذي وقعته بيدي.

تنفست بعمق وهي تضيف: عشتُ معه هناك سبعة سنوات كانت كالجحيم بالنسبة إلي، رأيتُ فيها وجه عمار الحقيقي وعايشتُ قذارته بحذافيرها.
ابتسمت بسخرية وهي تُطالع وجه براء لتخبره: أتعلم؟ لقد كان تاجر مخدرات وأيضاً مُهرب آثار؟!
- بدى كمن لم بصدقها، فابتسم بتهكم قائلا: أرجوكِ، لاتخبربني أنه أعترف لكِ بهذا؟

اجابته بثقة وقد اكتسبت ملامحها جديةً واضحة: نعم، لقد اعترف لي بهذا عندما شرب حتى الثمالة ذات ليلة، وايضاً أعترف لي بأنه قتل شقيقي بعد أن ورطه في عمله القذر.
قطب جبينه بتفكير سائلاً: إذاً لمَ لمْ تَشي به لدى السلطات هناك؟
ودون أن تهتز ملامحها الواثقة أخبرته: لم يكن يسمحُ لي بالخروج إلا مع حرسٍ شخصي، ولا وسيلة اتصال لي خارج جدران قصره هناك، فكيف لي أن أشيَ به؟

فضلاً عن مُحاولتي للهرب منه والتي باءت بالفشل، ثمّ قام بضربي يومها حتى...
قطعت كلماتها لتبتلع غصةً حارقةً في صدرها ثم أضافت بدموع: حتى أجهضت حنيني.
وضع إصبعه السبابة تحت شفته السفلى يحركها بحركة خفيفة، ثم ضيق عينيه بتركيز متحدثاً: إذاً، ألم يكن يأتيكم زوارٌ هناك؟
- بلى، لكنّ زواره جميعهم كانوا مثله، خارجون عن القانون يمارسون عملهم القذر بشرعية، أفهمت مقصدي؟

- استند برسغيه على فخذيه مقترباً بجسده منها سائلاً باستفسار: أتعنين أنه كان مدعوماً من رجالات السياسة هناك..؟
- أشارت له بالإيجاب مجيبةً: نعم، وقد كانوا يغطون أعماله مقابل حصةٍ من الأرباح، وكذلك كانوا يساهمون في تبييض أمواله.

ضيق عينيه وهو يتفحصها، لقد كانت صادقةً إلى حدٍّ مريب، قاطع خلوتهما صوت طرقات على الباب، اتبعها دخول أحد رجاله الذين كانوا يقفون حارجاً، أدى الرجل التحية العسكرية فسأله براء بجدية: مالأمر مؤمن؟
أجاب مؤمن برسمية: سيدي، إتصل سيادة المحقق عادل يريد محادثتك لكنك لا تجيب على اتصالاته.

مدَّ يده إلى جيب سترته يبحث عن هاتفه، فلم يجد سوى سلاحه الذي لايفارقه، فأجاب بقلة حيلة وقد تهدل كتفاه: يبدو أنتي نسبته في السيارة، مالأمر؟
- تحدث مؤمن باحترام: السيد عادل يطلب حضورك إلى القسم على عجلٍ لأمر ضروري.
أشار له بالإيجاب، حياه مؤمن مرة أخرى ثم استدار خارجا، التفت نحو عليا من جديد قائلاً بوعيد: سأعود في الغد.

استقام خارجاً دون أن يسمع منها، وصل إلى موقف المستشفى حيث أوقف سيارته عند قدومه، لكنه شعر بأمرٍ مريب، حدسه الأمني أخبره بأن ثمة من يراقبه، تمهل في مشيته وهو يحاول أن يُخمن مكانه، التقطت أذناه حركة خفيفة في ركنٍ منزوٍ من الموقف، اتبعها صوت احتكاك إطارات سيارةٍ ما بالأرضية الصلبة، التفت للخلف فرأى سيارة سوداء بلا أرقام تتجه نحوه بسرعة، ركض بأقصى سرعته محاولاً تفاديها، حتى ألقى بنفسه على الأرض، بحركة سريعه خبيرة استلقى على ظهره مُخرجاً سلاحه وهو يطلق النيران باتجاه إطارات السيارة حتى أصابها، انزلقت السيارة حتى اصطدمت بالحائط، فاستقام من مكانه راكضاً نحو السائق ليجده مازال على قيد الحياة يحاول إخراج سلاحه.

صوب براء مسدسه نحو الرجل صائحاً بتحذير: إياك.
بانت علامات الذعر على ملامح الرجل وهو يرفع يديه بارتجاف للأعلى، ابتلع ريقه بصعوبة حينما أمره براء بحزم: ترجل من السيارة بهدوء ودعني أرى يداك.
ترجل من السيارة وجسده يرتعش بشدة، استدار نحو السيارة ليدفعه براء عليها وهو يقبض على كلتا يداه، أرخى رابطة عنقه التي يلبسها ليكبل الرجل وقد ارتخت تعابير وجهه بانتصار.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:18 مساءً   [20]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الحادي والعشرون

وصل براء إلى القسم مُصطحباً معه الرجل الذي كاد يدهسه، وايضاً جلب معه مؤمن الذي هرع برفقة أمن المستشفى إلى الموقف عندما سمعوا إطلاق النار، ليجدوا براء وقد كبّل الرجل الذي جُرِح وجهه نتيجة الاصطدام.
ماإن دخل القسم حتى هرع إليه عادل يسأله بلهفة صادقة: هل أنت بخير براء؟ حادثني مدير المشفى وأخبرني بأنك أطلقت النار على سيارة شخصٍ ما؟

وقف براء أمامه وقبل أن يجيبه أتاه صوت سمير صائحاً من خلفه وهو يربت على كتفه بدعم: حمداً لله على سلامتك أيها البطل.
ابتسم براء بخفه مُجاملاُ ليضيف سمير بجدية: أخبرني إذاً، مالذي حدث؟
شدّ ظهره وانتصب كتفاه، وبوجهٍ جامد الملامح و برودٍ يُحسدُ عليه أجابهما: أحدهم حاول قتلي.
قطب سمير جبينه بجدية، أما عادل فبدت عليه الدهشةُ مُردداً بذهول: إذاً كانوا يحاولون تنفيذ تهديدهم فعلا؟!

أومأ له بالإيجاب، وفي هذه اللحظة دخل مؤمن برفقة الرجل المُتهم، توجه براء إلى سمير بالقول: هلّا أخذته إلى غرفة التحقيق؟
ثم غمز له مُضيفاً بنبرة ذات مغزى: ولا تنسى الضيافة.
ابتسامة باردة شقت ثغر سمير وهو يستدير نحو المتهم هامساً بشر: لا داعي للتوصية ابداً صديقي.

ارتعد الرجل خوفاً من حديثهما فحاول أن يتكلم، إلا أن سميراً لم يمهله الفرصة فأمسك به من ياقة قميصه من الخلف ودفعه أمامه بإهانة ليزيد الرعب في قلبه.

أشار إلى مؤمن بالعودة إلى المستشفى فأومأ الأخير بالإيجاب، ثم استدار نحو عادل ليسأله بجدية: أخبرني عادل، لمَ طلبتَ حضوري على عجل؟
تنحى عادل للجانب مُشيراً إليه ليسير بمحاذاته، استجاب له براء في حين أخبره عادل: لقد قام جميل بتشريح جثة حازم، واحزر ماذا وجدنا؟
توقف أمام باب مكتبه سائلاً باهتمام: ماذا وجدتما؟
ابتسم عادل بخفه مُجيباً بزهوّ: وجدنا الوشم ذاته الموجود على ذراع سيمون.

قطب جبينه ةهو يتمعن في وجه رفيقه، ثم دخل إلى المكتب ليجد بضعة صور مسنودة على طاولته، حمل إحداها ليتفحصها ليرى تطابق الوشم على ذراعيّ الرجلين، ضيّق عينيه بتفكير استغرقه لثانية واحدة ثم ألقى الصورة على المكتب مُخاطباً عادل بأمر: اتبعني.
خرج من مكتبه يحثُّ الخطى نحو غرفة الاستجواب ليفتح بابها دون سابق إنذار، قابله سمير فحدّثه بنبرة شبه متهكمة: هل أتيت لتشهد الحفلة؟ لم نبدأ بعد على أية حال.

لم يجبه بل تقدّم نحو المُتهم الجالس على الكرسي وجسده يرتعش، أمسك يده بقسوة ليرفع كمّ قميصه للأعلى وياللمفاجأة!
الوشم ذاته على ذراعي سيمون وحازم!
زادت ارتجافة الرجل مع سؤال براء بنبرته الخطيرة وهو يعتصر ذراعه بيده: مامعنى هذا؟
ارتعش فكه دون إجابة، فهوى براء بقبضته على وجهه صارخاً به: تكلّم...

عقب رحيل براء ومعه مؤمن لم يبقَ سوى رجلٌ أمام غرفة عليا والممرضة داخلها.
خرجت بسمة من الغرفة تحمل الهاتف في يدها، فلم تجدْ سوى (نعيم) لتسأله باستغراب: أين ذهب مؤمن؟
استدار نحوها مُتحدثاً: لقد حدثت مشكلةٌ ما مع المحقق براء وخرج معه.
سألته مُجدداً وقد عقدت حاجبيها؛ مشكلة ماذا؟
رمقها بانزعاج صائحاً بها: لمَ تسألين كلّ هذه الاسئلة ياآنسة؟ وماهمكِ إن رحل مؤمن أم بقي؟

رمشت عيناها من هجومه الغير مبرر عليها فهتفت به بامتعاض: على رسلكَ يا سيد، انا فقط كنتُ أودّ الخروج إلى حديقه المشفى لأهاتف والدتي!
طالعها بنظرة مُتعالية قائلاً: وهو يشير بيده: يمكنك الذهاب.
ثم تابع بنبرة آمرة: لكن لا تتأخري.
تأففت بضيق وهي تشيح بوجهها عنه ثمّ مضت في طريقها نحو الحديقة.

كان مديرُ المشفى يتفقدُ الطابق حيث تتواجد غرفة عليا عندما استمع لحديثهما مُصادفةً، تبسم بخبث وهو يشعر بأن الفرصة مؤاتية الآن ليدخل إلى عليا ويخبرها برسالة يوسف المُشفرة، لكن عليه أولاً أن يتخلص من الحارس الثاني، لذا اقترب منه راسماً قناع البراءة صائحاً: ماالأخبار هنا؟
رمقه نعيم باستغراب قائلاً بحذر: بخير.
ثم تابع باستفسار: مالأمر أيها المدير؟ ماذا تفعلُ هنا؟

ابتسم بسخافة مُتحدثاً: لاشئ في الحقيقة، فقط كنتُ أتفقد سير العمل، تعلم يجب أن نقدم أفضل خدمة وعناية للمرضى هنا.
سكت لثانية قبل أن يضيف بمكر: إذاً أخبرني، لمَ لاتجلبْ لنفسك كوباً من القهوة أو العصير مثلاً؟
ثم تابع بتبرير وهو يشير برأسه للخلف: لدينا في آخر الرواق ماكينةٌ لبيع العصائر المُثلجة إذآ أردت؟
طالعه نعيم بريبة قائلاً: لا أستطيع ترك مكاني قبل عودة صديقي أو الممرضة.

لكنّ المدير واصل إلحاحه مُحاولاً إقناعه بالمغادرة قبل عودة بسمة: إنها قريبة كما أخبرتك في آخر الرواق، لن تتأخر لاتقلق.
أضاف أخيرا ليضمن اقتناع نعيم: ثمّ أنني سأقف هنا لو أردت حتى تعود.
اقتنع نعيم بحججه الواهية، فقرر الذهاب لجلب بعض العصير نظراً لشعوره بالعطش في هذا الطقس الحار. فأخبره: حسناً سأذهب.
ثم تابع بتحذير: لكن لا تتحرك حتى أعود.

رسم المدير ابتسامة سخيفة وظلّ يتابع نعيم حتى اختفى، اقتحم من فوره غرفة عليا التي ارتعدت من دخوله المفاجئ فسألته بريبة: من انت؟ وماذا تفعل هنا؟
اقترب منها هامساً بهدوء: اهدأي سيدة عليا، أنا من طرف السيد يوسف.
ارتخت تعابيرها براحة عندما سمعت منه ماقال، فأضاف بذات الهمس: السيد يوسف يقرؤكِ السلام ويخبرك بأنّ الكوبرا لن تتخلى عن حلفائها أبدا.

ابتسمت بارتياح لتجيبه بهمسٍ مماثل: أخبر السيد يوسف بأن الثعلب ذكيٌ وماكر وقد بدأ بفك خيوط اللغز، لذا يجب أن يبقى بعيداً وليعتني بالأميرة.
هزّ برأسه إيجابا ليسألها: هذا فقط؟
طالعته بنظرة غامضة قبل أن تضيف: أخبره أيضاً أن ينظف فلا تبقى أيةُ آثار خلفه.

اومأ لها ثم استأذن ليخرج قبل عودة الحارس، وقف بجانب الباب يلتقط أنفاسه عندما لمح نعيم قادماً من بعيد، ضبط انفعالاته لئلا يشعر بتوتره رسم ابتسامةً بسيطه ثم استأذن منه مهرولاً إلى مكتبه.

كان يوسف جالساً في الشقة الجديدة التي استأجرها لأجله أحد رجاله، يقف أمامه رجلٌ ما وقد بدى القلق واضحاً على قسمات وجهه المُجعد.
نطق يوسف بعد بُرهة بهدوء مُخيف: إذاً فقد أمسك الضابط برجلك الذي أرسلته لقتله؟
ارتجف جسد خالد ليقول بتوتر: نعم سيدي.
ثم سارع ليضيف: لكنه لا يعرف شيئاً أؤكدُ لك.
رمقه بنظرة متفحصه وهو يسأله بحزم: ماذا تقصد خالد؟

ازدرد ريقه بوجلٍ مُجيباً: إنه من المنضمين الجدد، ولا يعرف أشكالنا ولا أسمائنا الحقيقية.
انتفض من مكانه بقوة ليسقط الكرسي على الأرض مُحدثاً صوتاً عالياً ليصرخ بخالد: أيها الأحمق،! تُرسلُ أحد المبتدئين ليقتل ضابطاً بذكاء براء؟ أجننت؟
حاول خالد الحديث ليبرر خطأه، فصاح به مجدداً: اخرس، لااريد سماع صوتك أيها الغبي.

استدار يوسف ليقابل النافذة الزجاجية مُحاولاً التفكير في حلٍّ لهذه المُعضلة التي رماه بها هذا الأبله، يعلم جيداً أنّ براء لن يُفوت هذه الفرصة الذهبية التي أُتيحت له بالقبض على أحد رجاله حياً، وبالتأكيد سيصل إليه في النهاية.
مرّت ثوان معدودة، ثم استدار نحو خالد مجدداً ليسأله: من المسؤول المباشر عن تجنيد رجلك هذا؟
أجابه خالد بارتجافة: إنه وائل.
رفع رأسه وضيّق عينيه بتفكير قبل أن يأمر خالد ببرود: اقتله.

ألقى كلمته هذه ثم حمل هاتفه ليخرج من الشقة بأكملها لاعناً ذكاء براء، وغباء رجاله.
ماكاد يخطو خارجاً حتى رنّ هاتفه برقمٍ ليس مسجلاً على قوائم اتصاله، أجاب ليكتشف أنه مدير المشفى الذي أخبره برسالة عليا المُشفرة، أغلق الهاتف لترتسم ابتسامة باردة على شفتيه.
صاح مُنادياً خالد ليأمره: لديك عملية تنظيف.
ثم تابع بتحذير: إياك والخطأ هذه المرة، اعتبرها فرصتك الأخيرة.

أومأ خالد بذعر ليسأله بتقطع: من المقصود هذه المرة سيدي؟
انتصب في وقفته وفرد كتفيه مُتحدثاً: مدير المستشفى حيث فشلتَ في قتل الضابط.
ثم أضاف: أريد سماع اخبار جيدة خلال ساعة واحدة.
اومأ خالد بسرعة وهو يتمتم: حاضر سيدي تحت أمرك.
ثم اتجه ليُنفذ ماأُمِرَ به وهو أكثر من يعلم، ماذا تعني الفرصة الأخيرة!

ألقى الرجل من يده بعد أن أدماه حرفياً، فلم يُبْقِ في وجهه وجسده بقعةً سليمة بعد أن انهال عليه بالضرب المُبرح حتى كاد يُزهق روحه بين يديه لولا عادل الذي تدخل وهدّأه بالإجبار.

مسح الدم عن يديه بمنشفةٍ مُبلله وهو يلهث بخفة، وبالرغم من كمِّ الضرب المُميت الذي تلقاه الرجل إلا أنه لم يَبُحْ له بشئٍ مُفيد سوى اسم الشخص الذي جنده في هذه العصابة، أو بالأحرى مافيا، وأنّ الشخص الذي أصدر الأمر المباشر بقتله يدعى بالأفعى الكوبرا.
خرج من الغرفة يتبعه سمير وعادل، استدار نحوهما ليكلم عادل أولاً: عادل اسمعني، أذهب مع فرقةِ مداهمة واحضروا وائلاً هذا.

أومأ له بالإيجاب وتحرك من فوره ليُنفذ الأوامر، بينما تابع سأله سمير بجدية: مالذي تنتويه الأن براء؟
رمقه بنظرة غامضة ليسأله بدوره: أخبرني أولاً، هل حدثت المُدير؟
أومأ إيجاباً وهو يخبره: نعم، وقد اقنعته أن تبقى معي في القضيه وقد وافق بشرط ألا تتهور.
أشار له متفهماً، سكت لثانية قبل أن يضيف: اسمعني سمير، اطلب من أحد رجالك الثقة جهاز تتبع مع الشيفرة الخاصة به.

عقد حاجبيه بعدم فهم ليردف براء: لقد حاولوا قتلي اليوم، إذاً لاشئ سيردعهم عن آذية عائلتي إذا ماشعروا بأنني أُشكل خطراً عليهم.
أشار له سمير موافقاً ثم أردف: اعتبره تم، وأين تريد أن تضعه؟
صمت لثانية كأنه يفكر ثم اجاب: في سيارة والدتي.
أومأ له سمير بتفهم ليسأله باهتمام: أخبرني براء، لمَ لمْ تذهب مع عادل للإمساك بوائل؟ فهو صيدٌ ثمين الا تعتقد هذا؟

قطب جبينه مُجيباً بجدية: لأنهم على الأغلب سيجدونه ميتاً، أو بالأحرى مقتولاً ولا أريدأن أضيع المزيد من الوقت.
تحرك من أمامه فورا بينما ظلّ سمير ينظر في أثره بدهشة، فعلاً براء يملك عقلاً لا يُقدر بثمن، انتبه على سؤال الأخير له: هل استطعت الوصول إلى شئ من حديث رجال الأمن في قصر عمار؟

طالعه بعيون مُتسعة للحظة قبل أن يضبط إيقاع نبرته ليتحدث بتوتر وهو يفرك رقبته من الخلف: حقيقةً لا، فقد انشغلتُ في أمرٍ آخر.
رمقه براء بنظرات غير مفهومة ليقول له بهدوء مصطنع: حسناً إذاً، لاتنسى أن تُعرفنا إليها قريباً.
ثم استدار ليعود إلى المُستشفى، تاركاً سمير ينظر في أثره بذهول وهو يردّد في نفسه: أيها اللعين الذكي!

قهقه جواد بخفه مُقاطعاً إياه: وكيف علمت أن الذي شغله كان فتاةً؟
تنهد براء بتعب وهو يبتسم ابتسامة فاترة: سمير جادٌ في عمله ولا يتوانى فيه، فلو كان ماشغله يومها ومنعه من الذهاب انرٌ اعتيادي لكان أخبرني، لكنه كان متوتراً بشكل مريب فخمنت على الفور أن الأمر مُتعلقٌ بفتاة.

أومأ له متفهماً ثم قاطعهما دخول مدبرة منزل براء، انتبها كليهما أن الوقت تأخر دون أن يتناولا شيئاً، حضرت لهما المدبرة إفطاراً سريعاً وبعد أن انتهيا أوصل براء شقيقه إلى المنزل.
وصلت سيارة براء أمام المبنى، فالتفت إليه جواد هاتفاً: اسمع براء، في الغد سيتغيب والدانا طول اليوم عن المنزل، ما رأيك بأن تحضر إلى هنا لنتابع؟
سأله بجدية: أين سيذهبان؟

ابتسم جواد بخفه مجيباً: أحد أصدقاء والدنا القدامى يريد منهم أن يقضوا يوم غدٍ معه في مزرعته.
أشار بتفهم مُعقباً: من المؤكد أنه السيد نزار.
فأردف جواد: نعم هذا صحيح، ها ما رأيك؟
اخذ نفسا عميقا ثم زفره دفعة واحدة قائلاً: حسناً سآتيك صباحاً.
اتسعت ابتسامة جواد وهو يشير له بالإيجاب، استأذن ليدلف إلى المنزل بعد رفض براء الدخول معه.

بعد مغادرة جواد، أسند براء رأسه للخلف وهو يضغط بكلتا يداه على مقود السيارة وهو يشعر بأن يوم الغد لن يكون كسائر الأيام.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:18 مساءً   [21]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الثاني والعشرون

رغم تأخر الوقت، ونيته قبلاً بأن يرجئ الاستماع لباقي قصتها للغد، إلا أن التطورات التي حصلت في الساعات الأخيرة اضطرته للعودة إليها، شعر بأنها من تملك الإجابات على جميع تساؤلاته، خاصةً فيما يتعلق بذلك الأفعى الكوبرا، يكاد يجزم أنها من ستوصله إليه.

اوقف سيارته بعيدا عن المشفى بمسافة قصيرة بسبب الازدحام الخانق، لكنه لم يستطع البقاء داخل السيارة مُطولاً لذا عمد إلى ركنها على جانب الطريق ثم ترجل منها وابتعد مشياً على أقدامه بعد أن أقفل سيارته وأخذ متعلقاته.

كان الازدحام الشديد بسبب حادث سير فظيع، لاحظ سيارةً سوداء وقد انقلبت واشتعلت النيران فيها، وعدة رجال إطفاء يحاولون إخمادها ليخرجوا الرجل الذي تقريباً تفحم نهائياً، ومن حولهم وقف رجال الإسعاف قدموا من المستشفى القريب، وايضاً عدة رجالٍ من الشرطة يحاولون تنظيم السير للسيارات العالقة، والتي بدأ اصحابها بالصراخ فيهم ليسمحوا لهم بالمرور نظراً لاقتراب الليل من انتصافه.

لاحظ براء أثناء مروره بالقرب من السيارة المُشتعلة طيف رجل يعرفه، تطلع إليه يحاول استكشافه من خلال النيران التي انعكست على وجهه ليكتشف أنه مؤمن الذي عاد إلى المشفى بأمرٍ من براء، ليجد الطريق مغلقاً بسبب الحادث.
التفت براء نحو مؤمن صارخاً باسمه، اقترب منه مؤمن فحياه بالتحية العسكرية فسأله بجدية: ماذا تفعل هنا مؤمن؟ ألم آمرك بالعودة إلى المستشفى؟

ازدرد مؤمن ريقه بارتباك وهو يحاول الحديث بتبرير: سيدي لقد كنت في طريقي إليها بالفعل، لكنني اصطدمتُ بهذا الحادث كما ترى.
نظر براء إلى السيارة التي لم تزل مشتعلة، ليسأله من جديد: وماشأنك أنت بهذا الحادث؟ ألا ترى كم من الرجال مجتمعين حول السيارة لإخمادها؟
تحدث مؤمن بسرعة: سيدي، هذا مدير المشفى.
تطلع إليه بعدم فهم ليردف مؤمن: نعم سيدي، فهذه سيارته، انا أعرفها جيدا.

طالعه براء بريبة، عقد حاجبيه اكثر ماهذه الصدفة العجيبة؟ تحرك وهو يشير له بان يتبعه متجهين نحو المشفى الذي انقلب رأساً على عقب فور توارد نبأُ وفاة مديرها بحادث مروع.
لم يكترث بكلِّ ما يجري لكنه شعر بأمر مُريب للغاية، ليست مصادفةً أبدا أن يموت مدير المستشفى في ذات اليوم الذي يتعرض به لمحاولة اغتيال.
اتجه من فوره ليسأل نعيم بجدية: أخبرني نعيم، هل حضر أحد ما إلى هنا لزيارة عليا؟

أجاب نعيم برسمية بعدما أدى التحية العسكرية: لاسيدي، لم يحضر أحد ابداً.
- ضيق عينيه وهو يفكر في أمر ما، ليسأله مجدداً: هل رأيت مدير المستشفى اليوم؟

استغرب نعيم من سؤاله العجيب فظن في نفسه بأن براء قد علم بأمر تغيبه عن حراسة الباب للحظة، ازدرد ريقه بارتباك وهو يحاول أن يكون صادقاً لئلا يطاله غضب براء، فتحدث بتقطع: سيدي في الحقيقة، لقد رأيته وقد طلبتُ منه الانتظار هنا مكاني وتغيبتُ لدقيقتين فقط أحضرت لنفسي بعض العصيرالمُثلج.
ثم تابع بتبرير: صدقني سيدي لم اتغيب سوى دقيقتين فقط.
رفع رأسه وهو يسأله مجددا: وهل كانت بسمة في الداخل عندما غادرت؟

أجاب بتوتر وقد تعرق وجهه: لا، لقد كانت في الحديقة تهاتف والدتها.
لم يحتج براء لأكثر من هذا الحديث، رفع رأسه للأعلى وهو يدور حول نفسه كأنه يبحث عن شئ ما، فوجد كاميرات مراقبة مثبته في الزاوية لترصد الرواق حيث غرفة عليا، قطب جبينه ثم أمر مؤمن دون الالتفات إليه: اتبعني مؤمن.

مشى بخطوات سريعة نحو مكتب مدير المشفى فتح الباب فجأة ليجد المكتب فارغاً، اتجه من فوره ليفتح حاسوب المدير ليجده مفتوحاً دون قفل، عبث بالحاسوب قليلاً لتظهر أمامه تسجيلات الكاميرات في المستشفى، حدّد هدفه ففتح ملف الكاميرا الخاصة بالرواق حيث يتواجد رجاله، أعادها للخلف مدة ساعتين، ليرى مدير المشفى وقد وقف في مكان منزوٍ يستمع لمحادثه نعيم وبسمة، ثم لاحظ تقدمه نحو نعيم وإقناعه له بالمغادرة، و ماإن تأكد من مغادرة نعيم حتى دلف إلى غرفة عليا ليتغيب فيها لمدة أقل من الدقيقة، ثم خرج قبل عودة نعيم.

كان مؤمن يقف خلفه ويشاهد التسجيل بعينين مُتسعتين، وهو يحدث نفسه بإعجاب واضح: لقد دخل الغرفة لدقيقة ثم خرج! ماذا فعل في الداخل.؟
اظلمت عينا براء وضغط على أسنانه بغضب، مالذي جرى بينها وبين مدير المشفى في هذه الثوان المعدودة مما استدعى قتله؟ نعم هو متأكدٌ من هذه الجزئية جداً، أياً كان مادخل لأجله إليها فهو بالتأكيد سبب مقتله، لكن لا ضير من التأكيد مرة أخرى.

خاطب مؤمن بصوت غشيه الغضب: اسمع مؤمن، اذهب الى مكان الحادث وتأكد من رواية الشرطة.
أومأ مؤمن بالإيجاب دون حديث وخرج عائداً إلى حيث ترك السيارة مشتعلة.
اما براء فقد عاد إلى الاستقبال حيث كانت بعض الممرضات يبكين بانهيار لصدمتهن بوفاة مديرهن بهذا الشكل المروع.
اتجه نحو موظفة الاستقبال التي ظهر الحزن جلياً على قسماتها ليسألها بجدية: متى خرج المدير من هنا؟

طالعته بنظرة حزينة لتجيبه بضعف: منذ نصف ساعةٍ تقريباً.
ضيّق عينيه مضيفاً باستفسار: ولماذا خرج الآن؟أليس من المفترض أن يبقى هنا لغاية الصباح؟
أجابت وقد وقفت أمامه باحترام وهي تضغط على أعلى أنفها: لقد أتاه اتصال من مجهول إلى الاستقبال يخبره بأن إبنه الوحيد قد أصيب في حادث سير وأودع في أحد المشافي.
صدح رنين هاتفه مُقاطعا حديث الممرضة، فتح الاتصال ووضعه على أذنه متحدثاً بأمر: تكلم.

أتاه صوت مؤمن على المقلب الآخر قائلاً بعملية: سيدي تقرير الشرطة الأولي يشير إلى أنه تمّ التلاعب بفرامل السيارة، فلم يستطع السيطرة عليها وانقلبت به ثم اشتعلت.
أغلق الهاتف وهو ينظر في نقطة في الفراغ، إلى هنا ولم يعد لديه أدنى شك بأنه حادث مدبر، ثارت دماؤه في عروقه وقد زاد يقينه بأن عليا لها يدٌ في مقتله، ومن المؤكد أن شركاؤها هم من قاموا بهذه الجريمة.

قاطعه جواد مُتحدثاً بجدية: دعني أسألك براء، لمَ شككت في وجود شركاءٍ لها من الأساس؟
تطلع إليه براء بحاجبٍ معقود ليضيف: أعني حتى قبل رسالة التهديد وخطف سيمون، لمَ لمْ تصدق حديثها بأنها بمفردها في هذه الجريمة؟
تنهد براء بخفة ليجيبه: اتعلم؟ لقد كانت صادقة في حديثها وسردها للجريمة بشكلٍ مُريب، لدرجة تجعل من أمامها يصدق فعلاً بأنها وحيدة في هذا الأمر، لكن ليس انا.

قطب جبينه مُتسائلاً من جديد: مالذي جعلك تشكك في الأمر أساساً؟
اراح رأسه للخلف وهو يطالع السقف: بكاؤها في حِجْرِ عمار كان جزعاً وليس ندماً كما أخبرتني.
عقد حاجبيه بعدم فهم ليردف براء: عندما ينتوي أحدهم قتل شخصٍ ما إذاً فهو قد داس على إنسانيته وتخلى عنها.
سكت لثانية ثم ليضيف: ولكن عليا لم تكن لتجرؤ على قتل عمار، لذا كان لِزاماً عليها اللجوء إلى شخصٍ متمرس، أو رجل عصابات بمعنى أدق.

ضيق جواد عينيه باستفسار مردداً: لمَ باعتقادك لم تجرؤ على قتل عمار لوحدها؟
التفت نحوه ليجيبه بابتسامة باردة: لإنها تحبه، وهذا سبب بكائها.
بدى جواد كمن لم يفهم ما قيل، وقبل أن يتابع أسئلته فُتح الباب ليطالعهما وجه زينب الناعس، وقد حضرت لتوقظ جواد وقد تفاجأت بوجود براء فصاحت بدهشةٍ بائنة: براء! عزيزي مالذي تفعله هنا؟

ابتسم بخفه وكاد أن يجيبها، قبل أن يقاطعه جواد مُتحدثاً بمزاح؛ لقد ايقظني أبن زوجك منذ الخامسة فجراً قاطعاً عليّ حلما رائعا.
قطب براء جبينه ليسأله بتهكم: بمَ كنت تحلم دكتور جواد؟
عقد يديه خلف رأسه مسنداً ظهره للخلف هامساً بتنهيدة حالمة: العشرات من الفتيات الحسناوات يركضن خلفي وهن يعرضن عليّ الزواج.
أغمض عيناه مجددا بارتياح، فنكزه براء في كتفه قائلاً بغيظ: وهل عبث أحدهم بإعدادات الأرض لتنقلب الأدوار؟

فهتفت زينب وهي ماتزال مُتكأةً على الباب: دعه يحلم براء، فلا شكّ عندي بأنه لن تقبل به أية فتاه على الأرض..
فتح عيناه ليصيح بهما بغيظ: والآن اتفق عليّ كلاكما، أليس كذلك؟
تعالت ضحكاتهما أولا ثم شاركهما جواد بالضحك، وبرغم تحفظ براء حتى في ضحكته، الا أنه يشعر الآن بقليل من الحرية من آلام ماضٍ قريب وآخر بعيد...

تحدثت زينب موجهةً حديثها إليهما: هيا أيها الشابان، سأحضر الإفطار، يجب أن نرحل باكرا لنعودقبل عتمة الليل.
أومأ كلاهما بالإيجاب ثم نهضا ليساعداها.

حلّ الصباح أخيرا على ملك التي لم تنم تقريبا وهي تشعر بالذنب بسبب سيارة شقيقتها، لذا ماإن اطلت الذهبية لتملأ الأرض بضيائها، حتى قفزت من فراشها متجهةً صوب الحمام، لتخرج بعد قليل بهيئتها الرسمية وشعرها المرفوع.
نزلت عن درج منزلها مسرعةً، وهي تنتوي الذهاب اولاً إلى الورشة لجلب السيارة، ثم الاتجاه إلى قصر عمار لتحضر الأوراق من أميرة ثم أخيرا تتجه إلى الشركة.

ماان فتحت الباب حتى تجمدت خطواتها واتسعت عيناها بذهول وهي ترى السيارة ماثلةً أمامي ومصطفة في المكان المخصص لها، رمشت عيناها وهي تتجه صوبها لتتفحص مكان الضربة التي اختفت كأنها لم تكن أساسا.
ظلت تنظر إلى السيارة بدهشة، تذكرت مفاتيح السيارة عبثت في حقيبتها لتستخرجها منها مما زاد من صدمتها.

حصرت عقلها بتفكير وهي تمسح على شعرها بإحباط، مالبثت أن تذكرته فلم يخطر على بالها سواه، من المؤكد أنه هو من جلب سيارتها إلى هنا.
يجب أن تشكره وترد له دينه، ولكن كيف وهي لاتعرف شيئا عنه حتى اسمه!
تنهدت بخفة وهي تفكر في نفسها أياً كان اسمه فهي ممتنةٌ له، فقد وفر عليها عناء الذهاب إلى الورشة لاستحضارها.
ركبت سيارتها لتنطلق بها وعلى وجهها ابتسامة مختلفه هذه المرة.

وصل سمير إلى القصر هو الآخر ليعيد استجواب الحرس الذين كانوا برفقة حازم علّه يحصل منهم على أي شئ قد يفيده، لذا أمر رئيس الحرس بأن يكتب له أسماء الرجال الذين كانوا معه، ثم بدأ باستجوابهم كل واحد منهم على حدة.
كانت أميرة في الصالة الرياضية تلعب على جهاز المشي، لكنها كانت شاردة في الحلم الذي أرقها ليلة أمس، إنه الحلم ذاته الذي تراه دائماً ولكن هذه المرة كان براء هو من يقف أسفل تلك الشجرة.

دلف يوسف إلى الصالة هو أيضاً، استند بكتفه على الباب وكتف يديه أمام صدره يتأملها بشرود، مرت لحظات عدة مرات قبل أن يلاحظ شرودها، قطب جبينه باهتمام وتقدم نحوها حتى وقف بقربها لكنها لم تنتبه له بعد.
وضع يده على كتفها فانتفضت مذعورة حتى كادت تسقط أرضا لولا أنها امسكت بالجهاز في اللحظة الأخيرة. حاول مساعدتها لكنها أشارت له بالابتعاد هامسة بصدر يلهث من فرط المفاجاة: لا داعي انا بخير.

ابتعد عنها وهو عاقد حاجبيه بضيق من نفورها منه. كور قبضته وضغط على اسنانه بشدة وهو يحاول السيطرة على انفعالاته. لايريد أن يزيد الامر سوءا بينهما.

اوقفت أميرة الجهاز ولبثت ثوان معدودة حتى تلتقط انفاسها. لتنزل منه وهي تمسح رقبتها بمنشفة قطنية كانت ملفوفة حولها. مشت نحو صنبور مياه متواجد في اخر الصالة متجاهلة نظراته المتفحصة. فتحت الصنبور لتغسل وجهها ثم رفعت رأسها لتنظر في المرأة فلاحظت يوسف الواجم خلفها، ظلت لثوان تبادله نظرات غريبه، لاتعلم لم تراه بشكل مختلف هذه المرة، دققت النظر في عينيه الزرقاء لتلاحظ للمرة الأولى، وميضا غريبا فيهما.

بينما يوسف كان يشعر باختلافها، حاول أن يجد تفسيرا لتبدل حالها معه، لكن الاسباب كلها كانت تفضي اليه وحده، مايزيده كراهية وحقدا نحوه.

قاطع شرودهما دخول أمال تخبرها بقدوم ملك وطلبها مقابلتها.
خرجت أميرة من الصالة تاركة يوسف خلفها يكاد ينفجر غيظا، حسنا هو الان يرى تأثير وجود براء في حياتها بشكل واضح، ويرى أنه يخسرها لصالحه، يجب أن يتخلص منه بسرعه قبل أن يتطور الأمر أكثر.

أخرجه من أفكاره السوداوية رنين هاتفه، طالع الشاشه ليرتسم الذعر على وجهه وهو يرى رقما دوليا، تلفت حوله ليتأكد خلو الصالة من أي أحد عداه ثم انزوى في ركن بعيد ليجيب على الاتصال باللغة الانكليزيه: نعم سيدي؟
هتف به الشخص الأخر بغضب واضح في نبرته: أين أنت جو؟
أجابه يوسف بارتباك: في قصر عمار سعادتك.
-صاح به رئيسه بنبرة خطيرة: ماذا تفعل هناك جو؟ متى ستتوقف عن العبث وتجلب لي تلك الحقيبة اللعينة؟

ازدرد ريقه بوجل ليتحدث بهدوء محاولا امتصاص غضب سيده: سيدي لقد بحثت عنها في كل مكان محتمل لكنني لم أجدها، اختطفت سيمون وعذبته حتى مات تحت التعذيب ألا انه لم يعترف عن مكانها أيضا.
ساد الصمت لثوان كانت ثقيلة على يوسف، حتى أتاه صوت الرئبس سائلا: وابنته؟ ألا تعلم مكانها؟
احتدت نبرته وهو بجيبه بغضب مكتوم: سيدي أنت تعلم أن أميرة لاتعلم عن عمل والدها شيئا.

تنهد الطرف الاخر ليتحدث بهدوء: ابحث مرة أخرى جو، يجب أن تجد تلك الحقيبة قبل أن يصل اليها شخص أخر، فتلك المستندات والاوراق قد تحرق المنظمة بأسرها. فهمت؟
-بالطبع سيدي.
أغلق المكالمة مع سيده وهو يمرر يده في شعره هاتفا بغيظ: عمار أيها اللعين، أين وضعت تلك الحقيبة؟ يجب أن أصل اليها بسرعة قبل أن يثور المجلس عليّ.
ضيق عينيه ثم تابع بغل: بعدها سأتفرغ لك سيادة الضابط.

لبث لثوان حتى قرر البحث عن الحقيبة لدى محامي عمار، خرج من فوره ليذهب إليه.

أمضى براء ليلته في المستشفى محاولا الوصول الى صاحب الرقم الذي اتصل بمدير المشفى قبيل وفاته لكن بلا فائدة، فبعد البحث الحثيث اكتشف أنه رقم كابينة هاتف عام، وأيضا هاتفه عادل ليخبره بأنهم وجدوا وائل مقتولا بذات الطريقة التي قتل فيها حازم، أطل الصباح أخيرا ليعتزم مقابلتها.
دخل إلى غرفتها ليجد بسمة تلملم أطباق الطعام بعد أن تناولت عليا افطارها، أشار لها بالخروج فأماءت بطاعة وامتثلت لأمره فورا.

جلس قبالتها بصمت دام لثوان قبل أن يقطعه فجأة قائلا بجمود: لقد مات مدير المشفى.
زمت شفتيها بحزن مصطنع لتقول: حقا؟ ياالهي كيف حصل هذا؟
ضيق عينيه مجيبا بهدوء مربك: حادث سيارة، سكت لثانية ثم أضاف بحاجب مرفوع: مُدبر.
تنهدت لتقول بلا مبالاة: رحمه الله، وما شأني انا لتخبرني؟
بقي للحظات يتأملها دون إجابة، يدرك جيدا أنه يجلس أمام أفعى ملساء متلونة.
تنفس بعمق ليسألها بغتة: من هو الكوبرا عليا؟

رفعت رأسها اليه كمن لُسعْ، تسارعت انفاسها وارتجفت شفتاها بذعر، كانت تعلم بذكائه لكنها لم تتوقع أبدا أن يصل لاسمه بهذه السرعة.
حاولت ضبط انفعالاتها لتسأله بهمس مبحوح: أين سمعت بهذا الاسم؟
انفرجت زاوية فمه بابتسامة منتصرة وقد استطاع استدراجها.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 4 من 14 < 1 4 5 6 7 8 9 10 14 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1968 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1443 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1450 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1255 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2426 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أشلاء ،












الساعة الآن 09:03 AM