logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 11 < 1 2 3 4 5 6 7 8 11 > الأخيرة


23-03-2022 03:09 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10

t22126_5850

لكلًّ منّا ماضٍ ، يؤثر في حاضره وربما مستقبله أيضاً، لم أستطعْ تجاوزه بعد، مازلتُ عالقةً في تلك اللحظة حرفيّاً ،حين لفظني من حياته كأنني نكرةٌ لم أكن يوماً ،لم يكلف نفسه عناء التقدم لخطوتين فقط ويقدّم لي عذراً مقبولاً، ليته حاول فقط لما كنتُ هكذا الآن.

ذات مرة سألتني سيدة مسنة: ما هي (كان)؟
أخبرتها بثقة مبالغ بها: إنها فعل ماض ناقص.
ابتسمت ببساطة لتخبرني: لا، بل هي الماضي الذي سيلاحقك في حاضرك وحتى مستقبلك.
لم أفهم كلماتها، فالماضي باعتقادي قد ولّى بلا رجعة لمَ سيلاحقني في حاضري ومستقبلي؟؟

حينها كان تفكيري محدوداً للغاية، ولم أعِ مغزى كلماتها حتى رأيته مجدداً ،لأكتشف بأنني مُضطرةٌ لأن أتعايش مع ماضيَّ فيما تبقى من حياتي.

ملحوظة من الكاتب علي اليوسفي:
القراء والقارئات الكرام، الكثير قد تسائل لمَ أكتب بالفصحى ولمَ لا تكون الرواية بالعامية؟
الحقيقة أنا أحب الكتابة بالعربية الفصحى، لكنني ونزولاً عند رغبة القراء الكرام أعدكم أن تكون الرواية القادمة بالعامية المصرية، أما وصية والد فبما أنني بدأتها بالفصحى فسأتابع على هذا المنهج،
أشكر تفهمكم وانتظر آراؤكم والتعليقات.
فصول رواية وصية والد
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الأول

صباحُ يومٍ هادئ، شمسٌ مشرقةٌ بخجل تتوارى خلف السحاب ونسائمٌ خريفية باردة لكنها مُنعشة، وقفت ( أماليا الصاوي ) الطبيبة الفاتنة، تتأمل الأفق البعيد بعيون مُغلقه من نافذة شرفتها في منزل والدها، تنفست رائحة العشبِ النّدي بعمق، ابتسامة باهتة شقت ثغرها كمن حرّم الابتسام على نفسه، فتحت عينيها ليتضح لونهما الأزرق كبحرٍ هادئ يدفن في جوفه الكثير من الأسرار، شعرها الأشقر الطويل الذي يتطاير مع نسمات الهواء العليل، تضامن مع بشرتها الصافية لتكتمل تلك اللوحة الإلهية والتي يندر أن رسمَ مثلها رسام.

أتتها طرقاتٌ سريعه متلاحقة على باب غرفتها، صاحت بابتسامة مقتضبة دون أن تلتفت عندما عرفت صاحبتها: ادخلي يا مجنونة.
فُتِح الباب لتظهر من خلفه فتاة هتفت بنبرة طفولية مُتصنعة الحزن: سامحكِ الله أماليا، أهكذا تقدّرين قدومي إليك لألقي تحية الصباح؟

استدارت أماليا صوبها وتحدثت فيما هي تتجه إلى الداخل لتجلس على كرسيها: أنا وأنت نعلم أنك لم تأتي إليَّ إلا لحاجةٍ أو طلب، وإلا لم أكن لأرى هذه الطلّة البهية منذ الصباح الباكر، أليس كذلك آنسة نور؟
ضحكت نور بخفوت وهي تدلف للداخل لتجلس قبالة شقيقتها مُرددةً: حبيبتي يا اختي، دائما تفهمينني بشكلٍ خاطئ.

نور شقيقة أماليا من والدها، امتازت بعينيها البنية الواسعة وبشرتها القمحية، شعرها الأسود يلامس كتفيها باختصار لا تشبه شقيقتها في شيء، بلغت الثانية والعشرين عاماً من عمرها مؤخرا وهي تدرس السنة الأخيرة في كلية إدارة الأعمال.

تحدثت أماليا وهي تنظر إلى شقيقتها بابتسامة عذبة: إذاً آنسة نور، هلّا أخبرتني ماسبب تشريفك لي في غرفتي؟
تحدثت نور بابتسامة لطيفة: أولاً صباح الخير على أجمل طبيبة في العالم.
أردفت شقيقتها بنفاذ صبر: اها صباح الخير، وبعد؟
تنحنحت الأخرى بحرج ثم أضافت: وبعد، أريدكِ أن تخبري والدي عن موضوع مجد.
قطّبت جبينها بعدم فهم لتعقب: لم أفهم، هل تريدين مني إخبار والدي عن قصة حبكما أنتِ ومجد؟

قهقهت بخفة وهي تخبر شقيقتها: طبعا لا، بل أريدكِ أن تخبريه أن يحدّد موعداً لعائلة مجد ليتقدموا لخطبتي.
رمشت أماليا بتفاجأ ثم صاحت بفرحة: سيتقدم لخطبتك حقاً؟
أشارت لها بالإيجاب فمالبثت حتى نهضت من مكانها لتعانق شقيقتها وهي تهمس لها بكلمات التهنئة.
عادت مكانها تتنهد بارتياح هاتفةً: أخيراً نطقها جبلُ الجليد؟
عقدت نور حاجبيها بضيق ثم أردفت: أرجوكِ أماليا، لاتتكلمي عنه بهذه الطريقة.

ابتسمت بخفة وهي تقرص خدها بمزاح: حسنا لن أتكلم عنه هكذا.
ابتعدت عنها لتضيف: المهم، لمَ لا تقومي أنتي بإخبار والدي؟
أخفضت نور نظراتها لتهمس: الحقيقة، أخجل أن أتكلم معه في هذا الموضوع، وأيضاً أخشى من ردة فعله، تعلمين كم هو والدي حريصٌ علينا.
هزت رأسها بتفهم لتخبرها بابتسامتها المعتادة: لا تقلقي حبيبتي، سأخبره بطريقتي فور أن يستفيق من نومه.

نهضت نور تقبلها على وجنتيها وهي تصيح بسعادة: لا حرمني الله منكِ أماليا.
ثم استدارت لتخرج من فورها، قبل أن تقف عند الباب هاتفةً: سأنتظر منكِ اتصالاً.
سألتها أماليا باستغراب: إلى أين تذهبين؟
رفعت كتفيها بلا مبالاة مجيبةً: سأبدل ثيابي لأذهب إلى جامعتي.
خطت خارج الباب لتعود وتؤكد على شقيقتها: كما أخبرتك سأنتظر منكِ اتصالاً لأخبر مجد.

ثم رمت لها قبلةً في الهواء، وسط استغراب أماليا من دخولها وخروجها بهذه السرعة، فصاحت خلفها بمزاح: أتعلمين أنكِ مصلحجيةٌ حقيرة؟
ردّت عليها نور من الرواق: نعم أعلم، وأعلم أنني أحبك.
ابتسمت على كلمات شقيقتها، تنهدت بسعادة لأجلها ثم اختفت ابتسامتها تدريجياً وهي تقف من جديد، لتشرد في حياتها.

إنها طبيبةٌ نسائية ناجحة، تملك عيادةً خاصةً بها وكذلك تعمل في مستشفىً لأحد أصدقاء والدها، والدتها توفيت منذ ولادتها لكن الله عوضها بزوجة والدها عليا، والدة نور، كان الفرق بين أماليا وشقيقتها ثماني سنوات، حياتها مستقرة نسبياً، تملك عائلةً مُحبّة وصديقة وفيّة تدعى هدى، لكنها لم تتزوج بل وترفض هذه الفكرة من أساسها، دائماً ماتُبرر ذلك بأنها أخطأت مرة وأحبّت ثم غُدِرتْ وجُرِحتْ، ولا تريد إعادة المأساة مرة أخرى.

في منزلٍ ضخمٍ مؤلف من طابقين، جلس أدهم يقرأ جريدته اليومية مُنتظراً قدوم شقيقه الوحيد مجد.

أدهم شابٌ في بداية الثلاثين من عمره، كان مغترباً في بريطانيا منذ ما يزيد عن اثني عشر عاماً قبل أن يُقرر العودة إلى هنا مع شقيقه منذ أربع سنوات ليفتتحا مصنعاً للاخشاب بجانب مكتب تعهدات لصنع الديكورات للمكاتب والمنازل بما أنه مهندسُ ديكور أساسا، فيما نقل شقيقه مجد والذي كان يصغره بثماني سنوات تقريبا دراسته الجامعية إلى البلاد، حيث سجل في جامعة إدارة الأعمال وهناك تعرف إلى نور.

امتاز أدهم بطوله الفارع وخصلاته البنية، أما عيناه فقد كانتا رماديتان ليناقض لون عينيّ شقيقه التي كانت بنية واسعة، كان أدهم متزوجاً من ابنة عمته ريما الرسّام، والتي بقيت في بريطانيا للاهتمام بمشغلها، وهي الآن تُحضر لتقديم عرض ازيائها الرابع و المؤجل أكثر من مرة.

نزل مجد إلى حيث ينتظره أخيه وهو يتمتم بكلمات أغنية مُبهمة، وقد بدت السعادة على مُحياه هاتفا: صباح الخير شقيقي ابوفارس.
التفت أدهم صوبه وردّ تحيته بابتسامة عريضة: صباحُ الخير مجد، هيا تعال تناول إفطارك قبل أن تتأخر.
سحب مجد نفساً عميقا مُستلذّاً برائحة الطعام وهو يسند سترته الجلدية على الأريكة: اممم، إني اشتّمُّ رائحة خيانة هنا..

ضحك أدهم وهو يضع الجريدة على الطاولة: أنت مُخطئ، إنها رائحة بيضٍ مقلي بطريقتك المفضلة.
بدأ مجد بتناول طعامه بشهيةٍ كبيرة تحت أنظار شقيقه المُستغربة، هناك سعادةٌ كبيرة تشعّ من عينيه تتجاوز سعادته بطبقه المُفضل، كتف يديه فوق الطاولةو ضيّق عينيه بتفحص ليسأله: ماالأمر مجد؟ أراكَ سعيداً للغاية؟
ابتسم له مجد ثم ابتلع مافي فمه مُتحدثاً: نعم أخي، لديّ خبرٌ جميل سيُسعدك أنت أيضاً.

هتف أدهم بتفاجؤ: أسعدني معك إذاً.
التفت مجد نحو أخاه بجسده ليخبره مُبتسماً باتساع: اليوم ستقوم نور بإخبار عائلتها عني، وأيضاً ستأخذ منهم موعداً لنتقدم لخطبتها.
رفع حاجبيه بدهشة صائحاً: حقاً؟ أسعدتني اخبارك كثيراً مجد.
ربت على كتفه مُضيفاً: أخيراً شقيقي سيتزوج الفتاة التي يحبها.
هزّ مجد رأسه موافقا ليتابع بمرح طفيف: إذاً يجب أن تعرفني إليها أنا أيضاً، أما آن الآوان؟

اتسعت ابتسامة مجد اكثر وهو يتمتم: ربما أعرفكَ إليها قريباً، لكن أولاً أريد أن أسمع منها موافقة عائلتها.
قطّب جبينه بتساؤل: هل من الممكن أن يرفضوا؟
وضع كوب العصير من يده بعد أن أنهى طعامه ليهتف وهو يستقيم من مكانه: لاأعلم أدهم، فنور لديها أخت أكبر منها لم تتزوج بعد، وأخشى أن يؤثر ذلك على خطوبتي لها.
وقف أدهم قبالة شقيقه وهو يربت على كتفه بدعم: لا تقلق مجد، لا أعتقد أن موضوع شقيقتها قد يؤثر عليكما.

حرّك مجد رأسه متفهما قبل أن يضيف: المهم يجب أن تخبر ريما، لنرى متى ستعود لتحضر خطبتي.
رفع أدهم كتفيه قائلاً: سأهاتفها طبعاً، لكنها كما تعلم ريما مشغولة بعرض أزيائها المُرتقب.
تحرك مجد ليتناول سترته ثم تحدث وهو يلبسها: لا أعتقد أنّ هذا سيؤثر على حضورها خطبتي، فما زال الوقت باكراً لعرضها.

ودّع شقيقه أخيراً ليرحل إلى جامعته بسيارته الخاصة، فيما بقي أدهم يفكر فيه، ربّى أدهم شقيقه الوحيد منذ أن بلغ العشر سنوات بعد وفاة والديه، أضافةً إلى والدة ريما قُبيل صدور نتائج الامتحانات الثانوية، فيما كانوا في طريقهم لزيارة أقارب عائلته في إحدى القرى البعيدة.

يومها دخل مجد في حالةٍ نفسية سيئة للغاية، هاجروا عقبها إلى بريطانيا لتبدأ رحلة علاجه والتي استمرّت لسنوات قبل أن تتحسن حاله، ثم عادوا إلى البلاد بعد إلحاحٍ عظيم من مجد.
زفر بإرهاق وهو يجلس على كرسيه مجدداً، ثم بدأ بتناول إفطاره ليرحل إلى شركته.

دادي، دادي.
هتفت بها الطفلة الصغيرة ذات الخمس سنوات وقد تعلّقت بعنق والدها الذي أجابها بتعب مُصطنع: نعم ريما، ماذا تريدين؟
زمّت ريما الصغيرة فمها وهي تقول لوالدها بلهجة عربية غير سليمه: إلى أين تذهب دادي، ألن توصلني إلى المدرسة اليوم أيضاً؟

فتح أيمن فمه عندما تذكر وعده لابنته الوحيدة، رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يقول بتوترٍ طفيف: حبيبتي، لديّ اليوم موعدٌ مع صديقٍ لي لأنتقي مكتباً واشتريه لأبدأ اعمالي.
ارتخت ذراعا الصغيرة عن عنقه فلاحظ امتعاضها، ابتسم بخفه وهو يمسكها من أنفها ليداعبها قائلاً: حبيبتي لا أريدك أن تحزني.
ثم تابع بحماس طفيف: اسمعي، ستحضر عمّتك إيناس بعد قليل وتوصلك إلى مدرستك مع أولادها، لكن لا تختلقي المشاكل معهم، أوكِ؟

هزت رأسها بضعف وهي تتمتم: اوكِ.
ثم دخلت إلى غرفتها تجرّ قدميها بحزن، فهذه ليست المرة الأولى التي يعدها والدها فيها بأن يوصلها إلى مدرستها ثم ينكث بعهده.

راقبها أيمن بحزن حتى غابت عن ناظريه، ريما ابنته الوحيدة يتيمة الأم، فقد ماتت والدتها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عامين، حاول أيمن التعايش مع ذكرى وفاة زوجته لكنه لم يُفلح، فدائماً ماكان يُحمّل نفسه ذنبها وإن لم يكن يحبها، حتى قرر هذا العام أن يعود إلى مسقط رأسه علّه يبدأ حياةً جديدة برفقة ابنته.
مسح على خصلاته السوداء وهو ينفخ بإحباط جلي، ثم سحب هاتفه ليستعجل شقيقته.

ولجت أماليا إلى المطبخ لتجد مُدبرة منزل عائلتها أمينة تشرف على عمل العاملات في المنزل الكبير، انتبهت إليها أمينه فابتسمت تلقائياً لرؤويتها صائحة: صباح الخير أمينة، كيف حالك؟
قابلتها أمينة بابتسامة لطيفة مُردّدةً: صباح الخير حبيبتي، أنا بخير مادمتِ وعائلتكِ بخير.
- إذاً أمينة أخبريني، أين هم والداي؟

حملت أمينة حبة برتقال لتقسمها نصفين وهي تتحدث: السيدة عليا ذهبت إلى الشركة، أما السيد عمار فهو في الحديقة.
زمّت أماليا فمها بتفكير ثم تحدثت: أهذا العصير لوالدي؟
هزت رأسها إيجابا فأردفت الأخرى: أعطني إياه لأخذه له.
ناولتها أمينة الكأس لتضيف الأولى: وابعثي سارة لتجلب لي حقيبة مُعداتي الطبية.
مشت خطوة واحدة ثم عادت واستدارت نحوها تسألها: هل تناول أبي دواءه؟

تنهدت أمينة بتعب مُجيبةً: لا أعتقد ياابنتي، فأنتِ تعرفين السيد عمار كم يكره الأدوية.
نفخت بيأس من أفعال والدها الصبيانية، ثم أخبرتها: إذاً أخبري سارة بأن تجلب حقيبة الأدوية الخاصة به.
خرجت عقبها من المطبخ لتتجه صوب الحديقة حيث يجلس والدها وحيداً، وضعت الكوب على الطاولة أمامه، ثم قبلته على رأسه قائلة بابتسامةٍ جذلى: صباح الخير أبي.

بادلها والدها عمار، ذو الستين عاماً تحيتها هاتفاً: صباح الخير أماليا، كيف حالك حبيبتي؟
زمت فمها بمكرٍ طفولي: لستُ بخير أبي، لمَ لم تتناول دوائك اليوم؟
قلب عمار فمه متحدثاً بنبرة صبيانية: تعرفين أنني أكره الأدوية، خاصة الحبوب ألمُرّة.
رمشت عيناها وهي تخبره: أبي!، أنت مريض قلب، أتعلم معنى هذا؟
تهدل كتفاه بحزن و قد عقد حاجبيه بجدية: أعلم هذا أماليا لاداعي لأن تذكريني بالأمر.

ربتت ابنته على كتفه لتردف: أبي حبيبي، أرجوك أنا لا اقصد أن أُذكرك لتحزن، بل أُذكرك لتحافظ على نفسك من أجلنا، ليس لنا في هذه الدنيا إلاكَ أبي.
أثرت كلماتها بنفسه فابتسم بخفة واضعاً كفه المُجعد على يد ابنته، حضرت سارة في هذه الأثناء حاملةً بيدها حقيبة المُعدّات الطبية الخاصة بأماليا، وكيساً بلاستيكياً فيه أدوية عمار، تناولتهم أماليا منها لتضيف: هيا أبي، تناول دواءك لأقيس لك ضغطك.

تنهد بقلة حيلة وهو يضغط على شفتيه كطفلٍ سُرِقتْ حلواه، فأضافت أماليا بمكر: هيا أبي، فهناك خبرٌ سارّ سأرويه لك.
تحفزت حواسه كلها وكاد أن يسألها قبل أن تقاطعه بحزمٍ رقيق وهي ترفع يدها: لا تحاول، لن أتحدث حتى تتناول دواءك وتشرب عصيرك، ثم أخبرك بعدها.

جلست نور على إحدى المقاعد الخشبية في الجامعة تنتظر حضور مجد، نفخت بسأمٍ وقد طال انتظارها دون حضوره، استلّت هاتفها لتطلب رقمه لكنها شعرت بمن يحاوط عينيها ثم يهمس بجانب أذنها: من أنا؟
ابتسمت باتساع مُجيبةً: حبيبي.





فتح عيناه بصدمة وهو يقفز ليستقرّ جالساً بجانبها مُتحدثاً بمشاغبة: لا هناك بعض التطور، حبيبي دفعةً واحدة؟ أين حياؤك وخجلك يافتاة؟
ضحكت برقة من مزاحه، فسألها: هل أخبرتي والدك؟






هزت رأسها بالنفي وهي تقول: لا، لكن أماليا ستحادثه اليوم.
ضرب على صدره شاهقاً بطريقة مسرحية: أبو علي سيحدث والدك بشأن خطبتنا؟
عقدت حاجبيها بضيق: مجد!
قهقه على تعابيرها المُنزعجة هاتفاً: حبيبتي لا تحزني، أنا أمزح فقط.
ارتخت تعابيرها وهو يضيف: لكن شقيقتك لو أنها تهتمّ بشكلها ونفسها ستكون من أجمل الفتيات، صدقاً.
ثم أخفض صوته وهو يكمل: لكنها تشبه الرجال.

صاحت به بتحذير وهي ترفع إصبعها أمام وجهه: مجد، إنها شقيقتي لاتنسى هذا.
أمسك اصبعها ليقبله مُردداً: حبيبتي، أنا أعتذر إليك.
ابتسمت بحنان، سرعان ماتبدلت ملامحها للغضب عندما أضاف: لكن هذا لايمنع كونها تشبه أبو علي رغم جمالها.
كادت أن تغادر غاضبةً قبل أن يمسك معصمها ليعيدها وتجلس بجانبه ضاحكاً بصوتٍ مسموع، ثم قرصها من خدها متابعاً: أعشق من تغار حتى من اختها.

عريس؟ ولنور؟
صاح بهما عمار مذهولاً بعدما انتهت أماليا من إخباره بشأن مجد ونور، ردت عليه ابنته: نعم ابي، فما رأيك؟
تطلع إليها بحاجبٍ معقود فأضافت: أبي نور لم تعد صغيرة، وبالطبع سيأتيها من يطلب يدها للزواج.
هز رأسه متفهما قبل أن يسألها: وهل تعرفين هذا الشاب؟
رفعت كتفيها لتجيبه بصدق: نعم ابي، لقد قابلته عدة مرات قبلاً، وصدقني إنه يحب نور وهي أيضاً تحبه، وبكل الاحوال باستطاعتك أن تسأل عنه.

التزم أباها الصمت فأردفت بقلق. ٍ طفيف: إذاً أبي لم تخبرني، مارأيك؟
زم فمه بتفكير ثم تحدث: إن كان كما تقولين، فلنتوكل على الله، أخبريهم بأن يحضروا يوم الخميس الساعة الثامنه والنصف.
ابتسمت أماليا وهي تدور حول كرسي والدها لتعانق رقبته هاتفةّ: شكرا لك أبي.
قبلته على رأسه قائلة: سأذهب لأخبر نور.
رحلت أخيرا تاركةً والدها خلفها يتنهد بحزن، كم يشعر بالقلق على مستقبل عائلته الصغيرة إن وافته المنية..

خاصة أماليا التي لم تتزوج بل وترفض الفكرة من أساسها، رفع رأسه للأعلى متوسلاً: ياإلهي طمأني عليهن قبل أن أموت.
تاااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية وصية والد
  23-03-2022 03:10 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثاني

أمسكت هاتفها لتطلب رقم شقيقتها في الوقت ذاته الذي اتصلت به نور، أجابت الاتصال هاتفةً: ما هذا الرضا كله آنسة نور؟ أنت بجلالة قدرك تتصلين بي؟
ضحكت نور على المقلب الآخر وهي خارجةٌ من محاضرتها: لا، أنت لاتحلمين حضرة الطبيبة، المهم أخبريني هل أخبرتي والدي؟
تنهدت أماليا وهي تجلس على الأريكة خلفها مُجيبةً: نعم أخبرته.
توقفت نور عن المسير في رواق الجامعة الطويل وبلعت ريقها بارتباك وهي تتمتم: و؟

سكتت أماليا وهي تكاد تجزم أنها تسمع صوت دقات قلبها عبر الهاتف، ابتسمت بمكر وهي تقول بتمهل: أبي موافق.
صرخت نور بفرحة سرعان مااانتبهت لنفسها فوضعت يدها على فمها لتخفي ضحكتها وهي تلتفت حولها بخجل، ثم أردفت: حقاً أماليا؟ أبي موافق؟
ضحكت الأخرى معها وهي تردد: نعم صدقيني، وأيضاً حدّد الموعد، يوم الخميس في الساعة الثامنة والنصف مساء.

تنهدت نور بسعادة وهي تسرع في خطاها لتخرج إلى حديقة الجامعة وهي تحدث شقيقتها: أشكرك أماليا، حقا انا مُمتنة لك، أراك في المنزل.
صاحت أماليا قبل أن تنهي المكالمة: انتظري نور، والدتي في الشركة كالعادة وانا ذاهبة إلى العيادة ولن أعود على وقت الغداء، أعتقد أنكِ فهمتِ مقصدي.
ابتسمت نور لتجيبها بمزاح: نعم أعلم أن والدي لن يتناول طعامه وأدويته إلا بعد سماع محاضرة من إحدانا.

ضحكت شقيقتها من مزحتها فهمست: أجل، تعرفين كيف هو والدي، المهم يجب أن تشرفي بنفسك على طعامه وتتأكدي أنه أخذ الأدوية.
صاحت نور وهي تضرب على رأسها تحية عسكرية بطريقه مسرحية: امرك سيدي، أية أوامر اخرى؟
اجابتها أماليا بمزاح: لا أيها الجندي، بإمكانك الانصراف.
أغلقت الهاتف وهي تزفر بسعادة، جلست على مقعدها الخشبي ثم طلبت رقم مجد، مرّت ثوانٍ حتى اتاها رده على الطرف الآخر: حبيبتي، هل اشتقتِ إليّ؟

ابتسمت برقة لمشاكسته الدائمة ثم تحدثت: تعلم أنني أشتاق إليك حتى وأنت بجانبي، أخبرني اين انت؟
أنا الآن أقف أمام القمر.
قالها مجد وهو يقف أمامها بمسافة قريبة، ضحكت نور وهي تغلق الهاتف ثم سألته: هل أنهيت محاضراتك؟
رمى كتبه بجانبه على المقعد وهتف وهو يهمّ بالجلوس: مازال لديّ واحدة، وأنتٍ؟
- لقد انتهيت.
التزمت الصمت لكنه شعر بأن هناك أمراً ما تخفيه فسألها بعينٍ ضيّقة: ما الأمر نور؟ أهناك ماتخفينه عني؟

ابتسمت باتساع وهي تشير له بالإيجاب ثم همست: والدي ينتظرك يوم الخميس مساء.
رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يصيح بسعادة: حقاً؟
عانقها بقوة وهو يصرخ: ياألهي نور، كم أحبك،!
ضحكت بصوت مسموع وهي تبادله عناقه، لكنها تفاجأت بمن يقف أمامهما عاقداً حاجبيه قائلاً بتأنيب: لا يجوز هذا يا اولاد، أنتما في جامعة محترمة.
تركها مجد ليقف قبالة أخيه هاتفاً باستغراب: أدهم! مالذي تفعله هنا؟

ربت أدهم على كتف أخيه مُجيباً وهو ينظر إلى نور: أتيتُ لأرى القمر الذي سلب عقل شقيقي.
أخفضت أنظارها خجلاً، ثم تحدث مجد: نور هذا أدهم شقيقي الكبير.
ألتفت إلى أخيه مُتابعاً: أخي هذه ( نور الصاوي ) حبيبة قلبي.
اختفت ابتسامة أدهم عندما سمع اسمها، هذا الإسم مألوفٌ لديه بل ويحفظه عن ظهر قلب، طالعها بدهشة دامت لثوانٍ، مالبث ان انتبه لها عندما وقفت قبالته وهي تمدّ يدها مُرحبةً: تشرفتُ بمعرفتك أستاذ أدهم.

تصنع الابتسام وهو يصافحها: تشرفتُ بمعرفتك نور، نادني أدهم فقط.
هزت رأسها إيجابا فسأل أدهم: إذاً، لقد أتيتُ لأدعوكما إلى الغداء لو أنهيتما المحاضرات، فما رأيكما؟
نظر مجد إلى نور بتساؤل، ثم أجابه بحرجٍ طفيف: حقيقةً أخي لم أُنهي محاضراتي بعد.
ثم أردف بابتسامة عريضة: لكنني سأقبل بعد الإنتهاء بالطبع لنحتفل، فوالد نور قد حدّد لنا موعداً يوم الخميس القادم.

صاح أدهم بفرحة واضحة وهو ينقل نظره بينهما: حقاً؟ هذه الأخبار السارة والتي تستحق الاحتفال.
عانق شقيقه بفرحة عارمة، لكن نور أجلت صوتها بحرج لتعتذر: أنا آسفة لكنني لا أستطيع الحضور.
طالعها كلاهما باستغراب لتضيف بتبرير: يجب أن أتناول الطعام مع والدي في المنزل.
حاول مجد إقناعها لكن أدهم ضغط على كتفه ليفهم إشارته، ثم قال: كما تشائين نور.
تهدل كتفاه بحزن وهو يقول: لا بأس نور، لكننا سنعوضها يوماً، أليس كذلك؟

أشارت له موافقة، ثم حملت كتبها وحقيبتها واستأذنت منهما لتغادر مبنى الجامعة، استأذن مجد هو الآخر ليذهب إلى محاضرته، فيما بقي أدهم وحيداً يفكر في أمر نور، هل يُعقل أن الأمر فقط تشابه اسماء لا أكثر؟
ربما هذا الاحتمال الوحيد، فهي لا تشبهها بأية حال، نفخ بضيق وهو يحاول لملمة مشاعره التي بعثرها مجرد، نطق الإسم أمامه، مشاعرٌ جاهد طويلاً في دفنها داخله.

رحل أخيرا مُقرراً أن يُهاتف زوجته لتحضر خطبة مجد، فهي من ربته معه وكان لها بمثابة الابن الذي لم تنجبه.

مشت أماليا في رواق المشفى بوجهٍ جامد وملامح جادة، حتى لمحت صديقتها المقربة والوحيدة، هدى، تقف مع أحد الأطباء في المشفى، هتفت بابتسامة صغيرة عندما وصلت قربهما: صباح الخير.
التفت الطبيب ضياء نحوها ليتأملها بزرقاوتيه التي تفيض عشقاً فيما هتف مُردداً على مسامعها تحية الصباح، تحرّجت من تطلعه بها بهذا الشكل فتحدثت موجهةً كلامها إلى هدى: هل بإمكانك الحضور معي قليلاً؟

وجهت حديثها تالياً إليه وهي تسحب هدى: بعد إذنك حضرة الطبيب.
اختفت كلتاهما من أمامه، ومايزال طيفها يداعب مخيلته وهو يتنهد بعشق ثم تحدث: متى سيحنّ حجر قلبك عليّ؟ متى؟

أدخلت هدى إلى مكتبها الخاص في المشفى فيما تحدثها الأولى بمشاغبة: مابكِ أماليا؟ ستمزقين ردائي؟
ابتسمت أماليا ساخر ةً وهي تلتف حول الطاولة لتجلس على الكرسي: لاتقلقي سأشتري لك واحداً آخر.
عدّلت هدى من هيأتها ثم جلست قبالة صديقتها هاتفةً بلؤم: إذاً، هلّا أخبرتني ماسبب تأخرك إلى هذا الوقت؟
نظرت لها بطرف عينها ثم عاودت بصرها إلى الأوراق أمامها تجيبها: لا شيء محدد.

رفعت بعض الأوراق من أمامها لتضعها على الجانب وهي تسألها: إذاً، كيف حال مازن والأولاد؟ وجابر أما زال بشقاوته؟
وضعت هدى قدماً فوق الأخرى بأناقة: بخير والحمدلله، كريم وجابر لا مثيل لهما، لكنّ والدهما هو الشقي.
ابتسمت أماليا لتسألها مجددا ساخرةً: مابه مازن؟
يريد فتاة.
قهقهت بخفة وهي تعبث بحاسوبها المحمول لتردف: أما زال مُصمماً؟
تنهدت الأخرى بتعب: نعم.

التمعت عيناها بخبث وهي تقترب بجسدها منها لتهتف بنبرة لعوب: أماليا؟
همهمت أماليا ومازالت عيناها ملعقتان بشاشة الحاسوب، لتضيق هدى: أما من طريقةٍ تجعلني أحمل ببنت؟
رفعت أنظارها إليها لتخبرها بسخط: صدقاً؟
تأففت وهي تعود بجسدها للخلف: ماذا أفعل؟ مازن يريد فتاة.
ثم تابعت ببكاء مصطنع: واالا سيطلقني.
دُهشت أماليا مما سمعت، فأجابت: تعلمين؟ لقد رأيت أناساً كثر يتطلقون لأنهم لم ينجبوا سوى بنات، لا العكس؟

زمت هدى فمها بتبرم ثم سألتها وقد لمعت عيناها بمكر: أماليا، مارأيك بأن تتزوجي مازن؟
اتسعت عيناها بصدمة جلية فيما أردفت هدى بسلاسة كأنها ضمنت موافقتها: اكسب أمرين، الأول أضمن بقاءك بجانبي دائما، والثاني لعلّلك تنجبين له فتاة شقراء وذات عيون زرقاء تشبهك ويتركني لسبيلي.
تسارعت أنفاسها باضطراب من مزاح صديقتها الغير مرغوب فيه من ناحيتها، فتحدثت بهدوء مصطنع: هدى، لديكِ ثانيتان لتهربي من أمامي وإلا...

رفعت يديها كعلامة استسلام وهي تهتف بسرعة لتقاطعها قبل أن تكمل تهديدها: حسناً حسناً لا تغضبي.
خرجت من فورها، لكنها عادت وفتحت الباب لتضيف: لكن فكري في الموضوع.
صفقت الباب بسرعة قبل أن تطالها تلك العلبة الكرتونية الصغيرة التي رمتها أماليا تجاهها وهي تهدر خلفها: اخرسي يا غبية.

تعالت ضحكات هدى في الرواق لتصل إلى مسامع أماليا، تلك الحمقاء لا تنفكّ تطلب منها أن تتزوج زوجها، ربما لعلمها بأن أماليا لا تريد الزواج أبدا.
ضحكت بدورها ثم راجعت الملفات أمامها بعجالة، لتغادر عقبها إلى عيادتها الخاصة.

وصل أدهم إلى مكتبه في معمل الأخشاب الخاص به وهو يحمل هاتفه المحمول، طلب أحد الأرقام الدولية على خاصيّة برنامج( الواتساب فيديو) وماهي إلا ثوان حتى ظهرت على الشاشة زوجة أدهم، ريما الرسّام.

كانت آيةً في الجمال، بشرتها الخمرية ناعمة وعينيها التي شابهت بتشكيلها ووسعها عينيّ المها، حدقتاها بلون العسل الرائق، شعرها بني طويل عقصته على شكل كعكة مبعثرة، وأكثر ماكان يميزها هو وجود غمازة في منتصف ذقنها، إضافةً إلى شامة تحت عينها اليسار أعلى خدها.

هتفت ريما بابتسامة متسعه: أدهم، كيف حالك؟
ابتسم أدهم على الطرف الآخر مجيباً: أنا بخير ريما، ماذا تفعلين؟
نفخت بسأم وهي ترمي قلمها الرصاصي على الطاولة أمامها: مازلتُ أعمل على العرض، إذاً، كيف حال مجد؟ ماذا يفعل هذه الأيام؟
في الحقيقة هذا سبب اتصالي بك، سنخطب لمجد يوم الخميس القادم، وهو يتوقع حضورك قبل هذا اليوم.

فوجئت بالموعد الذي يُصادف بعد الغد، التزمت الصمت بصدمة، ازدردت ريقها بتوتر وهي تفرك جبينها بيدها، فبدت كمن يخفي شيئاً، فسألها بتفحص: مالأمر ريما؟ لمَ أشعر بأنك تخفين عني امرا؟
تنحنحت بارتباك وهي تجيبه بتقطع: اسمع أدهم، لن أستطيع الحضور.
ضيق عينيه وهو يسألها: لماذا ريما؟ فما زال الوقت باكراً جداً للعرض أليس كذلك؟
أجلت صوتها وهي تشير له بالنفي لتردف: لا أدهم، للأسف موعد العرض يوم السبت القادم.

رفع حاجبيه بدهشة بائنة فأضافت وهي تمطّ شفتيها بأسىً: مُصمم الأزياء الذي كان قد حجز الصالة قبلي قام بإلغاء عرضه، وللأسف قام أصحاب الصالة بتقديم موعد عرضي إلى يوم السبت.

قطب جبينه بجدية فيما تابعت ريما بنبرة دبلوماسية: آسفة أدهم، لكنك تعلم كم تعبتُ حتى استطعت حجز دور للعرض في هذه الصالة، وإن قمتُ بإلغاء العرض فلن أستطيع تقديمه مجدداً لبعد عامٍ كامل، فضلاً عن اللمسات الأخيرة وتجارب الأداء وهذا كله يأخذ وقتاً ومجهوداً.
ضغط على شفتيه متفهماً وابتسم ابتسامةً باهتة: أعلم عزيزتي، سأخبر مجد وأعتقد أنه سيكون متفهماً للأمر.

عقدت حاجبيها بقلق فتحدثت: لكن، إن لم يرضَ أدهم؟ هل تعتقد أنه سينتكس مجدداً؟
هز رأسه بالنفي مجيباً ليطمئنها: لا ريما، لا أعتقد ذلك فالأمر بسيط، وهو أيضاً يعلم كم تعبتِ في الأسابيع الأخيرة.
حركت رأسها بتفهم لتضيف: أرجو ذلك، وأنا سأحادثه أيضاً حتى لاينزعج مني.

شرد أدهم للحظات بعد أن اغلق المحادثة مع زوجته، هو أيضاً يخشى من انتكاسةٍ جديدة لمجد إن لم تحضر ريما خطبته، لكن هناك جزءاً منه يخبره بأن يطمئن فمجد قد تحسنت حالته بصورة كبيرة، نفخ بضيق وهو يمسح وجهه بيديه ثم قرر الخروج إلى مكتب الديكور الخاص به، فلديه موعدٌ مع أحد العملاء الجدد.

دلف ادهم إلى المكتب ليجد هناك شابين بانتظاره وقفا فور دخوله، دقّق النظر إلى أيمن فشعر أنه يعرفه، مُقلتيه الخضراوان وبشرته السمراء يكاد يجزم أنه قد رآه قبلاً لكنه لم يتذكر أين.
وقفت مديرة مكتب أدهم لتعرفه إليهما باحترام: السيد رياض صاحب مكتب عقارات، والسيد أيمن خليل اشترى مكتباً ويريد أن يوضبه.

رفع حاجبيه بدهشة بائنة عندما سمع الاسم، لابدّ وأن اليوم يوم المفاجآت، اسماءٌ مألوفة له من ماضيه، هل يُعقل أن يكون أيمن هو نفسه من يظنه؟
انتبه لنفسه فرفع يده ليصافحهما مُرحباً، ثم دعاهما للجلوس، علم أنّ أيمن قد درس إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عاد منذ عهدٍ قريب ليفتتح مكتب تجارته الخاصة.

في هذه الأثناء دخل مجد أيضاً ليجد عملاءً لدى أخيه، جلس ينتظر انتهاء الاجتماع، فتحدث أدهم مُخاطباً شقيقه: أتعلم مجد أنّ السيد أيمن قد درس إدارة الأعمال مثلك تماماً؟
ابتسم أيمن فوجه أنظاره إلى مجد الذي هتف بسعادة: حقاً؟
هز أيمن رأسه بالإيجاب مضيفا: نعم صحيح، أخبرني في أي سنةٍ انت الآن؟
أجابه مجد: أنا في سنتي الأخيرة.

هزّ أيمن رأسه متفهما ثم تابع: حسنا، بعد أن تتخرج مارأيك لو تتدرب عندي؟ وقد تصبح شريكي أيضاً؟
ضحك مجد هاتفاً: هذا من دواعي سروري سيد أيمن، أتشرف بمشاركتك.
قاطعهما أدهم صائحا بمزاح: مهلا مهلا، دعونا أولا ننتهي من توضيب المكتب والديكور، ثم اتفقا بعدها.

مساءً، اجتمع أفراد عائلة الصاوي على العشاء منتظرين حضور أماليا، التي نزلت عقب وقتٍ قصير تلبس ثياباً منزلية عادية، ابتسمت وهي تسحب كرسيها لتجلس إلى جانب والدها: لم أتأخر، أليس كذلك؟
ابتسم والدها لأمينة التي حضرت وهي تحمل طبقاً من المعكرونة المطبوخة متحدثا: لا عزيزتي أبداً، في وقتكِ تماماً.

وضعت أمينة الطبق على الطاولة، وقبل أن تمتدّ يد عمار ليتناول الطبق بلهفة ازاحته أماليا عندما قرأت أفكار والدها ثم صاحت: أين طبق أبي أمينة؟
حضرت سارة تحمل في يدها طبقاً فيه خضارٌ مسلوقة وضعتها أمام عمار الذي زمّ فمه معترضاً بمشاغبة كما الأطفال: لا أريد هذا الطعام.!
ناولته أماليا شوكة وهي تحدثه: هيا أبي، تناول عشاءك.

نفخ عمار بضيق فردد و هو يتطلع إلى زوجته الجالسة بجانبه، متحدثاً بنبرة طفولية: أيرضيكِ هذا عليا؟ هاتان الفتاتان لا تسمحا لي بتناول ما أحبّ ابدا.
قهقهت عليا بخفة لتجيبه وهي ترفع كتفيها بقلة حيلة: وماذنبي انا؟ هما ابنتاك فتعامل معهما.

تهدل كتفاه بخيبة وهو يقلب طعامه بعدم شهية، طالعته زوجته بشفقة فأشارت إلى أماليا التي أشارت لها بعينيها أن لا حيلة بيدها، فوالدها مريض قلب ويجب أن يتبع حميةً صارمة تتضمن فقط العصائر والخضار المسلوقة.

شابهت عليا ابنتها نور بدرجة كبيرة، باستثناء لون شعرها الذي اكتسب لوناً خمرياً فأعطاها إلى جانب جمالها هيئة شبابية، رغم أن سنها قد تجاوز الخامسة والأربعين.
هتفت عليا محاولةً التخفيف عن زوجها: ألم أخبرك عمار؟
انتبه لحديثه فأضافت: اليوم طلب مدير المصرف رؤيتي بشأن المشاكل المالية التي واجهناها مؤخراً في الشركة.
هز رأسه موافقا لتكمل بابتسامة عريضة: وقد تمّ حلّ جميع الأمور العالقة بيننا.

هتف بسعادة تناقض حاله منذ قليل: أي أننا قد تخلصنا من الديون العالقة كلها؟
أشارت له بالإيجاب فرفع كفها إليه ليقبله هامساً: حبيبتي، كنتُ واثقاً بأنك ستنجحين من دوني.
ابتسمت برقة فهتف عمار مضيفاً: بالمناسبة، لدينا ضيوف ليلة الخميس.
غصّت نور بلقمتها فناولتها والدتها كوب الماء وهي تربت على ظهرها بخفة، ثم أضاف عمار مازحاً: أرأيتي نور، هكذا هو الحب يا ابنتي يجعلك تختنقين حتى بطعامك.

طالعته عليا بدهشة ليشير لها بالإيجاب: نعم عزيزتي، هناك عريسٌ سيأتي لخطبة نور بعد غد.
التفتت عليا صوب ابنته التي ابتلعت ريقها بارتباك وهي تتمتم بصوت خفيض: لقد شبعت.
ثم هربت بخطوات راكضة من أمامهم، فيما بقي والداها وشقيقتها يضحكون عليها، استدارت عليا نحو أماليا لتهتف بنبرة ذات مغزى: آملُ أن نفرح بكِ قريباً أماليا.

اختفت ابتسامتها السعيدة لتحلّ محلها أخرى ساخرة، وضعت ملعقتها على الطاولة لتهتف هي أيضاً بضعف: وأنا ايضاً شبعت، تصبحون على خير.
راقبها والدها حتى صعدت الدرج، تنهد بحزنٍ على تعاسة ابنته وإن لم تظهرها له، فهو خير من يشعر بها، تطلع إلى زوجته التي تصنعت الابتسام وهي تربت على ذراعه المسنود على الطاولة: لا بأس حبيبي، أكمل طعامك لتأخذ دواءك.


look/images/icons/i1.gif رواية وصية والد
  23-03-2022 03:12 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثالث

ليلة الخميس.
تأنق مجد ببذلة ذات ماركة عالمية لهذا اليوم المميز، فاليوم سيقدم على خطبة من اختارها قلبه دونا عن باقي الفتيات، رتب شعره ورش عطره الثمين بكثرة، تنفس بعمق وهو يطالع هيئته في المرآة برضا، ثم خرج من غرفته متجها إلى شقيقه الذي كان بانتظاره في الأسفل.
تقدم أدهم نحوه و هو يبتسم باتساع، تأمله بسعادة ليربت على كتفه: أتمنى لك السعادة دائما أخي.
بادله مجد ابتسامته ليتمتم: أنا سعيد للغاية أدهم.

تجهم وجهه لثوان قبل أن يردف: لكن سعادتي ناقصة لعدم حضور ريما.
راوده القلق على شقيقه فسأله بتفحص: هل أنت حزين لأنها لم تحضر مجد؟ انت تعلم أنها تغيبت مرغمة أخي.
ابتسم مجد ابتسامة باهتة مجيبا وهو يشير بيده: لا أخي لا، فأنا أعلم أنها أرغمت على عدم الحضور، وأعلم ايضا أنها موهوبة في مجالها وأتمنى لها النجاح بالطبع.

ربت أدهم على كتفه بدعم وهو يتحدث: لا بأس، فهي ستحضر حفلة خطبتك بالتأكيد، ومن ثم لاتنسى، فهي ستعود بعد العرض لتستقر معنا هنا.
ثم دفعه بخفة قائلا: والآن هيا لنذهب قبل أن نتأخر عن موعدنا.

كان الجميع في قصر عائلة الصاوي يعملون على قدم وساق بانتظار الضيوف المرتقبين، كانت أماليا جالسة مع والدها في صالة القصر الكبير، تلبس فستانا طويلا ذو أكمام تصل إلى مرفقيها، لونه الأزرق عكس على وجهها وعينيها التي ماثلته زرقة ليشكل لوحة بهية ندر أن ترى مثلها، رغم أنها لا تحبذ ارتداء الفساتين لكنها اضطرت اليوم تحت إلحاح والدتها وشقيقتها.

سمعت جرس الباب فعرفت أن الضيوف قد وصلوا، أطلت عليا من المطبخ لتنادي عليها: أماليا حبيبتي، هل بإمكانك فتح الباب؟ فأنا أحضر الضيافة هنا.
استقامت من مكانها لتهتف بضيق مصطنع: حاضر، طبعا فأنا البواب الخاص بكم هنا.
مشت بخطوات ثابتة لتفتح الباب، أطل مجد مبتسما من خلفه ليهتف: مساء الخير حضرة الطبيبة.
فابتسمت له مرحبة: أهلا وسهلا بك مجد، تفضل.

تنحى مجد للجانب قليلا لترى الرجل الواقف خلفه، اختفت ابتسامة كليهما عندما تقابلت العيون.
كان صوت مجد كالصدى بالنسبة إليها وهو يردد: أيتها الطبيبة، أريد أن أعرفك إلى أدهم، شقيقي الأكبر وبمقام والدي.
استدار نحو أخيه الواجم متابعا: أدهم، هذه الطبيبة أماليا الصاوي، شقيقة نور الكبرى.
للحظات لم يستطع أن ينطق، بل كان شاردا بها وهي كأنها الكوكب الدري الذي سقط من علو.

انتبه لنفسه بعد هنيهة، ليرفع يده نحوها بابتسامة مختلقة لم تصل إلى عينيه، مرددا بنبرة بدى التأثر واضحا فيها: تشرفت بلقائك حضرة الطبيبة.

رفعت يدها بالمقابل، عاد بها الزمن اثنا عشرة عاما لحظة التقاء أيديهما بالسلام، ارتسم على وجهه صورة لفتاة مراهقة لم تتجاوز الثمانية عشر عاما تقف على قارعة الطريق، تراقب ظهر شاب يماثلها عمرا، شعرت بأن نفسها قد انقطع للحظة وكأن يد الشيطان امتدت لتقبض على عنقها فتسحب روحها وتمنعها من الصراخ في وجهه.

كانت أيديهما ترتجف للغاية، دام ذلك الاتصال بينهما لثانية واحدة لكنها كانت كافية ليرى مقدار الكراهية في عينيها، بينما هي لم تلحظ الاشتياق البادي في رماديتيه.
تنحت للجانب ثم هتفت بابتسامة مقتضبة ونبرة ضعيفة: تفضلوا.

مشت أمامهما لترشدهما إلى حيث كان والدها ينتظرهما، تركتهما ليتعرفا إليه ثم هربت إلى المطبخ، حاولت السيطرة على تنفسها السريع وكأنها في سباق لتقول لوالدتها: امي، لقد وصل الضيوف، انا سأصعد إلى غرفتي لأرتاح قليلا.
تعجبت والدتها من تغيرها السريع فهتفت خلفها بتفاجؤ: أماليا! حبيبتي لا يصح أن تتركي والدك وحيدا، على الأقل حتى أنهي مافي يدي.

كم ودت لو أن بإمكانها الهرب الآن لكن والدتها محقة، هزت رأسها إيجابا بتردد ثم عادت إلى الصالة بوجه واجم، لتجلس قبالة أدهم الذي ارتبك عندما رآها ثانية لكنه أجاد إخفاء توتره.
سأله عمار بغتة: أخبرني أدهم، هل أنت متزوج؟
أجفلت من سؤال والدها برغم أنه سؤال طبيعي ورغم أنها تعرف الإجابة مسبقا.

أجلى صوته بارتباك وهو يجيب محاولا عدم النظر إليها: في الحقيقة سيد عمار أجل، أنا متزوج لكن زوجتي في لندن حاليا، فهي تحضر لعرض الأزياء الخاص بها.
هز عمار رأسه متفهما، في هذا الوقت حضرت عليا تتبعها نور التي حملت في يدها القهوة لتقدمها للضيوف، كانت تمشي بارتباك عظيم وهي تحاول أن توازن نفسها لئلا تنسكب القهوة منها.

رفع مجد عيناه لتقعا عليها، ابتسم باتساع وهو يرى وجهها الذي تخضب بحمرة الخجل، متماشيا مع فستانها الأحمر الناري ذو الأكتاف الساقطة لكن دون ابتذال، وكان فستانها يصل لما بعد ركبتيها.
صافحتهما عليا ثم عادا ليجلسا مكانهما، تقدمت نور نحوهما لتقدم لهما القهوة، وحينما وصلت إلى مجد لم تستطع رفع عيناها إليه، فهمس لها وهو يمد يده ليأخذ كوبه: أحبك.

اتسعت ابتسامتها وكاد محياها أن ينفجر من فرط تدفق الدماء فيه، لينقلب كأنه حبة طماطم.
جلست إلى جانب شقيقتها، وضع أدهم كوبه على الطاولة أمامه ثم تحدث بجدية: سيد عمار نحن...
قاطعه عمار بابتسامة بشوشة وهو يرفع يده: لا داعي للرسميات بيننا بني، فقريبا سنغدو عائلة واحدة.
أخفض رأسه لثانية ثم رفعه قائلا: بالطبع، وأنا يسعدني ويشرفني أن أطلب يد الآنسة نور لشقيقي مجد.

تنهد عمار بخفة مجيبا: أنا لا مانع لدي ياولدي، ولأكون صادقا معك فقد سبق وسألت عنك وعن شقيقك، ولم اسمع عنكما إلا مايسرني، لكن يجب أن نسمع رأي نور.
توجهت الأنظار إلى نور التي أخفضت أنظارها خجلا وهي تتمتم بصوت خفيض: كما تشاء أبي.
ضحكت عليا بخفة وهي تقول مازحة: يبدو أن نور غير موافقة.
رفعت رأسها بغتة، وضعت يدها على خصرها لتقول بصوت جهوري وقد ذاب خجلها: ومن أخبرك بهذا؟ موافقة طبعا.

قهقه الجميع عليها فانتبهت لنفسها، فعادت وأخفضت نظرها بحرج كبير، كانت أماليا تبتسم مجاملة إياهم وأدهم الذي كان يسرق النظرات إليها على غفلة من الجميع.
تحدث عمار: على بركة الله، فلنقرأ الفاتحة.
رفع الجميع أيديهم وشرعوا في تلاوة سورة الفاتحة،
فيما أماليا كانت كالجالس على صفيح من نار، ماإن فرغ الجميع من القراءة حتى وقفت بعجالة وهي تتحدث بتوتر واضح: اسمحوا لي.

استدارت لتمشي خطوتين قبل أن يصدح صوت والدها خلفها متعجبا: إلى أين تذهبين ياابنتي؟
وقفت لثانية تفكر في كذبة سريعة، التفتت إلى والدها لتخبره: لقد تذكرت أن لدي مناوبة في المشفى الليلة أبي.
عقد حاجبيه باستغراب، لكنها لم تنتظر أكثر، تحركت هاربة من أمامهم بشكل مثير للتعجب، وحده أدهم من فهم أنها تهرب من مكان يجمعهما سويا.

لا تعرف فعلا كيف صعدت إلى غرفتها وبدلت ثيابها بسرعة، ثم نزلت مرة أخرى وهي تتحاشى النظر إلى الصالة حيث يجلس الجميع، استقلت سيارتها وقادتها لتبتعد عن المنزل، أوقفت السيارة إلى جانب الطريق، ظلت للحظات شاردة في نقطة في الفراغ وصدرها يعلو ويهبط بسرعة ولا تعلم، أمن فرط الغضب أم من هول المفاجأة؟

سمحت لعبراتها بالتحرر أخيرا، أسندت رأسها إلى مقود السيارة، ثم بدأت تضرب رأسها عليه بضربات خفيفة، لماذا؟ لماذا من بين ذكور الأرض جميعهم يكون هو أخا لمن سيكون زوجا لأختها؟
رفعت رأسها فجأة وقد خطر لها خاطر، مجد شقيقه أليس كذلك؟ فهل يشبهه ياترى؟ ربما فهي دماء واحدة تلك التي تسري في عروقهما، هل مجد يحب نور حقا أم أنه يخدعها كأخيه؟ وهل سيأتي ذلك اليوم حين يتركها ويترك لها جرحا نازفا في فؤادها؟

تسارعت أنفاسها باضطراب بمجرد أن التمعت تلك الخاطرة في ذهنها، لا نور المدللة ذات القلب الرقيق لن تتحمل، فهي تحب مجد أكثر مما قد تتخيل.
رفعت رأسها تناجي الخالق برجاء، لا ياإلهي أرجوك، لا تصدم نور فيمن أحبت مثلي، لا تدع خيبة الأمل تسيطر على حياتها لتحولها إلى اللون الأسود.

ظلت متخبطة في بحر أفكارها، يجرفها موج ذكرى قديمة لتعود موجة الحقيقة وتعيدها إلى شاطئ الواقع، افيقي عزيزتي، هو قد تزوج وأنشأ عائلة، وبقيت أنت البائسة الوحيدة في الحياة.
لم تشعر بالوقت الذي تعدا الثانية ليلا، فكرت بأن تعود إلى المنزل لكنها عدلت عن تلك الفكرة فلا تريد أن تثير الشكوك حولها، لذا اعتزمت أن تذهب إلى فندق ما لتستأجر لنفسها غرفة تنام فيها حتى الصباح.

أمضت باقي ليلتها تتقلب على السرير المريح في الغرفة التي استأجرتها في الفندق، لم يزرها سلطان النوم وهي تسبح في بحر ذكرياتها، ظلت تتذكر أول لقاء بينهما، مواقف مضحكة وأخرى حزينة، اول كلمة حب صدرت عن أحدهما، إحساسها بالغدر عندما تركها بعدما أمطر سماء أحلامها بوعود كاذبة.
تبا لك ياقلب، لم لم تنساه؟ لم مازلت تحيا على ذكرى جراحه؟ لم لم تقتلعه منك كما اقتلعك هو من حياته؟

أتراك خائن ياقلب مثله؟ نعم فأنت خائن، كيف لك أن تعلن العصيان علي وتتبع خطاه؟ليس وكأنه من ذبحك وتركك تنزف وحيدا؟
افهم ياقلب، ليس لك فيه أي أمل، لقد قتلك وخطى بعيدا عنك كأنك لم تكن شيئا ذا قيمة عنده اساسا.
ألا تذكر يا قلب؟ كيف تركك تلملم شتات نفسك وآلامك لتقسم بعدها ألا تفتح أبوابك لأي رجل مهما علا شأنه في حياتك؟

يكفي ياقلبي، يكفينا عذابا وقهرا ونواحا لأجله، منذ الآن لن يكون لهذا الخائن أي مكان في حياتنا ولا ذكرياتنا، يكفي اثنا عشرة عاما من الألم والدموع والسؤال الذي لن تجد له إجابة.
حرر ذاتك، لا تحبس نفسك وتحبس روحي معك بين زوايا الذكريات، لن اسمح لك بأن تطحن عمري في انتظار من لا يستحق.

تعال معي ياقلب، فلنقفل تلك الصفحات، سنكون أقوى من تلك الذكريات ولندفنها سويا، وسنقيم عليها الحداد الليلة، لإن غدا هو يوم جديد.

لم تكد تغفو حتى انتشلها رنين هاتفها من أحلامها، جاهدت بفتح عينيها إجبارا لتنظر إلى ساعة يدها، لم تتعدى الخامسة بعد فرفعت الهاتف لترى
اسم المتصل، عقدت حاجبيها وهي ترى اسم صديقتها هدى، قلقت من سبب اتصالها في هذا المبكر جدا وأيقنت أن مكروها ما قد حدث.
اعتدلت جالسة على سريرها لتجيب الاتصال بلهفة: الو، نعم هدى؟
أتاها صوت بكاء هدى ثم اتبعته بكلمات متقطعه: أرجوك أماليا، تعالي بسرعة فأنا بحاجتك.

لم تفكر مرتين وهي ترمي الغطاء عن نفسها، أغلقت الهاتف ثم جمعت متعلقاتها وخرجت من الفندق بسرعة، استقلت سيارتها لتنطلق بها وهي تشق ظلام الفجر، ماهي إلا عدة دقائق وكانت تركن سيارتها أمام منزل هدى، ترجلت بسرعة وصعدت الدرجات لتصل إلى الباب لتقرع جرسه، ماهي إلا ثوان حتى فتحت هدى، التي ماإن رأتها حتى ألقت نفسها في أحضان صديقتها تبكي بحرقة.

زادت دقات قلبها وهي تحاول تخمين ماحدث، ماتعرفه أن مازن زوجها قد سافر منذ الأمس، ولم يتبق سوى هدى وولديها.

جلست في صالة منزل هدى وهي تحاول تهدأة الأخيرة، زاد قلقها وحيرتها خاصة بعد أن دخلت إلى غرفة الأطفال فوجدتهما يرقدان بسلام، ثم عادت إلى هدى التي استحال لون عينيها إلى الأحمر وقد انتفخت عيناها وذبلتا من كثرة البكاء.
مسدت على ظهرها بحنان وهي تحاول استنباط السبب الذي استدعى أن تدخل هدى في هذا الحال، فتسائلت: والآن، هلا أخبرتني مالذي حدث لتنخرطي في هذه النوبة الطويلة من البكاء؟

أجابتها هدى وهي تشهق بخفة من فرط البكاء: مازن يا أماليا، مازن يخونني.
رفعت حاجبيها بدهشة بائنة من كلماتها فهي تعرف كم يعشق مازن زوجته فكيف له أن يخونها؟
حاولت التحدث بعقلانية علها تعرف كيف علمت: لكن كيف علمتي بأنه يخونك إن كان مسافرا؟
حركت رأسها للجانبين بإنكار وهي تتحدث بنشيج: لقد رأيته يااماليا، رأيته بأم عيني.

تبسمت بخفة وهي تردف: حسنا هلا أخبرتني كيف رأيته؟ أقصد هل أرسل لك أحدهم صورة ما؟ أو ربما مقطعا مصورا؟
هزت رأسها مجددا بالنفي وهي ترتجف، فعادت أماليا تسألها بنفاذ صبر: إذا كيف رأيته وتأكدتي من خيانته؟
صاحت هدى باقتناع تام: لقد رأيته في الحلم.
جحظت عيناها وهي تهمس بصدمة: في الحلم؟!

حركت الأخرى رأسها وهي تضيف بجدية: نعم في الحلم، لقد رأيته جالسا أمام بحيرة كبيرة، وإلى جانبه جلست فتاة شقراء، وعلى الجانب الآخر جلست أخرى سمراء ذات شعر مجعد.

لم تستوعب بعد حديثها الذي كان ضربا من الجنون، راقبتها بعينين متسعتين بدهشة حقيقية، فيما استفاضت الأخرى بالشرح وهي تشير بيديها: لقد كان يضحك باتساع وسعادته واضحة على محياه، تخيلي؟ لقد هاتفته أكثر من مرة دون أن يرد علي، بالطبع لن يجيب فهو مشغول الآن!
لقد قررت أن اتطلق منه فور عودته هذه المرة، و...

بترت حديثها المجنون عندما استقامت أماليا وهي تخطو بشرود إلى خارج المنزل، كان وجهها جامدا بلا تعابير، فقط أرادت الهرب قبل أن ترتكب بها جريمة ما.
ناظرتها هدى باستغراب وهي تراقبها حتى خرجت، قطبت جبينها وهي تتمتم: ما بالها تلك؟
حركت كتفيها بلا مبالاة، ثم تثائبت بنعاس وتوسدت الأريكة لتنام عليها وهي تتمتم مغمضة عينيها: سأنام قليلا بعد، وبعد استيقاظي سأتعامل معك أيها الخائن.

ثم غطت في نوم عميق، كأنها لم تفعل شيئا!

ظلت تمشي بلا هدى، حتى انتبهت لشروق الشمس، فركت جبينها بتعب وهي تشعر بصداع قاتل قد فتك برأسها، نظرت إلى ساعتها لتجدها قد تجاوزت السابعة صباحا، لم يعد هناك متسع من الوقت للنوم فداومها في المشفى يبدأ عند الثامنة، سحبت هاتفها لتطلب رقم والدتها وتطمئنها عن نفسها فلعلها ستقلق عليها إن استفاقت ولم تجدها في المنزل.

تلك السيدة لهي خير مثال على عظمة الأم وعاطفتها الصادقة، ربتها كأنها ولدت من رحمها حقيقة، رغم فارق السن الكبير بين أماليا وشقيقتها، إلا أنها يوما لم تفرق بينهما ولم تفضل إحداهما على الأخرى، وقد كانت دائما ماتردد على مسامعها كلمة حفرتها أماليا بين ثنايا قلبها قبل عقلها: لم تولدي من رحمي، لكن بذرة حبك قد خلقت في قلبي.

أغلقت الهاتف معها ثم قررت أن تذهب إلى عيادتها الخاصة فهي أقرب لها من المنزل، حيث احتفظت هناك ببعض الثياب للطوارئ، ثم توجهت إلى المشفى لتبدأ يوما جديدا، لكنه مختلف.


look/images/icons/i1.gif رواية وصية والد
  23-03-2022 03:13 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع

- كانت صدفة.
وهل في الحياة هذا النوع من الصدف؟
ابتسم لنفسه ساخرا وهو يسند رأسه إلى سريره محدثا نفسه: لا، إنها فقط صدمة القدر.
لم يعرف النوم لجفنيه طريقا، تطلع إلى نافذة غرفته، لقد انبلج النهار دون أن ينام للحظة واحدة، قضى ليلته متقلبا يفكر فيها، لم يعتقد أنه سيقابلها في يوم من الأيام، لم يتخيل ولا حتى في أسوأ توقعاته تلك الصدفة العجيبة، بدى الأمر كأنه ضرب من الجنون.

لكن هل عرف أحد أفراد عائلتها عنه؟ وهل كانت تعرف حقيقة مجد؟
هل كانت علاقة مجد ونور صدفة ام مخطط من تدبيرها هي؟

أسئلة تردد صداها داخل عقله مذ رآها في الأمس، لكنه لم يجد سوى إجابة واحدة، لا مستحيل، من المؤكد له أن أماليا لم تكن تعرف ان مجد شقيقه هو، لا يصدق بأن الأمر برمته مخطط له، فنظرات الدهشة التي رآها في عينيها أمس كانت حقيقية لدرجة كبيرة، هي لم تعرف مجد قبلا، ولم تدبر ولم تخطط لشيء، ربما هي أيضا عندما سمعت باسم مجد الكامل لم تربط بينهما، وربما اعتبرته صدفة، تماما كما حدث معه هو عندما علم باسم نور الكامل.

تلك العينان هو أكثر من يجيد قراءتها، لقد ثارت امواجهما عندما رأته، أغمض عينيه وهو يبتسم بألم، لقد أضحت أجمل من السابق بكثير.
فتح عيناه فجأة وهو يطالع سقف غرفته، ما الذي سيحدث الآن بعد أن عرفت بصلة قرابته لمجد؟هل ستخبر شقيقتها؟ وإن علمت نور بالماضي الذي يجمعهما فهل ستقبل بأن تكمل مع مجد ام أنها ستتركه؟

انتفض معتدلا في جلسته عندما التمعت تلك الكلمات في ذهنه، لا مجد لن يتحمل ابتعاد نور عنه، هي الوحيدة التي استطاعت كسر قوقعته التي غلف نفسه بها، وهي الوحيدة التي اقتحمت قائمة معارفه التي اقتصرت قديما على اسمه واسم ريما زوجته،
ونور هي الوحيدة أيضا التي استطاعت أن تحرك في شقيقه شيئاوكان يظنه قد مات.

زم فمه بتفكير ثم أنزل قدميه إلى الأرض، لن يسمح بأن يعود أخاه إلى دوامة الأدوية و الأطباء النفسيين مجددا تحت أي ظرف كان، حتى لو اضطر لمواجهة أماليا بالحقيقة، عليه أن يتحدث معها سريعا قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة.
هذا ماعزم الأمر عليه، استل هاتفه ثم طلب رقم أحد الرجال الذين يعرفهم.

كان بإمكانها أن تأخذ اليوم إجازة، لكن لا جلد بها للبقاء في المنزل فتتلاقفها أمواج الذكريات بلا رحمة، فقررت المجيء إلى المشفى علها تنسى قليلا مامرت به من مشاعر متضاربة منذ ليلة أمس.
مشت في رواق المشفى وهي تمسد جبينها وتضغط عليه بقوة عل هذا الصداع الذي كان يعصف برأسها يخف قليلا، لم تذق طعم النوم منذ الأمس.
أوقفها صوت رجولي مناديا باسمها: حضرة الطبيبة أماليا.

استدارت لترى صاحب النداء الذي لم يكن سوى الطبيب ضياء، خطى صوبها بهرولة حتى وقف أمامها
متحدثا بصوت لاهث: دكتورة أماليا، هل بإمكاني التحدث معك في أمر هام؟
عقدت حاجبيها وهي تجيبه بتعب: طبعا دكتور ضياء، تفضل.
ابتسم بتوتر ليجيبها: لا حضرة الطبيبة، لا أستطيع أن أوصل لك ما اريد هكذا، هل بإمكاني دعوتك لنشرب شيئا في المقهى المقابل للمشفى؟

دلكت جبينها بتعب وكادت أن ترفض، ماكادت تنطق الا واستبقها هو بلهفة: لو سمحتي حضرة الطبيبة، خمس دقائق لا أكثر.
طالعته بحاجبين معقودين ثم اشارت له بالموافقة، تحركت من أمامه ليتبعها هو.

جلسا على طاولة تقابل الواجهة الزجاجية للمقهى، حضر النادل ليأخذ طلباتهما دون أن تحرك عينيها عن الطريق وهي تتأمل المارة، مر وقت قصير حتى أحضر النادل طلبهما، طفق كلا منهما يشرب من قدحه ولم ينبس ببنت شفة، كان ضياء يتأملها عن قرب وهي ساكنة هكذا، تلك المرة الأولى التي يكون بها قريبا منها بهذا الشكل.

استفاقت هدى على حركة خفيفة بجانبها، فتحت عيناها بتكاسل لترى زوجها مازن جالس على الكرسي قبالتها وهو يحرك قدمه بحركات متلاحقة، أغمضت عيناها مجددا وهي تبتسم بخفة لاعتقادها أنها تحلم.
انتفضت جالسة فجأة عندما استوعبت أنه موجود أمامها حقا، اتسعت عيناها بفرحة ذبلت عندما لاحظت امتعاضه وغضبه، ثنت حاجبيها بريبة وهي تسأله بصوت ناعس: مازن؟ مالأمر؟ لم أنت جالس هكذا؟ من ثم متى عدت من سفرك؟

زفر من أنفه بغضب ولم يجبها، زادت حركة قدمه بعصبية وهو ينظر لها نظرات كادت تحرقها، أصابها القلق فانتفضت واقفة أمامه تسأله مجددا بلهفة: ما بك مازن؟ أجبني ما المشكلة؟
توقفت قدمه عن الحركة فجأة، طالعها بنظرة غامضة قبل أن ينتفض واقفا أمامها مما جعلها تعود للوراء بخوف طبيعي وهو يهدر بها: أنت أخبريني هدى ما المشكلة؟

رفرفت بأهدابها وهي فعلا لا تعي ماذا يقصد، ازدردت ريقها بتوتر وهي تجيبه بارتجافة واضحة على نبرتها: وما ادراني انا؟ أتراني كنت مسافرة معك؟
زأر مجددا في وجهها بصراخ: ثلاثون مكالمة هدى؟ ثلاثون مرة تتصلين بي خلال أقل من ساعة؟ بينما أنا في اجتماع اللجنة التنفيذية للشركة مع العملاء الجدد؟

قطبت جبينها بقلق ولم تستوعب بعد مقصده، فيما أضاف مازن بغضب حارق: هل لديك فكرة ماذا شعرت عندنا رأيت هذا الكم الهائل من الاتصالات منك؟
لم تجبه عندما تابع: لقد شعرت بالهلع هدى، خشيت أن مكروها ما قد ألم بك أو بأحد من الأولاد، طلبت أذنا من المدير وتركت كل شيء خلفي، أتعلمين لماذا؟

ازدردت ريقها بوجل وقد بدأت لمحات من كابوس أمس يظهر أمامها على شكل لقطات، عقب مازن وقد هدأت نبرته قليلا: لأنني اتصلت بك مرارا، وعندما لم تجيبي اتصالي اضطررت أن أعود بسيارة الشركة لأطمئن عليك.
تحولت نبرته إلى التهكم وهو يضيف: لأصل إلى هنا وأراك نائمة بسلام وكأنك لم تفعلي شيئا.

عضت على شفتها السفلى وقد استيقظت تماما، لتتذكر ما فعلته ليلة أمس، أغمضت عينيها بقوة وهي تغمغم باعتذار: أنا آسفة مازن، لم أقصد أن أخيفك.
أشاح بجسده عنها وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب، أجلت صوتها بحرج، ثم عقبت وهي تستدير لتقابله ثم همست بخفوت: أعتذر إليك حبيبي، صدقا.
لانت ملامحه المتجهمة، ليقول بنبرة صادقة: هل لديك فكرة عن كم الخيالات التي داهمت عقلي ساعة رأيت عدد اتصالاتك هدى؟

ضغطت على شفتيها وهي تجفل بعينيها للاسفل، قبل أن تومئ له بالإيجاب ثم أردفت: أعلم أنني أقلقتك علي وعلى الاولاد، أعتذر إليك مجددا.

تنهد بقوة وهو يتفحص قسماتها النادمة، لم يكن منه إلا أن ضمها إليه بقوة وهو يغمض عينيه، ليتها تعلم كم خشي عليها وعلى أطفاله عندما لم تجب على هاتفها، كان في اجتماع متأخر لشركته مع عملاء جدد في مدينة أخرى، ومن البديهي أن يضع هاتفه على وضع الصامت، لكن وبعد انتهاء الاجتماع تفحص هاتفه كتقليد اعتيادي فوجد عددا كبيرا من الاتصالات الواردة منها، حاول الاتصال بها عدة مرات، سقط قلبه بين قدميه عندما لم تجب، لم يفكر مرتين وهو يطلب الأذن من مديره للعودة إلى زوجته، المجنونة.

قررت أخيرا أن تقطع ذلك الصمت المريب، تنهدت بضيق ثم التفتت صوبه فانتفض بخفة وانتبهت حواسه كلها معها، وهي تتسائل محاولة عدم إظهار انزعاجها: دكتور ضياء، بالطبع حضرتك لم تطلب أن نأتي إلى هنا لتجلس شاردا هكذا، لقد طلبت أن نتحدث وها قد مرت ربع ساعة كاملة ولم تخبرني بشيء، فهلا تكرمت وشرحت لي ماطلبك؟

أجلى ضياء صوته بشيء من الحرج حاول التحدث بثبات لكن خرج صوته متلعثما رغما عنه: الحقيقة، حضرة الطبيبة، انا...
زفرت بنفاذ صبر ثم علقت باستهجان ساخر: عفوا حضرة الطبيب، هل جلبتني إلى هنا لأحل كلماتك المتقاطعة؟
اكتسبت تعابيرها جدية غريبة وهي تضيف: لو سمحت قل ماعندك علي العودة إلى المشفى.
تنحنح مجددا ثم تابع: حضرة الطبيبة الحقيقة انا محرج قليلا، والألقاب بيننا تصعب الأمور علي أكثر.

زفرت بعصبيه طفيفة ثم حاولت التحدث بلطف وابتسامة مزيفة: حسنا، إن كان هذا يريحك فبإمكانك مناداتي أماليا فقط.
ابتسم بتوتر وهو يسألها: هل بإمكانك فقط أن تسمعينني لأخر الحديث؟
ضغطت على شفتيها بغيظ ثم هتفت بحدة قليله: تفضل أرجوك، .

حدتها وأن كانت غير مقصودة لكنها جعلته يرتبك اكثر، أخذ نفسا عميقا ثم تحدث بتردد: أماليا انا ابن وحيد لوالدتي مع شقيقة اكبر مني بعامين، توفي والدي عندما بلغت التسع سنوات، لم يكن لوالدتي أي أقرباء وعائلة والدي تخلت عنا، بقيت وحدي مع امي وشقيقتي نحارب في هذه الحياة، لكننا استطعنا باجتماعنا الصمود والتحدي حتى نجحنا، كنت أعمل في الصيف لأصرف على دراستي في الشتاء، اي أنني اعتمدت على نفسي لأبني مستقبلي بيدي، والدتي مديرة مدرسة تقاعدت مؤخرا و...

كانت تستمع لثرثرته الغير مفيدة من وجهة نظرها، نفخت بضيق يتعاظم داخلها ولا تعرف السبب، رفعت يدها في وجهه لتقابله بابتسامة مهكمة: لقد فهمت دكتور ضياء، أنت إذا رجل عصامي بنى نفسه بنفسه وما الى ذلك، لكن ما الذي يهمني فيما قلته؟

تغاضى عن سخريتها قاصدا، مد يده ليخرج من جيب سترته الطبية علبة زرقاء اللون، قلبها بين يديه لثانية قبل أن يفتحها ليظهر خاتما الماسيا رقيقا، نظر في عمق عينيها الزرقاء ثم تحدث محاولا تنظيم أنفاسه الثائرة: أماليا أنا أحبك منذ زمن طويل، مذ رأيتك اول مرة في المشفى، لكنك لم تسمحي لي ابدا أن اتقرب منك واخبرك.
كانت تراقبه وقد ثنت حاحبيها بدهشة، وقد علمت مايرغب بقوله بمجرد أن رأت الخاتم.

ازدرد ريقه بارتباك جلي، ثم هتف وصدره يعلو ويهبط بسرعه: أماليا، هل تتزوجينني؟

تعالت ضحكات مازن بعدما أخبرته هدى مافعلت
بعدما رأت ذلك الكابوس، وماأتبعه من اتصالات متعاقبه عليه، ثم لجوئها إلى أماليا بعد أن أيست من إجابته لها.
مسح عيناه بعدما سالت دموعه من كثرة الضحك وقد هدأت ضحكته قليلا، فيما هدى تطالعه بغيظ ثم هتفت: تضحك أليس كذلك؟ طبعا يحق لك، لست انت من رأى زوجها يخونها بأم عينها.
أجابها بابتسامة ضاحكة: حبيبتي أنت بلهاء ماذنبي انا؟

رمقته بنظرة مغتاظة بينما أردف: أفهميني فقط، كيف لك انت تصدقي حلما؟
اشاحت بوجهها عنه وهي تتمتم: هذا ما حصل.
انفجر ضاحكا من جديد وهو يتوسلها: أرجوك أخبريني مجددا، ما ردة فعل أماليا عندما أخبرتها؟

كأنه أضاء لها ماكانت غافلة عنه، أماليا من المؤكد أنها الآن ستود اقتلاع شعرها وربما فقأت عيناها، وفي الحقيقة هي تستحق ذلك، وضعت يدها على وجنتها ثم أردفت: لا تذكرني مازن أرجوك، لا أستطيع تخيل ماذا تفكر أن تفعل معي بعدما حصل أمس.
طالع قسمات زوجته بتسلية ثم أردف وهو يربت على كتفها بخفة: لاتقلقي حبيبتي، فاماليا تحبك ولا أعتقد أنها ستحقد عليك.

تنهدت بتعب وهي تحاول تصديق ماقاله زوجها، توسد مازن الأريكة خلفه ثم أضاف بنبرة ناعسة: والآن أرجوكي، هلا تركتني انام؟ فأنا متعب للغاية.
تفاجأت من بروده معها، فضربته على كتفه وهي تصيح بغيظ؛ طبعا، فلست انت من ينتظر حكما بالآعدام من أماليا.
لم يجبها بل تعالى صوت شخيره لتعلم أنه متعب للغاية، ابتسمت بخفة قبل تستقيم من مكانها، ثم اتجهت الى غرفته لتتناول منها غطاء سميك، ثم غطت به جسد مازن المسجى أمامها.

نظرت إليه بجبين مقطب، هذا المجنون الجالس أمامها احقا يطلبها هي للزواج؟ ألم يعلم بأنها قد أغلقت باب قلبها منذ زمن بعيد بسبب تلك اللعنة المسماة حب؟
ساد الصمت للحظات قبل أن تنطق ببرود مستفز: لماذا أنا تحديدا؟
نهج صدره بشدة وهو يجيبها بصدق: لا أعلم.
تسارعت أنفاسه بشكل مريب لكنها لم تكترث، فأجابته بجمود: لا.

كلمة من حرفين، لكنها كانت له سكين ذو حدين تحز قلبه العاشق لها، رفرف بعينيه ليسألها بتأثر واضح وانفاس متلاحقة: هل، هل بإمكاني معرفة السبب؟
لا تعرف مالذي دهاها ربما بسبب قلة النوم، ولكن فجأة ارتسم وجه رجل آخر أمامها، لم تعد تر ضياء بل أوحي إليها أن الجالس أمامها الآن هو أدهم ذاك الخائن، فاعتزمت أن تجرحه متناسية أن القابع قبالتها هو إنسان له أحاسيس ومشاعر.

أجابته وقد ركزت النظر في عينيه: لأنك لا تعرف عني أي شيء، ولأنك...
قطعت كلماتها بطريقة موحية قاصدة أن تثير غضبه، لكنه ظل باردا كالجليد، أرادها أن تكمل حديثها حتى لو كان حديثخا. سيجرحه فسألها وهو يحاول كبح نوبته: لأني ماذا؟
ابتسامة لم تصل لعينيها أهدته إياها وهي تجيبه باستخفاف مقصود: لأنك لست الرجل الذي يستحق أن أمضي حياتي معه.

كلماتها تلك كانت بمثابة إشارة له للانهيار، سقطت علبة الخاتم من يده، تعالت أصوات أنفاسه وتحولت إلى لهاث كأنه في سباق عدو، أجابها بنبرة مجهدة بتقطع وصوت ضعيف: شكرا، شكرا لك، لأنك أعطيتني...

بتر كلماته حين تحول لهاثه إلى شهقات يحارب بها للحصول على الهواء الذي نفذ من رئتيه، بدأت يداه تجوب رداءه الطبي باحثة عن شيء ما، عقدت حاجبيها وهي تطالعه باستغراب، لوهلة لم يسعفها عقلها الطبي بتفسير مايحدث، سألته بقلق صادق: دكتور ضياء ماذا يحصل؟
لم تتلقى إجابة منه سوى شهقات متلاحقة، وقفت إلى جانبه وقد بدأ قلقها يتعاظم داخلها فهتفت مجددا وهي تمسك بإحدى يديه: دكتور ضياء هلا أخبرتني مالذي...

فصلت سؤالها عندنا استحضرت ذاكرتها الطبية، لتقول باستغراب: أنت مصاب بالربو؟
أشار لها برأسه بحركات سريعة متلاحقة، ثم سقط مغشيا عليه، انتبه رواد ذلك المقهى على صوت صراخها وهي تنادي باسمه بعدما تمدد على الأرض، فسارع الشبان لحمله ونقله إلى المشفى المقابل، فيما أماليا شعرت بشلل قد أصابها وهي تعتقد في قرارة نفسها أنها قد قتلت ضياء.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 11 < 1 2 3 4 5 6 7 8 11 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1963 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1440 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1450 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1252 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2419 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، وصية ، والد ،












الساعة الآن 05:34 AM