logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 3 من 14 < 1 3 4 5 6 7 8 9 14 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:15 مساءً   [16]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السابع عشر

خرج براء من غرفة التشريح، مشى في الرواق بضع خطوات حتى صادف سمير الذي ابتسم في وجهه ببشاشة هاتفاً: صباح الخير.
ابتسم بخفه وهو يجيبه: صباح الخير.
ثم تابع بنبرة متوجسة: مازلت على وعدكَ لي باستجواب عليا، أليس كذلك؟
وقبل أن يجيبه صدح رنين هاتفه معلناً عن ورود اتصال، طالعه بجمود وهو مُقطبٌ الجبين، فسأله سمير بقلق: مالأمر براء؟
اجاب دون أن يحيد بنظراته عن الشاشة: رقم غير مُسجلٍ في قائمة اتصالي.

رفع الهاتف مجيباً ببرود: نعم؟
استمع الى مُحدّثه للحظات، ثم أغلق الهاتف وهو يضيق عينيه بتفكير، التفت نحو عادل الذي خرج لتوّه من غرفة التشريح مُنادياً: عادل، هيئ قوة اقتحام بسرعة.
ودون أن يسأل، أماء بالإيجاب ثم انصرف ليفعل ما اُمِرَ به، استدار نحو سمير الذي سأله بتوجس: إلى أين تذهب براء؟ ومن الذي حدّثك؟

أجابه براء بغموض مُثير للريبة: أحدهم يخبرني بالمكان الذي سأجدُ فيه الرجل الذي اقتحم غرفة عمار بالأمس.
زوى سمير مابين حاجبيه باستغراب مُتسائلاً: لا أفهم، وكيف عَلِمَ هذا بشأن الرجل بماحدث أمس؟
ثم تابع بنبرة قلقة: أخشى أن يكون فخاً براء، لعلّهم شركاء عليا وقد نصبوا لك كميناً؟
طالعه براء بغموض ثم أخبره بجدية: ربما، لهذا طلبتُ فرقة اقتحام لتذهب معي.

كاد يتحرك من أمامه قبل أن يهتف خلفه سمير: انتظرني، انا قادم معك.
- اوقفه براء بإشارة من يده مُتحدثاً: لا سمير، اذهب أنت إلى قصر عمار واستجوب رجال الأمن هناك مجدداً، علّك تصل إلى خيطٍ قد يفيدنا.
وقبل أن يستمع لاعتراضه مُجدداً، تحرّك براء من فوره تاركاً سمير يُشيعه بنظراته القلقة حتى اختفى.

دلفت شادية برفقة أميرة إلى غرفة الفحص في عيادة الطبيبة، جلست أميرة على كرسيّ قريب، بينما تمددت شادية على السرير المخصص وهي ترفع ثيابها للأعلى، حضرت الطبيبة التي وضعت سائلاً لزجاً على بطنها، بعدها أحضرت جهازا صغيرا مررته برفق فوقها، وماهي إلا ثوان حتى ظهرت صورة الجنين على الشاشة الكبيرة.
طالعت أميرة صورة الفتاة بدهشة واضحة، إنها مكتملة النمو، ويبدو انها ستكون قوية.

استفاقت من شرودها على صوت الطبيبة وهي تخبر شادية بأن ابنتها بأفضل حال، لكنها يجب أن تبقى مُلتزمةً بالنصائح المُعتادة.
شكرت شادية طبيبتها، ثم خرجتا من العيادة وماتزال أميرة على هُدوئها المُقلق.
جلست كلتاهما على مقعدٍ خشبي في إحدى المتنزهات القريبة، كان الطقسُ دافئاً يبعث على الارتياح.
تطلعت شادية نحو رفيقتها التي هتفت فجأةً: شعور رائع، أليس كذلك؟

رفعت رأسها بتساؤل نحو شادية التي ابتسمت بسعادة لتجيب وهي تمسح على بطنها بحنان: نعم، إنه كذلك.
تنفست بعمق وهي تضيف: شعور الوالدة بجنينها وحبها له لهو أسمى درجات الحبْ، صدقاً.
ابتسمت أميرة بحزن، ثم التزمت الصمت لبرهة من الزمن، لم ترغب شادية بقطع صمتها حتى لمحت بعض الدموع التي تشكلت في خضراوتيها، فسألتها بتوجس: مالأمر أميرة؟ لمَ تبكين؟

تحدّثت أميرة من بين دموعها بنحيب: صديقتي الوحيدة ملك حاملٌ كذلك، وأعتقد أنها في أيامها الأخيرة أيضاً.
طالعتها شادية بإشفاق، فسألتها في محاولةٍ منها لإخراجها من حزنها: هل حضرتي حفل زواجها؟
أشارت لها بالنفي وهي تقول: لا، لقد شهدتُ حفل خطبتها فقط.
سكتت لثانية قبل أن تضيف بابتسامةٍ حزينة: لقد كانت تحلمُ بحفل زفافٍ ملكي، وأن أكون بجوارها وأساعدها فيه.

تسائلت شادية باهتمام: وهل كان كذلك؟ أقصد هل كان ملكياً فعلاً؟
تنهدت بحرارة وهي تمسح عبراتها قائلةً: لا، بل كان عادياً للغاية.
ابتسمت بخفة وهي تضيف: الحمقاء، لم ترغب بإقامة حفل ضخم إن لم اكن بجانبها، انتظرت بضعة أشهر بعد أن اختفيت، حتى خضعت اخيراً لرغبة خطيبها وأهلها، فتمّ حفل الزفاف بشكل بسيط.

ساد الصمت مجددا، لتقطعه شادية متحدثةً بحماس وهي تشبك يديها: إذاً، هل احضرتي الرواية معكِ كما طلبتُ منكِ صباحاً؟
ارتسمت ابتسامة باردة لم تصل لعينيها وهي تشير برأسها إيجابا، ثمّ امتدت يدها نحو حقيبتها لتُخرجَ أوراقها.

زفرت بمللٍ وقد عادت اخيراً إلى القصر، ألقت حقيبتها بإهمال على إحدى الآرائك، لتجلس في البهوّ حيث تبعها يوسف، ساد الصمت بينهما حيث كان يوسف يتأملها بشغف، حتى قاطعت شروده بها متسائلةً فجأة: متى نستطيع استلام جثة والدي يوسف؟
عقد حاجبيه بعدم فهم فأردفت موضحةً: أعني يجب أن نسأل إذا ما كانوا قد انتهوا من تشريحها، فيجب أن نستلمها حتى ندفنها.

رمقها بنظرة لم تعجبها ثم نطق بغموض: سأسأل أحدهم ونرى مايمكننا فعل...
قاطعته وهي تهتف مُسرعةً: لمَ لا تسأل الضابط براء؟
ازدادت نظراته حدّةً وهو يجزّ على أسنانه قائلاً: ولمَ نسأله أصلاً؟
رفعت حاجبيها مجيبةً بدهشة: أليس هو المسؤول عن القضية؟
زمجر بضيق ثم انتصب واقفاً مولياً إياها ظهره، ليردف بعد ثوانٍ بهدوء مخيف: سنرى بشأن جثةِ والدك قريباً.

عاد إلى صمته من جديد، بينما أميرة تنظر إليه باستغراب شديد، وهي فعلاً لاتفهم سبب غضبه منها، برغم أن سؤالها يبدو عادياً، دون أن تعلم أنه قد قرأ في عينيها لهفةً ووميضاً عندما ذكرت اسم براء، وليس لهما سوى تفسيرٍ وحيد.

خارج القصر.
وصلت ملك لتوّها إلى الطريق الفرعي المؤدي إلى القصر، حيث حضرت كما وعدت أميرة لتستلم منها الأوراق الخاصة بالعمل.

وبينما هي تحاول الالتفاف برويّة لتدلف إلى الطريق، صدمتها سيارة أخرى من الخلف، ارتدّت إلى الأمام بعنف قبل أن تترك عجلة القيادة وهي ترمش بعينيها بعدم تصديق، ياآلهي حقاً صدمها أحدهم؟ السيارة ليست ملكها، بل هي لشقيقتها الكبرى التي قد تقتلها إذا ما أُصيبت السيارة بخدشٍ مهما كان بسيطاً.

أيقظها من شرودها صوت فرامل السيارة التي صدمتها وقد فرّت هاربةً، فتحت الباب لتنزل وهي تبتهل داخلها ألا تكون السيارة قد تضررت كثيراً.
كان سمير أيضاً في طريقه إلى القصر، عندما لاحظ سيارة ما مركونةً في منتصف الطريق، وبجوارها تقف فتاةٌ جميلة ترتدي ملابس رسمية وتمسح على خصلاتها السوداء بإحباط.
تمهّل عندما أصبح بمحاذاتها، انزل نافذته متحدّثاً: ماذا حدث يا آنسة؟

استدارت نحوه فلاحظت سيارته الفارهة وهندامه المُرتب، لتُخمّن على الفور بأنه أحد الشباب الذين يتصيّدون الفرص للحديث مع الفتيات، فرمقته بنظرة منزعجة ثم اشاحت بوجهها بعيدا وهي تتأفف بضيق.
استغرب سمير الأمر، فتح باب سيارته لينزل حتى وقف بجانبها ليتحدّث مجددا بتهذيب: هل أستطيع مساعدتك في شئ ياآنسة؟
ثم جال بنظره على السيارة مضيفاً بأدب: يبدو أنّ أحدهم قد صدمك!؟

لم تجبه بتاتاً مما أثار استغرابه أكثر، طالعها بتعجب هاتفاً بنبرة شبه متهكمة: أنا أُحدّثكِ هنا، أمّ أنك صمّاء؟
استدارت نحوه بجسدها لتصيح به بحدّة وهي تشير بيديها: وما شأنك انت؟
اتسعت عيناه بشدة من هجومها الغير مبرر، لتضيف ملك بصوت عالٍ: لم توقفت هنا أصلاً؟ هل طلبتُ مساعدتك؟
احتدّت نظراته اكثر وهو يجيبها باستنكار مشيرا بيده أمام وجهها: لقد حاولتُ المساعدة فقط، لمَ أنتي غاضبةٌ هكذا وكأنني من صدمك؟

طالعته بازدراء، ثم اشاحت بوجهها عنه وهي تنفخ بضجر، ماكادت تتحرك عائدةً إلى سيارتها حتى امتدّت يده لتعيدها أمامه قائلاً بغضب وهو يصرُّ على أسنانه: قِفي هنا، لم أُنهِ حديثي مع...
بتر كلماته فجأة عندما صفعته على صدغه، اتسعت عيناه بصدمة وهو لايكاد يصدق أن فتاةً تجرأت على صفعه، طالعها بنظرات دموية وهي ترفع سبابتها في وجهه لتقول بتهديد وكأنها لم تكتفي ا: أبعد يدك القذرة عني وإلا ندمت!

رمش بعينيه بصدمة من جرأتها، ارتخت يده عنها لتبتعد عنه مُستقلّةً سيارتها، أدارتها مجددا لتعود من حيث أتت، ثم هاتفت الشركة لتطلب من أحد مُساعديها الاتصال بأميرة وإبلاغها بعدم قدوم ملك، لسبب قاهر خارج عن إرادتها.
بينما بقي سمير يتأملها بدهشة ممزوجة بغضبه منها حتى أدارت سيارتها وبدأت بالابتعاد، وجد نفسه يستقلّ سيارته ليتبع تلك الجميلة الغاضبة.

وصل براء بسيارته إلى العنوان الذي ارشده إليه ذاك المجهول تتبعه قوة المداهمة برفقة عادل، بعد أن أرسل العنوان ورقم الهاتف إلى سلاف لتصل إلى صاحبهما.

صعدوا إلى الشقة المقصودة، قاموا باقتحامها لكنها كانت فارغة، بحث العناصر داخل الغرف، حتى وصلوا إلى غرفةٍ ما منعزلة ذات جدران عازلة للصوت، كان بابها مفتوحا، دلف براء اولاً ليجد جثة حازم على كرسيٍّ حديدي تآكله الصدأ، وبدى أنه تعرّض للضرب المبرح قبل أن يتمّ إعدامه برصاصة وحيدة في الرأس، وقد رآى المسدس في يده اليمنى، تماماً كما حدث مع عمار.

لاحظ أيضاً وجود حافظة نقود بالقرب منه مع بطاقةٍ شخصية تحمل اسم حازم جابر، ضيق عينيه بتركيز فخمّن أنها تخص الضحيّة.
مسح الغرفة بعينيه فلم يجد ما يُثير الريبة سوى منظر الدماء على الحائط.

ترك صديقه عادل برفقة بعض الرجال يمسحون الشقة بحثاً عن أي بصمات أو آثار قد تفيد، بينما خرج هو ليحقق مع الجيران الذين أخبروه انهم لم يلحظوا شيئاً غير اعتيادي، فقط بضعة رجال يبدو أنهم أصدقاء ويترددون بشكل متقطع على المكان.
قاطعه رنين هاتفه، أجاب ليأتيه صوت سلاف متحدثةً باحترام: سيدي الشقة مُستأجرة باسم شخصٍ يدعى حازم جابر، وخط الهاتف أيضاً باسمه.

نفخ بضيق وهو يعود أدراجه إلى الشقة، حيث أخبره عادل بعدم وجود أي بصمات أو آثار، كأن أحدهم قام بتنظيف الشقة قبل أن يُغادر، مسح على شعره بإحباط وهو يشعر بنفسه يدور في حلقةٍ مُفرغة، فقد علّق آمالاً كثيرة أنه قد يجد حازم حيّاً فيوصله إلى من هم أكبر منه، لكنه عاد إلى نقطة الصفر مجددا.
زاد يقينه أن عليا من يملك الإجابات على تساؤلاته كلها، ترك عادل ورفاقه هناك مُستقلاً سيارته وهو يعلم وجهته جيداً.

اتصل أحد موظفي شركة عمار بالقصر، ليخبر أميرة بعدم حضور ملك إليها اليوم، وقفت في شرفتها تطالع الحديقة أمامها بنظرات شاردة وهي تفكر في مُربيتها، سرعان ماحسمت أمرها لتبدل ثيابها، ثم نزلت مسرعةً لتخرج من القصر.
تجمدت خطواتها على الدرج الخارجي عندما أتاها صوت يوسف المتسائل: اميرة؟ إلى أين انتي ذاهبة؟

زفرت بإحباط واغمضت عينيها لثانية، ثم استدارت نحوه لتجيبه بهدوء مصطنع: ذاهبةٌ إلى المشفى يوسف، أريد أن أرى عليا.
وقف أمامها متحدثاً بعتاب: ولمَ لم تخبريني عزيزتي؟ اتحاولين الهرب مني مثلاً؟
ثم أضاف وهو يشير لها لتتقدمه: هيا، سنذهب سوياً.
لم تعاند، بل مشت بجواره عدة خطوات قبل أن تقف مكانها، استدارت نحوه متسائلة بجدية: لكن ماذا لو انهم لم يسمحوا لنا رؤيتها كالمرة الفائتة؟

ابتسم يوسف مُطمئناً إياها بثقة كبيرة: لا تقلقي، سأهتمّ بأمر الحرس، سأحدّثهم واقنعهم.
ثم دفعها برفقٍ من ظهرها لتتابع مسيرها، غير آبهٍ بدهشتها من ثقته المفرطة بنفسه.
...؟..
وصل يوسف برفقة أميرة إلى المشفى، تزامناً مع وصول براء الذي طالعهما بريبه، ثم تقدّم نحوهما متسائلاً: مالذي تفعلانه هنا؟

بدت الدهشة واضحة على ملامح يوسف الذي وقف أمامه يرمقه بنظراتٍ مُتحدية، ثم تسائل هو الآخر: مالذي تفعله أنت هنا حضرة الضابط؟
بادله براء بنظرات مُتغطرسة، رافعاً رأسه بكبرياء ليجيبه وهو يرفع حاجبه بتحدٍّ: لديّ تحقيق أقوم به هنا سيد يوسف.
ضيّق الأخير عينيه دون أن يحيد بهما عنه، ليتحدث بهدوء خطر: ولكن على حسب علمي، فإنك قد أُبعدْتَ عن القضية.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:16 مساءً   [17]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الثامن عشر

لم يخذله حدسه يوماً، دائما ماكان يعتمد عليه في حلّ أغلب قضاياه، وكان يقوده دائماً إلى المجرم مباشرةً مهما برع برسم قناع البراءة على مُحيّآه.
وكذلك يخبره حدسه الأمني الخبير بأن يوسف خلفه أسرارٌ كثيرة، بينما يقف الآخر أمامه وتنبعث من عينيه أنهار من الحقد والكراهية الموجهة ضد براء، .

كان الصمت سيد الموقف بينهما وهي تقف هناك ولاتفهم سبب هذا العداء وكأن بينهما ثأراً قديماً، بيدْ أنها فوجئت بنبأ إبعاد براء عن التحقيق وشعرت بالخيبة لكنها لم تجد لهذا الشعور تفسيراً.
مرّت ثوانٍ عدّة قبل أن يقطع براء هذا الصمت المشحون بالعديد من المشاعر المختلطة، ليسأل يوسف بهدوءٍ مُريب: وكيف علمت بأمر إبعادي عن القضية؟

ارتبك يوسف لثانية واحدة، سرعان ما ضبط إيقاع نبرته راسماً ابتسامة باردة على شفتيه ليجيبه: إنّ الأخبار تنتقل بسرعة هنا سيد براء.
ثم رفع كتفيه بزهوّ مضيفاً بلا مبالاة: و هذا مايميز لبنان.
رمقه براء بنظرات تنمّ عن عدم تصديقه، فأتاه صوت أميرة السائل بإحباط: هل حقاً تمّت تنحيتك عن متابعة القضية سيادة الضابط؟

تطلع إليها وشعور طفيف بالسعادة اجتاحه عندما لاحظ نبرتها المُحبطة، ابتسم بتلقائية لتظهر غمازتيه وهو يستدير نحوها بجسده متحدثاً برقة: الحقيقة نعم آنسة أميرة.
سيطرت علامات الخيبة على وجهها، في حين أضاف براء: لكنني سأبقى مُتابعاً مع المُحقق الجديد.
ثمّ تابع بابتسامة مُشرقة: ولا تنسي أننا أصدقاء.
ابتسمت برقة وهي ترمقه بنظرات لاتعرف ماهيّتها، ربما هي فقط سعيدة لأنها ستراه دائماً ولا تعلم السرّ وراء ذلك.

عقد يوسف حاجبيه بضيقٍ من تواصلهما المُستفز له، اقترب حتى حال بينهما بجسده ليهمس لبراء بغلٍّ دفين: ومنذ متى أصبحتما أصدقاء حضرة الضابط؟
رفع رأسه بعنادٍ قائلا بابتسامة ساخرة: وهل هناك مايمنع صداقتنا؟
ابتسم بشرٍّ وهو يجيبه ببرود: طبعاً، نظراً إلى أنها خطيبتي، أم أنني شفافٌ لدرجة أنك لاتراني؟
هزّت أميرة رأسها بيأس من حديث يوسف، بينما ابتسم براء بتهكم قائلا بسخرية: أرجوك، لاتخبرني أنك تغار؟

قابله يوسف بأخرى باردة، مُتحدّثاً بغطرسة: أنا رجلٌ شرقيٌ في النهاية سيادة الضابط، ولديَّ غيرتي على ما يخصني.
اتسعت ابتسامته المُتهكمة ليجيبه قاصداً إهانته: حسناً لأعترف لقد فاجأتني، لم أعتقد أنّ لك شرف الانتساب لأصولك الشرقيّة، ظننتُ أنّ الحياة في أمريكا أنستكَ جذورك.

اختفت ابتسامته وقد استشعر الإهانة والسخرية في معرض حديثه، ضيّق عينيه وهو يرمقه بنظرات حاقدة، وهي تقف هناك تراقب ما يحدث وتشعر بنفسها حرفياً كالبلهاء، لم تفهم لمَ هذا الجوّ المشحون بالكراهية الواضحة، حقاً لم تفهم!
حمحمت وهي تتحرك من خلف يوسف موجهةً حديثها إلى براء سائلةً: إذاً سيادة الضابط، كنتُ أودّ سؤالك إذا ماكنتُ أستطيع استلام جثة والدي لنقوم بدفنها؟

قابلها براء ليبتسم لها بصدقٍ مجيباً: نعم آنسة أميرة، بإمكانك تقديم طلبٍ لاستلامها في أي وقت.
قاطعه يوسف موجهاً حديثه لها ولم يزلْ ينظر إليه بتحدٍّ: لا داعي لأن تتعبي نفسك عزيزتي، أنا سأتكفل بكافةِ الإجراءات.
لم يعره انتباها، بل سأل أميرة مجدداً باهتمام: هل لي أن أسأل ماسبب قدومكِ إلى المشفى آنستي؟
ضغطت على شفتيها قائلة بحرج: كنتُ أودّ زيارة مربيتي.
ثم تحول صوتها للهمس مضيفة برجاء: لو سمحتَ لي طبعاً؟

اختفت ابتسامته وهو يرمقها بحيرة، لو أنها طلبت خافقه لما تردّد لحظةً في إهدائها إياه، لكن زيارة تلك المرأة ورؤية أميرة ميزةٌ لاتستحقها عليا أبداً.
ظلّت لثوانٍ تتأمل ملامحه المتردّدة، حتى أتاها صوت يوسف المُستهزأ: ولمَ نسأله أساساً أميرة؟ فهو لم يعد المسؤول هنا على أية حال.
طالعه براء بثقة هامساً له بتحدٍّ: حسناً، ادخل إلى المستشفى وأرني من سيسمحُ لكَ بالدخول إلى عليا دون إذنٍ مني.

ضغط يوسف على فكه بقوة وهو يعلم جيدا ماخلف كلماته، يريده أن يُخطأ فيلجأ لأحد معارفه ذوي المناصب الرفيعه لينكشف أمره، فآثر الصمت وفي ذهنه مخطط آخر له.
أعاد نظره إلى أميرة مُتحدّثاً: اسمعيني آنسة أميرة، سأسمحُ لكِ بزيارتها لخمس دقائق فقط، وتحت إشرافي شخصياً.

ابتسمت باتساع وهي تومئ له بالإيجاب، وكأن ابتسامتها مُعديّة فانتقلت إليه حتى بانت غمازتيه، أشار لها بأن تتقدمه تاركين يوسف وحيداً ينظر في آثرهما هامساً بغلّ: لم تبتعد بالطريقة السهلة، إذاً فأنا مضطرٌ لاتباع الطريقة الصعبة.
استدار نحو المدخل ليضيف وقد غابا داخل ممرات المشفى: وأخشى أنها لن تُعجبكَ البتّة.

فتح براء عينيه يطالع سقف غرفة جواد، حيث كان يتابع جلساته هناك، ساد الصمت لثوان كان جوادٌ يراقب حركاته، ليتحدث أخيرا بنبرة تنمّ عن عشق صادق: وكأنّ في ابتسامتها أملاً بالحياة، يقتلُ فيك كلّ ألمٍ وينقذكُ من بين رُكام قلبكَ وضياعك المحتوم.
اتسعت عينا جواد بدهشة قائلا: أنت تقولُ النثر الغزليّ براء؟
تنهد الآخر بخفه ليبتسم بلا حياة مجيباً: ماقُلته إلا فيها، ولم أقرأه إلا لها.

رفرف جواد بعينيه ليسأله وهو يقترب منه بجسده: وهل هذه الكلمات مقتبسة،؟ أم أنك قائلها؟
ساد الصمت مجددا قبل أن يقطعه براء متحدثاً بنبرة هادئة: بل هي آهاتُ قلبي وألمه، جعلت لساني ينطلق بالغزل.
رمقه جواد بنظرات متضاربة ومايزال الأول على جلسته الشاردة، خمّن سبب صمته المريب ليهمس له: أخبرتك مراتٍ عدّة براء، لاتتعب نفسك في التفكير.

أغمض عينيه بقوة وزفر بصوت مسموع وهو يعتدل في جلسته، دفن وجهه في كفيه ليتمتم بقلة حيلة: لا أستطيع جواد، لا أستطيع.
مسح وجهه بيديه ثم رفع رأسه متابعا بشرود: أحياناً أشعر أنّ عقلي مبرمجٌ على التفكير فيما يؤلمني وحسب، إنه كالآلة الجامحة لاأستطيع السيطرة عليه.
بدى جواد كمن يفكر في أمر ما، انشقّ ثغره عن ابتسامة لئيمة قائلا بثقة: إذاً يجب أن نوقف آلة الدمار هذه.

طالعه براء باستغراب، لكنه لم يمهله الوقت للسؤال بل هبّ واقفاً ليخبره: انتظرني هنا قليلاً.
خرج من غرفته ليغيب بضع دقائق ثم عاد يحمل في يده علبة كرتونية كبيرة تخص جهازاً لألعاب الفيديو، بدأ جواد بإخراج الجهاز وتوصيله بالتلفاز المتواجد في غرفته وهو يتحدث: إنه أحدث إصدارات اجهزة ألعاب الفيديو، لقد جلبته معي من فرنسا بعد أن قمت بشرائه عن طريق أمازون.

كان يتكلم بإسهاب حتى أنهى توصيله، عاد إلى العلبة ليخرج عدة أقراص مدمجة متحدثاً بتلقائية متجاهلاً نظرات براء المندهشة ليسأله وهو يرفع أمامه قرصين أخرجهما من العلبة: إذاً، أي لعبة تفضل؟ سباق سيارات ام كرة قدم؟
رمش براء بعينيه مُستغرباً، فلم ينتظر جواد إجابته، رفع أحد الأقراص قائلا بابتسامة عريضة: حسنا، سباق سيارات.

وضع جواد القرص في مكانه المُخصص، أشعل الجهاز ثم عاد للخلف وهو يبحث بعينيه عن شيء ما، زمّ فمه بتفكير لثانية، ثم اندفع ناحية سريره ليحمل وسادتين وضعهما على الأرض أمام الجهاز، جلس على إحداهما ثمّ أشار إلى شقيقه متحدّثاً: هيا تعال.
لم يكن براء مستوعباً لما يفعله هذا الأخرق الذي يجلس أمامه، قطب جبينه مُتسائلاً: ماذا تفعل جواد؟
قابله بابتسامه باردة قائلاً ببراءة مصطنعه: لا شيء، أريد أن ألعب.

رفع الذراع الأخرى للعبة نحو براء الذي تقدم نحوه بوجه جامد الملامح، جلس بجانبه على الوسادة ثم أمسك الذراع وهو عاقدٌ حاجبيه بضيق، بدأت اللعبة ولم تمضِ سوى بضع دقائق حتى تعالت أصواتهما المَرِحة.

كانت زينب تجلس إلى جانب زوجها وهما يقرآن ملفّ أحدِ مرضاها عندما سمع كلاهما أصوات ضحك قادمة من غرفة جواد، طالعا بعضهما باستغراب شديد مالبث أن تحوّل إلى سعادة وهما يستمعان إلى ضحكة براء التي افتقدوها لمدّة طويلة، أمسكت زينب بيد زوجها تضغط عليها بارتياح وهي تشعر بالغِبطة، لقد نجح جواد أخيراً بإخراج براء من عزلته الاختيارية ولو لوقت قصير.

عادت شادية وأميرة كُلّاً إلى منزلها بعد أن بدأ الطقس يميل إلى البرودة، كانت شادية تشعر بكمّ الثقل الجاثم على صدر اميرة، برغم من أنها لم تعرف بقية الحكاية إلا أنها تجزم أن ماحدث معها ليس بالأمر الهيّن أبدا.

بمجرد وصولها إلى المنزل استقبلتها راشيل مدبرة منزلها ببشاشة، طلبت منها شادية أن تُحضر لها كوباً من الحليب الدافئ، ثم توجهت إلى غرفتها، تقدّمت إلى خزانة متطرفة صغيرة بعض الشيء، أخرجت مفتاحها من حقيبة يدها ثم فتحتها لتنظر داخل الخزانة، كانت تحوي على ملفاتٍ خاصة بمرضاها عندما كانت تعملُ في المشفى، استخرجت من الرفِّ العُلويّ عدّة أوراق مرتبة فوق بعضها البعض، ودفتر يومياتٍ صغير إلى جانب عدة أقلام حبرٍ ملونة، أقفلت الخزانة مجدداً ثم قامت عن الأرضية بتثاقل.

تحركت صوب الطاولة الصغيرة في زاوية الغرفة، وضعت ماجلبته فوقها ثمّ سحبت الكرسي لتجلس عليه، تناولت ورقة كبيرة كتبت في أعلاها.

اسم أميرة، تفرّع عنه عدّة أسهم كل واحدٍ منها يحمل اسم شخص من عائلتها بلون محدّد، عليا عمار يوسف ثمّ تفرّع عن اسمِ كلِّ واحدٍ منهم سهما يمتدّ للأسفل ليلتقيا في نقطة معينة، وفي أسفل الورقة كتبت اسم براء وحاوطته بدائرة باللون الأخضر، رفعت الورقة نُصب عينيها وهي تطالع أسماء الأشخاص الخمسة، همست لنفسها بتفكير: الحكاية بدأت من عندِ أميرة وانتهت عند براء؟

طالعت الورقة لثوان قبل أن تقلبها بالعكس، اتسعت عيناها بدهشة وقد أدركت أمراً ما، خيوط القصة ابتدأت من عند براء إذاً هو أكثر المظلومين هنا، إذاً أميرة لم تختفِ خوفاً على حياتها هي، بل حفاظاً على حياة براء.
رمت القلم على الطاولة بالتزامن مع دخول راشيل إليها لتقدّم لها كوب الحليب ثم غادرت بخفه كما دخلت تماماً، تاركةً شادية خلفها وقد زاد فضولها وشغفها لمعرفة ماحدث لأميرة وبراء فعلاً.

هطلت امطارٌ خفيفة بالتزامن مع وقت غروب الشمس في بيروت، إنه المساء، منظرٌ بديع للغاية حيث تمازج شفقُ غروب الشمس مع قطرات المطر ومنظر الأفق الأزرق الصافي، ليرسم لوحةً ساحرة تبعث على الراحة النفسية خاصةً مع هذا الهدوء الذي سيطر على الحي، هدوء يُعالج النفس ويبثُّ فيها الراحة.

زفرت ملكٌ بضيق وهي تقف أمام نافذة شرفتها، تحسست بيدها على بطنها المنتفخ بعد أن تفحّصت هاتفها ولا رسائل وصلتها من أميرة، احياناً تشعر أن المحامي خدعها وأعطاها عنوان بريد إلكتروني خاطئ، ولكن لايُعقل وقد تأكدت بنفسها من مُساعدته أنه يُراسل أميرة عبر هذا العنوان، إذاً فالأخيرة لاتريد أن تُحادثها، ولكن ماذنبها هي؟ لمَ تُعاقبها على ذنبٍ لمْ ترتكبه؟

جلست على الكرسي المجاور فقد تعبت من الوقوف هكذا وهي التي دخلت في شهرها الاخير من الحمل، كم تتمنى لو كانت أميرة بجانبها الآن، فهي بالنسبة لها أكثر من مجرّد صديقة، استندت برأسها على جانب الكرسي، أغمضت عينيها لتشرد في ذكرياتٍ بعيدة.

Flash Back.
وصلت ملك بسيارتها إلى إحدى ورش تصليح السيارات، قابلت صاحب الورشة الذي أخبرها بأن سيارتها قد تحتاج ليومين ليتمّ إصلاحها، ولن تستطيع اخذها قبل يوم الغد.
خرجت من الورشة وهي تنفخُ بضيق، كانت تمشي على غير هدىً تفكر في عذرٍ منطقي تخبره لأختها عدا أن أحداً ما قد صدمها، فهي تعرف كم تكبدت شقيقتها من العناء حتى جمعت المال اللازم لشراء هذه السيارة مما جعلها تخشى عليها كأنها أحد أولادها.

ولكن فعلاً هي لاذنب لها، كانت تقود برويّة وهدوء كبير عندما صدمها أحد الأشخاص قليلي الذوق، لم يكلف نفسه حتى عناء الاعتذار عمّا حصل، كانت تمشي غير منتبهةٍ لسمير الذي تبعها كظلّها دون أن تلاحظه.
بينما هي كذلك رنّ هاتفها، طالعت الشاشة بارتباك وهي ترى اسم أختها، بالتأكيد تريد السيارة فهذا موعد ذهابها إلى عملها، ازدردت ريقها بتوتر وهي تجيب بصوت مهزوز: نعم سمر؟

استمعت لاختها التي امرتها بأن تُرسل إليها سيارتها مع حارس الشركة كالمُعتاد، ابتسمت بارتباك وهي تخبرها: عزيزتي الا تستطيعين الذهاب إلى عملك في سيارة أجرة؟، وانا سأدفع أجرته أعدك.
سألتها اختها عن السيارة بتوجس، ابتلعت ريقها وهي تحاول اختراع كذبةٍ معقولة: أعتقد انّني يجبُ أن أخذ السيارة إلى ورشةٍ ما، لقد شعرت بأن الفرامل لاتستجيب بسرعة...

كان سمير يتبعها سائراً، سمع رنين هاتفها ثم حديثها مع الطرف الآخر من المكالمه، خمّن بذكائه من خلال طريقة حديثها بأن السيارة ليست ملكها، ابتسم بخبث وهو يحثّ خُطاه المُتعجلة نحوها، استلّ هاتفها من يدها و...


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:17 مساءً   [18]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل التاسع عشر

اتسعت عينا ملك وهي ترى هذا الفضولي الذي قابلته سابقاً يقف أمامها الآن، بل وأخذ هاتفها أيضاً.
صرّت على أسنانها عاتفةً بغيظ: أنت، أعطني هاتفي فوراً.
اتسعت ابتسامته الماكرة وهو يطالع الشاشة ليقرأ الاسم ثم وضعه على أذنه متحدثاً إلى شقيقتها أمام أعينها المُتسعة هلعاً: مرحباً آنسة سمر، انا أدعى سمير في الحقيقة، لقد قمتُ بصدم السيارة التي تستقلها شقيقتكِ بسيارتي، وأنا أتحمل كامل المسؤولية فالخطأ خطأي.

حركت شفتيها لتنهاه عمّا يفعل ولكن عبثاً، فصوتها قد اختفى، أشارت له بيديها لكنه لم يُعرها انتباهاً بل قابلها بابتسامة مُستفزة وهو يستمع إلى صوت أختها التي تسائلت عن قوة الضربة فأجابها وهو يحدّق بملك: فقط بعض الأضرار الجانبية، صدقيني آنستي لا شئ مهم، المهم الآن هو سلامة الآنسة...؟
طالعها بتساؤل عن اسمها، استغرقها الأمر ثانيتين لتستوعب مُراده فازدردت ريقها بوجل وهي تتمتم بتقطع: ملك، اسمي ملك.

ابتسم بإعجاب على اسمها، وهي فعلاً كالملاك يمشي على الأرض، ثم تابع حديثه مع شقيقتها: المهم الآن هو سلامة الآنسة ملك.
سكت ليستمع إلى سمر ثم تابع: بالطبع آنستي سأقوم بدفع كافة التكاليف المُترتبة، سُعِدْتُ بالحديث معكِ آنسة سمر، واعتذر مرةً أخرى.
أغلق الهاتف ليعطيها إياه فتناولته منه وهي لاتجرؤ على رفع عينيها أمامه ازدردت ريقها بحرجٍ وهي تتمتم بخفوت: شكرا لك.

عقد حاجبيه باستغراب من هذه الرّقة المفاجئة ليحدثها بتهكم: غريب! أين اختفى صوتك العالي وكلماتك الحادّة؟!
شعرت بالخجل منه لتهمهم باعتذار: أنا أعتذر، لم أقصد إهانتك.
ضيق عينيه وهو يجيبها بتسليةٍ راقت له: أخشى أنكِ فعلتِ، وكذلك قمتِ بصفعي وأنا لم أقصد إلا أن اكون نبيلاً معك عندما رأيتك تقفين وحيدةً حائرة في الطريق.

زاد إحساسها بالضيق لأجله بسبب تسرّعها، وهي التي لم تعتذر لأحدٍ قبلاً حتى لو كانت مُخطأة، فالأمر برمته غريب عليها، فتحدثت بارتباك وصوت خفيض، وعبرات خجل تشكلت داخل مقلتيها: قلتُ لك أعتذر، ظننتكُ أحد الشباب المُتطفلين.

تأملها بنظراتٍ جديدة عليه، هذه المُتمردة الغاضبة ذات اللسان السليط تخفي خلفها أنثى جميلة رقيقة لدرجة انها ستبكي لِمُجرد الإعتذار عن ذنبٍ ارتكبته، ابتسم ولم يرغب بإحراجها أكثر، شدّ ظهره وهو يخاطبها بتفهم: لا عليك آنسة ملك، بالإذن.
ماإن تحرك مُبتعداً عنها حتى تنفست الصعداء وهي فعلاً تشعر بالامتنان له، فقد أنقذها من غضب شقيقتها الحارق، والآن لقد فَسُدَ يومها فلتعد إلى الشركة لتتابع عملها.

رغم إلحاح زينب ووالده عليه بالبقاء معهم هذه الليلة، إلا أنه لم يقبل بل آثر العودة إلى منفاه ليُغلق قوقعته عليه من جديد، لكنّ جواداً أبى أن يتركه وحده، لذا صمّم على الذهاب برفقته ليبيت معه في منزله.

وصل براء برفقة ضيفه، دخلا المطبخ ليقوما بتفريغ الطعام الذي وضبته لهما زينب ليُعداه للعشاء، رغم أنهما لايشعران بالجوع إلا أن جواد اصرّ على إعداد الطاولة كنوعٍ من كسر الروتين الذي اعتاد عليه براء في عزلته هذه.
لم يقوما بالكثير من المجهود، فقط أخرجا الطعام إلى الأطباق، ثم نقلاها إلى الطاولة.

بعد انتهاء العشاء الذي لم يخلو من مُشاغبات جواد، وبعد أن قاموا بإفراغ الطعام ووضعه في الثلاجه، طلب إلى براء تحضير القهوة، رمقه براء بنظرات جمعت مابين الاستهجان والاستنكار صائحاً به: أتريدني أنا أن أُحضر لك القهوة؟
أسند ظهره للخلف وعقد يديه خلف رأسه متحدثاً بغطرسة: ولمَ لا؟ وأريدها حلوة لوسمحت.
ثم أضاف بتهكم: أم أنك اعتدت على حياة الرفاهية والخدمة حضرة الضابط؟

رمقه براء بانزعاج ثم استدار نحو الرفوف محاولاً إيجاد لوازم تحضير القهوة، وجد الدلّة معلقة على أحد الأرفف الجانبية وكذلك وجد السكر لكنه لم يستطع إيجاد مسحوق البُن، كان جواد يراقبه بتسلية فصاح بنبرة ساخرة عندما لاحظ ارتباكه: يالخيبة الأمل، ضابط شرطة بذكائك يقف تائهاً وسط مطبخه عاجزاً عن إيجاد مسحوق القهوة؟ فعلاً ياللعار!

استدار براء نحوه ليرمقه بانتصار وهو يحمل وعاء ما في يده قائلاً: بل وجدته حضرة الطبيب.
حمل كلاً منهما كوب قهوته ثم خرجا إلى البهوّ المقابل للشرفة الخارجيه حيث اعتاد براء أن يجلس، لكن هطول الأمطار خارجاً منعتهم من الخروج إليها، توسّد جواد الأريكة بينما جلس براء على كرسي قبالته، ليتحدث بغرور: إذاً تذوقها واعطني رأيك!

ارتشف جواد رشفة صغيرة، ثم ابتلعها مُحدثاً أصواتاً تُعبر عن استمتاعه بها، مسح فمه بمنديل ورقي متحدثاً بمديح: رائعه للغاية صديقي.
ارتسمت ابتسامة منتصرة على شفتي براء سرعان مازالت حين تابع: ولكن أرجوك، لاتصنع القهوة مرة أخرى أبداً.
عقد حاجبيه ليسأله باستغراب: لماذا؟
ليخبره جواد بابتسامة ساخرة: صديقي، لقد طلبتُ منك قهوة مُحلاةً بالسكر، لابالملح!

طالعه براء باستغراب، رفع كوبه ليتذوقه فوجدها فعلاً كما أخبره جواد، مالحه!
أسند الكوب مجدداً إلى الطاولة قائلاً وهو يمسح على رقبته بحرج: حسناً كتجربة أولى أعتقد أنها فاشلة.
تعالت ضحكات جواد على تعابيره المنزعجة، سرعان ماشاركه براء الضحك، لايذكر متى كانت آخر مرة ضحك بها من قلبه هكذا، ساد الصمت من جديد، أسند رأسه للخلف، شبك يديه وأغمض عينيه ليغوص مجدداً في ذكرياته.

ذرفت عليا دموع الاشتياق الصادق وهي تحتضن ابنتها التي بادلتها بأخرى، وكان براء يقف في زاوية الغرفة يتألم لمرأى عبراتها، ويبتسم بسخرية على دموع التماسيح التي تذرفها عليا، حتى لو كانت صادقة فلن يصدقها على أية حال.
تنحنح بعد انتهاء الخمس دقائق ليلفت انتباه أميرة متحدثاً بصوت أجش: آنسة أميرة لقد انتهت المدة المحددة، لذا سأطلب إليكِ المغادرة لو سمحتِ.

التفتت نحوه بعينيها الدامعتين جاهلةً ماأحدثت في قلبه لحظتها.
((إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها)) وهي احتلت فؤاده فعاثت فيه الفساد وجعلته ذليلاً بعد أن كان العزيز.
كاد يستجيب لذاك الرجاء الذي قرأه في عينيها إلا أنها أنقذته من التهور عندما اشاحت بوجهها عنه في اللحظة الأخيرة، لتودّع عليا قائلةً: اعتني بنفسكِ جيداً عليا أرجوكِ، فأنت الباقية لي من عائلتي.

أشارت لها عليا بالإيجاب، رفعت كفها المُجعد لتضعه على وجنة أميرة متحدثةً: حبيبتي وأنتِ كلّ عائلتي، اعتني بنفسكِ جيداً.
تنهدت بتعب وهي تضيف: أنا مُطمأنةٌ عليكِ لأن يوسف بجانبك.
حسناً، هذه السيدة تختبر صبره الآن، وهو الذي يُمسك نفسه إجباراً لئلا ينقضّ عليها فيقتلها!

قبلتها أميرة لتخرج من الغرفة، بينما هو يرمقها بنظرات عرفت منها كمَّ الحقد الذي يضمره لها، لم تهتزّ ملامحها المُتحدية قيد أنملة، فقد علمت أنه لن يُحدّث أميرة بالحقيقة، فلو كان سيفعل لكان الأولى به إخبارها بأنها هي من قتلت عمار.

تبعها براء للخارج حيث وجدها تقف بانتظاره على مقربةٍ من باب الغرفة، قابلها بجسده متحدثاً بابتسامةٍ صادقة: إذاً آنسة أميرة، هل ارتاح قلبك الآن؟
بادلته بأخرى جذابة سلبت لبّه لتقول: أشكرك سيادة الضابط.
ثم تحولت نبرتها للهمس مُضيفةً: ولكنني لن أرتاح حتى تخبرني ماسبب احتجازك لها لغاية الآن؟
آهٍ يامالكة الروح والفؤاد، لو تعلمين أنني أخشى أن اُخبركِ فأفقدك!

أطرق لثانية واحدة ثم رفع رأسه قائلاً بابتسامة مصطنعه: أعدكِ أنني سأخبرك بكلّ شيء، لكن ليس الآن.
رمقته بتفحص وهي تنظر داخل مقلتيه، لتشعر بأن داخلهما بركانٌ من الألم والدموع ينتظر من يحرره.
ضغطت على شفتيها بقوة وهي تومئ له بالإيجاب، تحركت من أمامه تحت أنظاره الوالهة وهو يعلم بأنّ رقتها لن تتحتمل معرفة ماضي والدتها القذر.

كان يوسف قد دخل إلى المشفى خلفهما ليقابل مديرها، مُحاولاً بشتى الوسائل الوصول إلى عليا، فأخبره المدير بصعوبة ذلك مع وجود رجال براء خارجاً وممرضة خاصة من طرفه في الداخل، إلا أنه وعده بالمحاولة لإيصال رسالةٍ مشفرة إلى عليا بنفسه فور إتاحة الفرصة، بعد أن رشاه بمبلغٍ ضخم.
خرج من مكتب المدير وهو يبتسم بزهوٍّ، وفي داخل رأسه مؤتمرات منعقدة لرسم خطةٍ متقنه للتخلص من براء وإبعاده عن طريقه نهائياً.

وصل حيث كان يقف براء برفقة أميرة، شعر بالغيرة تنهش صدره من قربهما، إلا أنه تمالك أعصابه لئلا يفسد ما يخطط له. د، بقي ينتظر حتى وصلت أميرة إليه، وضع يده خلف ظهرها ليدفعها برفق إلى الخارج ولم ينسَ بأن يسدّد نظرة انتصار صوب براء ليبرهن له مدى قربه منها.

راقبهما حتى اختفيا، تنفس الصعداء ثم استدار عائداً إلى ك عليا، ليجد بسمة قد دخلت إليها بمجرد أن غادر منذ قليل، أشار لها لتخرح مجددا، سحب كرسيه ليجلس قبالتها، كتف يديه أمام صدره وهو يرمقها بحقدٍ دفين فبادلته بأخرى لامبالية.
مرت لحظات حتى تحدث بهدوء خطر: إذاً سيدة عليا، ها قد عدتُ إليكِ لتخبرينني مالذي دفعكِ لقتل عمار؟

طالعته بتفحص جليّ قبل ان تسأله بجدية: ألم اعترف لكَ بأنني من قتله؟ لمَ تودّ معرفة الدافع خلفها؟
طالعها باستهزاء مُتحدثاً: اسمحي لي، فأنا لا أُغلقُ قضايا ناقصة، ومادمتِ اعترفتِ بجريمتك فأنا اودّ معرفة سبب قتلكِ له؟
احتدّت نظراتها وهي تسأله بتحدٍّ: وإن لم أخبرك؟
أجابها بابتسامة واثقة: أذاً فأنتي تراهنين على صبري المعدوم أساساً.

مرت لحظات كانت عليا ترمقه بنظرات غامضه، فسألته مجدداً: هل أنت مُتأكدٌ من أنك جاهز لسماع قصتي كاملة حضرة الضابط؟
همس لها بثقةٍ لاتليق إلا به: لم أكن متأكدٌ من امرٍ. يوما كما أفعل الآن، حياة.
نطق آخر كلماته باستهزاء لمسته ببراعة، لقد حاصرها
فلم يترك لها الخيار، تنهدت بعمق واعتدلت في جلستها لتسند رأسها للخلف، وقد انتوت إخباره بالحقيقة كاملةً عدا تفصيلٍ صغير اختارت أن تحتفظ به لنفسها.

نظر براء نحو جواد الذي غطّ في سبات عميق، ابتسم بخفه على منظره وقد تكور على نفسه فوق الأريكة، استقام متجهاً نحو غرفته أحضر غطاءً سميكاً ليدثره به، التقط معطفه الجلدي ليفتح باب الشرفة خارجاً ليجلس برفقة البحر، صديقه الوفي منذ عامٍ كامل.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 3 من 14 < 1 3 4 5 6 7 8 9 14 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1968 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1443 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1450 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1255 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2426 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أشلاء ،












الساعة الآن 09:03 AM