logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 3 من 14 < 1 2 3 4 5 6 7 8 14 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:12 مساءً   [13]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع عشر

- وصل إلى مكان إلقاء جثة سيمون بعد منتصف النهار، حيث تمَّ إلقاؤها بالقرب من مكبٍّ للنفايات، وضع يده على أنفه لبشاعة الرائحة التى انبعثت من المكان، قابله عادل هناك حيث قَدِمَ برفقة الطبيب جميل وعدد من رجال الشرطة.
وصل إلى حيث أُلقيتِ الجثة فهاله منظرها، نظر إلى طبيب التشريح مُتحدّثاً بعملية: أعطني تقريرك الأولي عن حالة الجثة؟

نظر إليه جميل وهو يجيبه باشمئزاز من الرائحة الكريهة: تمّ تعذيبه لساعات طويلة، حروق في أماكن كثيرة بالإضافة إلى الكثير من السحجات والكدمات وجروح كثيرة قد تجلّط الدّم عليها ويَبِسْ.
هز رأسه متفهما قبل أن يردف بجمود: ساعة الوفاة؟
أجابه جميل بعملية: نظراً لانتفاخ جسده فأنا أُرجح زمن الوفاة منذ مايقارب الأربع وعشرين ساعة.

زمّ فمه بتفكير وهو يحلّل المعطيات التي أمامه، احتسب مدّة اختفاء سيمون ليدرك أنّه تمّ اختطافه منذ خمس أيامٍ على الأقل، ومنظر الجثة يخبره كم عانى من تعذيب وجروح، إذاً مايعلمه سيمون أكثر بكثير مما يتوقع، فلم يُخطأ عندما أسماه صندوق عمار الأسود.

تحرّك مبتعداً عن مكان الجثة عندما شرع جميل ومساعديه في وضعها في كيسٍ خاص بالجثث، رنّ هاتفه من جديد ليطالع الشاشة فوجدها والدته، زفر باختناق فلم يكن في مزاجٍ جيد لسماع أسئلتها فرفضَ المكالمة، تبعه عادل متحدّثاً: ماتحليلك الأوليّ لهذه الجريمة براء؟
أجابه وهو يتأمل المكان من حوله دون النظر اليه: أظنّ أنّ قاتل سيمون هو ذاته من قتل عمار.
زوى عادل مابين حاجبيه وهو يردف باستغراب: أتقصد عليا؟ لا اعتقد ذلك!

ابتسم بخفه وهو يستدير ليقابل صديقه قائلاً: لا، بل أقصد شريك عليا في جريمتها.
أعاد نظره إلى مكان الجثة متحدّثاً بنبرة ذات مغزى: ليست مُصادفةً ابداً أن يموت عمار، ثم يُقتل مرافقه الشخصي بعد أيامٍ من التعذيب، أكادُ اجزمُ أنّ من خلف هذه العمليات يسعى خلفَ شئٍ ما، ويجب أن أعرف ماهو.
لم يعقبْ عادل على حديثه، فهو متأكدٌ ايضاً مما قاله براء، مازال الغموض هو المسيطر الأكبر على ظروف هذه الجريمة العجيبة.

كان القلق والتوتر مسيطر على منزل الطبيب محمد عادل، خاصة بعد أن رحل براء أمس ولم يعدْ للآن، حاولت زينب كثيراً أن تُهدّأ زوجها حتى هدأ أخيرا ووافقها على الراحة لينام قليلاً.

جلست في الصالة تحملُ هاتفها، تردّدت كثيراً في الاتصال ببراء حتى حسمت أمرها أخيراً واتصلت به لكنه تجاهل اتصالها، أغمضت عينيها بقوة وهي تفكر كيف تصلُ إليه، في هذه اللحظة انطلق جرس الباب، استقامت من مكانها لتفتحه لكنها لم تجدْ أحداً، استغربت الأمر وكادت تعاود الدخول إلى المنزل لولا أن لفتَ نظرها مظروفٌ صغير مرمي بجانب الباب، انحنت عليه لتحمله بتفحص لم يكتب عليه أي شئ، قلبته بيديها عدة مرات قبل أن تفتحه، ففوجئت برسالة تهديد مُقتضبة داخله، سارعت لتحمل هاتفها وصوّرت المظروف مع الرسالة، ثمّ بعثتها إلى براء.

وصلته الرسالة بينما هو في طريقه إلى سيارته ليذهب إلى مكتبه، عقد حاجبيه وهو يرى صورة مرسلة من والدته وكانت المفاجأة من نصيبه أيضاً، خاصة بعد أن قرأ نصّ الرسالة التي حملت عبارات تهديد مُوجزة لكنها كافية لبثِّ الذعر فيه خوفاً على عائلته. (( إن كنتَ ترغب ببقاء والدك المُقعد ووالدتك الطبيبة على قيد الحياة، فاتركْ القضية وابتعد، وإلا فتحمّل مسؤولية ماسيحصل لعائلتك ولك)).

لم يهمّه نفسه بل والده ووالدته، في لحظة استقلّ سيارته متجهاً إلى منزله بسرعة جنونية، و بعد ربع ساعه وصل إلى المنزل ودخل من فوره حيث تركت زينب الباب مفتوحاً، دخل إلى الصالة ليقابله وجه والدته القَلِقْ، ابتلع ريقه بوجل وهو يتفحصها بعينيه ثم اندفع إلى الداخل ليحتضنها، بادلته زينب لشعورها بالأمان بوجوده.
أخرجها من أحضانه لينظر إليها متحدّثاً بلهفة: أخبريني أمي هل أنت بخير؟ ووالدي أين هو؟

ابتسمت بخفة على لهفته فأجابته مُهدّأةً إياه: لاتقلق ولدي فنحن بخير، ووالدك نائم في غرفته.
هز رأسه متفهماً ليردف وقد وقع نظره على الطاولة الصغيرة الخشبية أمامه حيث وضعت زينب الرسالة، أخرج من جيبه منديلاً ورقياً ثمّ حملها به ليتفحصها بعينيه، تحدّث إلى والدته قائلاً: امي اجلبي لي كيساً من فضلك.

سارعت والدته لتنفيذ ماأمرها به، غابت للحظات ثم عادت لتناوله كيساً ورقيّاً تناوله منها ثمّ وضع الرسالة والمظروف داخله، استدار نحو والدته ليقول: أمي، سيحضر بعد قليل اثنان من رجالي ليقفوا بجانب الباب للحماية، أرجوكِ لاتقلقي.
كاد يخرج قبل أن تمسك بيده تتحدّث بلهفة: وأنت براء، ماذا عنك أنت؟ من سيحميك منهم؟
قابل نظراتها المتلهفة بأخرى جامدة فتابعت زينب: بالله عليك براء اتركْ هذه القضية المشؤومة أرجوك.

سحب نفساً عميقاً ثم أردف مجيباً بحزم: انا آسف أمي، لا أستطيع التخلي عن هذه القضية بالذات.
وقبل أن تضيف والدته حرفاً خرج تحت نظراتها الخائفة منه وعليه، لكنها لاتستطيع شيئاً.

هاتف عادل ليأمره بإرسال اثنين من رجاله الثقة إلى منزل عائلته دوم الإفصاحِ عن السبب، ثمّ وقف يطالع المكان بتفحّص، اتجه نحو حارس المبنى ليسأله عمّا إن كان رأى او سمع، أو حتى إن تركَ محلّ حراسته، ليخبره بأنه لم يرَ أو يسمع، لكنه غاب داخل منزله لدقائق معدودة، .
اعتقد براء أن هذه الدقائق كافية بالنسبة لمن وضع الرسالة أمام باب منزله أياً كان.

انتظر لدقائق أخرى قبل أن يصلَ رجاله، أمرهم بالبقاء إلى جانب باب منزل عائلته وعدم ترك أماكنهم تحت أي ظرفٍ كان، ثم توجه بسيارته مجدداً نحو مكتبه.

تحدّث جوادٌ مقاطعاً إياه: لم أعلم بشأن الرسالة إلا الآن!
سحب براء نفساً عميقا زفره ببطء وهو يقول: لمْ نخبرك حينها لئلا تقلق وتحضر، فتتعقد الأمور أكثر.
أومأ جواد متفهّماً، ثم نظر حوله ليكتشف أنّ الظلام قد لفّ المكان دون أن يشعرا، فابتسم ليقول بمشاكسة: ياألهي انظر، لقد حلّ الظلام وخَلي المكان من البشر فلم يبقَ سوانا!

بادله براء بابتسامة مقتضبة، ثمّ استقام من مكانه ليخرج من المقهى يتبعه جواد، وصلا المبنى حيث منزل عائلته، لكنه رفض الدخول فاختار الهرب إلى منفاه الاختياري، تاركاً جواد ينظر في أثره مفكرا كم عانى براء ومايزال.

عادت أميرة إلى منزلها قبل عودة هاني زوج شادية، رغم إلحاح الأخيرة عليها بالبقاء إلا أنها لم تُحبذ أمر لقاء هاني، على الرغم من أنها لم تعرف عنه مايُشين.

صنعت لنفسها بعض الفطائر السريعه فهي ليست من هواة الطبخ، وجلست تتناولها بينما تتفحص حاسوبها المحمول، لفتَ انتباهها عدة رسائل من محامي والدها القديم ليخبرها بضرورة أن تهاتفه لأمرٍ هام، وهي تعلم مايريد، لقد عرضتْ كلّ أملاك والدها للبيع منذ سنة، ومن بينها القصر والشركة، لكنّ المحامي رفض موافقتها على بيع الشركة، فهناك آلاف العوائل التي تعيش بسببها.

وأيضاً وجدت رسائل من محاميها الخاص يبلغها بآخر تطورات عقدها مع دار النشر، حيث طلبت الدار إصدار جزءٍ ثانٍ من رواية دفءْ، والتي كتبتها هي منذ مايقارب الثلاثة أشهر وحققتْ أعلى مبيعات الدار.

شردت لثوان في تلك الإحصاءات التي أرسلها إليها محاميها لترى مدى نجاح تلك الرواية، تجاوز مبيعاتها المليون ونصف المليون نسخة منذ إصدارها، ومازال الإقبال عليها كثيفاً، لم يكن يهمها المال يوماً ولا الشهرة، هي كانت تكتب فقط لتنفس ذلك الألم المكبوت داخلها، وجدت نفسها وبعد إلحاحٍ من طبيبتها السابقة تتوجه للتعاقد مع إحدى دور النشر فنشرت رواية واحدة، وكانت اعتزمت ألا تعيد الكرّة، لكنها وجدت نفسها تكتب مراراً وتنشر من جديد حتى تجاوز عد الروايات التي كتبتها التسع روايات خلال سنتين ونصف تقريباً، وجميعهن حققنَ مبيعات عالية وشهرة واسعه، ولكن ظلّت شخصيتها الحقيقية مجهولة للكثيرين، فلم يعرفها أحدهم سوى باسم (( بتلة الياسمين)).

كذلك وجدت رسالة من ملك ترجوها بأن تكلّمها، اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقرأ سطور رسالة صديقتها المقربة، مازالت تذكر كيف أثرت ملك على حياتها بالإيجاب، لكنها لن تستطيع أن تحادثها مجددا، فلا تريد أي صلةٍ لها بالماضي الذي تجاهد لأن تنساه.

أغلقت حاسوبها دون أن تردّ على أحدهم، وقعت عينها على أوراق قصتها فتسائلت في سرّها ترى هل وصلت رواياتي إلى لبنان؟ هل قرأها وعرف أنني من كتبتها؟ هل كان فخوراً بي أم أنه حمل ضغينةً تجاهي وقام بنسياني؟ آهٍ ليته يفعل وينسني ليستطيع أن يعود إلى حياته القديمة..

أغمضت عينيها بقوة وهي تضع يدها على رأسها لاتريد أن تفكر ولا يجب أن تفعل، تنفست بعمق لعدة لحظات تحاول ألا تبكي، كم هي مريرةٌ تلكَ الذكريات، إلى متى سأظلّ حبيستها، إلى متى؟!

صوت الأمواج المتلاحقة وكأنها تشاطره همومه وحاله، عيناه تأبى الإنصياع لسلطان النوم كالعادة، ذكرياته التي باتت تؤرقه وتلهب حواسّه، اعتاد براء عليها وكأنها شريكته في كلّ ليلة، مذ أن قدّم على إجازة من عمله منذ سنة وهو على هذه الحال، حاول كثيراً منذ أن رحلت أن يعود من جديد وينخرط في عالم التحقيق والجرائم لكنه لم يُفلح.

كان يحلُّ الغاز الجرائم خلال مدةٍ قصيرةٍ للغاية، كان يدفن نفسه بالتفكير فيها كي ينساها، ولكنه كان كمن يجري وراء سراب دوحة النعيم في صحراءٍ جرداء.
كان يراها في كلّ شئ وأي شئ، لم تغبْ عن باله لحظةً واحدة وهي الحاضرة الغائبة، هي الداء والدواء، هي الحياة والممات.

تعب من التظاهر بالنوم فاستقام من فراشه متجهاً نحو شرفته، ليشاطر أمواج البحر بعضاً من آلامه علّها تأخذها بعيداً عنه، جلس على كرسيّه وهو يتأمل ظلام البحر الدّامس كم كان مشابهاً لذاك الظلام داخله.
لا يعلم متى ولكنه استفاق من تفكيره على صوت جرس الباب، ليفطن لتوّه أن النهار قد أطلّ دون أن يشعر، رفع رأسه للسماء ليرى الغيوم السوداء تتجمع وتهدد بالهطول.

توجه ليفتح الباب لاعتقاده بأنها مدبرة منزله، والتي تحضر صباح كلّ يومٍ لتنظف وترحل، لكنه تفاجأ بجواد يقف أمام بابه ويبتسم ببشاشة، استغرب من حضوره في هذا الوقت المبكر فسأله بدهشة: جواد! مالذي جاء بك في هذا الوقت؟! و كيف علِمتَ عنوان منزلي أصلاً؟!
اتسعت ابتسامة جواد وهو يخبره: مابك سيادة الضابط؟ أعطني مجالاً للدخول أولاً.

رفرف براء بعينيه وهو ينظر بجواد الذي دخل للمنزل وهو يضيف: أولا عرفتُ عنوان منزلك من والدتي، ثانياً.
قطع حديثه وقد وصل إلى الشرفة ليجلس على كرسي ما ثم تابع: أتيتُ إليك لأنني خمنتُ أنك لم تنم.
ثم زمّ فمه متظاهراً بالتفكير لثانية وهو يتأمل ملامح براء المُتعبة، قبل أن يضيف: وكما أرى فقد كنت على حق.
تنهد براء بتعب وهو يسير نحوه ليجلس قبالته، قبل أن يسمع سؤال شقيقه التالي: لم تنم، أليس كذلك؟

دفن وجهه في راحتيه يوفر بتعبٍ شديد وهو يشير برأسه نافيا، ربت جواد على فخذه قائلاً: لقد اخبرتكُ سابقاً براء، دع ذكرياتك تتسلسلُ لوحدها، لا تتعب نفسك في التفكير.
ثم أردف وهو ينحني بجذعه نحوه: التفكير يستهلك طاقتك العقلية والجسدية، ويتسبب بإرهاقك جسدياً ونفسياً.

أغمض براء عينيه وهو يعيد رأسه للخلف قائلاً: لا استطيع جواد، احياناً اشعر أن عقلي يعمل بشكلٍ منفصل عن جسدي، لاأستطيع التوقف عن التفكير وذكرياتي تزيد الأمر سوءاً.
قطب جواد حاجبيه متحدّثاً: إذاً هيا، اذهب لتبدل ثيابك لنخرج.
استدار براء نحوه و هو عاقدٌ حاجبيه بعدم فهم فأضاف جواد: هيا، سأدعوك لنتناول بعض السحلب، الجوُّ باردٌ وهذا انسب وقت لشربه، هيا.

يعلم براء أنها حجةٌ من جواد ليخرجه من عزلته ودفعه للحديث، تنهد بقلة حيلة ثم استقام متوجهاً نحو غرفته الخاصة، خرج بعد قليل وهو يلبس ملابسه الشبابية والتي زادته جاذبيةً، خرجا معاً من المنزل متجهان إلى إحدى العربات المتوقفة على جانب الطريق، حيث حصلا على بعض ( السحلب ) ثم جلسا على مقعدٍ خشبي قريب من البحر.

بقيا على حالة الصمت ولم يردْ جواد أن يضغط عليه ليتكلم، اكتفى بإخراج آلة التسجيل أمامه هذه المرة، حتى قطعه براء متحدّثاً: لم احتجْ الكثير لأتأكد من أمرٍ هام، أنّ من قتل سيمون هو ذاته من بعث رسالة التهديد إلى منزلي، ومعنى ذلك أنني امشي على الطريق الصحيح لاكتشاف من خلف هذه الجرائم.

Flash Back.
عاد براء إلى مكتبه واستدعى عادل على الفور، سلّمه رسالة التهديد ليفحصها علّه يجدْ عليها أي آثار أو بصمات تساعده، رغم تيقنه من صعوبة الأمر لكن فليحاول.
وقف عادل أمامه متردداً وكأنه يخشى بأن يخبره بأمرٍ ما، وقد قرأ براء بذكائه هذا فتحدّث محاولاً دفع صديقه للكلام: مالأمر عادل، مالذي تخفيه عني؟

تنحنح عادل بحرج ليقول: المديرُ عيّن شخصاً جديداً ليأخذ مكانك في التحقيق، وقدْ عرفتُ أنه سيحضر إليك قريباً لتخبره بكافة تفاصيل القضية، لكننا لم نعرف من هو بعد.
قطب براء جبينه وهو يحاول التفكير في اسم الشخص الذي حلّ محلّه، بينما هما هكذا طُرِقَ باب مكتبه، ليظهر من خلفه شابٌ ذو ملامح رجولية بشوشة وطول فارع وبشرة سمراء عربية، صاحَ بهما: هل لي أن أدخل أيها السيّدان؟

ظهرت تعابير الدهشة والصدمة في آن على وجهيهما وهما يريان ( سمير) صديقهما القديم في الجامعة لأربع سنواتٍ وقدْ ظهر أمامهما، لم يكن براء يحتاج للكثير من التفكير، ابتسم بمكر وقد علم أنّ صديقه القديم هو من سيأخذ القضية مكانه.

حلّ الليل على قصر والد أميرة وهي ماتزال جالسةً في مكتب والدها برفقة محاميه الخاص، كان يساعدها في فهم تلك الأوراق أمامها والتي جلبتها ملك صباحاً، انتهى اجتماعهما بتوقيعها الأوراق ثم انصراف المحامي، خرجت من المكتب وهي تفركُ جبينها بتعبٍ شديد.
صادفت يوسف في طريقها ورغم مُحاولتها التهرب منه لكنه لم يسمح لها، فوقف أمامها متحدّثاً بعتاب: لمَ تهربين مني أميرة؟

ازدردت ريقها بتوتر وهي تجيبه بتقطع: لستُ أهربُ منكَ، لكنني متعبة للغاية.
رغم تيقنه من كذبتها لكنه حاول الابتسام وهو يقول: لقد دعوتك أمس للخروج ولم تسنح لنا الفرصة، مارأيك أن نخرج الآن؟
كادت أن ترفض، لكنها فعلاً بحاجةٍ إلى الخروج قليلاً علّها تُصفّي ذهنها، أماءت له بالإيجاب ثم استأذنت لتبدل ثيابها.
ماإن اختفت أميرة من أمامه حتى بعث برسالةٍ إلى أحد رجاله بأن يُنفذ أوامره ماإن يخرج برفقة أميرة.

بعد وقتٍ قليل كان يوسف ينتظرها في سيارته خارج القصر، وأحد رجاله يقف بالقرب منه ليتأكد من خروجهما سوياً، نزلت أميرة وقد تأنقت بملابس سوداء أنيقة، طالعها يوسف بنظرات متفحصه عاشقة، جلست بجانبه ثم انطلق بسيارته الحديثة، وما إن تأكد الرجل من مغادرتهما حتى دلف إلى المنزل مسرعاً.

وصل الرجل إلى المطبخ من فوره، ثم أمر الخدم جميعاً بالذهاب إلى غرفهم بحجة قدوم الشرطة ليتابعوا التحقيق وانهم سيفتشوا غرف الخدم، وأمرهم بعدم الخروج تحت أي سبب كان.

ورغم تأفف بعض الخدم الا إنهم نفذوا الأوامر حرفيا، لبث الرجل قليلا حتى تأكد من رحيل الجميع، أخرج كأس عصير برتقال محضر سابقا من الثلاجة، وضع فيه قرصين من المنوم حركه جيداً حتى ذاب، ثم تناول وعاءً وضع فيه طبقاً به بعض الطعام، وضع هاتفه على وضعية الصامت لئلا ينطلق رنينه فيشعر به أحد رجال الأمن خارجاً، ثم اتجه إلى غرفة عمار حيث تواجد حارس فرزه براء خصيصاً لمنع أحد من الدخول إليها.

وصل رجل يوسف إلى الحارس، حيث أخبره بأنه قد أشفق عليه فجلب له بعض الطعام والعصير، ماإن تأكد من شرب الحارس العصير وغطه في نومٍ عميق، حتى دلف إلى الغرفة ليبحث عن حقيبة ما.
في هذه الأثناء وبُعيد مغادرتهما القصر، تذكرت أميرة أنها نسيت هاتفها في غرفتها، فأرغمت يوسف على العودة بعد إلحاحٍ عظيم منها.

نزلت مسرعةً من السيارة لتصعد إلى غرفتها، فحاول يوسف الاتصال برجله ليخبره بتأجيل العملية لكنه لم يجبْ على اتصاله، فاضطر أن ينزل مسرعاً ليتبع أميرة للأعلى.
دلفت أميرة إلى القصر مسرعةً، صعدت الدرج المؤدي إلى غرفتها لكنها توقفت فجأة أمام غرفة والدها حيث قتل، فوجدت الحارس يغطُّ في نومٍ عميق، ووجدت الباب مفتوحاً قليلاً.

اقتربت حتى لمحت رجلاً ما من شقِّ الباب، وهو يبحث في غرفة والدها عن شئٍ ما، عادت للخلف وهي تكتم شهقةً فلتت من حلقها، لكنها اصطدمت بالأواني التي جلب بها الرجل للحارس الطعام والعصير، وقعت الأواني على الأرض فأحدثت صوتاً مسموعاً، انتبه إليها الرجل فاندفع هارباً من باب الغرفة بأقصى سرعته.

خافت أميرة لظنها بأنه سيؤذيها فصرخت في نفس لحظة دخول يوسف إلى البهوّ الكبير، صعد الدرجات مسرعاً فصادف نزول الرجل مسرعاً من الأعلى، بانت ملامح الخوف على وجه الرجل وتقاسيم وجه يوسف لا تُبشر بالخير مطلقاً.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:12 مساءً   [14]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الخامس عشر

وكالعادة لم يخذله حدسه، فقد قام مدير جهاز الأمن فعلاً بتعيين سمير بديلاً له لمتابعة التحقيق في قضية مقتل عمار، بعد انتقاله من قسم مكافحة التهريب على الحدود بين سوريا ولبنان، دون علمه بأنهما على صلة وثيقة مسبقاً.
بعد أن صافح سمير صديقيه، استأذن عادل ليخرج متجهاً نحو المعمل الجنائي علّه يحصل على أي من الآثار أو البصمات المفيدة.

أسند سمير ظهره للخلف مسائلاً بجدية: والآن هلّا تكرّمت عليّ سيادة الضابط فتخبرني مالقصة؟ ماهي هذه القضية؟ ولماذا تمّ استبدالك؟
شبك براء يديه ببعضهما ثم اسندهما فوق الطاولة ليتحدث: عمار الفايد، رجل أعمال معروف قُتِلَ في منزله وقد قبضنا على القاتلة، وأيضاً اعترفت جريمتها.
بانت الدهشة على ملامح سمير ليهمس: قاتلة؟
اكتفى براء بإيماءةٍ بسيطة، اعتدل سمير في جلسته ثم تحدّث: السلاح؟

- أجابه ببرود: تعود ملكيته للضحية، ولا بصمات سوى بصماته.
- الدافع؟
- لم نعرفه بعد.
صمت سمير لثانية قبل أن يضيف: إذاً فالقضية منتهية، أليس كذلك؟
عقد حاجبيه وزمّ فمه وهو يحرك رأسه للجانبين نافيا، ثم أخبره بجدية: لا سمير، فالقاتلة لديها شركاء.
تسائل سمير وهو يمعنُ النظر في ملامح براء الجادة: وكيف علمت؟ هل أخبرتك بهذا؟
- اجاب بدون تردد: لا، لقد قدّرتُ هذا.

وقبل أن يسأله مجددا أضاف: لقد تمّ خطف مرافق عمار الشخصي وقتله بعد عدة أيام من التعذيب.
رمش سمير مندهشاً، ليردف براء: وأيضاً قاموا بإرسال رسالة تهديد إلى منزلي.
عقد سمير حاجبيه بعدم فهم، ثم فتح براء أحد الأدراج أمامه وأخرج منها ملف القضية ليرميه أمامه متحدّثاً: خذ واقرأ هذا، ثم تابع اسئلتك.

التقط سمير الملف ثم شرع في قراءته، بينما استقام براء من مكانه، وقف أمام النافذة الزجاجية في مكتبه مراقباً الازدحام، بعد ثوانٍ تحدث بشرود: هناك أمرٌ مريب للغاية سمير، عليا هي مربية ابنة الضحية، وايضاً والدتها الحقيقية، لذا هي لديها دافع قوي لئلا تعترف عليهم، فلربما هددوها بأذيتها.

صمت لثانية قبل أن يضيف: ولكن شركاؤها يرفضون التخلي عنها رغم ذلك، أعتقد أنهم خائفون ومني تحديداً، وأكبر دليل هو سعيهم لإقصائي عن التحقيق عندما شعروا بأنني أشكل خطراً عليهم، وأيضا قاموا بتهديد عائلتي.
كان سمير يستمع إليه فسأله باستفسار: ماذا تقصد؟
ظلّ لثوان طويلة صامت، قبل أن يجيبه: انا امشي على الطريق الصحيح لاكتشاف شركاء القاتلة، لهذا هددوني.

ساد الصمت من جديد بينما كان سمير يقرأ الملف وشهادات الجميع في القصر، حتى لفت انتباهه أمرٌ ما، فسأل براء: حسنا، مكتوب هنا أنك توصلت للطريقة التي دخلت بها القاتلة الى القصر لترتكب جريمتها، لكن لمَ لمْ تطلب رفع البصمات عن الباب؟ لربما كنت توصلت لأحد شركائها؟

استدار براء نحوه و هو يجيبه بكلّ ثقة: لن نجد شيئاً مفيدا صدقني، فمن استطاع أن يخفي طريقة دخوله بهذه البراعة، لن يترك خلفه أي دليل مهما كان صغيراً.
طالعه سمير بإعجاب واضح في مقلتيه مردفاً: لكنك توصلت إلى القاتلة في ظرف يومين، أليس كذلك؟
طالعه براء بشرود وهو يومئ برأسه إيجابا، وقبل أن يكمل تساؤلاته حول القضية دخلت سلاف بعد أن طرقت الباب، لتتحدث إلى براء باستعجال: سيدي، لقد اقتحم أحدهم مسرح الجريمة.

كانت ماتزال تنتفض بارتجافة عنيفة وهي تحاوط جسدها بيديها، بينما وقف يوسف أمام رجال الأمن والخدم وهو يوبخهم بصوتٍ عالٍ وغضبٍ حقيقي، وعندما أنهى ماكان يفعل اقترب منها ليجلس بقربها، ثم حاوطها بذراعيه وهو يقربها إليه ويمسح على شعرها مُتحدّثاً بصدق: اششش، اهدئي صغيرتي لا عليك.

في هذه الأثناء دخل براء الذي كان يبحث عنها وفي عينيه لهفةٌ حقيقية، لكنه ماإن رآها في أحضان يوسف توقف ليتذكر بأن لا أحد يعلم الحقيقة، ولهفته تلك قد تفسد الأمور، فرسم الجمود على وجهه وهو يقترب منهما حتى أصبح قبالتهما يتبعه سمير، ليتحدث: هلّ لي أن أعرف ماالذي حدث بالتفصيل؟

لاتعرف لما شعرت بالأمان بمجرد أن سمعت صوته، رفعت رأسها لتطالعه بعينيها الباكيتين، جلس إلى جوارها تحت أنظار يوسف المتفحصة، أعاد سؤاله عليها لتبدأ بسرد ماحدث بالتفصيل.
استجوب سمير رجال الأمن وايضاً قام بإفراغ أشرطة المراقبة، ليعلم أنّ الفاعل كان من أعضاء طاقم الحراسه الخاص بالقصر، وقد هرب من الباب السرّي.

دلف كلاً من براء وسمير إلى غرفة عمار حيث قتل، تسائل سمير وهو يجول بعينيه على محتويات الغرفة: عمّا كان يبحث هذا الرجل باعتقادك؟
رفع براء رأسه بكبرياء وهو يتفحص الخزانة الصغيرة بجانب السرير والتي كانت مفتوحة وفريق مختص من المعمل الجنائي يعمل على رفع أي بصمات متواجدة، ثمّ تحدث قائلاً: لا أعلم ولكنك الآن تأكدتَ أنّ لعليا شركاء، وهم يبحثون عن امرٍ ما.

خرج ليقف أمام الباب، ليعاوده من جديد شعور بأن أحدهم يراقبه، التفت حوله بريبة، لا شئ غريب، الممرّ خالٍ ولا أحد هنا، وهناك لوحتان قد وضعتا على جانبي الباب، ضيق عينيه بتركيز، لمَ يشعر بأنه يُغفلُ أمراً هاماَ؟
قَدِمَ سمير إليه متحدّثاً باستغراب: مابكَ براء؟ مالأمر؟
تنهد براء و هو يلتفت نحوه بجسده مجيباً: لا أعلم سمير، ولكنني دائماً ما أشعر بأنني أُفوّت شيئا ما كلّما حضرت إلى الغرفة؟

عاد إلى الداخل وهو يأمر الفريق المتواجد فيها بالبحث في أركان الغرفة عن أية مستندات أو أوراق او أي شئ قد يريده مَن ولج إلى الغرفة.
وأيضا بدأ البحث هو وسمير، في خزانات الثياب وفي الأدراج وتحت السرير، قلبوا الغرفة رأسا على عقب، لكنهم لم يجدوا شيئاً، ثم صعد إلى غرفة عليا، وايضاً لا شئ مفيد.

بينما كان يوسف مازال يحاول تهدأة أميرة، لكنه كان متوتراً بشكل أثار استغرابها، فسألته برقة: مابك يوسف، لمَ أنت متوترٌ هكذا؟
انتبه لها فتنحنح بحرج محاولاً الابتسام قائلا بنبرة مُهتزّة: لا شئ عزيزتي.
ثم تحولت نظراته للمكر مصطنعاً القلق عليها متابعاً: لكنني كنت أتسائل متى ستعودين إلى جامعتك؟

استغربت من سؤاله الذي بدا فعلاً في غير محلّه، عقدت حاجبيها وهي تسأله بنزق: وهل هذا هو الوقت المناسب لهكذا سؤال جو،؟
تصنع الابتسام مجيباً: مااقصده أنكِ يجب أن تخرجي من قوقعة حزنك اميرة، فقط.
ورغم عدم اقتناعها بما قال، إلا أنها اشاحت بوجهها عنه وهي تشير بيدها: قريبا.

خرج القصر دون أن يجد شيئاً مفيدا، ولكن مازال يراوده ذاك الشعور بأن هناك حلقة مفقودة، وإجابته سيجدها لديها، ولكن كيف وقد تمّ إبعاده؟
انتبه على يد سمير وهو يربت على كتفه مقاطعاً شروده بقوله: أخبرني براء، هل تعرفت إلى جوزيف ناصر؟
انتبه براء إلى صديقه، فالتفت إليه ليقابله بجسده قائلاً باستغراب: ماذا تقصد بقولك سمير؟

أجابه وهو يضع كلتا يديه في جيبه: جوزيف ناصر رجل أعمال مغترب، وُلِدَ خارج لبنان وتحديداً أمريكا، من أمّ أمريكية ووالد لبناني، صاحب عدة شركات لتصنيع الأدوات والأجهزة الإلكترونية والإتصالات.
قاطعه براء متسائلا بملل: وماهمّي بتاريخه سمير؟ اقصد مالذي سيفيدني حديثك؟

ابتسم سمير بخفة مجيباً: دعني أتابع حديثي براء، يوسف أو ( جو) ذو علاقات متينة مع عدد من رجالات السياسة وصانعي القرار هنا، وايضاً له اليد الطولى في عدد كبير من المشاريع الخيرية هنا.
.

لفتت انتباهه كلمات سمير الأخيرة، أيعقل أن يكون له يدٌ في تنحيته عن القضية؟، وهو اصلا لم تعجبه نظرات يوسف ولا هيئته منذ أن قابله للمرة الأولى، لكنه مايزال على يقين من أن عليا تملك الإجابات على جميع تساؤلاته، طالع صديقه بغموض للحظة قبل أن يتحدث: سمير، احتاج إلى مساعدتك.

كان الوقت متأخرا للغاية، فالساعة قد تجاوزت الثالثة صباحا عندما خرج يوسف من القصر مُغادراً بعد تأكده من نوم أميرة، اتجه نحو شقةٍ صغيرة كان قد استأجرها سابقاً ولكن ليس ليمكث فيها.
دلف إلى الشقة فقابله رجل ما ضخم الجثة، فسأله يوسف بغموض: هل قمتم بالواجب معه؟

اماء الرجل بالإيجاب وابتسامة شريرة ارتسمت على شفتيه، تابع مسيره حتى ولج إلى غرفة صغيرة، وهناك خلف الباب الحديدي كان يقبع ذاك الرجل الذي دخل إلى غرفة عمار قبلاً.
كان الرجل يجلس على كرسيّ حديدي صَدِأ مكبلُ اليدين، وقد رُبِطت قدماه إلى قاعدتي الكرسي من الاسفل، وجهه كان مُدمىً، وقف يوسف على مدخل الغرفة، واضعاً يديه في جيبه بلا مبالاة، ثم شرد فيما حدث منذ ساعات.

Flash Back.
جزّ يوسف على أسنانه غيظاً وحُنقاً من غباء حازم، فلم يكتفي بعدم استجابته على الهاتف، بل أخاف اميرته وايضا تسبب في صراخها، وماهي إلا ثوان حتى يجتمع قاطني القصر على صوتها.

زمجر من بين أسنانه ليقول للرجل بغضب مكتوم، فصرّ على أسنانه ليأمره بالعودة إلى الشقة التي استأجرها هو بنفسه لأجل يوسف وأخبره بأن يخرج من الباب السري المتواجد خلف إحدى الأشجار في الحديقة، هرول حازم بسرعة حتى خرج من حيث أمره سيده، فرفع يوسف هاتفه ليبعث برسالة قصيرة لكنها مفهومه لمن سيقرأ(( لقد آتاكم حازم، احترقت ورقته فقوموا بالتنظيف )).

ثم تابع صعوده مهرولاً نحو أميرة التي كانت تبكي بخوف، وما إن وصل حتى اجتمع الخدم ورجال الأمن على صوتها.
End of
Flash Back.
عاد يوسف من شروده على صوت الرجل المنادي بتوسل وهو يلهث من شده الضرب: أرجوك سيدي، سامحني هذه المرة فقط، أرجوك سيدي.

طالعه بغموض لثانية، وفي اللحظة التالية انشقّ ثغره عن ابتسامةٍ قاسية وتحولت ملامحه إلى السواد وكأنه قادم من قاع الجحيم، مدّ يده للجانب فقام أحد رجاله بوضع مسدس فيها، قبض عليه ومشى نحو الرجل ببطء، لم يكترث لصراخه ولا توسلاته، بل وضع المسدس على جبينه ببرود شديد، ثم أطلق عليه رصاصة واحدة جعلت دماغه يتناثر على الحائط خلفه.

استدار مجددا ليخرج من غرفة التعذيب تلك، ناوله الرجل الذي أعطاه المسدس منشفة مبتلّة، واخذ منه المسدس ووقف باحترام بانتظار أوامره، تحدّث ببرود وهو يمسح يديه بالمنشفة: أرسل إلى الضابط خيطاً يُمكنه من الوصول إلى حازم، واحرص أن يصل إليه بسرعة.
أومأ الرجل باحترام موافقاً، تابع يوسف خروجه من المنزل، صعد إلى سيارته وعاد إلى القصر وكأنه لم يفعل شيئا، وكأن الرجل الذي قتله كان مجرد فأر حقل وجده على الطريق.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:14 مساءً   [15]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس عشر

لليلة الثانية لم يعد إلى منزله، أرسل أحد رجاله ليجلب له بعض الملابس النظيفة، بينما قضى هو أغلب ليلته يحاول إقناع سمير بجعله يتابع التحقيق مع عليا دون أن يخبره بالسبب الحقيقي وراء إصراره، وقد وافق أخيرا وبعد طول معاناة.
دلف مكتبه وهو يخلع سترته ليرميها على الأريكة بإهمال، ثم توسّد الأريكة الثانية وهو يشعر بالتعب يحتلّ أضلاعه.

تذكر الآن أنه لم يتناول شيئا منذ يومين كاملين، تطلع إلى ساعة يده ذات الماركة العالمية، إنها الرابعة والنصف صباحاً، اين يمكنه إيجاد مطعمٍ ما ليستقبله في هذا الوقت؟

زفر بضيق وهو يغمض عينيه، وصداع قاتل يفتك برأسه، انتبه فجأةً على رائحةٍ زكية اخترقت أنفه لتحفز كلّ حواسه، اعتدل في جلسته تزامناً مع طرقات خفيفه على الباب، اتبعها دخول ( مؤيد) أحد رجاله وهو يحمل في يده كيسين كبيرين، أدى مؤيد التحية العسكرية، ثم أردف قائلاً باحترام وهو يشير إلى أحد الاكياس: سيدي، هذه الملابس النظيفة.

ثم تابع مشيراً إلى الكيس الآخر الذي تنبعث منه روائح مختلطة لكنها زكية للغاية: وفي هذا الكيس أرسلت لك السيدة زينب بعض الطعام، وتخبرك بأن تتناوله كله.
اشار له بان يضع الاكياس على الطاولة أمامه ثم الانصراف، ماان سمع صوت إغلاق الباب حتى فتح كيس الطعام بلهفة، وجده طبقه المفضل بالإضافة لبعض الحلوى، وعبوة كبيرة مليئة بالعصير، ابتسم بصدق على اهتمام زينب به، كما لو أنه ولدها حقيقةً.

بعد أن تناول طعامه، وبالفعل أنهاه كله، استقام من مكانه متجهاً نحو الحمام الملحق بمكتبه، اخذ حماما سريعاً ثم ارتدى ملابسه النظيفة ليرمي بثقله فوق الأريكة، تناول الملف الخاص بماضي عليا، والذي جلبته سلاف سابقاً.

لا شئ مريب البتة، كانت عليا تعيش حياة عادية مع والدين ثريين نسبياً، ولها شقيق واحد من والدتها لم يُذكر عنه الكثير، توفي والديها بشكل طبيعي، وبعد فترة قصيرة اختفى اخاها دون أي آثر، وبعد فترةٍ وجيزة باعت كل ماورثته عن والديها وسافرت وحيدة عندما كانت تبلغ من العمر ثماني عشرة عاماً، واختفت نهائيا بعدها.

وقف براء على شاطئ البحر يراقب غروب الشمس، وقد شكل لون الأزرق البحري مع شفق الغروب منظرا بديعا، بينما هو هكذا شعر بحركة خفيفة خلفه، ابتسم برقة عندما حاوطت أميرة خصره بيديها، أسندت خدها بظهره وهو تتمتم: أحبك.
استدار نحوها ليبادلها العناق، ولكنها اختفت فجأة.
انتفض بخفه بعد هذا الحلم الغريب، أو ربما لم يكن حلما، فقط عقله الباطني يظهر له حقيقة ما يفكر به!

مسح على شعره ثم نظر للساعة ليجدها تجاوزت السابعة والنصف بقليل، تنهد بخفه مالبث أن عاد الابتسام بعدما تذكر هذا الحلم العجيب.

دلف عادل إلى قسم التشريح ليحادث الطبيب، ليجد جميلاً وقد توسد أحد الأسرّة الخاصة بالتشريح ويغطّ في نوم عميق وهو يفتح فمه بطريقه مضحكة، وصوت شخيره العالي قد وصل إلى آخر الرواق.
طالعه عادل بعدم رضا، تقدّم نحوه عدّة خطوات حتى تسمر مكانه وقد اتسعت عينيه بذهول، عندما وجد جثة سيمون على السرير المجاور، بدأ بضرب وجه جميل بخفة محاولا إيقاظه، وهو يهتف باشمئزاز: جميل هيا استيقظ، جميل.

لكن جميلاً لم يستفق، بل همهم بكلمات غير مفهومة وهو يبعد وجهه عن عادل، نفخ بضيق ثم مالبث أن التمعت عينيه بوميض خبيث، اقترب منه بخفة ثم صرخ في أذنه: جميل، لقد جاء براء!
انتفض جميل واقفاً على الأرض خلال ثانية واحدة، وهو يؤدي التحية العسكرية صارخاً بصوته الناعس بلهفة وسرعة: نعم نعم سيدي، انا مستيقظ انا...

بتر جملته عندما لاحظ عادل الذي دخل في وصلة من الضحك على منظر جميل المُشعث، ليستوعب لتوّه أن الأمر برمته مقلب من عادل.
التقط أنفاسه الهاربة ليتحدث بلوم: أتوقظني بهذه الطريقة عادل؟ ألم تخف من أن يتوقف قلبي لأموت؟
سكت عادل فجأة فردّ عليه بدهشة جليّة وعيون متسعة: أخبرني من يملك قلباً بشرياً وينام بهذه الأريحية بجانب...
قطع كلماته لثانية قبل أن يضيف باشمئزاز: بجانب جثةٍ مفتوحة؟!

عدّل جميل من هندامه ثم توجه نحو الحمام الملحق ليغسل وجهه وهو يتمتم: وهل أخبرك أحدهم انني مصاص دماء ام آكل لحوم البشر؟
ثم وقف أمام عادل وهو يمسح يديه بمحارم ورقية مضيفاً: أنا إنسان عزيزي، أي أنني بشر، أي أنني احتاج للراحة والنوم اللذان حُرِمنا منهما مُذ أصبحنا في فريق السيد براء.
ثم تابع بسخط ممزوج ببعض التهكم: آكل لحوم البشر!

اتّسعت عينا عادل حتى كادتا تخرجان من محجريهما وهو ينظر إلى نقطة ما خلف جميل، فاستبقه الأخير قائلاً باستهزاء: لا لن تخدعني هذه المرة عادل، لن أصدق أن براء يقف خلفي الآن.
ليأتيه صوت براء الجهوري الذي جعل الدماء تهرب من جسده كأنها تبخرت: كأنني سمعتُ اسمي في معرض حديثك حضرة الطبيب؟

تجمد جميل وقد عَلِمَ أن براء قد سمعه وهو يقف خلفه الآن، ازدرد ريقه بارتباك وهو يستدير نحوه ببطء شديد ليغمغم مُعتذراً: سسسيدي ااانا آسف لم اقصد الإساءة...
قاطعه براء برفع يده في وجهه متحدثاً بجمود: لا أريد سماع أعذارٍ، ولا يهمني رأيك فيّ أيها الطبيب، أريد فقط أن أعلم كيف تمّ قتلُ سيمون؟
أومأ الطبيب برأسه، ثم ضبط نبرة صوته ليتحدث برسمية: حقيقة سيدي سيمون لم يُقتلْ حرفيّاً، بل مات تحت التعذيب.

دُهش عادل مما سمع، بينما براء وجهه جامد الملامح لا يُقرأ، أضاف جميل وهو يتجه نحو جثة سيمون الملقية على سرير خاص: لقد تمّ تعذيبه بالحرق والغرق وأيضا بالكهرباء، والتي تسببت في توقف قلبه، ولكنني وجدتُ أمراً ما أعتقد أنك يجب أن تراه.
توجه براء نحو جميل الذي رفع ذراع سيمون، ليظهر على عضده وشما غريباً، افعى كوبرا ترفع ثلث جسدها تقريباً وتتخذ وضعية الهجوم، بينما عقفت ذيلها على شكل دائرة.

تفحصه براء باهتمام بالغ، ثم أخرج هاتفه ليلتقط بعض الصور للوشم الغريب، ثم استدار نحو عادل ليسأله بغتةً: أخبرني عادل، هل وجدت شيئا مفيدا في رسالة التهديد امس؟
أجابه عادل بعملية جادة: لا ابدا براء، البصمات الوحيدة التي وجدناها كانت لوالدتك فقط.
هز رأسه متفهما، ثم خرج من المكان بأكمله دون أن يضيف حرفاً آخر.
تنفس جميل الصعداء بعد مغادرة براء، دون أن يفتك به هذه المرة.

لم تكن في مزاج رائق للخروج، لكنها الآن تتجول بين محلات الثياب بمللٍ شديد، بعد أن اجبرها يوسف على الخروج معه للتسوق فلم ترد أن تحزنه، لكنها كانت شاردة وتكاد لاترى أمامها.
كان يوسف يتجول بين المحلات وهو ينظر إلى البضائع المعروضة على واجهات المحالّ، ويقبض على يدها بحماية وملكية، كأنه يُخبر الجميع بأن أميرة تخصه لوحده.

وقف يوسف فجأةً أمام محلّ ما، تأمله قليلا قبل أن يلتفت نحو أميرة يسألها: ما رأيك في هذا الفستان اميرة؟
التفتت إلى حيث اشار، فكان الفستان قصيراً وذو اكتافٍ ساقطة، رفعت كتفيها بلا مبالاة، ثم ولجا إلى المحل ليطلب يوسف فستانا مشابها باللون الأحمر، وأيضا طلب حقيبة وحذاء باللون ذاته.
استغربت أميرة لتسأله: لمَ تطلب أن تكون الأشياء باللون الأحمر؟

تطلع إليها بغموض ثم ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيه قائلاً بغموض: أحب اللون الأحمر.

توقفت أميرة عند هذا الحد، ساد الصمت للحظات لم تحبذ شادية قطعه، حتى فعلت أميرة وهي تستقيم من مكانها قائلة بتعب: لقد تعبتُ اليوم.
ابتسمت لها شادية وهي تنهض بتثاقل حتى غدت أمامها لتخبرها بصدق: لاتضغطي على نفسك كثيراً أميرة.

هز رأسهابالإيجاب ثم اتجهت نحو الخزانة الموجودة خلف باب المنزل، لتتناول معطفها، ثم اتاها صوت شادية متحدثةً: اسمعي أميرة، في الغد سأذهب الى عيادة الطبيبة للمراجعه، مارأيك لو تأتي معي؟
استدارت أميرة نحوها ثم أومأت برأسها إيجابا بتردد.
خرجت تحت أنظار شادية وهي تجزم أن القصة باتت أصعب على أميرة، وأنها كلّما اقتربت من النهاية ستتعب أميرة اكثر، ولكن لا مناص من متابعة القصة وإلا، فإن أميرة لن تُشفى.

عاد جواد مساء من عند براء، وفي داخله ألف سؤال عما حصل له، فكر في آن يسأل والدته لكنه علم أنها ان تخبره بشئ.
نفخ بتعب وهو يصعد الدرج قبل أن يسمع صوت فتح بابٍ ما وإغلاقه، علم أنها ليليا فانتظر لثوان قبل أن تنزل ليليا وشعرها الليلي الطويل يتمايل خلفها بخفة، لم تره هي، بل كانت تتمتم مع اغنية ما وقد وضعت سماعات في أذنيها وتتمايل بسلاسة مع نغمات الاغنية التي تستمع إليها.

مرت لحظات وهي تتمايل وترقص بخفه، وهو فقط يراقبها، تنحنج بحرج ثم اقترب ليضع يده على كتفها، انتبهت له فأحنت رأسها بحرج كبير، ثم مالبثت أن هربت تجرب على الدرج وسط دهشته.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 3 من 14 < 1 2 3 4 5 6 7 8 14 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1966 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1441 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1450 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1252 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2421 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أشلاء ،












الساعة الآن 12:44 AM