logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 5 من 14 < 1 7 8 9 10 11 12 13 14 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:22 مساءً   [31]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الثاني والثلاثون

ماكان أبداً من هواة اللعبِ على أعصاب المُتهم، ولم يتبع يوماً طرقاً ملتوية في دفعه للأعتراف، بل دائماً ماكان يتبع طريقاً مستقيماً في عمله، مُتبعاً حدسه في المقام الأول.
لكن معها هي استثناءٌ عن القاعدة، فهي تتحمل- بطريقة أو بأخرى- جزءاً من مسؤولية دمار عائلته في الماضي، فلو أنها أخبرتهم الحقيقة كاملةً لربما كانت النتائج أفضلُ مماهي عليه الآن.

وبما أنها خدعتهم سابقاً فمن العدلِ برأيه أن يردّ لها بعضاً من دينها.

عرفته في صغره ذكياً عنيداً، لكن من تراه أمامها الآن مُخيفاً أكثر، حسناً عليا لاتنسي، باعتبار أن هذه النسخة الكبيرة من براء الصغير، بإضافة جرعة كبيرة من الألم ومُعايشة مالايجب أن يراه، إلى ذكائه ومكانته الكبيرة الآن في السلك الأمني؟!
حتماً لن تحصلي على نسخة أفضل!
ظلت تطالعه بتفكير جدي إلى أي مدى قد يصل براء في تحقيقه؟

فكرت في خيارات كثيرة لم يكن معرفته لهوية يوسف الحقيقية من ضمنها، ربما لمعرفتها بذكاء يوسف هو الآخر.
بادلته نظراته القاسية بأخرى مُتحدية هامسةً: طبعاً، أستطيع إخبارك بما فعل عمار تالياً.

Flash Back.
حطت الطائرة الخاصة التي اقتناها عمار حديثاً على أرض المطار، فُتِح الباب لتظهر من خلفه عليا وهي تحمل ابنتها النائمة ذات الثلاثة أعوام وتحاوطها بحماية، نزلت الدرجات المُلاصقة للطائرة بترددٍ شديد كمن يُساق للقتل.

وصلت إلى السيارة السوداء رباعية الدفع، لكنها وقفت قبل بضعة خطوات، حتى شعرت بقبضة قاسية تدفعها بخشونة، كان سيمون الذي فتح لها الباب آمراً إياها بالصعود، لتتحرك السيارة فوراً إلى قصر عمار.
نظرت من نافذة السيارة الزجاجية واستندت برأسها عليها تطالع الطريق بنظرات خاوية، شردت في الأربع سنوات التي قضتها مع عائلة براء، كم كانت أياما بسيطة لكنها سعيدة لدرجة نسيت معها نفسها وحياتها وحتى عمار نفسه.

سالت دموعها تلقائيا كلما تذكرت ماأخبرها به سيمون عمّا فعله رجاله بوالد براء ووالدته وإنتحارها لاحقاً، كان يقصّ عليها مافعلوه بفخر كمن أنجزَ عمله بإتقانٍ، كم كان قاسياً حقيراً وضيعاً كسيده تماماً، وكأن حياة الناس لعبةٌ في أيديهم متى أرادوا أوقفوها دون أن يرمش لهما جفن.

انتبهت من شرودها على ارتجاج السيارة، لتلاحظ وقوفها أمام القصر، رفعت عينيها لتقابل سجنها الذي هربت منه وحيدة، لكن وللحظ الأغبر ماهي تعود إليه مرة أخرى برفقة قطعة من روحها.

شددت قبضتها على ابنتها التي استفاقت لتوها، وزادت أنفاسها حدةً مع أمر سيمون لها بأن تنزل ترجلت من السيارة ومشت نحو القصر وهي تقدّم رجلاً وتؤخر الثانية، صعدت الدرجات الرخامية اللامعة ودقات قلبها في ازدياد سريع، توقفت فجأة عندما فُتح الباب ليظهر لها آخر وجهٍ مقيت قد تتمنى رؤيته.

ابتسامة سامّة شقت ثغره وهو يراها تتراجع للخلف دون أن تحيد ببصرها عنه، تلقائياً ضمت صغيرتها إلى قلبها وهي تعود للوراء خطوة أخرى، تجمدت مكانها فجأة وهو يتمتم بكلمات ساخرة بنبرة خطيرة: ياأهلاً بالسيدة المحترمه.
ثم أخفض نظراته نحو الصغيرة، ليتابع بذات النبرة الساخرة: وذريتها الصالحة!
لم تجد صوتها لتجيبه، بل ظلت ترمقه بنظرات مُرتاعة مما قد يفعله بها.

عادت خطوة أخرى للخلف لكنها اصطدمت بسيمون خلفها، أمسك يدها بقسوة وأوقفها أمامه إجباراً، حتى قطع اتصالهما البصري عندما استدار ليدخل إلى القصر، ثم تبعه سيمون وهو يجرّ عليا وهي قابضةٌ على ابنتها بحماية.

ظلّ يمشي وهما على خطاه حتى وصل للطابق العلوي ومنه إلى غرفة صغيرة، دخل الغرفة ليدفعها سيمون داخلها هي أيضا، لكنه بقي خارجاً ثم أغلق الباب خلفه بقوة جعلتها تنتفض مكانها. ازدردت ريقها بوجلٍ مُتعاظم، لاتستطيع حتى تخمين ماقد يفعله في حين أنه كانت تيشاهد عمار وهو يجلس على الكرسي مرخياً يديه على جانبين، صدح صوته سائلا باستنكار بنبرة جافة: يالك من وقحة! أبلغت لك الجرأة أن تجلبي ابنة عشيقك السريمعك إلى قصري.؟

ابتسم٣ بتهكم مضيفاً: ألم تخافي مما قد أفعله بكما؟
تلقائياً أنخفضت أنظارها نحو ابنتها الواجمة في حضنها، بللت شفتيها لتجيبه بنبرة حاولت جعلها قوية: هذه ابنتك عمار.
هلا أصوات ضحكته الساخرة من حديثها، توقف فجأة ليجدها تنظر إليه بقوة ولم تهتز ملامحها قيد شعرها فهمس بخفوت: أتظنيني غبياً عليا..؟
- لا.
خرج صوتها واثقاً قوياً فاجأه لتدف: ولأنني اعرف ذكاءك اخبرك بأنها ابنتك!؟

ضيق عينيه وهو ينظر ناحية الصغيرة ملامحها الناعمه تأخذك بسحرها وتلقي عليك تعاويذها لتأسرك!
أعاد نظره إلى عليا التي اضافت: باستطاعتك أن تأخذ عينةً منها وتقوم بتحليل أبوة، لتصدق أنها ابنتك فعلا.
اختفت ابتسامته وهو يقف ليصرخ بها: كاذبة.
ردت عليه بصراخ مماثل: لستُ كاذبة عمار..

اتسعت عيناه من صراخه في وجهه، لتتابع بقوة لا تعرف من أين أتتها: لقد علمت بحملي منك قبل خروجي هنا، ولهذا هربتُ منك، فقد خشيت أن تُجهضني إياها كما فعلت مع أخواتها.
للحظات ساد الصمت بينهما، لا يقطعه سوى صوت أنفاسهما، بينه و بين نفسه ظلمت، كم تمنى أن تكون.

محقةً غير كاذبة، فهو لن يستطيع إنجاب الأطفال ابدا، لكنه بالتأكيد يبينه لها ولن يخبرها، وليزيد من خوفها الذي تبدد رويدا رويدا: بالطبع سأقوم بالتحليل لكن...
سكت لثانية ليبث الرعب داخلها قبل أن يضيف: لو كنتي كاذبة عليا صدقيني لن أرحمك ولن أرحمها أيضاً.
تحرك من أمامها فورا، لكنه قبل أن يفتح الباب أتاه سؤالها وهي لاتزال على وقفتها: وإن كنت صادقة.؟

التفت نحوها يطالع ظهرها باستفهام، التفتت إليه لتقول بقوة وتحدّ: وإن كنت صادقة عمار، ماذا أنت فاعلٌ بنا؟
قوتها وثباتها ارهباه فعلياً، فقد تغيرت عليا كثيراً خلال أربع سنوات، قديماً لم تكن لتجرؤ حتى أن ترفع عيناها في وجهه عندما يغضب أما هذه!، هذه نسخة مُعدلة من عليا، بل ومخيفة أيضاً.

نظرات متحدية تبادلها كلاهما، رأى صدقها جلياً في عينيها مما أخافه، لكنه ابتسم بسُميّة وهو يجيبها بلا مبالاة: لربما احتفظ بها لو كنت صادقة، اما أنتِ...
ابتسم باستهزاء متابعاً: أما انتِ فمكانك مع الخدم، زوجتي العزيزة.
ألقى كلماته الاخيرة ثم استدار ليخرج نهائيا، ولم ينسى بالطبع إقفال الباب خلفه، تاركا عليا لتخلع قناع البرود النهار على الأرضية وهي تمسك بابنتها بقوة.

قاطعها براء بجدية: مالذي اعتمدتي عليه عندما كنت تهددينه؟ أعني كيف كنت متأكدة من أنه سيخضع لك؟
ابتسمت بخفة لتجيبه: لم أكن معتمدةً على شئ ولم أكن متأكدة من أنه سيستجيب لي بل على العكس تماما، خشيتُ من أنه سيؤذينا قبل أن يقوم بالتحليل، واستجابته لي جعلتني أشكك في حدوث أمر ما خلال غيابي جعله يخضع لنا بهذه الطريقة.

عقد حاجبيه بتفكير بجدية، فيما أردفت هي: في المساء أرسل لي طبيباً مع إحدى الخادمات وأخذ عينةً من أميرة ثم وضعت لنا الطعام وغادرت مجدداً.

Flash Back.
مع خروج الخادمة شردت عليا فيما يحصل، لطالما كان عمار أنانياً لا يستمع لأحد.
لم تنم ليلتها ابداً حتى أشرقت شمس اليوم التالي، دخل إليها عمار بوجه مختلف هذه المرة، كانت عليا تحاوط جسد ابنتها بيديها عندما تقدم منها ليطلب ااصغيرة، وقد بان التأثر واضحا في عينيه.

تغيرت معاملته لهما للأفضل رغم أنه لم يتقبل عليا، زوّر عقد زواج من سيدة لبنانية كانت تعمل في الشركة، وسجل أميرة باسمها، بدأ يحبها بل ويتعلق بها بشكل غير طبيعي.
حتى مرت أربع سنوات لم تكف عليا فيها عن التفكير بالانتقام منه، وفي ليلة خرجت من غرفتها متجهةً للأسفل عندمااستوقفها أمرٌ ما، كان عمار في مكتبه يتناول حبوباً عدة سويا، عقدت حاجبيها باستغراب أعمار لم يكن يشتكي من شئ؟!

تحرك بعد أن تناول حبوبه اتجه صوب الحمام الملحق، ماإن غاب عمار داخلاً حتى جرت عليا إلى الداخل لتقرأ أسماء الأدوية، حفظتها عن ظهر قلب، وبينما هي تنتوي الخروج من المكتب تفاجأت بوجود صحيفة تحمل تاريخاً قديما، قبل ثماني سنوات تقريبا، كان مضمون الخبر عن حادث عمار.

خرجت مسرعة قبل عودته للداخل وهي تفكر، لكنها وقفت في مكان منزوٍ تستمع لحديثه مع نفسه، بدأ حديثه بسباب لاذع لها هي، ثم حديثه عن الحادث وأخيراً اعترف لها دون أن يدري أنه بسبب ذلك الحادث لم يعد بإمكانه الإنجاب نهائيا، لتفهم الآن سبب تعلقه بأميرة لهذه الدرجة، ليست فقط لإن التحاليل أظهرت أنها ابنته، بل لإنه لن يسعه إنجاب سواها.

لاينكر براء أنه تفاجأ من حديثها، فيما أردفت هي بنبرة متعبه وابتسامة لم تصل لعينيها: أرأيت،؟ كم كان القدر بارعاً في تصفية الحسابات؟
طالعها بغموض لعدة لحظات ليسألها: لمَ لمْ تخبري أميرة بالحقيقة إذاً؟
تنهدت بتعب وهي تجيبه: لأنه هددني، لو أخبرتها الحقيقة فسيبعدني عنها للأبد، وعندما كبرت لك يعد بوسعي إخبارها، خشيت على قلبها الرقيق من الصدمة خاصة أنها تعلقت به كثيرا.

أماء برأسه بشرود في حين تابعت: هذا كل شئ سيادة الضابط، ها قد عرفت دافعي لقتل عمار، فماذا ستفعل الآن؟
تنهد بقوة سائلاً إياها: ما مصير الرحال الذين ضربوا والدي؟
- لقد ماتوا براء، في إحدى عملياتهم المشبوهة، أخبرتك أن القدر بارع بتصفية الحسابات.
ناظرها بغموض للحظة ليسألها ثانيةً: مالذي أغفلته من القصة عليا؟
- لم أغفل شيئاً.
- بلى تفعلين.

أجابها بعناد، اهتزت ابتسامتها وهي تتأمل وجهه الجاد لكنها لم تجبه، وعندما علم أنها لن تفعل أنحنى صوبها قليلاً ليخبرها: أنا أعرف مالذي استثنيته من روايتك عليا.
سيطر القلق والتوتر على قسماتها، فيما أضاف وهو يشعر بالنشوة والانتصار: لقد نسيتي، أو تناسيتي إخباري عن الكوبرا ومدى قرابته لك، أليس كذلك؟

جحظت عيناها بهلع وتسارعت أنفاسها باضطراب فيما أردف: ونسيتي أيضاً إخباري بأنه شريكك في القتل، وأنه هو من أعطى أوامره بقتلي.
رمشت عيناها بصدمة حقيقيه، ازدردت ريقها بتوتر جليّ وقد عرفت أن خطتهم قد كُشفت بالكامل، فسألته بصوتٍ مهزوز: أين يوسف؟

ابتسم بتهكم ولم يجبها، بل وقف أمامها بكبريائه لينحني صوبها ويهمس لها بنبرة شامتة غير عابئٍ بصوت صفير الجهاز الذي بدأ يتعالى: للأسف عليا، خطتك قد كُشِفت، وشريكك قد عرفته، وانا لا أدعُ حساباتي للقدر ليصفيها، أستطيع الآن أن أقول لك، كش ملك.

أهداها اخيراً ابتسامة تحمل الانتصار والنشوة، فيما بدأ صفير جهازها يتعالى بشكل جنوني وبدأت تجاهد لتأخذ أنفاسها بصعوبة، لم يأبه بكل هذا، بل فتح الباب وخرج من الغرفة، وأخر مالمحه هو قدوم الطبيب راكضاً ليُسعف مريضته التي بدأت تفقد حياتها.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:23 مساءً   [32]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الثالث والثلاثون

أغلق يوسف الهاتف مع رجله الذي زرعه في المستشفى، بعد أن أخبره بأنّ براء سبّب لعليا نوبةً قلبية جديدة كادت تودي بحياتها فعلاً هذه المرة لولا تدخل الأطباء وإنعاشها كهربائياً، وقد منع الطبيب عنها كلّ الزيارات من بينها زيارة براء لها.

اشتعلت عيناه بنيران سوداء وهو يمشي ناحية صندوق زجاجي كبير نسبياً، في داخله رمال صحراوية وصخور صغيرة، ظهرت من خلف الصخور أفعى كوبرا واتخذت وضعية الهجوم ناظرةً إلى يوسف، مُشكلةً رقم سبعة بالإنكليزية مُشابه للوشم المرسوم على ظهر كفه الأيمن.

أمال رأسه للجانب الأيمن فتحركت الأفعى معه، ثم أماله للجانب الآخر ففعلت المثل كأنها تراه وتقلده، ضيّق عينيه وهو يزفر بصوتٍ مسموع هامساً بغلّ: حسناً براء، أنت من بدأ اللعب معي، واللعب مع الأفاعي قاتل.

ابتعد بعد قليل عن أفعاه- الأليفة- التي يربيها في مخبأه السري في قبوٍ واسع تحت متجرٍ لبيع الحيوانات داخل أحياء بيروت، جلس على سريره و هو يرتب أولوياته، وأهمها بالطبع مراقبة أميرة وأن يتحين الفرصة لاختطافها وجلبها إليه وبعدها يحين دور عليا، ثم يأخذ كلتاهما ويهرب.
ربما بدى ذلك صعباً بسبب الحراسة التي شكلها براء على أميرة، لكنه لن يعجز بالتأكيد.

إذاً خطته الآن تقضي بأن يختطف أميرة وبعدها عليا، ومن ثم سيحين تصفية حسابه مع براء، ابتسم بشرٍّ دفين وهو يطالع أفعاه وقد خطرت في ذهنه فكرة جهنمية.

انتهى الدوام أخيراً، خرجت أميرة من الشركة وهي تنفخ بتعب، فقد قضت يومها بأكمله في عقد الاجتماعات مع رؤساء الأقسام في شركتها لتتعرف على طريقة سير العمل في كل قسم على حدة.
رفعت رأسها لتقابل وجه براء المُبتسم وهو يستندُ على سيارته أمام الشركة، شردت لثوانٍ في هيئته الرسمية، طوله الفارع وحضوره المهيب ووسامته الآسرة والتي زادت مع غمازتيه، كم كان وسيماً!

ابتسمت تلقائيا وهي تتحرك صوبه هاتفةً: مالذي رماكَ في حيّنا سيادة المحقق؟
اتسعت ابتسامته اكثر وهو يجيبها بتسلية لطيفة: جئتُ اختطفك قليلاً إن لم تكوني مشغولة؟
ثم أضاف بامتعاض مصطنع: ثمّ ألم نتفق بأن تنادني براء فقط؟
أخفضت نظرها لحظة ثم عادت لترفعه وهي تومئ له بالإيجاب، شرد للحظات في غاباتها الزيتونية التي زادت خضرتها وانتعاشها.
همست بخفوت بعد قليل: إذاً إلى أين ستأخذني؟

اخذ نفساً عميقا زفره مرة واحدة قائلا: بما أننا صديقان الآن، فأنا أودّ أن أعرفك إلى عائلتي.
صاحت بدهشة بائنة وقد رفعت حاجبيها: عائلتك؟
توارد إلى ذهنه لربما هي لاتحبذ لقاؤهم، فهمس بتردد وعيناه تتفحصانها: هل يزعجك أن تلتقي بهم؟
رمشت عيناها وارتسمت ابتسامة سعيدة على شفتيها وهي تهتف: لا بالطبع، أنا فقط تفاجأت واستغربت الأمر.
انتقلت ابتسامتها إليه ليضيف: إذاً، دعينا نذهب فهم بانتظارنا على الغداء.

أشارت له بالإيجاب فتنحى للجانب ليفتح لها باب السيارة، فانحنت بطريقة مسرحية هاتفة باللغة الإنكليزية: شكرا لك سيدي.
زادت ابتسامته إشراقاً وهو يغلق الباب ليلتف حول السيارة ويركب مكانه مُنطلقاً إلى منزل والده والذي لم يزره منذ مدة، بينما كانت أميرة في قمة قلقها وتوترها من هذا اللقاء الذي لم تخطط له أبداً، لكن وجوده بجوارها بدّد كل قلقٍ أو خوف قد تشعر به.

وصلت ملك إلى المطعم الذي سبق وأن التقت سميراً فيه، دلفت للداخل لتجده بانتظارها، وقف ماإن رآها ليستقبلها بابتسامةٍ عريضة، ثم حرّك لها الكرسي بحركةٍ نبيلة لتجلس عليه وهي ترفع حاجبيها بدهشة حقيقية من معاملته معها، استدار حتى جلس هو الآخر هامسا: ماالذي ستطلبينه على الغداء آنسة ملك؟
ظلت للحظات تناظره بغموض، ثم تحدثت أخيراً بنبرة لا تقبل النقاش أبدا: أريد أن أعرف إجابتك عن أسئلتي سيادة الضابط؟

لم تهتز ابتسامته وهو يحمل قائمة الطعام ليعطيها إياه مُجيباً: سأجيبك بالطبع، لكن بعد أن نتناول الطعام، فأنا جائع جداً.
أسندت ظهرها إلى الخلف وهي تكتف يديها أمام صدرها ترمقه بنظرات نافذة تاركةً يده ممدودة في الهواء، نفخ بيأس من عنادها ورمى قائمة الطعام على الطاولة بإهمال، شبك يديه على الطاولة أمامه ليتحدث بجدية: ماالذي تودين معرفته؟
أجابته بنبرة قوية بلا تردد: أولاً لمَ تفعلُ كل هذا معي؟

رفع كتفيه بقلة حيلة مُردداً: لإني أحبّ أن أعاملك بلطف.
حسناً، لم تتوقع هذه الإجابة بالتأكيد لتقول بعدم استيعاب: مامعنى هذا؟
ابتسم دون أن يتحدث، فيما هي ترمقه بتفحص وهي فعلاً لاتفهم مقصده.
طال الصمت بينهما فهتفت: هذه ليست إجابة أبدا سيادة الضابط؟
زفر بملل سائلاً: ماذا تريدين ملك؟
أجابت بصوتٍ عالٍ وإصرارٍ ممزوج بتهكم: أريد أن أعرف لمَ تعاملني بلطف كما تدّعي حضرتك؟

وبنبرةٍ حاسمة واثقة، ونظرات قوية أجابها: لإنني أحبك.

وصلت سيارة براء إلى الحي، أطفأ محركها ثم استدار نحو أميرة، شعر بتوترها وإن لم تظهره فابتسم بخفه وهو يحدثها بتسلية: مابك؟ هما فقط والداي لن يأكلاكِ مثلاً!؟
نظرت إليه وهي تصطنع الإبتسام فحمحمت: أنا آسفة، لكني فعلاً أشعر بالتوتر قليلاً.
ظلّ يطالعها بابتسامة جذلى، فتوقعت أنه سيمسك بيدها ليهدأ توترها لكنه لم يفعل، ليقول بعد ثوانٍ: هيا، لاداعي للقلق.

ترجل من السيارة تاركاً إياها وقد شعرت بالامتعاض من تصرفه، تنفست بعمق وترجلت هي الآخرى، رسمت ابتسامة بسيطة وهي تتحرك إلى جانبه متجهين إلى البناء حيث منزل والديه، لفت انتباهها أنه يتحاشى لمسها ولو عن طريق الخطأ لكنها لم تعقب، لربما هو رجلٌ شرقيٌ مُحافظ!

كانت زينب تراقب الطريق منذ مايقارب الساعة، فهي لم تصدق عندما هاتفها براء صباحاً ليطلب إليها تحضير مائدةٍ للغداء، فهو سيجلب فتاةً ليعرفها عليهم، لم تسعها الفرحة وهي تخبر زوجها بحديث براء، رغم بعض الخوف الذي شعرت به إزاء الفتاة والموضوع برمته، لكن والده كان أشدّ خوفاً، خاصة وقد توقع هوية الفتاة المُنتظرة.
ماإن رأت السيارة اصطفت أمام البناء حتى جرت نحو زوجها هاتفةً بلهفة: لقد وصلوا أخيرا.

رفع رأسه ليهديها ابتسامة مُقتضبة هامساً: هل أنتي جاهزة؟
قرأت القلق في مقلتيه فانحنت صوبه حتى جلست أمامه، رفعت كفها لتضعه على وجنته وهي تسأله باهتمام: مالأمر عزيزي؟ لمَ كل هذا القلق في عينيك؟
ادّعى الابتسام وهو يجيبها بوهنٍ: لا شئ حبيبتي، فقط انا غير مصدق بأن ابني قد تعرف أخيراً إلى فتاة، بل ويجلبها معه لنتعرف إليها، كم هو شعورٌ جميل بأنه قد تخطى الماضي؟!

شعرت بأنه ادّعى كلّ هذا، وقبل أن تسأله رنّ جرس الباب فانتفضت من مكانها وهي تبتسم باتساع، هرولت باتجاه الباب لتفتحه بابتسامةٍ سعيدة، مالبثت أن خبت وهي ترى أميرة أمامها وقد تذكرتها على الفور، كذلك أميرة عرفتها فهمست بتفاجأ: أنتِ؟
لم تكن زينب بحالٍ أفضل، فيما براء يتابع لقاؤهما بتسلية، تقدم قليلاً مُعرفاً: أميرة أعرفك إلى والدتي السيدة زينب، طبيبة نفسية.

ثم التفت نحو زينب متابعاً: أمي اعرفك إلى أميرة الفايد، صديقتي!

صمتٌ تام ساد بينهما عقب كلمته تلك، بقيت تطالعه بصدمة قوية وهي لم تستوعب بعد ماقاله، رفرفت عيناها لتسأله بهمس خافت: ماذا قلت؟
ارتخت تعابيره الجادة ليرسم ابتسامة عذبة على محياه مُتحدثاً: أعتقد أنك سمعتني، أنا أحبك ملك.
رفعت حاجبيها بدهشة لتردف بتهكم طفيف: تحبني؟ متى وأين؟
أجابها والجدية تغلف نبرته دون أن تهتز ابتسامته: مذ رأيتك للمرة الأولى.
علقت بسخرية: تقصد أنه حبٌ من النظرة الأولى؟

ليخبرها بصدق: بل حبٌ من الصفعة الأولى!
علمت أنه يتكلم بجدية، قطبت جبينها وعقدت حاجبيها وقد استشعرت الصدق في حديثه، فحاولت التكلم بعقلانية: حسناً، فلنفرض أنني صدقتك...
قاطعها بتسلية: يجب أن تفعلي.
ضغطت على شفتيها بغيظٍ منه وأغمضت عيناها للحظة قبل أن تتابع: لنفرض أنني صدقتك، مالذي تعرفه عني؟
ضيق عينيه بتفكير وظل يطالعها بغموض قبل أن يتحدث بثقة: كل شئ.

ابتسمت بتهكم سرعان مازال لتحلّ محله الدهشة عندما أضاف: والدك مُدرسٌ متقاعد ووالدتك ربة منزل، لديك شقيقة واحدة أكبر منك مخطوبة ستتزوج في نهاية الصيف، قدمتي إلى بيروت منذ عامك الأول في الجامعه، وقبل أن تتخرجي بعام واحد توظفتي في شركة عمار في قسم الشحن.

ناظرته بغموض في حين تابع بثقة: كنتي دائماً من الثلاثة الأوائل في صفك، لكن هناك فتاةٌ واحدة كانت تشكل لك عقدة لأنها تسبقك دائماً في الترتيب، عندما كان عمرك ثلاثة عشر عاما تم فصلكِ بعد أن اعتديتي بالضرب على نفس الفتاة، بعد أن وصفتكِ بالفاشلة، وعدتي إلى المدرسة مرةً أخرى بعد وساطات عدة من والدك وبعد اعتذار علني تقدمتِ به للفتاه أمام المدرسة بأسرها.

ازدردت ريقها بتوتر وهي تستمع لحديثه وعلامات الدهشة واضحة على محياها: كنتي تحبين أبن خالتك الذي يكبرك بتسع سنوات، لكنه تزوج منذ سنتين وبسببه ترفضين العودة إلى القرية، واتخذتي من عملك حجةً لئلا يجبركِ والداك على العودة، بيد أنك تذهبين لزيارتهم كل فترة.
سكت للحظات ليرى تأثير حديثه عليها، كانت مصدومةً حرفياً من تلك المعلومات التي عرفها، فهمست بضعف: كيف عرفت كل هذا؟

ابتسم بتسلية مُجيباً: حقا؟ أتسألينني انا هكذا سؤال؟
حركت رأسها للجانبين بإنكار مضيفة: أقصدُ متى استطعت جمع كل هذه المعلومات عني؟
تنفس بعمق وهو يرمقها بوله مُردفاً: أخبرتك، منذ رأيتك أول مرة.

جلس الجميع إلى المائدة يتناولون طعامهم بصمت، كانت وجوه الثلاثة تحمل الدهشة والمفاجأة والخوف، وحده براء بينهم من كان وجهه جامداً غير مقروء الملامح، بارداً في تعامله لدرجة تسبب نوبة قلبية لمن أمامه.

صدق حدسه وقد عرفها من الوهلة الأولى عندما وقعت عيناه عليها، كيف لا وهي نسخة مصغرة عن ( حياة ) في شبابها، ازدرد ريقه بخوف واضح على ابنه، فمهما بلغت مكانته ومهما كان قوياً قاسياً لكنه يبقى وحيده، يخشى عليه من تبعات هذا الحب.
نعم، فهذا التفسير الوحيد لجلبها معه اليوم، فابنه مازال مقيداً بهوى تلك الصغيرة.

اما زينب فقد تفاجأت بحق عندما قدّمها لها على أساس أنها صديقة، متى وهو لم يتعرف عليها إلا منذ فترةٍ قصيرة؟ ولمَ هي دوناً عن كلّ الفتيات؟
نعم لاتنكر جمال أميرة الآخاذ وسحر عيناها لكن هناك الأجمل منها، فلماذا هي على وجه التحديد؟
لاحت منها التفاته صوب زوجها فقرأت القلق والتوتر في عينيه كلما التفت نحو أميرة، وهذا جعل الشك يتعاظم داخلها.

رسمت ابتسامة مُجاملة على مُحياها وهي تضع الملعقة على المائدة لتردد وهي تُخاطب زينب: سلمت يداك، الطعام لذيذ للغاية.
جاملتها زينب بابتسامة مقتضبة هامسةً: بالهناء عزيزتي، أرجوكٍ أكملي طبقك؟
- أشكرك لكن حقاً شبعت.
- سأرشدكِ إلى الحمام.

هتف بها براء بجمود يُحسد عليه، ثم تحرك من أمامها لتتبعه، شيعه والده بنظراتٍ قَلِقَة التقطتها زينب ببراعة، فسألته بجدية وبصوتٍ خفيض: مالأمر عزيزي؟ لمَ كلّ هذا القلق في عينيك؟
ألتفت نحوها مُجيباً بهمس: إنّ براء يودي بنفسه إلى التهلكة.
أصابتها الدهشة من من كلماته المبهمة لتسأله بعدم فهم: مالذي تقصده؟
تنفس بعمق مُكتفياً بكلمتين: إنها ياسمين ابنة حياة.

شهقت بخفة واضعةً يدها على فمها، تذكرت الآن المرة الوحيدة التي رأتها فيها، وكانت برفقة عليا، ثم انهيار براء في اليوم التالي.
ازدردت ريقها بصعوبة واعتدلت في جلستها مع اقترابهما منهم.
توجه بحديثه إلى والديه قائلاً: سنجلس في البهو الصغير.

أرشدها بيده دون أن يلامسها، فتحركت إلى حيث أشار لتجلس على كرسي مقابل نافذةٍ زجاجية من الأرض حتى السقف، كم أعجبها هذا المنظر خاصةً أنه يطلُّ على حديقة صناعية تابعة للبناء.
جلس بقربها يتأملها، التفتت نحوه فجأة لتقول بابتسامة متسعه: والداك رائعان، شعرتُ بالألفة معهما.
هزّ رأسه متفهما وهو يتفحصها، لاحظ ترددها فسألها: مالأمر أميرة؟
أجلت حلقها وهي تتحدث بتردد: كنت أريد أن أسألك عن والدك...

تجهم وجهه وقد فهم إلامَ ترمي، فقاطعها مُجيباً بجمود: حادثةٌ قديمة.
رفعت حاجبيها بدهشة وقبل أن تعقب انتفض واقفاً ليقول بحدة طفيفة: دعينا نرحل.
استغربت من تقلبه المفاجئ وخشيت أنها أغضبته، فوقفت قبالته هامسةً: أعتذر إليك، لم أقصد إزعاجك.
حاول السيطرة على انفعالاته بعدما استشعر خوفها فتحدث بلطف: لا تعتذري، لقد تذكرتُ أن لديّ عملا هاما.

أشارت برأسها بتفهم فاستبقها ليعتذر إلى والديه، ثم هبطا الدرج سوياً وكلٌّ منهما في حال.

لم تنبس بحرف بعدما قاله، الحقيقة أنها تشعر بالتخبط داخلها ولا تعرف ماهيةَ شعورها نحوه الآن، قطع سمير الصمت المريب ليسألها: إذاً، مارأيك؟
ضيقت عينيها وهي تجيبه: رأيي بماذا؟
ابتسم بتسلية هاتفاً: أنا أحبك ملك، واريد أن اتقدم لخطبتك فما رأيك.؟
قطبت جبينها لتسأله بجدية: لكنني لا أعرف شيئاً عنك؟

استند بجسده للخلف وهو يحدثها بجدية: صدقيني ليس هناك الكثير لتعرفيه، توفي والدي عندما بلغت سبع سنوات، ربتني والدتي وأنا وحيدها، درستُ الحقوق والتحقتُ بالسلك الأمني منذ أربع سنوات تقريبا، توفيت والدتي منذ عامين ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش وحيداً.
أنهى حديثه ليبتسم باتساع هامساً: والآن ما رأيك؟
تنفست بعمق لتقول وقد عقدت حاجبيها بجدية: أريد مهلةً لأفكر.
لم تهتز ابتسامته وهو يهتف: بالطبع يجب أن تفعلي.

ثم رفع لها قائمة الطعام ليضيف بمرح: والآن ارجوك هلّا طلبنا الطعام؟ لأنني حرفياً متّ من الجوع؟
ضحكت بمرح على كلماته فتأملها بحب، ثم أخفض نظراته عنها قبل أن يحرجها.

أوصلها إلى القصر دون أن يتحدثا طول الطريق، بقي ينتظرها حتى دلفت للداخل، استند برأسه على مقعده وأغمض عينيه بقوة وهو يضغط بيده على مقود السيارة، مابك براء؟ مالذي يحدث لك؟ إن كنت تحبها فلا يجب أن تعاملها بهذه الطريقة، هي لاتعرف شيئاً عن الماضي لذا اتخذ قرارك الآن، إما أن تخبرها وفي هذه الحالة قد تخسرها للأبد، وإما حاول أن تنسى فهي لاذنب لها بأثمِ والديها.

دخلت القصر وهي تزفر بإرهاق، ارتمت على أقرب أريكة صادفتها وأغمضت عيناها، فتحتهما لتطالع السقف وقد شردت في براء وتصرفاته، تعترف بأنها تشعر إزاؤه بالثقة لكن تصرفاته اليوم كانت غريبة، خاصة عندما سألته عن حادثة والده، شعرت بأن عينيه استحالتا ظلاماً دامساً، ولكنْ لما كلّ هذا الغضب لو كان السبب الحقيقي لعجزه هو حادثةٌ عادية؟ من المؤكد أنه لايشعر بالحرج من وضع والده وإلا لما أخذها وعرفها عليه أساساً؟

فركت جبينها بتعب، لكنها انتفضت بفزع عندما شعرت بحركة خفيفة حولها، تنفست براحة عندما عرفتها، فسألتها باستغراب: آمال؟ متى حضرتي إلى هنا؟ وكيف دخلتي اصلاً؟
ابتسمت آمال بخفة وهي تجيبها: لقد احضرني المحقق براء بعد أن انهى تحقيقه معي، وهو من أدخلني.
أشارت لها بتفهم لتسألها باستفسار: وبقية الخدم والحرس؟
اجابتها باحترام: لقد أخرجهم أيضاً وصرفهم عن خدمتك.

شردت أميرة فيما سمعته، الغريب أنها لم تمتعض من تصرفه، ربما لو كان يوسف لغضبت منه واتهمته بأنه يتدخل في حياتها، فلم لاتفعل هذا مع براء وهو الذي لم تتعرف إليه إلا منذ فترة قصيرة؟مالذي يحدث معك أميرة؟ ما تفسير كل هذه المشاعر نحوه؟
انتبهت من شرودها على صوت آمال السائل أن كانت ترغب بالطعام فأجابتها بالنفي، ثم صعدت إلى غرفتها لتنام، ليقتحم وجهه أحلامها كما اعتادت مؤخراً.

مرّت عدة أيام توطدت خلالها علاقة ملك وسمير الذي كان يحرص دائماً على أن يراها ويجلس معها لتتعرف إليه، حتى مرّ على سؤاله لها أكثر من أسبوعين ولم تجبه بعد.
التمس تغير معاملتها له، بل وبدأت تمازحه ايضاً وتحكي له عن طرائف يومها في العمل مع أميرة.
كان مستندا بوجهه على مرفقيه، وهو شاردٌ في إجابتها وردة فعله لو أنها رفضت علاقتهما.

انتبه من شروده على صوتها المُنادي باسمه، طالعها بغموض للحظات قبل ان يسألها بجدية: ملك، ماإجابتكِ على سؤالي؟
بدت كالبلهاء وهي تجيبه: أي سؤال؟
يعترف أنها صدمته، ألم تطلب مهلةً للتفكير؟ وهاهي تنسى سؤاله بالأصل؟

تهدل كتفاه وقد اعتبر هذا رفضاً مؤدباً منها لئلا تجرح مشاعره، ابتلع غصةً مريرة في حلقه وأخفض نظره عنها، استشعر خيبة الأمل وهو يتصنع الابتسام يحاول أن يخرج من هذا الموقف المُحرج بأقل الخسائر، فلم يلحظ ابتسامتها الماكرة والتي كتمتها بصعوبة لترى ردة فعلها، لكنها شعرت بالألم لمنظره هكذا فاعتزمت أن تريحه فتحدثت: لقد هاتفت والدي، ويخبرك بأن تجلب عائلتك في أي وقت.

رفع رأسه إليها متفاجئاً، بدى غير مُصدقٍ لما سمع فهمس لها: ماذا تعنين بهذا؟
اتسعت ابتسامتها وهي تخبره برقة: حدّد موعداً لتتقدم إلى والدي.
اتسعت حدقتاه بفرح فلم يعد يسيطر على ضحكاته التي تعالت وهو يلتف حول الطاولة ليضمها إليه هاتفاً: أحبكِ، أيتها العنيدة.


look/images/icons/i1.gif رواية أشلاء
  24-03-2022 11:24 مساءً   [33]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع والثلاثون

هذا الهدوء مخيف، تماما كالهدوء الذي يسبق العاصفة، مرّ أسبوعان كاملان ولا حركة أو رسالة منه، يكاد يُجنْ وهو يفكر أين من الممكن قد اختبأ؟
بحث كثيراً، عمّم اسمه ومواصفاته على كافة الحدود والمنافذ، زاد الحواجز وكثّف الحراسة على أميرة في القصر وفي الشركة ولكن، لا شئ.
حسب معرفته بيوسف فهو يتوقع منه شيئاً غير اعتيادي، لكن السؤال ماهو؟

كان جالساً في مكتبه كعادته مؤخراً، يستند بظهره للخلف وهو يحرك كرسيه بحركات رتيبة، ممسكٌ بقلم يضغطه ليغلقه ثم يفتحه في إيقاعٍ مُضطرد، شاردٌ في نقطة في الفراغ وقد بدأ صبره ينفذ، أين اختفى ذلك اللعين؟

منذ آخر يوم لهما لم يقابلها إلا صدفة سريعة، رغم شعوره بالحنين إليها والاشتياق يمزق أحشائه يريد أن يعترف لها بحبه ومشاعره الخالية من التزييف، لكن شغله الشاغل الآن هو إيجاد يوسف، يعرف أنه لن يستطيع أن يربطها به مادام هذا اللعين حرّاً.

تصله أخبارها أولاً بأول وكم كان سعيداً لاالتزامها بتعليماته، فقد قضت طوول الفترة الماضية بين الشركة والمنزل، ابتسم بسعادة عندما تذكر منظرها وهي ببذلتها الرسمية والتي بدأت بارتدائها مؤخراً، خاصةً أنها محتشمة.
أخرجه من شروده صوت طرق الباب ليدلف سمير هاتفاً بسعادة واضحة: بارك لي صديقي، لقد وافقت ملك أخيرا.
ابتسم بخفه وهو يقف قبالته ليعانقه مُربتاً على ظهره: مُبارك لك صديقي، أتمنى أن تتحقق أمانيك كلها.

تنهد الآخر بقوة هامساً بترجي: آمين.
ثم تطلع إلى صديقه ليخبره: اسمع، سأبلغ أقارب والدي لنذهب إلى قرية ملك يوم الغد ونطلبها من والدها بشكلٍ رسمي، وأيضاً سنقيم احتفالاً صغيراً بمناسبة الخطبة، وبالطبع لن أستغني عنك في هذا اليوم.
تنفس بعمق وهو يجلس على الكرسي ليجيبه: أنت تعلمُ أن شغلي الشاغل الآن هو إيجاد يوسف، فلن أتمكن من الذهاب معك، اعذرني أرجوك.

قطب جبينه بانزعاج جلي متحدثاً بجدية: بالطبع لا براء، لن أقيم حفلة خطبتي دون وجودك.
خطرت في ذهنه فكرة ليردف بمكر: ومن ثم أميرة ستأتي معنا لأجل ملك.
انتبهت حواسه كلها مع ذكر اسمها، فعقد حاجبيه ليستمع إلى باقي كلام سمير: فأنت تعلم أنهما صديقتان، ومن المؤكد أن أميرة لن تترك صديقتها في هذا اليوم المميز.

شرد لثواني في حديثه، ربما هذه فرصة جيدة ليراها ويحميها في الوقت ذاته، فهو ليس باستطاعته أن يمنعها من الذهاب إلى خطبة ملك وإلا ستعتبر الأمر تحكماً بها، ولن يتركها ترحل دونه، تطلع إلى سمير هاتفا بابتسامة طفيفة: بالطبع سأحضر.
اتسعت ابتسامته وهو يضرب كفيه ببعض صارخا بالإنكليزية: نعم، هذا صديقي.
أشار له بالإيجاب مُردفاً: أخبرني بالعنوان وسأوافيك مع أميرة إلى هناك.

جلس على كرسي آخر بجواره مُتحدثاً بحماس: لاداعي لأرسله لك فنحن سنجتمع كلنا قرب القسم لننطلق سوياً، لن نكون كُثر، فقط سيارة واحدة لأقاربي وسيارتي سأقل بها ملك وسمر شقيقتها، وكذلك سيارة عادل وسيجلب معه سلاف، وتبقى سيارتك أنت ولاتنسى أن تجلب معك والديك.
هز رأسه متفهما ثم أضاف: بالتأكيد، لكن لا أعتقد أن والداي سيحضران، فأنت تعرف والدي لايحبذ السفر بالسيارة لمسافات الطويلة، ووالدتي لن تتركه وحده.

عقد حاجبيه لثانية قبل أن يضيف بضيق قليل: ولو أنني أتمنى أن يحضرا، لكن لا بأس.
انفرجت اساريره قليلاً ليضيف وهو يربت على كتف براء: انت تكفي وتسدّ عن الجميع.
استقام واقفاً في اللحظة التالية متابعاً: سأذهب الآن لأوضب نفسي.
التفت نحو صديقه مجددا وقد وصل إلى الباب: ولاتنسى سنجتمع قرب القسم في الساعة التاسعة.

غادر سمير اخيراً ليترك براء وهو يفكر في زيارة الغد، لمَ يشعر بأنها ستكون رحلة استثنائية لكليهما؟، ابتسم بسعادة وهو يرى وجهها وقد ارتسم أمامه، رفع كفه ليلمس وجنتها الوهمية هامساً: أعدك بأنني سأحميك طالما فيَّ عرقٌ نابض، حبيبتي.

ابتسم الخيال له فاتسعت ابتسامته مُضيفاً وكأنه يحدثها: لن تغيبي عن عينيّ للحظة، وما إن ألقي القبض على يوسف سأتقدم لخطبتك أنا أيضاً، لنعيش الحياة سوياً ولن يفرقنا حتى الموت، أميرتي.

لم تراه منذ الليلة الأخيرة إلا لمحة سريعة، تشعر بفراغٍ قاتل في غيابه وتريد أن تراه بشدة ولا تعلم السبب، حاولت أن تتصل به عدة مرات لكنها تتراجع في اللحظة الأخيرة، لاتريد أن تفرض نفسها عليه، لربما انزعج من سؤالها عن والده، ولكن لايحق له فسؤالها عادي جدا!

زفرت باختناق وهي تغمض عينيها بقوة بعد أن استشعرت حركة ملك بجانبها والتي كانت تعمل بهمةٍ كبيرة خاصة بعد لقائها بسمير اليوم، تشعر بأن قلبها يقرع كالطبول كلما رأته، فهي بالفعل أحبته.

انتبهت ملك إلى رفيقتها لتشعر بتعاستها وهي تعرف السبب الحقيقي وراء هذا، رغم أن اميرة لم تخبرها عن حقيقة مشاعرها تجاه براء، ربما لأنها هي نفسها لاتعرف، لكن ماتراه من يأسها وانزعاجها الدائم بسبب غيابه ماله إلا تفسير واحد، هي تحبه ولا تعلم!

بينما هي تراقب أميرة بتمعن رن هاتفها مُعلناً عن ورود رساله، فتحتها لتجدها من سمير يخبرها فيها عن ترتيبات الغد، ومن بينها أن براء سيأخذ أميرة بسيارته، ابتسمت بمكر وهي تنادي عليها تسألها: إذاً أميرة، لم تخبربني، كيف ستذهبين إلى قريتي؟
تنهدت بتعب وهي تعتدل في جلستها قائلةً بنبرة ضعيفة: لاأعلم بعد، لكن أعتقد سأذهب بسيارتي.
زمت فمها بتفكير ثم اردفت: وهل سيقبل المحقق براء بذهابك؟

تنبهت حواسها لدى ذكر اسمه فعقدت حاجبيها بعدم فهم لتسألها: ماقصدك؟
رفعت كتفيها بقلة حيلة لتضيف بنبرة ماكرة: لاأعلم، ولكن أعتقد أنه لن يسمح لك بالذهاب دون أن تُغلق قضية والدك ويقبضوا على يوسف.
تنهدت بزيف وهي تحمل بعض الأوراق لتخرج تاركةً أميرة شاردة في حديثها، انتبهت لتوها إلى قصة قاتل والدها ويوسف، وأيضاً عليا!

ياآلهي لقد نسيت أمرهم تماماً لانشغالها الدائم في الشركة، زفرت بضيق وهي تفرك وجهها بيديها، عبثت بشعرها قليلاً ثم اعتزمت الذهاب إلى القصر، فالدوام انتهى بطبيعة الحال منذ فترة ولم يبقَ سواها مع ملك، حملت حقيبتها لتهبط الدرجات، ثم استقلت سيارتها متجهة نحو قصرها، بعد أن هاتفت ملك لتخبرها بمغادرتها.

دلفت إلى صالة قصرها الكبيرة، لتفاجأ بوجود علبةٍ كرتونية كبيرة، مُغلقة بورق هدايا من اللون الأحمر، قطبت جبينها وهي تقترب منها لتتفحصها، حملتها فلم تكن ثقيلةً، نادت لآمال التي حضرت فوراً فسألتها أميرة وهي ماتزال تحمل العلبة: من الذي جلب هذه العلبة آمال؟
ابتسمت بتحفظ وهي تمشي ناحية طاولة في منتصف الصالة: أحدهم جلبها وقال أنكِ سبق واشتريتي هذا الفستان لتُهديه للآنسة ملك في حفلة خطبتها.

عقدت حاجبيها باستغراب فهي لم تشترِ شيئاً ولم تخطط بعد لهدية ملك، فمن صاحب هذه الهدية ياترى؟
انحنت آمال صوب الطاولة لترفع مظروفاً ورقياً مُغلقاً أمامها وتتجه نحو أميرة مُضيفةً: ولكن قبل هذا المحقق براء...
التفتت إليها بكامل جسدها حالما آتى ذكره، وابتسامة سعيدة شقت ثغرها دون أن تدري لتتابع آمال: لقد تركَ لكِ هذا الظرف.

رمت العلبة من يدها بإهمال والتقفت المظروف بلهفة، ثم سارت نحو الأريكة لتفتحه بسرعة، وجدت ورقة كرتونية مربعة الشكل، مكتوبٌ عليها بخطٍّ أنيق مميز وحبرٍ ذهبي اللون(( أراكِ في أعين الجميع وأنتِ الجميع في قلبي، فهل من مسمىً لهذا؟))).

حروف رسالته دغدغت مشاعرها بأحاسيس خلابة لم تشهد مثيلاً لها قبلاً، ظلت تتأمل تلك الكلمات، - والتي على مايبدو أنه خطّها بيده- بنظرات مُحبة لا يُخطأها من أمامها، شردت للحظات في مغزى حديثه عندما اقتحمت نبرته المميزة أذنها، اتسعت ابتسامتها وهي تقف بتمهل لتقابله، رفعت أنظارها إليه لترى غمازتيه الساحرتين، اقترب منها حتى أصبح أمامها مباشرةًوهو يرمقها بوله.

بقيا شاردين في ملامح بعضيهما لمدةٍ لايعلمانها، لتهمس أخيرا وماتزال مُحتفظةً بابتسامتها: شرّفت منزلي براء.
لم يجبها بل ظلّ يناظرها بسوداوتيه اللتان تنضحان عشقاً، حتى انتبه لنفسه فحمحم ليبتعد عنها متوجهاً نحو الأريكة ليجلس عليها بكل مهابة، فيما هي تتابعه بعينيها، رفع رأسه ليقابلها قائلاً: هلّا جلستِ أميرة.
تقدمت نحوه حتى جلست بجانبه دون أن تلتصق به فأضاف: كيف حالك؟

رمقته بنظرة ذات مغزى لتجيبه بلوم: وهل يهمك فعلاً السؤال عن حالي، صديقي؟
امتعضت تقاسيمه عندما تلفظت بكلمتها الأخيرة، لكنه عاد وابتسم مجدداً ليخبرها: غداً سأعرج عليكِ باكراً لنذهب إلى خطبةِ سمير وملك.
رفعت حاجبيها بدهشة بائنة لتردف: هل ستسمح لي بالذهاب؟
بدى مُتفاجأً من ظنها به فأضاف: وهل تعتقدين أنكِ مسجونةٌ أميرة؟

ابتسمت وهي تستند بذقنها على يدها مجيبةً بمزاح: ربما، نظراً لكثرة الحرس الذين نشرتهم حولي؟
بادلها ابتسامتها قائلاً: لا لستِ مسجونةً أبداً، والحراس في الخارج لحمايتكِ فقط.
أردفت بأول كلماتٍ خطرت على ذهنها لتنطق بعفوية: تكفيني حمايتكَ لي.
كم كانت كلماتها صادقةً نابعةً من صميم قلبها، ولو تعلم كم أسعدته، شرد في ملامحها لحظة قبل أن يستقيم واقفاً هامساً لها: جهزي نفسك، سأحضر في الساعة الثامنة والنصف لأخذك.

الغريب أنها لم تنزعج هذه المرة من عدم ردّه عليها، ربما لأنها اعتادت الأمر، وقفت قبالته وهي تكتف يديها أمام صدرها وتومئ له بالإيجاب، تحرك من أمامها مُشيراً لها بالوداع تاركاً إياها شاردةً به، كم سُعدت لحضوره بنفسه لإخبارها، أخفضت نظرها نحو تلك الورقة التي أرسلها قبلاً لتتسع ابتسامتها.
تنهدت بقوة ثم صعدت إلى غرفتها لتنتقي ثياباً ملائمة لتحضر مناسبة الغد، وقد نست أمر تلك العلبة تماماً.

خرج من القصر واتجه إلى رجاله الذين يحرسونه ليسألهم عمّا إن كان أحدهم حاول الدخول، فأخبروه بأمر فتى التوصيل الذي جلب هديةً زعمَ ان أميرة قد ابتاعتها لتهديها لملك في حفلة خطبتها.
لم يفكر براء في الأمر كثيراً لظنه أنها فعلاً هي من اشترى الهدية، ركب سيارته ليرحل وقد انطلت عليه الحيلة هو الآخر.

حلّ الصباح أخيرا وقد استفاقت مُبكراً لتجهز نفسها وهي تشعر بسعادةٍ حقيقية، ليس فقط بسبب خطبة رفيقتها ملك، بل لأنها ستقضي معظم اليوم برفقته.

نادت عليها آمال من الأسفل تنبأها بوصوله وأنه ينتظرها في الخارج، ابتسمت بسعادة وهي تتجه إلى المرآة لتتفحص هيئتها للمرة الأخيرة، وفستانها الحريري الأسود الذي يلامس ركبتيها، وأكمام تصل لمنتصف عضديها، وكان يزين الفستان فصوص لامعه عند فتحه الصدر المثلثة باحتشام محبب.

ابتسمت برضى لهيئتها، حملت حقيبتها وهي تهبط الدرجات بسرعة فلا تريد أن تتأخر عليه، فتحت باب القصر لتجده يقف مُستنداً إلى سيارته بانتظارها، تأملت بذلته الرمادية والتي زداته وسامةً قاتلة، فيما هو يبتسم باتساع على منظرها الملائكي، خاصة أنها تركت شعرها حراً لينساب على ظهرها بسلاسة، تأمل وجهها الخالي من أي مساحيق تجميل ولبست حذاءً ذو كعبٍ منخفض.

تقدمت نحوه بتمهل حتى أضحت أمامه، فتح باب سيارته لتهديه ابتسامة جذابة وهي تصعد بها، ثم ركب إلى جانبها وانطلقا إلى حيث تجمع اصدقاؤه، انطلق الموكب بعد اكتماله ولم يكن طويلاً، فقط أربع سيارات، وكان سمير في مُقدمتهم ليدلهم على الطريق.

لم تخلو الرحلة من مُشاكسات الأصدقاء لبعضهم، خاصةً عندما يتجاوزون بعضهم بسياراتهم، فأصبح الموكب أشبه بموكب سباق، ضحكت من قلبها وهي تسمع ضحكاته التي تتعالى كلّما سبق رفيقيه، بينما كانت السيارة الرابعة تخص اقارب سمير والذين كانوا ثلاث رجالٍ فقط، لم يشتركوا بالسباق الجنوني للاصدقاء الثلاثة.

كانت قرية ملك تبعد عن بيروت العاصمة مسافة ساعة واحدة، وصل موكب السيارات إلى مدخل القرية ليجدوا حشداً كبيراً من الأهالي في انتظارهم، استقبلوهم بالمزامير والطبول والعراضة اللبنانية فتلك عادةٌ عندهم عندما يضيفهم شخصٌ من خارج القرية، خاصةً وأنهم قد علموا من والد ملك بأن عريسها المُنتظر ضابط شرطة فكان لِزاماً عليهم استقباله بأفضل صورة.

وصلوا إلى منزل عائلة ملك والذي كان يقبعُ في وسط كرمٍ من الزيتون، دلف الجميع إلى المنزل المتواضع، انفصل الرجال في مضافةٍ خاصة فيما اجتمعت النساء في الصالة القريبة من المضافة.

سُعدت أميرة عندما رأت المعاملة الطيبة التي تلقتها من أهالي القرية بشكلٍ عام، شعرت بينهم بالألفة والطمأنينة كأنها تعرفهم منذ أمدٍ بعيد، قامت بعضُ الفتيات بتشغيل جهازٍ موسيقي وأخذنَ يتبارينَ في إظهارِ مواهبهنْ، وقد تولى البعض الآخر مهمة تجهيز ملك، فخرجت بعد قليل لتجلس على مرتبةٍ مُرتفعة عن مستوى البقية، لينضمّ إليها سمير بعد قليل ليلبسها خاتمه الألماسي، وألبسته هي بدورها محبسه فقبلها على رأسها لتتعالى أصوات الزغاريد من النساء المتواجدات.

حضر براء وعادل أيضا ليحضرا مراسم الخطبة، لم يأبه براء بأية مراسم فقد كانت عيناه مُسلطتان عليها هي فقط، يبتسم لابتسامتها ويتبعها أينما ذهبت.
، فيما كان عادل يهوى مضايقة سلاف فينحني صوب أذنها ليهمس لها بأنه رأى فتاةً جميلة فتنكزه في خاصرته ليتلوى من الألم.

تأملت منظر الكرم حول المنزل، لتنسلّ بهدوء من بين الحضور متجهةً إلى الخارج، غافلةً عن براء الذي ماانفكّ يراقبها، تبعها دون أن تشعر حتى رآها وقفت بجانب شجرةِ زيتونٍ كبيرة، قطب جبينه وهو يراها تتأمل الشجرة باهتمام كأنه قرأ أفكارها، ربما هي لاتتذكره لكنها من المؤكد تتذكر لعبتها المفضلة في تسلق شجر الزيتون عندما كانت صغيرة.

كم كانت عنيدةً، تظلّ تبكي وتخبره بأن يساعدها في تسلق الأشجار فيما هو يرفض خوفاً عليها، وفي النهاية يخضع لدموعها ويساعدها في التسلق ويبقى هو في الأسفل يراقبها بقلق، يخشى أن تنزلق قدمها فتقع.
تنهد بقوة ثم اقترب منها، استشعرت اقترابه فتحدثت دون أن تلتفت نحوه: أتعلم؟، أحلم دائماً بفتاةٍ صغيرة لم يتعدى عمرها الثلاثة أعوام، وهي تتسلق شجرة زيتون مشابهةً لهذه.
ازدرد ريقه يسألها: وهل تعرفين تلك الصغيرة؟

لم تجبه لثوان كأنها تفكر، حتى التفتت إليه فجأة وهي تهمس: لاأعلم، أعتقد أنها تشبهني كثيراً.
رمش بعينيه وهو يتأملها، كم هو شعور مُهلك عندما لا تتذكرك من نسيتَ العالم لأجلها، لكن لمَ التعجب براء؟ فهي لم تتذكر نفسها ولا والدتها فكيف ستتذكرك أنت؟
أخذ نفسا عميقا زفره بقوة وهو يسألها: ما رأيك، هل نتمشى قليلاً؟

أبتسمت باتساع وهي تمشي إلى جانبه، مُحافظاً على مسافةٍ جيدة بينهما، ظلّا يمشيان دون حديث في معظم الأحيان، يكفيه فقط وجودها بجواره.
كم كانت سعيدة بقربها منه وإن استشعرت ألماً في عينيه معظم الأحيان، ناهيك عن بروده معها وحرصه على عدم لمسها، لكن هذا كله لم ينقص من سعادتها بقربه.

قرر العودة إلى الحفل عندما اقترب النهار من انتصافه وزادت درجة الحرارة، دخلت إلى الصالة لتجلس مكانها، فيما بقي هو في الخارج مع عادل وبعض الشباب من القرية.

اقتربت منها سيدة بدى عليها الكِبر لتجلس بجانبها وهي ترمقها بتفحصٍ جلي، أخذت السيدة تتحدث عن نفسها وابنها الوحيد وعمله كطبيب، وعائلتها ومكانتها الرفيعة، وأميرة تستمع إليها بإمعان، حتى صدمتها السيدة بقولها: لقد سألت سمر عنكِ وأخبرتني أنك صديقة ملك وأنك لستِ مخطوبة، فهل تقبلين إذا تقدم ولدي لخطبتك؟

سيطرت عليها الدهشة ولم تعرف بمَ تُجيبها، فهي لم توضع في موقفٍ مُشابه أبدا، تلقائيا ودون وعيٍّ منها وجدت نفسها تبحث عنه حتى رأته، لاتعلم لما سوّلَ لها شيطانها بأن تعبث معه قليلاً، فالتفتت إلى السيدة لتخبرها بكل براءة: إن كان طبيباً كما قلتِ فلا مانع لدي، لكن أولا عليكِ أن تطلبيني من أبن عمي.

دُهشت السيدة من حديثها، فهي قد علمت من سمر بأن أميرة لا أقارب لها بعد وفاة والدها، فسألتها باستغراب: ومن يكون ابن عمك هذا؟
أشارت لها إليه وهي تهمس لها: ذاك هو، إنه ضابط شرطة أيضاً مثل سمير.
طالعته السيدة لثوان ثم عزمت أمرها، استقامت من مكانها موجهةً حديثها إلى أميرة: وانا سأذهب لأكلمه الآن.

تحركت من فورها متجهةً نحوه، استغرب عندما طلبت هذه السيدة أن تتحدث معه على انفراد في موضوع خاص، مشى معها فلم يلمح تلك الابتسامة الماكرة على شفتيها، والتي اتسعت وهي ترى ملامحه التي تجهمت أثناء حديثه مع السيدة.
رمقها بنظرةٍ مطولة غامضة أخافتها، فجأةً تحولت ملامحه للابتسام وهو يتوجه بالحديث إلى السيدة التي أشارت له بالإيجاب، ثم تحركت من أمامه تاركةً إياه يطالع أميرة بغموض.

لاتنكر أن نظراته تلك أرعبتها، وقد زاد فضولها لمعرفة ماذا أخبر تلك السيدة خاصة انها قد رحللت.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 5 من 14 < 1 7 8 9 10 11 12 13 14 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1969 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1445 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1450 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1255 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2427 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، أشلاء ،












الساعة الآن 07:28 PM