logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 3 من 11 < 1 2 3 4 5 6 7 8 11 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية وصية والد
  23-03-2022 03:32 مساءً   [10]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الحادي عشر

دلفت أماليا إلى المشفى اليوم متجهمة الوجه، جبينها مقطب بشكل يثير الريبة، رمت ثقلها على كرسي مكتبها وهي تنفخ وتزفر بملل، حملت ملفا ما نقلته من يمين المكتب إلى يساره ثم أعادته إلى مكانه مجددا، خللت بيدها خصلات شعرها الأشقر وهي تشعر بيد خفية تقبض على عنقها، كتفت يديها ثم أسندت رأسها عليهما، وهي تراجع في ذهنها حديث نور بالأمس، والذي كان سبب كل هذا الضيق الذي يعتريها.

Flash Back.
جلست نور برفقة شقيقتها تتسامر معها حول سهرة التعارف الناجحة بسلفتها المستقبلية، بعد أن اعتذرت منها وصالحتها.
تحدثت نور بإسهاب: لو رأيتها أماليا، كم هي جميلة، رقيقة وسلسة في التعامل، لاتشعرك بالغربة أو الحرج معها أبدا.
تبسمت أماليا مجاملة وهي تحرك رأسها بتفهم، تحاول احتواء النيران التي أضرمت في صدرها من الحديث حول زوجة أدهم، ولا تعلم السبب الحقيقي خلفها.

فيما أضافت أختها بحماس: هي وأدهم مثال للزوجين المتفاهمين والمحبين، أتعلمين؟ لقد أخبرني مجد أنهما طوال اثني عشر عاما من زواجهما لم يتشاجرا ولا حتى مرة واحدة، تخيلي؟
ادعت الانشغال بخيط متمرد من طرف وسادتها لتخفي فكها الذي تشنج من كثرة الضغط عليه حتى كاد يسمع صوت صرير أسنانها.

سكتت نور عن ثرثرتها لبضع ثوان لتشرد بعيدا وهي تتنهد بسعادة، ثم صاحت كمن تذكر أمرا: احزري ما كانت هدية أدهم لها بمناسبة عودتها إلى البلاد؟
رفعت رأسها إليها فجأة وقد زوت مابين حاجبيها، وصوت ناقم يصرخ داخلها: هدية؟ طبعا سعيد بعودة حبيبة القلب إلى هنا؟

تابعت الأخرى بلهفة وهي تضم يديها إلى صدرها بحنان: لقد اشترى لها محلا ومشغلا أيضا، آه أماليا لو رأيتهما! كانا كعصفوري الحب الحقيقي، في عينيه وميض غريب كلما نظر إليها.
امتعضت ملامح أماليا وارتسم الأسى داخل مقلتيها، لكن نور لم تنتبه إليها، بل انتفضت من مكانها فجأة لتقبلها على وجنتها بغتة وهي تردد: أنا ذاهبة لأحادث مجد قبل أن ينام، تصبحين على خير.

سارت نحو الباب بخطوات متعجلة ثم وقفت لتستدير مجددا نحو شقيقتها مضيفة: لقد تذكرت، سيأتي أدهم ومجد ليحددا موعد حفلة الخطبة مع والدي غدا مساء..
خرجت نور أخيرا تاركة شقيقتها تطالع آثرها بصدمة، ياآلهي كيف نسيت أمر الحفل؟
كيف ستقابل أدهم وزوجته أيضا؟ مهما حاولت الاختباء لكنها لن تستطيع تجنبها لوقت طويل، خاصة وأنها شقيقة العروس فمن المؤكد أن ريما ستود التعرف إليها.

جفلت أماليا مع طرقات متتالية على باب مكتبها فأفاقتها، دخلت إحدى الممرضات تخبرها بوصول خديجة مع زوجها لتحديد موعد عملية التقليح الاصطناعي.
أشارت لها برأسها، تنفست بعمق ثم زفرت وهي تغمض عينيها، فتحتهما تزامنا مع دخول خديجة وزوجها، تصنعت الابتسام وهي تحدثهم عن العملية، سرعان ماغرقت في الحديث معهم علها تخرجه من عقلها لفترة، لعل أعصابها ترتاح.

حضر قاسم صديق عمار ومحاميه إلى المنزل بناء على طلب الأخير، مازالا في غرفة المكتب منذ اكثر من ساعة حيث كان عمار يسرد لصديقه طلبه، والذي بدى غريبا من وجهة نظر قاسم الذي صاح به: ما هذا الكلام الذي تقوله عمار؟ أجننت؟
بقي عمار على هدوئه وهو يجيبه: ما المشكلة في طلبي قاسم؟
رفرف الآخر بأهدابه قائلا باستنكار: ألا ترى مشكلة في حديثك؟ حقا عمار؟ إنك بوصيتك هذه ستخلق شرخا كبيرا بين أفراد عائلتك!

تنهد عمار ثم تحدث بروية: اسمعني قاسم، أعلم أن وصيتي قد تبدو ضربا من ضروب الجنون...
قاطعه قاسم بسخط ساخر: بل إنها الجنون بعينه صدقني.
لم يأبه الآخر برأيه بل تابع حديثه ببرود مستفز: بسبب هذه الوصية ستضطر أماليا أن تتحرر من قوقعتها الوهمية التي غلفت نفسها بها.

بدت الحيرة على وجه المحامي وهو يحرك رأسه للجانبين مضيفا: لكن، ونور؟ ألم تفكر بها؟ أماليا ضامنة مستقبلها فمع عيادتها والعقارات التي ورثتها عن أمها لن تحتاج لأحد، لكن نور...
قاطعه عمار بنبرة واثقة حازمة لكنها هادئة: نور لن تحتاج لأحد، لأن أماليا لن تسمح بتنفيذ الوصية، ستجبر على القبول بالشروط لأجل شقيقتها صدقني.

زفر قاسم بضيق، ورغم عدم اقتناعه بحديث عمار لكنه يعلم أيضا مدى عناده وتحجر عقله إن انتوى على فعل أمر ما، لربما صديقه يرى في بناته شيئا لا يراه هو، ربما!

في المساء جاء أدهم برفقة مجد لزيارة السيد عمار والاتفاق معه على ترتيبات الحفل، أخبرهما عمار بأنه حجز القاعة مسبقا وطبع كروت الدعوة والتاريخ أيضا، والذي يصادف بعد ثلاثة أيام من الآن.

تعمد أدهم أن يطيل في جلوسه عله يراها ويروي شوق قلبه المتعب حتى تأخر الوقت، لكن مالم يكن يعلمه بأن أماليا كانت تنتظر بسيارتها خارج منزل عائلتها، فعندما عادت من عملها رأت سيارة مجد فخمنت أنه وشقيقه مازالا في المنزل، لذى آثرت السلامة وعدم الاحتكاك به أبدا، ماإن رأته يغادر برفقة مجد حتى تنفست الصعداء كمن تخلص من حمل يجثو فوق صدره.

دخلت المنزل لتجد عائلتها مازالوا جالسين في الصالة بعد خروج ضيفيهما، تصنعت الابتسام وهي تلقي التحية عليهم، كادت تهرب كالعادة لكن حديث عليا أوقفها: أتعلمين أماليا؟
التفتت صوبها وقلبها يهدر بسرعة يريد معرفة موعد الحفل المرتقب، فيما أضافت عليا: لو أنك حضرتي أبكر بدقائق للحقتي بأدهم وشقيقه.
ابتسامة باردة قابلتها بها، والصوت الناقم ذاته يصرخ داخلها: من الجيد أنني لم أفعل.

تحدث عمار يخبرها: لقد حددنا موعد حفل الخطبة عزيزتي، سنقيمه بعد ثلاثة أيام، فقد تم حجز الصالة وتجهيز كل شيء.
هزت رأسها إيجابا وقد تقطب جبينها مفكرة، لن تحضر الحفل، لا يهم كيف المهم أنها لن تقابل زوجة أدهم او هو نفسه مهما حصل، قررت ورفعت الجلسة.

وقف أدهم مع شقيقه في مكتب أيمن الذي سبق وأن تولوا مسألة تجهيزه، وكان ايمن يقف ليشاهد التعديلات والديكورات التي تمت إضافتها إلى المكتب، لم يكن قد انتهى بعد فما زال هناك بعض اللمسات الأخيرة.
هتف أيمن بإعجاب بعد أن عاين المكان: ماشاء الله، إنكم بارعون للغاية، سلمت أيديكم.
تبسم أدهم باقتضاب فيما أجابه مجد بفخر: طبعا سيد أيمن، لن تجد مكتبا يعمل بجودة مكتبنا ولا مهندسا ببراعة أدهم أؤكد لك.

أشار له إلى الديكورات الخشبية الموضوعة في زوايا المكتب مضيفا بحماس: اترى هذه الديكورات؟ انا بنفسي اشرفت على توضيبها هناك.
ربت أيمن على كتفه مردفا: سلمت يداك مجد، إنها جميلة فعلا.
أضاف وهو يقابل أدهم: إذا سيد أدهم متى سيتم تسليمي المكتب؟
أجابه أدهم بسلاسة: في نهاية هذا الأسبوع سيد ايمن، وبعدها تستطيع الابتداء بعملك.

تنهد أيمن بقلة حيلة وهو يشيح بوجهه مشيرا برأسه باقتضاب، لاحظه أدهم فسأله بجدية: هل هناك أمر لم يعجبك سيد أيمن؟
أعاد نظره إليه مبتسما باقتضاب نافيا: لا لا أبدا بل على العكس، إنه رائع للغاية.
تبادل أدهم مع مجد نظرات مستغربة ثم نطق مجد: مالأمر إذا سيد أيمن؟ تكلم لربما ساعدناك؟

نطق آخر كلماته وهو ينظر إلى أخيه الذي أشار له بالإيجاب، زفر ايمن بخفة مجيبا: الحقيقة لا شيء مهم، المسألة أنني قد وقعت في مأزق بسبب تخلي شريكي عني، فقد أنفقت معظم أموالي على شراء المكتب وتجهيزه، ومابقي معي الآن لن يكفي لأن أبدأ بأول أعمالي.

سكت لثانية و هو يعقد حاجبيه بتفكر ثم تحدث بتردد في طرح فكرته: سيد أدهم انا لا أخفيك حاجتي إلى شريك يساعدني في المكتب، وبما أن مجد يدرس إدارة الأعمال مثلي فما رأيك بأن يدخل هو أو أنت شريكا معي؟
تبادل مجد وشقيقه نظرات متفاجئة، ران الصمت بينهما للحظات وقبل أن يتحدث مجد نطق أدهم بلا تعابير واضحه في نبرته: دعنا نفكر بعرضك سيد أيمن، وسنجيبك في الغد.

خرج عقبها مفكرا يتبعه مجد، أيصح أن يدخله إلى حياته بهذه الطريقة؟ ماذا إن اكتشف حقيقة قرابته مع ريما أو ربما الأسوء، ماذا إن رآها يوما مع مجد؟
أغمض عينيه بقوة من مجرد التخيل حينها سينقلب الوضع برمته، ربما من الأفضل رفض الأمر نهائيا.
قاطع مجد تفكيره حين تحدث بنبرة لينة: أنا موافق أدهم.
نظر إليه باستغراب قبل أن يفتح باب السيارة فأضاف الآخر: نعم، أريد أن أشارك أيمن بحصتي من ميراث والدنا.

حاول أدهم الحديث بعقلانية عله يثنيه: اسمع مجد، انا لا أمانع بأن تؤسس لنفسك عملا ضمن اختصاص دراستك والاستقلال بذاتك وكيانك، لكن لماذا ايمن تحديدا؟ ولم تشارك أحدهم من الأساس؟ فأنت بإمكانك أن تؤسس مكتبك أو شركتك دون مساعدة من أحد؟
ابتسم مجد بتفهم لحديثه لكنه أجاب: أعلم أنك تريد مصلحتي أخي، لكنني لا أريد دخول عالم الأعمال بلا خبرة فهكذا سأجازف بنفسي وسمعتي قبل أن ابدأ حتى.

اقترب اكثر منه وهو يضع يده على كتفه مردفا: أنا بحاجة شخص ذو تجربه لأستفيد من خبراته، ولن أجد أفضل من أيمن صدقني.
دار مجد حول السيارة ليركب مكانه، تاركا شقيقه يحسب توابع قراره، خلل خصلاته بيده حائرا، فمن ناحية لا يريد إحباط شقيقه فيعتبر أنه يقف ضده، ومن ناحية أخرى يخشى أن يعرف أيمن عن ريما من مجد فينفجر الماضي بما فيه.

زفر بقلة حيلة وهو يعلم أن لاحل في يده حاليا، لم يخبر ريما عن أيمن قبلا، لكنه على مايبدو هو مضطر الآن لإخبارها لتتلافى الالتقاء به، ربما من الجيد أن زوجة ايمن متوفية، وإلا لأصر مجد أن يعرفها بريما، ابتسم بسخط على أفكاره المجنونة، ثم صعد بجانب شقيقه.

مر اليومان سريعا وأتت الليلة الموعودة، وقفت أماليا تنفخ بامتعاض واضح على قسماتها بجانب والدتها ووالدها اللذان وقفا على باب القاعة المخصصة للاحتفال لاستقبال الضيوف.

كم حاولت على مدار اليومين الماضيين التهرب من الحضور متذرعة بكافة الأعذار لكنها لم تفلح، حتى عندما تحججت لوالدها بأن لديها مناوبة ليلية في المشفى قام عمار بمهاتفة صديقه صاحب المشفى ليأخذ لها إجازة فقط كي تحضر، مع رفض قاطع لأي تبريرات فهي شقيقة العروس ولا يصح أن تتغيب عن حفلة الخطبة.

دخلت السيدة هبة صديقة عليا إلى الصالة الكبيرة برفقة وحيدها نبيل، الذي ماإن رأى أماليا حتى شقت ثغره ابتسامة عريضة، التمعت عيناه وهو يقف أمامها ليصافحها مرددا بنبرة ذات مغزى: مبارك آنسة أماليا، على أمل أن نفرح بك قريبا.
ابتسامة باردة قابلته بها وهي تبادله مصافحته: شكرا لك سيد نبيل.

مرت ثوان وماتزال يدها محاصرة بين كفيه فرفعت حاجبها له بتحذير، رغم أنه قد قرأ الاعتراض داخل مقلتيها لكنه تغاضى عنه قاصدا، فسحبت يدها بقوة وهي تكز على أسنانها قائلة: تفضل بالدخول سيد نبيل.
لمحت صديقتها الوحيدة هدى داخلة برفقة زوجها فتركته واقفا واتجهت صوبها، همس نبيل لنفسه بغيظ: أعترف انك جميلة، بل فاتنة، لكن هذا لا يعطيك الحق أبدا باستحقاري.

قبلتها هدى من وجنتها وهي تهمس لها بحماس صادق: مبارك مبارك عزيزتي، على أمل أن نفرح بك أيضا.
ابتسمت لها باقتضاب واهدت الابتسامة ذاتها لمازن الذي أعاد على مسامعها كلمات التهنئة ذاتها، وكأن العالم قد خلا سوى من هذه الكلمات.

ارتدى أدهم بذلته الرسمية الرجالية والتي كانت باللون الأسود، استغنى عن رابطة عنقه ليترك اول زرين من قميصه الأسود مفتوحان.
جلس على الأريكة المتواجدة في غرفة النوم، بانتظار ريما التي كانت ترتدي ثيابها في غرفة الملابس، شرد في نقطة في الفراغ، هل يصح أن يخبرها عن أيمن؟ يخشى فقط أن يجعلها تقلق دون حاجة إلى ذلك، لكنه أيضا لا يضمن مالذي سيحصل مستقبلا.

خرجت ريما في هذه الأثناء وهي تضع قرطها في أذنها فلاحظت شرود أدهم، اعتقدت بداية أنه قلق فقط من مقابلتها لأماليا في الحفل وكيف ستكون ردة فعل الأخيرة، اقتربت منه حتى وقفت أمامه فجفل بخفة، ورفع أنظاره إليها ليبتسم لها مجاملا، كتفت يديها وزوت مابين حاجبيها ثم تحدثت بحدة مصطنعة: هل لي أن أعلم من التي سلبت لك عقلك سيد أدهم؟

قهقه على تعابيرها المتصنعة قائلا بنوع من التهكم المازح وهو يقف بمواجهتها: لا يليق بك دور الزوجة الغيور أبدا بالمناسبة.
ارتخت تعابيرها وهي ترفع رأسها بكبرياء واضح لتجيبه بنبرته ذاتها: لست بشخصية جذابة لأغار عليك بالمناسبة.

حملق فيها بذهول من إجابتها، لكنها لم تمهله أكثر فتحركت من فورها ليتبعها هو محاولا النيل منها، تعالت ضحكاتهما في الرواق وعاد الزمن بهما إلى تلك الفترة، عندما كانا مجرد مراهقين بريئين، يخيل للناظر إليهما أنهما أسعد زوجين في هذا العالم، لكن علاقتهما أبدا لم تتخطى حدود الأخوة والصداقة.

وصلا للأسفل وضحكاتهما تسبقهما، وقف مجد الذي كان بانتظارهم مبتسما ثم صاح بمشاغبة: طبعا، حضرة السيد أدهم ضامن وجود ملاكه بقربه، أما أنا فجالس أحترق بشوق لأذهب إلى حبيبتي التي تنتظرني.
يبدو أنه مصر على إحراجهما كلما رآهما سويا، ناظره أدهم بقلة حيلة فيما نكست ريما رأسها للأسفل بحرج، ما لبثت أن رفعته بعينين متسعتين وهي تصيح: لقد نسيت هدية نور في الاعلى، سأصعد لإحضارها لن اتأخر.

ابتسم أدهم عليها وهي تركض كطفلة، واجه مجد الذي تحدث: لقد دعوت السيد أيمن إلى حفلتي.
حل التجهم على ملامح أدهم، رمش بعينيه وهو يسأله بقلق: وماذا أخبرك؟ هل سيحضر؟
تنفس مجد بعمق وهو يشير برأسه نافيا: لا، لقد أخبرني أنه مدعو على العشاء لدى أحد أصدقائه وقد وعده مسبقا بالحضور..
تنفس الآخر وزفر براحة، من الجيد أن أيمن رفض من تلقاء نفسه، خير من أن يرى ريما بهذه الطريقة.

رفع رأسه إليها وهي تنزل الدرجات بتأن صائحة بحماس وهي تشير بيدها إلى علبة مخملية زرقاء: لقد احضرتها، هيا فلنذهب.

كانت أماليا واقفة على طاولة في أطراف الصالة وقد بان التوتر الكبير عليها، لم تهدأ حركة قدمها العصبية وهي تقضم أظافرها مرة وتتطلع إلى ساعتها تارة ثانيه، ثم تخلل شعرها الأشقر ذو التسريحة العادية أحيانا أخرى، أخذ القلق منها مأخذا كبيرا وعقلها مازال يفكر في طريقة للتخلص من لقاء ريما، ولكن كيف السبيل؟

لاحت منها نظرة إلى هدى التي كانت تتجاذب أطراف الحديث مع نور الجالسة في مكانها المخصص، خطرت على ذهنها فكرة خطيرة قد تنقذها لحظيا من اللقاء بريما أو حتى أدهم.
أشارت لصديقتها عدة مرات قبل أن تنتبه إليها، تقدمت هدى صوبها راسمة على ثغرها ابتسامة عذبة.

٠جذبتها أماليا من يدها لتسحبها خلفها وهي تسير إلى أحد أركان القاعة، تبعتها هدى بخطوات راكضة، رافعة طرف فستانها لئلا تتعثر بذيله وهي تتمتم بمزاح: بهدوء عزيزتي أماليا بالله عليك بهدوء.

توقفت أماليا مع هدى في زاوية بعيدة وبحثت بعينيها عن والداها، كانت هدى ترتب فستانها الذي تجعد من الهرولة خلف رفيقتها، لاحظت تقاسيمها المشدودة فرددت بخوف مصطنع وهي تنكمش على نفسها بطريقة مسرحية: شكلك مخيف أماليا، أتريدين أن تستفردي بي؟ منذ، متى اصبحتي منحرفة هكذا؟
رفرفت عيناها لثوان حتى أدركت طرفة صديقته، فضربتها على يدها بخفة وهي تهمس لها بسخرية: دعي خفة دمك لوقت آخر أيتها الظريفة.

ثم تابعت بجدية: المهم الآن أنا بحاجة إلى مساعدتك.
وقبل أن تنطق هدى أردفت وهي ترفع إصبعها السبابة بتحذير: ولا تسأليني عن السبب، اتفقنا؟
التمست هدى القلق واللهفة في نبرة رفيقتها، فأولتها كامل اهتمامها متحدثة: أقلقتني أماليا، مالأمر؟
عادت اماليا لتجول بناظريها حتى رأت والداها مندمجان في الحديث مع السيد قاسم الرجل الستيني، ثم توجهت بالحديث إلى هدى قائلة بهمس خافت: اسمعي...

تقدمت آماليا بابتسامة مختلقة بالكاد تبدو ظاهرة، نحو مكان وقوف والديها، فقابلها قاسم الأرمل صائحا بتهليل: ياأهلا بالطبيبة الجميلة نجمة هذا الحفل ياأهلا، كيف حالك عزيزتي أماليا؟
وقفت بجانبه وهي تحييه: أهلا بشيخ الشباب، كيف حالك عم قاسم؟
امتعضت قسماته بتصنع ثم تحدث باستنكار: شيخ الشباب وعم قاسم؟ صفتان غير متوافقتان عزيزتي، اختاري أحدهما.

ثم أخفض صوته ليضيف و هو ينظر حوله: وأنا أفضل الأولى، فكما ترين الفتيات كثيرات هنا، لعلي اصطاد إحداهن.
ضحك عمار ليوبخه: أيها العجوز،! انظر حولك فجميعهن من عمر بناتك.
قهقه قاسم ليرد عليه بدوره: الحب لا عمر له سيد عمار المحترم.
تعالت ضحكاتهما الممازحة فيما أماليا تتلفت حولها بقلق، حتى رأت هدى تتقدم نحوهم وهي ترسم الجدية على محياها، فأشاحت بوجهها متصنعة عدم الانتباه.

وصلت هدى إليهم ثم حدثت أماليا بقلق ظاهر: أماليا أين هاتفك؟
انتبه الجميع إليها فيما ادعت أماليا عدم الاهتمام وهي تجيبها: أعتقد أنه في حقيبتي لدى الاستقبال، لماذا؟
هتفت الأخرى بسرعة كأنها تريد التخلص من حمل ثقيل: موظفو المشفى يحاولون الوصول إليك، ليخبروك بأن إحدى مريضاتك على وشك الولادة الآن.
أجادت أماليا ادعاء القلق وهي تتحدث: حقا؟ يا آلهي إذا يجب أن أذهب بسرعة.

تحركت من مكانها ثم قبضت عليا على رسغها لتعيدها هاتفة باستنكار وهي تشير لها على ملابسها: ستذهبين هكذا؟
تطلعت إلى فستانها الأسود الذي يصل لما بعد الركبة بقليل، فأجابتها بشيء من الحرج قبل أن تنكشف خدعها: لا يهم الآن امي، سأبدل في المشفى، إلى اللقاء.

خرجت بخطوات متلاحقة سريعة حتى خرجت من القاعة، استقرت خلف المقود وهي تتنفس الصعداء لقد نجحت أخيرا وتفادت اللقاء بريما، لاحظت قبل أن تدير السيارة اصطفاف سيارة سوداء حديثة تبعتها أخرى عرفتها على أنها لمجد، فخمنت أن الأخرى لأدهم، وقد صدق حدسها عندما ترجل أدهم من السيارة، ليلتف حولها ثم فتح الباب، مد يده لريما التي ابتسمت له مجاملة، ظنتها أماليا لفرط غيرتها أنها ابتسامة حب.

ضغطت على المقود دون شعور منها حتى ابيضت مفاصلها، ظلت تتابعهم حتى دخلا برفقة مجد إلى القاعة.
انتبهت إلى يدها المسكينة التي تشد على المقود فآلمتها، مسدتها بلطف وهي تدلكها بخفة، وفي عيناها اهتاج بحرها بغضب وغيرة معا، أدارت السيارة أخيرا ثم اتجهت الى منزلها الخالي من وجود أحدهم، فالخدم وأمينة قد جاءوا لحضور الحفل.

تعرفت ريما إلى عائلة نور وبعض المتواجدين ممن يعرفها من المجلات، لكنها لم تر أماليا بعد ولم تستطع السؤال عنها لئلا تثير الشكوك حولها.
رأت أدهم يقف في ركن منزو وهو يجول بعينيه بين الحضور عله يراها لكن على مايبدو أن لا أمل في ذلك اليوم! أيضا!
اعتذرت بتهذيب ورصانة من السيدة التي كانت تحادثها، ثم اتجهت إليه، سألته حالما وقفت بجانبه: إذا أدهم، أين أماليا؟ ألم تظهر بعد؟

زفر بضيق وهو ينحني صوب أذنها هامسا: لا أعلم، لكنني لا أراها هنا أبدا.
نفخ مجددا وهو يردد: هل يعقل إنها لم تحضر حفلة أختها أساسا؟
تبسمت ريما وهي تشيح بوجهها إلى الجانب الآخر، طالعها أدهم بريبة فسألها بشك ممتزج بالامتعاض: لم تبتسمين ريما؟ هل قلت شيئا مضحكا؟
حاولت كتم ضحكتها التي على مايبدو أنها لن تقاوم طويلا لتقول: لإنك لن تجدها أبدا.

ناظرها بعدم فهم فأردفت: مستحيل ألا تحضر خطبة شقيقتها الوحيدة، لكنني أعتقد أنها هربت لأنها لن تتحمل رؤيتي بجانبك أيها الأحمق.
ضحكت بخفوت في آخر حديثها وهي تغطي فمها بيدها، تفحصت ملامح أدهم المصدومة، لحظات مرت قبل أن يستوعب حديث ريما، حسنا ربما...
رفرفت عيناه قبل أن يبتسم باتساع هو الآخر وهو يخلل شعره بيديه...
الآن متأكد فعلا، أن ريما محقة...


look/images/icons/i1.gif رواية وصية والد
  23-03-2022 03:36 مساءً   [11]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثاني عشر

(( لاتصدق شيئا مما تسمعه، وصدق نصف ما تراه))
إنها حكمة انكليزية، لكن على مايبدو فإن أماليا لم تسمع بها مطلقا، فقد قضت ليلتها في تفكير عقيم، محوره أدهم وعلاقته بريما، كل ماكان يشغلها هو معرفة تاريخهما سويا، بناء على حديث ريما للمجلة فمعرفتهما ببعض تسبق معرفتها هي به، لكن أين وكيف ومتى؟
تكاد تجن وتفقد عقلها في محاولة يائسة لإيجاد إجابة عن هذا السؤال.

لم يكن الوقت بالمتأخر جدا عندما عادت عائلتها بسيارتهم الخاصة، تتبعها سيارة أخرى حملت أمينة وباقي العاملات في المنزل.
ترجلت عليا من السيارة التي كان يقودها سائق خاص، عقدت حاجبيها بريبة عندما رأت سيارة أماليا مركونة في مرآب المنزل، رفعت رأسها الى الأعلى فلم تر أي إضاءة في غرفتها، لم تشعر بأن أماليا تتصرف بغرابة أحيانا.؟
جفلت بخفة على لمسة عمار الخفيفة على كتفها متسائلا: مالأمر عزيزتي؟

ابتسمت بزيف ثم أجابته بارتباك طفيف: لا شيء عزيزي، فقط أتأكد من أمر ما، ادخل أنت إلى المنزل.
تقدمت نور التي كانت تراقب بتعب فتحدثت وهي تتأبط ذراع أبيها: أبي تعال لندخل، لقد تعبت هذه الليله كثيرا.
سار عمار مع ابنته باتجاه للمنزل وهو يحادثها بتسلية وانتظرتهما عليا حتى دخلاه، ثم توجهت إلى سيارة أماليا، تلمست غطاءها الأمامي فوجدته باردا، إذا فالسيارة هنا منذ وقت ليس بقصير!

وقفت لثوان تفكر قبل أن تدخل هي الأخرى، استغلت انشغال عمار بممازحة نور في الصالة وغياب الخدم مع أمينة داخلا لتصعد إلى الأعلى.
شعرت أماليا بخطوات تقترب من غرفتها فأدارت ظهرها للباب، لحظات قليلة حتى ظهرت عليا من خلفه، قطبت جبينها ثم صاحت عليها بجمود: أماليا؟

أغمضت الأخيرة عينيها بقوة وهي تعض على شفتها، لقد عادت عائلتها أبكر مما كانت تظن، تنفست بانتظام حتى تصدق عليا بأنها نائمة حقا، فلم يكن بها من الجلد مايؤهلها للحديث معها وهي بهذا القدر من الارتباك والتوتر.

وقفت عليا تطالع ظهر ابنتها بتفكر، ثلاث أو ربما أربع ساعات فقط هي التي غابتها أماليا، وهذا ليس الوقت الكافي أبدا لولادة مريضتها والاطمئنان عليها وعلى وليدها، ثم العودة إلى المنزل والغط في النوم العميق هكذا.
أمالت رأسها للجانب وهي تضع يدها على خصرها وتضغط على شفتيها بقوة، ربما هي لاتعرف سر تصرفات أماليا المريبة، لكنها متأكدة من أن ماتخفيه امر لا يطمئن بالمرة.

اعتدلت في رقدتها بعد مغادرة والدتها، نفخت بسأم ووضعت يديها على وجهها، لم تتوقع أن ينتهي الحفل باكرا هكذا وتعود عائلتها إلى المنزل، كذلك لم تحسب حساب أن ينتبه أحدهم إلى سيارتها المركونة في المرآب، وأيضا لم يتوارد إلى ذهنها أن تشكك والدتها بها أبدا لاعتقادها أن خدعتها قد انطلت عليها حالها حال الجميع.

تلقائيا وجدت تفكيرها يتوجه مجددا إليه، لم تعرف كم بقيت على هذه الحال من التفكير الأجوف، شعرت بتثاقل أجفانها فغطت في نوم قلق، تشوبه معظم الذكريات بمرها وحلوها.

استيقظت ريما باكرا كعادتها لعلمها بأن أدهم سيذهب إلى عمله، تعمدت أن تتحرك في الغرفة وتثير جلبة خفيفة كإشارة منها بأنها مستيقظة.
كان أدهم مستيقظا هو الآخر، رغم تأخره في النوم إلى الفجر مفكرا في حقيقة مشاعر أماليا نحوه، وقليل من السعادة تجتاح خلاياه للاستنتاج الذي توصلت إليه ريما بالأمس، لكنه استيقظ مبكرا بعد قراره بأن يخبرها بشأن أيمن، لتتجنب لقاؤه لو طلب مجد هذا.

طرق على باب غرفته من الداخل، قبل أن يفتحه بحذر، ليرى ريما مستفيقة تتحرك في أرجاء الغرفة وهي تلبس منامة حريرية وأغلقت سترتها بالخيط المخصص، ابتسم بخفه ليصدح صوته: صباح الخير؟
وقفت عما كانت تفعله لتهديه ابتسامة رقيقة على محياها لتنطق: صباح النور أدهم، هيا لتغتسل حتى ننزل إلى الأسفل سويا.
تحركت لترتب سريرها لكنه بقي واقفا، التفتت صوبه بجبين مقطب لتسأله: مابك أدهم؟

مشى نحوها حتى وقف أمامها، أمسك بيدها ليسحبها بخفة إلى الأريكة القريبة، أجلسها ثم جلس بجانبها ثم تحدث بتردد: اسمعي ريما، هناك أمر هام يجب أن تعرفيه.
أولته كل اهتمامها فيما أشارت له بالإيجاب بانتظار أن يواصل حديثه، أخذ نفسا مطولا زفره دفعة واحدة ليقول جملته المقتضبة، لكنها أثارت زوابعا داخلها: أيمن عاد.

تجمدت حدقتاه في عينيه وكأنها تلتمس أن يكون مخطئا، أو ربما سمعت منه خطأ، مرت ثوان لتتأكد أنه ما قال إلا الصدق، اشاحت بوجهها للجانب الآخر وهي تزدرد ريقها بتوتر ثم تحدثت بصوت طغى عليه القلق وإن ادعت ثباتها: وإن يكن؟ ليس هناك مايربطنا به لنقلق بشأنه صحيح؟

رفعت كوب الماء الزجاجي الموضوع على الطاولة أمامها لترتشف منه بضعة قطرات تبلل بها ريقها الجاف، لاحظت هدوء أدهم المريب فتطلعت إليه وضيقت عينيها بتفرس وهي تسأله: كيف عرفت أنت بعودته؟
ازدرد ريقه بارتباك ليجيبها ببسمة صغيرة: لقد رأيته وتعاملت معه.
اتسعت عيناها بفزع وهي تحرك شفتيها تريد قول شيء ما لكنها فشلت، فيما تابع هو حديثه بحذر: وكذلك عرض على مجد أن يشاركه في المكتب التجاري الذي افتتحه مؤخرا.

صدمت بحديثه فحركت رأسها بإنكار كأنها تخشى سماع جملته الاخيرة: وقد وافق مجد.
دفنت وجهها بين يديها وهي تتأوه بجزع، مسحت عليه ثم فركت جبينها بارتباك وقلق، نظرت إلى أدهم القابع بجانبها لتمسك بيده قائلة بتوسل: أرجوك أدهم، لا تسمح لمجد بمشاركته وإدخاله إلى حياتنا، اتوسل إليك.
بلل شفتيه وهو يطالعها بإشفاق، ثم أخبرها بقلة حيلة: للأسف ريما، لقد حاولت مع مجد لكنه رفض ولم أستطع الضغط عليه.

مررت يدها على رأسها حتى وصلت لمنتصفه فشدت خصلاتها، ثم تحدثت بهمس كمن يحدث نفسه: لا يجب أن يعرف مجد بهوية أيمن الحقيقية، ولا يجب أن يعرف أيمن من يكون مجد.
ربت على كتفها بمواساة فرفعت عينيها الدامعة إليه، فيما كان يخبرها: اطمئني، فأنت تعلمين أن أيمن لا يعرف بأسمائنا ولا من نكون بالنسبة لك، وكذلك مجد لا يعرف بأمره، لذا لا تقلقي.

سكت لثوان ثم أضاف: لكن المهم الآن أن تحاولي ألا تجتمعي بمجد خارج المنزل، لأنه سيكون معه أغلب الأحيان.
أماءت له موافقة بشرود ثم عادت لتفرك جبينها بتوتر، أشفق أدهم عليها فأمسك بكفها بين يديه قائلا: لا تقلقي ريما، لن أسمح بأن يجدك أيمن أبدا، أعدك بهذا.
ابتسمت بضعف وهي تشير له بامتنان، فيما أردف بمرح مصطنع: والآن حضرة المديرة، تجهزي فالبدء بمقابلة الفتيات المتقدمات للعمل يبدأ في الساعة الثانية ظهرا.

ربتت على كفه القابض على يدها الأخرى لتتحدث بصدق: شكرا لك أدهم، حقا لم أكن لأتمنى شقيقا أفضل منك.
قبض على أرنبة أنفها يشدها برفق قائلا: وأنا لم أتمنى شقيقة ألطف ولا أطيب منك عزيزتي.
ربما ادعت الابتسام وحاولت أن تجاريه في مزاحه كعادتهما، لكنه شعر بقلقها وتوترها، وهي محقة على أية حال.
عندما يعود ماضيك ليقتحم حياتك مجددا رغما عنك، فتأكد أنك ستغرق في وحله مالم تقاومه وتردعه.

تأخرت في نومها رغما عنها، ولحسن الحظ أنها في إجازة إجبارية بسبب حفلة شقيقتها.
نزلت الدرجات لتجد أفراد عائلتها مستيقظين جميعا، كانت نور تجلس في منتصف الأريكة، وعلى يمينها قبع عمار وعليا على يسارها، حاولت الإبتسام وهي تتجه نحوهم هاتفة بصوت ناعس: صباح الخير.
ردد الجميع تحية الصباح فيما هم ينظرون إلى حاسوب نور القابع على حجرها، منحتها عليا نظرة لم تفطن لمغزاها بل تجاهلتها وهي تتسائل: ماذا تشاهدون؟

رفعت نور رأسها لثانية ثم أخفضته مجددا مجيبة: أنها صور من الحفلة أمس، تعالي وشاهديها.
التفت حتى وقفت خلف نور، مررت الأخيرة إصبعها على لوحة المفاتيح لتحرك الصور، تابعتهم أماليا ببسمة صغيرة اختفت عندما رأت صورة ما تجمع عمار وقاسم وهما يتبادلان المزاح.
لم تشغلها الصورة قدر ما شغلها هؤلاء الذين ظهروا في الخلفية، كان كلا من أدهم وريما يتهامسان في امر ما ثم يضحكان.
هل يتذكران حفل خطبتهما أم زفافهما؟

امتعضت قسماتها وعادت للخلف، ثم تحدثت بصوت خفيض: سأصعد إلى غرفتي.
استغربت عليا تقلبها فهتفت بتعجب: ما الأمر عزيزتي؟
اختلقت بسمة صغيرة لم تصل عينيها مجيبة: لا شيء أمي، انا فقط ماأزال أشعر بالنعاس.
استدارت لتغادر قبل أن تسألها سؤال آخر، ضيقت عليا عينيها تنقل بنظرها بين الحاسوب وبين أماليا التي صعدت بهرولة، لفت انتباهها وجود أدهم وزوجته في الخلفية، فلم تمنع الشك من الدخول لقلبها.

ألقت ثقلها على السرير لتغرق في نوبة بكاء كتمته وسادتها، صرخت بأسى ليتلقف السرير صراخها ويمنع أحدا من سماعه، لماذا؟ لم ماتزال تشعر بذات الشعور، بحرقة في احشائها كلما رأتهما سويا؟
ذاك النذل الخائن، إنه سعيد بمنزل الزوجية الذي بناه على أنقاض قلبها وأشلاء نفسها المنهزمة.

حاولت اصطناع النوم مرات عديدة علها تغرق في هوة سوداء لا تحتويه لكنها فشلت، جربت كل الطرق المتاحة لديها للإلهاء، من هاتف ومجلات طبية وكتب، إلا أن ذلك كله لم ينفع معها فما زالت تشعر بالملل والضجر، ولم ترغب بالنزول إلى عائلتها لئلا تسمع شيئا عن حفلة أمس.

أصبح الوقت بعيد الظهيرة بقليل، عيادتها مغلقه بعطلة عادية اليوم، لذا قررت الرحيل إلى المشفى، لحسن الحظ أن الصالة فارغة، فلم يلحظها أحدهم وهي تنسل هاربة بهدوء.
كانت تمشي في أروقة المشفى وهي تنفخ بتعب، حينما مرت بالقرب من قسم ( القلبية ) حيث رأت الطبيب عبد الرحمن، وهو المسؤول عن حالة والدها.

استوقفته بابتسامة رسمية ثم تحدثت: حضرة الطبيب كنت أود سؤالك عن حالة والدي، فحسب آخر مرة قدم والدي بها إلى هنا لم تكن مطمئنا، حاولت أن أحدثك لكنني لم أستطع الوصول إليك.
يعلم عبد الرحمن، الشاب الذي اقترب من حافة الأربعين، أن أماليا طبيبة ومتفهمة إضافة إلى وعيها، قرر مصارحتها فلا فائدة من إخفاء الأمر عنها على أية حال، وضع كلتا يديه في جيوب رداءه الطبي، ثم أخبرها ماسيجعلها في صدمة حقيقية.

تمت مقابلات العمل بنجاح، كان من ضمن المتقدمات للعمل إيمان شقيقة خديجة وواحدة ممن يتابعن مع أماليا.
تم قبول إيمان مع فتاة أخرى للعمل في محل الثياب، وبضعة فتيات أخر للعمل في المشغل، باشرت ريما العمل فورا، بعد وصول ماتبقى من مجموعتها ولم يتم بيعه بعد العرض الناجح، ولم يقتصر محلها على بيع تصاميمها الخاصة فقط، بل أيضا تعاملت مع عدد من المصممين داخل البلاد لعرض تصاميمهم لديها.

بدأت بتجهيز آلات الخياطة في مشغلها، بعد أن كان أدهم قد استورد الآلات لها مسبقا والذي لم يتركها خلال مدة التجهيز أبدا، وهكذا تم تجهيز المحل للافتتاح خلال مدة لم تتجاوز أسبوعا، وبقي فقط بضعة لمسات أخيرة.
تقاربت أيمان وريما كثيرا، فقد كانت الأولى خفيفة الدم سهلة المعشر كريما تماما.

غير أن انشغالها بالمحل لم ينسها قلقها من وجود أيمن حول مجد وبرفقته لفترات طويلة، خاصة بعد أن تم توقيع عقد الشراكة بينهما، وانتقال مجد للعمل في المكتب، لذا صارت تتحاشى التواجد مع مجد او الالتقاء به خارج المنزل.

(( قبل الموعد المقرر للافتتاح بيومين))
استفاق أدهم باكرا هذا اليوم لعلمه بأن ريما ستذهب مبكرا إلى المحل، خرج لينام في غرفة أخرى لئلا يسبب لها إحراجا، عقب رحيل مجد هو الآخر باعتبار أن لديه اجتماعا مستعجلا مع شريكه الجديد.

ارتدت ريما ملابسها وهمت بإغلاق الخزانة، قبل أن تقع عينها على مجموعة حقائب اليد التي تمتلكها، لم تفتح هذه المجموعة منذ فترة، أخرجت إحداهن وتأملتها، رغم قدم تصميمها لكنها ماتزال جديدة، تبسمت ريما بحنين عندما تذكرت أن هذه الحقيبة هي أول شيء تشتريه بمالها الخاص، عقب نجاحها في مسابقة مدرسية لتصميم زي موحد للمسرحية المقامة آنذاك في مسرح المدرسة الإنكليزية، حيث تابعت دراستها بعد السفر.

مسحت الغبارعنها ببعض المحارم المبللة، لكنها لاحظت ثقلها ففتحتها لتتفاجأ بما وجدته، كانت كرة بلورية بحجم كف اليد، مليئة بالماء وفي أسفلها يقبع كوخ خشبي تقليدي، تناولتها ريما بأصابع مرتجفة وحركتها قليلا، فتحركت معها حبات فلين صغيرة، زعم أنها حبات ثلج تهطل فوق ذلك المنزل.

بسمة موجوعة ارتسمت على محياها عندما استذكرت حين أهداها أيمن تلك الكرة، كانت بمناسبة انتهاء الامتحانات في المدرسة وقتها، وقد أخبرها بأنه سيسترجعها منها في بداية العام الدراسي الجديد.
تنهدت بألم الذكريات وهي تضم الكرة إلى صدرها، عودي إلى واقعك ريما، ما مضى قد انتهى وقضي الأمر.
أعادت الحقيبة مكانها، لكنها أخذت الكرة لتضعها في حقيبتها التي علقتها على كتفها، تناولت مفاتيحها ثم خرجت إلى منزل إيمان.

لم يكن الحي الذي تقيم فيه إيمان بعيدا عن منزلها هي، أخبرت إيمان منذ الأمس بأنها ستعرج عليها باكرا لتأخذها بسيارتها و تفتحا المحل وتتمما على النواقص تحهيزا لليلة الافتتاح الموعودة.
جلست ريما في سيارتها تضرب على مقود السيارة برؤوس أصابعها وهي تدندن ألحان أغنية أجنبية تحفظها، لم يتجاوز الوقت الآن السابعة والنصف صباحا بقليل، وهو وقت دوام المدارس.

لاحت منها نظرة ناحية سيدة ما تقود طفلة صغيرة بيدها، كانت الطفلة ذات الخصلات الشقراء عبارة عن ملاك خالص ربما لم تتجاوز الخمس سنوات بعد، بدت المرأة التي كانت برفقتها غاضبة وهي تتفحص حقيبة الطفلة، تمتمت ببضع كلمات بتزمت قبل أن تتحرك تاركة الصغيرة لتجلس على حافة الرصيف، فيما اتجهت مربيتها إلى أحد المباني، خرجت إيمان من المبنى المجاور له، ووقفت لثوان حتى تعدل من هيئة بنطالها الجينز حيث مسحت عليه كأنها تتخلص من بعض الغبار.

أشفقت ريما على منظر الطفلة خاصة أنها زمت فمها وبدت كمن يوشك على البكاء، فترجلت من سيارتها متجهة إليها، اعتقدت إيمان في البداية أن ريما قادمة اليها، رفعت يدها وكادت أن تشير إليها، لكنها فوجئت عندما اتجهت ريما إلى طفلة جارها أيمن.
وقفت ريما قريبا منها لتراها تكفكف دموعها الألماسية بأصابعها الصغيرة بعد أن وبختها مربيتها،
حدثتها بصوتها الرقيق: مرحبا؟

رفعت ريما الصغيرة رأسها إلى محدثتها فأجابتها بتهذيب شابته غصة البكاء: مرحبا سيدتي.
لاحظت ريما أن لغة الطفلة عربية غير سليمة، شعرت بخفقة قوية تضربها حينما رأت عينا الطفلة الخضراء، تلك العينان؟ تشعر بأنها قد رأتهما من قبل لكنها لا تذكر أين بالضبط؟
انتبهت لنفسها فرسمت ابتسامة جذابة على ثغرها وهي تجلس إلى جانب الصغيرة على الرصيف، ثم قالت برقة: هل لي أن أعرف لم تبكي هذه الأميرة الصغيرة؟

زمت الصغيرة شفتيها بطفولية وهي تتمتم: لا يجب أن أتحدث معك، فأبي أخبرني ألا أتحدث مع الغرباء.
تبسمت الأخرى على حديثها، فقامت من مكانها لتتجه إلى سيارتها القريبة، أخرجت حقيبتها من الكرسي الخلفي ثم عادت إلى جوار ريما الصغيرة، أخرجت بطاقتها الشخصية لترفعها أمام الطفلة لتقول: انا لست بغريبة أترين؟ اسمي ريما الرسام.

تطلعت الطفلة إلى بطاقة الهوية واستطاعت تهجئة أحرف الاسم بصعوبة، ابتسمت بلطافة وهي تجيبها: وأنا اسمي ريما أيضا.
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تضحك بخفوت، ولم تنتبه لإيمان التي كانت تراقب مايحدث بعين الفضول، تعلم أن ريما لم ترزق بأطفال رغم أنها تزوجت منذ زمن طويل، إلا أنها لا تعلم السبب، بقيت تقف في الزاوية بانتظار ما يحدث بين تلكم الغزالتين.

كان أيمن قد وصل إلى مكتبه باكرا جدا بسبب اجتماع طارئ مع شريكه الجديد، لبث في المكتب قليلا حتى قدم مجد، جلس الأخير على الكرسي بعد أن حياه ليتسائل: إذا أيمن، ماسبب اجتماعنا اليوم باكرا هكذا؟
تحدث أيمن فيما هو يبحث عن شيء ما بين اوراقه: ستصل اليوم أولى شحنات المعلبات التي ابتعناها منذ ثلاثة ايام وستقسم على دفعتين، ساتولى الاشراف على احداها، فيما ستستلم انت أمر الأخرى.

ضرب سطح مكتبخ بخفة وهو يمتم بأمر ما لم تتبينه، عقد حاجبيه بتفكر في محاولة تذكر أين وضع أوراق تخليص الشحنة القادمة مساء.
سأله مجد حين توسم الغرابة في تصرفاته؛ ماالأمر أي هل اضعت شيئا ما؟
ابتسم أيمن بتوتر مجيبا: إنها أوراق الشحنة...
بتر حديثه عندما تذكر فصاح مسرعا: نعم تذكرت، لقد. اخذتها معي أمس إلى المنزل ولربما نسيتها هناك.

وقف من فوره ليحدث شريكه، بينما يده تلملم متعلقاته من مفاتيح: اسمع مجد سأذهب لإحضارها، لن أتأخر.
خرج بعدها مسرعا باتجاه منزله، دون التفكير فيما سيجده هناك.

في هذه الاثناء كانت الريمتان قد اندمجتا في حديث ودي هادئ، نظرا لطباع كلتيهماا الهادئة، بينما إيمان تراقب مايحدث بينهما بشخوص مذهول، تشعر بالشفقة على ريما، ترى ماسبب عدم إنجابها إلى حد الآن؟
سؤال طرحه عقلها وكانت تبحث عن إجابة له، وهي ترى طريقة تعاملها اللطيفة مع ابنة جارها أيمن.
سألت ريما: ماذا تريدين أن تصبحي في المستقبل؟
اجابتها الصغيرة بنبرة بريئة: انا أحب الرسم، واود ان اصبح مصممة ازياء.

اتسعت ابتسامتها عندما سمعت جوابها فأضافت: أتعلمين أنني مصممة أزياء انا ايضا.
صفقت الطفلة بيديها بكل براءة وهي تضحك بطفولية محببة، مدت ريما يدها لتخرج من حقيبتها بضعة رسومات لتصاميم لها، قدمتها إلى الصغيرة متحدثة بنعومة: هذه التصاميم كنت قد رسمتها انا سابقا، بإمكانك أن تتعلمي منها لو أحببت.

أخذتها الطفلة بلهفة، ابتسمت ريما لفرا وكادت أن تغلق حقيبتها، حينما وقعت عيناها على الكرة البلورية، اخرجتها بتردد ثم اعطتها هي الأخرى لريما الصغيرة، مضيفة بنبرة شابها الحزن: وهذه هدية لك.

تطلعت إليها الصغيرة بتردد، لكن ريما أومأت لها بابتسامة مشجعة فأخذتها الصغيرة، و بدأت تقلبها بين يديها ليتحرك الثلج فوق الكوخ الخشبي فتضحك بسعادة، وريما تطالعها وشعور تولد داخلها، أو ربما هو موجود منذ الأزل داخل كل امرأة، إحساس بالامومة.

نزلت المربية السمينة الخاصة بالطفلة ريما وقد أحضرت معها صندوق الغداء الذي سبق وحضرته، لكنها نسيت أن تضعه في حقيبة الصغيرة.

شاهدتها تجلس مع إحداهن فعقدت حاحبيها بتساؤل، كادت أن تحث الخطى إليها لكن صباح إيمان بخفوت أوقفها عما انتوت فعله، اقتربت منها الأخيرة لتخبرها بأن تلك السيدة هي مديرتها في العمل، شعرت ببعض الاطمئنان ثم توقفت لتتجاذب أطراف الحديث معها، حول رعاية طفلة بلا والدة ومصاعب ذلك، خاصة وأن الصغيرة لم تتقن العربية بشكل جيد.

تزامن ذلك كله مع وصول ايمن إلى الحي، قطب جبينه وهو يترجل من السيارة، شاهد ابنته ترتدي ملابس المدرسة وتجلس على الرصيف بانتظار الباص المدرسي المتأخر أصلا.
حاول أيمن معرفة تلك السيدة التي تجلس ىبجزار الطفلة لكنه لم يتبين ملامحها جيدا، فقد كانت توليه ظهرها.
تقدم بضع خطوات لكنه توقف فجأة، أنبأه خافقه بأمر مريب اتجاه تلك السيدة، شعر أنه يراها ويعرفها، لكنه لم يعرف أنها أقرب إليه من حبل الوريد.

تمالك نفسه ليصدح صوته مناديا على ريما ابنته: ريما،؟
أمالت الطفلة جسدها لتنظر إلى أبيها من خلف جسد الأخرى ثم صاحت بسعادة: دادي؟
هل توقف فؤادها؟
أم أن الزمن من توقف؟
أو ربما هي الحياة نفسها قد انتهت أخيرا؟
أي من تلك الاحتمالات كان ليكون أهون ألف مرة عليها من الاحتمال الرابع، والذي هي متأكدة منه حد اليقين، ذلك الصوت وتلك النبرة المميزة عندما كان ينادي باسمها، لن تستطيع نسيانها ولو عاشت ألف مرة.

تجمدت عيناها على عيني الطفلة الصغيرة لتكتشف أنها كانت طول الوقت تنظر إلى عيني أيمن ذاتهما، صعد صدرها وهبط باضطراب جلي وهي تراقب شفتي ريما الصغيرة دون أن تسمع من حديثها حرفا، ترى هل فقدت حاسة السمع فجأة؟ ياليتها تفعل! لأهون عليها من أن تسمع منه حرفا.
استدارت ببطء حتى تلاقت نظراتهما، عقد حاجبيه وتوسعت عيناه، تسارعت أنفاسه بغضب ممزوج بدهشة، لقد كانت هي!

معذبته وسبب جحيمه الأبدي الذي يرقد فيه، رغم فراق اثنا عشر عاما لكن ملامحها لم تتغير كثيرا، ربما كبرت هي لكن تقاسيم وجهها لم تكبر إلا جمالا وجلالا!
تلك العينان؟
لن يخطئهما أبدا، وهو الذي لطالما كان غارقا في نهري عسلها، مشاعر متضاربة ضربت ضلوعه، حقد، غضب، كراهية و، حب؟
قطب جبينه أكثر عندما ضربت عقله الكلمة الأخيرة، لا مستحيل، فهو لم يعد ذاك المراهق المغفل المخدوع.

أعادت نظرها إلى الصغيرة من جديد، بللت شفتيها وازدردت ريقها الناشف بجزع، حاولت ضبط تنفسها ثم اختلقت بسمة فاترة وهي تستقيم من مكانها بهدوء، وقعت عيناها على إيمان التي انتبهت لتوها لقدوم أيمن، فودعت المربية وهرولت ناحية مديرتها، كذلك المربية تتبعتها لتصل إلى الطفلة بدورها.

تنفست ريما بعمق وأجبرت قدماها على الاستدارة والتحرك لتصل لسيارتها، حاولت ألا تنظر نحوه لكن مقلتيها المشتاقة لم تطعها، تلاقت عسليتيها بخضراوتيه فقرأت الشرر واضحا فيهما، تمنت لحظتها لو أنها عميت قبل أن ترى نظراته تلك!

حاولت رغم هذا كله رسمت اللامبالاة وجهها وقد نجحت بمشقة، سارت بخطوات ثابتة تحسد عليها حتى وصلت إلى سيارتها فاستقلتها، كانت إيمان وقتها تمر بجانب أيمن وهي تلقي عليه التحية، لكنه ظل واجما دون رد، يطالع سراب ريما الجالس بجانب ابنته على الرصيف، كور قبضته وضغط عليها بقسوة حتى نفرت عروقه من جانبي رقبته.

ماإن استقلت إيمان بجانبها حتى أدارت محركها، لاحت منها نظرة أخيرة نحوه، رغم أنها لم تكن ترى ملامحه في الحقيقة، لكنها تجزم الآن، أنها تحمل كل الكراهية في العالم في طياتها.


look/images/icons/i1.gif رواية وصية والد
  23-03-2022 03:36 مساءً   [12]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثالث عشر

أصعب مايكون في صدمات القدر، أننا دائما مانحاول تجنبها، وهي دائما ما تلاحقنا كقطار مجنون، فقد سائقه القدرة على إيقافه.

مازال على وقفته يوليها ظهره، حتى بعد أن سمع إطارات السيارة تتحرك مسرعة فوق الطريق الإسفلتي، اقتربت ابنته منه لترفع يدها الصغيرة التي تحمل أوراق الرسومات التي اهدتها إياها ريما، قائلة بنبرة طفولية: انظر دادي، تلك السيدة اسمها ريما مثلي، اهدتني هذه الرسومات، أليست جميلة؟

احتقنت عيناه باللون الأحمر الدامي، يشعر بأن أذناه باتتا تنفثان الدخان، انحنى قليلا ليختطف الأوراق من يد صغيرته بجفاء فخافت وعادت للخلف وهي تضم الكرة البلورية إلى صدرها بحماية.

ضغطت على أسنانه بغضب حارق وهو يشاهد اسمها متذيلا إحدى الأوراق، تلاحم حاجباه وهو يكور الأوراق بين يديه ثم مزقها بغل، صرخت ابنته ببكاء فنظر إليها ليوبخها، لكن وقعت عيناه على تلك الكرة، تسارعت أنفاسه وقد تذكرها، قطع المسافة بينهما ليأخذ الكرة منها قسرا، لم يأبه بدموع الطفلة ولا بصرخاتها راجية إياه أن يعيدها إليها، ضغط على الكرة بأصابعه ثم رفعها عاليا ليضربها على الأرض، فغدت أشلاء متناثرة.

صعد صدره وهبط بسرعة كمن دخل سباقا، زاد غضبه من صرخات ابنته فصرخ بها مرة أخرى، مما جعل بكاؤها يزداد، اصطف الباص المدرسي بجانبه فلم يستمع إلى اعتذارات السائق الذي كان يخبره بسبب تأخره الخارج عن إرادته، فضرب على باب الباص بقوة وهو يصيح بالسائق أن يتابع مسيره، مما أخاف باقي التلاميذ الذين بدأوا في البكاء.

تحول أيمن خلال ثوان إلى وحش مخيف وهو يصرخ على ابنته الصغيرة ليوبخها ويهزها من يدها بقسوة، ارتجفت تحت يديه ولم يستفق من نوبة غضبه إلا على صراخ المربية بقربه، لينظر إلى ابنته فوجدها مغمى عليها.

ماتزال تلك الرعشة تسيطر عليها وإن ادعت الثبات، حاولت إلهاء نفسها بالتجهيزات الأخيرة قبيل افتتاح المحل، لكنها كانت ساهمة شاردة تذرف الدموع طوال الوقت، لاحظت إيمان ذلك فاعتقدت أن السبب هو حنينها لأن تصبح والدة، خاصة بعد حديثها مع ريما الصغيرة، كما لاحظت تبدل حالها بعد رؤيتها لأيمن، فظنت إيمان أن الأخير لربما أساء إليها بطريقة أو بأخرى.

كانت ريما تمسك بقطعة قماش مبللة تنظف بها الغبار عن أحد الأرفف، لكنها فعليا كانت فقط تحرك الخرقة يمينا ويسارا برتابة، اقتربت إيمان منها تريد محادثتها والاستفهام عن سبب شرودها، رسمت على ثغرها ابتسامة بسيطة، لكنها اختفت فور رؤيتها لدموعها، شهقت بخفة فانتبهت ريما إليها بينما تحدثت إيمان بلهفة: ريما عزيزتي، مالذي حدث؟ لم تبكين؟

أشاحت بوجهها عنها مجيبة بلا مبالاة مصطنعة وهي تمسح دموعها: لا شيء إيمان، لقد دخل بعض الغبار في عيني.
حسنا، إنها كذبة أكل الدهر عليها وشرب، لذا لم تصدقها إيمان لأنه ببساطة لا غبار على الرفوف وقد تم تنظيفهم البارحة، استدارت إيمان حولها لتقف أمامها قائلة بحزم: لا اصدقك ريما، أخبريني مالأمر؟
حاولت أن تبعد وجهها عنها وهي تختلق كذبة ما، لكن إيمان كانت أعند منها فأضافت بتصميم: هل ضايقك السيد أيمن بشيء؟

سحبت الدماء من وجهها لمجرد نطقها بالاسم، فقالت بهمس كمن رأى شبحا: وهل تعرفين الرجل الذي كان واقفا خلفي؟
ابتسمت إيمان ببساطة لتجيبها: طبعا أعرفه، إنه جارنا السيد أيمن، لقد انتقل إلى حينا هذا العام برفقة ابنته الصغيرة.

لم تحسب حساب معرفة إيمان به، أجلت صوتها لتتحدث بكذب وتوتر مع ابتسامة فاترة على محياها: لا تشغلي بالك إيمان، القصة أنني تفاجأت عندما رأيت والد الصغيرة أمامي، فقط خشيت أن يوبخها لأنها تحدثت معي.
بدت كذبتها ركيكة، بلهاء بمعنى أدق، ضيقت إيمان عينيها صائحة باستنكار: فقط؟

ظلت محافظة على تلك الابتسامة المختلقه وهي تشير لها بالإيجاب: نعم، فقد أخبرتني أن والدها قد نبه عليها بألا تتحدث مع الغرباء، فقلقت عليها لا أكثر.
رغم عدم اقتناعها لتلك الحجة - الواهية- لكنها قررت أن تجاريها فيها فقالت: لا تقلقي ريما، فالسيد أيمن رجل طيب ولا أعتقد أنه سيوبخ ابنته.

سكتت لثانية قبل أن تضيف بنبرة ذات مغزى: وعلى أية حال فأنت لم تؤذيها، بل على العكس لقد أهديتها رسومات تخصك وأيضا كرة بلورية، صحيح؟
عرفت انها كانت تراقبها وقد لاحظت كل ماحدث، فاكتفت بإشارة صغيرة من رأسها وتحركت من أمامها فورا، قبل أن تزداد أسئلتها وتحرجها، بينما تابعتها إيمان بعينيها وهي على اعتقاد أن سبب بكاء ريما لا يمت بصله لحججها الغير منطقية.

خرج الطبيب من غرفة الصغيرة ريما بعد إنهاء معاينتها تاركا المربية ترعاها، ليقابله أيمن متسائلا بقلق متعاظم: أخبرني أيها الطبيب، كيف حال ابنتي؟
وضع الطبيب حقيبته الطبية على الطاولة القريبة، ليخرج منها دفترا صغيرا وقلما وبدأ يدون أمرا ما، فيما يتحدث بعملية: سيد أيمن، ابنتك الصغيرة قد دخلت في نوبة انهيار عصبي.
زفر بعجز وارتجفت شفتاه ليسأله مجددا: كيف، كيف تنهار أعصابها وهي ماتزال صغيرة كيف؟

وقف الطبيب بعد أن أنهى كتاباته: هي ليست انهيار عصبي بالمعنى الذي نعرفه، لكن لنقل أنها صدمت نفسيا، أي أن أحدهم ربما صرخ بها أو اخافها، أو أنه قد سلبها شيئا عزيزا عليها، ففي هذه الحالة ستدخل الطفلة فيما يشبه الأنهيار٣.
رفع الورقة أمام وجه أيمن المصدوم مضيفا: اجلب هذه الأدوية وحافظ على إعطائها لها في الوقت المحدد.

أجفل عينيه للأسفل وتناول الورقة منه، وهو يشير له بالإيجاب، رافقه حتى وصل الباب ثم توقف مجددا ليقبض اتعابه لكن الطبيب أضاف: عندما تستفيق الصغيرة سيد أيمن، احرص على تنفيذ كافة طلباتها مهما بدت غريبة، حاول أن تنفذها لها جميعها، وإلا دخلت في متاهة نفسية، عمادها رفضك طلباتها دائما.

عقد حاجبيه بشك من حديث الطبيب الغير مبشر بالخير مطلقا فتسائل باستنكار: ماذا يعني دخولها في متاهة نفسية؟، عمرها خمس سنوات فقط بحق الله!؟
شد الطبيب ظهره وأردف بتهذيب و جبين مقطب: أخبرني سيد ايمن، اين والدة الطفلة؟
بهتت ملامحه وتهرب بعينيه منه ثم اجاب بتلعثم: لقد، لقد توفيت منذ عامين.
عاد الطبيب يتسائل وهو يعرف طريقه: بغض النظر عن سبب الوفاة، هل عانيت مع الصغيرة بعد وفاة والدتها؟

فطن أيمن لما يريده الطبيب، فتراجع خطوتين للخلف حتى سقط على الأريكة المجاورة للباب متحدثا وقد شرد في نقطة في الفراغ: نعم، لقد كانت تصرخ باستمرار بلا توقف تريد والدتها.
زوى الآخر مابين حاجبيه ليضيف: وكيف كنت تتعامل معها أنت؟
سقطت دمعة يتيمة من عينيه و ازدرم مرارة ريقه مجيبا بهمس: لقد كنت اصرخ بها دائما، وأحيانا أضربها.

حرك رأسه إيجابا ليتابع كمن فطن علم جوهر الحديث: لذا بدأت تخاف مني، فانضممت إلى مجموعات دعم نفسي حتى أتمكن من التحكم بغضبي وشفيت، واليوم عندما صرخت بها...
قطع حديثه لينظر إلى الطبيب الذي عقب على حديثه بتفهم: اعتقدت أنك ستؤذيها من جديد، سيد أيمن ربما كانت ابنتك صغيرة حينها، لكن ذاكرتها قد احتفظت بمشاهد العنف منك.

أغمض عينيه بقوة وعض على شفتيه ندما وجزعا، ثم دفن وجهه بين يديه وهو يتأوه بعجز، ابنته ووحيدته! كيف له أن يفعل ذلك معها؟ كيف استطاع أن يؤذيها؟
ربت الطبيب على كتفه مردفا بنبرة هادئة: يجب أن تكون قويا سيد أيمن، فهي ماتزال صغيرة على متاهة الأطباء النفسيين.
وقف أيمن قبالته ليشكره بامتنان فعقب: كن أنت طبيبها سيد أيمن، ليس فقط والدها.
والدها! وهل يستحق هو هذا اللقب أساسا؟

Flash Back.
يعلم الطبيب عبد الرحمن، الشاب ذو الأربعين عاما، أن أماليا طبيبة ومتفهمة إضافة إلى وعيها، لذى قرر مصارحتها فلا فائدة من إخفاء الأمر عنها على أية حال، وضع كلتا يديه في جيوب رداءه الطبي متحدثا بعملية: حضرة الطبيبة، لا أخفيك أن تحاليل والدك الأخيرة لم تكن مطمأنة بالمرة.
تهدج صدرها وتحركت عيناها بقلق، بينما أضاف الطبيب: إن قلب السيد عمار للأسف لم يعد يستجب للعلاج كما السابق.

تهدل كتفاها بجزع وتحدثت بعد أن بللت شفتيها: لكن حضرة الطبيب، والدي ملتزم كليا بالحمية المطلوبة، ويأخذ الأدوية في مواعيدها بانتظام، فما المشكلة الآن؟
كاد يجيبها قبل أن تقاطعه بلهفة: إلا يمكننا تغيير نوعية الأدوية؟ علها تحدث فرقا معه؟

تفهم خوفها وفزعها بخبرة الطبيب، والتي اكتسبها بمعاناة من سنوات عمله الثلاثة عشر، فأردف: حضرة الطبيبة انت تعلمين أنني لا أستطيع تبديل نوعية الأدوية، فقال والدك الضعيف أصلا لن يتحمل نوعية أقوى من تلك التي يأخذها حاليا
أخفضت رأسها بأسى لتكمل مايود قوله: وزمرة ده النادرة تجعل الحصول على قلب بديل له صعبة للغاية.

أغمضت عينيها بوجل مع نهاية حديثها وكأنها تدرك أنها النهاية، سيطر القلق عليها فربت عبد الرحمن على كتفها مواسيا: آنسة أماليا، كل مانستطيعه الآن أن نوجهه إلى حمية أكثر صرامة مع الاستمرار بتناول الأدوية في مواعيدها، والشيء الأهم بالطبع هو إبعاده عن القلق والتوتر قدر المستطاع.
حركت رأسها بتفهم فتابع مع ربتة بسيطة على كتفها: بالشفاء بإذن الله.
ضغطت على شفتيها لتؤخر عبراتها هامسة بضعف: أشكرك حضرة الطبيب.

جرت قدميها لتتحرك متجهة إلى مكتبها وهي تشعر بالعجز، ألقت بنفسها على كرسي مكتبها متخبطة مابين الخوف والجزع، ومابين الرضا بقضاء الله وقدره، وأن الأعمار بيده وحده، لكن خوفها مبرر على أية حال، فيبقى هو والدها وسندها الوحيد في هذه الحياة، مهما كبرت وتعلمت ماتزال تشعر وهي بجانبه بضآلة حجم ثقافتها ومعرفتها أمام تجاربه الحياتية، وماتزال تشعر بأنها طفلة صغيرة، تبحث عن الامان في أحضان حبيبها الأول.

طرقات خفيفة على باب غرفتها اخرجتها من ذكرى حديثها مع طبيب والدها منذ حوالي أسبوع، سمحت للطارق بالدخول والذي لم يكن سوى والدتها، انتفضت بفزع عندما رأتها هاتفة: مالأمر أمي؟ هل أبي بخير؟
تبسمت عليا بخفة وهي تقترب منها متحدثة: اهداي عزيزتي والدك بخير وهو نائم الآن.

تنفست براحة طفيفة لكنها زوت مابين حاجبيها بقلق من حضور والدتها إلى غرفتها في هذا الوقت المبكر، وكمن قرأت أفكارها أردفت عليا: جئت اسألك أماليا، لماذا غيرتي الحمية الغذائية لوالدك؟ أهناك ما يجب أن أعلمه؟
حارت بإجابتها فهي لم تكن قد أخبرت أحدا بحديث الطبيب عبدالرحمن معها، واكتفت بإخبارهم بأن الطبيب يرغب في أن يتبع عمار حمية قاسية أكثر من الأولى.

اصطنعت الابتسام وهي تجيبها: لا داعي للقلق امي، إنها فقط...
قاطعتها والدتها بنبرة هادئة وهي تكتف يديها أمام صدرها متحدثة بحزم: أرجوكي أماليا، فقط كوني صريحة معي.
ازدردت ريقها وهي لاتعرف الكلمات الملائمة لهذا الحديث، طال صمتها فيما الخوف ينهش قلب عليا، أدمعت عيناها مرددة بغصة خانقة: والدك ليس على مايرام، صحيح؟

تهدل كتفاها وأشارت لها بالنفي، ارتجف فكها وأدمعت عيناها هي الأخرى، شهقة مفزوعة فلتت من عليا وهي ترفع يدها لتضعها على فمها المرتعش وقفت أماليا قبالتها لتحاوط كتفيها، حدثتها وعينيها الزرقاء تهدد بعواصف ماطرة: أنا آسفة أمي، لكنها الحقيقة ولا مهرب منها.
ضمتها إليها لتحرر عبراتها أخيرا، ليس أصعب على الإنسان من الوقوف مكتوف الأيدي، عاجز عن مساعدة عزيز عليه.

كان كلا من أدهم وشقيقه جالسين على مائدة الطعام، يتبادلان بعض الأحاديث عن العمل والمكتب.
تسائل أدهم باهتمام بعد أن أخبره أن أيمن قد ألغى الاجتماع الذي كان مقررا أن يجمعهما: إذا، ألم يخبرك بالسبب؟
قطع مجد قطعة اللحم بسكينه ثم أجاب مركزا بما يفعل: لا أعلم، لكنه بدى مرتبكا عندما اتصل ليخبرني بأن ابنته قد تعبت فجأة واضطر لأن يجلب لها الطبيب، كذلك قال أنه علي أن أتابع الشحنات بنفسي.

مط أدهم فمه بتفكير وهو يمضغ قطعة بطاطا، لكنه توقف عندما دخلت ريما إلى المنزل لتجدهما جالسين على الغداء.
قطب جبينه لقدومها باكرا، كاد يسألها لكنه ثنى حاجبيه بريبة وهو يطالع وجهها المتعب، والذي بدت عليه آثار البكاء واضحة.
لاحظ مجد جمود شقيقه فجأة، فالتفت للخلف ليرى ريما هو الآخر، اقلقه منظرها فاتجه إليها مسرعا صائحا بلهفة: ريما؟ عزيزتي مابك؟

ارتجف فكها وقد تفاجأت بوجود كليهما في المنزل، ظنت أنهما مايزالان في عملهما، حركت رأسها للجانبين بإنكار وبسمة صغيرة ارتسمت على شفتيها، لتجيبه باختناق وهي تبلل شفتيها: لا شيء عزيزي، انا فقط متعبة قليلا.
كان قد وصل أمامها في هذه اللحظة، تفرس فى وجهها ثم سألها بشك: هل أنتي متأكدة أنك بخير؟

أشارت له بالإيجاب دون حديث، خشيت أن تخونها عبراتها قبل اأن م تلوذ بالفرار، منحت أدهم نظرة استغاثه لينقذها من اسئلة مجد والتي هي على يقين أنه لن يتوقف حتى يعلم السبب، ولو كانت تعلم بوجوده هنا لما عادت الآن، صعدت عقبها إلى غرفتها وراقبها كلاهما حتى اختفت في الأعلى.
التفت مجد صوب شقيقه ليسأله بخشونة: مالأمر أدهم؟ هل تشاجرت مع ريما؟

منحه أدهم نظرة جامدة دون إجابه، رمى المنديل القماشي على الطاولة ليلحق بها، فيما بقي مجد غير مطمئن من تصرفات كليهما الغريبة.

جلست على السرير تعض شفتيها المرتعشتين، وهي تخشى من أن يتبعها أحدهما، وقد صدق حدسها مع تلك الطرقات المتعاقبة، تفست بعمق واصطنعت بسمة صغيرة على ثغرها الرقيق، ثم أذنت للطارق والذي لم يكن سوى أدهم، جلس بجانبهايطالع ابتسامتها المزيفة، ماهي إلا ثوان حتى اختفت ليظهر الأسى بديلا عنها، ثم اجهشت بالبكاء وهي ترتمي في أحضانه.

بكت بمرار وانتفضت بقهر، مما جعل القلق يتسرب إليه فسألها بجزع: مالأمر ريما؟ مالذي حدث؟
لم تجبه، بل بقيت للحظات تصرخ ويكتم صدره صرخاتها، شعر بالقلق عليها وهو لا يعرف سبب حالتها تلك، ثوان أخرى مرت قبل أن يهدأ خوفه عليها عندما همست من بين دموعها: لقد رأيته أدهم، لقد قابلت أيمن.

دثرها أدهم في سريرها علها تنام، وهو يعلم أنها لن تفعل، بل ستحاول الهرب فقط، نزل الدرجات بشرود وقد وغر صدره ناحية كل شيء في حياته، قد يراها الجميع حياة هادئة مثالية بل ويحسده كثر عليها، لكن لا أحد يعلم ما يعانيه هو وريما، فكلاهما خلع من جذوره وأعيدت زراعته قسرا في مكان ليس مكانه، ربما هو اعتراض على القدر، لكنهما فقط لم يستطيعا التأقلم في التربة الجديدة رغم طول السنوات.

وصل للأسفل وهو يشعر بالاختناق، ليجد مجد جالسا بانتظاره، حاول تفادي استئلته لكن مجد انتفض واقفا ليسأله: مالأمر أدهم؟
لم يكن الأخير على قدر من الجلد والصبر ليرد على أسئلة شقيقه فاكتفى بكلمة واحدة: لا شيء.
حاول الخروج فاعترض مجد طريقه قائلا بتصميم: ماذا تقصد ب( لا شيء )؟.
ضغط الآخر على أعصابه بقوة لئلا ينفجر في شقيقه، فتحدث بجمود: لا شيء يعني لا شيء.

أراد التحرك من جديد لكن مجد اعترض طريقه صارخا: هلا وقفت لثانية واخبرتني بالحقيقة؟
زفر من أنفه محاولا الحفاظ على ما تبقى من صبره، لكن مجد أصر على استنزافه وهو يصيح بصوت عال نسبيا: لقد تشاجرت مع ريما، صحيح؟
نفرت عروقه من جانبي رقبته ورأسه ليصرخ بشقيقه؛ وأنت هلا كففت عن التدخل في حياتنا انا و ريما؟
عاد مجد للخلف برهبة من صراخ شقيقه وهيئته الجديدة عليه، في حياته كلها لم يصرخ أحدهم في وجهه خاصة أدهم..

تنفس الآخر بعمق ليثبط حنقه وغضبه من مجد وهو لايعرف حقا مالذي يحدث معه، ماسبب تقلبه هكذا وصراخه في وجه شقيقه؟
تحرك من أمامه فورا قبل أن يقدم على فعل اهوج، تاركا أخاه بذهوله واستغرابه، سقط على الأريكة خلفه وهو يفكر في أمر شقيقه و ريما كذلك، ما يجري معهما منذ فترة غريب فعلا

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 3 من 11 < 1 2 3 4 5 6 7 8 11 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1966 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1441 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1450 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1252 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2421 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، وصية ، والد ،












الساعة الآن 12:12 AM