اقتربت نوران من الحجرة التى أخبرتها ضحى برقمها، تسرع بخطواتها القلقة، تسبق سليم وزين، حتى وجدت ضحى أمام الحجرة تبكى فى صمت، لتسرع اليها منادية باسمها فى حزن، لتسمع ضحى صوت نوران وتندفع إليها ترتمى بحضنها تتشاركان الدموع وسط رجال يتألمون لألمهم ولكن مابيدهم حيلة، فهم يدركون أن العلاقة التى تجمع هؤلاء الفتيات، هى علاقة أقوى من علاقة الصداقة، هى أخوة الروح والتى أحيانا ما تتفوق وتسمو على أخوة الدم، خرجت نوران من حضن ضحى قائلة من وسط دموعها: طمنينى عليها ياضحى، أخبارها ايه دلوقت..
مسحت ضحى دموعها بيدها كالأطفال وهى تقول بصوت متهدج العبرات: مش كويسة أبدا يانوران، ياحبيبتى يابدور، مين كان يصدق ان بدور الرقيقة الحنينة يجرالها كل ده؟ لينقبض قلب ذلك الرجل الذى يقف بالخلف متلهفا لأخبارها، لا يستطيع البوح بسؤاله عنها ولكنه ينتظر الاجابة بفارغ الصبر
وضعت نوران يدها على فمها تمنع صرختها الملتاعة فى حين اغمض سليم عينيه بألم، بينما توقفت نبضات قلب زين وهو يتذكر أنها سيدة متزوجة ولا يحق له أبدا أن يفكر فيها ولكنه وجد نفسه رغما عنه يفكر فيها ويتألم لألمها، أفاق على صوت نوران وهى تقول: وهى عملت ايه بعد ما عرفت الخبر، وجوزها، جوزها فين؟
قالت ضحى فى سخرية مريرة: جوزها، جوزها السبب يانوران
اتسعت عينا نوران فى صدمة ليعقد سليم حاجبيه بينما قبض زين على يده بقوة وضحى تستطرد بمرارة: كان قلبى حاسس انه السبب، والله كنت حاسة، وأول ما الدكتور قالنا الخبر ومشى، كان حزين آه بس فجأة لقيناه بيصرخ ويقول أنا السبب، انا اللى قتلت ابنى بإيدى، انا اللى زقتها ووقعتها، وخلاص خسرتها، كنت عايزة أروح أخنقه بايدية بس شهاب منعنى، وبدور بعدها فاقت
لتنزل دموعها وهى تقول: حبيبة قلبى أول ما فاقت وعرفت، قعدت تعيط ولما شافت الزفت ده فضلت تصرخ، تصرخ، لحد ما جه الدكتور وإداها حقنة منومة وأهى نايمة من ساعتها وجوزها غار فى ستين داهية من ساعتها ومشوفناهوش
تعالت شهقات نوران ليتقدم سليم باتجاهها ويأخذها الى جواره يضمها لتستند على صدره بضعف، تبكى بألم، بينما مسح زين بيده دمعة خائنة سقطت من عينيه رغما عنه لتلتقطها عينا ضحى التى شعرت بالدهشة لتأثر ذلك الغريب بحكاية صديقتها لتهز كتفيها معتقدة انه من هؤلاء الرجال مرهفى الحس، سريعى التأثر
خرجت نوران من حضن سليم تكفكف دموعها بمنديله كعادتها معه، كلما بكت على صدره، قائلة لضحى بحزن: أنا عايزة أشوفها ياضحى ربتت ضحى على يدها قائلة: هتشوفيها لما تفوق، هى محتاجالنا كلنا جنبها، ربنا يصبرها يانوران، الموضوع مش سهل
أومأت نوران برأسها بحزن لتتذكر شيئا وتقول لضحى: أمال شهاب فين ولا انتى جيتى لوحدك؟ قالت ضحى: لسة ماشى من شوية.راح يطمن على تيم وراجع علطول أومأت نوران برأسها لتقول ضحى موجهة حديثها لسليم: اذيك ياسليم، معلش مسلمتش عليك، انا مبقتش أشوف أدامى من ساعة ما عرفت باللى حصلها
قال سليم: ولا يهمك ياضحى، ربنا يقومها بالسلامة نظرت ضحى الى زين بتساؤل لتلتقط نوران نظرتها وتسرع قائلة: زين صاحب سليم، أكيد فاكراه، كان شاهد على عقد جوازى، وكان معانا لما عرفنا بالخبر وصمم يوصلنا
قالت ضحى: تشرفنا قال بصوت خفيض مازال متأثر بألمه: الشرف لية شعرت ضحى بيقين من أن هناك شيئا بداخل ذلك الزين لبدور، وتساءلت فى حيرة،، ترى، أيعرفها من قبل؟
أراد سليم أن يترك الفتاتين بمفردهما فربما يحتاجان للخصوصية ليقول لزين: تعالى يازين نشرب قهوة فى الكافيتريا ونجيب للبنات حاجة يشربوها أومأ زين برأسه موافقا فى حين ربت سليم على يد نوران قائﻻ: مش هتأخر، خلى بالكم من نفسكم ربتت على يده برقة قائلة: انت كمان خلى بالك من نفسك
اومأ برأسه بحنان ليتجه مع زين الى الكافيتيريا بينما جلست الفتاتين سويا يبتهلان الى الله أن يخرج بدور من محنتها على خير، فهى رقيقة للغاية ويخشون عليها من كل ما حدث لها وعدم قدرتها على الاحتمال
كان كل من سليم وزين يصعدان درج المستشفى وكليهما غارق بأفكاره، زين يتساءل عن نوع ذلك الرجل الذى قد يؤذى فتاة مثل بدور، أيكون هذا الرجل هو السر فى ذلك الحزن الرابض بعينيها، أتكون حياته معها بمثل تلك التعاسة التى يشعر بها، ينتابه الفضول ليعرف كل ما يخصها، يتساءل عن قوة ذلك الشعور الذى يتملكه، ماذا فعلت به كى ينسى علياءه وتحتل هى أفكاره بلا هوادة محطمة جميع أسوار قلبه، ترى أيكون السبب جمالها ام رقتها، أم حزنها، أم لأنها فقط بدور، بدوره..
بينما كان سليم سارحا أيضا بأفكاره يتساءل عن سر زوجته، نوران، كيف استطاعت التغلغل داخل مشاعره، أن تسرى سريان الدم داخل شرايينه، أن يتخلى عن كل شئ فقط كى يكون الى جوارها، لقد حنث بقسمه الذى أقسمه بعد الحادث، فقد أقسم أن لا يغادر منزله قط، أن لا يجعل نفسه عرضة للسخرية من الآخرين، ولكنه ضرب بقسمه عرض الحائط عندما شعر بحاجتها اليه، أن يكون الى جوارها، سندا لها، قاطع أفكاره اندفاع رجل يهبط الدرج بسرعة ليصطدم به ويختل توازنه، حاول التشبث بدرابزين السلم ولكنه كان بعيدا عنه ليجد نفسه يسقط الى أسفل السلم بقوة وآخر ما يسمعه هو صراخ زين باسمه قبل أن يغشى عليه..
كان نزار يجلس فى منزله يجاوره ممدوح ينظر الى انهياره بانتصار، يشعر بقلبه يرقص فرحا على أنغام تلك الكلمات الممزوجة بالدموع التى يذرفها نزار، وهو يقول: انا السبب، انا اللى ضيعت ابنى بايدى وضيعتها معاه، ما هى مستحيل هتسامحنى، اذا كنت أنا مش مسامح نفسى
قال ممدوح: خلاص بقى يانزار اللى حصل حصل وبعدين انت ملكش ذنب، ده قدر، حد قالها تقف أدامك وانت متعصب قال نزار بألم: من اللى شافته ياممدوح، وهى اللى شافته قليل، جوزها نايم مع واحدة، دى حاجة تهد الجبل قال ممدوح بسخرية: وحد قالك تخونها يانزار؟
أغمض نزار عينيه بحزن وانكسار قائلا: معاك حق، دى غلطتى أنا... ليفتح عينيه قائلا بغل: آه لو تقع فى ايدى بنت*****، اللى صورت الفيديو وربنا لأفرمها، هموتها، وأطلع روحها بايدية دول
قال ممدوح بارتباك: سيبك منها يانزار وقولى هتعمل ايه مع مراتك؟ قال نزار بقلة حيلة: مش عارف ياممدوح، الدكتور بيقول ان وجودى جنبها غلط على صحتها وانها مش لازم تشوفنى عشان عندها انهيار عصبى وممكن تإذى نفسها، وأنا خايف عليها
قال ممدوح بهمس ساخر: لأ بتحبها اوى يااخويا. عقد نزار حاجبيه قائلا: بتقول حاجة ياممدوح؟ قال ممدوح بسرعة: لأ مبقلش، أنا بس شايف قعدتنا دى ملهاش لازمة، وهتكتئب أكتر، ماتيجى نسهر فى أى حتة
هز نزار رأسه نفيا قائلا: مليش مزاج، روح انت قال ممدوح: خلاص ماشى، انت حر، انا هخرج ولو غيرت رأيك ابقى كلمنى
غادر ممدوح تتبعه عيون نزار الذى عقد حاجبيه يفكر مليا فى الأحداث الأخيرة، لتتغير ملامحه ويحتل الغضب قسماته، ليخرج هاتفه ويفتح الاستوديو لترق ملامحه مجددا وهو ينظر الى صورة بدور قائلا فى حزن: سامحينى يابدور، سامحينى
استيقظ سليم على صوت شهقات باكية، يعرف صاحبتها، انها نوارنه، ليدرك أنها بجواره، يتهادى اليه عبيرها، تمسك بيده، ليفتح عينيه ببطئ، وهو يقول بصوت ضعيف: نوران. اقتربت منه بلهفة قائلة: سليم، حمد الله ع السلامة ياحبيبى. أنا قلبى كان هيقف من خوفى عليك
قال سليم بحنان: سلامة قلبك يانوران ليحاول الاعتدال فتساعده هى ليسند ظهره قائلا فى حيرة: هو حصل ايه؟
نزلت دموعها وهى تقول: سامحنى ياحبيبى، أنا اللى اضطريتك تخرج من البيت وتيجى المستشفى، بسببى أنا وقعت من على السلم واتخبط فى راسك ولولا ستر ربنا كان،، .
لتصمت وقد علت شهقاتها ليبحث عن يدها حتى وصل اليها ليمسك بها قائلا بحنان: المهم انى دلوقتى كويس وكفاية دموع بقى عشان أنا قلبى ضعيف أدام دموعك وممكن أعيط جنبك
ابتسمت رغما عنها ليبتسم سليم قائلا: شفتى لما بتبتسمى وشك بينور ازاى قالت بابتسامة: على أساس انك شايفن، ... لتقطع كلماتها وهى تضع يدها على فمها بصدمة لتسرع قائلة بندم: أنا آسفة ياسليم، أنا غبية، والله ما كنت أقصد
ربت على يدها قائلا فى حنان: ولا يهمك يانوران، اهدى بس وقوليلى بدور أخبارها ايه؟ قالت فى حزن: لسة زى ما هى، كل شوية تفوق، تصرخ ويدولها حقنة مهدئة وتنام، حالتها صعبة أوى ياسليم
أومأ سليم برأسه قائلا: معلش، كل شئ فى أوله صعب، بعدين بيهدى وكل حاجة بتعدى ليصمت للحظة ثم يقول: وزين راح فين؟
قالت نوران: راح البيت هيجيبلنا شوية حاجات دادة سعاد رتبتهم فى شنطة لأننا أكيد هنبات هنا النهاردة قال فى ضيق: وليه نبات؟، أنا كويس وزى الفل، خلينا نروح يانوران أنا مبحبش المستشفيات رفعت يدها تربت على وجنته بحنان قائلة: عشان أطمن عليك ياحبيبى وكمان أبقى جنب بدور، دى ليلة واحدة بس
أومأ برأسه بقلة حيلة يدرك أنه يضعف أمام لمستها الرقيقة وكلماتها الحانية، ليسحبها ويمددها بجواره لتضع رأسها على صدره قائلا بشوق وهو يمرر يده على شعرها: طب تعالى بقى فى حضنى عشان بقالى تقريبا ٣ ساعات مخدتكيش فى حضنى، وده ياحبيبتى أخطر على صحتى من ألف وقعة
ابتسمت فى سعادة لكلماته التى أطاحت بدقات قلبها لتسمع صداها فى قلبه تحت أذنها، أغمضت عينيها تضم نفسها أكثر اليه وهى تشعر بدفء حضنه ويزداد أملها فى أن تسمع كلمات العشق منه صريحة فى يوم من الأيام.
جلس زين فى شرفة منزله يتناول قهوته فى هدوء شاردا بأفكاره التى احتلتها فتاة رقيقة الملامح، فمنذ عاد إلى المستشفى حتى اطمأن على سليم وغادرها بسرعة وكأن شياطين الدنيا تجرى خلفه، يقاوم رغبة حارقة فى أن يدلف الى حجرة بدور يلقى عليها نظرة واحدة يطمئن بها عليها ويشبع عينيه من رؤيتها، هو يدرك أنه ليس من حقه أن يفعل ذلك ولكنها مشاعره الجامحة والغريبة تجاهها و التى تجعله يخالف كل مبادئه التى عاش عمره يناضل من أجلها، انه يحتقر الخيانة..،
يمقتها، فإذا به يخون علياءه ويفكر بأخرى والأدهى من ذلك أن تلك الأخرى هى امرأة متزوجة من رجل آخر، ربما زوجها رجل حقير لا يستحقها وربما هى تعيسة معه ولكنه يظل زوجها وتظل هى امرأة على ذمة رجل آخر، لتعصف بقلبه الغيرة، تطيح به الأفكار والتخيلات، ليدرك أن مشاعره تجاهها قوية حد الجنون، فالجنون هو فقط من يستطيع وصف حالته تلك..
ترك فنجان القهوة من يده ونهض تملأ عينيه المشاعر، لقد توصل لقرار هام، وقاطع، سيسافر بعيدا عنها، سيبتعد كى ينساها، سيسافر الى تلك القرية السياحية يرى أمور العمل هناك، ويحاول أن يدفن مشاعره، ستكون فترة يعيد فيها ترتيب أفكاره وأحاسيسه المعقدة، سيحاول فيها أن ينسى كل ما يشغل باله ويشعره بالذنب، سينسى بدور مهما كان الثمن، يجب أن ينساها، يجب..
كانت بدور تبكى بلوعة بين ذراعى نوران التى تضمها بحنان وتربت على ظهرها مهدئة اياها، تشاركها دموعها، بينما تقف ضحى تنظر اليهما ودموعها تتساقط بصمت، وهى تشعر بالعجز لأنها لا تستطيع أن تخفف من آلام صديقتها أخذت شهقات بدور تخف تدريجيا حتى هدأت تماما لتخرجها نوران من حضنها وتضع وجهها بين يديها تمسح دموعها بأصابعها قائلة: اهدى ياحبيبتى، اهدى وكل حاجة هتتصلح..
قالت بدور بألم: اللى اتكسر مبيتصلحش يانوران وحتى لو لميناه ولزقناه مبيرجعش زى الأول، واللى راح منى مش ممكن يرجع، عمرى راح، ابنى راح، وياريتنى روحت مع اللى راح اقتربت منها ضحى بسرعة لتجلس بجوارها وهى تمسك يدها قائلة بلوعة: وحدى الله يابدور، انتى ست مؤمنة وعارفة ان كل اللى بييجى من عند ربنا بيبقى خير لينا، حتى لو مشفناش حكمته من اللى بيحصل معانا، مع الوقت أكيد بنشوفها
قالت بدور بحزن: لا اله الا الله سيدنا محمد رسول الله.. قالت ضحى ونوران بنفس واحد: عليه الصلاة والسلام قالت بدور بحزن: مش يمكن اللى بيحصلى ده عقاب من ربنا؟ عقدت نوران حاجبيها بحيرة قائلة: عقاب؟ ؟
أومأت بدور برأسها قائلة: أيوة عقاب، عشان عصيت أهلى وخليتهم زعلانين منى، ياما قالولى نزار مينفعكيش وهيتعبك، وأنا ركبت دماغى وصممت أتجوزه، وآدى النتيجة، سنين عايشة فى عذاب.. لتبكى مجددا وهى تقول: وآخرتها قتل ابنى، حسر قلبى عليه قبل عينى ما تشوفه، ياوجع قلبى عليه، أااااه من حرقتى
ضمتها ضحى قائلة: خلاص يابدور، اهدى ياحبيبتى، كدة غلط على صحتك، عارفة الحل الوحيد للى انتى فيه ده ايه؟ قالت بدور بحزن: إيه؟ قالت ضحى: انك تسافرى مكان بعيد، تنسى فيه كل اللى فات، زى رحلة علاجية كدة، تغيرى فيها جو وتبعدى عن نزار لغاية ما نشوف هنعمل ايه
خرجت بدور من حضن ضحى قائلة: معاكى حق، بس هروح فين، أنا مش هقدر ارجع لأهلى وأقولهم انكوا كنتوا صح وأنا غلط، ولا هقدر أسافر لوحدى، انا طول عمرى مع نزار وعمرى ما كنت لوحدى، هبقى عاملة زى الغرقان فى شبر مية. قالت نوران وقد التمعت عيناها فجأة: انا عندى الحل
نظروا اليها بتساؤل لتستطرد بحماس قائلة: زين لسة متكلم مع سليم وقاله ان القرية السياحية فيها مشاكل وانه هيروح يظبطها، أقنع سليم أنا بقى، وتقنعى انتى شهاب ياضحى، ونسافر كلنا، منها سليم يطمن على الشغل بنفسه واحنا نقضى أجازة حلوة بعيد عن نزار اللى مستحيل هيعرف مكان بدور هناك، ها، ايه رأيكم؟
نظرت ضحى الى بدور ليعودوا بنظراتهم اليها وهم يستحسنوا الفكرة يومأوا برءوسهم موافقين، لتبتسم نوران بسعادة، وقد حصلت على موافقتهم لتتبقى موافقة سليم وتلك هى الخطوة الأصعب فسليم يكره الخروج خارج محيطه، ذلك المنزل، الذى يحفظه عن ظهر قلب، ليظهر العزم فى نظراتها وهى تنوى اقناعه لتغادر الحجرة تتجه الى حجرة سليم فى خطوات ثابتة لا تعكس قلقها الشديد،، من رفضه..
نظر شهاب ببرود الى تلك التى تجلس أمامه وتضع ساقا فوق ساق، تملؤها الثقة من استجابته لكلماتها، تكاد ابتسامة النصر أن تعلو شفتيها، ليقول بابتسامة ساخرة: طبعا جاية ومفكرة ان شهاب الحديدى، حتة واحدة زيك ممكن تيجى وتضحك عليه بورقة بتقول انك حامل، مش عارف بس كنتى متوقعة ايه؟، هعترف بالطفل مثلا، أو أقولك خليه وأنا هتجوزك عشان يتربى فى وسطينا، مش دى كانت خطتك وتوقعاتك ياأريج؟
ظهرت الصدمة على ملامحها من كلماته فلم يكن ذلك ابدا هو رد الفعل الذى كانت تتوقعه منه، لقد ظل صامتا باردا لم يهتز له جفن وهى تخبره بحملها وتظهر له اثباتها المزيف، تلك الورقة التى دفعت فيها الكثير كى توقعه فى شركها، لتقول بارتباك: انت، انت مش مصدقنى ياشهاب؟
مال الى الأمام ينظر مباشرة الى عينيها قائلا فى صرامة: فى انك حامل، فده احتمال، انما حامل منى فمستحيل عقدت حاجبيها فى حيرة قائلة: ليه مستحيل، انت ناسى الليلة اللى قضيناها مع بعض ولا ايه؟
اعتدل قائلا بسخرية: تصدقى آه، ناسيها، وحتى لو فاكرها، بردو مستحيل تحملى منى ازداد انعقاد حاجبيها المنمقين وهى تقول بحيرة: ليه مستحيل، ما تفهمنى، جايب الثقة دى منين؟
اتسعت ابتسامته قائلا: لأنى عقيم ومبخلفش اتسعت عينيها بصدمة فذلك الاحتمال لم تضعه ابدا فى حسبانها وهى تضع الخطة لتقول وهى تحت تأثير الصدمة: وتيم؟ قال فى لا مبالاة: طفل اتبنيناه لما ضحى فضلت تزن عشان عايزة تبقى أم، تقريبا الكل عارف الموضوع ده، انتى بس اللى مكنتيش معانا فى الفترة دى
أدركت أريج فشل مخططها ليظهر الاحباط على وجهها حتى أن شهاب كاد أن يبتسم بانتصار، لولا انه اخفى تلك الابتسامة فى اللحظة الأخيرة كى لا تلمحها اريج، لترفع أريج عينيها اليه قائلة فى يأس: يعنى مفيش فايدة، مش هتتجوزنى ياشهاب؟
هز شهاب رأسه نفيا وهو يقول: على جثتى ياأريج، روحى شوفى اب تانى للطفل اللى فى بطنك قالت أريج بغيظ: أنا مش حامل أصلا نظر الى تلك الورقة أمامه ليشير اليها بعينيه قائلا: و الورقة دى؟ ؟
هزت كتفيها باحباط وهى تأخذ الورقة وتقطعها الى نصفين قائلة: فلوس وراحت على الفاضى ابتسم بانتصار قائلا: تصدقى انى كان جوايا ذرة شك بتقولى انك ممكن تكونى بتقولى الحقيقة وتكونى حامل منى بس ربنا ألهمنى بالفكرة دى عشان أكشفك ومضطرش أتجوزك وأوجع أعز الناس على قلبى نظرت اليه بذهول قائلة: انت قصدك.
قاطعها قائلا فى سخرية: ايوة، أنا مش عقيم، وتيم ابنى، أنا بس حبيت أتأكد انتى أد ايه حقيرة، ياه ازاى كنت مغشوش فيكى، آمنتك على شغلى وأسرارى واعتبرتك ضلى وفى الآخر طلعتى زبالة، واحدة متستهلش اى حاجة عملتهالها، ولا نسيتى مين اللى لمك من الشوارع واداكى وظيفة محترمة بعد ما اترميتى أدام عربيته وكان شكلك ياحرام برئ و يقطع القلب، أتاريها تمثيلية من أولها لآخرها، بس النهاية أنا اللى هكتبها وهخرجها كمان..
قالت متلعثمة: شه، شهاب، أنا، قاطعها قائلا بحدة: انتى ايه، ها، عايزة تقولى ايه أكتر م اللى قلتيه؟ قالت بتردد: طيب، مراتك يعنى، عرفت اللى حصل بينا؟ أطلق ضحكة ساخرة، ليقطعها فجأة وهو ينظر اليها بغضب: انتى بتهددينى يا أريج؟ طب احب أعرفك، ان مراتى عرفت ومن أول يوم، بس هى سامحتنى لأنها أنضف وأحسن منك مليون مرة
ليصمت آخذا نفسا عميقا ليهدئ به نفسه ثم نظر اليها قائلا بتهديد صارم: بصى ياأريج، أنا لآخر مرة هعمل حساب للعيش والملح وانك واحدة ست، وهسيبك من غير ما أذيكى، بس قسما بالله لو جيتى جنبى او جنب عيلتى، همسحك من على وش الدنيا ومش هيهمنى أى حاجة، مفهوم؟ ابتلعت ريقها بصعوبة ليستطرد بغضب قائلا: مفهوووم؟
أومأت برأسها فى خوف، لينهض شهاب حاملا مفاتيحه وهاتفه ومغادرا بخطوات سريعة غاضبة، تتبعه عيناها التى امتلأت بالحقد والكره، لتمسك هاتفها وتضغط على رقم وتسمع رنين الهاتف ليجيبها محدثها الذى ما ان سمعت صوته حتى قالت فى غل: جهز نفسك عشان هنفز فى أقرب وقت
لتغلق هاتفها قائلة بحقد: هنشوف ياشهاب، ان ما حسرتك على حبيبة القلب، مبقاش أنا أريج، هنشوف ياشهاب، هنشوووف دخلت نوران الحجرة لترى سليم يجلس مستندا إلى الوسادة، يضع يده على عينيه يظهر عليه الألم لتسرع اليه قائلة فى قلق: سليم انت كويس ؟ فيك حاجة؟ رفع يده من على عينيه بسرعة ليمسك بيدها قائلا بهدوء: أنا كويس، متقلقيش يانوران، .أنا، .أنا بس اليوم كان مرهق بالنسبة لى، وشكلى محتاج أنام
زفرت بارتياح، .لتتأمل ملامحه قائلة: طب ممكن أكلمك فى موضوع ولا أأجله لبكرة؟ ابتسم قائلا: قولى ياحبيبتى، خير، ايه الحاجة المهمة اللى حاسس انها مش ممكن تستنى للصبح
ابتسمت قائلة: انا كنت يعنى، بقول، ايه رأيك لو نسافر مع زين بكرة،، ... قاطعها قائلا بحزم وبلهجة قاطعة: انسى يانوران، مش ممكن نسافر
مالت عليه تتلمس وجهه بحنان ليتنهد هو من لمستها الحانية وهى تقول بتوسل: أنا لما طلبت منك نسافر مكنش عشانى أو عشانك، ده عشان بدور ياسليم، بدور اللى خسرت ابنها وحياتها، حالتها النفسية وحشة اوى، ولازم تبعد عن كل حاجة بتفكرها باابنها وبكل حاجة عملها فيها نزار، ومينفعش تبعد وتسافر لوحدها، فقلت نروح معاها
ظهرت الحيرة على ملامحه، ليقول بتردد: بس..، وضعت يدها على فمه تمنعه من الكلام وهى تقول بلهفة: وحياتى عندك ما ترفض، أوعدك هما يومين، يومين بس تريح فيهم أعصابها ونرجع علطول، ايه رأيك؟
أمسك يدها التى تضعها على فمه وهو يقبلها برقة قائلا: هتكلم ازاى والايدين الحلوة دى على شفايفى أحست بدماء الخجل تصعد الى وجهها ليأخذ هو نفسا عميقا ثم يقول بعدها: خلاص يانوران، أنا موافق بس اعملى حسابك، هما يومين بالكتير وهنرجع بيتنا تانى
اندفعت تقبله فى وجنته قائلة: ربنا يخليك لية يارب كادت تتراجع ليمنعها وهو يحيطها بإحدى ذراعيه لتظل قريبة منه ليرفع يده الأخرى يتلمس وجنتها بحنان، يقرب وجهها من وجهه يقول أمام شفتيها هامسا: انتى بتضحكى علية ولا ايه؟
لفحتها أنفاسه الساخنة وأذابتها همساته لتنفرج شفتيها فى حيرة تود أن تسأله عن معنى كلماته لتتفاجئ به يأخذ شفتيها فى قبلة شغوفة سارعت من دقات قلبها وأشعلت مشاعرها لتجد نفسها فى ثوان محمولة وممددة بجانبه وهو يشرف عليها ليميل يقبل وجنتها قبلات ناعمة رقيقة جعلت الفراشات الرقيقة ترفرف داخل معدتها وأشعلت جسدها بالكامل قالت بهمس، تحاول أن تتمسك بآخر ذرة وعى لديها: سليم، مش هينفع، ممكن حد يدخل علينا
همس بجانب أذنيها قائلا: مراتى وببوسها، ومحدش ليه عندى حاجة
ليعود ويمرر شفتيه ببطئ على طول عنقها مذيبا كل مقاومتها ومحركا كل أحاسيسها ليعود الى شفتيها آخذا اياها فى قبلة ملتهبة، بادلته اياها بشوق، وهى تضم رأسه اليها تتخلل شعره بأصابعها، وتثير كيانه بالكامل، لينهى قبلته واضعا جبهته على جبهتها، قائلا بهمس وبأنفاس متهدجة من تأثره بها: أنا خلاص مش قادر أستحمل، نوران اتصرفى، خلينا نروح بيتنا
قبلته في خده قبله ناعمة رقيقة مثلها تماما وهي تهمس قائلة: طلباتك أوامر ياسليم، بس ده محتاج مني اني أقوم ياحبيبي عشان أنفذ أوامرك ابتسم بحنان وهو يبتعد عنها ليترك لها المساحة كي تنهض قائلة في خجل: دقايق وهنكون ف بيتنا، ثواني هظبط كل حاجة وآجي أخدك
اعتلي ثغره ابتسامة عذبة تعشقها وهو يقول بحب: متتأخريش عليه بادلته ابتسامته قائلة: مش هتأخر لتستدير مغادرة الحجرة بهدوء ليغلق هو عينيه مجدا وهو يضع يده عليهما وقد ظهرت ملامح الألم علي وجهه
كان زين يقف خارج منزل سليم يستند الي سيارته حين رأى سليم يقترب منه ليسرع زين اليه يأخذ بيده الي السيارة ويفتح بابها الخلفي له ويجلسه داخلها بهدوء ليقول سليم بتساؤل: الشنط تمام يازين؟
أوما زين برأسه قائلا: كله تمام ياسليم، متقلقش، بس تعرف أنا مبسوط أوي انك قررت تيجي معايا... ليبتسم بخبث قائلا: شوف سبحان الله ياأخي بترجاك من أد ايه تيجي معايا، وانت كنت بترفض لكن أول ما نوران قالتلك وافقت علطول، بركاتك يانوران
قال سليم في حزم مصطنع: خليك في حالك يازين قال زين: ماانا في حالي أهو وأنا جيت جنبك عقد سليم حاجبيه قائلا فى تساؤل: هى البنات اتأخرت ليه؟
جاء دور زين ليعقد حاجبيه فى حيرة قائلا: بنات؟ ؟ ليستمع لصوت نوران يقول برقة: احنا جينا خلاص
التفت زين ليفاجئ بنوران تقف الى جوارها من أراد الهروب منها، من ملكت عقله وشغلت قلبه، بدور، نظر بصدمة اليها لتنظر اليه بدهشة تتعجب من نظراته المصدومة، ليفيق من صدمته على صوت سليم الحائر وهو يقول: فيه ايه، مالكم؟
تنحنح زين قائلا وهو يشيح بنظراته عنها: مفيش حاجة ياسليم ثم وجه حديثه الى نوران قائلا: اتفضلوا اركبوا
اتجه زين الى مكانه خلف مقود السيارة، لتركب نوران بجوار سليم بينما فوجئ ببدور تفتح الباب بجانبه وتركب بجواره قائلة لنوران برقة أذابته: أنا هقعد أدام يانوران، كدة اريح
ألقى نظرة سريعة عليها ليدرك أنها لاتبحث عن الراحة وانما تخجل من الجلوس بجوار سليم ونوران لتتركهما بحريتهما، وتخجل أيضا من الجلوس بجواره ولكنها اختارت أن تترك الزوجين على راحتهما، أشاح بنظراته عنها، وهو ينظر أمامه يقاوم رغبة هائلة فى أخذها بين أحضانه ليركز فى الطريق وهو يستغفر ربه، يدعو الله أن تنتهى تلك الرحلة سريعا، سريعا جدا..
كانت بدور تمشى على البحر وحدها بعد ان تركتها نوران لتذهب وتطمئن على سليم، التفتت تنظر الى البحر الذى تعشقه، تتأمل أمواجه الهادئة، تلك الأمواج التى لطالما ضمتها فى صغرها، تلك الأمواج التى حملت دائما بقايا ذكرياتها، كم تتمنى لو تعود تلك الأيام، حين كانت صغيرة، كان أكبر همها آنذاك هو أن تقنع والدها كى يأخذها الى الملاهى، أو تقنعه بالذهاب الى الأسكندرية فى الأجازة الصيفية كى تزور عائلة عمها..،
أو بالأحرى كى تزور حبيبها نزار، لتمر الأيام وتكبر الهموم ويصبح الآن جل همها، أن تنسى ذلك الحبيب، تنسى حياة بأكملها، أغمضت عينيها تتساقط دموعها لتفتح عينيها بقوة حين تناهى الى مسامعها صوت تعرفه جيدا يقول بحدة: كنتى فاكرة انى مش هعرف مكانك، مش كدة يابدور؟ التفتت الى صاحب الصوت لتتسع عيناها بصدمة وهى تتأكد أنه هو وأنها فعلا تراه، لتقول بخوف: نزار !
اقترب منها تتطاير شرارات الغضب من عينيه ليمسك ذراعها قائلا فى قسوة: بتهربى منى يابدور، أنا، نزار العدوى، مراته تهرب منه وتستخبى عند ناس غريبة، هى دى آخرتها يابدور، بتهربى من جوزك حبيبك، للدرجة دى هنت عليكى؟
أفاقت من صدمتها على كلماته التى أثارت بداخلها كل مشاعر الغضب فى قلبها لتضحك بسخرية وسط دهشته من رد فعلها والذى لا يشبهها مطلقا، لتنفض ذراعها من يده وتدفعه بيدها فى صدره قائلة: بدور اللى كانت بتحبك وعايشة عشان تسعدك ماتت يانزار
أصابته الصدمة من كلماتها لتدفعه مرة أخرى قائلة بغضب: ماتت مع كل جرح جرحتهولها، مع كل اهانة وكل قلم أخدته منك لتدفعه بقوة أكبر حتى انه اضطر للتراجع خطوة وهى تقول بمرارة: ماتت يوم ما شافت خيانتك بعنيها، يوم ما قتلت ابنها بايديك، بدور ماتت، فاهم ماتت، ماااااتت
لتنهار أرضا، فلم تعد قدماها قادرتان على حملها تضعفها آلامها وذكرياتها، تبكى فى لوعة يشهد عليها نزار الذى وقف جامدا لا يدرى ما يفعل وهو يراها منهارة على هذا النحو
غافلين عن ذلك الرجل الذى يقف بعيدا شاهدا عليهما، تمتلئ عينيه بالدموع شفقة على تلك الرقيقة التى عانت الكثير مع ذلك الرجل الواقف بجمود أمام انهيارها، يود لو يذهب هو الآن ويرفعها من على الأرض ليضمها الى صدره يحتوى ذلك الألم المحفور على ملامحها ويوقف انتفاضتها التى أشعلت كيانه حزنا عليها، ليقبض على يديه بقوة، يمنع نفسه بصعوبة عن فعل ذلك.
اقترب منها نزار ومال يلمس كتفها ليدرك زين أن أحلامه من حق رجل آخر حتى وان كان نذلا لا يستحقها، كاد أن يبتعد لولا أن رأى انتفاضة بدور ونهوضها ليقترب منهما بسرعة...قالت بدور بكره: ابعد ايدك دى عنى ومتلمسنيش بيها تانى، انت ايه ياأخى؟، قلتلك خلاص كرهتك وكرهت لمستك لية، اخرج من حياتى بقى.. عاد الغضب الى ملامح نزار وهو يراها تبتعد عنه، تسرع فى خطواتها ليمسكها من ذراعها بعنف يوقفها قائلا بحدة: اقفى هنا، رايحة على فين؟ التفتت اليه قائلة بغضب: قلتلك متلمسنيش، انت ايه مبتفهمش؟
اشتعل الغضب بعينيه ورفع يده لتغمض بدور عينيها تنتظر صفعته لتنتظر وتنتظر دون أن يصفعها، لتفتح عيونها ببطئ وتنظر الى ذلك المشهد الذى أثار دهشتها فبينها وبين نزار وقف زين يمسك بيد نزار المرفوعة بقوة مانعا اياه من صفعها، يتبادلان نظرات الكراهية والتحدى، يسود الصمت بينهما والذى لم يقطعه سوى زين الذى أنزل يد نزار قائلا فى صرامة: أظن مش من الرجولة انك تمد ايدك على واحدة ست
جز نزار على أسنانه قائلا: وانت مالك انت، بتتحشر ليه بين واحد ومراته؟ قالت بدور بسرعة: جوازنا انتهى يانزار، ويا تطلقنى ياهرفع عليك قضية طلاق يانزار، وانت عارف أد ايه قضية زى دى ممكن تأثر عليك وعلى شغلك
نظر اليها نزار بغضب قائلا: بقى كدة يابدور؟، ماشى، بكرة تندمى، أنا همشى، بس موضوعنا منتهاش، الظاهر انك نسيتى جوزك يبقى مين، ولازم أفكرك.. أشاحت بنظراتها بضيق ليلتفت مغادرا بعد أن رمق زين بنظرة غاضبة ليلتفت زين على الفور الى بدور قائلا: انتى كويسة؟
أومأت برأسها ايجابا وهى تأخذ نفسا عميقا، تتمالك به نفسها، فمازالت ترتجف من أثر مواجهتها مع نزار، ليلاحظ زين ارتجافتها ويخلع جاكت بذلته مانحا اياها لتنظر اليه بدهشة ويقول هو بارتباك: الجو برد عليكى، البسيها هتدفيكى
أخفضت نظراتها المرتبكة من اهتمامه لتأخذها منه شاكرة اياه بصوت ضعيف مرتبك، ارتدتها، ليبتسم هو ملاحظا خجلها، ثم تنحنح قائلا: لو تسمحيلى اوصلك عشان أتأكد انه مش هيتعرضلك تانى؟ أومأت برأسها دون أن ترفع عينيها اليه ووجنتيها تحمر خجلا، لتصير أجمل، ويدرك هو أن كل محاولاته لمقاومة مشاعره وتجنبه رؤيتها منذ أتى الى القرية قد باءت بالفشل وأنه وقع فى غرامها وبشدة
بحثت نوران بعينيها عن سليم حتى وجدته فى ذلك الركن البعيد من حمام السباحة، يجلس على كرسى ممدد، يستند بظهره اليه، يلبس نظارته السوداء ويضع يده على عينيه لتقترب منه حتى أصبحت أمامه تتأمله بحب، حاجبة عنه أشعة الشمس، ليرفع يده عن عينيه، قائلا: نوران ! ابتسمت برقة قائلة: نفسى أعرف بتعرفنى منين؟ أنا قلت من البرفيوم بتاعى، وعشان كدة محطيتوش، عشان أتأكد من ظنى، لكن بردو عرفتنى، ازاى بس؟ مش عارفة
ابتسم وهو يعتدل ليمد يده ويأخذ بيدها وهو يجلسها بجواره ليرفع يده ويمررها على وجنتها قائلا بحنان: الأول كنت بعرفك من صوت خطواتك فعلا والبرفيوم بتاعك، ما هو الأعمى بتكون حواسه التانية أقوى بكتير، عشان تعوضه عن عينيه، بس تعرفى يانوران أنا مبقتش اعرفك من خطواتك ولا حتى من ريحتك، أنا بقيت بعرفك بده
وأشار الى قلبه، لتتسع عينيها من اشارته، ترى هل أحبها مثلما تحبه، أيثلج قلبها ويطمئنها بكلمات عشقه؟، ليستطرد قائلا: قلبى بيرتاح أوى لما بيحس بيكى جنبه، بطمن، بحس بشعور غريب مبحسوش غير فى وجودك
ابتسمت بحنان، ربما لم يقولها لها صريحة ولكن تكفيها كلماته لتمنحها الأمل فى أن يصرح بحبها ذات يوم، فكلماته تعبر عن حب وليد، سيكبر فى يوم من الأيام، ربما ذات يوم يعشقها مثلما عشق نور، اقتربت منه تضع يدها على قلبه قائلة بحنان: ربنا يخليلى قلبك ويخليك لية ياسليم
ربت على يدها المستكينة على قلبه بحنان، ليعقد فجأة حاجبيه ويظهر على وجهه الألم، وهو يمسك رأسه بقوة، قالت نوران بجزع: مالك ياسليم.فيك ايه؟ قال سليم فى ألم: صداع رهيب بيجينى فى الفترة الأخيرة، لو سمحتى يانوران، كوباية مية وحباية مسكن بسرعة
أومأت برأسها بسرعة قائلة وقد أقلقها شحوبه: ثوانى أجيبهملك.. لتنهض مغادرة بسرعة ولكنها مالبثت أن توقفت تستدير اليه تتأمله للحظة، ينتابها القلق عليه ليقول هو بصوت متهدج من الألم يحاول أن يبث الطمأنينة فى قلبها وقد شعر بقلقها وخوفها من تركه وحيدا: أنا كويس يانوران، روحى هاتى المسكن، وأنا هبقى تمام، متقلقيش ياحبيبتى
أومأت برأسها، لتبتعد بخطواتها المسرعة ليطلق سليم آهة ألم كان يكتمها حتى لا يصيب نوران بالقلق فهو يعلم كم تعشقه وتخاف عليه، وكم أصبح بدوره يعشقها حتى أنه كان يحاول جاهدا أن لا يظهر ألمه الذى أصبح يراوده مؤخرا حتى لا يسبب لها القلق، ولكن اليوم ألمه ازداد حتى أصبح لا يحتمل، ربما وجب عليه أن يزور الطبيب حتى يطمئن على حالته، فقد أصبحت حياته مهمة منذ أن عرف ملاكه البرئ، حبيبته وزوجته،،، .نوران
اقترب شهاب بهدوء وخطوات خفيفة من زوجته ضحى الشاردة وهى تقلب محتويات الإناء فى هدوء، غافلة عن ذلك الذى يراقبها منذ دقائق، يتأمل بعينيه جمالها الخلاب فى عشق، يلاحظ شرودها وتقليبها فى اناء لا يوجد به سوى الماء، تاركة عيدان المعكرونة جانبا، ليذهب إليها ويحملها فجأة مسببا لها الصدمة لتصرخ بفزع ثم تدرك أنه حبيبها شهاب وهى تسمع ضحكاته الرنانة تطرب أذنها وتنسيها تلك الأذمة القلبية التى كاد أن يسببها لها لتقول باابتسامة: ماشى ياشهاب، بتخضنى، طب نزلنى وأنا أوريك..
ابتسم وهو ينزلها ويلفها لتواجهه دون أن يخرجها من محيط ذراعيه ليرفع يده يزيح خصلة شعر شاردة من على وجنتها ويرجعها خلف أذنها يتأمل ملامحها بعشق قائلا: نزلتك أهوو، هتورينى ايه بقى؟
تأملت ملامحه التى تعشقها لتشعر بجفاف فى حلقها، مررت لسانها على شفتيها، تشعر بجفاف حلقها، تحاول أن تخرج صوتها الذى أضاعته متابعة شهاب لحركتها تلك، ليتغير لون عينيه وتزداد قتامة، وهو يهبط بشفتيه يلتقط شفتيها فى قبلة رقيقة وكأنه يستطعم شفتيها المزينتان بأحمر شفاه وردى، جعلاه يشعر بأن مذاقهما خمر أسكره، ليبتعد عن شفتيها ببطئ ناظرا الى عينيها الناعستين الجميلتين واللتان تنظران اليه بوله ليقول بهمس: لو مبطلتيش تبصيلى بالشكل ده يبقى انتى اللى جيبتيه لنفسك ياضحى..
ابتلعت ريقها وهى تحاول أن تتمالك نفسها من تلك المشاعر التى اجتاحتها لتقول متلعثمة: وانت لو، مبطلتش تلمسنى بالشكل ده الأكل هيتحرق ومش هتتغدوا ياحبيبى.. ليطلق شهاب ضحكة عالية أثارت دهشتها وهو يمسك بيدها ويوجهها الى الموقد قائلا: وهو فين الأكل ده ياحبيبتى؟ نظرت الى الوعاء الذى تغلى به المياه بدهشة ليستطرد شهاب مبتسما وهو يقرصها بخفة فى وجنتها: مين اللى واخد عقلك ياقمر؟
تنهدت قائلة: بدور ياشهاب، قلقانة عليها. ونفسى أشوفها.. مال عليها يقبل وجنتها برقة ثم قال: بس كدة، ليكى علية أخلص كل الشغل اللى ورايا النهاردة، ونسافر لهم الصبح علطول.. ظهرت الفرحة على ملامحها لتقول بسعادة: بجد ياشهاب؟
ابتسم لفرحتها الطفولية قائلا بحنان: بجد ياقلب شهاب. لتسرع وتقبله على وجنته قائلة فى سعادة: انت أحسن زوج فى العالم ياشهاب. ليبتسم شهاب وهو يغلق الموقد رافعا اياها وسط دهشتها قائلا: أنا بقول نطلب أكل جاهز النهاردة. لتكتم ضحى ضحكتها وهى تدفن وجهها فى عنقه، فحبيبها مجنون وهى تعشق جنونه
قالت أريج فى غضب: يعنى هيكونوا راحوا فين، سافروا فين من بدرى كدة؟ أجابها محدثها قائلا: مش عارف ياهانم أنا سألت البواب عليهم وكل اللى قالهولى انهم سافروا بعد الفجر علطول. قالت أريج بحدة: ما أنا مشغلة معايا شوية أغبية، قلتلك خلى واحد واقف أدام البيت ال ٢٤ ساعة
لتزفر محاولة أن تهدئ من نفسها، ثم قالت بصرامة: عموما مش مهم، ما هم أكيد هيرجعوا، خلى حد يراقب البيت ال ٢٤ ساعة وأول ما يوصلوا بلغونى، مفهوم؟ قال محدثها بهدوء: مفهوم ياهانم. لتغلق الهاتف بغضب وهى تنظر الى صورة شهاب الموضوعة أمامها قائلة: هتروح منى فين ياشهاب، أنا وراك والزمن طويل.