قال عدنان بهدوء: زي ما بقولك كدة ياهارون. جلس هارون قائلا: انت عارف لو الصفقة دى تمت، مكسبها كام؟ نظر عدنان اليه قائلا في تقرير: عارف طبعا، مليارات. عقد هارون حاجبيه قائلا: طب ايه اللى يخلى مروان يشاركنا صفقة ارباحها بالمليارات، ماكان قام بيها لوحده والمكسب يتقسم عليه هو وشريكه وبس. تراجع عدنان في مقعده قائلا:.
مش هيقدر، مروان صحيح اتغير بس لسة زي ما هو ملوش في الشغل الشمال، ومحتاج حد معاه زينا يظبطله الدنيا. ازداد انعقاد حاجبي هارون قائلا: ولما مالوش في شغل الشمال، داخل صفقة زي دى ليه؟ أخرج عدنان غليونه وأشعله بهدوء، ثم أخذ منه نفسا عميقا ليطلقه ناظرا اليه وهو يقول بهدوء:.
الاحتمال الأرجح هو ان اللى شافه في المعتقل غير تفكيره خصوصا لما خرج ولقى ابوه اللى كان روحه فيه، ميت، وحارمه كمان من الميراث واللى كتبه لمراته وبس، ده في حد ذاته يقتل مشاعر كتير جوة البنى آدم، صحيح كان ليه ميراثه من أمه وميراث مش قليل، بس برده ده ميمنعش انها صدمة كبيرة خدها من ابوه تغير أي حد، والأغلب دلوقتى انه اكتشف أنه عشان يعيش في الغابة اللى احنا عايشين فيها، لازم يكون أسد، ولازم يكون معندوش رحمة ولا ضمير.
اومأ هارون برأسه قائلا: احتمال فعلا، طيب واحنا هندخل الصفقة دى معاه كدة من غير ما نعمل احتياطاتنا. ابتسم عدنان ابتسامة شيطانية وهو يقول: متقلقش، أنا عامل احتياطاتى، وهاخد إمضته على كل ورقة تخص الصفقة عشان لو فكر بس يغدر يعرف انه هيروح معانا في ستين داهية، ولإنى عارف برده ان مروان لو كبر هياكلنى زي ما هياكل غيرى، أول ما الصفقة دى تخلص، هخليه يحصل أبوه.
نظر اليه هارون بدهشة لتتسع ابتسامة عدنان وتصبح ضحكة شيطانية، خشي منها هارون لأول مرة.
سمعت دارين طرقا على الباب لتدرك من الطارق قبل أن ترى وجهها الحبيب وهي تطل من الباب تبتسم بحنان قائلة: فاضية يادارين؟ أغلقت دارين شاشة اللاب توب ووضعته جانبا وهي تقول بابتسامة: تعالى ياتيتة، ده انا أفضالك مخصوص ياقمر. اقتربت منها الجدة لتجلس بجوارها على السرير قائلة:.
بس يابكاشة، ده انا مبقيتش اشوفك من يوم ما اشتغلتى مع أخوكى غير الصبح قبل ماتنزلى وبس، حتى الغدا، بقيتى تتغدى في المكتب، والعشا تقوليلى تعبانة ياتيتة وعايزة أنام، الظاهر ان الشغل بتاعك ده هييجى على دماغى أنا وبس. نهضت دارين وجلست على ركبتيها وهي تضم الجدة مقبلة اياها من وجنتها قائلة:.
حقك علية ياتيتة، انتى معاكى حق تزعلى بس غصب عنى والله، انتى عارفة انى لسة في البداية ومحتاجة أثبت للكل انى شاطرة ومجتهدة وانى متعينتش في الشركة لمجرد انى أبقى أخت صاحبها وبس، ده غير ان ياسين خلانى مديرة مكتب شريكه الجديد نبيل، فتلاقى الشغل كله فوق راسى. عقدت الجدة حاجبيها قائلة: شريك جديد، غريبة، اخوكى مجابليش سيرة عن الموضوع ده.
تراجعت دارين مكانها وهي تجلس متربعة القدمين عاقدة حاجبيها بدورها وهي تقول: فعلا غريبة، بس زي ما انتى شايفة من يوم مامضوا العقود والشغل ما شاء الله في الشركة مش ملاحقين عليه، لدرجة انى انا كمان مبقتش اشوفه، أغلب الوقت برة الشركة في اجتماعات مع العملا اللى جابتهم فتون للشركة. ازداد انعقاد حاجبي الجدة وهي تقول: فتون؟فتون مين يادارين؟ قالت دارين: شريكتنا الجديدة ياتيتة. قالت الجدة:.
انتى مش بتقولى الشريك الجديد راجل واسمه نبيل. ابتسمت دارين قائلة: لأ ما هما اتنين، فتون ونبيل اصحاب شركة السلطانة للعطور في لبنان، واللى كنت بجيبلك منها البرفيوم بتاعك اللى بتحبيه. قالت الجدة: استنى كدة وبالراحة، احكيلى اكتر عن الشركا دول وبالتفصيل يادارين. ابتسمت دارين قائلة: بس كدة، اسمعى ياستى.
قال مروان بغضب: انتى مش هتبطلى تعاندينى في كل حاجة اقولهالك. نظرت زينة اليه في برود قائلة: أنا مش بعاندك، انا كل اللى طالباه انى أخرج انا وابنى برة السجن اللى انت معيشنى فيه، أنا مخرجتش من سجن عشان اعيش في سجن تانى. اقترب منها يقول في صرامة: انا معيشك في سجن؟ ليشير الى المنزل قائلا: انتى بتسمى البيت ده سجن؟ قالت زينة في مرارة لم تستطع اخفاءها: أيوة سجن، يفرق ايه عن جحر الشيطان اللى كنت عايشة فيه؟
اقترب منها حتى أصبح قبالتها تماما ليميل بوجهه قائلا في سخرية: لأ يفرق كتير، انتى وابنك هنا في أمان بعيد عن عدنان ورجالته، ولو خرجتوا برة هتكونوا في خطر كبير، ثم على الأقل هنا مبتبيعيش شرفك كل يوم. أحست بعروقها تنتفض من الغضب لتصرخ قائلة في مرارة: كفاية بقى ظلم فية، انت ايه ياأخى؟، مش كفاية الظلم اللى ظلمتهولى زمان، لسة عايز تعمل ايه فية؟، انا تعبت، تعبت منك ومن ظلمك، ارحمنى بقى، ارحمنى.
عقد حاجبيه وكاد أن يسألها عما تعنيه بكلماتها ولكن قاطعه صوت طرقات على الباب ثم دلوف صاحبة الطرقات وهي تنظر في صدمة الى هذا الثنائي المتقارب، نظر مروان إليها في برود بينما اتسعت عينا زينة في صدمة، تمالكت سوزى نفسها بسرعة وهي تقول: هو انا جيت في وقت مش مناسب ولا ايه؟ احتوى مروان كل الكره الذى يحمله بداخله لتلك المرأة وهو يتراجع متجها الى خلف مكتبه يجلس على مقعده قائلا بهدوء: لأ طبعا، اتفضلى ياسوزى.
نقلت زينة بصرها مابين مروان وسوزى بخيبة أمل قبل ان ترمق تلك الأخيرة بنظرة احتقار وتغادر المكان في صمت، غافلة عن عيون التقطت نظراتها واحتارت في تفسيرها ليفيق صاحب تلك العيون على صوت سوزى وهي تقول بنبرات خرجت منها حادة رغما عنها: هي زينة ايه اللى جابها عندك يا مروان؟ قال مروان وهو ينظر اليها ببرود قائلا: وده يخصك في ايه ياسوزى؟ تظاهرت سوزى بعدم الاهتمام وهي تقول:.
الحقيقة هي متهمنيش ومتخصنيش، من يوم مارميتها برة البيت، اليوم ده شفتها مع باباك في وضع يعنى، إنت فاهم طبعا. جز مروان على أسنانه يتساءل، ترى هل ما تقوله سوزى حقيقة أم أن كلماتها تلك هي إحدى أكاذيبها؟هل وجدتها حقا مع أبيه؟
تبا، كم يؤلمه مجرد التخيل، ليعود وينفى ذلك الاحتمال فمهما كانت مساوئ زينة فلا يمكنها أبدا أن تكون حقيرة لتلك الدرجة، لابد وأنها احدى أكاذيب سوزى، لتنتابه الحيرة عن سبب اختراعها لتلك الكذبة؟التمعت الفكرة في رأسه فجأة، الغيرة، نعم، إنها الغيرة، حقا لم يعد يعرف إلى أي مدى قد تصل حقارة تلك المدعوة سوزى، أخذ نفسا عميقا وهو يقول بسخرية: ولما هي متهمكيش زعلانة ليه إنها بتشتغل عندى ياسوزى؟
قالت سوزى بهدوء مفتعل: أنا مش زعلانة، انا بس خايفة عليك منها. اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول: أهمك أوى ياسوزى؟ نظرت إلى ملامحه تتأمله بإعجاب أنثى ظهر جليا في صوتها وهي تقول: طول عمرك بتهمنى يامروان، انت نسيت ولا إيه؟ تراجع في مقعده قائلا بهدوء: أنا منستش حاجة بس الظاهر انتى اللى نسيتى. ليحرك يده بلامبالاة مستطردا: عموما، زينة مش اكتر من خدامة هنا ياسوزى، لجأتلى عشان تشتغل وتصرف على إبنها، وأنا وافقت.
نظرت إليه تتفحص ملامحه وهي تقول: بعد كل اللى عملته فيك؟برده بتساعدها. قال في برود: متعودتش أرد حد طالب مساعدتى يا سوزى، وان مكنش عشانها يبقى عشان ابنها اللى ملوش ذنب في اللى هي عملته فية زمان، وعموما أنا ميهمنيش حياتها الشخصية طول ما هي بعيد عن شغلها، المهم، ممكن أعرف سبب زيارتك الغريبة دى إيه؟ تنحنحت سوزى قائلة: احمم، بما انك متعودتش ترد حد محتاج مساعدتك فأنا كمان محتاجة مساعدتك يامروان.
لم ينطق بحرف وهو يتأملها لتستطرد قائلة: أنا عارفة إنك زعلان منى عشان موضوع الميراث، بس وحياتك عندى انا مكنتش اعرف ان باباك كتب الميراث لية غير بعد ما مات، ولو كنت اعرف قبلها كنت منعته. تراجع مروان في مقعده قائلا بسخرية: ولما بعتلك المحامى عشان ترديلى حقى وطردتيه. قالت بسرعة: لو كنت انت اللى جيتلى مكنتش طبعا هعمل كدة، بس المحامى هددنى واستفزنى بكلامه. اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول:.
عموما ياسوزى احنا لسة فيها، تقدرى ترجعيلى حقى في ميراث ابويا. تلعثمت سوزى قائلة: أنا، أنا... اتسعت ابتسامة مروان الساخرة حتى صارت ضحكة رنانة ليقول بعدها: انتى إيه ياسوزى؟، عموما انا مش عايزه ولا محتاجه، وإنتى شايفة أهو بعنيكى أنا غنى أد إيه؟يعنى مش هبص لفلوس، بابا قرر يحرمنى منها ويديهالك إنتى. قالت سوزى بسرعة:.
شايفة طبعا، وعشان أنا عارفة اد ايه انت ذكى وشاطر حابة ادخل معاك في بيزنس، وجيتلك مخصوص عشان كدة، ها، إيه رأيك؟ تظاهر مروان بالتفكير لثوان ثم نظر اليها قائلا: مع انى مبحبش يكون لية شركا في الشغل بس نجرب وماله، ممكن أعرف بقى نوع البيزنس اللى حابة تدخلى فيه معايا وبفلوس أد إيه ياسوزى؟ التمعت عينا سوزى تظن أنها ربحت الجولة الأولى وهي تقول: هقولك يامروان، هقولك.
جلست الجدة مطرقة الرأس تفكر فيما سمعته من دارين بهدوء لتحترم دارين صمتها حتى رفعت الجدة رأسها قائلة: أنا عايزاكى تعزمى الشركا الجداد على العشا يادارين. عقدت دارين حاجبيها قائلة: وأعزمهم انا ليه؟، ما تخلى ياسين هو اللى يعزمهم. قالت الجدة بهدوء: ياسين مجبليش سيرة عنهم وممكن يتحجج بأي حجة عشان ميعزمهمش عندنا، فالأحسن أحطه أدام أمر واقع. قالت دارين في حيرة: وهو ممكن يمانع ليه بس ياتيتة؟
قالت الجدة في شرود: مش عارفة يادارين، احساسى بيقولى ان أخوكى مخبى حاجة عنى ولازم أعرفها. عقدت دارين حاجبيها قائلة: حاجة زي ايه؟ افاقت الجدة من شرودها قائلة: قلتلك مش عارفة يادارين بس لما أشوفهم، أكيد هعرف، المهم تنفذى اللى قلتلك عليه، إعزميهم ع العشا بعد بكرة ومتقوليش لأخوكى، مفهوم؟ قالت دارين: مفهوم ياتيتة. نهضت الجدة وكادت أن تغادر لتتوقف وهي تلتفت الى دارين قائلة: إلا قوليلى يادارين، أخبار مروان ايه؟
هزت دارين كتفيها قائلة: معرفش ياتيتة، مشفتوش خالص في الشركة ومعرفش عنه حاجة. اومأت الجدة برأسها في هدوء وهي تلتفت مغادرة ترتسم على وجهها ابتسامة راضية وقد أدركت من نبرات صوت حفيدتها الغير مهتمة، بأن مروان أصبح من الماضى بالنسبة لها، بينما فتحت دارين شاشة اللاب توب لتظهر صورة نبيل عليها لتبتسم دارين قائلة:.
حيرتنى معاك يانبيل، ياترى المشاعر اللى بحسها من ناحيتك حقيقية ولا انا شكلى بتعلق بأي حد بيهتم بية وخلاص، أكيد مع الأيام هعرف انت ايه بالنسبة لية يانبيل؟
كانت زينة تقف بالقرب من المكتب تشعر بالغليان، فبالداخل تقبع عدوتها اللدود، تلك العقربة المدعوة سوزى مع حبيبها مروان، تبا، أمازالت تدعوه حبيبها؟نعم، هو حبيبها مهما فعل، سيظل أول من دق القلب له وآخر من ستنطق نبضاتها بإسمه،.
تساءلت بمرارة عن سبب وجودها في منزله؟وماذا تريد منه؟فهي ترى نظراتها له، وكأنثى تدرك كنه تلك النظرات أما كحبيبة فتود لو تقتلع عيون تلك الحية كي لاترمقه بنظراتها التى تكاد تلتهمه، ولكن هاهي مكبلة لا تستطيع فعل شئ سوى الوقوف بعيدا تتآكلها نيران الغيرة، انتفضت من أفكارها على صوت فارس وهو يقول: واقفة كدة ليه ياماما؟ وضعت زينة يدها على قلبها متسارع النبضات وهي تقول: خضيتنى يافارس.
نظر إليها فارس قائلا في براءة: أنا مكنتش بلعب معاكى ومقلتش عو ياماما. رغما عنها وجدت ابتسامة تتسلل إلى شفتيها من كلمات إبنها البريئة لتقرصه من خده بخفة قائلة: شكلك ملعبتش من زمان، وحابب تلعب معايا، صح؟ جعد فارس أنفه وهو يهز رأسه موافقا قائلا: صح. اتسعت ابتسامتها وهي تقول: طب تعالى نلعب اللعبة اللى عمك مروان جابهالك وأهو بالمرة تعلمنى عليها شوية. صفق فارس بجزل قائلا: هيييه، يلا ياماما، دى لعبة سهلة أوى.
ليسبقها وهي تتبعه بنظراتها في حنان، لتلقى نظرة أخيرة على باب الحجرة المغلق، مغلفة بالحزن، بالألم، وخيبة الأمل، قبل أن تغادر متجهة إلى حجرتها رغما عنها.
قال عدنان بصدمة: انتى بتقولى ايه ياسوزى؟ قالت سوزى بحنق: زي ما سمعتنى ياعدنان، زينة شغالة خدامة عند مروان. عقد عدنان حاجبيه قائلا في ضيق: وايه اللى وداها عنده اصلا؟ قالت بدورها في ضيق: لجأتله عشان يساعدها وهو طبعا مترددش. زفر عدنان بقوة قائلا: كدة الموضوع اتعقد أوى، البت دى لو نطقت بكلمة كلنا هنروح في داهية. نظرت سوزى الى عدنان في دهشة قائلة: انت خايف من مروان ياعدنان؟ قال في غضب:.
خايف ايه بس ياسوزى؟هو الشيطان بيخاف من حد، أنا بس قلقان ع الصفقة تروح من ايدينا ودى صفقة مش عادية، دى صفقة ممكن اعتزل بعدها الشغل خالص وأقعد ملك زمانى. عقدت سوزى حاجبيها قائلة: صفقة ايه دى ياعدنان اللى مخلياك عامل ده كله؟ نظر عدنان الى عمق عينيها قائلا:.
صفقة مخدرات وأسلحة ياسوزى، هتجيلنا من برة بملاليم وهنبيعها بمليارات، الموضوع كبير أوى ومش حمل غلطة واحدة، لو مروان عرف مش بعيد يلغى الصفقة وتضيع علينا المكاسب دى كلها. أومأت سوزى برأسها متفهمة لتلتمع عينا عدنان فجأة وهو يقول: انتى في ايديكى الحل ياسوزى؟ قالت سوزى في دهشة: أنا، إزاي؟ اقترب منها عدنان حتى وقف قبالتها مباشرة وهو يقول:.
انتى الوحيدة اللى ممكن تدخلى بيته وتوصليلها، عايزك تستفردى بيها وتهدديها، قوليلها عدنان بيقولك لو كلمة واحدة من اللى تعرفيه وصلت لمروان، تانى يوم هتقرى على روح إبنك الفاتحة، وهي عارفة إنى أقدر اعملها. قالت سوزى بحيرة: هتعملها إزاي بس؟وهي في حماه، في بيته، تفتكر هيسيبك؟ قال عدنان بنفاذ صبر: قوليلها كدة بس وهي هتصدقك، هو انتى شفتينى يعنى روحت قتلته؟ أومأت سوزى برأسها قائلة:.
تمام، اهدى، خلاص هقولها، مع إنى برده لسة خايفة من وجودها هناك معاه. عقد عدنان حاجبيه قائلا: ليه بس خايفة؟ قالت سوزى بارتباك: ها، لا أبدا، يعنى، بس البت زينة حلوة، وخايفة يعنى توقعه، وساعتها لو قالتله هيصدق كلامها كله. قال عدنان باستنكار: زينة توقع مروان؟ دى حتة خدامة، صحيح حلوة بس برده هتفضل في نظره خدامة كانت بتشتغل عنده. مالت سوزان عليه قائلة في سخرية مريرة:.
مش كل الناس بتفكر زيك ياعدنان، اللى متعجبكش ممكن تعجب غيرك، صدقنى أنا. قال عدنان بهدوء: ولو افترضنا كلامك صح، تفتكرى مروان ممكن يقبل بواحدة كانت عندى بتنام كل يوم مع راجل شكل؟، مستحيل طبعا. ظهر على سوزى التفكير قليلا لتنفرج أساريرها وهي تقول:.
معاك حق، بس المهم ده يوصله، مع ان احساسى ان الكلام ده وصله فعلا لأنه بيعاملها فعلا كخدامة مش أكتر، عموما سيبنا من موضوع زينة، وخلينا في مروان اللى وافق يعمل معايا بيزنس، وقاللى أديله بس فرصة يفكرلى في حاجة أشغل فيها فلوسى، كدة هو بلع الطعم وآمنلى، صح؟ قال عدنان: متستعجليش في الحكم ع اللى جواه، عموما كله هيبان مع الوقت. نظرت إليه سوزى قائلة:.
بس إنت كان معاك حق ياعدنان، مروان إتغير خالص عن زمان وكل اللى بيفكر فيه دلوقتى الفلوس وبس. تراجع عدنان ليجلس خلف مكتبه قائلا: ولسة ياسوزى، كل ما هيكسب اكتر هيتسعر أكتر، بس علاج الكلب السعران عندى، هي طلقة واحدة في نفوخه تخلصنا منه بس بعد مانكون استغليناه وخدنا منه كل اللى احنا عايزينه. قالت سوزى في صدمة: انت هتقتله ياعدنان؟ نظر اليها عدنان متفحصا وهو يقول: يهمك في حاجة ياسوزى؟ قالت سوزى بارتباك:.
ها، لا، خالص ميهمنيش. رمقها عدنان بنظرة طويلة قبل أن يقول: تمام ياسوزى، روحى انتى دلوقتى ومتنسيش اللى قلتلك عليه ولو حصل أي تطورات عرفينى. اومأت سوزى برأسها وهي تسرع بالمغادرة تتبعها عينا عدنان بنظرة لا توحى أبدا بالخير.
شعر نبيل بتوتر دارين وبأنها تود ان تخبره أمرا ولكن هناك شيئا يمنعها، فهاهي تقف امامه وهو يقوم بتفحص بعض الاوراق قبل أن يمضيها، تفرك يدها بعصبية، وتقضم شفتيها بأسنانها اللؤلؤية الصغيرة، ليبتسم بداخله على طفوليتها الرقيقة، يدرك أنه وفى خلال ايام قليلة بات يعرفها ويعرف طباعها جيدا بل ويتمناها ايضا، يتمنى أن يأخذها بعيدا عن دائرة الانتقام تلك والتى تبدو هي بتلك الهالة الملائكية بعيدة كل البعد عنها، رفع بصره اليها في تلك اللحظة ليراها تتأمل ملامحه وما ان تلاقت عيناه بعينيها حتى اشاحت بناظريها عنه تشعر بالخجل لضبطه إياها متلبسة بتأمله، ليبتسم بداخله تاركا الاوراق وهو يقول بهدوء:.
اقعدى يادارين، انتى واقفة ليه؟ قالت دارين في ارتباك: ها، آه، عادى يعنى، خلاص هقعد اهو. وقرنت قولها بجلوسها، لتزداد ابتسامة نبيل الداخلية وهو يقول: قوليلى بقى، ايه اللى موترك وملخبطك كدة ومخليكى مش على بعضك، فيه ايه؟ جعدت دارين انفها وهي تقول: هو باين علية اوى كدة؟ تأمل نبيل ملامحها قائلا بنبرة اعجاب: ملامحك شفافة أوى يادارين، زي روحك بالظبط.
فغرت دارين فمها ليدرك نبيل انه تسرع كالعادة في اظهار مشاعرها ليتنحنح قائلا: احمم، المهم قوليلى كنتى عايزة تقولى ايه؟ قالت دارين بخجل: الحقيقة تيتة لما عرفت بوجودكم معانا في الشركة كشركا جداد يعنى، حبت تعزمكم على العشا بكرة وقالتلى أبلغكم بدعوتها وانها هتكون سعيدة جدا لو قبلتم. ابتسم نبيل تلك الابتسامة التى تخلب لبها وهو يقول:.
وهو ده اللى موترك ومخليكى من الصبح مش على بعضك؟عموما ياستى قوليلها انه يشرفنا قبول دعوتها، وان احنا أكيد موافقين. ابتسمت دارين قائلة في خجل: تيتة هتفرح اوى على فكرة، وانا مكنتش متوترة ولا حاجة، أنا، يعنى كنت مكسوفة شوية، عشان اول مرة اعزم حد عندنا في البيت، في العادى ياسين اللى بيعزم او تيتة. مال ياسين ينظر الى عمق عينيها قائلا: يعنى اعتبر ان دعوتك دى لينا شئ مميز وخاص؟
شعرت دارين بالحرارة تغزو كيانها كله، لتنهض فجأة قائلة: انا، إفتكرت ورق مهم لازم حضرتك تمضى عليه، هروح اجيبه حالا. وغادرت بسرعة تتبعها عينا نبيل الذى زفر بعمق قائلا: هتقتلينى في يوم برقتك وجمالك وخجلك دول يادارين، أنا كل يوم بيزيد اعجابى بيكى اكتر من اليوم اللى قبله، وربنا يستر بقى من اللى جاي.
كان مروان يقف بشرفة حجرته يمسك سيجارا ويدخن لأول مرة منذ زمن بعيد، يفكر في كل الأحداث التى مرت به مؤخرا، يشعر بالتخبط، تنتابه العديد من الأحاسيس والمشاعر، يحاول ان يركز بكل قوته على خطته الانتقامية ولكنه يجد نفسه رغما عنه مشتتا، تدور افكاره حول تلك الخائنة والتى تقطن تلك الحجرة البعيدة عنه ولكنه يشعر بها وكأنها تجاوره تماما، لفت انتباهه حركة في الحديقة ليركز عينيه على صاحب تلك الحركة ليرى من كانت محور افكاره متجسدة أمامه، تمشى برقة في الحديقة، لفت انتباهه ملابسها الخفيفة، ستصاب حتما بالبرد لنزولها هكذا في هذا الطقس البارد ليلا، ليزفر بحنق وهو يطفئ سيجاره ويسرع الى الداخل يأخذ دثارا ويتجه الى الحديقة بخطوات غاضبة وما إن اقترب منها حتى صاح غاضبا:.
إيه اللى منزلك دلوقتى من أوضتك، وإزاي تنزلى بالشكل ده؟ التفتت اليه زينة تنظر اليه بصدمة ثم ما لبثت ان تمالكت نفسها وهي تقول: وانت مالك؟يخصك في إيه، ها؟ أصبح قبالتها ليمسك يدها بقسوة قائلا: لأ يخصنى، لما تكونى في بيتى وتنزلى بالمنظر ده وحد من رجالتى يشوفك، يبقى يخصنى، لما يجيلك برد واضطر أجيبلك دكتور وعلاج، يبقى يخصنى، ليقترب منها بوجهه تلفحهها انفاسه الغاضبة وهو يقول:.
لما أنبه عليكى كتير متخرجيش برة اوضتك بالشكل ده وتعاندينى وتنزلى، يبقى يخصنى، من يوم ما دخلتى بيتى وقبلتى حمايتى بقى كل حاجة تخصك، تخصنى، مفهوم؟ كان يتوقع منها رفضا او ربما تمردا ولكنه بالتأكيد لم يتوقع ما فعلته، عندما رفعت يديها تحيط وجهه بهما قائلة في قلق: انت رجعت تشرب سجاير تانى يامروان؟ليه بس كدة؟ لتنزل احدى يديها الى خافقه، تلمسه وهي تنظر الى عمق عينيه قائلة:.
انت مش عارف انه غلط على قلبك والدكتور حذرك منه كتير، وانت كنت فعلا بطلت، ايه اللى رجعك ليه من تانى؟ شعر مروان بدقات قلبه العليل تزداد بشدة مع لمستها ونبراتها الرقيقة، كاد ان يضعف ويغمرها بين ذراعيه ينعم بدفئها، يوهم نفسه بأنها حقا تحبه وتخشى عليه كما توحى إليه نبراتها، ولكنه لن يضعف، لن يقع فريسة لألاعيبها مجددا، سيقاوم بكل ذرة في كيانه، لذا ابتعد عن مرمى يدها قائلا في قسوة:.
بطلت عشان كان عندى اللى يخلينى عايز أعيش عشانه، انما دلوقتى خلاص، اموت ولا أعيش، مش هتفرق كتير. كادت أن تتحدث، تخبره أن هناك اشياء كثيرة يجب أن يعيش لأجلها ولا يستسلم، ولكنها آثرت الصمت فهناك الكثير على المحك، وهي غير مستعدة لتحمل النتائج بعد، تراجع مروان مبتعدا عن عيونها التى تحمل الكثير، يرغب في فك سحرها والذى يغمره ولكنه مالبث ان توقف ملتفتا اليها وهو يلقى بدثاره نحوها لتلتقطه بصعوبة. قال بحنق:.
إلبسيه وآخر مرة تنزلى بالشكل ده، مفهوم؟ وجدت نفسها تومئ برأسها بهدوء ليلتفت مغادرا بخطوات واسعة، لترتدى زينة دثاره، تضمه حولها بقوة تستنشق رائحته العالقة به وتلعن قلبها الذى مازال يعشقه رغم كل شئ.
قالت فتون بعصبية: إنت ازاي توافق من غير ما تقولى يانبيل؟ نظر اليها نبيل قائلا في هدوء: ممكن تهدى وتقعدى وتقوليلى انتى معترضة ليه بس؟ جلست فتون على المقعد المقابل له قائلة: عشان مش حاسة الدعوة دى طبيعية، حاسة ان وراها حاجة. قال نبيل بهدوء: بالعكس، طبيعية جدا، جدة ياسين ودارين حابة تتعرف علينا، إيه المشكلة بس، خايفة من إيه؟ زفرت فتون قائلة: مش عارفة يانبيل، مش عارفة. مال نبيل يمسك يديها بين يديه قائلا:.
متقلقيش يافتون، انا جنبك وفى ضهرك، وبعدين انا شايف انها مناسبة كويسة أوى عشان نعرفهم اكتر، ونقرب منهم أكتر، يعنى احنا أكبر مستفيدين من الدعوة دى. نظرت اليه فتون قائلة: تفتكر؟ ابتسم قائلا: أنا متأكد. أومأت فتون برأسها قائلة: تمام، يبقى خلاص جهز نفسك بكرة، مش عايزين ولا غلطة. تراجع نبيل في مقعده وهو يبتسم قائلا: أنا جاهز من دلوقتى.
فتحت زينة الباب لتفاجئ بسوزى تقف قبالتها تطالعها ببرود، بادلتها نظراتها الباردة كالصقيع وهي تقول في برود: مروان بيه مش موجود، كان المفروض تكلميه قبل ما تيجى. لتحاول غلق الباب ولكن قدم سوزى التى وضعتها حالت دون ذلك لتدفع الباب بيدها بقوة تعيد فتحه، لتواجهها عينا زينة المتسائلتين، عقدت سوزى حاجبيها بغضب وهي تقول: أنا عايزاكى انتى ياست زينة. نظرت اليها زينة بدهشة رغما عنها قائلة: عايزانى أنا؟
قالت سوزى بحدة: أيوة عايزاكى انتى، تخيلى؟ ثم تقدمت منها سوزى وعلى ملامحها ظهرت كل إمارات الشر، لتتراجع زينة خطوتين، قائلة في قلق: إنتى عايزة منى ايه ياسوزى؟ ابتسمت سوزى بسخرية قائلة: سوزى كدة علطول؟إيه الجرأة دى ياست زينة، السنين قوت قلبك أوى، أنا كنت وهفضل بالنسبة لك سوزى هانم، وانتى هتفضلى زينة، حتة الخدامة اللى افتكرت نفسها حاجة واكتشفت إنها ولا حاجة. توقفت زينة عند سماعها تلك الكلمات لتقول بغضب:.
ده كان زمان ياسوزى، زينة البريئة الطيبة راحت على ايديكى وإيدين الكلاب اللى رمتينى ليهم، دلوقتى أنا بقيت زينة تانية خالص، زينة اللى ممكن تقتل لو حد مسها أو مس ابنها بأي أذى.
تعالت ضحكات سوزى الساخرة لتشعر زينة بالقلق عكس ما تحمله ملامحها الثابتة من قوة لتقترب منها سوزى مجددا وعيناها تلتمعان بنظرة مخيفة أثارت الرجفة في أوصال زينة لتتراجع مجددا حتى التصقت بالحائط، وقفت سوزى قبالتها لتقترب من وجهها تقول بصوت كالفحيح: تقتلى صح؟طب اسمعى بقى، أنا جايبالك رسالة من عدنان. اتسعت عينا زينة بصدمة لتستطرد سوزى قائلة:.
بيقولك ياحلوة لمى لسانك وإعرفى ان لو حرف من اللى تعرفيه اتنقل لمروان، مش بس هيقتلك ويقتل ابنك، لأ ده هيقتل مروان كمان. ظهر الخوف جليا في عيني زينة لتقول سوزى بابتسامة شامتة: مسمعتش صوتك يعنى؟ أغمضت زينة عينيها تتراءى لها أبشع الصور ولكنها لم تلبث ان نفضتها لتفتح عينيها وهي ترفع يدها قبالة سوزى، موجهة إليها سبابتها وهي تقول بتصميم:.
على فكرة بقى لا إنتى ولا عدنان تقدروا تخوفونى، واللى عايزين تعملوه اعملوه، انتوا أحقر وأجبن من انكوا تقربوا من مروان، ومروان مش ممكن يسمحلكو... قاطعتها سوزى وهي تضع يدها على فمها بينما تمسك باليد الأخرى سبابة زينة الموجة إليها، تثنى اصبعها بقوة ليظهر الألم على وجه زينة قائلة بغضب:.
والله وطلعلك صوت ياخدامة يابنت الخدامين، انتى نسيتى نفسك ولا إيه، نسيتى أنا مين وأقدر اعمل فيكى ايه؟نسيتى عدنان يبقى مين، نسيتى مسميينه ايه؟الشيطان، عارفة ده معناه ايه؟لو كنتى نسيتى يسعدنى فوق ما تتصورى إنى أفكرك، ولو فاكرة ان مروان يقدر يحميكى أو يحمى ابنك مننا تبقى بتحلمى، لأن وقت الجد هيختارنا احنا، هيختار مصالحه، مش هيختار واحدة خد غرضه منها ورماها زمان وهي لسة بيور، مابالك دلوقتى وهو عارف انك بقيتى لكل واحد قدر يدفع تمن خدماتك الرخيصة.
أحست زينة بالإنكسار تدرك أن سوزى محقة فعند الاختيار، بالتأكيد لن يختارها مروان بل سيختارهم هم، أفاقت من أفكارها على ذلك الألم الناتج عن ضغط سوزى على اصبعها وهي تضغط على فمها بقوة أكبر تمنع دوي صرخة كادت أن تفلت منها حين كسرت لها سبابتها، لتطفر الدموع من عين زينة بقوة وتشع عيني سوزى بنشوة تلذذ مرضي بعذابها قبل ان تلقى عليها نظرة انتصار أخيرة تاركة إياها، لتسقط زينة على الأرض تبكى بألم بينما تغادر سوزى المكان بخطوات سريعة لترتطم بدادة تحية فتقول بحدة:.
مش تفتحى ياست انتى. نكست دادة تحية رأسها قائلة: أنا آسفة ياهانم. نظرت اليها سوزى شذرا قبل ان تغادر بينما وقعت عينا تحية على زينة الواقعة أرضا لتسرع اليها قائلة في جزع: زينة يابنتى، مالك، جرالك ايه؟ قالت زينة من وسط دموعها: مفيش يادادة، لو سمحتى بس ساعدينى أقوم. نظرت دادة تحية الى إصبع زينة التى تمسكه بألم، تلاحظ تورمه ولونه الأزرق لتقول في جزع:.
ماله صابعك يابنتى؟ايه اللى عمل فيكى كدة؟أكيد الحرباية اللى لسة خارجة دلوقتى، أنا هكلم مروان اقوله، وأخليه يجيب الدكتور وييجى حالا. قالت زينة بخوف: لأ يادادة أبوس إيدك بلاش مروان، عشان خاطرى متقوليلوش على أي حاجة. تفحصت تحية ملامحها المرتعبة في قلق وهي تقول: خايفة من إيه بس يابنتى؟ قالت زينة ودموعها تتساقط بغزارة:.
حاجات كتير أوى يادادة، مش هتقدرى تفهميها، بس لو بتحبينى، ولو عندك ذرة ثقة فية، هتصدقينى لو قلتلك ان مروان لو عرف أي حاجة هو أول واحد هينضر، فلازم ميعرفش أي حاجة عشان خاطرى، اوعدينى يادادة، اوعدينى. نظرت اليها تحية للحظات قبل ان تتنهد قائلة: الأمر لله من قبل ومن بعد، أمرى لله يابنتى، أوعدك، بس تعالى الأول نشوف هنعمل ايه في صابعك ده وهنقول لمروان ايه لما يشوفه. قالت زينة بألم:.
متقلقيش يادادة، انا عارفة هنقوله ايه.
دلف ياسين الى حجرة الطعام ليجد جدته تشرف على طاولة الطعام بنفسها تتأكد من أن كل شئ كما يجب ان يكون، نظر ياسين الى تلك الطاولة التى تضم كل ما لذ وطاب، ليتأكد من ان أهمية ضيوف جدته لديها والتى لم تخبره حتى الآن عن هويتهم، يتمنى من الله أن لا يكون ضيوف جدته كالعادة هم أهل عروس جديدة تعرضها عليه جدته في اجتماع يبدو كدعوة عشاء ولكنه في الأساس، جلسة تعارف بين العروسين، ليصدهم ياسين بكل قوة وتعنفه بعدها جدته بكل حزم، تخبره أنها أول وآخر مرة تتدخل بأموره الشخصية وليفعل ما يريد بحياته وليندم بعدها فلن تهتم، لتعود وتفاجأه مجددا بإحدى دعواتها، فلا هو يلين ولا هي تيأس، اقترب ياسين من جدته قائلا في قلق:.
مقلتليش ياتيتة، ضيوفك النهاردة يبقوا مين؟ ابتسمت الجدة قائلة: ما قلتلك، دى مفاجأة ياياسين. زفر ياسين قائلا بهمس: أهو أنا مش خايف غير م الكلمة دى. قالت الجدة وهي ترفع احدى حاجبيها: بتقول حاجة ياياسين؟ قال ياسين في ارتباك: لا ياتيتة، مبقلش. دخلت دارين في تلك اللحظة تقول بابتسامة: الضيوف وصلوا ياتيتة. أومأت الجدة برأسها قائلة: انا جاية حالا.
ثم اسرعت مغادرة الحجرة ومتجهة إلى الردهة لاستقبالهم، كادت دارين ان تتبعها ولكن ياسين أمسك ذراعها يستوقفها قائلا: مين ضيوف تيتة دول يادارين؟ أفلتت دارين ذراعها من يده وهي تبتسم مشاكسة إياه قائلة: مفاجأة ياياسين. لتغادر الحجرة يتبعها ياسين وهو يكاد يجزم أن تلك المفاجأة لن تعجبه، لن تعجبه أبدا.
قال فارس في قلق: لسة بيوجعك ياماما؟ هزت زينة رأسها نفيا وهي تربت على وجنته بيدها اليسرى السليمة في حنان قائلة: خلاص مبقاش بيوجعنى ياحبيبى؟ انتفضت زينة على صوت مروان يقول في برود: هو إيه ده اللى بيوجعك؟ اندفع فارس الى مروان يحتضنه بيديه الصغيرتين قائلا: آنكل مروان، وحشتنى. نزل مروان على ركبتيه غير مباليا ببذلته غالية الثمن، ليصبح في مستوى فارس يضمه بدوره ويربت على ظهره قائلا: إنت كمان وحشتنى يافارس.
نظرت زينة اليهما تشعر بقلبها يتمزق من تلك الصورة التى لطالما راودت أحلامها ولكنها لم تكن تتخيل أبدا ان تراها واقعا متجسدا امامها، لترفع يدها اليمنى تضعها على خافقها الذى ينبض بقوة ويتألم بقوة أكبر تحاول أن تحتوى نبضاته وألمه، لتقع عيني مروان في تلك اللحظة على يدها، تتركز عيناه على إصبعها المجبر، ورغما عنه يتآكل قلبه القلق لينهض بسرعة تاركا فارس ومتجها إليها وسط دهشتها يأخذ يدها اليمنى بين يديه يتفحص إصابتها بعينيه لتتسارع دقات قلبها وتنتفض كلية حين رفع إليها مروان عينيه قائلا في قلق لم يستطع اخفاؤه:.
صابعك ده ايه اللى كسره؟ رغم أنها جهزت كذبتها وظلت تعيدها مرات ومرات حتى لا تخطئ عندما يسألها، إلا انها الآن وعينيها تواجه عينيه القاتمتين المليئتين بمشاعر غمرتها، ويدها بين يديه تنقل اليها نبضات قلبه المتسارعة القلقة، لم تستطع ان تتفوه بحرف، فقط تعيش حالة من الأمل الذى تخشى ان يكون مجرد وهما في خيالها، لتفيق من تلك الحالة على صوته وهو يقول في حدة: ما تردى علية، صابعك ده انكسر إزاى؟ قالت متلعثمة:.
أنا، أنا، وقعت على ايدى فانكسر. عقد حاجبيه وهو ينظر الى عينيها، يشعر انها لا تقول الصدق، وتخفى عنه شيئا، ليترك يدها ملتفتا الى فارس قائلا: هي ماما وقعت يافارس؟ قالت زينة بسرعة: هو... قاطعها مشيرا اليها بالصمت وهو يقول: انا بكلمه هو. ليتوجه بحديثه مجددا الى فارس قائلا: جاوبنى يافارس، ماما وقعت؟ قال فارس: مش عارف ياآنكل انا مشفتهاش، أنا كنت بلعب في الجنينة. اومأ مروان برأسه في هدوء قائلا:.
طيب ياحبيبى، ناديلى دادة تحية وروح كمل لعب في الجنينة. نظر فارس في تردد الى والدته لتومئ إليه برأسها موافقة، ركض فارس لينادى الدادة بينما التفت مروان إلى زينة يرمقها بعيون متفحصة لتطرق برأسها هربا من نظراته ليزداد قناعة بأن زينة تخفى عنه أمرا، سمعا صوت تحية تقول بقلق: خير ياابنى. التفت مروان الى الدادة قائلا: زينة اتكسر صابعها ازاي يادادة؟ قالت الدادة بارتباك: زينة، زينة وقعت على إيدها فانكسر صابعها.
رمقها مروان بنظرة غامضة وهو يقول: متأكدة يادادة؟ قالت الدادة متلعثمة: آه ياابنى، طبعا، متأكدة. نقل مروان بصره بينهما قائلا: ومين اللى جبرلها صابعها. قالت دادة تحية: أنا ياابنى، إنت ناسى إنى آخدة دورة تمريض. أطرق مروان برأسه للحظة ثم رفع وجهه يقول بهدوء: عموما أنا هاخدها المستشفى حالا لدكتور سعد، عشان نطمن أكتر. ثم وجه حديثه الى تحية قائلا:.
كان المفروض تكلمينى يادادة وتقوليلى، دى أول مرة تتصرفى بالشكل ده وتخبى علية حاجة مهمة زي دى، ياريت يادادة متتكررش تانى. قالت دادة تحية بأسف: اوعدك ياابنى متتكررش. اومأ برأسه، ثم التفت الى زينة قائلا: اتفضلى إلبسى، وأنا مستنيكى في العربية. قالت زينة: انت مش قلت ان خروجى فيه خطر. زفر مروان بضيق قائلا: مضطرين بقى، هنعمل إيه يعنى، يلا اتفضلى روحى البسى ومتتأخريش.
أومأت برأسها وأسرعت الى حجرتها، بينما التفت مروان الى دادة تحية قائلا في خيبة أمل: أول مرة تكذبى علية يادادة، الظاهر ان قعدتك معاها هتعلمك حاجات كتير غلط. قالت دادة تحية بحزن: ياابنى الحقيقة... قاطعها قائلا: الحقيقة هعرفها بنفسى يادادة، اتفضلى دلوقتى على شغلك.
أطرقت برأسها في حزن وغادرت الحجرة ليمرر مروان يده في رأسه في ضيق، يشعر بأنفاسه تختنق داخل صدره، مرأى إصبعها آلم قلبه بشدة، قلبه الخائن والذى مازال يعشقها، يدرك أنها تخفى امرا عنه ولكنه سيسبر أغواره، فقط سيطمأن عليها أولا.
زفرت سوزى بضيق قائلة: هي جت كدة بقى ياعدنان، متقعدش تأنب فية، استفزتنى ومقدرتش امسك أعصابى، تستاهل بقى. قال عدنان في ضيق: انتى فتحتى علينا باب هيبتدى بعلامات استفهام كتيرة ياسوزى، انتى يعنى متعرفيش مروان؟مش هيرتاح غير لما يعرف مين اللى كسرلها صابعها وليه؟ قالت سوزان في ثقة:.
لأ، متقلقش، هي هتتصرف، انت مشفتش كانت خايفة إزاي واكيد اللى عملته فيها خوفها أكتر، معتقدش انها ممكن تقوله حاجة، دى مقالتلوش وهي سليمة ومش متهددة، هتقوله دلوقتى؟ أدرك عدنان صحة منطقها ليقول بهدوء: معاكى حق، طيب زينة وخلصنا منها، دلوقتى بقى عايزك تلزقى لمروان في كل حتة، عايز اعرف بيتكلم مع مين، تنقليلى ارقامه، ولو وقع في ايدك اي ورق، صوريه، مش عايز تفوتك اي حاجة ياسوزى، مفهوم؟ اومأت سوزى برأسها قائلة:.
مفهوم طبعا، طيب وزينة يا عدنان، هتفضل سايبها كتير هناك؟ نظر اليها عدنان للحظة قبل ان يقول: أنا شايف ان زينة آخدة من تفكيرك جزء كبير ياسوزى، بتهيألى عاطيالها حجم أكبر من حجمها ولا ايه؟ قالت سوزى بارتباك: انا، لأ طبعا، الموضوع بس ان البنت دى مش سهلة وانا خايفة تبوظلنا شغلنا. تراجع عدنان في مقعده ينظر اليها بغموض قائلا:.
لأ متقلقيش، مش هتقدر تعمل حاجة، وده مش معناه انى هسيبها، لأ، دى هربت من جحر الشيطان، هربت من الشيطان نفسه ولازم تتعاقب، هارون مراقب الفيلا كويس، وأنا بس مستنى الفرصة المناسبة وساعتها مش هرحمها ولا هرحم إبنها كمان.
ظهرت السعادة جلية على ملامح سوزى والتى تكره زينة بشدة لأنها رغم وضاعة مكانتها وجمالها المتواضع في نظر سوزى إلا إنها استطاعت الحصول يوما على مروان في حين لم تستطع هي بكل جمالها ان تحظى منه حتى بنظرة، تأمل عدنان تلك السعادة على ملامحها لتتأكد ظنونه، ويقسم في نفسه أن يجعلها تندم على كذبتها القديمة عليه وعلى اخفائها العديد والعديد من الأشياء، ولكنه فقط سينتظر حتى يستطيع أن يأخذ منها كل ما تستطيع هي ان تمنحه إياه، قبل أن يلقيها لكلابه لتلقى مصير كل من يظن انه يستطيع خداع الشيطان.