رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشرعندما ينخر قلبي الوجع، اغوص فيكلأجدك قد اكتفيت مني، وغادرت أحلاميخانني فيك كل شيء، حتى الصمت أصبح خائن.لا أريد أن أسقط بعد هذا الصمودليتني أنسى. وهل أنا قادرة على ذكر النسيانِ.حرب ضروس تفتك بي وتقتلنيوتجردني من كل ثبات وأتزانِ.لاتقلق، لن أستطيع تجريد أحرفي منكفقد نقشت أسمك على تراث أيامي.كن طيفا ولاترحل هكذاوالمع بين نجوم سمائي.فمثلي لن يكون لها أرض أخرىغير أرضك التي غرست فيها ازهاري.بقلم، سميرة البهادلى.كان يمسك فأسا يساعده في زراعة الأرض قبل أن يتركه من يده وهو يمسح حبات العرق التي تندت عن جبينه بطرف كمه، ثم قام بأخذ بعض الحبوب، ليقوم بزراعتها في تلك الأرض السميكة، لقد تأكد منذ قليل بأن العمق مناسب لزرعة تلك البذور، ليردم بعض التراب عليهم، إنتفض على صوتها الرقيق وهي تقول:بتعمل إيه؟إلتفت إليها ليتأمل ملامحها الجميلة بنظرة إعجاب واضحة لم يستطع إخفائها، لتتسلل حمرة الخجل إلى وجنتيها فتزيدها جمالا، إبتسم قائلا:هذرع حبوب البسلة في الحتة دى كلها.عقدت حاجبيها قائلة:وليه حبوب البسلة بالذات؟، دى أول مرة تتزرع في أرضنا.إتسعت إبتسامته قائلا:الحقيقة لقيت الأرض مجهدة وتعبانة قلت أريحها بالبسلة وخصوصا ان الجو برد شوية ومناسب جدا ليها، بصى الموضوع كبير أوى ويطول شرحه...إبتسمت بدورها قائلة:وإحنا ورانا إيه يعنى؟إحكيلى.نظر إلى عيونها الرائعة ذات الأهداب الطويلة التي تسدلهما حين تخجل وهو يقول:ورانا شغل ياجورى.عقدت حاجبيها وظهر الحزن على ملامحها، لتقول بنبرات متهدجة وهي تطرق برأسها:أنا آسفة، الظاهر إنى معطلاك فعلا عن شغلك، أنا بس كنت جايبالك الأكل عشان تتغدى، أنا سيبتهولك هناك، تحت الشجرة اللي بتحب تتغدى تحتها، هسيبك تكمل شغلك، عن إذنك.كادت أن تمشى حين إستوقفها وهو يسحبها من ذراعها يعيدها لتقف أمامه مجددا لترفع إليه عينان دهشتان لينظر إليها قائلا:معطلانى إيه بس؟كل الموضوع إن رغم ان احنا ابتدينا فصل الشتا بس النهاردة الجو بقى حر فجأة و الشمس حامية شوية وأنا خايف عليكى منها.ظهرت الحيرة في عينيها ليترك ذراعها وهو يتنحنح قائلا بإرتباك:إحمم، قصدى يعنى، واحدة في رقتك مش هتستحملها.إبتسمت في خجل، وسعادة داخلية لإكتشافها أنه يخشى عليها من أشعة الشمس الحارقة، ربما حقا يكن لها بعض المشاعر كما يظهر لها من خلال نظراته لها والتي كان يخفيها ما إن تلتفت إليه كما قالت لها خالتها جليلة، لتنظر إلى عينيه الرائعتين واللتان تماثلان في لونهما تلك السماء الصافية قائلة:متقلقش، متعودة عليها، وبعدين شمس الشتا ولو حتى حامية مبتضرش، وأنا مش هتعرضلها كتير.خلع عنه قبعته القش وألبسها إياها قائلا بحنان:كدة أحسن، خلينا في الأمان.نظرت إليه عاجزة عن الكلام وهي تراه يحكمها على رأسها وهو يتأمل ملامحها بنظرة حبست أنفاسها، لتبتلع ريقها بإضطراب تحاول أن تخرج من دائرة سحره لتمد يدها إلى القبعة تحاول أن تخلعها عنها وهي تتنحنح قائلة:إحمم، بس دى بتاعتك وأنا مش ممكن أقبلها، إنت ممكن تنضر من غيرها لإنك بتتعرض للشمس أكتر منى و...أمسك يدها التي تحاول أن ترفع بها القبعة ليثبتها مكانها مقاطعا إياها وهو يقول بحنان:أنا مش مهم، المهم إنتى.تاهت في سحر كلماته ونظراته التي غمرتها، وتاه هو في سحر عينيها، ود لو ضمها فقط بين ذراعيه، يخفيها بين أضلعه يحميها من أشعة الشمس التي قد تؤذيها، لتستقر نظراته على شفتيها في تلك اللحظة، ليود لو اقترب من شفاهها الآن، يشبع رغبته التي تقوده للجنون وهو يحاول السيطرة عليها كلما رآها أمامه، أشاح بنظراته عن وجهها وهو ينظر إلى نقطة ما خلفها، ليقول بهدوء يخالف نبضات قلبه المتسارعة:.طيب روحى أقعدى تحت الشجرة، وأنا دقايق وهجيلك هناك.رفعت قبعته عن شعرها وهي تقف على أطراف أصابعها تضعها مجددا على رأسه، ترنحت فأسندها بسرعة قبل أن تقع فتناثرت خصلاتها الحريرية على وجهه ليذوب كلية وتتسارع دقاته عندما تقابلت عيناه مع عينيها ليقرأ العشق بداخلهم، أرجع خصلاتها إلى ما وراء أذنيها، لتظهر ملامحها الجميلة الرقيقة كاملة، إبتلعت ريقها بصعوبة، وهي تشعر بإقترابه منها لتعتدل بسرعة قائلة بإضطراب:.أنا، إحمم، هستناك هناك.أومأ برأسه بصمت، لتلتفت مبتعدة يتابعها بعينيه، ولكنها مالبثت أن توقفت لتدير وجهها إليه قائلة بخجل:متتأخرش، عشان الأكل هيبرد يافهد.، فتح عينيه بقوة، ينظر إلى محيطه، ليجد نفسه قد غفا على مكتبه وهو يراجع ذلك التقرير عن تلك الصفقة الجديدة والتي سيمضى عقدها مساء اليوم، أدرك أنه كان يحلم، ربما تأثرا منه بتلك الرواية التي قرأها لتلك الفتاة التي تشغل عقله وقلبه وأحلامه أيضا، فما رآه في حلمه يشبه إلى حد كبير ذلك المشهد في روايتها، بل يكاد أن يكون هو، عقد حاجبيه، فبطل روايتها يدعى عاصم، يختلف عن إسمه في هذا الحلم، فهد، لما يبدو هذا الإسم مألوفا له؟، بل يكاد أن يكون مناسبا لشخصية خالد، ربما أكثر من إسمه حقا، ليراها فجأة أمامه تقول بإبتسامة رائعة:.فهد، إسمك فهد، على فكرة، لايق كتير عليك.إنتفض وصورتها تختفى من أمامه، تبا، إنه لا يحلم، لقد كانت تلك ذكرى حية أمامه، إنتابته حيرة تكاد تصيبه بالجنون، يتساءل عن معنى ما شاهده للتو، يتذكر الآن فقط أن هذا هو الإسم الذي نطقت به جورية حين قابلها لأول مرة، مخاطبة به إيه حين أفاقت من إغمائتها، ليفيق من أفكاره على صوت دخول ريم إلى الحجرة تقول بإبتسامة:مساء الخير يابابى.نفض خالد حيرته وقلقه وهو يبتسم و يفتح ذراعيه لها قائلا:مساء الهنا ياحبيبة بابى.إقتربت منه بسرعة ليضمها بين ذراعيه، ضمته بدورها، ثم خرجت من محيط ذراعيه قائلة:فاضى النهاردة يابابى؟إبتسم قائلا:ولو مش فاضى ياحبيبتى، أفضيلك نفسى.إتسعت إبتسامتها قائلة:يعنى هتخرج معايا عشان نجيب حاجة الحفلة.عقد حاجييه قائلا:حفلة إيه ياريم؟ظهر الحزن على ملامح ريم وهي تقول:حفلة عيد ميلادى، إنت نسيت يابابى؟ظهرت الإبتسامة واسعة جلية على شفتي خالد وهو يقول:أنأ أنسى الدنيا كلها ومنساش حاجة تخص أميرتى، وإنتى أميرتى ياريمو، روحى أوضتك هتلاقى فستان الحفلة ولوازمه على سريرك، وكل حاجة جاهزة عشان نحتفل ببنوتى القمرة.شعت السعادة على وجه ريم، لتندفع إلى حضنه مجددا ثم تقبله في وجنته قائلة في سعادة:إنت أحلى بابى في الدنيا.لمس وجنتها بحنان قائلا:وإنتى بنوتى الحلوة، روحى يلا شوفى فستانك وإبقى قوليلى رأيك فيه.إتسعت إبتسامتها وإلتفتت تتجه إلى غرفتها بسرعة لترى فستانها الجديد ولكنها ما لبثت أن توقفت، وإلتفتت إليه يبدو عليها التردد للحظات فشعر خالد بترددها ليقول بحنان:فيه حاجة عايزة تقوليهالى ياريم؟قالت ريم:إنت بتشوف طنط جورى يا بابى؟دق قلبه بسرعة لسماع إسمها، وسؤال إبنته عنها ليقول بهدوء:لأ، بتسألى ليه ياحبيبتى؟قالت ريم:.أصلها مجتش إنبارح حصة الإيميتيشن زي ما عودتنا، جابوا واحدة تانية مكانها، بس مكنتش حلوة زيها، مش بتعرف تقلد الأصوات زي طنط جورى.قال خالد بدهشة:هي طنط جورى كانت بتجيلكم دايما.اومأت ريم برأسها قائلة:.أيوة يابابى، كانت بتحكيلنا حواديت وكانت دايما بتقلد الأصوات، كان أحلى يوم في الأسبوع هو اليوم اللي بتجيلنا فيه، أنا خايفة متجيش تانى، كانت وعدانى أنا وروجى يوم حفلة المدرسة إنها هتدربنا على أغنيتنا الجديدة واللي هنغنيها في عيد الطفولة وهتشاركنا فيها، أصل صوتها حلو أوى يابابى.قال خالد بصوت هامس حائر:كمان صوتها حلو.قالت ريم:بتقول حاجة يابابى؟إنتبه خالد من أفكاره ليقول بهدوء:.لأ مبقولش حاجة ياحبيبتى، عموما أنا هكلمها وأشوفها مجيتش ليه ياقلبى.شعت الفرحة في ملامحها لتسرع إليه قائلة:بجد يابابى؟إبتسم بحنان قائلا:بجد ياقلب بابى.قالت بسعادة:وهتقولها تيجى عيد ميلادى بكرة وتغنى معايا أنا وروجى؟إبتسم وهو يومئ برأسه، لتسرع مقبلة إياه في وجنته بوجه يمتلئ بالسعادة قبل أن تغادر مسرعة، تتابعها عيونه في حنان، قبل أن يعقد حاجبيه مفكرا، لابد وأن يتحدث إلى جورية كما وعد إبنته الصغيرة، وعليه أن يدعوها للحفل لتغنى مع صغيرته، فوجودها سيسعد طفلته، ليسخر من نفسه قائلا:عشان خاطر ريم برده ياخالد، ولا جورى وحشتك ونفسك تشوفها؟ليزفر مستطردا:.بتخدع مين بس ببرودك وتجاهلك لمشاعرك، اللي مشدودين ليها، وبعدين فيه حاجات كتير غريبة بتحصل ولازم تفهمها، حاجات ليها تفسير عند جورى وبس.ليومئ برأسه في تصميم وهو يخرج هاتفه، يبحث عن رقم جورى الذي بعثته له أخته، قبل أن يجده ويضغط على علامة الإتصال.قالت سها بحزن:إهدى بس يالين، وبإذن الله كل حاجة هتتحل.نظرت إليها لين قائلة في مرارة:.حاجة إيه اللي هتتحل ياسها، عمرى اللي راح من غيره ده هجيبه منين تانى؟قلبى اللي وجعنى في بعده ولسة بيوجعنى لحد دلوقتى أداويه إزاي بس؟جرحه اللي جرحتهوله بكل قسوة أعوضه إزاي عنه؟أرجعه إزاي لية من تانى؟أنا عارفة إنى لو حتى إعتذرتله ألف مرة، مش هيسامحنى، انتى مشفتيش قهرته منى لما عرف سبب بعدى عنه، مشفتيش بصلى إزاي، إنتى عارفة يوم ما سيبنا بعض وهو فاكر إنى بسيبه عشان عايزة أخلف مكرهنيش ساعتها ولا بصلى بالشكل ده.ربتت سها على يدها وهي تقول:مفيش حد بيحب حد بجد وبيعرف يكرهه يالين، إنتى نفسك لما كنتى فاكرة إنه خاين مكرهتهوش، مؤيد لسة بيحبك بس...صمتت سها لتستحثها لين وقد أنعشت الأمل في قلبها قائلة:بس إيه ياسها؟قالت سها:بس هو زعلان حبتين، سيبيه يهدى وهيعرف من نفسه انك كنتى معذورة.تراجعت لين في مقعدها تسند رأسها إليه، تغمض عيناها على دموعها التي سقطت على وجنتيها وهي تقول بألم:.الجرح اللي جرحتهوله كبير أوى وصعب ينساه أو يسامحنى عليه ياسها، وحتى لو سامح فمستحيل يرجعلى تانى.ربتت سها على يدها مجددا قائلة:مفيش حاجة في الدنيا متتغفرش، خصوصا بين اتنين بيحبوا بعض.فتحت لين عيونها قائلة بمرارة:.لأ فيه، فيه ياسها، الخيانة، والخيانة مش خيانة جسد وروح وبس، فيه حاجة إسمها خيانة العهود، وبالنسبة لمؤيد أنا خنت العهد اللي بينا، كسرت الثقة اللي وعدته أديهاله من غير حدود، بالنسبة له غلطتى متتغفرش.صمتت سها لا تدرى بماذا تخفف عن لين أحزانها، لتنهض لين فجأة وتنهض معها سها، تخشى على لين من تلك القسوة التي إرتسمت على وجهها والتي تراها لأول مرة في ملامحها، لتقول لين بصوت صارم:.وحياة الحب اللي حبيته لمؤيد، وحياة وجعى اللي قايد في قلبى نار دلوقتى، لهنتقم من اللي فرقنا وعمل فينا كدة، هنتقم من شاهيناز اللي فاكرة إنها خلاص فرقت بينا ونجحت، بس لازم أعرف الأول هي عملت كدة ليه وإيه أسبابها؟قالت سها بتردد:أنا، أنا أعرف حد ممكن يقولنا هي عملت كدة ليه يالين.نظرت إليها لين بلهفة قائلة:مين ده ياسها؟حسمت سها قرارها بالبوح بما لديها وهي تربت على كتف لين قائلة:هقولك، هقولك يالين.دخلت جورية إلى حجرتها لتستمع إلى رنين هاتفها المتواصل، أمسكته تنظر إلى شاشته لتجده رقما غريبا، أجابته قائلة:ألو.لم يجيبها أحد لتعقد حاجبيها وهي تقول مجددا بنبرة بها بعض الصرامة وهي تظن أن المتصل هو شخص تافه يبغى فقط الإزعاج:ألوو.تسلل إليها صوته الذي تحفظه عن ظهر قلب وهو يقول بهدوء:مساء الخير ياجورية.قالت في صدمة:فهد.عقد حاجبيه بشدة وهو يستمع إلى هذا الإسم الذي راوده في منامه وتخاطبه به جورية دائما، ليقول بحيرة:فهد، فهد مين؟صمتت تغمض عينيها تلوم حالها على ذلة لسانها لتفتح عينيها قائلة بإضطراب:أنا، آسفة، إفتكرتك حد تانى، خير ياخالد بيه؟أخذ خالد نفسا طويلا بهدوء يوارى به حيرته وتخبطه اللذان يزدادان كلما إقترب منها، هناك غموض يحيط كل ما يحدث بينهما وقد إنتوى أخيرا أن يصل إلى الحقيقة، يشعر بأن جورية تعرف الكثير عن ذلك الغموض، ولكنها تخفي الأسرار لسبب ما، لذا فقد قال بهدوء:حضرتك محضرتيش حصة الإيميتيشن انبارح، فريم بنتي كانت قلقانة عليكى وطلبت منى أتصل بيكى.أغمضت جورية عينيها بألم، إذا هو لم يفتقدها كما أملت أن يفعل، بل ما أجبره على الإتصال هو طلب إبنته الصغيرة منه، فتحت عيونها تخفى الألم فيهما وهي تقول ببرود:للأسف أنا عند جدى في الوادى فمقدرتش أكون موجودة خالص في القاهرة اليوم ده، بس طمنها وقولها بإذن الله الحصة الجاية هكون متواجدة، مع السلامة.أسرع خالد يناديها قبل أن تغلق الهاتف قائلا:جورى.تجمدت يدها على سماعة هاتفها، نفس إختصار الإسم، والتي يناديها به الجميع ولكن تلك النبرة التي ناداها بها، تلك اللهفة، تخص فهد وحده، تبا، كم إشتاقت إليه، لتفيق على صوت خالد وهو يقول بقلق:إنتى لسة معايا ياجورى؟أومأت برأسها وهي تقول لنفسها(معك دائما وأبدا ولن أكون لسواك)، ولكنها إكتفت بكلمة واحدة هادئة:معاك.تسللت إلى مسامعها زفرة إرتياح قبل أن يقول بهدوء:.الحقيقة ريم قالتلى إن صوتك حلو، وهي نفسها، يعنى، لو تحضرى عيد ميلادها بكرة وتغنى معاها الأغنية اللي هتغنيها، يبقى بجد هتبسطيها أوى.تمنت جورية لو لبت طلب الصغيرة ولكن وجودها إلى جواره مجددا ورؤيته مع زوجته وطفلته سيؤلمانها بشدة، لتقرر الرفض رغم أنها تفتقده وحقا تريد رؤيته ولكنها لن تجازف بألم جديد، يكفيها ما تعانيه، لتقول بهدوء:للأسف مش هقدر ياخالد بيه، معتقدش جدى هيوافق...قاطعها قائﻻ بحزم:.ولو قلتلك إنك لو جيتى هنسى موضوع الأغلفة دى نهائى ومش هتخذ إجراءاتى ضد دار النشر.صمتت جورية، لم يعد الأمر يتعلق بها، إنه يتعلق بصديقها فراس، ومستقبل دار النشر الخاصة به، لتقول بعد لحظات بهدوء يخالف هذا التوتر الذي شمل جسدها بأكمله وهي تدرك أنها ستقابله في الغد مجددا:إبعتلى العنوان في ماسيدج، مع السلامة.ثم أغلقت الهاتف وهي تغمض عينيها، تدرك أنها ترتكب خطأ فادح في حق نفسها بالسماح لها بتحقيق رغبتها برؤيته ولو لآخر مرة ولكنها تدرك أيضا أنه لم يكن هناك مجالا للرفض، ليرن هاتفها بتلك النغمة الخاصة بالرسالة، فتحت الرسالة وجرت عيونها على العنوان، قبل أن تغلق الهاتف وقد إرتسمت حروف تلك الرسالة في صميم قلبها.طلت ليلة من باب الحجرة لترى لين جالسة على السرير تضم ركبتيها إلى صدرها وتستند برأسها عليهم تنظر إلى الأمام بشرود ثم تنظر إلى ليلة حين قالت ليلة:ممكن أدخل؟إبتسمت لين إبتسامة باهتة وهي تومئ برأسها إيجابا، لتدخل ليلة الحجرة وتتجه إلى السرير تجلس بجوار لين لتربت على يدها قائلة:إذيك دلوقتى، أحسن؟أومأت لين برأسها قائلة:الحمد لله.نظرت إليها ليلة تتفحص ملامحها الشاحبة وعيونها المنتفخة لتدرك أن لين ليست أبدا على مايرام، لتقول ليلة بشفقة:أنا عارفة إن الموضوع مش سهل عليكى وإن اللي حصل يهد جبل، بس انا إتعودت أشوفك يالين جامدة، قوية، قادرة تتحدى كل الصعب.اغروقت عينا لين بالدموع قائلة:.مبقتش قادرة خلاص ياليلة، كانت خيانته لية مقويانى على ضعفى، مخليانى أمحى مشاعرى اللي بتحن ليه، لكن دلوقتى إيه بس اللي هيقوينى بعد ما عرفت إنى ظلمته وجرحت قلبه اللي حلفت أحافظ عليه.قالت ليلة بحنان:اللي هيقويكى إنتقامك من اللي كان السبب في اللي حصل، اللي هيقويكى إنك ترديلها القلم قلمين، وده سهل وفى إيدك ولو حققناه، صدقينى هيكون في تحقيقه راحة ليكى وهيكون فيه كمان راحة لية.عقدت لين حاجبيها وهي تنظر إلى ليلة قائلة بحيرة:تقصدى إيه؟قالت ليلة:فيه حاجة كدة انتى متعرفيش عنها حاجة حصلت مع خالد في السنة اللي إختفى فيها، أخوكى فيها حب واحدة تانية وحبته من قلبها.إتسعت عينا لين بدهشة، قائلة:.خالد حب وإتحب، إنتى متأكدة إننا بنتكلم عن خالد اللي الحب بالنسبة له تفاهة وكلام فارغ، خالد اللي كان معارض جوازى من مؤيد عشان ماضيه مع البنات ولما صممت وقلتله انى بحبه، ضحك من قلبه وقاللى حب إيه اللي إنتى بتفكرى فيه، مفيش في الدنيا حاجة إسمها حب وإن ده كلام في الروايات وبس.أومأت ليلة برأسها قائلة:.ده حصل فعلا، والله أخوكى حب بجد، بس للأسف خالد رجع ومش فاكر عنها حاجة خالص، لو قدرنا بقى نجمعهم من تانى، لو قدرنا نخليه يحبها من جديد، ساعتها شاهيناز هتختفى من حياتنا للأبد، وهتكونى بكدة حققتى إنتقامك منها، أما أنا فكمان مشكلتى هتتحل لما أخوكى هيعترف بالحب والمشاعر ويرفض سمير ساعتها ويقبل بفراس.أطرقت لين برأسها تفكر للحظات قبل أن ترفع رأسها وهي تومئ بها موافقة وهي تقول:.أنا معاكى في كل حاجة، بس إحكيلى عن موضوع خالد كل حاجة بالتفصيل الممل وأولهم إسم حبيبته وقابلها فين وإزاي؟إبتسمت ليلة بحب وهي تستحضر ملامح جورية الرقيقة الحنونة قائلة:إسمها جورية، رقيقة وجميلة زي النسمة تمام، قابلها في الوادى، بس إزاي، فدى حكاية طويلة جدا إبتدت لما في يوم روحت المكتبة مع لبنى أشترى روايات رومانسية علشان أقراها، وهناك، هناك إبتدت أغرب حكاية سمعتها في حياتى.
رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشررأيتك معها فثارت براكين الغيرة في شرايينىفصمتت كلماتى وتحدثت مدامعى عن جرح يؤذينىفلا أملك أنا سوى ورود زرعتها في بساتينىفنسيتها كما نسيتنى، ونسيت عشقى وحنينىفوداعا لذكريات تؤلمنى ووداعا عشقا يضنينى.ظل نبيل صامتا، ينقل عيناه ما بين سها ولين، تنظر إليه الفتاتان بترقب، لتقول لين بعصبية:ما تتكلم يانبيل، هتساعدنا ولا لأ؟قست عينا نبيل بينما قالت سها وهي تربت على يد صديقتها:إهدى بس يالين، نبيل أكيد هيساعدنا لما يعرف إن كل اللي بنعمله ده في مصلحة مؤيد.قال نبيل موجها حديثه إلى سها:وإيه مصلحة مؤيد في إنى أساعدكم ياسها؟ليشير إلى لين مستطردا:تفتكرى إنى هفرح لما أساعده يرجعلها، لأ طبعا، متستاهلش.نهضت لين قائلة بعصبية:نبيل، أنا مسمحلكش.جذبتها سها من ذراعها تجلسها من جديد قائلة:يالين إقعدى بس متفرجيش الناس علينا.ثم وجهت حديثها إلى نبيل قائلة بحدة:وإنت كمان يانبيل، خد بالك من كلامك، حابب تساعدنا تمام، مش حابب، خلاص، هنشوف حد تانى يساعدنا.تخيل نبيل لجوء سها لأحد غيره وجلوسها معه، إلى جانب غضبها الأكيد منه وربما عدم رغبتها مجددا في لقاءه، لينفر من تلك الفكرة كلية، ويبعد إعتراضه على فكرة مساعدة لين جانبا، وهو يزفر قائلا:.طيب إدينى سبب واحد بس يخلينى أساعدها ياسها، إنتى مشفتيش حالته كانت عاملة إزاي بعد ما رجع من المكان اللي كانوا فيه، صدمته وعذابه لما عرف سبب طلاقهم زمان، أنا مش عايز صاحبى يرجع لواحدة ممكن تظلمه وتبيعه من غير ما تتأكد من ذنبه، أعذرونى، أنا خايف عليه.قالت لين بصوت يقطر مرارة:.معاك حق، غلطتى كبيرة وأنا معترفة، وعارفة إن مؤيد مجروح منى أوى وصعب يغفرلى، وأنا مش بدور دلوقتى على غفرانه، أو رجوعه لية، أنا بدور على إنتقام من اللي كانت السبب في كل حاجة وحشة حصلتلى أنا ومؤيد، وعشان أقدر أنتقم منها لازم أعرف هي عملت كدة ليه، وإستفادت إيه لما فرقتنا؟تنهد نبيل وهو يدرك ألم تلك المرأة القابع بصوتها، ربما أخطأت بالماضى ولكنها تبدو حقا نادمة، ربما يجب أن يمنحها فرصة، فربما في تلك الفرصة نجاة صاحبه، ليقول بهدوء:السبب واضح جدا يالين، إنتقام، غيرة وحقد منها عليكى لإنك قدرتى تاخدى مكانها في حياة مؤيد.ظهرت الصدمة على وجوه الفتاتين، لتخرج سها من صدمتها أولا قائلة:إنت قصدك إنها...قاطعها نبيل قائلا:بتحب مؤيد ومن زمان كمان.ظلت لين صامتة تظهر ملامح الصدمة على وجهها وهي تراجع كل أفعال شاهيناز، لتتأكد فعلا من كلمات نبيل، لتقول سها في دهشة:ولما هي بتحبه، وهو بيحبها متجوزوش ليه؟دول كانوا عيلة قبل ما يدخل خالد حياتهم ويتعرف مؤيد بلين.تراجع نبيل في مقعده قائلا:.فعلا هما كانوا زي العيلة بجواز والد مؤيد من والدة شاهيناز، بس الحب مش بإيدينا ولا بيبقى بالقرابة أو حتى الدم، وأنا مقلتش إن مؤيد بيحبها، مؤيد محبش في حياته غير واحدة بس والواحدة دى قاعدة أدامى دلوقت.نظرت إليه لين ليستطرد موجها حديثه إليها:قبلك كان تايه، ضايع، مبيآمنش بالحب والجواز بسبب والده، وانتى عارفة حكايته.أومأت لين برأسها في حزن، ليستطرد نبيل قائلا:.لما إتجوز والده والدة شاهيناز، حبته شاهيناز، وحاولت تقرب منه، صدها، مؤيد آه كان بتاع بنات بس كان عنده مبدأ واحد وهو إنه ميقربش لحد في شغله أو عيلته، بس مع الاسف، هي حطته في دماغها وصممت توقعه في حبالها، أنا شفت الكلام ده كتير وحذرته منها أكتر، بس هو كان يضحك ويقولى انها هبلة وميتخافش منها، للأسف مكنش شايفها من جوة زي ما أنا شفتها، لغاية ما في يوم، رجع سكران البيت وهي إستغلت وضعه ووقعته فعلا، وتانى يوم لما طالبته يتجوزها، رفض، وإدالها كلام جامد، عن إنها حقيرة وفرطت في نفسها وإنه مستحيل يتجوز حد فرط في شرفه بالسهولة دى.كانت الصدمة في أعتى صورها مجسدة على وجهي لين وسها، في تلك اللحظة ليستطرد نبيل قائلا:.بعدت عنه فعلا وإفتكر إنه خلاص، موضوع وإتنسى، شافك بعدها وحبك وخالد إتجوز شاهيناز، والأمور مشيت طبيعى، وخلاص الموضوع إنتهى، أتاريها حية، منستش اللي حصل زمان، إستنت الفرصة المناسبة وضربت ضربتها، سهلتلها الطريق يالين وقدرت تفرق بينكم، ودلوقتى مش عارف هي عايزة إيه بالظبط، هي كدة إنتقمت ولا لسة بتحب مؤيد وعايزاه؟بس يمكن أنا بميل أكتر للإحتمال التانى لإنها مصرة تقابله، البواب قاللى إنها سألت عليه أكتر من مرة.قست عينا لين وهي تقول:معاك حق، هي لسة فعلا بتحبه ولسة عايزاه، وده ملوش غير معنى واحد، أخويا إتجوز واحدة خاينة بتحب غيره ولازم أنبهه.مط نبيل شفتاه قائلا:لازم يكون في إيدك أدلة على كلامك، وبعدين حتى لو صدقك، هيعمل إيه، هيطلقها؟عمر طلاقها ما هيشفى غليلك أو غليل مؤيد، بالعكس إنتى بتسهليلها طريقها عشان توصل لمؤيد.قالت لين بحنق:يعنى أسيبها وأفضل ساكتة على كل عمايلها السودة دى؟قال نبيل:.أيوة يالين، سيبى شاهيناز لمؤيد، هو هيعرف يتصرف معاها.أطرقت لين برأسها في حزن ثم رفعت رأسها تطالعه وقد رقت نظراتها قائلة:طيب مؤيد عامل إيه دلوقتى يانبيل؟زفر نبيل قائلا:أنا سايبه و نار قايدة فيه ومش هيطفيها غير إنتقامه منها، وإنتقامه هيبدأ أول خطواته النهاردة، في عيد ميلاد ريم بنت خالد وبنتها.قالت لين بقلق:هيعمل إيه بالظبط؟ريم ملهاش ذنب في اللي حصل يانبيل.قال نبيل بسخرية:.لسة لغاية دلوقتى عندك شك في مؤيد؟لسة بتشكى فيه؟ مؤيد مش ممكن يرد إنتقامه في طفلة صغيرة، هدفه هو شاهيناز وبس، وأي حاجة هيعملها النهاردة هتخصها لوحدها، هي وبس، عن إذنك يامدام.لينهض وهو يهز رأسه محييا سها التي هزت رأسها بدورها، قبل أن يغادر، تتابعه عيناها، لتنظر سها إلى لين التي أطرقت برأسها خجلا تشعر بالخزي، ممتزجا بالحزن والندم، كادت أن تعاتبها على كلماتها الأخيرة ولكن عندما رفعت إليها لين عيون أغروقت بالدموع، تنهدت قائلة:.كلنا بنغلط يالين، بس لازم نتعلم من غلطنا، وإنتى لازم تفوقى وتتعلمى من غلطك، لازم فعلا تثقى في مؤيد، بالأفعال مش بالكلام، وإلا الأمل في رجوعه ليكى هيكون ضعيف جدا، أو مستحيل.مدت لين يدها تمسح دموعها وهي تومئ برأسها إقتناعا بكلمات صديقتها، ستثق به منذ اليوم ولن تشكك في أفعاله قط، ستسانده في إنتقامه بدورها وستوفق بين خالد وجورية أيضا، وعندما يحققون إنتقامهم ستتوسل إليه أن يسامحها وستفعل المستحيل كي يعود إليها من جديد، نعم ستفعل.كانت جورية تتأمل نفسها في المرآة، تنظر إلى تلك النفس التي ما عادت تعرفها، لا تدرى حقا ما تبغيه، هل تبغى بعدا عن عشق تدرى أنه مستحيل، أم تبغى قربا وعذابا، نارا ولهيبا تتلظى بهما في قربه؟لقد قاومت بالأمس رغبتها الشديدة لرؤيته، واليوم صباحا ضربت بقراراتها عرض الحائط وهي تخبر جدها أنها لابد وأن تسافر القاهرة لأمر هام يتعلق بروايتها الجديدة وأنها ستعود في اليوم التالى، ليودعها بلطف مخبرا إياها أن تسرع بالعودة إليهم، وها هي تقف مستعدة ظاهريا لحضور حفل عيد ميلاد إبنته ولكنها بالداخل تتداعى من القلق والخوف، من الإشتياق إليه وإدراكها الحتمي أنها في نهاية الأمر ستعود بخفي حنين إلى الوادى وقد حملت معها فقط، ذكرى جدبدة، مؤلمة.كانت عيون خالد لا تحيد عن باب منزله سوى ليسلم على رواد الحفل من الأصدقاء ثم تعود عيناه تتابع القادمين إلى الحفل بروح تشتاق لرؤية من غابت عن عيونه وأطالت الغيبة، من ينتظر لقاءها كإنتظار نسمة في يوم حار كظيم، حتى وقعت عيناه عليها تتهادى في فستان أزرق رائع أظهر جمالها وأبرزه شعرها المنسدل في بساطة حول وجهها وتلك الغرة الرائعة والتي تخفى جبينها الرقيق، ترك أنفاسه التي حبسها لدى رؤيتها، ليتنفس بعمق قبل أن يشتعل قلبه فجأة بالغيرة، يدرك لأول مرة في حياته نيرانها، وهو يراها تتأبط ذراع ذلك الفراس، صاحب دار النشر والذي يدخل إلى الحفل بجوارها متباهيا بها، إنتاب خالد غيظ شديد، يتساءل بحنق، ألم يكفي هذا الرجل إستحواذه على إهتمام أخته وجرأته في الذهاب إلى مكتبه بالأمس وطلبه الإقتران من ليلة؟وحتى عندما رفضه خالد بشكل قاطع، أخبره أنه لن ييأس ولن يصمت حتى تكون ليلة له ولا أحد غيره، ورغم إعجابه بإصرار فراس والتمسك بها إلا أنه لم يستطع أن يمنحهما مباركته وقد أعطى سمير كلمته، إلى جانب أنه يؤمن بأن سمير هو الإختيار الأفضل لأخته فهو إبن عمته ولديه من المال والسلطة ما يعادل خالد، إلى جانب أنه يشبهه في الطبع إلى حد كبير، و هذا مناسب جدا بالنسبة إلى طموح خالد فيما يخص بأخته ليلة، فهو سيكون مطمئنا على ليلة في عصمة رجل مثل سمير.إقترب كل من جورية وفراس من خالد، ليسلم فراس على خالد بتحدى أن يرفض يده الممدودة إليه قائلا:مساء الخير ياخالد بيه.أمسك خالد يد فراس بقوة متقبلا التحدى، وهو يقول:مساء الخير، نورت.إبتسم فراس بسخرية قبل أن يترك يده، بينما مد خالد يده إلى جورية لتمد يدها بتردد، تسلم عليه، وكالعادة كلما تقابلت أيديهما إشتعلت بجسديهما نارا متأججة، لتتفرق الأيدى على الفور، حين إستمعا إلى صوت نسائي وهي تقول بحدة:.إنتى إيه اللي جابك النهاردة؟مين اللي دعاكى؟نظرت جورية إلى قائلة تلك العبارة في ضيق، وكادت أن تجيبها لولا أن قاطعها خالد قائلا بحدة:دول ضيوفى ياشاهى وأنا اللي دعيتهم بنفسى، وإحترامهم من إحترامى، ودعوتهم كانت بناء على طلب من بنتك ريم، اللي حبت جورية تغنى معاها النهاردة بعد ما رفضتى إنتى تغنى معاها.نظرت إليه شاهيناز بغيظ وكادت أن تتحدث حين قاطعتها جورية وهي توجه حديثها إلى خالد قائلة:.ممكن أعرف ريم فين ياأستاذ خالد؟أشار إلى نقطة ما خلفها قائلا:هناك أهى مع روجينا، لحظة واحدة أناديهملك.قالت جورية بهدوء:لأ من فضلك، خليك مرتاح، أنا وفراس هنروحلهم، عن إذنك.أومأ فراس لهم برأسه، قبل أن يبتعد هو وجورية عنهما متجهين إلى ريم، بينما تتابعهما شاهيناز بحنق لتجاهلها إياها بتلك الطريقة، قائلة:.كان لازم يعنى تقولها تيجى، كنت قلتلى وأنا كنت خليت أشهر مطربة في القاهرة تيجى تغنى مع ريم، وبعدين إنت إزاي تحرجنى بالشكل ده أدامها؟تركها خالد حتى أنهت كلامها، ثم قال ببرود:انتى اللي أحرجتى نفسك بنفسك، مفيش حد بيتعامل مع ضيوفه اللي جايين لحد عنده في بيته بالشكل ده، فمن فضلك، عدى الليلة دى على خير، إنسى نفسك وركزى مع بنتك شوية، لإنى بجد زهقت.ثم تركها وإنصرف يرحب ببعض الضيوف بينما نظرت إليه بحنق قبل أن تعود بعينيها إلى تلك التي تقف مع طفلتها تبتسم وهي تقرص وجنتها بخفة، لتبتسم الصغيرة بسعادة قبل أن تحتضن جورية، وتسرع روجينا بدورها بإحتضانها، ليبتسم هذا الرجل، صاحب دار النشر والذي يقف بجوارهم، عادت بعينيها إلى خالد لتجده واقفا يطالعهم بنظرة حانية منبسطة جعلت كل كيانها يهتز غضبا، قبل أن تتسع عيونها بشدة وهي ترى دخول أحدهم من البوابة، لتتقافز دقات قلبها شوقا وسعادة، ثم تتوقف تماما وهي تراه يبحث بين الحضور عن شخص ما ثم تستقر نظراته عليها، قبل أن يبتسم بهدوء، وهو يتجه إليها بخطوات هادئة ومع إقترابه منها، عاد قلبها ليدق من جديد بقوة تكاد أن تقتلها، حرفيا.رآها تتهادى في فستانها الوردي الرقيق، شاردة، كغزالة رقيقة تبتعد عن الجموع، دق قلبه بقوة، فقد إشتاق القلب إليها وتباطأت دقاته حتى رآها فإنتعش القلب خامل النبضات، رآها تتجه إلى الشرفة حيث الهدوء فإبتسم بعشق وهو يتبعها، إقتربت من الشرفة وتوقفت أمام السور تستند إليه بكفاها الرقيقتان، تنظر إلى السماء، حيث القمر بدرا منيرا، أغمضت عينيها مرددة إسمه برقة.توقف قلبه عن الخفقان ثم عاد ليخفق بقوة وهو يستمع لحروف إسمه التي تنطقها بنعومة خلبت لبه، إنها تفكر فيه حقا، تلك المخلوقة التي سحرته منذ أن رآها لأول مرة، ليقترب منها حتى توقف خلفها تماما يهمس بقرب أذنها قائلا بعشق:قلب فراس وعمره كله.إنتفضت على الفور تفتح عيناها بقوة وقد لفحتها أنفاسه الساخنة، لتلتفت على الفور تنظر إلى عيونه بصدمة قائلة:فراس.تأمل عيناها الجميلتان بإبتسامته الجذابة والتي تصل لعينيه فتجعلهما أكثر سحرا بالنسبة إليها وهو يقول بهمس:ما قلنا قلب فراس وعمره كله.إبتلعت ريقها تبعد هذا السحر الذي أغرقها فيه، وهي تتأمل محيطها تبحث بعيونها عن أخيها قائلة بتوتر:إنت إزاي جيت هنا؟إتسعت إبتسامته قائلا:بالعربية.نظرت إليه تقول بإستنكار:إنت بتهزر؟إقترب منها خطوة قائلا:ومنهزرش ليه بس؟تراجعت خطوة إلى الوراء تلقائيا فإصطدمت بسور الشرفة، لتقول بإرتباك:فراس من فضلك، إبعد عنى شوية، أخويا لو شافنا مع بعض...قاطعها وهو يرفع يده يبعد تلك الخصلة الحمراء الشاردة على وجنتها يرجعها خلف أذنها قائلا بحنان:وحشتينى أوى.نظرت إلى عينيه، تنجذب بقوة لنظراته العاشقة، تشعر بكلماته تمس قلبها وبقوة، فقد إفتقدته بدورها، حتى أنها فكرت بالفعل في أن تذهب إلى دار النشر فقط لتراه وتخبره أنها لن تبتعد عنه مجددا ولكنها فكرت في أخيها الذي لم يتسبب لها يوما من الأيام في أي لحظة حزن، فكيف تكسر قلبه بتلك الطريقة وتخون ثقته فيها، لتتراجع في اللحظة الأخيرة، وتقتل تلك الرغبة في قلبها، قلبها الذي ينتفض الآن مطالبا إياها بالإستسلام كلية لمشاعرها، لتظهر صورة أخاها أمامها، تضرب بمشاعرها عرض الحائط، لتغرق عيناها بالدموع قائلة:.مش هينفع صدقنى يافراس، إنت كدة بتعذب نفسك وبتعذبنى.أمسك فراس بيدها قائلا:إنتى اللي بتعذبينا ياليلة، لو بس وقفتى معايا وحطيتى إيدك في إيدى، لو حسيتى إن حبنا أقوى من أي حاجة، صدقينى هنقدر نقنع أخوكى بحكايتنا، صدقينى هنكمل مع بعض.تركت يده وهي تقول بمرارة:أنا مش زي ما إنت فاكر، أنا أضعف من إنى أعمل كدة، صدقنى يافراس، أنا بجد مستاهلكش، إبعد عنى، إنسانى وإدعيلى كمان عشان أنساك.لتبتعد من أمامه بخطوات سريعة، يتابعها بعيونه بحزن قائلا بهمس:ياريتنى أقدر ياليلة أنساكى، بس للأسف مينفعش، لإنك مينفعش تتنسى، إنتى مش عارفة إنتى إيه ولو فاكرة إنك ضعيفة فمعايا هتقوى، وجوة حضنى بس، هتلاقى إنك قدرتى على الدنيا كلها، وأنا مستحيل هسيبك، هفضل أحاول وأحاول لغاية ما في الآخر يكون إسمك جنب إسمى، ويكون حضنى هو ملجأك وبس، عمرى ما هيأس حتى لو إنتى يإستى، هتشوفى ياليلة، هتشوفى.قالت شاهيناز بنبرات إمتلأت لهفة رغما عنها:مؤيد حمد الله على السلامة، إنت جيت إمتى من السفر؟كاد أن يضحك ساخرا، فهو يعلم أنها تعلم برجوعه بل وتبحث عنه أيضا، ولكنه قال بهدوء:رجعت بقالى فترة صغيرة ياشاهى.قالت بعتاب:ومسألتش عنى؟، مش كفاية طول فترة غيابك مكلمتنيش ولا مرة، نسيت العشرة اللي كانت بينا يامؤيد؟نظر إلى عيونها قائلا بهدوء:.معلش ياشاهى، متزعليش، إنتى عارفة اللي كنت فيه، واللي عملته فية بنت نصار، وأدينى أهو، جيت عشان خاطرك إنتى بس لما عرفت إنه عيد ميلاد ريم، بنوتك الحلوة، هي فين صحيح؟عايز أعايدها.قالت شاهيناز بصوت ظهر فيه الحنق رغما عنها:هتطلع دلوقتى على المسرح مع، مع مدرستها، اول ما هتخلص الأغنية بتاعتها هندهلها عشان تتعرف عليك، قوللى بقى، كنت مختفى فين الفترة اللي فاتت دى كلها وأخبارك إيه؟إبتسم مؤيد قائلا:.هقولك ياشاهى، هقولك.صفق الجميع حين أعلن خالد عن أغنية طفلته التي ستؤديها في الحال مع صديقتها روجينا و معلمتها جورية، ليصمت الجميع حين وقفت ريم وصديقتها مع تلك المرأة الجميلة الرقيقة بوضع مسرحى خلب لب الجميع، قبل أن يبدأ كل منهم الغناء في جو رائع، حمل إلى الجمهور نسمات ملائكية جذابة، ليندمج الجميع بالتصفيق المنغم على كلمات تلك الأغنية الخفيفة للأطفالشفت الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق.شفت القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندقشفت الكلب الهاو عض القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندقشفت النار اليح حرق عصاى الآى ضرب الكلب الهاو عض القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق...على قد ماقلت في بالى خلينى بعيد وانا مالىوحشتنى عيونكوا وجيت علشانكو انا ايه اللي مغير حالىياما طلعتو عيونى وتعبت وغلبتونى.علشان كده فجأة عملت مفاجأة وجيت ياللى وحشتونى...انا ايه اللي اتغير فيا حبيتكو بكل مافيةوبقيتو حياتى ياكل حياتى ياحلم سنينى الجايةمعرفش انا ليه حبيتكم وحشيتنى كتير ضحكتكمالشوق خلانى ارجع من تانى وهبعد تانى انا ليهإنتهت الأغنية ليصفق الجميع بحرارة، خاصة ذلك الذي أصابه سهم العشق الأخير بصوتها الملائكي الجذاب والذي إمتزج مع صوت طفلته وصديقتها، ليعزفوا سويا على أوتار قلبه.تخضب وجه جورية بالخجل وكادت أن تغادر ذلك المسرح الصغير المعد بداخل المنزل، ولكنها توقفت وقد طالبها بعض الحضور بالغناء مجددا، شعر خالد بغيرة حارقة ولكن رفضها الرقيق أثلج قلبه، حتى ألحت عليها ريم وروجينا أن تغنى، وأمام إلحاح الصغيرتان لم تستطع جورية الرفض مجددا، لتنظر إلى عيون خالد الذي تعلق بعيونها وهي تأخذ الميكروفون، تشيح بعيونها عنه، وهي تبدأ الغناء، تغمض عيناها قبل أن ينساب صوتها الملائكي ليصمت الجميع، يستمعون لصوتها الشجي وهي تردد كلمات رائعة هانى شاكر، لتمس القلوب جميعها في تلك اللحظة بالذات.، نسيانك صعب أكيد، ملوش غير حل وحيد.لتفتح عيونها تستطرد في الغناء:أبدأ من تاني حياتي وأصادف حب جديد.لتنظر إلى عيونه في تلك اللحظة وهي تغنى قائلة:ولو ان الحب التاني مش هيرجعلي زماني ولا هيعوض حرماني اللي في حبك بيزيد.لتشيح بوجهها عنه، وتأخذ معها أنفاسه وهو يشعر بأنها تتحدث إليه، تخبره لأول مرة بمكنون قلبها، تستطرد قائلة:لكن طول ما انت في بالي صورتك دايما بخيالي نسيانك صعب أكيد نسيانك صعب اكيد.نظر فراس إلى ليلة بدوره في تلك اللحظة لتنظر إليه بدورها، تغشى عيونها الدموع قبل أن تبتعد هاربة إلى حجرتها، بينما أغمض هو عينيه بألم، بينما تأملت لين هذا الذي يقف بجوار شاهيناز، ينظر إليها بجمود بينما تنظر هي إليه بعيون إمتلأت بالمشاعر.ليصدح صوت جورية قائلة:يللي معاك ابتديت اعرف كلمة هويت واعرف كلمة يا ريت وبحبك قلتها ليه عينيك خدتني ليك وبعمري معاك بقيت وبقلبي عليك ناديت أوهام صدقتها.ليشيح مؤيد بوجهه عنها، وجورية تستطرد بصوت عذب يمتلئ بالحزن:يللي عشقتك وأتاري حبك غدر والم، قد ما كان قلبي شاري قد ما قلبك ظلم، أول قلبك ما خان خنت اللي اداك امان حاعشق غيرك عشان يمكن أنسى الندم، ولو ان الحب التاني مش هيرجعلي زماني ولا هيعوض حرماني اللي في حبك بيزيد، لكن طول ما انت في بالي صورتك دائما بخيالي نسيانك صعب أكيد نسيانك صعب اكيد.لتغمض لين عيونها بألم تخفى دموع سكنت بها، تنعى قلب تمزق الآن، تماما، بينما نظرت جورية في عيون خالد الذي تعلق بعيونها الدامعة وهي تختتم أغنيتها قائلة:نسيانك صعب أكييييد.ليصفق الجميع بحرارة، فأشاحت بوجهها وهي تمسح عيونها برقة تقبل الصغيرتان اللتان صفقا بسعادة ثم إحتضناها، بينما تبتسم إبتسامة باهتة لكل من جاءها يهنأها على صوتها وآدائها الرائع الملئ بالإحساس، قبل أن تتسلل بهدوء وتذهب لتقف بجانب فراس، ليمسك يدها بيده وهو يومئ لها برأسه مبتسما بهدوء، ليجز خالد على أسنانه غيظا وتظهر الغيرة بعيونه، بينما هناك عيون تابعت زوجها ونظراته العاشقة لتلك الجورية ومؤيد ونظراته الغاضبة من لين، لتحنقها تلك النظرات الأولى وتثلج قلبها الأخيرة، لتنوى أن تفعل شيئا بخصوص الأمرين.
رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشرلست ضعيفة لكنى أحمل قلبا مسالما لا يستطيع الخذلانفكيف أتبع قلبى وأستسلم لعشق الوجدانومن ربانى عمرا ينكر هذا العشق بكل الكيانهو لم يظلمنى يوما، فقط منحنى كل حنان.فكيف برب السماء قد أخذله وأعلن راية العصيان؟قال عزيز بتوتر وهو يغلق هاتفه:روحتى فين بس ياجورى في الوقت ده؟قالت جليلة بهدوء:ممكن تكون نايمة، متشغلش بالك إنت.رمقها بحدة قائلا:ومن إمتى بتكون نايمة ومبتردش علية ياجليلة، أكيد نزلت مصر عشان حاجة في دماغها، نزولها مصر مش مريحنى، أكيد وراه حاجة.قالت جليلة بتوتر:حاجة إيه بس؟قال عزيز بحزم:مش عارف، بس هعرف ياجليلة، هعرف.إبتسم مؤيد إبتسامة حقيقية وهو يقول لريم:كل سنة وإنتى طيبة ياريم، ما شاء الله كبرتى أوى.قالت ريم بإبتسامة بريئة:كل سنة وإنت طيب يا آنكل مؤيد، كنت فين من زمان، أنا سألت عنك آنطى لين وقالتلى إنك مسافر، ها، سافرت روحت فين بقى؟كاد مؤيد أن يتحدث حين قاطعه صوت خالد الآتى من خلفه يقول بهدوء ظاهري ولكن في طياته ظهر عتاب أدركه مؤيد في نبراته وهو يقول:.كان مسافر باريس في شغل ياريمو، سيبى آنكل مؤيد يرتاح شوية من أسئلتك الكتيرة دى وروحى رحبى بضيوفك.أومأت ريم برأسها مبتسمة، بينما نظر خالد لشاهيناز الواقفة بصمت تتابع ما يحدث ليقول بهدوء:روحى معاها ياشاهى.أصاب الحنق شاهيناز لصرفه إياها ولكنها أومأت برأسها بهدوء، ثم نظرت إلى مؤيد قائلة:عن إذنك يامؤيد، راجعالك تانى، متمشيش.أومأ مؤيد برأسه يمنحها إبتسامته الخلابة بينما إختفت تلك الإبتسامة حين نظر إلى خالد لتتواجه العينان لأول مرة منذ أن إختفى خالد، ليقول خالد بهدوء:إزيك يامؤيد.قال مؤيد بهدوء بدوره:أنا بخير ياخالد، حمد الله على سلامتك.قال خالد بثبات:أنا رجعت بقالى فترة، انت اللي لسة راجع فحمد الله على سلامتك إنت.إبتسم مؤيد قائلا:ياسيدى حمد الله على سلامتنا إحنا الإتنين.قال خالد بهدوء:.الحقيقة، أنا حابب نقعد ونتكلم يامؤيد، فيه حاجات كتير حصلت في غيابى ومش لاقيلها تفسير، ولازم أفهم منك قبل ما أتعامل على أساسها.قال مؤيد بهدوء وهو يدرك مغزي حديث خالد:وليه مسمعتش من الطرف التانى ياخالد، ليه عايز تسمع منى أنا؟مش معقولة هتصدقنى وتكدبها.نظر خالد إلى مؤيد وهو يربت على كتفه قائلا:لإن لين مرضتش تتكلم معايا عن موضوعكم يامؤيد، يعنى أنا مبكدبهاش، بس حابب أسمع منك إنت.أطرق مؤيد برأسه قائلا بصوت حاول أن ينحى عنه ذلك الألم الذي إستشعره خالد رغما عنه:وليه عايز تسمع منى أنا، مش يمكن أكدب عليك؟أبعد خالد يده عن كتف مؤيد قائلا بحزم:أنا واثق فيك.رفع مؤيد رأسه يواجه بها عينا خالد الذي إستطرد قائلا:.وواثق كمان إن فيه حاجة غريبة في الموضوع، وإنت بس اللي هتقدر تقوللى على الحقيقة وتفهمنى، أنا من يوم ما رجعت وأنا مستغرب اللي حصل، ومش مستوعبه، دورت عليك كتير، لكن للأسف ملقتش ليك أي أثر، وبرجوعك النهاردة، حاسس إنى خلاص هرتاح.نظر مؤيد إلى عمق عيون خالد وهو يقول بحزم:وأنا هريحك ياخالد.ليخرج من جيبه كارت منحه إياه قائلا:.ده كارت فيه كل أرقامى الجديدة، كلمنى بكرة نحدد مكان نتقابل فيه ولما نتقابل هحكيلك كل حاجة ياخالد، هحكيلك على اللي حصل زمان واللي ناوى أعمله دلوقتى.لتقسو عيناه وهو يقول:بس من دلوقتى بحذرك ياخالد، مفيش حد هيقدر يقف قصادى ويمنعنى عن اللي هعمله، ولا حتى إنت.إبتسم خالد بهدوء قائلا:هنشوف، هنشوف يامؤيد.أومأ مؤيد برأسه قبل أن يلتفت مغادرا الحفل ولكنه إلتفت لثانية ليرمق تلك التي كانت تقف في مكان ليس بعيد عنهم تتابع ما يحدث بقلق ظهر على ملامحها، تلك الجميلة المخادعة الصهباء، ليمنحها نظرة حملت ألمه وغضبه ولوعته منها، قبل أن يتجه إلى خارج المنزل وتتجه هي بخطوات منكسرة إلى حجرتها وقد غشيت عيونها الدموع.قال فراس وهو يستمع إلى رنين هاتف جورية المتواصل:مش هتردى عليه.هزت جورية رأسها نفيا قائلة:لأ، مش هينفع، هيعرف إنى خرجت وأنا مقلتلوش، هيزعل منى بجد ومش بعيد يخاصمنى وأنا مقدرش أبدا على زعله.إنتفضت على صوته الحاد بعض الشئ يأتى من ورائها قائلا:وياترى مين ده اللي متقدريش على زعله ياآنسة جورية؟إلتفت إليه كل من جورية و فراس، ليجدانه واقفا يحدج جورية بنظرة قاتمة، قابضا على يده بقوة، ليكاد فراس أن يبتسم ولكنه إمتنع عن الإبتسام في اللحظة الأخيرة وجورية تقول بتوتر:ده جدى.قال خالد بشك:وهو جدك إيه اللي هيزعله لما يعرف إنك جيتى عيد ميلاد بنتي؟قالت جورية بإرتباك:.الحقيقة، إنى مقلتلوش إنى جيت من الوادى عشان أحضر حفلة عيد الميلاد وإلا كان رفض، أنا قلتله إنى جاية عشان روايتى الجديدة، فلو عرف إنى خبيت عليه أكيد هيزعل منى لإنى متعودتش أخبى عليه حاجة أو أكدب عليه، جدى عزيز مش بس بيكون جدى، ده هو اللي ربانى كمان.عقد خالد حاجبيه وقد لفت إنتباهه إسم جدها، ليشعر بأنه يبدو مألوفا لديه، وكأنه سمع هذا الإسم كثيرا من قبل، جدى عزيز، حقا يبدو مألوفا بشكل كبير، ليقول بحيرة:هو جدك إسمه عزيز؟أومأت برأسها إيجابا، ليستطرد قائلا:وليه هو اللي رباكى، أهلك راحوا فين؟قال فراس:ماتوا وهي لسة صغيرة.شعر خالد بالغيظ لمعرفة فراس كل ما يخص جورية بينما لا يعرف عنها خالد سوى بعض الأمور الصغيرة، ولكنه نفض شعوره جانبا وهو يقول:.ربنا يرحمهم.قال كل من جورية وفراس في وقت واحد:يارب.لينظرا إلى بعضهما البعض مبتسمين، وتشتعل النيران بقلب خالد، مغتاظا من هذا الذي يستحوذ على إهتمام وتقدير إثنتان مقربتان للغاية من قلبه، ربما هم اقرب الناس إلى قلبه، يتشاركانه مع إبنته ريم، ليلة وجورية، فالأولى أخته والثانية هي من إستطاعت دون غيرها أن تحتل تفكيره وأن تجعل خافقه أيضا يدق، يبقى فقط هذا الغموض الذي يحيط بعلاقتهما ويزداد كل يوم هو ما يحتاج لسبر أغواره قبل أن يقرر أن ينهى هذا التخبط الذي يشعر به، كاد أن يتحدث عندما قاطعته شاهيناز قائلة ببرود:.على فكرة فيه ضيوف تانية ياخالد عايزة تشوفك وتسلم عليك، ومنهم صالح العيسوى، واللي هيمشى حالا عشان وراه ميعاد مهم.أومأ خالد برأسه ناظرا إليها بحنق وهو يقول:جايله حالا، إسبقينى إنتى وأنا هحصلك.لتنظر شاهيناز إليهما بسخرية قبل أن تبتعد بخطوات رشيقة، بينما حملت عيونه إعتذارا وجهه إلى جورية قائلا:أنا آسف، مضطرة أستأذن دقايق وراجعلكوا، ياريت متمشوش.أومأت جورية برأسها ليبتعد بدوره بخطوات واسعة، ينوى أن ينهى لقاءه على عجل كي يعود إلى جوريته ويصل اليوم لبعض الإجابات التي تقض مضجعه، بينما إبتسم فراس فور ذهابه وهو يتابعه بعينيه قائلا بتقرير:خالد بيقع في حبك من أول وجديد ياجورى.نظرت إليه في دهشة قائلة:إنت بتقول إيه؟إلتفت إليها قائلا:بقول اللي شايفه بعينى ياجورى، خالد بيغير عليكى، وده معناه إنه فعلا بيحبك، من أول و جديد.عقدت جورى حاجبيها قائلة:.بيغير؟قال فراس:أيوة بيغير، ومش كدة وبس، حاسس كمان إنه بيفتكر حاجات من الماضى وده أكيد في صالح قصة حبكم.قالت جورية بحزن:بس مش في صالح ريم يافراس، لو خالد حبنى من جديد زي ما إنت بتقول أو حتى إفتكر قصة الحب اللي بينا، فده معناه إنه هيطلق شاهيناز ودى حاجة مستحيل أقبلها، مقدرش أكون أنانية وأفضل مصلحتى الشخصية على مصلحة طفلة صغيرة كل ذنبها في الحياة إن باباها محبش مامتها، وحب واحدة غيرها.عقد فراس حاجبيه قائلا:إنتى ناوية على إيه ياجورية؟نظرت جورية إلى خالد الذي يقف بمكان بعيد بعض الشئ عنها، تتأمله للحظات قبل أن تقول بأسى:ناوية أختفى من حياته، زي ما إختفى من حياتى قبل كدة، ناوية أكون ذكرى مع الأيام هينساها، بس المرة دى فراقنا هيكون للأبد.لتنظر إلى فراس قائلة في تصميم:للأبد يافراس.تلفت خالد حوله يبحث عنها فلم يجدها، لقد غادرت الحفل مستغلة إنشغاله مع رجل الأعمال، صالح العيسوى، تبا له ولشاهيناز ولكل من شغله عنها، لا بأس، فليهدأ قليلا، في وقت مبكر من الغد سيذهب إلى منزلها وسيخبرها بكل ما أراد أن يخبرها إياه، نعم هذا ما سيفعله تماما، فليعد إلى ضيوفه الآن ويرحب بهم بشكل لائق، فقد كان اليوم مشغولا عنهم، بتلك الحورية الرقيقة، والتي بجوارها ينسى كل شئ، حتى إسمه.قال عزيز بعصبية:إنتى فين ياجورى ومبترديش على تليفونك ليه؟قالت جورى في هدوء يخفى ذلك الحزن في طيات قلبها:أنا خلاص بركب العربية وجاية الوادى ياجدى.عقد عزيز حاجبيه بدهشة قائلا:دلوقتى ياجورى؟الوقت متأخر يا بنتي.تنهدت جورى قائلة:خلصت كل اللي ورايا وقلت ملهاش لازمة القعدة ياجدى، وبعدين فرح علا مفاضلش عليه كتير، ويادوب نلحق نحضر للفرح.ثم إستطردت بمزاح تبغى به ان تبعد تفكير جدها عن سبب سفرها المفاجئ:وبعدين إنت مش عايزنى آجى ولا إيه؟ لو تحب ألف وأرجع تانى، معنديش مشاكل.قال عزيز بلهفة:تلفى وترجعى إيه؟تعالى علطول بس خدى بالك من الطريق، وطمنينى عليكى أول بأول، مفهوم؟إبتسمت جورية قائلة:متقلقش ياجدى، أنا مش هسوق بنفسى، مأجرة عربية.قال عزيز بإرتياح:طمنتينى، بس برده، كلمينى كل شوية.قالت جورية:ماشي ياجدى، سلام.أغلقت الهاتف وهي تنظر إلى الخارج من خلال نافذة السيارة التي كلما سارت بها أبعدتها عن حب حياتها وعشقها الوحيد، خالد، لتغشى عيونها الدموع.فركت لين وجهها بضيق قائلة:.ما إنتى مشفتيش كان قريب منها إزاي، وكان بيبصلها وتبصله إزاي؟أنا الغيرة كانت بتنهش في قلبى، كنت عايزة أروحله وأشده من إيده وأقوله إبعد عن العقربة دى، ملكش دعوة بيها، مش مهم ننتقم منها، المهم نكون أنا وإنت مع بعض من تانى، ويمكن يكون ده هو إنتقامنا الحقيقى منها، بس بصته لية دمرتنى، خلتنى واقفة عاجزة قصاد نار بتحرقنى، ومنيمتنيش طول الليل، وعشان كدة جيت الشغل النهاردة من بدرى، مقدرتش أفضل في البيت.قالت سها في تعاطف:معلش ياحبيبتى، إهدى، أنا عارفة إن الموضوع صعب عليكى، بس شوية بشوية هتتعودى، وصدقينى مؤيد هيعرف إزاي يتعامل معاها ويرجعلكم حقكم منها، ويعرف كمان هي نفذت خطتها إزاي، ولما يحقق إنتقامه ويبرد ناره، ساعتها هيهدى، وهتكون دى فرصتك، عشان ترجعيه ليكى من تانى.نظرت إليها لين في يأس قائلة:تفتكرى هيقبل يرجعلى من تانى؟ربتت سها على يدها قائلة:.دى الحاجة الوحيدة اللي أنا متأكدة منها، أي إتنين بيحبوا بعض بجد، مش ممكن حاجة تفرقهم، وحتى لو قابلتهم مطبات في الحياة فرقتهم، بيرجعوا من تانى لبعض وبيرجعوا أقوى، حبهم بيرجعهم ويقويهم، إنتى بس قولى يارب.أغمضت لين عينيها قائلة:يارب ياسها، يارب.قالت لبنى بحدة:إنتى ليه ضعيفة كدة؟إزاي قدرتى تستسلمى بالشكل ده لقرار أخوكى بإرتباطك بإبن عمك؟ واللي يمكن عايز يتجوزك بس عشان إنتى بنت عمه ومن دمه، وأهو واحدة يكون واثق فيها وفى أخلاقها وخلاص.غشيت عيون ليلة الدموع وهي تقول بصوت متهدج:أنا موافقتش، أنا قلتله إنى رافضة أتجوز حد غير فراس، وإنى لو متجوزتش فراس، يبقى مش هتجوز خالص.قالت لبنى بسخرية:.لا والله كتر خيرك، عملتى اللي عليكى، روحى عيشى زي الرهبان وإتحرمى من الراجل الوحيد اللي قلبك دق ليه، عشان ترضى أخوكى.سقطت دموعها بغزارة وهي تقول بصوت حاد متألم:.عايزانى أعمل إيه يعنى؟، أعصى أخويا وأهرب وأروح أتجوز غصب عنه، أخويا اللي مليش غيره واللي ربانى من صغرى، أبقى أنانية وأرضى نفسى على حساب قلبه وسمعته، سمعة عيلتى كلها، لأ طبعا، أنا مستحيل أعمل كدة وإنتى عارفانى كويس، وبعدين إنتى فاكرة يعنى إنى كنت مرتاحة لما خدت قرارى بالبعد عنه، أنا قلبى بيوجعنى وأنا بتخيل حياتى من غيره، أو بتخيله مع واحدة غيرى، ماهو مش هيترهبن هو كمان ويعيش حياته من غير جواز.لتضع يدها على قلبها قائلة بألم:الفكرة بس بتوجعنى هنا يالبنى، بتدمرنى، ما أنا عمرى ما حبيت قبله، شريك حياتى كان دايما بطل من رواياتى، بعيش مشاعر بطلته معاه، لكن لما حبيته عرفت إن كلام الروايات ده ميجيش حاجة جنب المشاعر الحقيقية اللي ممكن قلبك يحسها ناحية واحد، الكلمة منه بس بتحييكى، ومع الأسف لا قادرة أكون معاه ولا قادرة أبعد عنه.صمتت وهي لا تستطيع أن تتحدث من دموعها وذلك الوجع الكبير بقلبها، لتزفر لبنى بحزن، تغشى عيونها الدموع، تحاول أن تهدئ من إنفعالها وهي تدرك ألم صديقتها ومأساتها، تدرك بقلة حيلة أن ليلة هكذا، ولن تتغير، كائن رقيق، يضحى بسعادته من أجل إسعاد الآخرين، خاصة ذلك الأخ الذي تربت على يده وأحاطها بحنانه طوال سنوات عمرها، ولكنها لا تدرى انها وفى سبيل إرضاء أخيها تفنى روحها المعذبة بالفراق، لتربت على يد ليلة قائلة بحنان:.خلاص ياليلة، إهدى، متعمليش في نفسك كدة، كل حاجة وليها حل.قالت ليلة في حزن:إلا مشكلتى يالبنى، مش شايفة ليها أي حل، غير إن خالد يآمن بالحب ويعرف إن قلوبنا مش بإيدينا وإننا مستحيل نكون غير للى بنحبهم وبس.زفرت لبنى قائلة:ده حل مستحيل، ما إنتى عارفة أخوكى، عمره ما آمن بحاجة إسمها حب ويوم ما إتجوز، إتجوز البيزنس وبس.شردت ليلة قائلة:.الحل ده مش مستحيل أوى يالبنى، خالد لو بس نسى إنه خالد نصار صاحب شركات نصار، لو ساب قلبه على طبيعته، هيحب ويتحب من تانى وساعتها كل حاجة هتتحل.عقدت لبنى حاجبيها قائلة:خالد يحب ويتحب من تانى؟، هو حب أولانى؟إبتسمت ليلة إبتسامة باهتة وهي تقول:أيوة، ما أنا مقلتلكيش، خالد في حياة تانية كان إسمه فهد وحب جورية وجورية حبته بس مع الأسف رجع خالد ونسي جورية ونسي معاها الحب اللي قلبه حس بيه.إزداد إنعقاد حاجبي لبنى وهي تقول:إنتى بتقولى ألغاز على فكرة، أنا مش فاهمة حاجة.تراجعت ليلة في مقعدها قائلة:هفهمك يالبنى، هفهمك.