logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 10 < 1 2 3 4 5 6 7 8 10 > الأخيرة


03-03-2022 02:58 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10

t22084_6505

كان يظن أن الذين لا يؤمنون بالحب تبقى قلوبهم سليمة، قطعة واحدة يحافظون عليها كما تحافظ الخمسينية على ملامحها الجميلة بإستماتة، حتى علق شذاها بقلبه ليدرك أن القلوب الخالية من الحب مظلمة تتآكلها رطوبة الوحدة ،تتفتت وتذوى مع الايام.. أما تلك القلوب التى عشقت، حتى وإن تجزأت فالعشق يعيد ترميمها .
لذا فلا ضير من الحب، ولا يجب ان يخشاه.. فالأولى به أن يخشى هؤلاء الذين يستخدمون السحر لنيل مآربهم ومآربهم تتمثل في شخصه هو.. وعرشه.
فصول رواية على الرقاب قدر نافذ

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الأول

كنت أظن أن الذين لا يؤمنون بالحب تبقى قلوبهم سليمة، قطعة واحد يحافظون عليها كما تحافظ الخمسينية على ملامحها الجميلة باستماتة، لكن القلوب الخالية من الحب مظلمة لا ينفذ إليها نور فتتآكلها رطوبة الوحدة ورتابة المشاعر فلا تسلم من الألم والمعاناة والقطعة الكاملة تتفت مرة واحدة وتتناثر مرة واحدة دون أن تجد من يرممها، والآن بعد كل شيء وصلت إلى قناعة تامة أن القلوب المؤمنة بالحب تتجزأ ويعاد ترميمها أما القلوب بدون حب فتتفتت وتتلاشى، لذا فلا ضير من الحب.

أفكار( مهران) أو ( ميران ) كما يلقبه أصدقاؤه مرتفعة الأفق دائما وأحلامه بعيدة المدى، شاب مثله من عائلة عريقة كان يكفيه أن يتمرغ في خيرات والده دون أن يبخل عليه هذا الأخير، لكن طموحه الجامح في تطوير ذاته جعله يتحدى والده من أجل أن يسافر خارج البلاد لأجل تعليم أفضل وبما أنه وحيده فقد لقي صعوبات جمة في إقناعه حتى تمكن من ذلك أخيرا وغادر بحقيبة محملة بأحلام كبيرة وبدعوات جميلة ودموع ملتاعة لفراقه فحملها على عاتقه كوعدا بشخص آخر ناجح بإمكانهم الإفتخار به..

مرت السنوات الخمس وهو غائب عن كنف العائلة لا يزورهم سوى شهرين كل سنة نهاية كل موسم دراسيّ، تمر السنون ثقيلة لكنها تمر على كل حال وكل مرة يفاجئهم بشخص متطور جعل من أعمال والده تزدهر وتصبح أكثر شهرة بمجرد متابعتها من بعيد وإسداء نصائحه التي تولدت من خلال دراسات عميقة وتجارب عملية في مجال الأعمال وإدارتها..

روما أرض الأحلام...

استطاع( مهران) وضع بصمته سمعة وعملا في مختلف المنشآت الإقتصادية والتجارية وحتى المحلات البسيطة التي عمل فيها من أجل توفير مصروف جيبه مع أنه لم يكن بحاجة إلى ذلك لكنه عزم على الإعتماد على نفسه وعدم مطالبة والده بتغطية مادية لحياته هناك، حتى مصاريف دراسته لم يتحمل والده سوى سنة واحدة منها.

(مهران عسران مجاهد الهواري) الذي لفحته شمس أسوان فأكسبته سمرة فاتحة كخبز عربي خرج لتوه من تنور سيدة احترفت خبزه، تغطيه لحية خفيفة تكسبه وسامة لطيفة تتناسب وطوله المتوسط وجسده العريض الرشيق الذي جعله فارس أحلام الرومانيات، من يعرف (مهران) جيدا يمكنه اخبارك أنه شخص خفيف الظل يجبر أي أحد على الإبتسام من كلماته العفوية المضحكة، و أنه لا يتوانى عن مساعدة أحد ذو حاجة، بداخله قلب من ذهب يصل لمعانه إلى عينيه العسليتيّن، أما من لا يعرفه فيبدو له شخص حازم، نشيط، مجتهد، لامع الذكاء، سريع البديهة، كتوم لدرجة الإنغلاق على نفسه، وتلخيصا لما يكونه فهو شخص يعتمد عليه بحق.

الشتاء في (روما) قاسيا جدا من أول كانون الاول يبدأ بفرش الطرقات بلحاف أبيض زلق ليزداد وثارة مع تقدم شهوره إلى منتصف الربيع، شخص ك(مهران )تعود على حرارة الصحراء لايمكنه أن يتعود على برد كهذا ولكنه بعكس كل التوقعات يحب الأجواء هذه جدا كأنه يغيظ الحر ببلدته..

سنته الأخيرة هنا كما وعد والده، سنة تخرجه، فانهمك في تحضير رسالة الماجيستير بكل إجتهاد بجانب ذلك كان يعمل كمستشار إداري بشركة للتصدير والإستيراد متعاقدة مع بلدان عربية يكسب منها مايستطيع به تأجير شقته وسيارته وجميع مصاريفه.






تعوّد قبل يعود إلى شقته مساء أن يعرج على مطعم كان أول مكان عمل فيه، فيدخل مطبخه ويحضر أكلا مصريا ويتناوله وزملاؤه السابقين فيثنون على مذاقه الرائع، ثم يقود إلى بيته وهو يتلذذ بقهوته الساخنة..

توقف فجأة مما جعل سيارته تصرخ مذعورة كحاله بينما ترتفع رائحة احتراق العجلات بالاسفلت وصوت الإرتطام يذهله، فتناثرت قهوته تلطخ الزجاج من الداخل بينما الدماء تغطيه من الخارج، قفز خارج السيارة دون أن يمنح نفسه فرصة لالتقاط انفاسه بينما السيارات الأخرى تتجمع وراءه واصحابها حوله وصفير سيارة الشرطة يقترب..

على ضوء السيارة ظهر جسدا مكوما يبدو لإمراة لم يستطع استبيان ملامحها من الدماء التي تغرق وجهها وشعرها الذي يلصق به، كاد أن يلمسها فإقترب منها أحدهم أراد حملها ليقول له بحزم:
إياك أن تحركها لقد تعرضت لبعض الكسور حتما!

ابتعد الرجل متذمر بينما يطالعه باستعلاء وهو يقول:
كان عليك القيادة بحذر، هي هكذا بسببك الآن أيها المتهور، أم تراك تقود تحت تأثير الكحول؟

ليقول له( مهران )وهو يميز من الغيظ:
من الأحسن أن تبتعد من هنا يا هذا!

حاوطت الشرطة مكان الحادث بشريط أصفر حتى يتراجع الجمهور عنه ثم بدأوا في تنظيم حركة المرور بينما سيارة الإسعاف حملت المصابيّن، في الواقع لم ينتبه مهران أنه لوى كاحله وتعرض لجروح على مستوى جبينه ورأسه بسبب الزجاج المتطاير والإصطدام فقط حينما أراد الوقوف مجددا ولم يستطع أدرك ذلك بالإضافة إلى خط الدماء الذي ينز من جانب رأسه وإصابته بالدوار فحمد الله أن هذا ما أصابه فقط بينما يطالع الفتاة التي قد نظفت الممرضة دماءها قبل أن تضع لها قناع الأوكسجين ودعامة رقبتها، ومن ثم أقحمت بوريدها محقن ينفذ منه محلولا معلق أعلى النقالة التي ترقد عليها بينما راحت تجس نبضها ومؤشراتها الحيوية وهي تدون تقريرها ثم قالت له:.

إسمها؟

فرد عليها كأنه لم يفهم ما قالته فأعادت سؤالها:
المصابة ما إسمها سيدي؟

قال بحيرة:
هااا!

وضعت الملف جانبا ثم اقتربت منه وهي تفحصه وقد عرضت بؤبؤيه للضوء الذي يصدر من قلم بيدها:
أظنك تعرضت لصدمة سيدي، ستحتاج إلى القليل من الراحة ليعود وعيك بصورته الطبيعية.

ثم سألته مجددا:
ما إسمك سيدي؟

قال بحيرة مجددا:
هااا؟

فقالت بعملية:
لاباس سيدي ستكون بخير.

لكنها ما لبثت أن انهت جملتها حتى فقد وعيه وتراخى جسده عليها فمددته على الناقلة الاحتياطيّة وعلقت بذراعه محلولا هو الآخر.

مرت سويعات بسيطة فبدأ (مهران) يستعيد وعيه وحينما فتح عينيه وجدد نفسه بقسم الإستقبال قد عادت إليه ذاكرته، فسأل على الممرضة التي كانت تطالعه بابتسامة عن حال الفتاة التي أحضروها معه فطمأنته قائلة:
إنها بالعناية المركزة، لقد جرت عمليتيّها على مايرام وحين تستفيق سننقلها إلى غرفة عادية.

قال بصدمة:
عمليتان؟!

أجابت بلطف:
أجل سيدي، قد تعرضت لنزيف داخلي فكان لابد لتدخل جراحي أما ساقها فجبر الكسر ببعض المشابك الفولاذية.

تأسف (مهران) لحالها وهم ليقول شيء قبل أن يقاطعه دخول شرطيان لأخذ أقواله:
الفتاة لم تكن تسير لأصطدم بها بل وقعت من أعلى الجسر، لقد رأيتها في اللحظة الأخيرة قبل أن تسقط وترتطم بمقدمة سيارتي لذا سحبت الفرامل اليدوية مما جعل السيارة تلتف بزاوية مئة وخمسة وثلاثون درجة.

ليساله أحدهما بينما الآخر يدون إجابته في اللوح الإلكتروني الذي بين يديه:
لك سابق معرفة بها؟ أو وجدت شيء يدل على هويتها؟

قال نافيا:
لا سيدي.

قال الشرطي:
حسنا أيها الوسيم، سنأخذ رقمك في حالة إن جد جديد.

أعطاهما (مهران )رقم وغادراه فشعر بوعيه ينسحب مرة أخرى ليغط في نوم عميق لم يسحبه منه سوى صوت الممرضة وهي تقول:
استفق أيها الأمير النائم إنها الثانية بعد الظهر!

تململ في مكانه واعتدل بجسده بينما تقيس ضغط دمه مبتسمة فسألها مجددا عن حال الفتاة فأخبرته أن وضعها مستقر وقد تم نقلها إلى غرفتها لكنها لم تستعد وعيها بالكامل فطلب مساعدتها من أجل أن يراها فناولته عكازا وقادته إلى غرفتها وتركته امامها وذهبت لاستئناف عملها بينما طرق على الباب عدة طرقات ثم دخل وهو يصدر نحنحة منخفضة..

سحب كرسيا وجلس بقربها وقد أحزنه مظهرها الشاحب والغرز على الجرح العميق جانب جبينها وجفونها منتفخة والهالات تحت عينيها محمرة وهذا ما جعله يدرك أنها بكت كثيرا قبل أن تقدم على ما أقدمت عليه، لم يكن ليتجرأ أن يمسك يديها لكنه تشبث بيده حين همس:
أنا آسف!

فتحت عينيها وبدأت تحدق به لوهلة فابتسم لها وقال بالعربية:
حمد لله على سلامتك إنتِ كويسة؟

ثم فطن أنها لربما تكون أجنبية بغض النظر عن ملامحها العربية فعدل جملته واعاد صياغتها بالإنجليزية، هزت رأسها فسألها عن إسمها فقالت:
أنا مش فاكرة.

ابتسم وحال لسانه يقول طلعت مصرية كمان، المتعوس متعوس حتى لو جيه روما.

قال بهدوء:
مش مهم اسمك هتفتكريه شوية شوية أنا كمان ماكنتش فاكر حاجة ولما قمت من النوم افتكرت، أنا مهران اللي خبطتك بالعربية للأسف.

فقالت وقد احتقن وجهها:
للأسف هتنفعني بايه حضرتك؟ إنت شايف حالتي افرض كنت مت، لما انت مش قد السواقة بتسوق ليه؟

طالعها بشفقة وهو يكلم نفسه شكلها مش فاكرة انها حاولت تنتحر فاردفت:
انت بتسرح فى إيه يا أستاذ انت؟ طب اعمل ايه دلوقتي أما انا مش فاكرة اسمي ولا حاجة هطمن اهلي عني ازاي ولا ماعنديش أهل؟ اووف إيه الحيرة دي؟ عجبك كدا؟

تذكر أنه سمعها قد رددت إسم فيفيان فسألها من تكون لكنها لم تستطع تذكر هذا أيضا فقال لها:
طيب نامي شوية يمكن لما تصحي تفتكري زيي، على العموم أنا سبت رقمي بالاستقبال لو عوزتي حاجة اتصلي بيا.

أمسكته من يده بشدة وقالت وقد بدا عليها الألم:
رايح فين أنا مش فاكرة حد، خليك يمكن انساك انت كمان وساعتها أعمل ايه؟

فعاد ليجلس مكانه بقلة حيلة فلانت ملامحها وابتسمت له، وقتذاك دخلت الممرضة تحمل بعض الطعام إليهما فكانت له وجبة كاملة ولها هي حساء ساخن فقط مما جعلها تتذمر لكن الممرضة أخبرتها أنها لا تستطيع الأكل فورا وقد أجرت لتوها عملية جراحية..
ساعدها (مهران) على تناول حساءها الذي لم تستسغه كثير بينما عينيها معلقتين على صحنه وهو يبتسم على رغبتها البادية على وجهها إلى أن أنهته دون أن تشعر.

تناول (مهران) بضع لقيمات من طعامه ووضعه جانبا فبدأت بفتح حديث محاولة التعرف على هذا الغريب الذي يجلس أمامها لكنها كانت تشعر بضيق وتشرد قليلا ولا تدري لما ثم أبدت رغبتها في النوم فاستأذنها الرحيل قليلا ليعود إليها في وقت لاحق فأذنت له.






حتى النسيان لايكفي ليجعل المرء لايشعر بهمومه، هذه الفتاة لا تتذكر شيء وبالرغم من ذاك تشعر كأن الكون كله يجثم على صدرها ويطبق على أنفاسها.

كان لابد ل(مهران )أن يقدم ملف ملخصات مشروعه فقصد الجامعة وسلمه إلى الدكتور المسؤول عن متابعة رسالته كما قدم له إجازة مرضيّة يعتذر فيها عن مزاولة الجامعة لليومين القادمين حتى يتعافى كاحله والجرح برأسه الذي يسبب له الدوار ثم عاد إلى شقته من أجل أخذ حماما دافيء وتغيير ملابسه كل هذا وهو يفكر في الفتاة التي ترقد في المشفى مجهولة الهوية، قطع حبل أفكاره طرقات على بابه فابتسم وهو يتوقع من وراءها:.

مرحبا بالجميلة ناتالي.

أزاحته من فم الباب ودخلت تحمل بيدها صحن معكرونة بكرات اللحم المفروم المغطاة بالجبن فذكرته الرائحة كم هو جائع..
قصد المطبخ وأحضر صحنين وشوكتين وكأسين وعلبة عصير ثم جلس قبالتها وهي لاتزال تطالعه دون أن تقول شيء، ألقمها قليلا من الطعام فراحت تلوكه وهو يقول:
أعتذر جميلتي، لابد أنك شعرت بالقلق عليّ...

قالت بحنق:
قلق؟! لقد طويت الليل بأكمله وأنا أنتظر مكالمة منك ثم النهار بأكمله، ظننتك مت يا أحمق!

أمسك وجنتيها بلطف يداعبها بحنان إبن لأمه وقال:
لقد غرقت في النوم بسبب المسكنات لم أستفق سوى عصرا وانشغلت بأمر الفتاة التي أصبتها، وضعها مستقر لكن لاتتذكر شيء عن هويتها.

فقالت وهي تربت على جرح جبينه:
هل تألمت كثيرا صغيري؟

قبل يدها المنتفخة وقال:
القليل فقط، لكن هذا الدوار يزعجني.

قالت متفهمة:
هل ستزور الفتاة مجددا، أريد أن أرافقك أيضا؟

ألقمها مرة أخرى وقال:
لنذهب إذن! لكن بعد الانتهاء من صحن المعكرونة.

أخذا يتناولان طعامهما بنهم كعائلة، لطالما كان( مهران) يعتبر السيدة( ناتالي) أما له، تلك السيدة الودودة الممتلئة كثير والقصيرة كثيرا ثقيلة الخطى ذات شعر رمادي تعيش قبالته وحيدة تستأنس بوجوده وطبخها له وتناول الطعام معا فتشعر أنها غير منسية كما يشعر هو بالإنتماء وتتراخى حوله قيضة الغربة الخانقة.

الغرق في نوم ترف يمارسه مرتاح البال أما أولئك المعذبون لاترحمهم حتى أحلامهم كأن أقدارهم تقسم أغلظ الأيمان أن لا تهنئهم بلحظة راحة كأنها تنتقم.

الأحلام المزعجة التي كانت تراود هذه الفتاة التي لا تتذكر شيء كانت قاسية سوداء جعلتها تغرق في العرق ونوبة نشيج قد أتت الممرضة على إثرها لتوقظها انتفضت فزعة وهي تردد:
- كابوس، سيء!

فناولتها الممرضة بعض الماء حتى تهدأ نفسها وقتذاك دخل عليهما (مهران) وسيدته الودودة( ناتالي) التي اقتربت من الفتاة وقد تناولت منديلا وراحت تمسح دموعها والعرق من وجهها بينما تردد الفتاة:.

- الله يسامحك على اللي عملته فيا أنا حتى مش فاكرة إسمي إيه؟اووف هو أنا نمت كتير ولا إنت اللي إتأخرت، ماهو إنت سليم تدور زي ماتحب وسايبني هنا لوحدي، طب قول كدا بصراحة ماطلعش انا مراتك ودي حماتي وانتوا عملتو فيا كدا عشان يخلالكم الجو بعيد عني؟ هاااا قول قول!

قال بإبتسامة:
لأ بس لو عايزة ممكن جدا خير البر عاجله أجيب محامي، ها إيه رأيك؟ قولي، قولي!

(ناتالي) لم تكن تفهم كلامهما لكنها رأت التناغم بينهما فقالت ل(مهران):
مِيران! أحببتها، يمكنك المضي قدما أيها الوسيم.

قال:
اهدأي ناتالي، الفتاة منفعلة لأنها لاتذكر شيء عنها، حتى إسمها.

جلست( ناتالي )على الكرسي بقرب الفتاة ووضعت زهرة على شعرها وقالت:
الإسم ليس مشكلة لنصنع لها واحد.

فنظرتا إليه تنتظران ماسيقوله بحماس بينا بدا عليه التفكير الجدّي:
أممم، ما رأيكما ب(شذا )؟

اشهرت الفتاة بأصبعها وقالت بانفعال:
هو شذا، أنا حساه قريب مني، شذا!
مرحبا ميران أنا شذا
مرحبا ناتالي أنا شذا
أرايتما هكذا أصبحت أشعر أنني شخص ما.

كان (شذا )تتحدث بسرعة مما يجعل تعبيرات وجهها مضحكة وكان (مهران) لأول مرة يلاحظ الجمال في فتاة ما، لقد راقت له شذا الورد كما لقبها بخفة روحها ولطافتها وعفويتها رغم الالم الذي يغرق عينيها السوداوتيٌن حتى أغلقتهما لتنام أخيرا فانسحبت (ناتالي) و(مهران) لتركها ترتاح قليلا..

مرّ أسبوع كامل ولازالت( شذا) في المشفى لم يسأل عنها أحد وهي لم تتذكر أحد و(مهران) لم يخبرها حقيقة ماحدث لها بعدما استشارة طبيبتها النفسية التي أخبرته أنها تعرضت لصدمة مما جعل ذاكرتها تختفي مؤقتا و معرفتها بما حدث ربما تؤثر على صحتها فكان يقسم يومه بين دراسته الصباحية فيتركهما مع (ناتالي) ليزاول عمله بعد الظهيرة ويعود لزيارتها مساء حتى يحين موعد نومها فيرحلان عنها.

لقد تكونت بينهما صداقة قوية ورابط يمكن أن يتعدى الصداقة بمراحل فكانا يشعران بالإنتماء إلى بعضهم.

كانت تلح (شذا )على ضرورة معرفة عائلتها فوضع( مهران) صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يجدها من يعرفها فوجدت الفكرة جيدة فكانت تنتظر بحماس معرفة هويتها المجهولة.

بدأت تستعيد عافيتها واقترب موعد خروجها فاقترحت عليها (ناتالي )أن تعيش برفقتها فرحبت كثير بالإقتراح لأنها حقا كانت تحبها، فعادت( ناتالي )ونظفت غرفة من أجلها بينما قام (مهران) بتأثيثها وشراء كل مايلزمها من ثياب وغيرها امسكته (ناتالي) من معصمه وأجلسته أمامها وقالت:
أرى أن شعلة الحب بدأت تتقد بقلبك ميران، أليس كذلك؟

ابتسم (مهران) وقد ظهر عليه الحرج فأردفت:
شذا فتاة جميلة ورائعة تناسبك تماما، لكنك تناسيت أمرا صغيري، أنت لا تعرفها، ربما تكون مرتبطة أو تعاني من شيء ما، لقد حاولت الإنتحار يومها، لمَ ياترى؟ ما أحاول قوله ميران لاتتعلق بها جدا سيأتي يوم وتتذكر وربما تكون مرتبطة أنت لن ترضى لها ان تكون خائنة ضميرك لن يسمح لك أنا أعرفك جيّدا.

ماقالته (ناتالي) وقع على قلب( مهران) كصاعقة لكنه تماسك فقد كان يعلم أنها على حق فقال:
معك حق حلوتي، سأعمل على جعل مسافة بيننا حتى لا يتأذى كلانا.

قبلته بين عينيّه وهي تتمنى له أن يقابل توأم روحه في أقرب وقت.

استقام واستعجلها من أجل الذهاب إلى المشفى فلابد أن( شذا) تنتظرهما متذمرة من تاخر زيارتهما بسبب التجهيز لاستقبالها.
قصدا المشفى وتوجها إلى غرفتها فلم يجداها هناك فتوجها نحو قاعة الممرضات من أجل السؤال عنها فوجدا ممرضتها فسألها (مهران )قائلا:
لقد بحثت عن شذا في غرفتها ولم أجدها، أتعلمين أين هي؟

فقالت الممرضة بأسف وهي تخرج ورقة مطوية من جيبها:
لقد إنتابها كابوس البارحة، في الواقع تلك الكوابيس لم تكن سوى ومضة من ذاكرتها فانتابتها نوبة عصبية شديدة بعد أن تذكرت كل شيء، لقد اضطررنا لحقنها من أجل أن تهدأ بعد أن حاولت الإنتحار..

حاولت الإنتحار؟!

قالها (مهران) مذعورا وقد تجمد الدم بعروقه فاردفت:
نعم حاولت القفز من الشرفة، لقد أتى لزيارتها أحد أقربائها لكنها خرجت عن طورها وبدأت في الصراخ عليه وركضت نحو الشرفة لو لم يمسكها بآخر لحظة لكان هوت على الارض لتصبح قطعا متناثرة معاذ الله.

جلس( مهران )بحسرة على الكرسي وفتح تلك الورقة ليجدها رسالة منها بينما كانت الممرضة تشرح للسيدة (ناتالي) كيف اختفت( شذا) بعدما تنكرت بلباس الممرضات.

(مهران، أنا آسفة!افتكرت كل حاجة وافتكرت كمان إن مالكش ذنب في اللى حصلي بل بالعكس إنت أنقذتني واديتني فرصة تانية أعيش من تاني، انا عايزة أقولك حاجة يمكن ماينفعش أقولهالك وأنا بمشي لكن أنا لازم أقولها أنا حبيتك جدا لإنك شخص تتحب بجد، ياريتني قابلتك من زمان يمكن ماكنتش هبقى البنت المشوهة اللي أنا عليها دلوقتي.

بشكرك على كل حاجة عملتها علشاني ووصل شكري لناتالي كمان، حبيتها كأني أعرفها من مليون سنة.

لو خيروني بين إني أفتكر أو أفضل فاقدة الذاكرة كنت اخترت إني أبقى معاكم مش عارفة عني حاجة وأكوّن ذاكرة جديدة مافيهاش غير حب وخير وطيبة و إنتوا، بس قدري كدا وبما إنك منحتني فرصة جديدة للحياة هحاول أصلح حياتي وأعيش لنفسي مع إنه صعب بس هحاول إكراما ليكم انت وناتالي، أنا هسافر بلد تانية بعيد عن كل الناس اللي أذوني ماتخفش عليا..
كون بخير لإنك تستاهل الخير كله.

شذا ومش هكون غير شذا - بحبك -
سامحني. ).

كانت( ناتالي) تضع يدها على كتف (مهران )الذي بدا عليه الألم وهو يقرأ تلك الرسالة وما إن طواها حتى رفعته من ذراعه وجعلته يقف على قدميه وتوجها إلى الخارج وهي تسند رأسها على جانبه بينما تلف يدها حوله تعانقه أما هو فكانت بداخله نيران ملتهبة تلظي قلبه.
تاااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:00 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

تغيرت ذاتي كثيرا...
هناك فراغ بقلبى رغم الإزدحام...
أفقدنى عشقها الرغبة فى أي شيئ سواها...
وجعلنى غيابها أعيش جرحا لايكف عن النزيف...
لا أريد النسيان رغم حتميته ووجعه الذى لا ينفك ينخر فى عظامى...
فقد إشتقت إليها حد الجنون...
وأرهقنى الغياب...
فتت قلبى إلى أشلاء...
مؤلم حقا الوداع فى الحب...
والأكثر ألما، هو حب بلا وداع.

ربتة رقيقة على يده جعلته يعود من شروده الدائم فى الفترة الأخيرة، تعلقت عيناه بصاحبة تلك اللمسة الحانية..
إنها(ناتالى)، ومن سواها قد يشعر بما يعانيه، تذكره كثيرا بوالدته الحاجة(ثريا)، رغم إختلافهم فى كل شيئ إلا أن كليهما يسبران أغواره ويمنحانه الحب والعطف كما لم يمنحه أحد قط.
إبتسم لها بحنان فبادلته إبتسامته بأخرى باهتة، عقد حاجبيه وهو يقول:
-ماذا بك ياجميلة؟
طالعته للحظات قبل ان تتنهد قائلة:.

-سأفتقدك عزيزي، هذا كل شيئ.
ربت بدوره على يدها قائلا:
-سأفتقدك بدورى ولكننا سنتواصل دائما، أليس كذلك؟
طالعته قائلة:
-بالتأكيد، ولكننى ساظل أفتقدك رغم كل شيئ، سأفتقد تجوالنا سويا وفنجال القهوة الذى نشربه معا كل يوم، وحديثنا، سأفتقد بالتأكيد حديثنا حول كل شيئ ولا شيئ، تعلم أننى وحيدة، لا أصدقاء لى ولا أقارب ولا أبناء، وقد وجدت فيك كل هؤلاء، سيخلف غيابك فى قلبى فراغ لا قبل لى به.

تذكر هذا الفراغ الذى أخلفه غياب(شذا)فى قلبه فإنتفض جسده رافضا، وقال على الفور:
-إذا تعالى معى، ستعجبك بلدتنا كثيرا، لدينا هناك فندقا سياحيا من الدرجة الأولى، سيروق لك العيش به بكل تأكيد.
إبتسمت قائلة:
-لا أستطيع ان أترك روما، إنها العشق يافتى، جنباتها تحمل ذكريات جمعتنى بكل من حملت لهم يوما حبا فى قلبى.
ظهر الإحباط على وجه(مهران)لتستطرد (ناتالى)قائلة بإبتسامة:.

-ولكنى قد آتى إلى بلدتك يوما ما، فقط إن إشتقت إليك.
نهض (مهران)وهو يغمز لها قائلا:
-إذا سأنتظرك منذ الغد، فأنا حبيبتى يشتاقون إلي ماإن اغيب عن ناظريهم.
ضحكت(ناتالى)وهي تنهض بدورها قائلة:
-مغرور.
قال(مهران)وهو يضم ياقة معطفه قائلا:
-هل تسمح ملكتى لهذا المغرور بأن يأخذها فى آخر جولة له بروما؟لناخذ الصور والتذكارات فيحملها كلانا دائما امامه، وفى قلبه.

إبتسمت بحب فمد يده ياخذ بيدها ويركضان سويا بجنون، تحت المطر.

الظلام يحيطها، يرسل الرعب فى أوصالها، يجعلها متعثرة الخطى ولكنها تكمل الطريق، فلابد وأن تنال مأربها حتى وإن عانت من اجل ذلك...

المكان حقا موحش وسكونه يبعثر الطمأنينة ويبث الخوف فى النفوس، خشخشة أوراق الشجر تحت قدميها إقشعر له بدنها، حتى لاح لها هذا المنزل أخيرا، إنه المنزل المنشود، صغير قديم تكسوه النباتات، إحدى نوافذه محطمة، توقفت أمام الباب وطرقته، وجدته مفتوحا فدلفت وهي تبتلع ريقها بصعوبة، تأملت تلك الردهة التى لم تحتوى على شيئ سوى أريكة متهالكة، طال نظرها إلى تلك الحجرة المنشودة، فتقدمت بإتجاهها، توقفت فجأة وهي تشعر بان هناك من يراقبها، إستدارت تنظر خلفها، لتشهق قائلة:.

-واه، راجى، خلعتنى ياشيخ.
تأملها (راجى)ببرود قائلا:
-لا مؤاخذة ياست زبيدة، حوصل خير، إنما جاية النوبة دى من غير ميعاد، ليه إكده؟فيه حاجة؟!
قالت(زبيدة)وهي تتلفت يمنة ويسارا:
-عاوزة الست عوالى فى موضوع مهم ياراجى.
قال(راجى):
-مش هينفع ياست زبيدة، عندها ميعاد مع واحدة تانية بعد هبابة.
نظرت إليه (زبيدة) قائلة بلهفة:
-لع، احب على يدك ياراجى، لازم أجابلها وأجولها على حاجة مهمة متستناش للصبح.

تأملها( راجى) للحظات، قبل ان يقول:
-هجولها وهي تشوف الصالح، إستنى إهنه ومتتحركيش.
أومات برأسها على الفور، بينما إتجه (راجى)للحجرة الوحيدة بهذا المنزل الصغير، يغيب بداخلها للحظات قضمت فيها بعض أظافرها قبل ان يخرج ويشير لها بالدخول، فأسرعت تدلف إلى الداخل وهي تنظر إليه بإمتنان، وماإن أغلق الباب خلفها حتى بصق قائلا:
-ولية سو، ربنا يتوب علينا منيكم يانسوان كفر هوارة.

ثم إتجه إلى الخارج بخطوات سريعة تحمل غضبا.

دلفت (زبيدة)إلى الحجرة بخطوات متعثرة، لا ترى شيئا من هذا الدخان المعبق برائحة البخور والذى إنتشر بالحجرة، إقتربت بوجل من تلك السيدة ذات الشعر الأبيض والعيون التى تكحلت بشدة فأصبحت نظراتها حادة مخيفة تسلطها عليها دون رحمة، جلست (زبيدة)أمامها فبادرتها تلك السيدة على الفور قائلة:
-جاية لية يازبيدة فى الوجت ده ومن غير ميعاد كمانى؟كنك مش خابرة إنى مبجابلش حدا من غير ميعاد.

إبتلعت(زبيدة)ريقها بصعوبة قائلة:
-غصب عنى ياستنا، مكنش ينفع أستنى اكتر من إكده، اللى عاوزاكى فيه مينفعش نأجلوه للصبح.
طالعتها (عوالى)بنظرة متفحصة وهي تقول:
-وهي إيه الحاجة المهمة اللى متستناش للصبح عاد ياولية، أنى مش وجفتلك حال بنات اخوكى ولحد دلوكيت مفيش عريس بيهوب يمتهم.
قالت(زبيدة) على الفور:.

-تشكرى ياستنا، جميلك ده على عينى وعلى راسى طول العمر، وجفتى حال راوية وزهرة بنات ثريا، زي ماحال بتى نوار واجف ياحبة عينى بسببهم، دلوكيت مفيش حدا احسن من حدا، وخليهم جاعدينلها كيف البيت الوجف لحد ماتصرخ وتجول بووه، أنى محجوجالك يازبيدة وحجك برجبتي، اومال مش هي...
قاطعتها (عوالى)قائلة بنفاذ صبر:
-جصرى ياولية، انى مش فاضيالك عاد، جولى عايزة إيه وخلصينى.
إبتلعت(زبيدة)ريقها قائلة:
-مهران ولد أخوي.

عقدت(عوالى)حاجبيها قائلة:
-ماله؟!
قالت (زبيدة):
-راجع بكرة من بلاد برة.
قالت (عوالى) بغضب:
-طب وانا صالحى إيه بيه عاد؟تكونيش عاوزانى أجف أتحزم وأرجصله.
قالت (زبيدة)على الفور:
-لع، حاشا لله، انى، انى يعنى كنت عايزة...
قالت(عوالى)بحنق:
-عاوزة إيه يامرة؟ماتنطجى، ضيجتى خلجى.
قالت(زبيدة)على الفور:
-عاوزاكى تعمليله عمل يحب بتى ويطلبها للجواز، أهه، جلت اللى عندى.

تراجعت(عوالى)فى مقعدها، يظهر على وجهها ملامح التفكير، طال شرودها فقالت (زبيدة):
-جلتى إيه ياستنا؟
إعتدلت (عوالى)قائلة:
-الموضوع ده مش سهل وهيكلفك كاتير يازبيدة.
قالت (زبيدة)بلهفة:
-اللى تطلبيه هتاخديه كلاته، ولو هبيع صيغتي كلها بس أنول اللى نفسى فيه طول عمرى.
طالعتها (عوالى)بعيون حادة كالصقر قائلة:
-وإيه اللى نفسك فيه يازبيدة؟تجوزى ابن اخوكى من بتك ولا تكوشى ع فلوس أخوكى وأرضه اللى كتبها للمحروس ولده؟

قالت(زبيدة)بإرتباك:
-فلوس إيه عاد؟وهو أنا محتاجة لا سمح الله.
ضحكت (عوالى)بسخرية قائلة:
-لع، بس الطمع فى دمك يابت مجاهد الهوارى.
نهضت (زبيدة)قائلة بحنق:
-أنى مش طماعة، ده حجى، حجى اللى أخويا واكله فى عبه طول عمره ومرضاش يجسمه بحج ربنا، بعد ماأبويا الله يرحمه ماأستأمنه عليه.
مال فم (عوالى)بغضب قائلة:.

-حجك هيرجعلك ياولية، بس يمين بالله إن إتكلمتى فى حضرتى بالطريجة دى تانى لأخليكى تمشى تتلافتى وراكى من الخوف يابت آمنة.
قالت(زبيدة)على الفور بوجل:
-لع، أحب على يدك ياستنا، أنى آسفة والله مااجصد ازعلك منى.
طرقات على الباب ثم دلوف (راجى)الذى طالعهما للحظة قبل أن يقول موجها حديثه لتلك الساحرة التى طالعته متسائلة:
-الست نفيسة جت وجاعدة برة مستنياكى ياستنا.
قالت (عوالى):.

-إمشى دلوكيت يازبيدة ومصلحتك مجضية بعون الله.
أسرعت (زبيدة)بلف طرحتها على وجهها تخفى ملامحها وهي تغادر بسرعة، بينما إقترب (راجى)من (عوالى)قائلا:
-كانت عاوزة إيه عجربة عيلة الهوارية دى؟
إبتسمت (عوالى)قائلة:
-اللى عاوزاه واعر جوى، بس بعون الله عوالى كدها وكدود، تعرف ياواد ياراجى لو اللى فى دماغى حوصل يبجى طاجة الجدر إتفتحتلك ياعوالى.
عقد (راجى )حاجبيه قائلا:
-طب وانا يااما، مليش فى الطيب نصيب عاد.

قالت (عوالى):
-واه، لك ياولدى اومااال، وانا وانت إيه مش واحد ياإبن عوالى.
لتطلق ضحكة عالية شاركها فيها ولدها وقد نسيا تماما تلك المرأة التى تنتظر (عوالى)بالخارج.

الغائب سيعود...
هذا السر إذا...
السماء تزينت اليوم على غير العادة...
والمنزل ازداد بهجة وضياءا...
الدقائق والساعات صارت ذات أهمية...
والجو تملؤه الضحكات...
فقد آن الأوان لوحيدهم ان يعود إلى قلوب إفتقدته..
و أحضان تتوق لضمه...
الغائب سيعود...
ومع عودته ستعود الحياة لكل قاطنى منزل عائلة الهوارة...
مع عودته سترتج الجدران، بحرارة اللقاء.
نادى (عسران)غفيره قائلا:
-عواد، انت ياغفير الندامة.

أسرع رجل يحمل بندقية على ظهره إلى الداخل قائلا بسرعة:
-اوامرك ياعمدة.
دق (عسران)بعصاه الارض قائلا:
-حضرت الدبايح ياعواد عشان نراضى الخلج.
قال (عواد):
-حوصل ياحضرة العمدة.
قال(عسران):
-وبعت كامل السواج بالترومبيل يجيب سيدك البيه ياعواد.
قال(عواد):
-من بدرى ياحضرة العمدة.
جاءت (ثريا)من خلف (عسران)تقول ل(عواد):
-إدبح خمس عجول كمان من بتوعى ياعواد.
أطرق(عواد)راسه بإحترام قائلا:
-انتى تؤمرى ياست الحاجة.

رمقها (عسران)بنظرة زاجرة قبل ان يقول ل(عواد):
-روح نفذ اوامر الحاجة ياولد، ومتعوجش عشان عاوزك، ومتنساش تعمل حساب عويلاتك.
قال (عواد):
-خيرك سابج ياعمدة، ربنا يخليلك مهران بيه ويباركلك فيه.
ثم غادر، لتقترب (ثريا)من (عسران)قائلة:
-مالك ياعمدة بتبحلجلى إكده ليه؟
قال(عسران) بحنق:
-احمدى ربنا انها جات ع البحلجة وبس ياأم مهران، خمس عجول ياولية، ماانا لسة دابح عشرة، ليه بس الافترا ده؟
ربتت(ثريا)على كتفه قائلة:.

-اهدى ياحاج بس ومتتزرزرش، وهو إحنا فى داك اليوم اللى ابننا الوحيد يرجع فيه من الغربة ويجعد وسطينا، ده يوم المنى ولا إيه ياحاج.
طالعها (عسران)بملامح جامدة لم تلبث ان لانت وهو يقول:
-ربنا يباركلنا فى مهران ياأم مهران.
زينت البسمة ثغرها، لتنتفض على صوت (زبيدة)وهي تقول بنبرة ظهرت بها مشاعر الغيرة رغما عنها:
-هو انا جيت فى وجت غير مناسب ولا إيه ياعمدة؟
طالعها (عسران)قائلا بحنان:.

-تنورى بيت اخوكى فى اي وجت يازبيدة.
طالعت (زبيدة)(ثريا )الصامتة قائلة:
-منور بأصحابه يااخوي، كيفك يامرت اخوي، متزينة ومنورة وكننا فى العيد؟
إبتسمت (ثريا)ببرود قائلة:
-باه، مش ابنى وكبير عيلة الهوارية هيعاود النهاردة، ميبجاش عيد أومال؟
قالت(زبيدة):
-يوصل بالسلامة.
قال (عسران):
-الله يسلمك، أومال فين بتك يازبيدة؟
قالت (زبيدة):
-جاية ورايا، كنت عاوزاك فى موضوع ياحاج.
قال (عسران):
-دلوكيت؟!
قالت (زبيدة):.

-إيون، اصله موضوع مهم ومينفاعش يتأجل، بس ياريت نكون لوحدينا.
قالت (ثريا)بإستنكار:
-اباه وانا غريبة إياك.
تجاهلها (عسران)وهو يتقدم بإتجاه المندرة قائلا:
-تعالى ورايا يااختى.
تبعته (زبيدة)وهي تطالع (ثريا)بعينين شامتتين، حتى إختفيا من امامها، لتقول (ثريا)بحنق:.

-جبر يلم العفش، أنى عارفة إنتى نفسك فى إيه وبتحومى حواليه، بس هانت يازبيدة وولدى هيرجع لحضنى، وهجوزه ست البنات، صحيح بتك نوار مش شبهك بس كفاية إنك تبجى امها عشان مجربش منيها واصل، اللى بتحلمى بيه مش ممكن هيتحجج أبدا طول ماانى عايشة، وانى وانتى والزمن طويل يازبيدة يابنت آمنة.

كانت تطالع صورتها الجديدة بالمرآة بعد أن اطاعت والدتها ووضعت بعض الزينة على وجهها، مدت يدها تجدل ضفائرها البنية، وهي تغنى قائلة:
-ياحنة ياحنة ياجطر الندى ياشباك حبيبى ياعينى جلاب الهوا، لو يطلب منى العين راح أقوله خد الاتنين وتحنى فرحتنا سوا، وافرش له ضفايرى على شط الهوى.
شعرت ببعض السعادة تنتابها لتدور وهي تغنى قائلة:
-خدناها من ع الفرشى، صبوا لأبوها يغسل ايديه..
خدناها وضحكنا عليها..

خدناها خدناها..
بالسيف الماضى وابوها مكنش راضى..
وعشانها بعنا الأراضى..
الحلوة اللى كسبناها...
خدناها بالملايين وأهلها مكنوش راضيين..
وعشانها بعنا الفدادين...
الحلوة اللى كسبناها...
لتقف فى مكانها فجأة وقد احتل ملامحها بعض الحزن قائلة:
-ياترى ياأبا لو كنت عايش، كنت هترضى تجاوزنى إبن خالى ولا كنت هترفض وتجول مجوزهاش غير اللى يبوس التراب اللى بتمشى عليه بتى؟
ضربت على رأسها بخفة قائلة بحنق:.

-باه يانوار، تجوليش إبن خالك خلاص رايدك وطلبك للجواز، ده انتى مشفتيهوش ولا شافك من خمس سنين ياهابلة غير سويعات جليلة، وبتبجوا انتوا التنين وشكوا فى الأرض من الكسوف، أجولك على حاجة، متديش ودانك لامك وفوجى، إيه اللى هيخلى واحد متعلم ومعاه شهادة كبيرة زي ولد خالك يبصلك، عيبصلك على إيه إياك؟لا إنتى احلى البنتة ولا حتى بتعرفى تفكى الخط حتى، جومى طسى وشك بشوية مية وشيلى الهباب اللى عليه ده، ويلا شهلى هبابة عشان تروحى بيت خالك، امك جايلالك متعوجيش، واللى رايده ربك هو اللى هيكون يابت زبيدة.

توجهت (نوار)إلى الحمام تزيل آثار الماكياج من على وجهها لتعود ملامحها إلى طبيعتها النقية، ولكنها تدرك انها لن تستطيع ان تفعل ذلك بروحها التى تحاول والدتها طمسها بكل ماأوتيت من قوة.


look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:01 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

ومرة أخرى لا يخلو قلب مرء من الألم، في غمار بهجته هناك جانب - مستيقظ دائما لسبب ما نجهله - سريّ يفتح ذراعيّه للدموع التي تطفيء اشراقة تلك الإبتسامة فنجده من الصعب المضي قدما متجاهلين حزمة الذكريات المرهقة المنجبرة أن تبقى حبيسة الأضلع التي لولا متانتها لانتصب الحزن على الجسد.

فجرا وقد اشتدّ المطر كما اشتدت الأيادي على معاطف أصحابها، كانت (ناتالي) في المرآب تركن سيارتها وقد اكتسحتها حمرة تشبه حمرة المرض التي التمعت تحت عرق الحمى و( مهران) يجلس بقربها محاولا البث بقلبها المنتفض سكينة لتجابه غيابه النهائي عنها، مهما قال مواسيا ومهما سيقول لن يزيل عنها غمامة الحزن التي حطت بإصرار على قلبها، انها تودع ابنا للمرة الرابعة، سيرحل وربما يتذكرها بعد أشهر بمكالمة هاتفية أو بالكريسماس بهدية بسيطة تحمل واجبه باتجاهها الذي يجبر عليه ثم تدريجيا يختفي كسائر الأشياء..

قال (مهران) وهو يفك حزام الأمان ليرتجل من السيارة كما فعلت هي:
أنت تجبرينني لأتذكر وجهك الباكي لمدة بقائي هناك إلى أن ألاقيكي ياحلوتي، أعدك أن أعود لتفقدك في أقرب وقت و...
قاطعته قائلة:.

لا أريد وعودا أيها الوسيم، عليك الرحيل ولست مضطرا للعودة، لقد عادت إلى ذاكرتي الأيام التي كنت أودع فيها أبناء مثلك، يقفون وقفتك ويعدون ألف وعد يتبخر ما أن تطأ أقدامهم بيتا غير صدري، كن بخير صغيري وتذكرني وأنت تبتسم، سأصلي من أجلك دائما.
نزلت دموع (مهران )واحتبست الكلمات بحنجرته فاكتفى بعناقها بصمت للحظات ثم أزاحته بهدوء وقد أمسكت يده وتوجها إلى داخل المطار ثم أردفت:.

مرت أيام وقد غطى فيها الثلج كل شيء وها قد أتى موعد رحيلك فأمطرت بغزارة كأن روما بعظمتها تبكي رحيلك.
فقال مداعبا اياها:
-إذن سأتذكركما باكيتين هكذا، كأنه عقاب لي!
كان عقابا أن يتجرع مرارة الفراق لعدة مرات بعد أن فارق والديه طواعيّة، كل الفراقات هيّنة إلا فراق( شذا)، ترك ندبة على قلبه كالتي على طرف جبينه كلما تحسسها تذكرها.

أقلعت الطائرة فودعته روما باكية وودعها بترك جزء من قلبه المنفطر فيها إكراما لسنوات إحتضانها له.

سويعات قليلة قد اتضح فيها النهار الشتوي الكئيب كانت قد حطت فيها طائرة (مهران )الذي لأول مرة شعر بشيء يشبه عدم الانتماء ليس للبلدة فحسب بل لجميع من حوله، لفه الصمت طوال الطريق بينما العم (كامل) سائق والده يثرثر بالاحتفال الكبير الذي يقيمونه على شرف عودته إلى وطنه فكان يكتفي بابتسامة باهتة لاتصل إلى عينيه.

وصل الوريث إلى قصره وارتجت الأجواء بقرع الطبول ونفخ المزامير فتبادر في ذهنه ناقص أبو تنورة ويبقى مولد الحاج عسران ورغما عنه ابتسم وهو يرى لهفة والده الذي يقترب منه بذراعين مفتوحين فضمه إليه بشوق كبير ثم أمسك وجهه بين كفيه كأنه يحاول اكتشاف ماقد نحتته بلاد الغربة بداخله وقال:
نورت بلدك ياولدي، الحمد لله اللي رجعك لينا بالسلامة، مافيش سفر تاني إنت واعدتني!
قبّل (مهران) يد والده وقال مطمئنا له:.

متجلجش يابوي معبعدشي من حديك واصل.
وبينما راح والده يدعوا له برضوان الله اقتربت والدته ومن ورائها أختيه هرولة ليسبقها ويقبل يديها ورأسها وهو يشدد من إحتضانها وهي تردد باكية:
-واخيرا عاودت ياولدي لحضني، حمد الله على السلام ياكبدي.
فتح (مهران) ذراعيه لاختيّه( راوية وزهرة )يحتضنهما بشوق كما تفعلان.

سحبوه إلى الداخل وسيل من الأسئلة يندفع حوله لم يوقفه سوى ظهور عمته (زبيدة )التي ابدت لهفة مصطنعة له غير انه قابلها بذات الود الذي قابل به عائلته فالتفتت إلى (ثريا) وقالت:
اهو ولدك عاود يمك ياثريا لاه وبجى حاجة كبيرة، مفخرة البلد كوليتها، عوجبال ماتفرحي بيه ياخيتيّ.
فردت عليها( ثريا )بتعال:.

وأنا فى ديك الساعة لما انجي لولدي العروسة اللي يشرفو أصلها وفصلها ونسبها وتبجى ست بنات البلد تؤمر، الغالي يرخص لها، عتفرحيلو مش اكده مانتي عامتو وخابرة انك مستنية اليوم دا كومان.
وضعت كل من( راوية وزهرة )يديهما على فمهما تكتمان الضحكات وقد لمستا في كلام كل من والدتهما وعمتها سبا وقذفا بطريقة راقيّة نوعا ما.

أما (مهران )فقد تأبط ذراع كل منهما وسار نحو السفرة الكبيرة التي قد وضعت عليها والدته فطورا شهيا لاتراه يليق سوى ببطن وحيدها وكان يقول لهما:
ممكن نفرح بحاجات تانية كاتير غير الجواز زي الوكل دا اللي يفتح النفس.
سحب كرسيا لوالدته فجلست على يمينه ثم لعمته فجلست على يساره فشرعت كل واحدة تصف في طبقه الأكل بلا توقف فاردف:
اكفاية اكده محدش هياكل غيري ولا اييه؟
قالت(ثريا):.

كل ياولدي تلاجي وكل امك وحشك، انت كل مرة تعاود خاسس كنك مابتكلش واصل، هي الحجة متولي مابتوكلكش؟
قال( مهران) وهو يضحك ملأ قلبه:
متولي مين ياأماي دي اسمها ناتالي نا، تا، لي!
دست قطعة كبيرة من الفطير فى فمه كأنها تمنعه من الضحك عليها أمام عمته التي همست جاهلة وقالت:
متولي متولي اجعد انا إياك ابرطم في اسمها الغريب مليش صالح بيها، كل ورم عضمك ياحبة جلبي.

أما (مهران )فكان يلوك مابفمه بصعوبة بينما اختاه تطالعانه بشفقة، جلس والده على رأس السفرة وقال:
انت عاودت جبل وجتك ياولدي، مش جلت تخرجك هيبجى فى شهر سبعة؟ إنت بخير ياسندي!
بلع لقمته برشفة ماء من الكأس التي ناولته إياه أخته (راوية )وقد حاول أن يكون كلامه مقنعا حين قال:.

بخير يابوي الحمد لله، أنا جدمت ملف تفاصيل مشروع تخرجي واتفجت أنا والدكتور هتواصل معاه بالنت وأرجع روما بداية شهر سبعة عشان تخرجي، يعني جعدتي اهناك مكنش ليها عازة فجلت أعاود، ولا شكلكم إتعودتوا على فرجتي واستغربتوني وسطيكم!
فقال الأب بود:
ياولدي من فرحتي بيك مش سيعاني لا أرض ولا سما، أنا كنت بعد سنين غيابك يوم بيوم واستنى ترجعلي وتجف في ظهري والحمد لله عاودت ودي فرحة عيد بجلوبنا كولاتنا.

فقال (مهران )وقد دمعت عيناه:
ياجماعة مصرين تبكوني ليه؟
واستقام يقبل يد والده ويدعوا له بطول العمر وقتذاك دخلت( نوار) تحمل بيدها صحن كبير فتهللت أسارير (زبيدة )وابنتها تلقي التحية عليهم فقابل( مهران) تحيتها بلطف وسألها عن أحوالها كما فعل مع أختيه، وضعت( نوار )الصحن بين يديه وقالت:
عملت ليك بسبوسة ياسي مهران، يارب تبجى أيامك كلاتها حلوة زي رجعتك.
هم( مهران )ليقول شيء فقاطعته والدته قائلة:.

ماكنش له عازة تغلبي روحك يانوار خير ربنا كاتير تسلمي يابتي، اجعدي حدا خواتك اهناك افطري معانا.
جلست (نوار) بجانب( راوية وزهرة) بينما قالت( زبيدة):
لا تعب ولا حاجة بتي نوار شايلة كل شغل البيت عني ولا عمرها اشتكت ونضيفة جوى وأكلاتها ماتتشبعش منيها، لمن سمعت برجعت مهران كانت هتعمل كل الوكل اللي يحبه بس أنا جلتلها هيحب ياكل من يد امه لول فعملت حلا عشان تحلي أيامه.
فقال (مهران) بمجاملة:.

تسلم يدك يابت عمتي، أصيلة ربنا يبارك، هاكل منيها بس لما افوق، استأذنكم اطلع أنام ساعة تعبت من السفر ومش شايف جدامي واصل، بس خليكم متجمعين عايز لما اصحى ألاجيكم عشان جبتلكم هدايا على الله تعجبكم.
غادرهم وأمه تنظر في طيفه وتردد:
- رجعتك أجمل هدية ياولدي.

لاول مرة كان يشعر( مهران) أنه افلت منه شيء، إنه تائه ويشعر بغربة من نوع ما، أحاديث عائلته الطيبة التي كانت تطرب قلبه لم تعد كذلك، أيعقل ان يكون غياب( شذا )من فعل به ذلك؟ حتما هو، فقد شعر بانقباض قلبه حين تحدثت والدته عن الزواج إنه يعلم جيدا أن رجعته لن تكون بهذه البساطة ستعمل والدته على تزويجه مهما كلفها الأمر.

رجعة( مهران )أصبحت حديث البلدة بأكملها، فقد أقام العمدة بساحة البلدة وليمة كبيرة حضر فيها الجميع، بالرغم من أن الحاج (عسران) كان رجلا طيبا محافظا يحبه أهل بلدته غير أن هناك أعين حاقدة ونفوس غار عليها الكره تراقبه باستمرار..

عاد (راجى) إلى بيته الطوبي الذي يقع أطراف البلدة ودخل على والدته الغارقة في سحابة من بخور ورائحة كريهة من العقاقير تزكم الأنوف، عجب كيف تتحملها، كان كلما دخل عليها وضع شاله على أنفه ويناديها حتى تخرج إليه، واصل مناداتها وهو يسعل لكنها كانت مستغرقة فيما تفعل، ناداها عدة مرات لكنها لم تستجب له فخرج ينتظرها وهو يحوم حول نفسه وهو يردد:
- كنه محدش اتعالم غير ولدك في الدنيا دي ياعسران.

مرّت قرابة الساعة أو أكثر على ظهور (عوالي) من غرفتها كان يبدو عليها الإرهاق جلست وهي تجفف العرق من وجهها وقالت:
مش جيلالك ميت مرة يابهيم انت معتهوبش ناحيتي لما يحضروني، رايد هبل أكثر من اللي راكبك اياك!
قال بملل:
واه راح من بالي، مهران الهواري رجع وأبوه دابح نص بهايمه ومفرجها على البلد كلياتها وماشي فشخرة بين الخلج كنه الريس ذات روحه.
ضحكت( عوالي) على غضب ابنها وقالت:.

اباه، انت مالك بيه ياحزين مايتفشخر؟
استقام بغضب وهدر:
مهران زين وانا لاه؟ احنا بعمر بعض هو يعاود الباشا مهران وأنا اهنا خدام لعفريتك ومضحكة لاهل البلد، ليه ياأماي؟ليه هو اتعلم وانا لاه.
دفعته (عوالي) بيدها ليجلس مجددا ووضعت يديها على خصرها وقالت بحدة:.

هو ولد الباشا من يوم يومه وانت ولد الشيخة عوالي اللي الناس بتعمل لرضاها ألف حساب، هو اتعلم بس انت مجتدر، يبجى مين أحسن، معتخرفش ع الصبح جتتي مش مستاحملة، واطمن مش عيكون لا فشخرة ابوه ولا حاجة أمك عتعدله، جوم خلص موضوع الحرمة عتكون مستعوجاك، وعاود بسرعة عبعتك في جضية.
استقام متذمرا وخرج يتمتم:
-الحريم دي هدت حيل ابوي.
بينما (عوالي )تضحك من غيرته، ثم ضربت على صدرها ولسان حالها يقول:.

-بعد عن النار لعتحرجك إنت وابوك.
دقات خفيفة على الباب لتجدها (زبيدة) فتهلل وجهها ورحبت بها، جلست (زبيدة) بجانبها وقالت:
طمنيني يامبروكة عملتي ايه فى جضيتي عاد؟
اعتدلت (عوالي )في جلستها وقالت:
طلبات الاسياد واعرة، عتجضيها يخدموكي ماجدراشي يبجى حبي على يد خيّك يجوز بنتك ابنه.
انتفضت( زبيدة )من مكانها وقد تفت مرتين ثلاثة في ثوبها وقالت:
لاه، لاه طلباتهم مجابة على راسي الي عتعوزيه يحضرلك.

قالت(عوالى )بإستنكار:
وه وه، ماعيحضرليش أني، كله ليهم، مدد يا أسيادنا مدد.
وراحت تحرك رأسها وترفع يديها يمينا ويسارا و(زبيدة )ترتجف ذعرا وهي تردد:
-السماح يا اسيادنا السماح أنى جاهلة.
توقفت( عوالي) عما تفعله واردفت:
جبيلي حاجة لمستها يده وشعر من راس أمه و ريش طير مش مهم نوعه و و..
الأسياد طالبين دهب كتير، عندك دهب يابت الهوارة؟
بدأت (زبيدة )في نزع صيغتها ووضعها في حجر (عوالي) وهي تردد:.

-كله ليهم ما عايزاش حاجة.
قالت(عوالى):
وه وه دي جليلة ياحرمة!
قالت(زبيدة):
هجيبلك زييها لما أعاود، بس انتي ماتعوجيش فى قضيتي، أمه أم اربعة واربعين مش عترتاح غير لما تجوزه وتجهرني.
ابتسمت( عوالي )وهي تلملم الذهبات من حجرها وقالت:
ماشي، اجعدي مكانك هجيبلك حاجة من جوه!
اومات( زبيدة )برأسها بينما دخلت (عوالي) إلى وكرها كريه الرائحة ثم خرجت تحمل بعض الأشياء، جلست سيرتها الأولى وقالت:.

-خدي الحجاب دا، عتحفريله بعتبة باب جصر أخوكي بعد المغرب واسجيه بالمية ديا، و الرماد اللي فى يدك ده عتحطيه بمبخرة وتخلطيه ببخورك وبخري بيه بتك ريحتها مش عتعلج بمنخاره بس لاه عتعلج بدماغو كومان.
قبلت (زبيدة) يدها بفرحة غامرة وهي تشكرها وتتمنى لها طول العمر فاردفت (عوالي):
-متنسيش اللي جولتلك عليه ومهران عيبجى خدامك انتي وبتك.

لفت( زبيدة )خمارها على وجهها وخبأت أشيائها في حقيبتها ورجعت بيتها تتلفت يمنة ويسرة، من شدة لهفتها لم تنتظر إلى المغرب كما قالت لها (عوالي )بل استغلت انشغال الجميع ودسته أسفل نخلة عند عتبة المنزل وهي تحدث نفسها:
- ماعيفرجشي ليل من نهار، مهران عيجوز نوار يعني عيجوزها.

كان مايواسي (مهران )في هجران( شذا) له الأحلام التي تلتقي فيها روحيهما، لم يصدف له أن غط في نوم إلا ورآها - في الأحلام - كان يعاتبها على رحيلها فتسترضيه، يتحدثان طويلا كما اعتادا ويضحكان، يتجولان بأريحية كأنهما في عالم تواجد من أجلهما فقط، فيستيقظ (مهر)ان وقد أطفأ شوقه لها ليوم آخر.

كانت هناك أعلى الجسر الذي ألقت بنفسها منه لأول مرة، يدها تمتد إليه، كانت طافية في الهواء وهو يطالعها من الأعلى بقلب يرتجف يحاول إمساك يدها وماأن التقطها حتى هوى على الأرض بينما هي لاتزال طافية تطالعه بخيبة.

استفاق (مهران) وقد وقع من سريره على الأرض، كان جسده يرتجف وقد شعر بشيء يتسرب من روحه، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ودخل فتوضأ وصلى ركعتين شكرا لله وركعتين دعاء حاجة فتضرع ربه بكل مايعتري قلبه وجلس يسبح ويستغفر ويحوقل وختمها بالصلاة على الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
وجه نظره إلى الساعة فوجدها تقارب الظهيرة فردد بينه وبين نفسه:
-الحمد لله هلحج الضهر جماعة.

حمل حقيبة الهدايا ونزل بها إلى الأسفل فوجد والدته تتحرك بنشاط وقد سحبته إلى الغرفة الصغيرة وقد همست:
اطلع من الباب الوراني في جمعة نسوان اهناك، إيجم يهنوني برجعتك ياكبدي.
فقال وهو ينظر إلى حقيبته:
والهدايا ياأماي؟
فقالت وهي تسحبها من يده:
هملها دلوك، روح لأبوك كان سأل عنيك من شوية وبعد الصلاة يكونوا النسوان انفضوا ساعتها عنشوف الهدايا.

استجاب (مهران) لكلام والدته وخرج من الباب الخلفي لمنزلهم والتحق بوالده وأهل بلدته من أجل صلاة الظهر ومن بعدها توجهوا للغداء بين الناس الذي استقبلوا رجعته بفرحة كبيرة.

كان( عواد وكامل) قد أحضرا الغداء إلى القصر من أجل النسوة المجتمعين هناك أيضا بعدما تخطيا الباب انتابهما دوار خفيف تجاهلاه ظنا منهما أنه نتيجة تعبهم مع كل هذه التحضيرات، كانت زوجتاهما تعملان بالقصر أيضا زوجة (عواد )كانت العمة( نفيسة) التي ساعدت (ثريا )في تربية أطفالها واهتمت بكل شؤونها منذ بداية زواجها، والست (حورية )زوجة (كامل )التي أصبحت فردا منهم منذ عملها هنا قبل أكثر من خمسة عشر سنة.

كانت (زبيدة) تحوم بالمكان كقط يبحث عن فأر وما أن غافلت الجميع حتى صعدت إلى غرفة (مهران) ودخلتها تقلب بين أغراضه عن شيء يمكنها أخذه وإخفاءه ببساطة فلمحت عيناها خاتما جميلا من الفضة على طاولته بجانب السرير فالتمعت عيناها وامسكته بسرعة ووضعته بداخل ثيابها ووضعت يدها على صدرها تتحسسه بنصر وتقول:
- معتكنشي غير لبتي ياولد ثريا وجتها هاخد حج أبوي اللى إتحرمت منيه.

خرجت مسرعة كما دخلت واتجهت نحو غرفة( ثريا) فوجدت الباب مواربا همت لتدخل لكن وجدتها هناك قائمة تصلي فهمست تحدث نفسها:
- عاملة فيها الحاجة خضرة ياثريا، ابجي ادعي لولدك هحسر جلبك علي اللى هعمله فيه.
لم تستطع انتظارها الى أن تنتهي فنزلت إلى الاسفل خوفا من أن يراها أحد.

كان قلب( نوار )فارغا يميل وفق ماتقوله والدتها فحسب، لقد أوهمتها أن( مهران) يحبها ويريدها لكنها حين لقائها به لم تشعر بشيء نحوه مازالت تراه بذات الصورة التي كانا عليها وهما طفلين كما انها لم تشعر بشيء في كلامه او نظراته يبين رغبته بها كانت في حيرة كبيرة من أمرها..
جلست الفتيات بالمطبخ يتناولن غدائهن برفقة العمة( نفيسة )والعمة (حورية) التي قالت:.

ولدي السبع، العيل كولاتها بتتحدت عنيه وكلاتهم رايدين نسبه، امها داعيالها اللى عتتجوزه.
لكزت (زهرة) (نوار )وقالت وهي تبتسم:
آمين، آمين! عوجبالنا يارب.
فقالت العمة (نفيسة ):
-يابت اختشي أهه..!
لتقول( راوية):
فرحة الولد غير العيلة كولاتها، عايزة تفرح بيه، واحنا فرحنا مش فرح عاد، الا محدش جال عجبال ما نفرح بيكم!
ربتت العمة (نفيسة )على يدها وقالت:.

كلاتكم جطعة من الجلب ياحبة عيني، فرح أخوكم فرح إنما فرحكم غصة بالجلب على فرجتكم، بس لما ربك يبعت النصيب هنجول أمين يابت جلبي.
فعادت (حورية) لتقول:
يابتي انتو شوية، لازمن اللي يريدكم يحفى ويلف السبع دوخات عشان ينولكم انتم بنات الحاج عسران بهيبته.
شعرت الفتاتان ببعض الطرب من كلام (حورية) إلا( نوار) التي قالت:
معاكي حج ياخالة، محدش له عازة ببت مالهاش أصل وفصل.
لتقول العمة( نفيسة):.

-وه وه لازمته حديتك ده ايه دلوك؟ انتي بتنا من لحمنا ودمنا أصلك يشرف كل البلد، اهيه.
قالت(نوار):
-لا ياخالة، أنا بت السوكارجي الجومارجي اللي انجتل عشان سرج الناس من أجل دينه اللي معرفشي يسدده، ده أصلي اللي يعيبني.
فقالت( رواية):
بكرة لما تجوزي اخوي هتبجي ست البنات كلاتهم دا اصلك اللى عتفتخري بيه من اهنا وجاي، فاهمة ياام دماغ تخين.

احتضنت الفتيات بعضهن بمشاعر أخوية يشعرن بحزن بعضهن البعض، قاطع ذلك دخول( زبيدة) وهي تنادي على( نوار):
انتي اهنه وانا بدور عليكي، تعالي عاوزاكي فى حاجة.
غادرت( نوار) تتبع والدتها التي اتجهت نحو منزلهم الذي لايبعد سوى بضعة أمتار عن بيت أخيها وما ان دخلتا حتى همت( نوار) بسؤالها:
في ايه ياأماي جايين ومهملين بيت خالي في الوجت دا ليه؟

فقالت (زبيدة )وقد وضعت ذاك الرماد في المبخرة وعليه بعض البخور المعطر واشعلته وراحت دخنته تعلوا في الفضاء مشكلة سحابة كبيرة ادمعت عينيهما فسعلت (نوار )كثيرا ثم دفعتها لتجلس ووضعت المبخرة بيديها وهي تفرد شعرها المضفور وتتمتم بكلام غير مفهوم لتتذمر (نوار)قائلة:
-عتخنج من الريحة العفشة دي، بتعملي اكده ليه عاد؟
لتقول بحزم:.

-ببخرك من العين وكيد النسوان، اجعدي اهنا هبابة وبعدين اكتميها هتطفى لوحدها اوعك ترشي عليها ماي، خابرة انك هبلة، اكتميها وعتطفي، وبعدين عاودي بيت خالك ماتغيريش خلجاتك عاودي زي ماانتى دلوك، اوعي تعوجي.

تركتها (زبيدة) غارقة في دخان المبخرة وعادت بسرعة إلى القصر فرأت( ثريا )منشغلة بتوديع النسوة فصعدت غرفتها واخذت بضعة شعيرات من مشطها ونزلت بسرعة ثم خرجت من الباب الخلفي متوجهة مرة أخرى إلى بيت (عوالي) من أجل اتمام المهمة.

اطفأت( نوار) المبخرة كما أوصتها والدتها وأعادت ضفر شعرها ووضع المنديل عليه ثم توجهت نحو بيت خالها مسرعة فتعثرت بحفرة على جانب الطريق فالتوى كاحلها ووقعت على ركبتيها متأوهة، كان (راجى) يمر من هناك فركض نحوها ليساعدها:
انتي زينة يا اسمك ايه؟
فنظرت إليه بغيظ وصرخت:
-مالكش صالح بيا غور من اهنه!

فتقابلت عيناهما وقد استنشق عبيرها الذي انغرس بقلبه كسهم رام محترف فتلعثمت على شفتاه الكلمات ووقف يطالعها بدون حراك فكانت كلما تحاول الوقوف تنزلق رجلها لتجلس على الارض متأوهة فهمست بحنق:
-بينى كسرت رجلي.
قال ببلاهة:
هاه!
كان مأخوذا بكل حركاتها حتى أنه لم يستمع إلى ماقالته إلا حين بدأت تعرج وهي مبتعدة عنه عائدة إلى منزلها فتبعها من بعيد دون أن تشعر وحال لسانه يقول:
-شكلك وجعت ياولد عوالي.

جلس (مهران) إلى جانب، بعيدا عن الضجة وفتح كاميرا هاتفه يتحدث مع( ناتالي) وقد صور لها بلدته التي أصبحت مبتهجة بعودته، أما هي فكانت مستلقية في سريرها لم تتناول شيء منذ رحيله، لكن اتصالها أعاد إلى قلبها الحياة فحملها إلى أن تدخل إلى المطبخ وتعد عجة وبعض الجبن لتتناوله بنهم.


look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:01 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

نظرت(نوار)إلى فستانها الذى تلطخ بالطين، لم يعد صالحا بالمرة كي ترتديه وتذهب به إلى بيت خالها، فاخذت حماما وبدلته ثم ربطت كاحلها برباط ضاغط وهي تعاود الخروج من منزلها وتتجه إلى حيث بيت خالها بخطى بطيئة عرجة، ماإن رأتها (ثريا)حتى قالت بجزع:
-واه، مالك يابتى، ايه اللى حوصل، وكيف إتصابتى؟
قالت(نوار) بسرعة:
-إهدى ياخالة، مفيش حاجة، أنى بس وجعت فى الطريق ورجلى إتلوت، حاجة بسيطة إكده، حوصل خير يعنى.

إقتربت منها الفتاتان بسرعة يسندانها حتى أقرب مقعد فجلست عليه، بينما قالت(ثريا):
-الحمد لله يابتى، الحمد لله.
نقلت (نوار)بصرها فى البيت قائلة:
- عمى الحاج لسة معاودش هو وسى مهران؟!
تغيرت ملامح (ثريا) على الفور لتقول ببرود:
-لع، لسة، يلا شهلى ياراوية إنتى وزهرة، عشان تساعدونى فى المطبخ، نفيسة و حورية مش هيجدروا يخلصوا الشغل ده كلاتو لوحدهم.
قالت(زهرة)ل(راوية):.

-روحى ياراوية مع أمك وأنى هجعد مع نوار آخد بالى منيها لحد ما عمتى زبيدة ترجع.
قالت (ثريا) بحنق:
-جلت اتنيناتكم تاجوا معايا، وهي نوار لو جعدت وحديها هياكلها السبع إياك.
قالت(نوار)بحرج:
-روحى مع خالة ثريا يازهرة ومتجلجيش علية، أنى بخير، هجوم أريح شوية فى جوضتكم لغاية ما أمى تاجى.

أومأت( زهرة)برأسها وهي تنظر إلى (نوار)بإعتذار قبل أن تتبع والدتها وأختها بينما تركوا (نوار)تتعجب فى نفسها عن سر معاملة الحاجة(ثريا)لها، فحين تعاملها كما لو كانت إحدى بناتها بينما فى بعض الأحيان تشعر أنها تعاملها كغريبة تماما عنها، مايقلقها هو شعورها بأن الخالة تنفر من تلك الغريبة، كلية.

تأملت (عوالى)ما وضعته أمامها(زبيدة)بعيون تلمع قائلة:
-متأكدة إن الخاتم ده ملكه ياولية؟
قالت (زبيدة)بلهفة:
-أمال ياستنا، ده أنى جايباه من جوضة نومه بذات نفسيها.
أمسكت(عوالى)الشعيرات قائلة:
-وده شعر ثريا؟!
قالت(زبيدة)بحقد:
-هو ياكابيرة، لسة أسود زي ماهو، مطالتوش السنين بوجعها ولا خطته بشيبها العجيم.
وضعته (عوالى)على الطاولة تقول بحنق:
-متعبيش الشيب يازبيدة، ده دليل العجل و الحكمة ياولية.

تأملت (زبيدة)شعر(عوالى)الأبيض لتقول بسرعة:
-واه، يجطعنى ياست الكل، انى مجصدش.
اشارت(عوالى)بيدها قائلة:
-ولا تجصدى، مش هتفرج، جوليلي عملتى اللى جلتلك عليه؟
قالت(زبيدة):
-إيوة، دفنت الحجاب على عتبة الدار وسجيتها بالمية، وبخرت بتى ببخورك.
أومات(عوالى)برأسها بإستحسان قائلة:
-يبجى تاجيلى بكرة وتجيبيلى البشارة كمان.
قالت(زبيدة):
-طب والحاجات دى ياكبيرة، هتعملى بيها إيه عاد؟
قالت (عوالى)هادرة:.

-ملكيش صالح ياولية، وجومى يلا روحى دارك عشان وجتك خولص وأسيادنا جربوا يحضروا.
نهضت (زبيدة)بسرعة وهي تغادر المكان ليوقفها صوت (عوالى)وهي تقول:
-انتى يامرة.
إستدارت (زبيدة)تتطلع إليها فى وجل، لتردف (عوالى )قائلة:
-متنسيش بجية دهباتك، تجيبيهم وانتى جاية، مفهوم؟!
اومأت(زبيدة)بسرعة، لتردف (عوالى)قائلة:
- مستنية إيه؟غورى من إهنه.

اسرعت(زبيدة)بالخروج بينما ألقت (عوالى)بحفنة من البخور فى مبخرتها، ليتصاعد الدخان وهي تقول:
-جبر يلم العفش.
وقعت عيناها على الخاتم وتلك الشعيرات، لتمسكهما مجددا وهي تطالعهما بعيون تلمع قائلة:.

-والله ووجعتى فى يدى ياثريا انتى وولدك، وابجى ورينى ياعسران هتعمل إيه عشان تنقذ اللى بعتنى عشانهم من مصيرهم المحتوم على يدى، جه أوان الإنتجام والإنتجام عيكون واعر جوى، كيف الجرح ماهو واعر جوة جلبى ياإبن آمنة، والبادى أظلم.

أتذكر ذلك الماضى البعيد الذى حمل ذكرياتنا، لم أجد سوى أطلال بالية وأحلام ذبحت بسكين الغدر وحب وارته الخيانة...
ذكريات عن عشق ظنناه للأبد، عن عشق منحنا يوما آمالا بلا حدود وبعث فى قلوبنا ضياءا..
عشق أضحى اليوم تحت تراب الماضى...
إحترقت رفاته بالكامل فلم يبقى منه شيئا ملموسا...
لم يبقى منه سوى جذوة نار وجمرة بالقلب تلتهب..
فلم نعد نستطيع إبقاء جذوتها مشتعلة فى مستقبلنا...

وأصبح إخمادها فى حاضرنا مستحيلا...

قالت بمرارة:
-متهملنيش وتمشى ياعسران، مش أنا جلبك اللى متجدرش تعيش من غيره زي ماجلتلى جبل سابج؟
قال(عسران)بألم:
-مبجاش ينفع ياعوالى، جصتنا إنتهت، أنا مرتى جابت الواد وأبويا هددنى لو مجطعتش علاقتى بيكى هيحرمنى من الميراث، وهيطردنى براة البلد، هنعيش إزاي وجتها إياك؟
قالت(عوالى)بلهفة وهي تمسك يده:.

-هنهمل كل حاجة ونرميها ورا ضهرنا، وهنشتغل ياعسران، إحنا مش محتاجين أبوك ولا محتاجين ماله، المهم نبجى مع بعض.
نزع يده من يدها وسط صدمتها وهو يقول:
-وثريا وولدى والعمودية؟أهملهم كيف يعنى؟
تراجعت خطوة قائلة بتوجس:
-جصدك إيه ياعسران؟
قال (عسران )بحزم:
-جلتلك جبل سابج، جصتنا إنتهت لحد إكده، وكل واحد عيروح لحاله.
قالت (عوالى)بصدمة:.

-إكده، بكل بساطة عتفارجنى؟بعد الحب اللى حبتهولك، ده أنى معزتش عليك نفسي، روحي، جسمي اللى ملمسوش حدا جبلك، وفى الآخر تجولى خليص ياعوالى، كل حاجة بينا خلصت وكل حدا يروح لحاله، ياخسارة ياعسران، ياخسارة.
أطرق (عسران)برأسه بخزي، قائلا:
-غصبن عنى ياعوالى، لو كان بيدى...
قاطعته قائلة:
-متكمالش، روح ياإبن آمنة، روح لمرتك وولدك أما أنا فلية رب كريم يتولانى.

رفع رأسه يطالعها بألم فأشاحت بوجهها بعيدا عنه، إستدار مغادرا بخطوات بطيئة، بينما فتحت هي محابس دموعها، تسمح لعبراتها بالسقوط تباعا فى صمت، وضعت يدها على بطنها مرددة بهمس:
-متجلجش ياضنايا، لينا رب كريم هيتولانا.

عادت (عوالى)من بحور الذكريات المرة، تتجرع مرارتها وكأنها صارت بالأمس فقط، وكأن تلك السنون لم تمر، ولكنها بالفعل مرت ومع مرورها لم تستطع الوفاء بوعدها لنفسها، لقد أقسمت على الإنتقام ممن حرمها من حب عمرها وحال دون إجتماعها به، اقسمت على الإنتقام من (ثريا)وولدها الذى أخذ مكان وليدها (راجى)، وصار لهما ما كان من المفترض أن يصير لها ولولدها، ولكن حان الأوان لتبر بقسمها وتأخذ مكانها هي وولدها إلى جوار عشقها القديم، (عسران).

لتنطلق منها ضحكة شيطانية تماما كهؤلاء الشياطين الذين تحالفت معهم وأصبحوا أسيادها و رفاقها.

كانت (ثريا)تمر بجانب فتياتها حين تناهى إلى مسامعها صوتهما وهما يتهامستان، كانت (زهرة)تقول:
-بردك حلمت بيه إمبارح، كان واجف جصادى يبحلجلى زي كل مرة.
قالت(راوية):
-وأنى كمان ولما جربت منه إختفى كيف السحر ومبجاش منه غير شال إسود بلون الليل.
إنتفضا على صوت(ثريا)وهي تقول:
-مين ده اللى كان واجف يبحلجلك يازهرة واللى شفتيه انتى كمانى ياراوية.
إستدارا إليها لتقول (زهرة) بإرتباك:
-ده حلم ياأما.

نظرت (ثريا)إلى (راوية) قائلة:
-وانتى بردك كنتى بتحلمى يابتى؟
قالت(راوية) بسرعة:
-والختمة الشريفة حلم ياأما.
نقلت(ثريا)بصرها بين الفتاتين قائلة:
-بتحلموا انتوا التنين بحلم واحد؟
أومآ برأسيهما لتردف فى قلق:
-والحلم ده فيه واحد بيبحلجلكم؟
قالت(زهرة):
-مش واحد ياأما، دى جطة سودا كيف الليل.
أصاب (ثريا)الهلع لتقول:
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، جطة سودا، يامرارك ياثريا، والجطة دى بتشوفوها من ميتة؟

قالت (راوية)بقلق:
-من ياجى سنة إكده، خير ياأما، جلجتينا.
قالت(ثريا)وهي تحاول ان تتمالك نفسها:
-خير يابنات، متنخلعوش، كملوا اللى فى يدكم وحصلونى على المندرة، فات أبوكم جاي هو وأخوكم، متعوجوش.
أومآ برأسيهما يتابعان والدتهما التى غادرت بسرعة المطبخ بعيون حائرة، قبل ان يهزا كتفيهما ويواصلان عملهما بسرعة كي يلحقا بوالدتهما.

كان يرسم وجهها بعصاه على الأرض..
نوار..
إسمها كما عرف لاحقا.
جميلة مثله..
مرت كنسمة رقيقة فى حياته القاحلة..
لم يراها من قبل فى قريته ولكنه بالتأكيد سمع عنها، فهي الإبنة الوحيدة لأخت العمدة..
تلك السيدة التى يمقتها والتى تزور والدته كثيرا، تقصدها فى أعمال هو يكرهها من كل قلبه ولكنه مضطر لأن يتعامل معها..
فوالدته من تقوم بتلك الأعمال وقدره أن يسايرها ويطيع أوامرها...

تنهد وصورتها تطل أمام عينيه، تمحو هذا الظلام من محيطه، تمتد صورتها لقلبه فتنير ظلمات قلبه بدورها، أخذ نفسا عميقا، ماتزال رائحتها عالقة به، تمر بخياله فيستنشقها على الفور، كم يطيب له ريحها، كطيب وجهها العذب الرقيق.
أفاق من شروده على صوت والدته وهي تناديه بحنق، ترك عصاه أرضا وأسرع ليلبى ندائها، ما إن رأته حتى قالت بحنق:
-كنت فين يامتعوس؟نادمت عليك كاتير.
قال (راجي) بنفاذ صبر:.

-هكون فين ياأما عاد، أدينى متلجح برة.
طالعته بحنق قائلة:
-مجبتش الحاجة من الست عديلة ليه؟
قال(راجى):
-جبتها ياأما بس لما لجيت الست زبيدة عنديكى، إستنيت برة لحد ماتغور.
قالت(عوالى):
-طب شهل وهات الحاجة، عايزة أخلص منيه العمل ده عشان أجعد وأمخمخ للكبيرة بجى واللى هتنجلنا نجلة تانية خالص ياولد عوالى.
عقد حاجبيه قائلا:
-تجصدى إيه ياأما؟
قالت(عوالى) بحنق:
-ملكش صالح، جلتلك هات الحاجة وهملنى دلوك.

أومأ برأسه وهو يغادر الحجرة مهمهما بحنق:
-روح يا راجى وتعالى ياراجى، وملكش صالح ياراجى، والله راجى جرب يطج منيكم يانسوان كفر الهوارية.

كان يمشى فى الطرقات، يتأمل تلك القرية التى يعشقها...
إنها بلدة هادئة، مزينة يالأشجار الخضراء...
حقولها شاسعة تزينها الآن فى فصل الصيف عيدان الأرز الكثيفة وأشجار القطن بذهبها الابيض، اما فى الشتاء فتزينها عيدان القمح الذهبية..
أنفاس عليلة، وربوع تريح الاعصاب وسواقى تسر النظر..

تأمل الجميع من حوله، هذا رجل يجلس وحده يوقد النيران فى بعض الأغصان ليعد كوبا من الشاي، وتلك إمرأة تحمل شيئا فى سرة، ربما كان الطعام لزوجها...
القرية فيها أناس طيبون، أسرة واحدة، يعرف الغريب بينهم بكل سهولة..
كم بدت قريته بعيدة كل البعد عن شوارع روما الصاخبة وعماراتها الشاهقة...

كم بدت بعيدة عن الزحام والضوضاء، وكم بدت عزيزة على قلبه كزوجة أولى، يعود إليها دوما حتى وإن تزوج غيرها، فتظل هي الأصل والوطن.
أطلت بصورتها فجأة على خاطره، فأصابت قلبه بغصة، أصبحت فى حياته ذكرى، كان يطمح ان تكون له حاضرا ومستقبلا، كانت كضوء الشمس فى حياته المظلمة، ثم رحلت فجأة فاعادته لظلام حالك، كم يتمنى لو أنه لم يلتقيها قط...
فوقتها لن تغص حلقه تلك المرارة ولن يشعر بجمرة فى القلب تلتهب لذكراها...

وقتها كان سيعود هو (مهران)...
هذا الذى ظن دائما أن الذين لا يؤمنون بالحب تبقى قلوبهم سليمة، قطعة واحدة يحافظون عليها كما تحافظ الخمسينينة على ملامحها الجميلة بإستماتة، وكان يحافظ على قلبه بذات الإستماتة.
أفاق من شروده عندما إصطدم به أحدهم، أسرع بإسناده قبل أن يقع، وماإن ادرك أنها إمرأة حتى إبتعد عنها على الفور قائلا:
-أنا آسف، كنت سرحان ومخدتش بالى.
ضمت المراة شالها على وجهها قائلة بخجل:.

-حوصل خير، إنت شكلك غريب عن البلد، مش إكده؟
تعجب من سؤالها ولكنه قال:
-لأ مش غريب، أنا من البلد دى.
لمعت عيناها اللتان تظهران من تحت شالها وهي تقول:
-طب لو مفيهاش مضايجة لحضرتك، ممكن تدلنى على بيت نوار الأسيوطى.
عقد (مهران)حاجبيه قائلا:
-ممكن أعرف عاوزاها ليه؟
عقدت المرأة حاجبيها قائلة:
-ملكش صالح، جاوب ع كد السؤال، أو فوتنى لحالى وأنا أسأل حدا تانى.
قال(مهران):.

-وعلى إيه بس؟إمشى طوالى لحد ماتلاجى بيت كبير، بعديه هتلاجى بيت أصغر شوية، ده يبجى بيت نوار الأسيوطى.
قالت المرأة:
-شكرا ياسى الأستاذ.
قال(مهران):
-تحبى أوصلك؟
إتسعت عيناها بصدمة قائلة:
-واه، هو عشان وجفت أسألك سؤال يبجى خلاص هاخد وأدى وياك فى الحديت عاد، بعد ياأخوي من جدامى خلينى أفوت.

تنحى (مهران)على الفور، فغادرت المرأة المكان بخطى سريعة، ليبتسم (مهران)إبتسامة هادئة وهو يفكر فى نفسه، شيئ آخر لم يجده فى روما وتميزت به بلدته كثيرا، إنهن فتياته ذوات الدم الحار.

قالت (ثريا)بحنق:
-فين ولدك ياعسران؟
نزع (عسران)عنه عمامة الرأس قائلا:
-جالى هيتمشى شوية فى البلد يأم مهران عشان متوحشها.
خلعت عنه عبائته وهي تقول:
-كان جه إرتاح هبابة، البلد مش هتطير عاد.
قال(عسران):
-إنتى عارفة ولدك، عيحب البلد كد عنيه، وماصدج عاود عشان يلفلف فيها.
قالت(ثريا)وهي تطوى العباءة:
-صوح، هو ده ولدى مهران.
لتصمت قبل ان تقول مترددة:
-عاوزة أسألك سؤال ياابو مهران بس تجاوبنى بصراحة.

نظر (عسران)إليها قائلا:
-إسألى يأم الولد؟وانى من ميتة بنكدبوا عليكى.
قالت (ثريا):
-مش جصدى بس اللى عسألك عليه يمكن متبجاش عايز تجولهولى.
قال (عسران)بنفاذ صبر:
-ماتنطجى ياولية وتخلصينى.
قالت(ثريا)على الفور:
-هي خيتك كانت عاوزاك فى إيه النهاردة الصبح؟
قال(عسران) وهو يهز كتفيه:
-كانت بتجولى انه آن الأوان ان مهران يتجوز وإنى لازم ولابد أختارله عروسة عشان يمد جذوره فى أرضنا وميعاودش بلاد برة من جديد.

أصاب ظنها كما يبدو، تريد تلك ال(زبيدة) تزويج إبنتها لوحيدها، وتمهد لأخيها ذلك الموضوع، حسنا، لن تنال مأربها طالما هي حية ترزق، افاقت من شرودها على صوت زوجها وهو يقول:
-والله ياثريا أنى معاها فى حديتها، ونويت اجوز الواد، بس ألاجيله عروسة بنت أصول وتبجى من لحمنا ودمنا.
قالت (ثريا) بهلع:
-جصدك نوار؟
قال (عسران):
-وليه لع، أهى بتنا ومتربية وسطينا.
قالت(ثريا):.

-بس أبوها كان جومارجى وانجتل عشان سرج، وامها زبيدة يأبو مهران اللى عيونها كلها طمع فيك وفى مالك.
قال (عسران):
-أبوها مات واندفن واندفنت معاه سيرته العفشة وأمها لو طمعانة فى مالى فده حجها ومالها هي كمان ولو جوزت ولدى لبتها هتهدى وتعود خيتى اللى مكنتش بتحب حدا فى الدنيا كدى أنى.
قالت (ثريا):
-ياعسران...
قال بحزم غاضب:.

-جفلى ع السيرة دى ياثريا، ويكون فى معلومك لو ولدك رايدها هجوزهالوا، لكن لو مكنش رايدها يبجى فيها كلام تانى عاد.
هدات( ثريا )وهي تدرك ان ولدها لا يحمل مشاعر فى قلبه لابنة عمه سوى مشاعر الإخوة، لذا فقد إقتربت منه تربت على صدره قائلة:
-طب إهدى ياحاج عشان ضغطك ميعلاشى.
قال بحنق:
-هديت أهه، همليني بجى عشان اريح هبابة جبل ماعمد البلاد اللى حوالينا مايجونا عشية عشان يهنونا ع رجعة ولدك من السفر.
قالت(ثريا):.

-هسيبك ياحاج، بس فيه موضوع إكده حابة أكلمك فيه جبل ماتنام.
قال(عسران):
-موضوع إيه تانى عاد؟والموضوع ده ميستناش لعشية؟
قالت (ثريا):
-لع، ده موضوع يخص بناتك ياعسران.
عقد (عسران)حاجبيه قائلا:
-مالهم البنات ياولية؟
قالت(ثريا)بتردد:
-الظاهر يعنى يأبو مهران، إن حد يعنى ساحرلهم ياحاج.
لتتسع عينا (عسران)، بصدمة.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 10 < 1 2 3 4 5 6 7 8 10 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
لمالكي هيونداي النترا تحذير من هيئة الرقابة علي الصادرات Moha
0 314 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، الرقاب ، نافذ ،












الساعة الآن 11:52 AM