رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشرهناك على نور مصباحيأو على ضوء القمربين بسمة خجولةوضحكة من ذاك الثّغركان يحلو جلوسيبقربك و يحلو السّمرهناك أسبح بأحلاميوأطيل فيك النظرأرى القمر في عينيكبدرا قد تجلى وظهرفقد كنت حبيبتيدونا عن كل البشربقلم، زينة بن عمار.كان نبيل يجلس على تلك الطاولة ينظر إلى ساعته التي تشير إلى أن تلك المرأة قد تأخرت على ميعادهما نصف ساعة كاملة، شعر بالغيظ، وكاد أن ينهض ويذهب إلى الشركة مباشرة حين سمع رنين هاتفه، ليرد قائلا:ألو.تناهى إلى مسامعه صوتها الآسف وهي تقول:أنا متأسفة جدا، إتأخرت على حضرتك، بس كان لازم أخلص الأوراق بتاعة الشغل قبل ما أنزل وأسلمها للإدارة.زفر نبيل قائلا:ولا يهمك، إنتى فين دلوقتى؟قالت سها:.أنا داخلة من باب الكافيتريا حالا.إنتقلت نظرات نبيل إلى باب الكافيتريا في تلك اللحظة ليراها على الباب، تبحث بعينيها عنه بين الحضور، ليتجمد تماما في مكانه، لا يصدق ما يراه، إنها هي، السندريلا خاصته، أمامه مجددا، والأدهى من ذلك أنها هنا للقاءه، إستمع إلى صوتها القلق وهي تقول:حضرتك فين؟ أنا مش شايفاك.إبتسم وهو ينهض واقفا مشيرا إليها وهو يقول:أنا أدامك أهو.وقعت عيناها عليه في تلك اللحظة لتتجمد بدورها وتتسع عيناها في دهشة، إتسعت إبتسامته وهو يشير إليها بالإقتراب بعد أن أغلق هاتفه، لتقترب كالمسحورة، حتى توقفت أمامه تماما، ليتأمل ملامحها الجميلة الرقيقة قائلا:وأخيرا لقيتك.قالت بحيرة:إنت مين بس؟وعايز منى إيه؟مد يده إليها قائلا:نبيل نور الدين، مهندس معمارى وإنتى؟مدت يدها إليه قائلة:سها صبرى، مديرة مكتب لين نصار.سها، ياله من إسم جميل يليق بها، ظلا هكذا لثوان، ينظران إلى بعضهما البعض، تتشابك أيديهم ونظراتهم، لا يود أحدهما أن تنتهى هذه اللحظة السحرية، ولكن كانت سها أول من أفاق منها وهي تترك يده وتتنحنح قائلة:إحمم، إحنا هنفضل واقفين كتير؟قال بسرعة:لأ طبعا، إتفضلى أقعدى.جلست ليجلس بدوره يتأملها بطريقة أخجلتها، لتحاول أن تخرج من دائرة الخجل وهي تنظر إليه قائلة بجدية:.ممكن تقولى يا استاذ نبيل، تعرف إيه عن موضوع لين؟إبتسم قائلا بمزاح:اولا أنا إسمى نبيل وبس، ده إحنا بينا حفلة وكعب مكسور ولا نسيتى؟إبتسمت رغما عنها، فهي ابدا لم تنسى ذلك اليوم ولم تنساه هو بالتأكيد، ليعتدل قائلا بجدية:أما بخصوص لين، فأنا معرفش حاجة، لكنى شاكك بس، وشكى قالقنى ومخلينى عايز أعرف مكانها عشان أطمن.عقدت حاجبيها في حيرة قائلة:شاكك في إيه بس؟وإيه اللي ممكن يقلقك؟قال نبيل بهدوء:.في الأول لازم تعرفى إنى أبقى صديق مؤيد الحسينى.إتسعت عيناها في دهشة ليبتلع نبيل ريقه وهو يستطرد قائلا:وللأسف أنا حاسس إن مؤيد خطفها.لتتسع عينا سها، في صدمة.كانت لين تجلس على السرير، تضم ركبتاها إلى صدرها وتسند جبهتها عليهما بضعف، لا تدرى ماذا ستفعل في مصيبتها تلك، وما الذي ينوى مؤيد فعله معها، أفاقت من أفكارها على صوت الباب وهو يفتح ودخول مؤيد إلى الحجرة مقتربا منها بهدوء، إعتدلت وهي تنظر إليه بقوة لا تعكس أبدا هذا الضعف الذي يغمر كيانها، لينظر إليها بسخرية وكأنه يعلم مكنون صدرها، جلس بجانبها على السرير قائلا لها ببرود:ها، إخترتى إيه يالين؟بادلته بروده للحظات قبل أن تقول:هات تليفونى لو سمحت.إبتسم بسخرية وهو يمد يده يرجع خصلة شعرها إلى ما وراء أذنها قائلا:ياخسارة، كان نفسى ترفضى يالين.أبعدت لين يده عنها بقوة وهي تنهض قائلة بغضب:على فكرة، أنا مش خايفة منك، مش هتقدر تيجى جنبى طول ما أنا رافضة، هقاومك ولو كان التمن حياتى.آلمته كلماتها، ونفورها تجاهه، حتى أنها تفضل الموت على أن يلمسها هو، ولكنه أبعد هذا الشعور جانبا وهي تستطرد قائلة:.انا بس مش عايزة خالد يقلق علية، ولا عايزة مشاكل، أنا معاك في لعبتك اللي قررت تلعبها معايا وصدقنى واثقة من فوزى فيها، انا حابة أوريك إن لين بتاعة زمان مبقتش موجودة، إنى بقيت أقوى، وحقيقى اللي بتعمله ده، بيثبتلى اكتر إنى كنت صح لما قررت أنفصل عنك.شعر بالغضب، كاد أن يصمتها بقبلاته حتى تتراجع عن تلك الكلمات الجوفاء، والتي تطعنه في رجولته وقلبه الذي مازال لها عاشقا، ولكنه قبض على يديه بقوة، يبعد تلك الأفكار عنه، سيجعلها تخضع له وتعلن إستسلامها، ولكن رويدا رويدا، ليقول ببرود وهو ينهض مناولا إياها هاتفها قائلا:هنشوف يالين، هنشوف.أخذت الهاتف من يده بحدة، وإتصلت بأخيها دون أن تحيد بنظرها عنه، ليرد عليها خالد قائلا بلهفة:.إنتى فين يالين؟ومجيتيش الشركة ليه؟كادت أن تضعف و تخبره بوضعها ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة، لتقول بهدوء:خلصت الميتنج وحسيت إنى مخنوقة شوية ياخالد، طلعت على شرم، هقضى يومين هناك وهرجع تانى.قال خالد:إنتى كويسة؟تنهدت قائلة:آه كويسة متقلقش علية.قال خالد:طيب أجيلك؟قالت بهدوء:لأ، أنا محتاجة اقعد شوية لوحدى.قال خالد:أنا خايف عليكى، ممكن الحالة ترجعلك وإنتى لوحدك.قالت بإرتباك وقد خشيت أن يسمع مؤيد كلمات خالد:لأ متقلقش، باخد الأدوية في ميعادها.عقد مؤيد حاجبيه، بينما قال خالد:طيب، طمنينى عليكى علطول، ومتقفليش تليفونك، إتفقنا؟قالت بهدوء:إتفقنا، سلام دلوقتى.ثم أغلقت الهاتف، ليقول مؤيد بهدوء يخفى ذلك القلق العاصف بكيانه:أدوية إيه دى؟قالت لين بإضطراب:كنت آخدة نزلة برد جامدة وبيفكرنى بإنى مهملش العلاج عشان متعبش تانى.قال مؤيد بشك:بس شنطتك مفيهاش أدوية؟حمدت ربها على هذا الجيب السحرى في حقيبتها والتي تخفى فيه أدويتها فلم يراها مؤيد، لتقول لين بهدوء مفتعل:مبقتش آخدهم، أنا بس بطمنه.هز مؤيد رأسه متفهما وهو يمد يده إليها قائلا:التليفون.ناولته إياه قائلة:إنت هتفضل حابسنى هنا كتير؟نظر إلى عينيها قائلا:لغاية ما آخد حقى منك وأخليكى تعترفى إن بعدك عنى كان أكبر غلطة في حياتك يالين.نظرت إلى عينيه قائلة بقوة:.يبقى بتحلم يامؤيد، لإنى عمرى ما هقول الكلام الفارغ ده.إبتسم بسخرية قائلا:هنشوف يالين، وأنا وإنتى والزمن طويل.إبتعد بخطوات هادئة مغادرا الحجرة، تتابعه بنظراتها القوية المتحدية، قبل أن يغلق الباب، ليظهر الضعف بهما، جليا.نهضت سها قائلة بحدة:يعنى إيه مؤيد خطفها؟هي سايبة، ده أنا أقلب الدنيا عليه، هو مش عارف لين تبقى مين؟قال لها نبيل منبها:إهدى بس وأقعدى ياآنسة سها، الناس بتتفرج علينا.نظرت سها إلى محيطها لترى فعلا بعض رواد الكافيتريا وهم ينظرون إليها، لتجلس وهي تنظر إليه بحنق قائلة:أدينى هديت أهو، ممكن بقى تفهمنى مؤيد خطف لين ليه وعايز منها إيه؟مال نبيل إلى الأمام وهو يعقد أصابع كفيه أمامه، قائلا:.أنا مش متأكد من كلامى، انا شاكك بس، مؤيد رجع من فرنسا مخصوص عشانها، كان هيتجنن لما عرف إنها هترتبط بمحمود عزمى، وأكيد حابب يمنع إرتباطهم.قالت سها بحدة:وهو يتجنن ليه، عايز إيه منها تانى؟هما مش سابو بعض وخلصنا من الموال ده.تراجع نبيل في مقعده وهو يحدقها بهدوء قائلا:.مؤيد عمره ما هينسى إن لين إتخلت عنه في وقت ضعفه لمجرد إنها تشبع رغبتها في إنها تكون أم، للأسف رغم إحساسه ده بس مقدرش يكرهها ولسة حبها ساكن في قلبه، وده اللي تاعبه.كانت سها تنظر إليه في صدمة، وما إن أنهى كلماته حتى قالت:.لين متخلتش عن مؤيد عشان تخلف والدليل على كدة مرور كل السنين دى من غير ما تتجوز، لين اللي جواها أكبر من كدة بكتير، إستحملت اللي أنا مقدرش استحمله كزوجة، متحاولش تطلع صاحبك الضحية وهي المجرمة في حقه، لإن اللي حصل هو العكس تماما، وإذا كان هو فهمك غير كدة فآسفة، صاحبك ضحك عليك، أما لو كنت عارف الحقيقة وبتستهبل ف...قاطعها نبيل قائلا في صرامة:.من فضلك ياآنسة سها، أنا رغم إعجابى بيكى فمش هسمحلك أبدا تشككى فية أو تقللى منى، أنا لو جيت أقابلك النهاردة فده علشان خوفى على صاحبى وإهتمامى بيه، أما صاحبتك فمتهمنيش أبدا، لا صاحبى ضحك علية ولا أنا بحور عليكى، اللي حصل من صاحبتك أنا عشته مع صاحبى سنين طوال، شايف عذابه أدام عينى ومش قادر أعمله حاجة، أقولك حاجة، الظاهر إن غلطت لما جيت هنا النهاردة، عن إذنك.ونهض لتوقفه كلماتها الحزينة وهي تقول:.أنا آسفة، أنا مكنش قصدى أقلل منك.رآها مطرقة الرأس تستطرد بحزن:بس انا كمان عشت مع صاحبتى مأساتها.لترفع إليه عينان دامعتان أصابتاه بغصة في قلبه وهي تستطرد قائلة:صاحبك خان صاحبتى، وهي شافت دليل خيانته بعينيها.ليعقد نبيل حاجبيه بشدة وهو يجلس مجددا، يستمع في ذهول إلى ما ترويه له سها.ضرب خالد مقود سيارته بحنق، يتساءل ماذا يفعل هنا وماالذى جاء به إلى هذا المكان مجددا، يجلس في سيارته كالمراهقين أسفل بنايتها ينتظر ربما ظهورا لها من شرفتها، أو ربما يحالفه الحظ وتخرج فيراها، تبا، ما الذي يحدث له، ولماذا تشغل باله إلى تلك الدرجة؟، يشعر انه ليس خالد نصار الذي يعرفه الجميع، بل هو شاب يعيش مشاعر جديدة لأول مرة، ربما كان السر في أنه لم يعش مراهقته، وربما لأنه يشعر أنها مختلفة عن كل النساء اللاتى مررن بحياته، تشبه أخواته إلى حد كبير، تكاد تماثلهم وهو الذي ظن بأن مثيلاتهن إنقرضن منذ زمن بعيد، لا يدرى حقا، ولكن ما يدركه هو شعور بداخله قوي تجاه تلك الجورية، يجذبه بإتجاهها بشدة، يقاومه بكل قوته ولكن لا فائدة، إنه شعور طاغ، يغمره بكل ذرة في كيانه، قاطع أفكاره ظهورها في شرفتها، ياالله، هل يجب أن تكون بهذا الجمال؟، إستندت بيديها على سور الشرفة ونظرت إلى السماء برقة، تطايرت خصلاتها مع النسمات فبدت كأميرة أسطورية لإحدى الروايات، تطلع حوله بسرعة يرى إن كان هناك غيره شاهدا على هذا الجمال، فلم يرى أحدا من المارة، زفر براحة ولكنه مالبث أن عقد حاجبيه بقوة، هل يغار عليها؟نعم يغار وبقوة، نظر إليها مجددا في صدمة...فرآها تطالعه بحيرة، أغمض عينيه يقول في نفسه، سحقا لقد رأتنى، ماذا أفعل الآن؟وماذا ستقول عنى؟فتح عينيه وقد إكتستا بالتصميم، ليدير سيارته على الفور ويبتعد تاركا إياها وسط حيرة لا حدود لها، تتساءل، هل كان هو حقا؟أم أنه خيالها الذي إستدعاه الآن ليتجسد أمامها؟إنها سيارته، وملامحه التي تحفظها عن ظهر قلب، ولكن ما الذي جاء به إلى هنا؟هل جاء من أجلها حقا؟هل تذكر؟إنتابها الأمل ولكنه سرعان ما إنطفأت شعلته، وهي تدرك أنه إن كان حقا قد تذكر، ماتركها وهرب مجددا، أم أنه معتاد دوما على الهروب؟قال نبيل بصدمة:.مستحيل أصدق الكلام ده عن مؤيد، ولو شفته حتى بعينى، إنتى متعرفيش لين كانت بالنسبة له إيه، دى كانت روحه وقلبه وحياته كلها، كانت كل حاجة بالنسبة له، ستات كتير حاولوا يوصلوا لقلبه بس محدش فيهم قدر، والكلام ده كان أدامى، كان يشاورلهم على صابعه اللي فيه دبلة جوازه ويقولهم، آسف أنا متجوز ملكة إزاي بس هبص لجواريها، مؤيد كان قبل الجواز دنجوان صحيح وبيحب الستات، لكن وهو مع لين وبعد ما حبها، مبقوش يهموه أبدا، حتى بعد ما سابته مبصش لمخلوقة غيرها طول السنين اللي فاتت دى، تفتكرى واحد زي ده يعمل اللي إنتى قلتيه ده؟شعرت سها بالدهشة من كلمات نبيل، لتقول بحيرة:لو إفترضنا إن كلامك صح، تفسر بإيه شهادة ال DNA، واللي شافت فيها لين تطابق الحمض النووى لمؤيد مع طفلته.هز نبيل كتفيه قائلا:.حاجات كتير، تمثيلية إتعملت عشان تفرقهم مثلا، أو غلطة قبل الجواز، من قبل حتى مايعرف لين، وإنتى قلتى بنفسك إنها ماشافتش الطفلة ولا تعرف سنها الحقيقى، ولا حتى شافت مامتها، كل اللي شافته شهادة عبيطة ممكن حتى تتزور، أنا حقيقى مستغرب، إزاي لين كانت بالغباء ده، إزاي صدقت إن مؤيد ممكن يخونها؟هزت سها كتفيها في حيرة قائلة:.لما الحب بيزيد، الغيرة بتزيد وممكن تعمى، ده غير إن اللي قالها الكلام ده كانت إنسانة هي بتثق فيها جدا، رغم إنى مبطيقهاش، بس برده مستحيل أنا كمان أشك فيها، ومعتقدش إن لها مصلحة في إنها تفرقهم.قال نبيل وهو يعقد حاجبيه:ومين بقى البنى آدمة دى؟قالت سها:مرات أخوها خالد، شاهيناز.تراجع نبيل في مقعده وقد لاحت له الحقيقة واضحة كالشمس، شاهيناز اللعينة الحقود، هي السبب وراء فراقهما، كم من مرة حذر مؤيد من شرها، ولكنه أبي أن يصدق أنها من الممكن أن تضره في شئ، وهاهي قد فعلت أكثر من الضرر، لقد آذت مؤيد وآذت حبيبته، وفرقتهم طوال تلك السنوات، ولكن لابد أن يجد مؤيد ويخبره بكل ما يعرف، ربما قبل فوات الأوان.قال لها البواب:الباشا نزل من الصبح بدرى ولسة مجاش.قالت شاهيناز بعصبية:وهييجى إمتى؟هز البواب كتفيه قائلا:مش عارف ياهانم، الباشا ملوش مواعيد، نبيل بيه بيركن عربيته هناك أهو، ممكن حضرتك تسأليه.أخفت شاهيناز وجهها بياقة معطفها وهي تقول بتوتر:لأ، مش مهم، بعدين.وأسرعت بالإبتعاد دون أن يراها نبيل، متجهة إلى سيارتها ومنطلقة بها بأقصى سرعة، بينما ضرب البواب كفا على كف قائلا:آه يابنت المجنونة.قال نبيل الذي إقترب من البواب:بتكلم نفسك ياعم صالح؟نظر إليه صالح قائلا:غصب عنى يانبيل بيه، فيه ناس كدة تخليك تكلم نفسك زي المجانين.إبتسم نبيل قائلا:سلامتك من الجنان ياراجل ياطيب.قال صالح:تسلم يابيه.كاد نبيل أن يغادر صاعدا إلى شقة مؤيد حين إستوقفه صوت البواب وهو يقول:بالحق يانبيل بيه، الست اللي كانت هنا من شوية كانت بتسأل على مؤيد باشا، والحقيقة انا مرتاحتلهاش خالص.عقد نبيل حاجبيه قائلا:.إسمها إيه الست دى؟قال صالح:مقالتش.قال نبيل:طب شكلها إيه؟قال صالح:هي ست حلوة، وبنت ناس، مش قصيرة ومش طويلة، شعرها بنى ووشها مدور وعينيها رمادى، وعندها شامة على رقبتها.أومأ نبيل برأسه بهدوء، فهو يعرف سيدة بتلك المواصفات بالفعل، ليتأكد من ظنونه ويصمم على إيجاد مؤيد وإخباره بكل ما يعرفه بدوره، على الفور.
رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشريرونك وحش قاس مخيف، بارد القسمات.ترتعد قلوبهم لمرآك، ترتجف من الخوف الدقات.وأراك أنا كما أنت، تعجز عن وصفك الكلمات.أراك بريئ كطفل في المهد، رائع الضحكات.تخفي روحك عن من حولك، تخشى نفوس تملؤها الظلمات.تحيط نفسك بهالة من الثلج، تختفى خلف الغيمات.ترهب الجميع لكنك لاترهبنى، فقد سبرت أغوارك وأدركت السمات.تخبرنى نافذة روحك عن ما تخفيه عن الجميع، أتعمق في النظرات.فأرى سحر يجذبنى، وأنا لطلاسم السحر من القارئات.كان خالد يمشى في طرقات المدرسة الخاصة بريم ينظر إلى ساعته التي تشير إلى أنه قد وصل قبل ميعاد الحفلة بوقت كاف جدا ليراجع معها دورها، ليبتسم وهو يدرك كم سيسعدها وجوده، ثم مالبث أن إختفت إبتسامته وهو يدرك أنها سوف تفتقد والدتها، لا يعلم كيف تفوت شاهيناز حفلة إبنتها الأولى بتلك السهولة، توقف متجمدا وهو يراها، أغمض عينيه ثم فتحهما مجددا، ليتأكد من أنه لا يحلم أو يتوهم ذلك، ولكنه لم يكن كذلك، لقد كانت هناك، تجلس على ركبتيها أمام طفلة صغيرة تعدل لها فستانها، بينما تنظر إليها الفتاة الصغيرة بحب، أصابته غصة في قلبه، يتساءل بألم، هل تلك هي إبنتها الصغيرة؟هل هي متزوجة؟أم مطلقة؟وربما أرملة، هو حقا لا يدرى، لقد ظنها عزباء، إقترب منهما بهدوء، ليستمع إلى صوتها الرقيق وهي تقول:.كدة بقى كله تمام ياروجي، عايزاكى بقا تقولى البارت بتاعك في المسرحية وتشرفينى.إبتسمت روجينا قائلة:أوعدك يامامى.توقف قلبه تماما وضاعت خفقاته، إذا هي إبنتها حقا، تبا، لما يؤلمه ذلك؟توقف خلفها تماما، لتنظر إليه الطفلة الصغيرة في فضول، إنها رائعة ولكن ملامحها لا تشبه جورية، ترى هل تشبه أباها؟أصابته غيرة حارقة، لم يستطع السيطرة عليها، بينما إلتفتت جورية لتنظر إلى مايلفت إنتباه صغيرتها، لتتجمد كلية وعيونها تقابل عيناه، ظلت هكذا لثوان، لا تحيد بنظرها عنه، ثم نهضت ببطئ تطالعه بصمت، ليقطع هو هذا الصمت قائلا ببرود:.إزيك يامدام جورية.عقدت حاجبيها في حيرة من دعوته إياها بلقب (مدام)، لتصحح كلماته قائلة:آنسة، آنسة جورية ياأستاذ خالد.تصدعت وجهته الباردة وهو يعقد حاجبيه بشدة منقلا بصره بينها و بين الطفلة، لتفهم جورية سبب دعوته إياها بهذا اللقب لتقترب منه هامسة بهدوء:روجينا، بنت كاتبة زميلة لية في الدار، للأسف مامتها متوفية، وأنا هنا بدالها، ربنا يرحمها.رغم أنفاسها التي لفحت بشرته، ومافعلته به من زلزلة لكيانه بالكامل، ورغم بذله كل قوته ليحافظ على ثباته، إلا أنه لم يستطع أن يمنع ملامح السعادة التي ظهرت على ملامحه لإدراكه أنها ليست إبنتها وأنها ليست متزوجة، لتتراجع جورية وقد علت وجهها حمرة الخجل وقد لاحظت مدى قربها من خالد في تلك اللحظة التي إستدار لها بوجهه فيها، ينظر إليها بعينين مسرورتين، لا تدرى سببا لذلك السرور البادى بأعماقهما.أفاقت من أفكارها على صوت روجينا وهي تقول بفضول:مين ده يامامى؟لتقول بهدوء تظاهرت به لتخفى خجلها:سلمى على آنكل خالد ياروجي، ده يبقى، يبقى...مال خالد يمد يده إلى الطفلة قائلا بحنان:أنا أبقى صديق مامى ياحبيبتى، وكمان أبقى والد الطفلة ريم نصار، لو تعرفيها.قالت روجينا بسعادة وهي تضع كفها الصغير داخل كفه الكبير:عارفاها طبعا، دى صاحبتى في الكلاس، ومعايا في المسرحية كمان، انا وهي الساحرات الطيبات.إبتسم خالد وهو يقرص وجنتها بخفة قائلا:أجمل ساحرات.إبتسمت جورية وهي تتابع تعامله مع تلك الفتاة الصغيرة بحنان، يذكرها في تلك اللحظة بفهد، حبيبها في الوادى، لتتشابك نظراتهما في تلك اللحظة، إعتدل ببطئ لا يحيد بنظراته عنها، لتتنحنح قائلة:إحمم، طيب إحنا هنستأذن عشان...قاطعها صوت يصرخ بمرح:بابى.إلتفتت جورية لترى طفلة صغيرة رائعة الجمال، تراها كثيرا في فصل روجينا حين تحضر إلى المدرسة في يوم الأربعاء، تمنحهم بعضا من وقتها وتمارس هوايتها في رواية الحكايات وتقليد أصوات الأبطال، أدركت الآن أن تلك الطفلة إبنة خالد فهي تشبه والدتها إلى حد كبير، تسرع إلى خالد ليجثو على ركبتيه يستقبلها بين أحضانه، لتقول بسعادة:فرحانة أوى إنك جيت يابابى، فين مامى؟نهض خالد وهو يحملها قائلا بإبتسامة أدركت جورية أنها مفتعلة:مامى عندها ميتنج مهم ياريمو، هتخلصه وتيجى علطول.إنتفض قلب جورية من خيبة الأمل التي ظهرت على وجه الطفلة وهي تقول:يبقى مش هتيجى، ومش هتراجع معايا البارت بتاعى.قال خالد:هتيجى ياقلبى، متقلقيش.حاولت جورى الخروج من هذا الموقف المحرج وإلهاء الطفلة عن حزنها لتقترب من الفتاة وهي تمد يدها إليها قائلة:.إيه رأيك تيجى معايا أنا وروجي ياحبيبتى عشان نعمل بروفة نهائية على المسرحية قبل العرض؟نظرت ريم إلى جورية ثم إلى روجينا التي أومأت لها برأسها مشجعة، لتمد يدها إلى جورية وقد إرتسم على ثغرها إبتسامة خلابة، لينزلها خالد وهو ينظر إلى جورية بإمتنان، لتومئ برأسها بهدوء ثم قالت:عن إذنك هنروح مكان هادى عشان نتدرب.أومأ برأسه موافقا، فكادت أن تغادر مع الفتاتين، ولكن إستوقفها صوته وهو يقول:إستنوا.إلتفتت إليه جورية والفتاتان ليقول بإبتسامة:أنا جاي معاكوا.علت البسمة ثغر جورية وظهرت الفرحة جلية على وجهها، لتخفيها بصعوبة ولكن ليس قبل ان يدركها خالد، ليبتسم بداخله، وهو يشعر بالراحة، وشعور آخر لم يحاول تلك المرة أن يقاومه، فقط تلك المرة.رن هاتف ليلة برقم فراس، ليدق قلبها بقوة وهي ترى إسمه على شاشة هاتفها، لتفتحه وهي تحاول أن تتمالك أنفاسها بصعوبة، قائلة:ألو.قال فراس بإبتسامة إرتسمت على وجهه فور سماعه صوتها وظهرت في صوته وهو يقول بهدوء:صباح الخير ياليلة.قالت ليلة بإبتسامة إرتسمت على شفتيها:صباح النور يا أستاذ فارس.قال بهدوء:قلنا إيه، فراس بس.صمتت بخجل ليشعر هو بخجلها ليستطرد قائلا:فاضية دلوقتى تيجى الدار؟قالت بحيرة:دلوقتى؟قال بسرعة:لو مش فاضية، خلاص.قالت بهدوء:أنا ورايا محاضرة بس ممكن أكنسلها، أنا كدة كدة، كنت جاية بعدها.قال فراس:أنا عارف، بس الحقيقة كنت حابب أتكلم معاكى شوية، قبل ما جورية تيجى.قالت ليلة:تمام، أنا جاية علطول، سلام.قال فراس بهدوء يحاول أن يخفى به فرحته الطاغية بقبولها الحضور على الفور:هستناكى، سلام.أغلقت الهاتف لتقول لها لبنى بعيون ثاقبة:ممكن أعرف بقى إيه حكاية فراس دى كمان؟قالت ليلة بإضطراب:.ولا حكاية ولا حاجة، أنا وهو بس بنحاول نجمع بين خالد وجورية زي ما قلتلك، متكبريش الموضوع.رفعت لبنى حاجبها الأيسر قائلة:علية أنا ياليلة، ده إنتى وشك كان فراولاية حمرا طول ما إنتى بتكلميه، وأول ما قالك تروحيله، سبتى محاضرة دكتور جمال اللي مبتفوتيهاش أبدا، وهتجرى جري عشان تقابليه.نهضت ليلة تلملم أشيائها من على الطاولة وتضعها بحقيبتها قائلة بإرتباك:.مفيش حاجة من اللي في دماغك دى خالص يالبنى، كل اللي بينى وبين فراس هو موضوع خالد اخويا وجورية وبس، لو فيه اكتر من كدة هقولك، سلام بقى عشان متأخرش.غادرت بسرعة لتنظر لبنى في إثرها، وهي تقول:.لأ فيه ياليلة، لهفتك اللي مش قادرة تخبيها، و رجليكى اللي طايرة من على الأرض وإنتى رايحاله، إنتى بس اللي مش عايزة تعترفى بمشاعرك، بس قريب أوى هتجيلى وهتقوليلى، أنا بحب فراس أوى يالبنى، أنا بس بتمنى إن فراس ده يكون حد كويس، ويكون بيحبك، عشان إنتى بجد تستاهلى قلب يحبك ويقدرك ويحافظ عليكى.لتتنهد وهي تنهض، تأخذ كشكول محاضراتها وهاتفها متجهة إلى محاضرتها، بهدوء.كانت لين تقف بجوار النافذة تتطلع إلى هذا المكان المقفر المحيط بالمنزل، تتساءل في حيرة كيف ستستطيع الهرب من هنا، لقد إختار مؤيد مكان حبسها بعناية، زفرت بقوة، تبغى فرارا لن تناله، تود لو كان كل ما مرت به منذ الأمس هو كابوس ستفيق منه بعد لحظات، ولكنها تدرك أنه واقع، أحضر مؤيد مجددا إلى حياتها، ويبدو أنه لن يغادرها بسهولة مجددا.أفاقت من أفكارها على صوت الباب يفتح ودخول مؤيد بصينية طعام، تأملته ببرود ثم أشاحت بوجهها بإتجاه النافذة مجددا، شعر بالغيظ ولكنه تقدم منها بهدوء، يضع صينية الطعام على السرير قائلا:مش هتيجى تاكلى؟لم تجبه، ليخطو بإتجاهها بخطوات سريعة يسحبها من ذراعها قائلا بحنق:لما أكلمك تبصيلى.إرتطمت بصدره، فتمسكت به كي لا تقع، ليرتعشا سويا للحظة قبل أن ينتفض مؤيد تاركا ذراعها لتبتعد عنه على الفور، وقد إستعادت توازنها لتنظر إليه بغضب قائلة:لو مسكتنى كدة تانى مش هيحصل طيب يامؤيد، مفهوم؟نفض مشاعره التي ثارت في قلبه وهي بين ذراعيه وهو ينظر إليها بتحدى قائﻻ:هتعملى إيه يعنى يالين؟قالت بقوة لا تشعر حقا بها:هعمل كتير، قلتلك إنى مبقتش لين بتاعة زمان، إتعلمت أجرح وأعلم بجرحى كمان.نظر لها لثوان ببرود ثم قال:وياترى جرحتى حد غيرى يالين؟نظرت إليه ببرود قائلة:ملقيتش حد غيرك يستاهل الجرح يامؤيد.كتف ذراعيه وهو يقول:والهانم شافتنى أستاهل الجرح بقى ليه؟شفتى إيه من منى من يوم ما إتجوزنا يخليكى تقولى الكلام ده.أشاحت بوجهها عنه ولم تجبه، كم كانت تتمنى لو قالت له ما إكتشفته عنه بالماضى، ولكنها لن تستطيع، فقد وعدت شاهيناز أن لا تبوح بما اخبرتها به لأحد، إلى جانب كرامتها كأنثى والتي أغتيلت على يده وليس في نيتها أبدا أن تجدد الإغتيال أو أن تستمع مجددا لأكاذييه، فلن تصدقها، فلقد رأت دليل خيانته بعينيها، أفاقت من أفكارها على صوته المحتد وهو يقول:.قوليلى أنا عملت فيكى إيه يخليكى تطلبى الطلاق، وتصممى عليه، تجرحينى في رجولتى وتقوليلى انك نفسك في أطفال وإنى مش هقدر أحقق حلمك، ده انا لو كنت عقيم فعلا وبتحبينى ولو شوية، كنتى متخليتيش عنى بالسهولة دى، أد إيه كنت ساذج زمان وسيبتك، فضلت سعادتك على سعادتى، مرضيتش اكون أنانى وأربطك بية، بس للأسف لما جينا وقت الجد ولقيتك هتكونى لغيرى مقدرتش أتحمل الفكرة، وصدقينى يالين، لغاية لما تعترفى إنك غلطتى في حقى، لغاية لما تركعى أدامى وتقوليلى سامحنى، مش هتخرجى من هنا ولا هتشوفى الشارع تانى.نظرت إليه لين ببرود قائلة:بتحلم ومسيرك في يوم هتصحى من الحلم ده وتعرف إنى مستحيل هعمل كدة، أنا لين نصار اللي مش ممكن حد يقدر يذلها أو يلوى دراعها وإن كنت ساكتة على المهزلة دى، فعشان بس أثبتلك إنك متهمنيش ومتهزنيش يامؤيد ياحسينى.نظر إليها بوجه خال من المشاعر، ولكن لين أدركت مدى تأثير كلماتها عليه من خلال إختلاجة بسيطة في وجنتيه، لم يكن غيرها ليلاحظها، ولكنها لين، من تحفظ خلجاته وسكناته عن ظهر قلب، تبادل كل منهم نظرات التحدى لثوان، قبل أن يلتفت مؤيد مغادرا الحجرة بخطوات سريعة، لتقترب لين من السرير تنظر إلى صينية الطعام، شعرت بحنين، لأيام كانت هانئة فيها، لا تدرك كم هي مخدوعة، ولا تعرف أي نوع من البشر هو مؤيد، لا تعرف سوى انه زوجها وحبيبها وتوأم روحها، هذا فقط، و لا شئ غيره، رجعت بذاكرتها قليلا للوراء.وقتها...، إستيقظت لين على صوت المنبه لتمد يدها وتطفئه وقد أزعجها صوت رنينه، لتعتدل وهي تنظر إلى جانب السرير الخالى من مؤيد بحيرة، ليفتح الباب في تلك اللحظة ويدخل مؤيد منه يحمل صينية الطعام، لتلوح البسمة على ثغرها، بادلها إياها على الفور قائلا:صباح الفل على عيون ست الكل.قالت لين برقة:صباح الخير ياحبيبى، شكلك صاحى من بدرى.أومأ برأسه وهو يجلس على السرير ويضع صينية الطعام ثم يناولها شريحة من الخيار في فمها لتلوكها برقة وهو يقول:أعمل إيه بس، حبيت أفاجئ مليكتى وأعملها فطار يليق بسموها.تأملت لين الصينية وقد حملت عليها كل ما تحبه، إبتداءا من كريب الموز الذي تعشقه إلى جانب توست الجبن المختلط، والسلطة المفضلة لديها والتي تعشقها من يده فقط، ولم ينسى عصيرها المفضل (عصير المانجو اللذيذ)حتى زهرتها المفضلة (التيوليب)وضعها في فازة صغيرة بالوسط تماما ليمنح إفطارها طعما آخر، إنه طعم مؤيد، لتمرر لسانها على شفتيها بطريقتها التي يعشقها وهي تقول بإستمتاع:كل ده علشانى؟إبتسم قائلا:.طبعا، بألف هنا ياحبيبتى.نظرت إليه بعشق:إنت أحسن زوج في العالم.قرصها في وجنتها بخفة قائلا:وإنتى أحلى زوجة، يلا بقى كلى ولا أكلك بإيدى؟إبتسمت ومدت يدها لتأخذ قطعة توست ولكن يدها توقفت في الهواء وهي تنظر إليه بنظرة ذات مغزى وهي ترفع حاجبها المنمق قائلة:مؤيد، كل ده لله والوطن، مش عشان حاجة تانية، صح؟إبتسم قائلا:هو لله وللوطن، بس لو حبيتى تهادينى بحاجة تانية، فأنا معنديش مانع، ده النبى قبل الهدية.لم تستطع لين منع ضحكاتها ثم قالت من بينهم:عليه الصلاة والسلام، انت ملكش حل يامؤيد.نظر إلى عيونها بعشق وهو يبتسم قائلا:كل ألغازى وحلولها وكل مفاتيحى بين إيديكى إنتى ياحبيبتى ومستحيل يكونوا في إيد حد غيرك أبدا، لين لمؤيد ومؤيد للين، للين وبس.أفاقت من ذكرياتها عند تلك النقطة تردد بمرارة:.كدبت علية يامؤيد، وكنت لغيرى كمان، إديتك كل نبضة في قلبى ومخدتش غير الألم والوجع، وبعد ما إفتكرت إنى خلصت من ذكرياتى معاك وخلصت من وجعك، رجعت لحياتى ورجعت معاك الوجع، وأنا قلبى ضعف، مبقاش يقدر يستحمل زي زمان، يارب، خفف عنى وريح قلبى، تعبت بجد.أغمضت عيناها بألم، ثم فتحتهما، لتنظر إلى تلك الصينية التي ذكرتها بالماضى الأليم، ولكن هيهات لما شعرت به في الماضى وما تشعر به الآن، لتبتعد بإتجاه النافذة مجددا، تنظر إلى الخارج، تتأمل هذا المكان، الذي أصبح منفاها، وسجنها، على الأقل في الوقت الحالى.صفق الجمهور بقوة لهؤلاء الأطفال الذين عرضوا مسرحيتهم بشكل رائع يخلب الألباب، نظر خالد إلى جورية التي كانت تصفق بفرحة شعت من عيونها ليتأملها قليلا، تخلب لبه ملامحها التي شعت بالضياء، حانت منها إلتفاتة إليه، لتتوقف عن التصفيق وهي تتجمد كلية.تجذبها عيونه بقوة ليتوقف الزمن وكلاهما لا يحيد بعينيه عن الآخر، لتكون جورية هي أول من قطع تواصلهم وهي تتنحنح قائلة:إحمم، مسرحية حلوة.أومأ برأسه بهدوء دون أن ينطق بكلمة، لتشعر جورية بالخجل فإستطردت قائلة:هي، إحمم، مامة ريم فين؟أشاح بوجهه وقد قست ملامحه فجأة قائلا:وراها ميتنج هتخلصه وتيجى.لم تود جورية أن تتعمق في الحديث عن غريمتها، فمن الواضح أن خالد على خلاف معها، لذا قالت بهدوء:أستاذ خالد، هو حضرتك لسة مصمم على إننا نغير أغلفة الروايات؟نظر إليها للحظات دون أن يتحدث، شعرت أن جسدها كله ينتفض من تأمله الصامت لها، قبل أن يقول:.هتصدقينى لو قلتلك مش عارف.نظرت إليه بحيرة ليستطرد قائلا:جوايا شخصين، واحد رافض الفكرة ومصمم على التغيير والتانى بيقول وفيها إيه يعنى؟، متكبرش الموضوع ياخالد، ومابين الإتنين أنا حيران، ومخنوق.صمتت جورية تشعر بخالد يفتح لها قلبه لأول مرة منذ أن وجدته ثانية، لم ترد مقاطعته بل تركته يبوح بمكنون صدره وبالفعل تنهد خالد وهو ينظر إلى الأمام قائلا بهدوء:تعرفى كمان أكتر حاجة محيرانى إيه؟ظلت صامتة، لينظر إليها يتأمل ملامحها الرقيقة قائلا:إنتى.كلمة واحدة ولكنها هزت كيانها بالكامل لتقول بحيرة:أنا؟أومأ برأسه قائلا:.أيوة إنتى، مش عارف أفهمك، كل حاجة تخصك محيرانى وقالبة كيانى كله، شخصيتك اللي مبقتش مناسبة للزمن اللي إحنا عايشين فيه، يعنى واحدة زيك إيه اللي يخليها تهتم بطفلة مش طفلتها لمجرد إحساسها بيتمها وإنها محتاجالها في حين ان بعض أمهات دلوقتى مبقاش يهمهم أطفالهم وبقى البيزنس عندهم أهم حاجة.أدركت جورية أنه يتحدث عن زوجته الآن، ليزفر قائلا:.مش بس كدة، حكاية أغلفة رواياتك والصدفة الغريبة اللي جمعتنا، مش صدفة واحدة، لأ، صدف كتيرة.ليشرد قائلا:وكأنه قدر ومصمم إنه يجمعنى بيكى.قالت جورية بحزن:مش قدر، لإن سكتنا مش واحدة، إحنا عاملين زي اتنين ركبوا قطرين وفى نقطة معينة إتلاقوا، وبعدين كل واحد هيكمل طريقه للنهاية وفى الأغلب مش هيشوفوا بعض تانى.نظر إليها قائلا:تفتكرى؟أطرقت برأسها دون أن تنطق، لتنتفض حين أمسك كفه بيدها يتخلل أصابعها وهو يقول بحنان:طب تفسرى بإيه إحساسى الأكيد دلوقتى، إن إيدك مكانها الطبيعى جوة حضن كفى؟نظرت إليه بحيرة، يرتعش جسدها بأكمله من نظرته إليها، ويدها القابعة بيده، يضغط بأصابعه على أصابعها مؤكدا كلماته، لم تدرى بماذا تجيب؟ولم تقوى على سحب يدها من يده، تشعر بأن يدها مكانها الطبيعي أن تكون في يده بالفعل، ولكنها إضطرت لأن تتركها حين إندفعت ريم بإتجاه أبيها تحتضنه وهي تقول في سعادة:بابى، الناس مبسوطين، وأنا كمان مبسوطة.لتحتضن روجينا جورية قائلة بدورها:.انا قلت البارت بتاعى زي ما حفظتينى بالظبط يامامى.ليحمل كل منهما طفله يضمه بحنان بينما تلاقت أعينهما، يدركان بكل قوة، أنه لا مهرب من مشاعرهم بعد الآن، وأن مصيرهما واحد، ولكنهما مضطران الآن للإفتراق، ولو مؤقتا.بينما تابعت عينان كل ما حدث ليرتسم فيهما حقد و قسوة، تنوى صاحبتهما أن تزيح تلك الجورى عن طريقها تماما، فهي تهدد زواجها بالكامل، ربما لا تهتم بهذا الزواج حقا ولكنها لن تدع لتلك الحقيرة فرصة بأن تفوز عليها ابدا، ربما ستترك خالد يوما ما إن إستطاعت إقناع حبيبها بوصلها والزواج منها، ولكنها بالرغم من ذلك، ستحرص على أن لا يكون خالد لتلك الجورية أبدا، فما لم يمنحه لها، لن يمنحه لغيرها أبدا، ستفعل المستحيل لتحقيق ذلك.خرج خالد بصحبة ريم من المدرسة وبجواره جورية وروجينا ليقول بهدوء:تسمحيلى أوصلك؟قالت جورية:معايا عربيتى...لتصمت حين رأته يحدق بنقطة ما خلفها وقد تغيرت ملامحه، إلتفتت لترى ما ينظر إليه فوجدته ينظر إلى سيارته التي تقبع بها زوجته تحدقهما ببرود، أصابتها غصة في قلبها، لتنظر إليه مجددا قائلة:عن إذنك يا أستاذ خالد، وأشوفك بخير.أومأ لها برأسه بينما قالت ريم:مش هتيجى معانا ياطنط جورى؟مالت جورية تربت على رأسها قائلة بحنان:مش هينفع ياريم عشان ورايا مشوار مهم ولسة هوصل روجي كمان.اومأت الطفلة برأسها ببراءة، لتنظر جورية إلى خالد مجددا تومئ له برأسها محيية قبل أن تغادر ومعها روجينا، بينما اتجه خالد والطفلة إلى سيارته وما إن أدخل ريم إلى المقعد الخلفي وجلس هو خلف المقود حتى بادرته شاهيناز قائلة بحدة:البنى آدمة دى إيه اللي جابها هنا؟وإزاي تسيبها تلمس بنتي؟ها؟نظر إليها خالد قائلا في برود:أظن لا هنا مكان الكلام ده، ولا ده وقته، والمفروض قبل ما تسألى أسئلة ملهاش معنى، تتطمنى على بنتك وتشوفى عملت إيه في حفلتها، ولا إيه؟حدقته بحنق، ثم أشاحت بوجهها ولم تنطق بكلمة، فهز رأسه يأسا، قبل أن يشغل سيارته ويتحرك بها متجها بهدوء إلى منزلهم، حيث سيبدأ ما إن يدخلون حجرتهم شجارا، يدرك أبعاده منذ الآن.
رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشردعني أجرب معك جميع الحماقات المكبوتة داخلي.دعني أكون معك الناضجة والطفلة و الحكيمة...دعني أرى بواطن الأمور على غير عادتهاوأنكب أكتشف الأشياء حولي لتتضح بأنها غير ماكنت أراه.أجري خلف السحاب، وأترجاك أن تمسك معي واحدةتبتسم وتشير لي بأن السماء جميعها ملك لي.وبأن القمر بات يغار من جمال طلتي...والنجوم ماعادت هناك، لأنك تراها تجمعت في عيني.دثرني بكلماتٍ دافئة حينما يشتد البرد حولي.فقد مللت الشراشف و الأغطية البالية.بقلم، سميرة البهادلى.نهض فراس يستقبل ليلة التي دخلت إلى مكتبه تمشى على إستحياء، ليقول بإبتسامة:ياألف أهلا وسهلا، نورتينى ياليلة.قالت بخجل:ميرسيه.لتقف أمامه تماما، تقول برقة:خير يافراس، كنت عايزنى في إيه؟إبتسم قائلا:طيب أقعدى الأول، واقفة ليه بس؟جلست بهدوء، لترفع إليه عينان رائعتان، شعر بقلبه يذوب بهما عشقا وهي تقول:خير يافراس، طمنى بقى، انت بجد قلقتنى.دار حول المكتب ليقترب منها ويجلس أمامها قائلا بهدوء:.أنا عايزك تطمنى، ومتقلقيش ابدا طول ما إنتى معايا ياليلة.قالت ليلة بلهفة:يعنى لقيت حل نجمع بيه جورية وخالد؟نظر إلى عينيها مباشرة، وهو يقول:لأ، الحقيقة الموضوع ميخصش خالد وجورية خالص، بس بصراحة مش قادر أسكت أكتر من كدة.عقدت حاجبيها بحيرة ليستطرد قائلا بإرتباك:إحمم، الحقيقة الموضوع يخصك إنتى.إزداد إنعقاد حاجبيها ليبتلع ريقه قائلا:ويخصنى أنا كمان.تسللت الحمرة إلى وجنتي ليلة، فإزدادت جمالا، ليقاوم هو جمالها الفاتن وهو يركز على كلماته قائلا:أكيد إنتى ملاحظة إنى معجب بيكى.أطرقت برأسها خجلا، ليستطرد قائلا:الحقيقة هو مش إعجاب وبس، هو حاجة أكبر من كدة، من أول مرة شفتك فيها وإنتى خطفتينى.رفعت إليه عينيها في دهشة، فإستطرد قائلا:.أيوة خطفتينى، بصى ياليلة أنا عارف إن إحنا منعرفش بعض كويس، بس اللي أنا متأكد منه إن اللي بينا مش حاجة بسيطة، لأ، أنا عمرى ما حسيت الإحساس ده ناحية حد، ولا عمر واحدة قدرت تأثر فية من أول نظرة بالشكل ده، انا كل مرة بشوفك فيها إعجابى بيزيد بيكى أكتر، ولولا إنى حاسس إن مشاعرى ليها صدى عندك انا مكنتش قلتلك على اللي جوايا.نظرت إليه لا تدرى ما الذي يجب عليها أن تقوله، فنعم لمشاعره صدى بقلبها بالتأكيد، وما كانت لتحلم بأن يجلس فراس أمامها يخبرها بأن لديه مشاعر تجاهها، فهو كأبطال رواياتها تماما، حلم العديد والعديد من الفتيات، فلماذا هي بالذات من حازت على إعجابه؟ليجيبها وكأن ملامحها الشفافة أخبرته عن تساؤلها، قائلا بنظرة حانية:.لإنك مميزة، مش بس بنت حلوة ورقيقة، لأ، قلبك ده من دهب، حبيت طيبته، وحنيته، حبيت روحك الحلوة اللي إتعاطفت مع قصة حب يائسة، حبيت رومانسيتك، في زمن مبقاش فيه حد مؤمن أصلا بالحب، وشقاوتك اللي أكيد مستخبية ومبتطلعش غير مع الناس اللي بتحبيهم وبس، لو كنت حلمت بواحدة أحبها، كانت هتبقى شبهك بالظبط ياليلة.إزدادت حمرة الخجل في وجنتيها، ولكنها ظلت صامتة لا تدرى بماذا تجيب على كلماته التي جعلت خفقاتها تشتعل بقوة، لينظر إلى عمق عينيها قائلا:مش هتقولى حاجة؟تنحنحت قائلة بخجل:إحمم، بصراحة مش عارفة أقول إيه؟مد يده يمسك يدها قائلا:قولى إن أدامى فرصة، وإنك حابة تعرفينى أكتر، طمنينى بس.سحبت يدها من يده بخجل قائلة بإرتباك:.أنا، يعنى، هتكلم بصراحة يافراس، دى أول مرة أتحط في الموقف ده، والحقيقة هي إنى مش هقدر أطمنك ولا أوعدك بحاجة غير بعد ما أتكلم مع أخويا خالد، وأشوف رأيه إيه، أنا متعودتش أخبى عنه حاجة، وخصوصا مشاعرى، ولو هو وافق ساعتها بس هنتكلم، خالد بيثق فية وأنا متعودتش أخون الثقة دى.تأملها بإعجاب إزداد مع كلماتها، ليبتسم قائلا:.وأنا كدة إتأكدت إنى إخترت صح، ياريت تحدديلى بقى ميعاد مع خالد وأنا بنفسى اللي هفاتحه في موضوعنا، وياريت يكون الكلام ده في أسرع وقت.نظرت إليه بدهشة، لتتسع إبتسامته قائلا:متستغربيش، مش كل يوم الواحد بيقابل الحب ولو قابله يبقى لازم ميضيعوش من إيده أبدا، وأنا مش مستعد بعد ما لقيتك أضيعك من إيدية ياليلة.أطرقت ليلة برأسها في خجل، كاد فراس أن يقول شيئا حين قاطعه صوت طرقات على الباب ثم دخول جورية إلى المكان قائلة بإبتسامة:إتأخرت عليكم؟إبتسم فراس قائلا:بالعكس، جيتى في وقتك تمام.لينهض عائدا إلى مكانه لتتقدم جورية وتجلس مكانه تنظر إلى ملامح فراس المنبسطة، وليلة المبتسمة بهدوء ولكن صمتها وحمرة الخجل على وجنتيها، يخبران جورية بالكثير.ألقى مؤيد نظرة واحدة على صينية الطعام ثم نظر إلى التي مازالت تقف بجوار النافذة تنظر إلى الخارج قائلا ببرود:مكلتيش ليه؟قالت دون أن تنظر إليه:مليش نفس.إقترب منها وهو يقول:إيه، ناوية تموتى من الجوع؟إلتفتت إليه تقول في غل:ياريت.توقف مكانه بغتة، ينظر إلى ملامحها النافرة، لتتقدم هي منه مستطردة بحدة:ياريتنى أموت من الجوع، عشان أرتاح منك يامؤيد.رغما عنه لاحت صدمته على وجهه وهو يقول:للدرجة دى يالين؟ظهر الألم بعينيها وهي تتوقف قائلة في مرارة:أيوة للدرجة دى، وأكتر كمان، أنا محبتش في حياتى أدك ومكرهتش برده أدك، نفسى أخلص منك وأبتدى حياتى بقى من جديد، بس للأسف مش عارفة، طلعتلى تانى بعد ما قلت إنى خلاص بطلت أح...قطعت كلماتها وقد كادت ان تبوح له بمكنون صدرها، لتزفر قائلة:.خلينا ننهى اللعبة دى بقى يا مؤيد وكل واحد فينا يروح لحاله، أنا كنت فاكراها لعبة مسلية بس للأسف لقيتها بايخة ومش مستاهلة نضيع وقتنا فيها.تأملها مؤيد في برود صقيعي، للحظات ظل صامتا وكأنه تمثال قد من صخر، ثم قال ببرود:.الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخلينى أنهى اللعبة البايخة دى زي ما بتقولى، هو إنك تعترفى إنك غلطتى في حقى، وتتأسفيلى كمان، غير كدة مش هنهيها وهتفضلى للأسف تلعبيها معايا، حتى لو وصلت إنى أسيبك تموتى من الجوع، صدقينى مبقتش تفرق معايا.ثم إستدار بهدوء مغادرا، تتبعه عيناها الغاضبتان من كلماته، وما إن أغلق الباب حتى حل الحزن محل الغضب وهي تقول بهمس:.إتغيرت أوى يامؤيد، بجد مبقاش يفرق معاك أموت أو أعيش؟ولا إنت قاصد بس تجرحنى؟بصراحة مبقتش قادرة أعرف، ولا عايزة أعرف، أنا بس بتمنى أخرج من المكان ده قبل ما أكرهك بجد.لتجلس على السرير وقد ترقرقت الدموع بعينيها، تبكى بحزن وذكرياتها معه تمر بخاطرها، تجعلها تحن لأيامهما معا رغما عنها، تتمنى فقط لو كان صان عهدهما ولم ينتهكه بتلك القسوة.إنفرجت أسارير ليلة قائلة:أما صدفة، جنان بجد.قالت جورية بحزن:هي كانت صدفة حلوة فعلا بس مع الأسف قلبت في الآخر، لو كنتى شفتى نظرات شاهيناز لية مكنتيش قلتى الكلام ده خالص، دى النظرات لو كانت بتقتل كنتوا دلوقتى بتترحموا علية.قالت ليلة بسرعة:بعيد الشر عنك، بس إنتى هتقوليلى على نظرات شاهيناز، عارفاها وحافظاها.نظرت جورية إلى فراس الذي أطرق برأسه ينقر بسبابته على المكتب، لتقول:ساكت ليه يافراس؟رفع إليها عيناه يقول بهدوء:بفكر ياجورى، الموضوع خطير على فكرة.نظرت إليه الفتاتان بحيرة ليستطرد قائلا:إنتوا مش ملاحظين إن القدر مصمم يجمع خالد مع جورية.نظرت الفتاتان إلى بعضهما البعض ثم نظرا إليه مجددا، ليتراجع في مقعده قائلا:بنسبة كام في المية كان ممكن أكتر حد متفائل يقول ان جورية هتلاقى خالد من تانى هنا في القاهرة، المدينة الكبيرة أوى دى واللي تعداد سكانها مقرب على العشرة مليون؟لم تنطق الفتاتان ليستطرد قائلا:طيب صدفة زي النهاردة دى لو خططنا ليها حتى، مكنتش هتكون بالشكل ده، وكأن لقاهم نصيب وإجتماعهم قدر، مهما رفضه خالد أو قاومه، ومهما حاولت جورية تبعد عنه.قالت جورية في حزن:بس إنت نسيت حاجة مهمة، بتمنع النصيب والقدر.نظر إليها فراس مستفسرا لتستطرد قائلة:شاهيناز وريم، حتى لو إفتكر الماضى او حتى حبنى من جديد، هيفضل إرتباطه بيهم أكبر سبب يمنع إتحادنا.قال فراس بحنق:.بطلى تعيشى ياجورى في العالم المثالى اللي مبقاش موجود على سطح الأرض، لو انتوا بجد بتحبوا بعض مينفعش حاجة تقف بينكم.لتقول ليلة بهدوء:بس أنا مش معاك يا فراس.نظر إليها فراس في دهشة فقد ظن أنها مثله ترغب في جمعهما سويا، لإن خالد وجورية يحبان بعضهما البعض بينما من الواضح وكما تقول ليلة أن خالد لا يحب زوجته ولا يرغبها، لتستطرد ليلة قائلة بحزن:.رغم إن خالد مبيحبش شاهيناز فعلا ولا هي بتحبه ورغم إنى شايفة إنه جورى هي اللي بتحبه وهو ميال ليها ده غير قصة حبهم اللي اتكتبلها تتنسى وتضيع من ذاكرته، ورغم انى بتمنى هم الاتنين يتجوزوا، بس أنا بتفق مع جورى، أنا لو مكانها مكنتش هقبل أبدا بإن يكون لية إيد في خراب بيت حبيبى حتى لو كان البيت ده متدمر أساسا.قال فراس بحيرة:.طب وإيه الحل؟، يفضل هو متعذب جوة جوازة مش عايزها، وتفضل هي متعذبة مع ذكرياتها، الحقيقة ده مصير أليم لقصة حب حرام تكون نهايتها بالشكل ده.تنهدت جورية قائلة:أنا شايفة إن الحل في النسيان، أنا لازم أنساه زي ما هو نسانى، وعشان أنساه يبقى لازم أبعد وأرجع الوادى.قالت ليلة في دهشة:بس اللي أعرفه إن الوادى ده هو اللي اتولدت فيه قصة حبكم، وكل ذكرياتكم هناك، إنتى كدة بتعذبى نفسك ياجورى.زفرت جورية بقوة قائلة:.هناك ذكريات حبه وهنا ذكريات نسيانه لية اللي بيعذبنى، تفتكرى إيه هو المكان الأفضل بالنسبة لى؟اللي بيفكرنى بحبه ولا اللي بيبقى فيه أدامى وناسينى وكأنى واحدة غريبة عنه، بصوا، أنا قررت خلاص، هرجع الوادى وهناك هجرب أعيش مع ذكرياتى معاه، وأنا ونصيبى بقى.قال فراس وهو يحدجها بنظرات ثابتة:أنا شايفك بتهربى ياجورى، وأنا متعودتش أشوفك كدة، مش قادرة تواجهى مشاكلك فبتحاولى تهربى منها.نهضت جورية قائلة في ألم:.ساعات بيكون الهروب هو الحل الوحيد أدامنا، ما هو يا نهرب يانتجنن، وفى الحالتين ضايعين يافراس، أنا مضطرة أسيبكم وأمشى عشان ده ميعاد مكالمة جدى، أشوف وشكم بخير.قالت ليلة بضيق:إنتى هتسافرى علطول كدة؟طب كنتى إستن...قاطعتها جورية قائلة:.مش هينفع ياليلة، كل ما هستنى هضعف، وفجأة مش هقدر أبعد، وهو كمان هيتعلق بية أكتر، وساعتها هندم إنى ممشتش ورا عقلى، وسمعت كلام قلبى، ومتقلقوش أنا هكون معاكم علطول، النت قرب كل المسافات، ولو وحشتكم بجد هلاقيكم عندى في الوادى، هستناكم تزورونى، أشوفكم بخير.ثم غادرت بهدوء، ليتبادل كل من فراس وليلة نظرات الأسى، يشعرن بها وبصراعها الداخلي ما بين عقلها وقلبها، لينتصر العقل في النهاية ويضيع العشق هناك، في وادى النسيان.كان خالد يبحث بين أدراج مكتبه عن صورة هذا العقد الأخير ليراجعه، ليرفع الملف الذي يضم بين جنباته إخطار البنك الأخير بحسابه به، توقفت يده وتجمد جسده وهو يرى الرواية التي تقبع تحت هذا الملف، مد يده الأخرى يسحب الرواية ثم وضع الملف وأغلق الدرج ليقرأ العنوان مجددا (أنفاس حياة)، تأمل صورته التي تكاد تماثله، وتأمل إسمها بقلب زادت خفقاته، لأول مرة ينتابه الفضول ليقرأ تلك الرواية التي خطت كلماتها تلك الفتاة التي كلما إقترب منها وجدها تجذبه بشدة، تطابق أوصافها فتاة أحلامه وتماثلها براءة ورقة بل تكاد تكون هي، يريد أن يفتح باب قلبه ويستقبلها بداخله إستقبالا يليق بكيانها الرقيق ولكنه ولسبب ما عاجزا عن إتخاذ تلك الخطوة، ربما هي ريم، أو هو الخوف من مشاعر قد تضعفه، لا يدرى حقا.فتح الرواية لتجرى عيناه على سطورها، لا ينكر أن لها أسلوبا جميلا في عرض فكرتها، أسلوب يجذب القارئ ببساطته، ولا يصيبه أبدا بالملل، تنقله بسلاسة مابين الأحداث، يشعر وللغرابة بمتعة كبيرة وهو يقرأ، رغم عدم إعجابه سابقا بمثل هذا النوع من الروايات، بل إنه كان يسخر من ليلة لعشقها لتلك الروايات الرومانسية الخيالية على حد قوله، لكنه وجد نفسه وكلما تعمق في القراءة كلما إزداد حيرة، يكاد يقسم أنه عاش بعض تلك المواقف التي ترويها جورية والتي تحدث ما بين ذلك البطل جاسر والبطلة جميلة، ليصعق كلية حين وصفت حلم من أحلامه حرفيا، وكأنها رأته معه، عايشته وتأثرت به، مثله تماما، ليغلق الرواية بسرعة وقد عقد حاجبيه، ينوى الوصول لحل هذا اللغز الذي يكاد أن يصيبه بالجنون، تماما.قالت جورية بحنان:لأ ياجدى، إنت بتضحك علية، بتاكل كويس إيه بس؟ده انت وشك خاسس خالص، ولونه أصفر كمان.قال عزيز بإبتسامة واسعة من خلال شاشة اللاب الخاصة بجورية:انا كويس والله ياجورى، وباكل كويس، انتى عارفة جليلة، بتفضل ورايا لغاية ما آكل وآخد الدوا كمان.إبتسمت جورية قائلة:وحشتنى خالتى جليلة، هي فين؟قال عزيز:ما انتى عارفة، في الميعاد ده بتسقى وردها اللي في الجنينة.إتسعت إبتسامتها قائلة:.وبتغنى اغنية أسمهان، يابدع الورد ياجمال الورد.ضحك عزيز قائلا:ما أنا هربت من صوتها وجيت على المكتب هنا أكلمك علطول.قالت جورية:حرام عليك ياجدى، طنط جليلة صوتها حلو أوى، مستحيل متحبوش.إبتسم عزيز بهدوء قائلا:هو حلو فعلا وإنتى طالعالها، أنا بهزر يابنت، المهم إنتى عاملة إيه دلوقتى؟تنهدت جورية ثم قالت بهدوء:الحمد لله ياجدى، خلصت الرواية، وبفكر آخد بريك وأجيلكم.إتسعت عينا عزيز بفرحة لا يصدق أذناه، ليقول بلهفة:بجد، بجد هتجيلنا ياجورية؟قالت جورية بإبتسامة باهتة:الظاهر كدة ياجدى، وحشتونى والوادى كمان وحشنى، هخلص بس شوية حاجات هنا وأجيلكم.قال عزيز بسعادة:هنستناكى يا بنتي وأهو بالمرة تحضرى فرح علا بنت عابد، دى هتفرح أوى لما تعرف إنك جاية وهتحضرى فرحها، عقبال ما أشوفك إنتى كمان عروسة ياجورى وأفرح بيكى بقى.إبتسمت جورى إبتسامة شابها بعض الحزن ثم تنهدت قائلة:.سلملى عليهم وسلملى على خالتى جليلة لغاية ما أجيلكم، وخلى بالك من نفسك.قال عزيز بحنان:إنتى كمان يا بنتي خلى بالك من نفسك.أومأت جورية برأسها قائلة:حاضر ياجدى، أنا هقفل دلوقتى، سلام.قال عزيز:مع السلامة ياحبيبتى.أغلقت جورية اللاب، ليرتسم الحزن على وجهها وهي تدرك أنها لن تصبح أبدا عروس ولن تحقق لجدها أمنيته، ترفض بشدة أن تصبح لغير فهد، أو خالد، لا يهم الإسم، فقلبها لم ولن يتفتح لغيره، قد كان ومازال حبها الأول والأخير، تدرك تماما أنها رغم عشقها له فلن تكون أبدا له، لتظل آمالها كما هي آمال جدها تماما، مستحيلة وتصيبها باليأس والحزن، مجددا.