رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرونكل قسوة منك ستذوب، فأنا أنثى من حريرفي قلبي لمعت نجوم عينيك و حب عتيقبالله عليك كيف تهنأ و أذبح انا بلوعة حنينأما لاحت لك شظايا أشواق كمشاعل حريقتخترق الحواجز و تلهب آهات أيام و سنينأمسك بقلبي و ذراعي فأنت البعيد قريبخلت بعدك الأماكن و ما غيرك لقلبي أنيسبقلم، نور محمد.وقفت شاهيناز على باب شقة مؤيد، ترن جرس الباب بلهفة، ليفتح لها مؤيد الباب، إبتسمت وعيونها تلمع بإعجاب وهي تراه بلباسه المنزلي المريح، ينظر إليها مبتسما بدوره، مفسحا لها الطريق لتدخل إلى شقته، وما إن أغلق الباب خلفها حتى إندفعت إلى حضنه تضمه بقوة قائلة:وحشتنى.تفاجأ مؤيد من فعلتها تلك ولكنه تمالك نفسه بسرعة وهو يدفعها عنه برفق لتنظر إليه بحيرة، قبل أن تعقد حاجبيها قائلة:هو أنا موحشتكش ولا إيه؟إبتسم قائلا:وحشتينى طبعا، بس إنتى أكيد عارفة عنى إنى مبلمسش واحدة متجوزة، ولا شكلك نسيتى ياشاهي؟قالت في حنق:لأ منستش، بس إنت عارف إنى هطلب الطلاق من خالد أول ما ييجى من السفر، وساعتها هكون حرة.أشار لها بالتقدم قائلا:لغاية ما تكونى حرة ياشاهى، مش هقدر ألمسك لإنى لو لمستك مش هسيبك وإنتى عارفة.تجاهلت إشارته وهي تتقدم منه قائلة:ومين قالك بس تسيبنى؟أوقفها مؤيد بإشارة من يده ونبرة صوت صارمة رغم توتره من جرأتها وهو يقول:شاهي.توقفت في مكانها وهي ترفع يديها في الهواء قائلة:خلاص خلاص، زي ماتحب.وإلتفتت تتجه إلى الأريكة، تخلع عنها جاكيت فستانها وتلقيه بإهمال عليها قبل أن تجلس بهدوء ليتقدم بدوره ويجلس على مقعد في مواجهتها، ظهر الإحباط على وجهها ولكنها قالت بهدوء:قريب وقريب أوى هتكون لية يامؤيد، خلاص هانت، مبقاش فاضل كتير.نظر إليها قائلا بإبتسامة ساخرة:زي ما قلتى ياشاهي، هانت خلاص ومبقاش فاضل كتير.عقدت حاجبيها قائلة:إنت مش على طبيعتك يامؤيد، أوعى تكون عرفت واحدة في إسكندرية وده خلى مشاعرك تتغير؟تراجع مؤيد يستند إلى ظهر مقعده قائلا بإسترخاء:ده كان زمان، أنا إتغيرت، ودلوقتى مفيش بنت تقدر تهز شعرة منى.قالت شاهيناز بحقد:.إتغيرت فعلا يامؤيد، مش عارفة بنت نصار عملتلك إيه؟، زي ماتكون سحرتلك، غيرتك من مؤيد اللي كان مدوب البنات وراه لمؤيد الاستريت، اللي مش وراه غير بيته وشغله وبس.تجمد مؤيد عند ذكر لين وإعتدل عاقدا حاجبيه قائلا بحزم:مبلاش السيرة دى، متقليبيهاش غم ياشاهي.قالت شاهيناز بإبتسامة:.معاك حق، أنا مبكرهش في حياتى أدها عشان خدتك منى، بس يمكن الحاجة الوحيدة اللي طلعت كويسة من موضوعها إنى بطلت أفكر في مصايب لصاحباتك اللي تعرفهم، انا كنت مرة هقتل واحدة منهم، بس انت سبتها قبل ما أقربلها، حظها بقى.قال مؤيد بإبتسامة يوارى بها شعورا مريعا بالإشمئزاز من تلك المرأة المريضة:أد كدة كنتى بتحبينى ياشاهى، إزاي بس كنت أعمى ومشفتش حبك ده؟نهضت شاهيناز وجلست على ركبتيها أمامه، تمسك يديه، قائلة بعشق:أنا مش بس بحبك، أنا بعشقك يامؤيد.نهض مؤيد وقد شعر بالتوتر من إقترابها منه هكذا، قائلا بسخرية:بس الظاهر بطلتى تحبينى ياشاهى وإلا كنتى حاولت تدبرلى مصيبة للين، عشان تفرقى بينا زي ماكنتى بتعملى مع صاحباتى زمان.نهضت بسرعة مقتربة منه، تقف أمامه وهي تنظر إلى عينيه بحب قائلة:.مين قالك بس إنى محاولتش أفرق بينكم، أنا عمرى ما بطلت أحبك، وفضلت لآخر لحظة أحاول، بس مقدرتش.نظر إلى عيونها قائلا:مشفتش منك يعنى اللي يدل على كدة.قالت بحقد:.لإنك مكنتش بتشوف غيرها، أنا حاولت كتير أفرق بينكم بس دايما كان حبكم أقوى منى، لغاية مالقيت السلاح اللي ممكن يقضى على أي علاقة حب، الشك والغيرة، بدأت واحدة واحدة أزرعها في قلب لين، لغاية ماجتلى فكرة انك بتخونها مع واحدة تانية وأثبتلها ده بالدليل القاطع واللي مقدرتش تشكك فيه.عقد حاجبيه قائلا:دليل إيه ده، أنا عمرى ما خنتها؟إبتسمت في خبث قائلة:.انت عمرك فعلا ما خنتها بس الشهادة اللي وريتهالها واللي أثبت فيها إنك ليك بنت من لحمك ودمك ومن غيرها، خلاها تتأكد من خيانتك.إزداد إنعقاد حاجبيه قائلا:زورتى الشهادة؟إتسعت إبتسامتها الخبيثة قائلة:لأ طبعا، إنت ليك فعلا بنت عايشة من أم غير لين، إنك متعرفش عنها حاجة فدى بقى غلطتك لإنك زمان مكنتش بتدور ورا علاقاتك وإذا كان ليها نتايج أو لأ.أمسك بذراعها يقول في حدة:البنت دى فين دلوقتى؟، إنطقى.نظرت إليه في توتر قائلة:إهدى بس، وهقولك، البنت دى تبقى، تبقى، ريم.ترك مؤيد ذراعها وهو يتراجع، بصدمة.قالت جورية بضعف:إفهمينى ياليلة، قرارى المرة دى مش ممكن هتراجع عنه، جدى معاه حق، مينفعش أبنى علاقة مع واحد متجوز، لمجرد إنى بحبه و انه مش مرتاح مع مراته الأولانية، قراره بالإنفصال عنها مينفعش يكون متأثر بوجودى في حياته، أنا هفضل بعيدة عنه، يمكن يرجع لمراته ويكمل معاها لما أختفى من حياته، ولو محصلش، لو فعلا طلقها ساعتها ممكن يكون فيه أمل لعلاقتنا، لكن قبل كدة مستحيل.قالت ليلة بحزن:.أنا مش معاكى ياجوري في قرارك، علاقة خالد بشاهيناز منتهية من قبل ما يعرفك، والدليل على كدة إصراره على وجودنا لوحدنا في بيت تانى بعيد عنها، ووجودك إنتى في حياته يمكن عوض من ربنا ليه على حاجات كتير إستحملها في حياته وأولهم شاهيناز على فكرة، ورغم إعتراضى بس أنا هسيبك براحتك، لإنى واثقة إنى قريب وقريب أوى هفرح بيكوا انتوا الاتنين.قالت جورية:طيب سيبك من موضوعنا دلوقتى وطمنينى هتقدرى تنزلى الكلية امتى؟قالت ليلة:مش قبل آخر الشهر، ده لو فراس سمحلى طبعا، عاملين علية هو وخالد كماشة، أوامر اوامر، متقوميش، متنزليش، متعمليش، لسة مبقاليش يوم واحد في مصر وقربت أتجنن.إبتسمت جورية قائلة:معلش ياقلبى، كل الأوامر دى عشان خايفين عليكى، وياريت تكونى بنوتة شاطرة وتسمعى الكلام...إبتسمت ليلة قائلة:.بسمعه طبعا، مضطرة بقى، واللي مصبرنى رواياتك، بكمل قرايتها، على فكرة، إنتى مبدعة، وتقريبا بقيتى كاتبتى المفضلة، حبيت رواياتك أوى.قالت جورى بإبتسامة باهتة:شئ يسعدنى ياليلة، وهتحبيهم أكتر لما تعرفى إن في كل رواية فيه مواقف من الواقع، من قصتى مع فهد.تنهدت ليلة قائلة:حسيت بكدة على فكرة.قالت جوريةبلهجة تحذيرية:المهم ياليلة، مش عايزة خالد يعرف مكانى ولا يعرف حاجة من اللي قلتهالك دلوقتى، مفهوم؟قالت ليلة:.مفهوم.قالت جورية:هسيبك دلوقتى ترتاحى وأكلمك بعدين، لا إله إلا الله.قالت ليلة:محمد رسول الله.ثم أغلقت ليلة الهاتف وهي تمنحه لفراس، الذي ولج للتو إلى الحجرة لينظر إليها بإستفهام لتهز رأسها نفيا قائلة بإحباط:مفيش فايدة.قال مؤيد بصوت مصدوم كلية:ريم تبقى بنتي أنا؟كادت شاهيناز أن تتحدث حين قاطعها صوت يأتى من خلفها قائلا بصرامة:كنت متأكد على فكرة.إلتفتت شاهيناز بحدة تنظر إلى صاحب الصوت لتجده خالد يرمقها بوجه جليدي الملامح، تدرك الآن أنه في قمة غضبه، لتقول بصوت مهزوز:خ، خا، خالد.إقترب منها خالد قائلا بنبرة حادة كالسيف تقطر غضبا:.أيوة خالد، خالد اللي إستحمل قرفك، سامحك لما عرف بغلطتك قبل الجواز، كمل معاكى وإداكى أكتر من فرصة عشان تبقى واحدة محترمة ونضيفة، بس مع الأسف، اللي جاي من الوحل بيفضل طول عمره في الوحل.قالت بإضطراب:ياخالد أنا...هدر قائلا بصوت صارم:.إنتى إيه، ها؟إنتى واحدة حقيرة مكتفتش بإنها قربت من حبيبها بالغش، وحملت منه، لأ، راحت إتجوزت غيره ونسبت بنته ليه، وده طبعا مش كفاية عليها، راحت كمان فرقت بين حبيبها ومراته، عشان يرجع ليها من تانى، تفكير مريض من واحدة مريضة، أنا عايز بس أسألك، ذنب ريم إيه؟، ذنب لين إيه؟، ذنب مؤيد إيه؟وذنبى أنا إيييييه؟صرخت قائلة:كلكم مذنبين، كلكم مذنبين.أشارت إلى مؤيد الذي مازالت علامات الصدمة واضحة جلية على ملامحه، قائلة:ذنبه إنه محسش بية وبحبى ليه، وسابنى بعد ما غلط معاه، حتى لو كنت أنا السبب، فكان لازم على الأقل يستر علية ويشوف لو الليلة دى كانت نتيجتها طفل، وذنب لين إنها خطفته منى ومبصتش لماضيه قبل ما تتجوزه وذنبك انت عشان حسستتى إنك متجوزنى خلاصة حق، وإنك بتشفق علية مش أكتر، أما ريم.فذنبها إنى أنا أبقى مامتها ومؤيد يبقى باباها، يبقى باباها ياخالد.نظر إليها خالد بإحتقار قائلا:.متجيبيش الذنب علينا، الغلطة غلطتك من البداية، طول عمرى حاسس إن جوازى منك كان أكبر غلطة في حياتى، والحمد لله إنى خلصت من الغلطة دى النهاردة، وعلى فكرة منصدمتش فيكى ولا إنصدمت من موضوع ريم، من أول مامؤيد ولين قالولى وأنا كنت متأكد من إن ريم هي البنت اللي انتى خدتى منها العينة، كل الشواهد كانت بتقول كدة، بس كنت محتاج إعترافك عشان أحرمك منها وأحرمك من كل حاجة حلمتى تاخديها ياشاهيناز.ليشير إلى الكاميرات قائلا:والحمد لله إتفقت مع مؤيد ليلة سفرى لباريس مع ليلة، انى أكون موجود وهو بيخليكى تعترفى بجرايمك، و قدرت معاه آخد إعترافك كله وأصوره صوت وصورة.ليخرج من جيبه ورقة الطلاق الخاصة بها، يلقيها في وجهها المصدوم من كلماته وهو يقول:دلوقتى أقدر أقول إنى إتحررت منك، وحققت إنتقامى، إنتى طالق ياشاهيناز، طالق، طالق.نظرت إليه شاهيناز بصدمة ثم نظرت إلى مؤيد الجالس على كرسيه منهك القوى، لتقول له بهذيان:مؤيد الكلام ده صح؟إنت كنت متفق معاه؟عشان خاطرى قولى إن كل اللي قاله ده غلط، قول إنه مش صح، قول إنك مخونتنيش يامؤيد، قووول.رفع مؤيد عيونه إليها يظهر الكره في طياتهما وهو يقول بحقد:.هقول ياشاهيناز، هقول إنك أحقر بنى آدمة شفتها في حياتى، وإنى مبكرهش في حياتى أدك إنتى، ياريتنى ما قابلتك ولا عرفتك، روحى ياشيخة منك لله.نقلت شاهيناز عيونها بين خالد ومؤيد، لتطرق برأسها في إنكسار تنهمر دموعها على وجهها وهي تبتعد بسرعة خارجة من الشقة تتابعها عيون كل من خالد ومؤيد النافرة الغاضبة المحتقرة، وما إن غادرت حتى إلتفت إلى خالد إلى مؤيد الجالس بإنكسار ليشعر خالد بالشفقة عليه، إقترب منه خالد قائلا:إنت كويس يامؤيد؟رفع إليه مؤيد عينان دامعتان وهو يقول:.وهكون كويس إزاي بعد اللي عرفته ده ياخالد؟بنتي كانت أدامى طول الوقت ده وأنا محروم منها ومحروم من كلمة بابا اللي حلمت بيها عمر بحاله، أنا مش قادر أستوعب المفاجأة.قال خالد برفق:أنا كمان كنت زيك، ضربة قوية خدناها بس الضربة اللي مبتموتش بتقوى يامؤيد، وأنا عايزك قوى عشان خاطر ريم.قال مؤيد:تفتكر هقدر أواجهها بالحقيقة دى؟قال خالد بحزم:.لازم نواجهها مع بعض ونمهدلها الموضوع ولازم كل حاجة غلط تتصلح يامؤيد، ما بني على باطل فهو باطل، ريم هتفضل بنتي طول العمر، الأبوة مش بالدم، بالعشرة والتربية، بس لازم كمان تعرف إنك باباها، صحيح مش هينفع نقولها الحقيقة مرة واحدة، وهنجيبهالها بالتدريج، بس أنا واثق ان ريم هتقدر تستوعبها وتستحملها، ريم بنت ذكية، وميتخافش عليها، صدقنى.نظر مؤيد إلى عيون خالد الواثقة القوية ليستمد قوته منهما، يومئ برأسه بهدوء، وراحة.وقفت شاهيناز في هذا الوقت المتأخر تتطلع بصمت إلى صفحة النيل العميقة أمامها، تتطلع إلى مياهه السوداء تماما كقلبها الآن، قد خلقه الله صافيا فلوثه البشر، كذلك كان قلبها في صغرها قبل أن تلوثه أفعال أباها وأمها، فلم تخبر أحدا قط عن نشأتها المتواضعة في منزل بحي فقير من أحياء القاهرة، لاقت من أبيها تعذيبا وقسوة ولاقت من أمها إهمالا ولا مبالاة بما يحدث لها، لتنشأ حاقدة كارهة لهما، تمتلئ نفسها بالحقد أيضا على أقرانها ممن يمتلكون حياة طبيعية تختلف عنها، لتكون الطامة الكبرى حين قتل أباها شريكه في التجارة وسرق المال، هكذا سمعته يخبر أمها في تلك الليلة المشئومة، ليصبح بعدها والدها هو توفيق حسان صاحب الشركة التي حولها بالرشاوى والفساد إلى شركة مشهورة، لتنغمس والدتها في الحفلات تاركة إبنتها تضيع، تشرب المخدرات وتنتقل من أحضان رجل لآخر غير آبهة بأي شئ، ليتوفى والدها وتتزوج والدتها بعده عدة مرات، حتى حينها لم تبالى شاهيناز سوى بنفسها فقط، وليذهب الجميع إلى الجحيم، لتستيقظ يوما في المستشفى يخبرونها أنها كادت أن تموت بجرعة زائدة من الهيروين، وكالعادة وفى أي مصيبة لها وجدت نفسها وحدها تماما، لتقرر الإقلاع عن المخدرات وقد وجدت نفسها فجأة تحب الحياة، وبالفعل أقلعت عن المخدرات بعزيمة وإرادة، وحينها تزوجت والدتها بوالدة مؤيد وأصبح لديها إدمان من نوع آخر، إسمه مؤيد، أحبته كثيرا بكل كينونته، مميزاته وعيوبه، وسامته وإستهتاره، عقله وجنونه، ولكنه لم يراها، ولن يراها قط، لتدرك فجأة أنها لن تشفى تلك المرة من الإدمان ولن تستطع الإقلاع عن حبه أبدا، سوى بالموت، نعم الموت، ربما هو الحل الوحيد لكل عقدها، فربما لو ماتت ما شعرت بهذا الألم الذي يعتصر قلبها الآن بقوة، ولإبتعدت عن حياة طفلتها فلا تنشأ مثلها، رغم أنها تدرك أن خالد ومؤيد سيحرمانها منها بالتأكيد، وحتى إن تركوها تراها فماذا ستقول لها عن سبب إنفصالها عن خالد وماذا ستقول لها عن مؤيد؟لقد خربت حياتها بالكامل وخسرت كل شئ، إذا فلتخسر حياتها بدورها، فلاشئ فيها قد يجعلها تتمسك بتلك الحياة الغريبة البائسة، صعدت على السور بسرعة ونظرت إلى المياه المتلاطمة بخوف ولكنها مالبثت أن أغمضت عينيها وهي تقفز في المياه، أحست بالمياه تغمرها، تخنقها، تسحب أنفاسها وتزهق روحها، حاولت التمسك بحياة تنساب من بين يديها، ومقاومة تيار المياه ولكنها كانت أضعف من أن تقاومها لتضعف مقاومتها رويدا رويدا حتى خفتت تماما وغاصت إلى الأعماق، وإختفت تماما من على سطح الماء، لترحل شاهيناز وقد خسرت دنياها وآخرتها، نسيت في غفلة منها أننا مهما عانينا في تلك الدنيا الفانية فعلينا أن نتمسك بالأمل في الله وأن نرجوا منه فرجا لهمومنا، فالمنتحر قانط من رحمة الله، مثواه جهنم، وبئس المصير.
رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثونويوماً ما ستأخذنى بدرب الحب ننسانا.سأجلس على أرجوحة أنت صانعها تفلتها لتعود يديك تلقاها...سنجوب عالم الكذب سيطوف حولنا الحزن لتكون النجاة يوم لقائنا الحافل فننسي كل ما كان.وعلى شرفات الانتظار سأبقى أفكر في البعد يوماً لكن للقرب منك بالقلب قراراً.خيالاً كنت أم وهماً سانتظر أن تأتى من الغيمات بأمطار تزرع على حدود صبرى أزهاراً.بقلم، حنان صلاح.جلس مؤيد فلم تعد قدماه قادرتان على حمله من هول الصدمة قائلا:إحنا السبب ياخالد، صح؟جلس خالد بجواره يغمض عينيه ويضع إصبعيه السبابة والإبهام على ذلك الجسر مابين عيناه يقول بحزن:لأ مش إحنا، ده قدرها، ومتحملش نفسك فوق طاقتها يامؤيد، اللي زي شاهيناز بتكون نهايتهم كدة وأسوأ من كدة كمان.نظر إليه مؤيد قائلا بمرارة:.مفيش أسوأ من كدة ياخالد، دى ماتت منتحرة يعنى خسرت دنيتها وآخرتها وخليتنى أعيش طول العمر بذنبها، أفكر لو بس كنت خدت بالى من تصرفاتى معاها، لو كنت فهمتها بالراحة إنى مش ممكن أكون وياها، لو كنت حاولت أصلح غلطتى، جايز كانت...فتح خالد عينيه و نظر إليه قائلا بحزم:.متفتحش للشيطان مكان يدخل لأفكارك منه، زي ما شاهيناز فتحتله وخلاها تفتكر إنها بكل اللي عملته تقدر تحقق اللي هي عايزاه، خلاها تتصور إن حتى بموتها هتقدر تنهى الفضيحة اللي كانت هتطولها لو حد عرف باللى هي عملته، سمعت كلام الشيطان اللي خلاها أنانية حتى في موتها، مفكرتش للحظة واحدة ممكن يأثر على بنتها إزاي؟للأسف يامؤيد الشيطان لو إتمكن من أفكارنا هيودينا في سكك مكناش نتصور إن إحنا نوصلها، ولا كنا نتخيل إن الحاجات دى ممكن تحصلنا، قاوم شيطانك يامؤيد بالإستغفار، واطلب ليها الرحمة، ده اللي في إيدينا ليها دلوقتى.أومأ مؤيد برأسه ثم فرك وجهه بيديه وهو يقول:أستغفر الله العظيم، ربنا يرحمها ويغفر لها ويغفر لنا جميعا.ربت خالد على فخذ مؤيد قائلا:.يارب، قوم بقى إغسل وشك وتعالى معايا عشان هندفنها، ونعملها كمان في البيت صوان عزا، أنا قدرت ألم الموضوع بسرعة عشان الفضايح وإتكتب في المحضر إن موتها كان قضاء وقدر، كانت بتميل تتفرج على مية النيل، فقدت توازنها ووقعت، مش عايز أفتح علينا ألف باب، وأشوه سمعتها وسمعة ريم بنتها، هي خلاص ماتت، ربنا يغفر لها بقى.عقد مؤيد حاجبيه قائلا:والشريط اللي معانا؟قال خالد:.وريته للين، هي الوحيدة اللي كان من حقها تشوفه، وده كان كمان قبل ما أعرف بخبر موت شاهيناز، دلوقتى هي ماتت والشريط ده مليان بذنوبها، كسرته طبعا، هعمل بيه إيه؟أومأ مؤيد برأسه قائلا:معاك حق، الشريط ده كان دليل برائتى أدام أختك، وآداة في إيدك لو شاهيناز طالبت بحضانة ريم، خلاص فعلا، مبقاش ليه أي لازمة، يلا بينا ياخالد، خلينا نقفل صفحة الماضى بحلوها ومرها.أومأ خالد برأسه موافقا في، صمت.إنتهى العزاء سريعا وكأن الأيام لا تريد أن تتمهل، لتمنح أبطالنا فرصة لمداواة جروحهم القديمة وأحزانهم الحالية، ليقف خالد مودعا مؤيد الذي قال:أشوف وشك بخير ياخالد.قال خالد بهدوء:لسة مصمم تسافر وتسيب البلد؟أومأ مؤيد برأسه قائلا:مش هينفع أعمل أي حاجة غير كدة، كل حاجة هنا هتفكرنى بالماضى اللي عايز أنساه، أنا خلاص عملت اللي كنت قاعد علشانه وأثبت برائتى أدام الكل، هقعد ليه تانى؟قال خالد:.طب وشغلك في إسكندرية، و ريم؟قال مؤيد بألم ظهر في عينيه:إحنا مكناش لسة خلصنا ورق الشركة في إسكندرية، يعنى مش هنخسر حاجة، ولو نبيل حابب يكمل عشان سها هيكمل ويختارله شريك غيرى، أما ريم فمن الأحسن ليها إنها تفضل مفكراك باباها أحسن ما أصدمها من دلوقتى وأخليها معقدة نفسيا، جايز مع الأيام أرجع وأفهمها الحقيقة، بس الأكيد إنى مش هقدر أقولها أي حاجة دلوقتى.تنهد خالد قائلا:.أنا مش معاك يامؤيد في قرارك، بس هسكت على أمل إنك تقتنع لوحدك بإن وجودك معانا هو أنسب قرار ممكن تاخده.ربت مؤيد على كتف خالد قائلا:معتقدش، أشوفك بخير ياخالد، هروح أودع ريم وأمشى علطول.قال خالد بدهشة:إنت هتسافر باريس النهاردة؟إبتسم مؤيد بهدوء وهو يقول:لأ، لسة هلغى كل حاجة في إسكندرية الأول، فهسافر بكرة إسكندرية أخلص كل حاجة وبعدين هسافر على باريس علطول.إبتسم خالد قائلا:ربنا يوفقك يامؤيد.إبتسم مؤيد إبتسامة باهتة ثم تركه مغادرا بخطوات سريعة، لينظر خالد في إثره قبل أن يتنهد ويذهب في الطريق المعاكس ليستنشق بعض الهواء، فقط يريد بعض الهواء، يشعر بالإختناق لما آلت إليه الأمور، يود لو إختلفت تلك الأمور قليلا، ولكنه القدر، وهو نفسه ذلك القدر الذي سيحمله في الغد إلى محبوبته ليريح قلبه المعذب في بعدها ويفضى لها بمكنون صدره.بينما تابعت عيون تحمل العشق والإصرار مؤيد وهو يودع طفلته بعيون غشيتها الدموع، لتهز رأسها تنوى تغيير خططه كلية بعد أن إستمعت لحديثه مع أخيها لتقول بهمس وإصرار:مش ممكن هكرر غلطة زمان وأسيبك تمشى من غير ما أصارحك باللى جوايا يامؤيد، وساعتها القرار هيكون في إيدك ياتقتلنى بسكينة بعدك، ياترحمنى وتسيبنى أعيش.قال خالد لليلة عندما رآها تغلق هاتفها وهي تزفر بعمق:لسة بتتصل بيكى؟قالت ليلة بحنق:أيوة ولسة مبردش عليها زي ما قلتلى وعلى فكرة ده هيقلقها ومش بعيد يجيبها القاهرة.قال خالد بغموض:مش هتلحق.إتسعت عينا ليلة بفرح قائلا:هتسافرلها، صح؟إبتسم قائلا:بكرة الصبح علطول، مش هوصيكى على ريم، خدى بالك منها إنتى ولين.إتسعت إبتسامتها قائلة:في عينينا ياخالد، متنساش توصل سلامى ليها ومترجعش من غيرها.إتسعت إبتسامته وهو يقول بعزم:هيحصل ياليلة، هيحصل.إقترب خالد من طفلته النائمة بهدوء، نعم طفلته، يدرك أن الأبوة ليست بالجينات ولكنها بالشعور، لقد ولدت على يديه، وكان بجوارها أثناء نشأتها، يوم بيوم وسنة بسنة، حتى عندما أفاق من غيبوبته في تلك المستشفى، ورغم تخبطه من إدراكه بمرور عام كامل لا يدرى كيف مر وهل كان في الغيبوبة طوال ذلك العام أم كيف مر عليه دون أن يدرى أو يعلم أحد في المستشفى عنه شيئا؟، إلا أنه ترك تخبطه وأفكاره على جنب وهو يسرع إلى المنزل، يفتقد بشدة رؤية طفلته الحبيبة ريم، تلك التي لم تفارق صورتها خياله طوال الطريق ولم يشعر بالراحة أبدا حتى ضمها بين حضنه، يشبع توقه إليها.عاد من رحلة الذكريات إلى أرض الواقع وهو يتأمل ملامح ريم الجميلة، يرى الآن تشابه ذقنها مع ذقن أباها، أما باقى ملامحها فتشبه أمها بشدة، تنهد قائلا بحزن:إنتى بنتي ياريم، مهما حصل هتفضلى بنتي ياحبيبتى.ثم دثرها بحنان ومال مقبلا جبهتها برقة ليعتدل ويراها تنظر إليه بعيونها الدخانية الجميلة بنظرة حزينة دامعة، جلس على الفور بقربها قائلا:مالك ياقلب بابى؟فيكى إيه؟إعتدلت جالسة وهي تقول له بصوت متهدج:.إنت مقلتش الحقيقة يابابى، خبيت علية، صح؟نظر إلى عمق عينيها في وجل قائلا:خبيت عليكى إيه ياحبيبتى؟قالت ريم بحزن:قلتلى مامى سافرت، بس مامى مسافرتش، صح؟لم يستطع أن يكذب عليها مجددا، خاصة وهي ترمقه بتلك النظرة ليومئ برأسه في هدوء، لتستطرد ريم قائلة:مامى ماتت وراحت عند ربنا زي ماسمعت دادة فريدة وهي بتقول لدادة سناء، مامى ماتت زي مامة نودى صاحبتى، صح يابابى؟أومأ برأسه مجددا لتنهمر الدموع من عينيها قائلة:يعنى أنا مش هشوفها تانى يابابى، ومش هلعب معاها؟مش هتقولى تانى ياأميرتى الحلوة؟ضمها خالد بين ذراعيه بسرعة، يربت عل رأسها بحنان وهو يقول بحزن:مامى في مكان أحسن ياحبيبتى وأنا هنا، مش هسيبك، هكون ليكى مامى وبابى، هلعب معاكى وهقولك كمان ياأميرتى الحلوة.ثم أخرجها من حضنه ناظرا إلى عينيها بثبات وهو يقول:.مش أنا بس، آنطى ليلة وآنطى لين وآنطى جورية كمان، كلنا جنبك ومعاكى ومش هنسيبك أبدا.ليصمت لثانية يتأكد من إستيعاب طفلته لكلماته قبل أن يستطرد قائلا:.أنا عارف إنك زعلانة ياريم، عشان مامى مش معانا، بس لازم تعرفى إن كلنا في يوم من الأيام هنروح لربنا احنا كمان، هي دى الدنيا ياريم، كلنا هنموت، وهنتجمع تانى في الجنة وعشان تكونى مع مامى وبابى في الجنة لازم تكونى بنوتة طيوبة وتسمعى الكلام، اوعدينى ياريم، اوعدينى إنك هتكونى بنت بابى الشاطرة اللي هتسمع الكلام.قالت ريم بصوت ضعيف:أوعدك يابابى.مد خالد يديه يمسح دموع ريم وهو يقول بحنان:.عايز أشوف إبتسامة ريمو الحلوة عشان بابى مسافر بكرة ومش عايز يمشى من غير ما يطمن على بنوته.عقدت ريم حاجبيها قائلة:مسافر فين يابابى؟إبتسم قائلا:هسافر أجيب مس جورية تعيش معانا ياريمو، إيه رأيك؟شعت عيون ريم بالسعادة وهي تقول:ياريت يابابى ياريت.إبتسم ليقبلها في جبهتها مجددا ثم يقول:طب نامى بقى وإسمعى كلام عماتك وأنا مسافر، عشان أرجع بسرعة ومتأخرش، إتفقنا؟أومأت ريم برأسها ثم تمددت على السرير ليدثرها خالد بالغطاء ثم يتجه إلى الخارج ليستوقفه صوتها وهي تقول:بابى.إلتفت إليها بتساؤل لتستطرد قائلة:متنساش تدعى لمامى بالرحمة، وتقول الله يرحمك يامامة ريم، مس سوزان قالت لنا نقول كدة لما مامة نودى ماتت، وقالت إن الدعاء ليهم بالرحمة حاجة حلوة وبتسعدهم وتعرفهم إن إحنا كمان بنحبهم.إبتسم خالد بحنان قائلا:ربنا يرحمها ياريم، ربنا يرحمها.إبتسمت ريم قبل أن تغمض عينيها ويدرك خالد أنها نامت على الفور من إنتظام أنفاسها، ليبتسم بحنان وهو يهز رأسه يمنة ويسارا قبل أن يغادر الحجرة مغلقا بابها، في هدوء.قالت سها بإبتسامة:كدة تمام أوى، أنا مش عارفة أشكرك إزاي يانبيل.قال نبيل بمزاح:حد يشكر جوزه ياهبلة؟عقدت سها حاجبيها قائلة بحنق:بس متقولش هبلة.قال نبيل بسرعة:خلاص يا ستي متزعليش، حقك علية، وبعدين بتشكرينى على إيه؟ده أنا المستفيد الأول من تجميعهم مع بعض وتصفية أي خلاف ما بينهم، ما إنتى مأجلة فرحنا لغاية مايرجعوا لبعض، وأنا نفسى يجمعنى بيكى بيت، يالهووووى، أنا خلاص ياسها مبقتش قادر.إحمر وجهها خجلا وهي تقول:خلاص يانبيل هانت، أصبر شوية.قال نبيل:ما أنا صابر أهو، هو أنا إتكلمت؟ضحكت سها برقة، ليتنهد نبيل قائلا:ضحكتك حلوة أوى ياسها.إحمر وجه سها خجلا وهي تنظر إلى وجه لين الحائر لتقول بإرتباك:طيب أنا، يعنى، هقفل معاك دلوقتى، وهبقى أكلمك بعدين، سلام.إبتسم قائلا:سلام.أغلقت الهاتف، لتقول لها لين بلهفة:ها، إيه الأخبار؟إبتسمت سها قائلة:.العربية هتيجى تاخد مؤيد الساعة عشرة الصبح، متقلقيش، كل حاجة زي ما طلبتيها بالظبط.تنهدت لين بإرتياح وهي تتراجع في مقعدها تلمع عيناها بقوة قائلة بإبتسامة:كدة حلو أوى، باقى ساعات ونبتدى اللعب بجد، وياأنا ياإنت يامؤيد ياحسينى.كانت جورية تجلس في الحديقة، تمسك دفتر رسوماتها، ترسم على تلك الورقة ملامح خالد، وهو يودعها في المطار في آخر لقاء جمعهما، نظرت إلى تلك الصورة بحنين إلى مالك فؤادها الذي تجسد الصورة ملامحه وكأنها حية، ليست فقط كملامح ولكن كتعبير وشعور أيضا، لتمد يدها وتقطع تلك الصورة من الدفتر، تمسكها بين يديها، تلاحظ نظرته إليها والتي حملت الكثير من المشاعر، تبا، كم تجعلها تلك النظرة تتوق إليه، وتشعل قلبها قلقا عليه أيضا، خاصة وأن ليلة لا ترد على مكالماتها منذ أيام، وكذلك فراس، تخشى بكل ذرة في كيانها أن يكون مكروها قد أصاب خالد أو أصاب أخته ليلة وهي بعيدة عنهما لا تدرى ماذا يحدث لهما، تمتمت بألم:.وحشتنى أوى، وغصب عنى مش قادرة أجيلك، خايفة، معرفش ليه؟لتمد يدها تمسح بسبابتها على ملامحه بالصورة قائلة بعشق:ياريت كان المكان غير المكان والزمان غير الزمان، مكنتش هبعد عنك أبدا ياخالد، لكن دلوقتى غصب عنى لازم أبعد وغصب عنى هقطع صورتك بإيدى وأمحيك من حياتى كمان.كادت أن تقطع الصورة إلى نصفين، حين إستوقفتها يد رجولية وضعت على يدها، وصاحبها يقول بصوت حنون:وأهون عليكى برده؟إنتفضت جورية تنظر إلى الخلف بصدمة لتنهض ببطئ وهي تراه يقف أمامها، يطالعها بشوق، بعشق ظهر في ملامحه، لتتأمله بدورها في شوق، مالبثت أن نفضته عنها وهي تتمالك نفسها قائلة:خالد.إبتسم قائلا:قلب خالد.تلفتت حولها بسرعة ترى إن كان أحد غيرهما في المكان أو كان جدها بالقرب منهما، وعندما تأكدت من خلو المكان من الناس، نظرت إليه بسرعة قائلة:إنت لازم تمشى بسرعة من هنا، أنا مش عايزة جدى يشوفك هنا.جلس خالد على الكرسي أمامها قائلا بإبتسامة كبيرة:بس أنا عايزه يشوفنا، أنا أصلا جاي مخصوص عشانه.عقدت جورية حاجبيها بحيرة قائلة:قصدك إيه، أنا مش فاهمة حاجة؟إبتسم وهو يتراجع في مقعده يضم كلتا يديه خلف رأسه مغمضا عينيه قائلا بإسترخاء:قصدى واضح ياجورى، أنا جاي النهاردة لجدك مخصوص.ليفتح عينيه وهو يهز حاجبيه صعودا وهبوطا، مستطردا بإبتسامة واسعة:عشان أطلب إيدك منه ياحبيبتى.لتتسع عينا جورية في، صدمة.قال مؤيد بحزن:يعنى برده مصمم متسافرش معايا يانبيل؟قال نبيل:إنت عارف يامؤيد، حياتى كلها بقت هنا، شغلى، وسها، مبقاش ينفع أسافر تانى ياصاحبى.اومأ مؤيد برأسه قائلا:ربنا يوفقك يانبيل، عموما ابقى طمنى عليك واعزمنى على الفرح، أكيد هاجى.قال نبيل بإبتسامة:.وفرحى مش هيكون فرح من غيرك يامؤيد، أكيد هستناك ياصاحبى، بس إنت ليه محسسنى إنى مش هشوفك قبل ما تسافر، ماأنا هجيلك اسكندرية بس لما أشوف والد سها عايزنى ليه.قال مؤيد:عادى يانبيل، أهو بودعك إحتياطى جايز متعرفش تجيلى إسكندرية.قال نبيل:لأ جايلك متقلقش، هتوحشنى ياصاحبى.إحتضنه نبيل فضمه مؤيد بدوره قبل أن يبتعد عنه مؤيد و يصعد إلى السيارة، ملوحا له بإبتسامة لتبتعد السيارة بسرعة.أطرق مؤيد برأسه حزنا، يعلم أنه يبتعد عن كل أحبته وكل من إهتم لأمرهم، في البداية لين ثم ريم، والآن نبيل، ليتساءل في صمت، هل قراره بالهروب من الماضى هو قرارا صائبا؟أم أنه يحتاج إلى إعادة حساباته من جديد، ربما عليه العودة و التريث في هذا القرار، أو ربما عليه المضي قدما فيما إنتوى أن يفعله، زفر بحنق، فالآن لا يدرى ماذا يفعل؟رفع رأسه ينظر من نافذة السيارة، ليعقد حاجبيه بشدة عندما إتضح له أن هذا الطريق لا يؤدى إلى الإسكندرية، مطلقا، ليقول للسائق بحدة:.إنت واخدنى على فين؟توقف السائق بالسيارة على جنب ثم أزال قبعته، ليتهادى شعرها الأحمر الناري خلف ظهرها وهي تلتفت إليه قائلة بإبتسامة:على الجنة ياحبيبى.إتسعت عينا مؤيد في صدمة وقبل أن يستوعب تلك الصدمة، وجدها توجه علبة إلى وجهه لينطلق منها رذاذا، جعل الدنيا تلف من حوله، ليتفوه بإسمها في ضعف، قبل أن تسود الدنيا من حوله تماما، لتتأمله هي بإبتسامة حانية قبل أن تنطلق بسرعة إلى وجهتها.
رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثونلن أعود...عجبًا لحنين قتال، في القلب توًا مولودمن خلف أنيني يراقبني، من جوف الأمل المسدودو خيال خصب يغرقني، يغريني بالعود المحمودكم كانت تسبر غاياتي، بخطيئة جرم مشهودو عبير شذاها يراودني، بخليطة عطر مورودلكن خيانتها توخزني، قد سفكت قلب بجحودجاءت قاتلتي تطلبني، هيهات تحرك جلمودلن أعودبقلم إيهاب سليمان.قالت جورية بجزع:تطلب إيدى من جدى إيه بس؟مش هيرضى طبعا، إنت ناسى إنك متجوز؟رمقها خالد بإبتسامة هادئة دون أن ينطق بحرف، لتضرب بقدمها الأرض في حنق قائلة وهي تذهب إليه تسحبه من ذراعه لينهض معها وهي تقول:إنت دلوقتى تقوم تمشى من هنا قبل ما حد يشوفك، مفهوم؟لتتجه إلى بوابة المنزل تسحبه وراءها وهي تستطرد قائلة:.وعشان خاطرى متجيش هنا تانى، أنا ياسيدى مش موافقة على جوازنا، مبحبكش ولسة بحب فهد، إرحمنى بقى ياخالد.توقف فجأة ليوقفها معه، إلتفتت تنظر إليه لينظر إلى عمق عينيها قائلا:بصى في عينية وقوليلى تانى إنك مبتحبنيش.نظرت إلى عيونه تشعر بالتيه، لا تجد في نفسها القدرة على نطق تلك الكلمات، ليبتسم بداخله وهو يمسك بيدها، يرفعها إلى ثغره يقبلها مغمض العينان ثم أنزلها وهو مازال متمسكا بها، يفتح عيناه يواجهها بنظراته الغائمة وهو يقول بمشاعر ظهرت في نبراته:لو إنتى فعلا مبتحبنيش زي ما بتقولى، طب فسريلى رعشة إيدك جوة إيدى دلوقتى.ليمد يده الحرة ويضعها على خافقها مستطردا:.وفسريلى كمان نبض قلبك اللي زاد مع نبض قلبى في اللحظة دى.كادت جورية أن تذوب عشقا لهذا الرجل، تضرب عرض الحائط بكل قرارتها وتستسلم لعشقه لتندفع إلى حضنه في التو واللحظة لتشعر بالإكتمال، ولكنها تركت يده وتراجعت خطوة إلى الوراء وسط حيرته، تبتلع ريقها بصعوبة، ثم تنظر إلى عينيه بثبات قائلة:.مفيش حاجة من اللي بتقولها حقيقية، كلها أوهام في دماغك بتحاول تقنع بيها نفسك عشان تفسر رد فعل طبيعى من واحدة بيقرب منها راجل.أمسك خالد كتفيها يقربها منه فجأة، يهمس أمام شفتيها قائلا بحدة:بس أنا مش أي راجل وإنتى عارفة.ليتأمل ملامحها القريبة جدا منه لتلين نبراته وهو يقول بعشق:أنا الراجل اللي بيحبك وإنتى بتحبيه ياجورى.لفحتها أنفاسه فغمرتها عشقا، حاولت الإبتعاد عنه فلم تستطع، أغمضت عيناها تخفى ملامحه التي تسحرها، وتزلزل كيانها الذي يضعف الآن بين يديه، ولكن تبدلت صورته في عيونها لصورة ريم فوجدت لديها القوة لتدفعه بعيدا قائلة:قلتلك، مبحبكش، مبحبكش.زفر بقوة وهو يجول بناظريه في الحديقة يمرر يده في شعره بعصبية فلقد كاد منذ لحظة واحدة أن يقبل ذلك الثغر الذي ينطق الآن بالأكاذيب، لتتوقف عيناه عند تلك النقطة ويعقد حاجبيه بشدة، فهناك وبين الأشجار يوجد كوخ، أدرك أنه مألوف لديه وبشدة، ليقول بحيرة:الكوخ ده بتاع مين؟أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما مجددا تقول بثبات:.بتاع البواب، من فضلك ياخالد إمشى بقى قلتلك، متعمليش مشاكل مع جدى، ده لسة قايم من أزمة قلبية وأنا خايفة عليه.تجاهل كلماتها كلية وهو يتجه إلى الكوخ، لتتبعه جورية وهي تدعوا الله أن لا يذكره هذا الكوخ بشئ آخر، ليتوقف خالد أمام الكوخ وصور تتراءى له، وتتوالى في عقله، ليغمض عيناه ويدعها تتدفق إليه، يرى من خلال تلك الصور قصة لرجل يشبهه، ولكنه أكثر بساطة وسعادة، ورأى أن هذا الرجل عاشقا لحبيبته، يكتب عنها كلمات العشق كل ليلة ثم يمزقها ولا يمنحها إياها، يرى جورية ترتب منزله، يراقبها من تلك النافذة الصغيرة بعشق ملك جوارحه، ثم رآها وسط النيران، وهو ينتشلها منها، مسرعا.إلتفت ينظر إليها عاقدا حاجبيه ثم إقترب منها يمد يده ويرفع جانب شعرها الأيمن ليرى أثر ذلك الجرح الذي أدرك مكانه على الفور وكأنه رآه من قبل، ليبعد يده عن شعرها وهو ينظر إليها في دهشة قائلا:أنا إزاي عارف مكان الجرح ده وعارف سببه كمان، وإزاي بشوف أدامى دلوقتى قصة حب عشتها وياكى مكنتش فاكر منها غير ملامح باهتة ودلوقتى بقت واضحة، وإزاي قادر أوصف الكوخ من جوة وكأنى شفته قبل كدة وعشت فيه؟أطرقت برأسها ليتأملها للحظة قبل أن يلتفت مقتربا من الكوخ، ليدخله، وتتبعه جورية مضطرة في صمت وهو يقول:عارف إن فيه سرير وطرابيزة صغيرة وكرسيين، ومطبخ وحمام، ودفاية في الركن الشرقى من الكوخ.دار بعينيه في المكان ليجد كل شئ كما قال تماما، ليلتفت إليها قائلا:مينفعش دلوقتى تسكتى ياجورى، لازم تتكلمى وتفسريلى اللي بيحصلى، عيونك كانت دايما بتقولى إن عندك تفسير لكل اللي بيحصل ده.أطرقت برأسها تخفى عنه عيونها، تود من كل قلبها لو تخبره ولكن ما يمنعها هو وجود ريم وشاهيناز في حياة حبيبها، تخشى أن يتذكر فيتخلى عن زوجته وتدمر أسرته التي لاذنب لها حين أحب عائلها، وهو في حالة من النسيان...وجدت صوتها لتقول بضعف:تناسخ أرواح زي ما بتقول، متحاولش تدى الأمر أكبر من حجمه ياخالد.لترفع عيونها إليه قائلة:إرجع لبيتك ولعيلتك وإنسى المكان ده خالص وإنسى كمان سكانه.إلتمعت عيناه وهو ينظر إلى نقطة ما بجانب السرير، ليقول بثبات:لأ مش تناسخ أرواح ياجورى، أنا كنت عايش هنا معاكى، والدليل على كدة هناك أهو...ليتجه إلى الكومود القابع بجانب السرير يأخذ شيئا من عليه، يرفعه أمام وجهها لتبتلع جورية ريقها بصعوبة، تدرك الآن أن أمرها قد كشف للتو، وأنها على وشك الإعتراف بكل شئ.إستيقظ مؤيد يشعر بوجع في رأسه، ليفتح عينيه ببطئ، ينظر إلى محيطه، إتسعت عيناه بقوة، وهو يدرك أنه في هذا المنزل الذي إختطف فيه لين من قبل، ليتذكر مختطفته الصهباء، ويعقد حاجبيه بشدة يتساءل كيف عرفت الطريق إلى هذا المكان، وكيف أحضرته إلى هنا، ولماذا؟أفاق من أفكاره على صوت دخول لين إلى الحجرة، تبتسم برقة قائلة:حمد الله على سلامتك يامؤيد.ليدرك أنها تقتبس كلماته التي قالها لها في موقف مماثل، وهي تستطرد قائلة:نورت بيتك ياحبيبى، ياريت الإقامة فيه تعجبك بجد، ما هي لازم تعجبك، لإنك هتنورنا هنا، كتير.نظر إليها قائلا بسخرية:طول عمرك تلميذة شاطرة يالين وبتقدرى تبهرينى، بس ممكن أعرف إيه هدفك من اللعبة السخيفة دى؟تجاهلت سخريته اللاذعة وهي تقول بإبتسامة:.تحب تاكل إيه على الغدا النهاردة؟يلا، أطلب وإتمنى، انا اللي هطبخلك زي زمان، فاكر زمان يامؤيد؟إختفت ملامحه الساخرة لتحل مكانها القسوة وهو يقول بحدة:قول للزمان إرجع يازمان، زمان كنت فاكرك حاجة وطلعتى حاجة تانية خالص، زمان كنت بحبك، دلوقتى مش فارقة معايا ومتهمنيش على فكرة، أنا مش هستنى هنا لحظة واحدة، وهمشى حالا، مفهوم؟نظرت إليه لين للحظات قبل أن تقول بثبات:مستنى إيه؟إتفضل إمشى.عقد حاجبيه وهو ينظر إليها للحظات قبل أن يتجه للخارج بخطوات غاضبة، أوقفه صوتها وهي تقول بسخرية:بس هتروح ماشي.إلتفت إليها لترفع يدها بالمفاتيح تلوح بهم قائلة:لإن مفاتيح العربية معايا أنا.قال في برود:هاتى المفاتيح يالين.إبتسمت بهدوء قائلة:مش هجيبهم يامؤيد، العربية دى أنا اللي مأجراها ومأجراها عشان أروح بيها الحتة اللي أنا عايزاها، والحقيقة أنا حابة أقعد هنا، إنت اللي عايز تمشى، تمام، إمشى.أصابه الحنق ليقول بتهديد:لين، قلتلك تنسى لعبتك السخيفة دى وتدينى المفاتيح عشان أمشى، أنا ورايا طيارة بكرة الصبح ولازم أخلص كل حاجة النهاردة قبل ما أسافر.قالت لين بهدوء:الظاهر الطيارة هتفوتك يامؤيد لإنى مش هسمحلك المرة دى تبعد من غير ما أقولك على كل اللي في قلبى، و...قاطعها مؤيد قائلا بغضب:.وأنا مش عايز أسمعك، مش عايز، وزي ما حرمتينى من فرصتى زمان، هحرمك من فرصتك دلوقتى، أنا خلاص مبقتش عايز أي حاجة تربطنى بيكى وكلامك مش هيفرق معايا في حاجة، غير إنه هيقلل من صورتك في نظرى، لإنك في نظرى مش هتكونى أكتر من واحدة بائسة بتشحت الحب من واحد خلاص كرهها ومبقاش طايق يشوفها.رغما عنها، أغروقت عينا لين بالدموع تشعر حقا بأنه يعنى كلماته، لقد كرهها بالفعل وفات الأوان على إصلاح مابينهما، تبا كم يؤلمها هذا، شعر مؤيد بالندم على كلماته الجوفاء، وكاد أن يتراجع عنها ولكنه خشي ضعفه ليقول بصوت حاول أن يجعله باردا فلم يستطع وخرج مهتزا رغما عنه وهو يقول:المفاتيح.مدت يدها إليه بهم ليأخذهم بهدوء، ثم يلتفت مغادرا ولكنه ما لبث أن توقف وهو يستدير إليها قائلا:مش هتيجى معايا أوصلك؟هزت رأسها نفيا قائلة بصوت مخنوق بالعبرات:ملوش لزوم، أنا حابة أقعد شوية، وكدة كدة كانت سها جايالى آخر النهار، هستناها.هز رأسه بهدوء ثم غادر بخطوات سريعة، لتترك لين دموعها تتساقط بغزارة على وجنتيها، تشعر بالألم لفقدانه ربما للأبد، فقد أغلق كل السبل في وجهها حين أخبرها أنها تشحذ الحب منه وأنه يكرهها، حقا كم هو مؤلم ذلك الشعور الذي ينتابها الآن، وهي تسمع صوت إنطلاق السيارة تعلن رحيل مؤيد عن حياتها تلك المرة للأبد، ولكن مع ضيق تنفسها، أدركت أن هذا الألم الذي تشعر به في صدرها ليس ألم نفسي بل هو ألم حقيقي، إهتزت وكادت تسقط، ولكنها تحاملت على نفسها لتصل إلى حقيبتها وتأخذ منها دواءها، ولكنها ما إن غادرت الحجرة حتى سقطت أرضا ولم تعد قدماها قادرتان على حملها لتدرك أنها الآن في طريقها لفقدان حياتها، لم يؤلمها أن ترحل عن تلك الدنيا فبعد رحيل مؤيد لا يوجد سبب لتعيش من أجله ولكن ما آلمها أنها حين حانت لحظة موتها لم تكن كما تمنت دائما، بين أحضان حبيبها، مؤيد.نظرت جورية إلى هذا الخاتم الفضي ذو الفص الأزرق اللامع والذي يشبه في لونه لون عيون صاحبه، تلعن غبائها الذي جعلها تترك خاتمه على الكومود في زيارتها الأخيرة للكوخ الذي جددته بنفسها بعد الحريق، ليعود كالسابق تماما، ذلك الخاتم خاصته والذي أهداه إياها ليلة رحيلة منذ ما يقارب من أربعة سنوات، إنتفضت على صوت خالد وهو يقول:الخاتم بتاعى بيعمل إيه هنا ياجورى؟، جاوبينى، ردى علية.إنهارت جورية كلية وعيونها تغشاها الدموع، لتجلس على السرير خلفها، تطرق برأسها، وهي تقول من بين دموعها المتساقطة:إنت اللي إديتهولى ليلة ما سافرت من أكتر من ٣ سنين، وقلتلى إنك بالخاتم ده بتربطنى بيك طول العمر، وإنى أحتفظ بيه لغاية ما ترجع وألبسهولك وإنت بتلبسنى دبلتك.رفعت إليه عيناها تنظر إلى تلك الصدمة على ملامحه لتومئ برأسها قائلة بمرارة:.أيوة إنت فهد، خطيبى وحبيبى، قابلتك من سنين، في مستشفى الوادى، كنت عامل حادثة و فاقد الذاكرة، سميتك فهد وجبتك هنا المزرعة، وإشتغلت فيها، وواحدة بواحدة قربنا من بعض بس عمرنا ما حكينا لبعض عن مشاعرنا لغاية قبل ما تسافر بيومين، الكوخ اتحرق وانت أنقذتنى وساعتها إعترفتلى بحبك وطلبت إيدى من جدى، بس كان لازم عشان نتجوز تجيب ورق يثبت هويتك، سافرت مصر لظابط عرفته هنا في الوادى ومن ساعتها مرجعتش، عشت على أطلال حبك، وبعدين بدأت أألف روايات وأحط عليها صورتك، وجوة الروايات دى كانت هناك حاجات من مواقف ياما حصلت بينا، لغاية ما قابلتك من تانى، وإنت عارف الباقى.تأملها للحظات يدرك أن كلماتها تفسر له كل مامر به معها، ذكرياته معها والتي تتراءى له من وقت لآخر، مشاعره تجاهها منذ اللحظة الأولى للقاءهما من جديد والتي تجددت تلقائيا عندما تقرب منها، كل ما رآه في عينيها وإحتار دوما في تفسيره فقد تباينت مشاعرها ما بين عشق وشوق، عتاب وخوف، ألم دفين لم يفهم سببا له سوى الآن، وهو يشعر بألمها في صدره، يهتز جسدها باكيا فيزلزل أركان قلبه حزنا، تتناهى إليه شهقاتها فيجد نفسه متقدما منها على الفور جاثيا على ركبتيه أمامها، ممسكا يديها لترفع عيونها إليه، عيون رغم حزنهما وتلك العبرات العالقة برموشها، إلا أنهما سحرتاه ليتأملهما قائلا بحنان:.وليه خبيتى علية؟ليه مصارحتنيش؟قالت بصوت متهدج:عشان خفت، خفت تفتكر مشاعرك ناحيتى، وتأثر على حياتك وعيلتك.إبتسم قائلا:أولا جوازى كان منهار من الأول، وكدة كدة مكنتش هكمل فيه، سواء حبيتك أو لأ، خصوصا بعد اللي عرفته، ثانيا، من غير ما إفتكر كل اللي كان بينا فأنا وقعت في حبك من جديد، وجه الأوان عشان أمشى ورا قلبى بعد ما مشيت ورا عقلى كتير.نظرت إليه في حزن قائلة:مش هينفع، على الأقل عشان خاطر ريم.ترك يدها وهو يقف قائلا في حنق:إنت ليه مصممة تحسسينى إن الناس كلها عندك أهم منى؟، ريم، شاهيناز، طب وأنا، ومشاعرى وحبى ليكى، كل ده ملوش قيمة في نظرك.نهضت بسرعة تمسك يده بيدها قائلة:إنت فاهمنى غلط، أنا مفيش في الدنيا دى كلها حد أهم عندى منك، أنا عمرى ما حبيت غيرك ولا ممكن هحب حد أكتر منك.ضم يدها بيده بمشاعر حب جلية واضحة على محياه، لتستطرد قائلة:.أنا لو خفت أفرقك عن عيلتك فمش عشانهم أكتر ما هو عشانك لإنى عارفة ومتأكدة إنك مش هتكون مبسوط، ولا مرتاح وإنت بعيد عن ريم.إبتسم خالد قائلا:من الناحية دى إتطمنى خالص، المشكلة دى لقيتلها حل خلاص.عقدت جورية حاجبيها قائلة:حل إيه ده؟إنتفضا سويا على صوت الجد الصارم وهو يقول من خلفهما:أنا كمان عايز أعرف، حل إيه ده؟إلتفتا إليه سويا، يطالع خالد جدها بنظراته القوية الثابتة، بينما حاولت جورية أن تسحب يدها من يد خالد فلم تستطع وقد تمسك بها أكثر، ليقول خالد بثبات:أنا طلقت شاهيناز.نظرت إليه جورية في دهشة، بينما لانت ملامح الجد قليلا، لينظرا إليه سويا في جزع وهو يقول مستطردا:أنا عايزكم تعرفوا حاجة كمان، ريم هتفضل في رعايتى، لإن للأسف، شاهيناز ماتت.إبتسمت ليلة وهي تطالع ريم التي تلهو في الحديقة بحنان، قبل أن تلتفت إلى فراس الجالس بجوارها على تلك الأرجوحة الموجودة بالحديقة، يطالع هاتفه ويكتب رسالة إلى أحدهم، لتقول برقة:تفتكر طلب منها الجواز ولا لسة؟نظر إليها في حيرة قائلا:هو مين ده؟قالت ليلة بحنق:ركز معايا يافراس وسيب الموبايل من إيدك، هيكون مين يعنى؟، خالد طبعا.إبتسم وهو يغلق هاتفه قائلا:.وآدى التليفون يا ستي قفلته، أما بقى من خلال معرفتى بجورى وخالد أخوكى فأحب أطمنك، وأقولك إننا هنتجوز ونخلف وهم لسة معترفوش لبعض بمشاعرهم أصلا.هزت رأسها نفيا قائلة:معتقدش، إنت مشفتش النظرة اللي كانت على وش خالد وهو مسافر، نظرة واحد بيحب وقرر خلاص يهد كل الحواجز اللي بينه وبين حبيبته، ده غير إنه بقى حر وده هيسهل كل حاجة بالنسبة له.أومأ فراس برأسه قائلا:معاكى حق.ليلاحظ إنحسار شالها عنها، ليقوم بضمه عليها قائلا بحنان:ما تيجى تطلعى أوضتك أحسن، الجو برد وده غلط عليكى، ولا الحب مدفيكى؟وكزته قائلة في خجل:بس بقى يافراس.تنهد فراس قائلا:قلب فراس وربنا، المهم قوليلى ياشرلوك هولمز، تفتكرى جورية هتقوله على ماضيه معاها؟عقدت ليلة حاجبيها قائلة:.دى حاجة بقى أعتقد هتترهن بالظروف، يعنى لو خالد افتكر حاجات كمان أكيد هتقوله، لكن لو ما ألحش في إنه يلاقى تفسير لذكرياته معاها واللي بتلاحقه من يوم ما رجع، يبقى جورى هتحط الماضى ورا ضهرها وهتبتدى مع خالد صفحة جديدة.تأملها في حب قائلا:.إنتى إزاي بتجمعى بين كل شئ ونقيضه بالشكل ده؟، العقل والرومانسية، المنطق والخيال، خدتى قلبى بشخصيتك الفريدة، ومش عارف ألاقى حدود لإعجابى بيكى وقوة مشاعرى من ناحيتك، أنا بحبك أوى ياليلة.أطرقت ليلة رأسها بخجل ليقول بإبتسامة:طيب مفيش وأنا كمان بحبك يافراس.هزت رأسها نفيا وهي مازالت مطرقة الرأس بخجل ليمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتواجه عيناها مع عينيه، قال برقة:.أوعى تانى تخبى عيونك عنى، عيونك دول حبايبى، واللي نظرتهم لية بتحيينى ياليلتى.تاهت ليلة بين ثنايا عينيه، تدرك أنها تذوب عشقا، لتتنحنح قائلة:إحمم، هي، لين فين؟إبتسم يدرك تهربها منه لخجلها ليقول بهدوء:مش إنتى قلتيلى إنها خرجت من الصبح بدرى عشان وراها مشوار مهم.ضربت بيدها على رأسها بخفة قائلة:صحيح، إزاي نسيت بس؟إبتسم قائلا:اللي آخد عقلك يتهنى بيه ياليلة.إبتسمت تقول في نفسها، يارب فأنت يافراس من أخذ عقلى وقلبى معا، ليقول فراس:بس صحيح، لين راحت فين؟نظرت إليه ليلة قائلة بغموض:مشوار مهم أوى، هتصلح فيهغلطة كبيرة غلطتها زمان، ويارب تلحق تصلحها قبل فوات الأوان.كان مؤيد يقود سيارته بإتجاه المدينة، يشعر بالإختناق، فلديه يقين بأنه يرتكب خطأ جسيما بهروبه ذاك وإبتعاده عنها، نعم لقد أخطأت ولكنها إعتذرت، ربما لم يثق بها وبشعورها بالندم من قبل ولكن إختطافها له، هو خير دليل على ندمها وتمسكها به، لما لم يستمع إلى ما لديها لتقوله؟لما لم يجاريها في لعبتها؟هل خشي أن يضعف، تبا، فليضعف، بل وليدع حصونه تنهار، فما لديهما يستأهل إنهيار تلك الحصون، لديهما قصة عشق يعلم كليهما أنها تمر في العمر مرة واحدة، فرصة واحدة للسعادة، فإن عبرت ولم يقتنصاها، ذهبت بلا رجعة، وأصبحا تعيسان للأبد، كلا، لن يترك فرصته في السعادة تضيع من بين يديه، سيعود وسيمنحها تلك الفرصة التي أرادتها، يدرك وبكل قوة أن الحياة معها وشبح الخوف يرفرف على علاقتهما، أفضل ألف مرة من حياة بلا نبض أو روح قد يعيشها بدونها، لينحرف بسيارته بسرعة في الإتجاه المعاكس، يقود بأقصى سرعة بإتجاه هذا المبنى القديم والذي تمكث فيه حبيبته، ليصل في دقائق معدودة، إندفع إلى الداخل، يسرع إلى تلك الحجرة التي تركها بها، ليتوقف متجمدا، تتوقف نبضاته بجزع وهو يراها هناك، أمام الحجرة ملقاة على الأرض مغمضة العينين، شاحبة الوجه تماما، كالموتى.