logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .







look/images/icons/i1.gif رواية لعبة الهوى
  20-01-2022 10:56 مساءً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل الخامس

بعد مرور فترة..
وضعت أيسل الملعقة جانبًا، ثم التقطت منديلاً وبدأت في تنظيف فمها برقة، ومن بعدها بدأت تتجول بعينيها في أرجاء المطعم هروبًا من نظرات شهاب لها، فبالرغم من مرور عامين على علاقتهم، إلا أنها مازالت تخجل منه، ومن نظراته العابثة تلك.
- اهربي حلو مني، بس على مين، كلها تلات شهور بالظبط وهتكوني في بيتي.
ابتسمت وهي تقول بتعجب زائف:
- أنا بهرب منك ليه، ده الديكور بتاع المطعم عاجبني بس.

ضحك شهاب بخفه ثم قال متذكرًا:
- فين رقية، بقالها كام مرة نخرج مع بعض، متجيش ياعني.
ابتعد عنها الخجل وهي تهتف بحماس وسعادة:
- اسكت يا شهاب، ده بقالها كام مرة بتخرج مع حمزة وبترجع الحمد لله مبسوطة، واتغيرت اوي، الحمد لله أنا حاسة إن الخطوبة بدأت تاخد طريق جد شوية.
ارتشف شهاب العصير وهو يسأل في ريبة:
- طريق جد إزاي؟!، هي كانت هزار الاول.
زفرت بضيق، وهي تقول:.

- مقصدش كده، أقصد إنها بدأت تاخد عليه أكتر، وهي بدأت تتغير للأحسن، الاول كنا حاطين ايدنا على قلبنا من الخوف انه يسيبها، دلوقتي خلاص حسينا إن حمزة قدر يفهمها أكتر، فهمت.
- فهمت، ربنا يهديها أصلها ماتتعاشر بجد.
احتدت ملامحها وهي تقول في انفعال:
- شهاب أنا بحذرك كتير من طريقتك على ريقة، مينفعش أبدًا تتكلم عن أختي كده، لو اتكلمت عنها وحش كأنك بتتكلم عليا بالظبط.
عقد شهاب ذراعيه أمامه في غيظ مردفًا:.

- يا سلام، وبذمتك اللي كانت بتعمله فينا ده كان عادي يعني، بقولك يا أيسل هو أنتي ليه مخرجتيش معاها ولا مرة زي ما كانت هي بتخرج معانا.
هزت أيسل كتفيها في لامبالاة، وهي تجيبه:
- ببساطة علشان هي مقالتليش، لو كانت قالت كنت خرجت عادي.
ارتفع جانب فمه في نصف ابتسامة ساخرة وهو يقول:
- ده على أساس إنك كنتي بتقوليلها تعالي معانا فهي رأفة بينا كانت بتيجي، أو مش هي مثلاً كانت بتيجي معانا غصب وبالإكراه.

ارتفع الغضب أخر مراحله معها فقالت بعصبية خافتة وهي تشير بأصابعها مهددة:
- شهاب لتاني مرة بحاول أفهمك وأقولك بلاش تحط رقية في دماغك، علشان أنت اللي هتكون خسران في الأخر، دي أختي وياريت تفهم معنى الكلمة دي، أنا هدخل التواليت علشان دمي اتحرق.

نهضت في ثانية، دون أن تستمع لرده، وانطلقت صوب المرحاض في ضيق بالغ، هكذا فسد يومها بكل بساطة، ولكن لا يهم، فالأمر هنا يمس غاليتها رقية، تنهدت حينما شعرت وكأنها ورقة خريف ضائعة ما بين نصائح رقية وأفعالها التي كانت من مبرر الأخوة، وعنفوان شهاب وكرهه لرقية، فهي بالنهاية جزء لا يتجزأ من أختها حتى وإن كان الفارق الفكري بينهم كبير.

أما شهاب فكان يسبح بأفكاره في ذلك البحر المظلم الذي وحل نفسه به، لم يعرف سبب غضبه على أيسل، تُرى بسبب عذاب ضميره الذي أنهك مشاعره وعقله في تخيلات مستقبلية مفزعة، مجرد التفكير بها تجعل هذا المكان الواسع والشاسع ليس سوى غرفة مغلقة حالكة بالسواد، وهو يقف بالمنتصف لا يجيد أي طريقة للهرب.

هز رأسه في عنف وكأنه يبعد عنه تلك الذكرى السوداء التي جعلته يتلوى ندمًا حتى وإن كان بينه وبين نفسه، دون الإظهار بذلك، وقف تفكيره عند لحظة ما، كاد يقتل روحه المتعلقة بتلك الذكري، إلا أنه عاد إليها باستسلام يتذكر تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم.

ترجل من سيارته بغضب، ثم أغلق الباب خلفه في عجالة ومن ثم عبر الطريق في خفة، وبصره معلقًا بالكافية الجديد المالك لأحد أصدقائه، دخل في حذر وهو يبتعد عن صناديق الدهان الكبيرة، وأشياء الديكور الملقاة في كل مكان، وقف بالمنتصف يبحث عن صديقه حمزة، ذلك الشاب الذي فقد عائلته في وقت باكر ولم يتبقى منها سوى أخيه الأكبر المهاجر للنسما، ابتسم بفخر لذكائه حينما وقع اختياره عليه تحديدًا، مميزاته تدفعه دفعًا نحو تنفيذ خطته، التي أصر على تنفيذها حتى لو كانت عواقبها مخيفة.

انتفض شهاب حينما شعر بيد حمزة تقبض على كتفه من الخلف، قائلًا:
- أهلا يا شهاب باشا.
التفت شهاب في عجالة، ورمق صديقه في تأمل بنظرات قوية جامدة خالية من أي اضطراب لمشاعره، فهذا الوقت تحديدًا لن يبقى هناك بداخله ذرة عطف اتجاهها، لقد طفح الكيل منها، ومن أفعالها التي كانت متعمدة بها، رفع أصابعه يقرص أنفه بقوة وهو يقول بنبرة رخيمة:
- حمزة، شوفلنا مكان نقعد فيه، عاوزك في كلمتين مهمين.

ضيق حمزة حاجبيه بتعجب من جدية شهاب المفرطة في تلك اللحظة، ولكنه كتم ذلك وجذبه نحو الخارج، ثم جلسا على طاولة صغيرة في صمت قطعه شهاب بقوله الذي أثار قلق حمزة بسببه:
- أنت طبعًا عارف إننا صحاب، والصاحب المفروض يقف جنب أخوه في محنته وشدته، صح.

رفع حمزة حاجبيه عندما لمح من بداية الحديث تلميحات شهاب المبطنة، ولكنه قرر التزام الصمت حتى ينهي شهاب ما أتى به في عجالة وعيناه تشع غضبًا في تلك اللحظة، بينما استطرد شهاب قوله دفعًا واحدة خوفًا أن يستسلم لذلك النداء الذي يحاول إنهاء ما يخطط له، فقال:
- أنت طبعا كنت مزنوق، واستلفت مني مبلغ..
قاطعه حمزة في ثوان قبل أن يُكمل شهاب ما يقوله:.

- امم مش محتاج افتكر هو كان قد إيه، ولا ولا محتاج أعرف أن المعاد اللي قولتلك هسدده فيه لسه مجاش، ولا كمان محتاج أعرفك إن لو سحبته من الكافية حاليًا قبل ما افتتح الاسبوع ده، هخسر قد إيه!
- وأنا مش عاوزهم، بس أنا كنت محتاج أعرفك إني صاحب جدع علشان اللي هطلبه منك مترفضوش.
ابتسم حمزة متهمكًا:.

- لا أنت مبتعرفنيش، أنت تقريبًا بتزليني، من غير ما تعرفني أنا شايلك جميلها فوق راسي، والمفروض مكنتش تدخل الدخلة الغلط دي، عندك طلب اطلبه من غير كلام يزعلنا من بعض.
فرك شهاب وجهه بين كفيه في عصبية ليقول:
- أنا وصلت لمرحلة مبقتش عارف ايه الصح وايه الغلط، أنا حياتي بتدمر يا حمزة قدام عيني، وأنا واقف مش عارف أعمل حاجة.
جعد حمزة جبينه وهو يسأله:
- إزاي ياعني بتتدمر، فيك إيه يابني.

- في إن أخت أيسل واقفالي بالمرصاد، قاصدة تبعدني عن أيسل، بتكرهها فيا، بعد حب سنتين، الست أيسل فجأة شايفه إن بعمل حاجات غلط تصرفاتي كلها متصحش، أنا وأيسل بعدنا عن بعض، بقينا في لحظة زي السما والأرض وده كله بسبب العقربة أختها.
قال حديثه بشيء من العصبية والقهر، فزاد تعجب حمزة لِمَ يستمعه، واسترسل شهاب حديثه في حقد وكراهية لرقية:.

- دي يابني جحودها وصلها، إنها بتخرج معانا كل مرة، قال إيه خايفة على أيسل مني، أنا بقيت شاكك والله إن مش خاطبها، أفعالها وتصرفاتها كلها بتكرهني، ده غير بقى بتمسك ودان أيسل كلام زي الزفت عني، والهبلة خطيبتي بتجي وتحكيلي من باب خد بالك من تصرفاتك شوية، حقيقي وصلتني لمرحلة إن بقيت أكرهها مع إني والله مكنتش كده.
تريث حمزة قليلًا قبل أن يقول بحكمه ورزانة:.

- بسيطة يابني، قول لخطيبتك متحكيش حاجة تاني ليك، وأنت أبعد عن أختها، والموضوع انتهى.
هز شهاب رأسه باستهجان، وهو يقول:
- لا الموضوع مش بالبساطة دي، بالعكس هو أكبر من كده، أنا جربت كل الحلول مع أيسل وفشلت، أختها مش مدياني فرصة، نازلة بالعصاية على دماغي لما خلاص اكتفيت منها.
ضحك حمزة وهو يحاول تخفيف حدة الوضع:.

- مش عيب لما تبقى شاب كبير ومحترم، وتقول كده، ده حتى عيب على العضلات اللي بتربي فيها بقالك قرن.
زفر شهاب بقوة وهو يحاول تخفيف آلام رأسه، بالتدليك في جانبيها، قائلًا بعجز:
- متهزرش، علشان على أخرى، أختها دي عقربة يا حمزة، حقودة، صعبان عليها إن أنا وأيسل نعيش حياتنا ونتبسط، لا إزاي تبدأ بقى تدمر حياتي وحياة أختها بكل أنانية وجحود.
ظهر الاشمئزاز على وجه حمزة، فقال:.

- الله يكون في عونك يا شهاب، ربنا يعينك على المصيبة دي.

صمتت الألسن في دقائق قصيرة، كلاً منهما يفكر بطريق مختلف، حمزة وقلقه بشأن طلب شهاب المجهول، وشهاب وصراعه مع نفسه ومبادئه، ولكن رقية لم تترك له طريقًا واحدًا لهدم خطته التي سيطرت على كيانه، وأقسم على تنفيذها، حتى وإن كانت تلك الحرب التي سيخوضها مكاسبها مجهولة، ولكن غضبه صور له أنها أقصر وأسرع طريقة للتخلص منها دون مشاكل، يكفي ما يشعر به الآن بسببها، يكفي ما آل إليه في علاقته بأيسل، فتلك المرحلة تحديدًا من أصعب وأشد ما مر به، وجود رقية همًا كبير يحمله فوق عاتقه، كلماتها التي كانت كالسم هدمت أي روابط بينه وبين أيسل، وجودها يعيق حياته بشكل أنه لن يمضي خطوة واحدة للأمام، فهي تمثل تعاسته وعليه أن يتخلص منها..

رفع بصره يحدج بحمزة في قوة وكأنه يبحث عن تلك الشجاعة التي هربت منه أثناء انغماسه اللحظي في التفكير بما يدور بداخله، لمعت مجددًا أمام عيناه تصرفاتها وأفعالها، فانطلق كالمجنون يقول في رجاء أدهش حمزة، وجعله يتخبط بين كلمات شهاب التي وقعت عليه من العدم وتوسعت عيناه لها:.

- حمزة أنا طالب منك، إنك تقرب منها، تقنعها إنك بتحبها، أقولك زاولها، خليها تبعد عني، لغاية بس ما أقدر اتجوز أيسل من غير مشاكل، أضمن إن أيسل في بيتي وخلاص أنا كده هرتاح، فترة صغيرة وبعدها فركش خطوبتك منها.
تفرقت شفتاه في صدمة، يحاول استيعاب حديث شهاب المفاجئ والصادم، فسأل في ببلاهة، لأول مرة تتملك منه:
- خطوبة مين لامؤاخذة.
تنهد شهاب قبل أن يحاول شرح حديثه مرة أخرى بطريقة أوضح:.

- يا حمزة أنا طالب منك، تخطب أخت أيسل، فترة صغيرة بس، تبعدها عني لغاية ما أقدر اتجوز أيسل وارتاح.
- ترتاح أنت، وأتعذب أنا، أمرك غريب يا أخي.
قالها حمزة في اعتراض قوي!
- تتعذب في إيه، مش فاهم.
التوى فم حمزة في سخرية قبل أن يجيب:
- هتفهم ازاي وأنت معدوم الإحساس والضمير، عاوزني يا جاحد اخطب واحدة وأمثل عليها وازاولها علشان أنت يفضالك الطريق مع خطيبتك، إيه كمية العبط ده، أوعي ياعم من وشي.

نهض حمزة في عصبية، فحاول شهاب إيقافه وهو يهتف بعتاب يتخلله رجاء:
- هي دي واجب الصحوبية يا صاحبي، أطلب منك طلب زي ده، ترفض بالشكل المهين ده.
- ده أنت لو مسكتش ه أهينك أكتر من كده، ده أنا على لساني شتايم والله، بس مانع نفسي بالعافية.
حاول شهاب كسب تعاطفه، وهو يقول:.

- يابني أنت مش متخيل أنا في عذاب إزاي، على فكرة هي تستاهل يا حمزة كل حاجة دي واحدة حقودة وبتغير من أيسل علشان هي أحسن منها، وعاوزة تدمر حياتنا، أنت مش متخيل الشخصية دي عامله إزاي، أنت لو عاشرتها يوم واحد هتكره حياتك.
- مش عاوز ياعم أقرب منها ولا أعرفها، وأنت حر في مشاكلك، ولو على فلوسك اللي عندي، من دلوقتي اديهالك عادي، بس اللي أنت بتقوله ده على جثتي يحصل، فاهم ولا لأ..

عاد شهاب من تلك الذكرى، وهو يبتسم بتهكم، فكل ما خطط له، تحقق حتى أن أهدافه بدأت تتجسد أمامه، الفضل لذكائه الذي ساعده في كسب تعاطف حمزة فيما بعد، عندما خاض محاولات عديدة في إقناعه، فهو الأنسب والأجدر للقيام بتلك المهمة، وقد كان، وقاربت على الانتهاء، وستسدل الستار قريبًا دون أي عواقب أو مصائب.
هو.

الغرور هو بداية الهزيمة، هو تلك الغمامة التي تعيق رؤيتنا، تهدم مبادئنا، الغرور هو بداية الظلام، فهو ببساطة بداية النهاية!

بكافية حمزة..
رفعت رقية كوب القهوة الساخن وارتشفت منه القليل في انتظار حمزة، فقد شارف دوامه على الانتهاء وستعود معه للمنزل كما اتفقت معه في بداية اليوم، فوالدتها قد أصرت على مجيئه للعشاء معهم.

اليوم منذ بدايته وهي في حالة صفاء غريب، وكأن الربيع داهم الكون فجأة، أو داهم صدرها هي فقط، فذلك الضباب الذي احتلها لفترة طويلة، بدأ بالتلاشي تدريجيًا حتى وصلت لتلك المرحلة، مرحلة لم تتخيل قط أن تصل إليها، والفضل بالتأكيد له.
حمزة إنسان رائعًا، مميزًا، واسع الإدراك، صفاته كانت السبب في انهيار تلك الحصون التي وضعتها لحماية قلبها، لينصهر فؤادها دون إرادة منها، وأجبرها على المضي في دروب العشق والهوى.

اقترب حمزة منها بجسد يطالب بالراحة، فمنذ الصباح وهو يحاول تنظيم كل شيء لذلك الافتتاح الذي يحضر له على نطاق أوسع وأكبر بالإضافة إلى عقد قرانهم الذي سيقام أثناء الافتتاح، جلس بالمقعد المجاور لها بإنهاك، لاحظته هي، فقالت بصوت ناعم وهادئ:
- أنا كنت شايفه من الأول أنه بلاش الافتتاح التاني ده، مصاريف على الفاضي، وأنت كمان تعبت جامد.
هز رأسه في نفي وهو يقول بنبرة مجهدة:.

- لا الافتتاح ده مهم جدًا، اعتبري إن الشغل اللي بعده هو اللي هيكون الأهم، أنا لما فتحت الكافية ده كان مجرد بداية بسيطة وبجرب على الهادي، بحاول اكتشف الأخطاء وأصلحها، لكن دلوقتي وكمان لما قدرت اضم الجزء اللي جانبي وأوسع في الكافية، لا بقى
أنا لازم أعمل افتتاح صح، يهز المنطقة دي ويجذب الانظار للمكان، وبعدين اعتبري إنه هو البداية للكل حاجه حلوة جاية بعدين، مش كفاية كتب كتابنا هيبقى في نفس اليوم كمان.

بللت شفتاها في خجل ورقة وهي تقول بتلعثم خفيف:
- الافتتاح الاول بالنسبالي هو اللي كان بداية كل حاجه حلوة، بسببه اتعرفنا على بعض.
شعور بالخزي من نفسه تملك منه، فاهتزت ابتسامته، وانهار ثباته الذي يحاول التمسك به أثناء جلوسهم معًا، فأين له الصبر، أمام تلك العيون الصادقة، والوجه الحسن ذو الملامح الرائعة، والقلب الغض الذي لم يمسه أي شوائب من قبل، وهو على يده سيهد كل شيء عاجلاً ام أجلاً.

سرقت انتباهه حينما قالت بتردد:
- انت متخيل إنك لغاية دلوقتي مفرجتنيش صورنا مع بعض.
- بجد، أنا نسيت، استني اوريهملك.

أخرج هاتفه من جيبه، وبدأ بالبحث به، وهي تنتظر في قلق، بعدما شجعت نفسها لتسأله عن أمر تلك الصور، فهي بداخلها تخشى من ملامحها على الرغم من جمالها، انطفئت لدرجة، أنها لم يعد لديها الثقة في ذاتها، فصور لها خيالها، أنه هو بوسامته المهلكة سيكون الأجمل منها، وهي لاشيء بجانبه، ثغرات تحتفظ بها، ولن تفصح عنها أبدًا لأي شخص كان، يكفي ما تشعر به نتيجة لانعدام ثقتها.
استفاقت على اعتذاره:.

- معلش كنت برد على مسج، المهم الصور أهي، اتفرجي.
مالت برأسها ناحيته قليلًا، فضرب أنفه رائحتها الجذابة، اخترقت خلاياه، وجعلته في حالة هيام وغرام تحت سطوة عطرها..
مرر بأصبعه الشاشة، وهو يقلب بين الصور، وهي في حالة صمت، قسمات وجهها كانت خالية من أي مشاعر، انتابه القلق، وأراد أن يخرجها من قوقعتها تلك، فأشار على صورة كانت عيناها تلمع بها كالألماس فقال مغازلاً:.

- إيه القمر ده، البسي عدسات علشان عينك الحلوة دي متخطفش قلب حد.
- أنا عيوني حلوة اوي كده.
فتح فمه مندهشًا، ثم قال:
- نعم، هو أنتي مش واخده بالك من عينك، دي أول حاجة شدتني.

نبرته كانت صادقة، فنسي نفسه وقرر خوض مشاعره بطريقة أوضح، لعله يطفئ تلك النيران التي تندلع بصدره كلما ثبتت بصرها عليه، بوجهها الملائكي هذا، وتحديدًا ذلك الضعف الذي قرأه بنظراتها، وأشعل لديه فتيل مشاعره دون مراعاة لِمَ يعانيه أو يكمنه بداخله.
- بحس إن عيون أيسل أحسن، أوقات بقول ياريتهم كان لونهم بني، أنا بحب اللون البني.
ضحك وهو يشاكسها:.

- أنتي مجنونة، في حد عينه زرقه ومش عاوز النعمة دي، ياريتني كنت أنا، كنت زماني عملت حاجات..
سألته في لهفه:
- زي إيه مثلاً.
اقترب منها بجسده وهو ينظر في عمق عيناها، معترفًا أنه ليس سوى مجرد أسير لهما، فقال بنبرة عبثية خافته:
- كنت سحرت بيهم قلوب وعقول اللي بحبهم.
تقرفت شفتاها في ابتسامة رائعة خجلة، فقالت بتلعثم:
- لون عيونك، بردوا بحبهم، أأ، ، أقصد لون، كل الناس، بحبهم.

ضحك بقوة على حالتها المرتبكة تلك، وهي تحاول الهرب من نظراته الوقحة التي احتلت عيناه.

نهضت بخفه تنهي جلستهم، وذكرته بميعاد العشاء، وانطلقت نحو الخارج في عجالة، ارتفعت نبضات قلبها وكأنها في سباق، بالرغم أن حديثه لم يكن صريح ليعبر عن حبه، إلا أنها شعرت به، لمسته في كل تفصيلية صغيرة تصدر منه، استطاعت الهرب من نظراته العابثة، ولكن لن تستطيع الهرب من قلبها وحبه الذي استوطنها، فبات أمر واقع لن تفر منه، وليس أمامها سوى أن تقر وتعترف بأنها وقعت بالحب دون أن ينقذها معتقداتها وأفكارها، متخيلة أن حياتها الوردية ها قد بدأت في الظهور للنور، ولم تعرف أن ذلك النور، يكمن خلفه ظلام يكفي للالتهام قلوبنا بجمرات من الغرام..



look/images/icons/i1.gif رواية لعبة الهوى
  20-01-2022 10:56 مساءً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

دخل حمزة إلى الكافية في وقت باكر، يحتاج إلى مراجعة بعض الأمور والأوراق المالية قبل الافتتاح الثاني في نهاية الأسبوع، انشغل بضع ساعات في مراجعة الشؤون المالية بالكافية، يرصد الأموال ويقوم بمراجعتها، وتحديدًا ما تبقى في رصيده، فرك جبينه بأصابعه وهو يزفر بضيق بالغ عندما تذكر أمرًا كان يحاول نسيانه حتى تعود إليه روحه التي غادرت بمجرد موافقته على عهدًا خسر بسببه أخلاقه، حتى وإن كانت أسبابه قوية، فهو الآن يشعر بالندم الشديد اتجاه ماضي ود حرقه ليس نسيانه فقط، لعن شهامته التي كانت السبب الأكبر في ضياعه بين أهل الخداع.

حاول مرارًا وتكرارًا أن يبعد تلك الذكرى السيئة بعيدًا عنه في هذه اللحظات، فقلبه مرهق وعقله متجمد، ويكفي ما يشعر به من عذاب ضميره، كأنه تجسد في صورة جلاد ويقوم بمعاقبته كل دقيقة بلا رحمة.

وكالعادة عندما يفشل في نفضها بعيدًا، يعود إليها رافعًا الراية البيضاء، متذكرًا ما حدث منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، تدفقت إليه تفاصيل اليوم من بدايته حتى مجيء شهاب له للمرة الثانية ووقوفه مع صديق لهما ثالث يدعى محمود على باب الكافية متحدثين بصوت خافت، أما هو فكان منغمسًا بالتفكير في اتصالاً هدد ما كان يخطط له، تنهد بعمق وهو يغلق عيناه بهدوء ليعود بذاكرته للخلف..

دخل شهاب الكافية من الباب الخارجي بعد انقطاع دام أسبوعان، دخل مهمومًا وكأنه يجر خلفه هزيمته، وجه المبتسم، كان عابسًا، وعيناه كانت تشع غضبًا وحقدًا، أنفاسه كانت كفيلة في إحراق المكان بأكمله، وعقله كان عبارة عن ساحة كبيرة يعم بها ضجيج يؤرقه، لم يعرف لِمَ قادته أفكاره إلى حمزة مجددًا، ولكن يبدو أن هناك مازال بصيص من النور والأمل يصر على إخراجه من تلك القوقعة البائسة التي وقع بها بسبب رقية.

فكر مليًّا بأن يحاول استعطافه ولكن كيف وحمزة تقريبًا أنهى معه في المرة السابقة ذلك الموضوع، ، ترك للدقائق حرية التصرف مع ثبوت تلك الخطة بداخله، تنسج خيوطها وقواعدها بحرية، وبالطبع ترك نفسه لتخيل مكاسبها، ولِمَ لا، همس بها لنفسه مبتسمًا بسخرية، وبدأ في إقناع نفسه بأن الخداع فن، وبالتأكيد ضرره ليس بضرر الانتقام، هو لا يريد الانتقام منها، بل يريد أن يخادعها حتى ينهى تلك الفجوة التي بدأت تتفاقم بينه وبين أيسل، وتواصل على إنذاره بفشل علاقتهما، وهو بالتأكيد لن يتخيل حياته بدونها، ولن يخسر أمام رقية أبدًا.

خرج من أفكاره على رنين هاتفه، فقرر الإيجاب قبل أن يدخل للباب الثاني المؤدي لداخل الكافية..
- ألو.
استمع لصوت أنفاسها الغاضبة قبل أن تجيبه في حدة وغضب:
- أنت عاوز تعصبني يا شهاب، أنت إيه وصلت خلاص للمرحلة دي معايا، مبقتش فارقة معاك!
شدد على خصلات شعره في جنون وهو يقول بعصبية خافتة:
- أنتي عبيطة يا أيسل، أعصبك إيه هو أحنا تقريبًا مش متخاصمين بقالنا أكتر من أسبوع، أنا بقى ضايقتك في إيه.

- في إن حضرتك، عملت كومنتات سخيفة أنت وواحده زميلتك في الشغل وبتهزروا فيها مع بعض على صورتك اللي لسه منزلهاه امبارح، وأنا شفافة ولا كأن ليا لزمه.
ارتفع صوت ضحكه وهو يقول ساخرًا:
- هي لحقتك قالتلك!، والله كنت عارف، عمرها ما تعدي فرصة إلا وتخليكي تكرهني أكتر.
- هي مين دي؟!
تساءلت أيسل في بلاهة...
رد هو في انفعال، أحمر له وجهه، وبرزت عروق يده التي كان يضغط بها فوق هاتفه:.

- رقية أختك، اللي ناوية على كل شر بينا، أصل أنتي هتعرفي منين غير منها وانتي عاملالي بلوك.
قالت أيسل في انفعال مماثل له:
- لا مش هي..
قاطعها هو صارخًا، ولم ينتبه لحمزة ومحمود بالداخل، بل هو كان في حالة أشبه بالجنون وهو يهز رأسه في عنف مجيبًا:
- لا هي يا أيسل، هي السبب في كل حاجة، مش ناوية تجيبها لبر، أنا بكرهها بجد، ياريت تبعد عن حياتنا، علشان زهقت منها..

- أنت بتتكلم كده عن أختي، أنت اتجننت، خلاص بقى نسيب بعض أحسن.
- يبقى أحسن.
قالها ثم أغلق بوجهها الهاتف، كاد أن يدفعه أرضًا، ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، حينما لمس أحد كتفه من الخلف، التفت بسرعة وهو يتنفس بوتيرة سريعة، فوقعت عيناه على صديقة محمود وملامح وجهه المستفسرة بقلق..
- في حاجة يا شهاب، صوتك كان عالي جدًا.

اندفعت الكلمات على طرف شفتاه ولكنه منعها بأعجوبة وهو يلمح حمزة بطرف عيناه منشغلاً في ألوان الدهان من اللوح الزجاجي..
عاد وهز رأسه في نفي، ليقول بصوت هادئ زائف:
- مفيش، شوية مشاكل بس مع خطيبتي.
ربت محمود فوق كتف شهاب مردفًا برزانة:
- روق وحكم أعصابك، أنت لسه ياما هتشوف.
قال جملته الأخيرة بمزاح، فابتسم شهاب نصف ابتسامة مجاملة، هاتفًا بعدها:
- يلا ندخل لحمزة.

هتف محمود بتردد، ظهر جليًا على ملامحه، وقرأه شهاب بسرعة:
- لا أنا ورايا، مشوار، ادخله أنت.
ظل شهاب ينظر له بضع ثوان، ثم التفت وقبل أن يخطو خطوة واحدة، أوقفه محمود متسائلًا:
- هو أنت في إيه بينك وبين حمزة يا شهاب.
عقله لم يسعفه بأي أفكار قط، فانفعاله قبل قليل جعله في حالة هياج دون تركيز، كل ما خرج من يده، هو أن يجيب في ثبات:
- في إيه مش فاهم، أنا وحمزة زي الفل.

نظف محمود حنجرته من حشرجة سيطرت عليه تمنعه مما وعد به حمزة ألا يتفوه به، ولكن حمزة بأزمة ويجب عليه أن ينصح شهاب من باب الصداقة والأخوة.
- في إيه وصله، إنه يسحب الفلوس اللي كان واخدها منك علشان الكافية، ويدهالك قبل معادها، أنت طلبتها منه ولا إيه!
اتسعت أعين شهاب غير مصدقًا لحساسية حمزة المفرطة في تلك النقطة ليقول:
- لا أنا طبعًا مطلبتهاش منه، أنا عارف كويس إن معادها مجاش.

اقترب محمود منه وهو يقول بصوت خافت:
- ده مُصر يدهالك، واللي زاد وغطى، أخوه اتصل عليه وطلب منه مبلغ كبير علشان ابنه هيعمل عملية، وحمزة محتاس، والدنيا قلبت فوق دماغه فجأة، وفوق ده كل مُصر يديلك فلوسك، أساله وأقوله طب وأخوك والمبلغ اللي عاوزه يسكت وأحس أنه ضايع، الله يكون في عونه، أنا لو مش بجهز أختي وعريسها مُصر على الفرح، والله كنت وقفت جمبه، حمزة جدع، وعمره ما قصر معانا.

رفع شهاب عيناه وهو يرمقه بضيق بعدما لمح تنبيهاته المبطنة فقال:
- طبعًا، ومتقلقش أنا لا يمكن أخدها منه، روح أنت مشوارك، وأنا هدخله.
وافق محمود برضا وترك شهاب وحده يواجه حمزة في مواجهة حاسمة، ينتظرها حمزة منذ الصباح..

ألقى حمزة المبلغ المالي فوق الطاولة في إهمال، يخالف تلك الثورة التي تندلع بنيرانها بداخله، لعلمه بما سيحدث وكيف سيؤثر عليه ذلك المبلغ وهو في بداية حياته، ومما زاد الطين بلة عملية ابن أخيه، كل ذلك جعله في حالة من التخبط والضياع..
- فلوسك أهي يا شهاب، كويس إنك جيت كنت هبعتلك رسالة.
أبعدها شهاب بيده وهو يقول بلامبالاة أشعلت لدى حمزة فتيل الغضب:
- مش عاوزاها، ومش جاي علشانها.

مالت ملامح حمزة للغيظ، فقال بغلظة خرجت من بين حروف كلماته:
- امال جاي علشان مين يا صاحبي، ياللي كنت بتساومني ما بين الفلوس وطلبك.
تنهد شهاب بعبوس ليقول:
- اعتبر كأني مجتش، ولا حكيت حاجة، أنا كنت بتعشم فيك، وأنت مش حابب كده، خلاص الموضوع انتهى أساسًا، واحنا فركشنا.
رمش حمزة عدة مرات وهو يسأله بعدم فهم، أو بمعنى أصح غير مصدقًا:
- أنت فركشت مع خطيبتك بسبب أختها، انت اتهبلت يابني.

زفر شهاب بقوة وكأنه يخرج همومه التي تكدست فوق صدره في المرحلة الأخيرة، متحدثًا بعدها بحزن أثار عاطفة حمزة نحو قصته:
- اه، هي أصلا حكايتنا كانت مسيرها هتنتهي، طول مافي أختها أنا وهي لا يمكن نجتمع مع بعض، ربنا يجازيها أختها بقى على تدمير حياتنا.

التزم حمزة الصمت مفكرًا بعقلانية في حالة شهاب البائسة، لأول مرة يراه بهذا الشكل الغريب، فقد ذبلت عيناه وملامح وجهه، واختفت البسمة تمامًا من على ثغره بعد أن كانت تلازمه في السراء والضراء، يبدو أن تلك الفتاة بالفعل شخصية سيئة، فهي لو لم تكن بذلك الشكل، لم يصل شهاب إلى تلك الهيئة..
انتبه على وقوف شهاب وهو يتمتم بجدية:.

- بقولك إيه، أنا ماشي، اليوم انتهى واتقفل معايا لغاية كده، وانت خلي الفلوس دي علشان عملية ابن أخوك وأنا بكره هبعتلك فلوس كمان علشان لو احتاجت سيولة تانية.
رفض حمزة، رفض قاطع قائلًا:
- لا، مش عاوز منك فلوس، أنت اصلا كتر خيرك، خد فلوسك يا شهاب.
ربت شهاب فوق كتف حمزة في عتاب:
- بقولك إيه أنا مش هاخد ولا مليم منك، أنت أخويا يابني، واللي بينا مكنش عشرة يوم ولا اتنين، دول عشرة سنين.

- مكنتش حابب محمود يقولك حاجة.
لكزه شهاب في خفة ليقول:
- يا جدع اسكت بقى، وربنا يطمنك على ابن اخوك.
ارتاح حمزة قليلًا ولكن مازال هناك جزءًا بداخله لم يرضى الرضا الكامل، وتحديدًا مع نظرات شهاب له، وكأنه يخبره، بمدى شهامته معه دون مقابل، وهو مع أول عقبة احتاجه صديقه بها، لم يوافق، ولكن كيف له بأن يوافق على شيئًا يخالف مبادئه، حتى وإن كانت تلك الفتاة سيئة لهذه الدرجة.

استغل شهاب صمت حمزة الطويل، وقرر أن يخوض تجربة إقناعه مرة ثانية، حتى وإن انتهت بالفشل، فهكذا ستوضع نهاية علاقته بمن ينبض لها قلبه.
فقال بصوت يغلبه الانكسار والضعف:
- حمزة، صدقني، أنا مش عاوز أذية لحد، بالعكس أنا كل اللي محتاجه منك، إنك تبعدها عن طريقي..
صمت لبرهة يستجمع أنفاسه قبل أن يعود ويهتف:.

- أنا بحب أيسل جدًا، وقبل ما أدخل الكافية نهيت معها كل حاجة، أنا مش متخيل إن هبعد عنها، مواقف كلها كانت من تدبير رقية الزفتة أختها تخيل يابني.
وبدأ شهاب في سرد بعض المواقف والتي كانت رقية بها تحاول هدم خطبته بأيسل من وجهه نظره، استمع له حمزة بتركيز وهو يحاول كشف ملامحه الحزينة التي سيطرت على وجهه، وخاصةً مع لمعة الرجاء التي كانت تلمع بين الفنية والأخرى بعيون شهاب المحترقة على فشل خطبته..

انتبه على كلمات شهاب له وكان في أشد قلقه، خوفًا أن يرفض حمزة مرة أخرى، وينتهي رصيد محاولاته معه:
- فكر يا حمزة مش هتخسر حاجه، أصلاً مفيش خسارة لحد، اعتبر كأنك شفتها وحبيت تقرب منها، وبعدين لما اكتشفت شخصيتها بعدت عنها، بسيطة.

توقفت الموافقة على طرف شفتاه، وقرر خوض ذلك الصراع للمرة الأخيرة، قبل أن يحسم جدلاً ينتج عنه عواقب وخيمة، ولكنه تغاضى عن كل شيء، في سبيل إنقاذ خطبة صديقه من تلك الفتاة المعقدة ذو الأفكار السيئة، اندفعت شهامته تحثه على الموافقة، وكأنه يتصور نفسه في عمل بطولي، أخمد الصراع وضميره معًا، وقرر خوض تلك التجربة بكل ما فيها، فقال كلمة واحدة كانت حروفها مترددة نوعًا ما، ولكن شهاب أمسك بها وكأنه عثر على كنز ثمينًا بعد رحلة بحث طويلة شاقة ومرهقة:.

- موافق، وفلوسك.
قاطعه شهاب سريعًا بحماس:
- مش عاوزها ياعم والله..
حسم حمزة تلك النقطة بجمود:
- لا، فلوسك هتاخدها بس لما عملية ابن اخويا تتم، ياعني على أخر السنة هديهالك.
هز شهاب رأسه بقوة، وهو يحاول منع ابتسامته، فقال حمزة بلامبالاة ظاهرية:
- ابقى ابعتلي رقمها ازاولها..
- لا لا لا، دي مش بتاعت كده يا حمزة، دي بتاعت ادخل من باب البيت، خطوبة ياعني.
- خطوبة لأ.

قالها حمزة في إصرار، فحاول شهاب اقناعه بشتى الطرق:
- يابني اسمع، انت بطولك مفيش ولا اب ولا ام ياعني عادي محدش هيسألك في حاجة، زائد إنها مش من بنات اليومين دول، بص أنا هفهمك شخصياتها واشرحلك كل حاجة بالتفصيل، أنت بس متقلقش وسيبها عليا وكل حاجة هتبقى زي العسل..

عاد من شروده على مرارة العلقم بحلقه، فتقريبًا انقلبت الموازين، وما خطط له، قلب ضده، وانصدم بشخصية غير تلك التي كان يتخيلها، أو يتصورها بناءًا على أحاديث شهاب له، فكان ذلك أول درسًا يتعلمه في تلك اللعبة، ولكن ما لم يحسب حسبانه هو شعوره بالندم، ظن أنه يستطع إخماده، ففشل، بل وقف عاجزًا أمامه، كالسجين في متاهة لا يوجد بها منفذ واحد للهرب، كلما ظن أن تلك الجهة هي النجاة، يعود مجددًا لنقطة الصفر، بدأ يتفاقم بداخله بطريقة أرعبته، جعلته غير قادرًا على التمتع بلحظاته معها، والتي من المفترض حفرها داخل أعماق ذاكرته، ليحيا بها فيما بعد، عندما تنطفئ روحه وتفارقه، فبدأ تدريجيًا ينسحب بعقله لعالم آخر مظلم ينذر بنهاية قاسية ومؤلمة..

في أحد الأماكن المشهورة لبيع الأثاث..
دخل شهاب أولاً وبعده أيسل ورقية، الساعة الآن الثانية ظهرًا وهذا المحل الرابع تقريبًا، وقع اختياريهم عليه، حينما أبدت رقية إعجابها بأثاثه وأصرت عليهما لدخوله، رغم رفضه ولكن عاد ووافق مرغمًا من أجل أيسل فقط.

تجول بلا هدف، وقرر ألا ينظر نحو شيئًا، فدارت عيناه بملل في أرجاء المحل، حتى وإن لمح بطرف عيناه شيئًا جميلاً سيرغم نفسه أنه قبيحًا وكل ذلك من باب العناد فقط، هو لن يرضخ لرغبة رقية أبدًا، لاحظ سعادة أيسل بغرفة نوم معروضة وبدأت تتفحصها بدقة، فحرك رأسه الناحية الأخرى ورسم على وجهه ملامح العبوس وعدم الرضا باحترافية..
التقطت أذناه صوت رقية وهي تقول:
- مش قولتلك هنا زوقه جميل، أحسن من المحلات التانية.

تبسم ساخرًا بداخله، لحريتها الزائدة وتداخلها غير المبرر في حياتهما، ازدادت عيناه عناد وقسوة حينما التفت نحوهما قائلًا:
- بس أنا مش عاجبني الفرش هنا.
قالها بصوت مرتفع قليلًا، فأشارت له رقية بخفض صوته وحذرته بصرامة:
- شهاب أنت مش واخد بالك من صوتك ولا إيه!
تسربت مشاعر الحقد والغيظ لديه، وسيطرت على مشاعره، فظهر ذلك بوضوح عليه، ليقول:
- وأنتي ده كل اللي أنتي اخدتي بالك منه.

رمقته بلامبالاة استفزته حينما مسكت لوحة السعر المثبتة على ألواح الخشب:
- ماهو الصراحة، رأيك مش مهم، على قد رأي أيسل، هي عاجبها المكان هنا، براحتها بقى.
تقدم شهاب منها وهو ينظر لأيسل بقوة، يمنعها من تدخلها، فوقفت المسكينة بينهم تنتظر اللحظة الحاسمة لتدخل، وعقلها ينذرها بأن حظها لليوم بالتأكيد تعيس لدرجة أن فرحتها باختيار أثاث منزلها تبددت وتحولت لكسرة، رمقتهما بنظرات غير راضية بالمرة عما يحدث.

- لا حقيقة اللي أنا مش قادر افهمه، هو إيه لازمتك أنتي، واحد وعروسته، أنتي إيه جابك بقى!
جذبت نفس طويل تحاول به إدخال الهواء لرئتيها بعدما ضاقت بها لشدة إحراجها، وما زادها ضيقًا، هو ارتفاع نبرة أيسل محذرة بقوة:
- شهاب.

حول بصره متجاهلاً، ولم يبدو عليه أي علامات للندم عما تفوه به، لملمت شتات نفسها ثم قالت بنبرة مختنقة، تكاد تخرج الحروف بصعوبة من ثغرها، وخاصةً إن كانت تخوض صراع مع عيناها، تمنعها من البكاء أمامهم، تحدثت تزامنًا مع إخراج هاتفها من حقيبتها:
- حمزة اتصل كتير، أنا لازم أمشي حالاً.
تحركت خطوة دون أن تستمع لردهم، فأوقفتها أيسل واقتربت منها، تهمس بحزن:
- متزعليش من شهاب، أكيد ميقصدش.

التوى فمها ساخرة، تخفي ضعفها الدفين من بين حروفها الخارجة في كبرياء:
- يقصد، ولا ميقصدش أكيد مش فارقة معايا، سلام.
خرجت من المحل بأنف مرفوع، كغزال يأبى اتباع بقية القطيع، أما أيسل فاستدارت بسرعة رهيبة نحو شهاب تتقدم منه في هجوم، قائلة:
- ينفع اللي أنت قولته ده، أنت ازاي تعاملها كده.
ضغط فوق حروف كلماته فخرجت غليظة، حادة:
- بعد اللي هي قالته، جايه تلومني على ردة فعلي.

- أنت مجنون يا شهاب، أنت بتتكلم وكأن رقية قاصدة كده، أنا بقالي كتير بحاول افهمك إنها مبتعملش معاك أنت كده بس، بالعكس دي طريقتها مع الكل.
ضغطت فوق أسنانها وهي تخرج مافي جبعتها دفعة واحدة دون انقطاع، فقال هو بلا مبالاة ظاهرية وبداخله كالمرجل يغلي من شدة عنفوان مشاعره:.

- بقولك إيه، متحاوليش تقنعيني بحاجة أنا مش شايفها، بالعكس معاملتها الجافة دي معايا أنا بالذات، وخصوصًا بقى لو أنا وأنتي بنعمل خطوة مهمة في حياتنا.
عقدت ما بين حاجبيها، وهي تسأله بحدة:
- قصدك إيه؟!
- افهمي اللي انتي عاوزة تفهميه!
رفعت إصبعها في وجهه تحذره بقوة، وعيناها تقسم له بالوعيد، إن ظن تفكيرها:.

- إياك، تفكر كده في أختي تاني، أتمنى أن أكون فهمت غلط، أنا أختي ولا عمرها كانت حقودة ولا بتغير مني، بلاش تلعب اللعبة دي، علشان أنت اللي هتكون خسران.

توقفت رقية أمام الكافية، بعدما قادتها قدمها نحوه، ترددت كثيرًا في دخوله، وخاصةً إن كانت في تلك الحالة الضعيفة، بحثت عن قوتها بين مشاعرها، لم تجدها، وكأنها تبددت مع انهيار أخر حجر كانت تحاول التشبث به للدفاع أمام هجوم شهاب الشرس.
لاحظت عيون الأناس المسلطة عليها، فقررت أن تدخل وكعادتها تحاول إخفاء حزنها بين نظراتها الحادة...

وقفت كالضائعة في منتصف الكافية، تبحث عنه باحتياج جهلت تفسيره، ولكنه تملك منها لدرجة أن أنفاسها حبست بين صدرها، والمخرج الوحيد لديها، هو فقط.
انتفضت بذعر خفيف حينما شعرت بصوته خلفها يقول بنبرته الرجولية المميزة:
- القمر واقف وحده ليه؟!
التفتت نحوه، وتجمعت الدماء في وجهها من شدة خجلها، فقالت برقة:
- كنت بدور عليك.

ابتلع لعابه من رقتها وذلك الضعف الذي يقرأه مجددًا بين ثنايا عيناها، لم يعرف لِمَ يشعر وكأنه يريد أن يختلي بها بعيدًا عن عيون البشر، تزايدت تلك الرغبة بداخله، فقرر الانصياع لها، حينما قبض بكفه الكبير فوق كفها الصغير بتملك، وجذبها بعيدًا عن الضجة، ثم أدخلها غرفة مكتبة والتي كانت تقبع في نهاية الردهة الطويلة، أدخلها ثم أغلق الباب خلفهم، فارتبكت قليلًا ولكنها حاولت تجاوز قلقها، بالنظر داخل مقلتيه، فالأمان هنا مختلف، يكفي أنها هنا تشعر بالحياة والحب..

لم يترك حمزة يداها من بين قبضته بل زادت قوتها عليها، وكأنه يشعرها أنه دائمًا سيكون مأمنها من أي تخاذل قد يؤرق قلبها..
- مالك، زعلانة لية!
نبرته كانت خافتة، تحمل تناقض رهيب ما بين القوة والحنان، تركت لنفسها العنان، وقررت أن تتخلي عن أي ثوب قد تتلون به حتى لا يفتضح ما تكنه بداخلها، فأردفت بنفس خفوت نبرتة، ولكنها كانت مهزوزة، ضعيفة للغاية:
- مفيش.

خانتها دمعة وسقطت فوق خدها، تسير في بطء رهيب، وكأنها تشق طريقها للخلاص من تلك القيود التي تحاول أسرها تحت كبريائها..

مد أصابعه ولمسها في حنو، حنو داعب قلبها في مشاعر جميلة، تتذوقها تحت سيطرته عليها، سيطرة خاصة، حانية، تحمل مشاعر دافئة، حقيقة، ونظرات شغوفة، وأفكارً تزج بيه، بأن يتذوق رحيق شفتيها دون انقطاع أو ملل، هناك بركان ثائر بصدره وحده من يعلم بعواقبه، حاول ألا ينجذب نحو أفكاره الهوجاء، وقرر أن يخمد تلك النيران، بقبلة دافئة، حنونة، طويلة، داخل باطن كفها، متمتمًا بنبرة تحمل مشاعر الحب:.

- زعلك عندي بالدنيا، حتى لو كنتي بتحاولي متبنيش.
نطق قلبها بكلمة ودت أن تتحلى ببعض الجرأة لتتفوه بها، ولكن كيف، وهو حتى الآن لم يصرح بها، لكن تشعر بها من خلال أفعاله وكلماته، أغلقت عيناها بقوة تحاول الهدوء من فرط مشاعرها، وما أنقذها هو طرق الباب، ابتعدت عن حمزة في خجل، وقلبها يرفض ويثور، ولكنها كلما أرادت الابتعاد عنه، جذبها نحوه مجددًا رابط خفي، حتى بدأت تدرك أنه ببساطة لها المنفى والوطن.



look/images/icons/i1.gif رواية لعبة الهوى
  20-01-2022 10:57 مساءً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا لعبة الهوى للكاتبة زينب محمد الفصل السابع

بعد مرور عدة أيام..
وقفت رقية أمام فراشها تفكر بحيرة، انتقلت عدستيها ما بين الفستان ذو اللون النبيذي القاتم، والأخر المماثل للون عيناها، أزرق مبهج، وضعت طرف أصبعها بفمها تضغط عليه بتفكير، تتخيل هيئتها في كلا اللونين..

وما إن فشلت في اختيار لون محدد، تركت مكانها بضيق واتجهت صوب المرآة تنظر لملامحها، التي وبالرغم من جمالها الفاتن فقدت ثقتها، افتقرت لأشياء بسيطة جعلتها عبارة عن زهرة ذابلة، ينفر منها الجميع.

تنهدت بعمق وهي تهز رأسها بيأس، تحاول الخروج من أفكارها السوداوية، تبحث بكل طاقتها عن روحها التي غادرتها منذ أن أوقعت نفسها بمصائب أصدقائها، دون أن تراعي أن أقدار البشر مختلفة، بل وصل بها تشاؤمها أن ذلك الحظ التعيس الذي لاحق أصدقائها، سيلاحق جميع الفتيات بما فيهم هي وأيسل..

كانت ملامح الحب مبهمة لديها، ترى مصاعبه فقط، دون أن تتذوق حلاوة مشاعره، وبعد حرب طويلة دامت بين عقلها وقلبها، لا إراديًا وقعت كالغريقة في بحور الغرام والعشق، وأدركت فيما بعد، أن الحب ما هو إلا انصهار روحك مع روح من تحب!
خرجت من شرودها على دخول أيسل وهي تحاول إحكام حجابها بضيق قائلة بصوت مرتفع:
- رقية خلصتي..
قطعت حديثها وهي تشهق بعنف مردفه:
- أنتي لسه ملبستيش!

وضعت رقية أناملها فوق جبينها، محاولة منها في خلق كذبة، تنقذها من الذهاب إلى ذلك الحفل وعقد قرانهم، والذي سيربطها به للأبد..
- أنا بقول بلاش أروح، أنا خلاص مش عاوزة أكتب الكتاب.
رفعت أيسل أحد حاجبيها بتفكر، فبدت كالمفتش حينما يبدأ بالبحث عن الحقائق والدلائل، فقالت:
- اممم بلاش تروحي، امال حماسك قبل كده كان فين ياهانم، لالا، أكيد في إن قولي واعترفي، الإنكار مش هيفيدك.

تفرقت شفتاها في ابتسامة واسعة، لقدرة تلك المخلوقة على إخراجها من أصعب وأشد الأمور نفسية لديها، فهزت رأسها باستسلام لتقول:
- مش عارفة، حاسه أن الفساتين دي مش حلوة عليا، وحاسة أن هكون بايخة، وممكن حمزة يتقفل في اليوم ده وهو مستنى بفارغ الصبر.
اندفعت أيسل في هجوم تقول:.

- أنتي عبيطة، حمزة هيتقفل فعلاً لو خطيبته، حبيبته مجتش واتفركش كتب الكتاب، واتحججتِ بكلام فارغ مالوش أساس أصلاً، أنتي متخيله القهر اللي هيكون فيه، ده احتمال يتجلط، واحنا نتجلط معاه.
كررت رقية تلك الكلمة التي هزت قلبها بقوة، متجاهلة باقي حديثها:
- حبيبته.
أومأت أيسل رأسها إيماءة صغيرة، فعادت رقية تسألها بلهفة، كالمسافر في صحراء ينتظر سقوط الأمطار، لتنعش قلبه قبل جفاف جسده.

- هو أنتي شايفه أنه بيحبني يا أيسل.
وجدتها أيسل فرصة عظيمة، لاختراق خبايا رقية، وزعزعة تلك الأفكار القاتمة التي تحتل كيانها، فقالت بخفوت وابتسامة عريضة:
- طبعًا، كلامه، أفعاله، نظراته، اهتمامه، كل حاجة، طب أقولك على حاجة أنا أخدت بالي منها.
صمتت لبرهة قبل أن تعود وتستكمل حديثها في تشفي:
- أنا متأكدة إنك حكيتي لحمزة على اللي مضايقك من شهاب والكلام البايخ اللي قاله ليكي يوم ما كنت بختار الفرش.

عقدت رقية حاجبيها تسألها:
- إيه عرفك؟!
أجابتها أيسل بضحك:
- حمزة يومها اتصل على شهاب في التليفون، وتقريبا زعقله وبهدله جامد، وشهاب معرفش يرد، وسكت خالص، وسمعته بيقوله، قبل ما تقول كلمة لرقية فكر فيها مليون مرة أحسنلك.

تذكرت تفاصيل تلك الذكرى، حينما أخبرته بما حدث بعد الحاحه الشديد عليها، لن تنسى قط، انفعاله، وارتفاع أنفاسه الغاضبة، وأيضًا لن تنسى حينما قام بمراضاتها، وتخفيف حزنها، فلم يتركها هذا اليوم، سوي وهي أمام منزلها..
ظهر شبح ابتسامة جميلة فوق ثغرها، وبدأت عيناها تتوهج بشعاع الحب، فاستغلت أيسل الفرصة وقالت:
- هتلبسي إيه النبيتي، ولا الأزرق، أنا شايفه النبيتي هيبقى جامد عليكي.

انتقلت ببصرها نحو الفساتين مرة أخرى، وتحدثت بهمس وكأنها تحاور نفسها وتحسم تلك الحيرة:
- معقولة النبيتي يكون حلو عليا.
اخترقت أيسل ذلك الحديث الخاص، بقولها الذي يحمل قدرًا كبيرًا من الحماس:
- طبعًا، أنتي مش شايفة نفسك جميلة إزاي!
حولت بصرها نحو شقيقتها، تنظر في عينيها مباشرة، تحاول الكشف عن صدق حديثها وهي تقول:
- هو أنا جميلة يا أيسل.
ضربت أيسل بيدها فوق صدرها في حركة تمثيلية، تهتف بنفاذ صبر:.

- يالهوي، أنا هشد في شعري، بقى في واحدة عيونها زرقة وبيضة وجميلة زيك وملامحها تخطف القلب، تقول كده.
ضحكت رقية بخفه، ثم مالت نحوها تقبل وجنتها بحب قائلة:
- علشان عيونك حلوة، فانتي شايفني حلوة.
ابتعدت أيسل عنها، تحرك رأسها بنفي، قائلة بصرامة ويدها تبحث عن شيء ما تريده:
- اقعدي ساكته انتي، اسمعي كلامي وأنا هاخلي حمزة يلف حاوالين نفسه النهارده.
وجدت مبتغاها، فأشارت نحوه:.

- هحطلك كحل في عينك، هاخلي حمزة يتجنن.
هتفت رقية ببلاهة:
- طب وأنا أخليه يتجنن ليه!
ارتفع جانب فم أيسل في مكر وتهكم قائلة:
- طبعًا علشان يعرفوا قيمتنا، ويعني ميضرش شوية غيرة يفرفشوا القلب، وكلمتين يرشقوا في الروح.
رمشت رقية عدة مرات وكأنها تحاول فك شفرات حديثها، فقالت:
- هو أنتي بتعملي كده مع شهاب.
وضعت أيسل ساق فوق الأخرى، تقول بعنجهية:.

- اه، وأوقات بحط روج فيتجلط وهو واقف مكانه، وبعمل فيه بلاوي، امال شهاب هيموت عليا ليه، هااا هتسمعي كلامي ولا لأ.
ترددت لثوان قبل أن تجيب:
- هسمع..
- هتعملي إيه؟!
- اممم هاتي الفستان النبيتي، وتعالي حطيلي كحل..

ارتفعت ضحكات أيسل عاليًا وهي تصفق بحماس، بينما عادت رقية ببصرها نحو المرآة، تنظر لنفسها بتحدٍ، ستتغلب على مخاوفها، بخلع تلك البذرة السيئة من جذورها، أفكار عفت كانت كالزرعة المخيفة، تحجب النور عنها، وأغرقتها في ظلام غلف مشاعرها بالجمود والعناد.

دخلت مع والديها وأيسل لداخل الكافية والذي حرص حمزة أن يزينه بطريقة تناسب عقد قرانهم، راقبت ملامح شهاب المتحفزة واقترابه من أيسل ثم مروره بجانبها وكأنها لم تكن موجودة، لم تعطي نفسها مساحة للتفكير به، بسبب اقتراب حمزة منها وعلي وجهه ابتسامة عريضة، يستقبلها بحرارة وترحاب، فتوردت خجلاً منه.
لمس طرف أناملها وداعبهم برقة، ثم مال بجانب أذنها يخصها بكلمات ستحفر في ذهنها للأبد:.

- إيه الحلاوة دي، لا ثواني إيه ده؟!
تراجعت عن انغماسها في خجلها، وهتفت بقلق:
- في إيه؟!
أشار برأسه على عيناها، هاتفًا بمشاكسة ونبرة عابثة، بعثرت بقايا اتزانها أمامه:
- مين يصدق أن قلم كحل وخط يسبب الجرايم دي كلها يا مجرمة!
أشارت على نفسها مصدومة، قائلة ببلاهة:
-أنا مجرمة!
أومأ برأسه مؤكدًا حديثه، مردفًا بنبرة عبثية تحمل المشاكسة بين حروفها:.

-أيوة مجرمة لما تسرقي قلبي وعقلي مني تبقي مجرمة، أنتي معنديش ضمير هكمل حياتي ازاي وهما معاكي.
تفرقت شفتاها في ابتسامة صغيرة، ثم قررت أن تجاريه بحديثه، وهتفت بمزاح خافت:
-بسيطه خليك دايمًا جنبي تلاقيهم.
رفع أحد حاجبيه، وهو يتظاهر بالتفكير بحديثها، ليقول بعدها بهمس:
-طيب أيه رأيك اني متنازل عن حقي فيهم بس بشرط!
ردت بتعجب:
-شرط أيه!
تعمد مداعبة أناملها أكثر في الخفاء، وهتف بنبرة تحمل جنون عاشق متملك:.

-سلميني قلبك وعقلك، وتمضيلي وصل أمانه أن قلم الكحل ده هيترسملي أنا وبس.
ابتسمت ابتسامة صغيرة، ثم بعدها ارتفعت ضحكاتها على طريقته والتي من المفترض أن تكون أكثر رومانسيه، فقالت بمزاح:
- اممم، هو أنا متهايلي، إنك متملك شوية.
ضيق عيناه مفكرًا ثم قال بجدية زائفة ونبرة خافتة بعض الشيء:
- متملك إيه، أنا مستبد.
ضحكت ضحكات متتالية، فغمز لها بطرف عيناه، هاتفًا:
- طب يلا علشان تقريبًا كله مستني علشان كتب الكتاب.

هزت رأسها بالإيجاب وانطلقت خلفه تجلس بجانبه على تلك الطاولة الطويلة والتي خصصها هو لعقد القران، راقبت جلوس والدها بجانب المأذون، وفي الاتجاه المقابل جلس شهاب يضع يده بيد والدها، لمحت فرحة أيسل، ولمعة عيناها بسعادة وهي تراقب شهاب وهو يردد خلف المأذون بفرحة عارمة.

أغلقت عينيها في تخيل شعورها والذي بالتأكيد سيتبلور بعد عقد قرانها، هل ستظل سعادتها للأبد، أم ستقابلها مصاعب تجعلها تبدأ من نقطة الصفر، وبمجرد التفكير في ذلك، كانت يد حمزة تقبض فوق كفها، يحتجزها بامتلاك، وكأنه يخشى فقدانها.

ولم تكن تعرف، أنه يخشى فقدان نفسه، فكان يتشبث بها ليظل على إصراره في تنفيذ ما آلت إليه نفسه، مجرد لمس أناملها الرقيقة، تندلع بصدره حرارة حارقة، تؤكد على عشقه لها، وأن ذلك العضو الذي ينبض بعنفوان لن يتحمل الابتعاد عنها.

شعرت فجأة بالفراغ حينما أبعد يده، ونهض ليجلس مكان شهاب، وتوالت الأدوار في لمح البصر، تأهب قلبها في مراقبته وهو يردد بهدوء يخالف فرحة شهاب، ولكنها فكرت بأن ردود الأفعال حتمًا تكون مختلفة، فشهاب متهور، وحمزة يتسم بالعقلانية والرزانة في تصرفاته.
ولم يخفَ عنها فرحة والدها، ودموع والدتها التي كانت تتسابق بلهفة غير مصدقة لتلك الفرحة العارمة التي اجتاحت عائلتها الصغيرة في تلك اللحظة المميزة.

وضع المأذون الدفتر أمامها، وأمرها بأن تضع توقعيها في إحدى الخانات، مسكت القلم ثم رفعت بصرها تطالعه، تسكتشف آخر مشاعره، قبل ان تضع توقيعها والذي سينقلها من حالة إلى آخرى.
حثتها نظراته على التوقيع، فتشجعت وتركت كل معتقداتها جانبًا، وقررت خوض حياة جديدة، ووقعت بابتسامة عريضة.
انطلقت الزغاريد في كل مكان، ونهضوا جميعًا يتبادلون التحيات والمباركات.

بعد مرور ساعة في الافتتاح وبعدما مر عقد القران مرور الكرام شعرت رقية بملل يجتاح صدرها، فقررت أن تترك مقعدها وتخرج لاستنشاق الهواء، استطاعت الهرب من نظرات والدتها لها، والتي كانت تحمل غموضًا كبيرًا، أو ربما تحاول سبر مكنوناتها، لا تعلم، ولكن كل ما تعرفه هو أن بالتأكيد والديها تعجبوا لذلك التغير الجذري الذي حدث في نمط ثيابها وأيضاً ذلك الكحل الأسود الذي رسم عيناها ببراعة، وكأن عيناها لوحة أتقن رسامها في تحديد ألوانها.

تركت سترتها الجلدية والتي اختارتها لتحميها من برد الشتاء وخاصةً إن كان الفستان قمشاته لا تناسب ذلك الطقس البارد.
هزت رأسها بيأس حينما بدأت موجات البرد الصقيعة تضرب جسدها بقوة، فودت للحظات أن تجمد مشاعرها والتي كانت في حالة من الهياج والثوران؛ بسبب اقتراب حمزة منها، منذ بداية الافتتاح وهو اكتفى فقط بمتابعة ما يجري به دون أن يتركها بمفردها.

التوى فمها ساخرًا، حينما أدركت أن اللهفة أيضًا كانت من نصيبها هي، هاجمها تعجب استوطن داخلها، بعدما أيقنت أن طاقتها مرتبطة بحمزة، تساءلت في ريبة ماذا سيحدث، إن سلمت كل مفاتيح أبواب قلبها لحمزة، هل ستكون في خانة أصدقائها، أم لها قدرًا أخر مختلف، يتزين طريقه بورود الحب والغرام!

أجفلت من شرودها على أنفاس حمزة خلفها، حينما شعرت بحرارة ساخنة تضربها من الخلف وسط هذا الطقس البارد، التفتت على الفور، فوقعت عيناها عليه، وهو يقف أمامها مباشرةً، وبيده سترتها، ناظرًا لها بعتاب وضيق في آن واحد:
- واقفة ليه من غير الجاكت.
مدت أصابعها الرقيقة تأخذه من يده ثم ارتدته دون تفكير، أو مجادلة، فقالت برقة:
- شكرًا، الجو كان سقعة جدًا.
- وفستانك مش شايفه أنه راسم جسمك شوية!

نبرته كانت قوية، جامدة، فرفعت هي أحد حاجبيها تحاول فهم حديثه والذي كان بغير محله أبدًا، ما شأن الطقس وبرودة جسدها بضيق فستانها، شتان بين نبرته الآن، ونبرته العابثة التي كانت تتملك من معظم حديثه قبل عقد القران!
- مش فاهمة!
جذب نفس طويل ليقول بعده بصرامة:
- مينفعش تلبسي فستان زي ده تاني، مش استايلك، وياريت تفضلي لابسة الجاكت.
- انت بتغير عليا.

ردت عليه في بلاهة، تعجب هو لها، فقد كان يظن أن هناك وابل من المجادلات سيسقط فوق رأسه، ولكنه تدارك الأمر سريعًا، وأخبرها في صدق:
- طبعًا، بغير عليكي فوق ما تتخيلي، حتى إن أنا مضايق من الكحل اللي أنتي حاطه في عينك، وشايف مالوش لزمه، مضفاش عليها حاجه، بالعكس هي اللي بتضيف بجمالها.

حقًا ستفقد وعيها من ارتفاع درجة حرارتها المفاجئة، أو من فرط مشاعرها والتي كانت تتراقص فرحًا، وتبدلت حالتها بين الثانية والأخرى، ناهيك عن قلبها والذي كانت أوردته تنبض بعنف، فقالت بخفوت ومزاح، ظنًا منها أنها بتلك الطريقة ستهدأ من حالتها لو قليلًا:
- لو مكنش حلو عليا، مكنتش هاتضايق، بالعكس أنا شايفه أنه زاد من جمال عيني، وبفكر أن أنا أحطه دايمًا..

قالت جملتها الأخيرة، بلمحه من العناد والمشاكسة، ولكنها تبددت حينما أمسك كفها بسرعة يقبض فوقه بقوة، مرسلاً لها تحذيرات بعينيه، وخرجت حروف كلماته بحدة تحمل التحذير والصرامة:
- لا، الكحل ده مش هتخرجي به بره بيتك تاني أبدًا، رقية إتقي شري في الموضوع ده بالذات، أنا مش طايق نفسي وكل واحد يبصلك شوية.

الآن أدركت حديث المحتالة أيسل، وشعرت بتلك الثقة التي اجتاحت صدرها، ونظراتها بعد أن كانت مهزوزة ضعيفة، تحولت لأخرى قوية تحمل غنج من نوع خاص، نوع قد يثير جنونه في نهاية الحفل، نفذت كلمات أيسل لها بالتفصيل دون أن تحد عن أي خط من الخطوط العريضة التي قد رسمتها لها وهي تلقي بجانب أذنها بعض من التوصيات الأنثوية الماكرة والتي كانت هي تجهلها من الأساس..
هتفت بنبرة شديدة الرقة والنعومة، هامسة:
- حاضر.

حاضر وأي حاضر تلك، فلقد استمع لها كثيرًا، ولكن هذه المرة بالطبع لها مذاق خاص، خرجت حروفها بطيئة، ومع تلفظها لكل حرف كان يهزه زالزال قوي، يدمر حصن من الحصون المنيعة التي كان يحتمي بها من احتلالها لقلبه.
- أنا فخورة بيك أوي.

قالتها بحب وفخر ظهر جليًا عليها، ثارت مشاعره لها، وكأنه كان ينتظر الشرارة الأولى، حتى يتفوه لا إراديًا، ويسمح لتلك الكلمة بالظهور للعلن بعدما حاول تقيدها بسلاسل صنعها هو من اتفاق قطعه على نفسه، دون أن يدري أن دروس الدنيا ليست بالمجان!
- وأنا بحبك.

طالعته بنظرات غير مصدقة، وكأنها كانت تفقد الأمل في نطقه لها، ولكن لِمَ تريد الهروب الآن، بعدما كانت تتوق لسماعها منه وتحديدًا بنبرته الرجولية المميزة، وعيناه الناعسة التي كانت تتجول فوق ملامحها بحرية وكأنه يحفر أدق تفاصيل وجهها داخل قلبه، محتفظً بتلك اللحظة كالوسام على صدره.

سحبت يدها في لحظة منه، وانطلقت صوب الداخل، تحتمي منه ومن نظراته المتعطشة لشيء جهلت تفسيره، فبدت كالسندريلا وهي تهرب من أميرها، حتى لقاء آخر.
ولكن ما لبثت أن تخطي لداخل خطوة أخرى، قبض فوق كفها وجذبها خلفه نحو غرفة مكتبة، بدأت أنفاسها بالانحسار داخل صدرها، وهي تلاحظ نظرات الجميع لها.
أدخلها الغرفة ثم أغلق الباب خلفه، فتوسعت عيناها ذعرًا قائلة بتلعثم:
-حمزة مينفعش كده، بص اعتبر كأننا لسه مخطوبين.

- اعتبر!، لا اعتبري دي تموتيها وتدفنيها، ده كتب كتاب، أنتي مدركة اللي انتي بتقوليه!
اهتزت ابتسامتها أكثر وهي تطالعه بعدم فهم:
- بقول إيه، يعني إيه كتب كتاب بيحصل في إيه!
نظر لها بمكر وقرر ملاعبتها قليلًا:
- تحبي أقولك، ولا تحبي ندخل في الفعل على طول، أنا بقول منضيعش وقت.

تقدم منها عدة خطوات، فتراجعت هي للخلف بتوتر حتى كادت أن تتعثر بالطاولة والتي تقبع خلفها مباشرةً، أمسكها حمزة من خصرها مقربًا إياها أكثر، حتى بقيت داخل أحضانه، رفعت عدستيها تطالعه في خجل زحف مجددًا لوجهها، وألجم لسانها، ففقدت النطق تقريبًا، أما مشاعرها فكانت حدث ولا حرج، تثور وتتوهج في حضوره الطاغي عليها.

لم يقصد حمزة أبدًا اخافتها، بل كان يريد الاختلاء بها قليلًا ليحتفظ بتلك الذكرى داخله، ولكن ملمس جسدها تحت يده، واحتضانه لها بذلك الشكل، ايقظت لديه مشاعر كان يحاول اخمداها منذ قليل، وعندما رفعت بصرها تقابله، سحرته عيناها وجعلته كالأسير لهما، فاقترب منها ببطء، مرسلاً ذبذبات قوية لها، وبتروٍ وضع شفتاه فوق شفتاها يشعر بنعومتهم، انتفض قلبه وهاجمته رجفة قوية جعلت جسده يتشنج بالكامل، وحتمًا لن يهدأ سوى بقبلة عميقة يجتاح بها كل اشتياقه لها، دامت قبلتهم الناعمة لدقائق قصيرة، ابتعدت هي عنه بعدما شعرت بيده التي تحاوطها أكثر، وقبلته التي يتعمق بها شيئًا في شيء.

مدت يدها تبعده أكثر عنها، فامتثل لرغبتها، وكلاً منهما غارق في حلاوة مشاعرهم، ومذاقها المنعش للقلب والروح.
حاولت إخراج الكلمات من جوفها، لم تقدر، اكتفت فقط بالأشارة وخرجت من الغرفة بصمت وجسد ترتفع درجة حرارته نتيجة لهذا اللقاء الدافئ.
أما هو فكان ينتظر اعترافًا صغيرًا منها، ت.

يحثه على الاستمرار، أو ربما يشجعه على نطق ذلك السر الذي يكمنه خلف أسوار قلبه، اعترافًا كان سيجعله متشبثًا أكثر بقراره، ربما لم تحبه أو مازالت في مرحلة الأعجاب، لن يتسرع ويعترف بتلك اللعبة حتى تعترف له ويضمن أنها لن تبتعد عنه، وستظل داخل مملكته للأبد.

جلست بجانب والديها وهي تحاول السيطرة على مشاعرها والتي كانت تتدفق كالماء العذب، تزيل أي شوائب كانت تفكر بها منذ قليل، وعقلها يرفض الخروج من تلك اللحظة، تاركًا تفاصيليها العظيمة لوقت أخر، انعزلت عن العالم وغاصت كالحورية في بحور العشق.
إلا أن أيسل كانت لها رأي أخر، حينما أصرت على استخراجها من شرودها بسؤالها الفضولي:
- إيه بقى، أنتوا واقفين بره بتقولوا إيه!

حمحمت رقية في خجل، وهي تحاول رسم ملامحها الجامدة:
- عادي، كلام تافه.
أصابت الخيبة تفكير أيسل ووالدتها التي كانت تتظاهر بالانشغال، بينما هي كانت في حقيقة الأمر تسترق السمع بلهفة، عاد حماس أيسل في التبدد وبطريقه هدم فرحتها مما كانت تظنه.
انتظرت رقية دقيقتين في صراع مع نفسها، تود مشاركة أحد فرحتها، وفي نفس اللحظة تريد أن تحتفظ بها وحدها لتظل ذكرى خاصة بهما فقط..

حسمت أمر حيرتها، حينما ضربت بكل قواعدها عرض الحائط، ومالت على أيسل تخبرها في همس شديد:
- قالي بحبك.
شهقت أيسل بفرحة وحولت وجهها نحوها في مشهد درامي بالتصوير البطيء، وبؤبؤ عيناها قد يخرج من مقلتيها، فضغطت رقية فوق يدها تقول برجاء:
- أبوس أيدك، متفضحنيش.
غمزت لها أيسل وهي تشاكسها:
- بقى ده كلام تافه.
- انتي فرحانة كده ليه، هو قالك أنتي ولا قالي أنا..
زفرت أيسل في حنق:
- ياستي وأنتي مالك أنا بحب قصص الحب.

اكتفت رقية بالضحك، بينما استطردت أيسل حديثها باهتمام:
- أنتي قولتليه إيه بقى!
- مردتش وسيبته ومشيت، وبعدين دخل يفرجني على حاجة في مكتبه، عادي ياعني مردتش.
كانت تحاول إبعاد أي تفكير سيء عنها، وبالفعل نجحت في ذلك،
فودت أيسل إخراج صرخة قوية تعبر عن جلطتها التي احتلت صدرها من تصرف رقية، والذي كان من وجهة نظرها غير موفق.

- هو أنا بقولك قولي كلام حب، يابنتي أنتي المفروض كنتي فضلتي واقفه، واتكلمتوا في أي كلام تاني، لكن بالطريقة دي هو هيحس إنك مبتحبهوش..
انتظرت رقية قليلًا تفكر بتروي، قبل أن تعود وتسأل أختها بحيرة:
- طيب أنتي إيه رأيك، أصلح موقفي إزاي، أنا هتكسف اقوله بحبك.
- أنا هقولك، أنتي هتطلعي تاني وهتعملي...

استمعت رقية لحديث أيسل بحماس، فنصائح أيسل لا تخيب أبدًا، بينما كانت عيناها تراقبه وهو يعود للخارج مجددًا وخلفه شهاب.

فرك حمزة وجهه بغيظ بين كفيه، عندما بدأ يدرك بأن خيوط اللعبة تتشابك بطريقة يصعب على أي منهما فكها، أو الوصول لبر الأمان، فقد انطفأت الدنيا من حوله، وبدأت الحقائق في الظهور وكأنها رعد مظلم ومخيف احتل سماء حبه لها..
انتبه على وقوف شهاب بجانبه يدخن سيجارته، متحدثًا بتهكم، أشعل غضب حمزة مجددًا، بعدما كان يحاول لجمه منذ بداية اليوم..
- اللي يشوفك أنت وهي في كتب الكتاب، يقول إنك واخدها عن حب.

اشتدت ملامح حمزة وهو يجيبه:
- عارف أنا بندم كل لحظة إن وقفت جنبك، مكنتش اتخيل إنك إنسان أناني وكداب.
أخرج شهاب أنفاسه الثائرة من فمه واختلط بها الدخان الذي يخرج من رئتيه:
- وأنا كدبت عليك في إيه يا حمزة، لقيتها ملاك وأنا معرفش.
التفت حمزة له بعدما كان يصوب بصره نحو الطريق، وبدأ الانفعال يأخذ مجرى لحديثه:
- آه ملاك وأنا وأنت اللي شياطين علشان نفكر نأذيها بالشكل ده.
- نأذيها مرة واحدة!

رد شهاب باستهجان، فأكد له حمزة حديثه بهز رأسه في قوة، ونظراته تشدد قسوة وحدة، مما دفع شهاب يقول بلامبالاة:
- لا أنا مكنتش عاوز أذيها ولا في نيتي، أنا كنت بحاول أبعدها عن طريقي، وكرمًا مني عيشتها معاك يومين هتفضل فاكرهم طول عمرها، مفيش حد كان هيرضى أصلا يخطبها ويقرب منها.
جذبه حمزة من ياقته بقوة وهو يقول أمام عيناه في غضب:
- إياك تكرر كلامك ده تاني، فاهم ولا لأ.
- هتخسر صاحبك علشان خاطر إيه يا حمزة.

- أنا خسرت نفسي قبل ما أخسرك.
قالها حمزة وهو يدفعه بعيدًا عنه، ونبرته تهتز لشدة ضعفه وحزنه..
- حمزة..
صدح صوت رقية في المكان فجأة، مما زاد من صدمتهما، وبالأخص اهتزاز قلب حمزة بسبب رعب تلك اللحظة المخيفة والقاسية، فبدا وكأنه يسقط من مكان مرتفع، منتظر الموت لا محال.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 4 < 1 2 3 4 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1519 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1115 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1153 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 948 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 1716 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، لعبة ، الهوى ،











الساعة الآن 08:22 AM