رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر
ظلت على حالها متكومة على فراشها تتطلع الى الفراغ امامها تنتظرعودته التي لا امل فيها ورغم ذلك تستجديها لعل الله يخلف ظنونها وهواجسها، مدت كفها تحتضن هديته تتشبث بها كما تمنت لو تشبثت بصاحبها تمنعه الرحيل لمبتغاه.. دمعت عيناها وهي تستمع لبعض الجلبة بالخارج لكن صوت تلك السرينة المميزة جعلها تدرك انها ليست الجلبة التي كانت تنتظرها برغم انها كانت تتوقعها..
انفرج الباب بعنف ليدخل الى حجرتها عدد من العساكر وأخيرا ظهر الضابط الذي اندفع نحوها في ألفة كأنه يعرفها منذ زمن متسائلا: - أنتِ بخير يا آنسة عين!؟. اومأت برأسها إيجابا رغم شرودها الذي لم يستغربه بل انه قام بمعاونتها على الخروج من الدار لتركب عربته وبإحضانها حقيبة أموالها وهي لاتزل تتشبث بهديته، مفتاح الحياة..
صرخت نجوى في سعادة غامرة وهي تكاد تعتصر هاتفها: - صحيح!؟، انت بتتكلم جد يا هشام!؟. صمت للحظة فقد كانت المرة الأولى التي تزيل فيها الألقاب فيما بينهما وهمس مندفعا في سعادة: - اول مرة اسمعك بتناديني باسمي بدون ألقاب، يا ريتني كنت لقيت اختك من زمان..
اضطربت بدورها فلم تكن تقصد ان تغفل التكليف فيما بينهما لكنها السعادة بعودة اختها جعلتها تتخطى الحدود دون ان تدرك فهمست متسائلة تحاول تجاهل كلماته: - هي كويسة!؟، وهاتيجي امتى!؟، ولا نيجي ناخدها احنا!؟. هتف هشام مازحا: - يا ستي صبرك عليا، احنا بس هناخد منها كلمتين وانا هجبها لحد عندكم.. سلميلى على الوالدة، وبشريها برجوع الانسة عين، حمدالله على سلامتها..
هتفت نجوى في سعادة: - حاضر، هجرى افرحها اهو، ومتشكرين قوى على تعبك معانا، الله يسلمك يا حضرة الظابط، هشام.. قالت كلماتها الأخيرة في تردد فقهقه هو لأفعالها واغلق الهاتف مودعا ليعود لعين الحياة التي تركها تتناول عصير الليمون حتى تستعيد بعض من اتزانها قليلا..
رفعت عين الحياة كوب العصير لترتشف منه القليل قبل ان يهتف هشام مؤكدا: - ايوه، زي ما بقول لحضرتك كده، موضع الانسة نجوى كله كان مجرد هزار عشان تطلعك من دوامة الشغل والمسؤولية اللي كنتِ رامية نفسك فيها من ساعة وفاة الوالد.. همست عين متحشرجة الصوت: - يعني مكنش لا فيه عصابة ولا فدية!؟.
ابتسم هشام مؤكدا: - بالظبط، بس للأسف انتِ قريتي الرسالة اللي نجوى، اقصد الانسة نجوى بعتتهالك غلط، بدل اللقاء ما يكون في فندق ابوسمبل انتِ قرتيه ف معبد ابوسمبل.. ولما روحتي هناك كان فيه عصابتين بيتاجروا ف الآثار انتِ وقعتي بين أيدين حد فيهم.. ترددت للحظة قبل ان تسأل: - طب وايه اللي حصل للعصابة اللي هاجمتوها!؟، يعني..
هتف هشام مقاطعا: - الحمد لله قدرنا نخلص الاثار من أيديهم، بس معرفناش نمسك حد فيهم حي، كلهم ماتوا.. ارتجفت عندما شعرت بوقع الحقيقة على قلبها وهمست في عدم تصديق: - كلهم!؟. اكد هشام: - كلهم، حداد والراس الكبيرة مرعي واس المصايب كلها ليل الجارحي، ده ياما دوخنا وراه، بس اهم نالوا جزاءهم..
هزت رأسها في اضطراب وهمست بصوت متحشرج وهي تنهض مترنحة: - معلش يا حضرة الظابط ممكن استأذنك نأجل التحقيق شوية عشان انا فعلا تعبانة وعايزة ارجع الفندق استريح..!؟ هتف هشام معتذرا: - اه طبعا يا آنسة عين، انا اسف اني ضغطت عليكِ ف التحقيق، كان لازم أراعي الضغط العصبي اللي كنتِ فيه، اتفضلي هوصلك بنفسي للفندق..
هتفت عين معترضة: - لا مفيش داعي تتعب نفسك، واضح ان عندك شغل كتير وانا هاخد تاكسي من قدام القسم، متشكرة جدااا وباذن الله هاجي بكرة نستكمل التحقيق..
هز هشام رأسه موافقا وتركها ترحل في عجالة لتستقل احدى سيارات الأجرة حتى الفندق، ألقت بالحقيبة ارضا واتجهت للنافذة تفتحها تحاول استنشاق اكبر قدر ممكن من الهواء ربما يخفف من تلك النيران التي يستعر لظاها بين أضلعها في وجع اصم، وقفت تتطلع الى النيل ومراكبه الشراعية الراسية على شاطئه ليتناهى لمسامعها صوت ناي يعزف من احدى تلك المراكب وصوت يشاركه الغناء في شجن: - الأولة ااه، يا ليل.. چدع بالعشج جلبه سبوه.
والتانية ااه، يا عين.. بنية چمالها ما تلجى اخوه.. والتالتة، اتفرجوا الاحبة.. كل خل عن وليفه غربوه.. يا مچمعين الاحبة.. ردوا كل حِب لحبيبه.. يا تشاورا الصبر فين يلجوه..
تحول ذاك الوجع الأخرس داخلها الى شهقات متتابعة تبعها شلال من دموع ظلت تذرفها في قهر ووجيعة وهي تحتضن هديته بكلا كفيها تعتصرها في شوق لصاحبها الذي أصبحت تدرك اللحظة بكل يقين انها لن تراه مرة أخرى ما حيت.. لكنها كانت تدرك تماما ان ذكرى ليل الجارحي ستظل منقوشة على جدران روحها كنقش فرعوني من المستحيل طمس معالمه او حتى ترجمة احرفه..
هللت نجوى في سعادة وهي تحتضن عين عندما هلت عليها ما ان انفرج باب شقتهن عن محياها بصحبة النقيب هشام.. احتضنتها أمها في فرحة لعودتها وكذا فعلت هي رغم كل ما يحتل روحها من اوجاع الا انها تظاهرت بالفرحة كذلك إسعادا لأمها التي علمت انها اجتازت محنة صحية بسبب حزنها على ما حدث لها وكذلك نجوى التي كانت لاتزل تحمل نفسها ذنب ما حصل كله.. هتفت نجوى مرحبة بهشام: - اتفضل يا حضرة الظابط..
هتف هشام معترضا: - لا مش هاينفع دلوقت، لازم اروح بقى واسيبكم مع عين، وهبقى اطمن عليها منك، خدي بالك منها واضح ان التجربة اللي مرت بيها مكنتش هينة عليها.. اومأت نجوى في طاعة لينصرف هشام لتتبع نجوى أمها وعين لحجرة الاخيرة.. دخلت عين الحجرة وكأنها غابت عنها سنين طويلة تطلعت حولها في تيه وهمست: - انا عايزة انام، كأني منمتش من سنين..
ربتت أمها على كتفها هامسة في تعاطف: - طبعا يا حبيبتي، نامي ومحدش هيصحيكِ الا لما تصحي لوحدك.. خرجت أمهما من الغرفة وهمت نجوى باتباعها الا انها اقتربت من عين محتضنة إياها في شوق وهمست باكية: - سامحيني يا عين، انا..
ابتسمت عين في مودة رابتة على كتف اختها تحاول ان تطمئنها هامسة: - أسامحك على ايه بس يا نجوى!؟، انتِ معملتيش حاجة أسامحك عليها، روحي خليكِ مع ماما وانا هنام شوية وبعدين اصحى ونتجمع تاني سوا زي زمان..
قبلتها نجوى في عجالة واندفعت لخارج الغرفة تغلق بابها خلفها لتتمدد عين على فراشها متطلعة لسقف غرفتها متعجبة من حال نجوى التي تظن انها أجرمت في حقها وهي لا تدرك انها رغم كل ما حدث قد جعلتها تدرك ان لها قلب ينبض وروح تعشق، وان هذه التجربة التي مرت بها ستظل الاروع على الاطلاق..
تطلعت نجوى لأختها في قلة حيلة هامسة في حنق: - ايه العمل دلوقت يا عين!؟، بقالنا أسبوعين بنحاول بكل الطرق تسديد الديون اللي ع المصنع مأمكنش، هنسيب مصنع بابا يروح مننا كده!؟. هتفت عين تحاول التخفيف عن نجوى كما كانت تفعل دائما: - يا حبيبتي انتِ ايه بس اللي شاغلك بالفواتير والديون، انتِ عروسة خطوبتها بعد كام يوم، يعني تقومي تجهزي نفسك وتفرحي..
هتفت نجوى في ضيق: - خطوبة ايه يا عين بس ف اللي احنا فيه ده، انا بفكر نأجلها شوية لحد ما نشوف موضوع المصنع ده هايرسى على ايه.. هتفت عين محتجة: - ايه تأجليها دي!؟، يا بنتي ده هشام كان يحصل له حاجة.. قهقهت نجوى متذكرة كيف كان يحاول إقناعهن بعقد القران مباشرة وتجاوز الخطبة وهتفت مؤكدة: - عندك حق، ده ممكن يروح فيها، وحقنا للدماء خلاص نتراجع ف موضوع التأجيل ده، بس برضو معرفناش هانعمل ايه ف المصنع!؟.
هتفت عين متنهدة في قلة حيلة: - خلاص يا نجوى، مبقاش عندنا وسيلة ومستخدمنهاش، الموضوع بقى اكبر من قدراتنا وللأسف، المصنع هيتباع ف المزاد العلني، والسعر اللي هايجي منه هيتسدد منه الديون ولو فيه باقي من فلوس البيع هنحطها وديعة ف البنك لأي ظرف.. همست نجوى في حِزن: - يعني خلاص مفيش امل..!؟. هتفت عين في نبرة يعتصرها الحزن: - للأسف مفيش يا نجوى..
وتطلعت لصورة ابيها الفوتوغرافية التي تزين الجدار امامها: - ربنا يرحمك يا بابا، كان نفسنا يفضّل المصنع عليه اسمك، لكن ما باليد حيلة.. سامحنا يا غالي.. سالت دموع نجوى في صمت وقد ادركت كلتاهما ان الامر خرج عن السيطرة وما عاد لهما القدرة على إيقاف مجرى الأحداث...
رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر والأخير
انتفضت متطلعة لسقف غرفتها تلتقط أنفاسها في تتابع، ان ذاك الحلم العجيب الذي تكرر عدة مرات لا يريد ان يفارقها.. لقد اضناها شوقها الى لقياه وهي تدرك ان ذاك اضحى دربا من مستحيل، لقد رحل بلا رجعة.. وربما ما تره بأحلامها ما هو الا ترجمة لهذا الشوق الطاغي لمحياه..
سال الدمع على جانبي وجهها وهي تهمس باسمه في لوعة، كانت تعلم ان اجتماعهما لم يكن مقبولا فكيف لها ان تلق بقلبها بين كفي رجل كهذا، اين ذهب تعقلها لتقع في هوى مجرم!؟، وهل لو كان على قيد الحياة كانت ستقبل ان تقترن به ويكون أبا لأولادها..!؟، ذاك يعد ضربا من جنون بل انه الجنون بعينه، لقد حُكم على اجتماعهما بالإعدام..
لما لا يتركها طيفه تهنأ في وحدتها او تنل قسطا وافرا من النوم دون ان يزورها مؤرقا إياها!؟. تنهدت في وجع وهي تنهض في تثاقل حتى تجهز نفسها لحضور المزاد الذي سيباع فيه المصنع اليوم، واعتذرت لأبيها من جديد ودمعها يسيل من جديد على ضياع أحلامها واحدا تلو الاخر..
لم يكن هينا عليها اوعلى نجوى حضور المزاد العلني الخاص ببيع المصنع، لكنها ضغطت على نفسها عندما قررت الحضور ونجوى بصحبتها حتى ان هشام اصر على التواجد حتى لا يكونا وحيدتين في ظرف كهذا.. جلست عين في الصف الأول وبجوارها نجوى وخطيبها هشام في انتظار بدء المزاد عندما يكتمل باقي الحضور الذين بدأوا في الظهور فرادى ومجموعات..
مر بعض الوقت حتى ضرب القائم بالمزاد على طاولة أمامه لينتبه الجميع لبدء المزاد ويلتزم كل مكانه..
بدأ المسؤل بوضع سعر مبدأي للمصنع ليبدأ شخص من هنا وشخص من هناك في المزايدة.. كانت ضربات قلب عين الحياة تصل لزروتها مع كل هتاف يصل عبر أنحاء القاعة فكل جنيه زيادة عن ديونهما المستحقة الدفع سيكون كل ما تبقى لهن من ثروة ابيهم..
توقف الهتاف بالأرقام التي كانت تتقاذف من افواه المتنافسين على الشراء مما دفع القائم بالمزاد على التساؤل: - مين يزود!؟، لسه بدري يا جماعة، ده احنا لسه بنقول يا هادي.. هتف احدهم على مضض بمبلغ اعلى قليل وصمت ليعيد القائم ندائه من جديد: - هاااا، مين يزود، ألااونه، ألادوي، ألا.. هتف صوت جهوري من الخلف بمبلغ فاق اخر رقم بمراحل..
تطلع الجميع لذاك الذي دخل القاعة متأخرا يرتدي نظارته الشمسية التي تحجب معالم وجهه ويتكئ على عصا ابنوسية لعجز ما بإحدى قدميه.. تهامس الجمع عن كينونة الرجل الذي تقدم في هوادة نظرا لإصابة قدمه وما ان اقترب من موضع وجود ثلاثتهم بالصف الأول حتى انتفض هشام هامسا في نبرة متعجبة مخلوطة بسعادة: - سيادة الرائد غيث الجبالي!؟.
تنبهت عين لذاك الرجل الذي ما ان اقترب حتى تحرك شيء ما داخلها، لكنها تجاهلته وكل ما كان يشغل فكرها ساعتها ان ذاك المبلغ الذي عرضه مقابلا للمصنع سيكون اكثر من كافِ لسداد الديون والعيش في بحبوحة دون قلق، وتطلعت الى هشام متسائلة في استغراب: - هو انت تعرف ده مين يا هشام!؟.
تطلع اليها هشام مازحا: - طبعا اعرفه.. وغمز بعينه في شقاوة: - وانتِ كمان تعرفيه.. استدار غيث لموضع ثلاثتهم والرجل المسؤل عن المزاد قد اكد هاتفا ان المصنع اصبح من حق غيث الجبالي.. شهقت عين في صدمة كادت ان تفقدها وعيها، لا يمكن ان يكون ما تره اللحظة حقيقيا، انه هو..
تغير بعض الشئ، اختفت اللحية والعمامة الصعيدية، واُستبدل الجلباب بملابس عصرية، بنطال من الجينز وسترة جلدية، ورغم ان نظارته الشمسية اخفت عنها عينيه السمراوتين الا انها ايقنت انه يتطلع اليها اللحظة من خلف زجاجها المعتم فقد استشعرت حرارة جسدها تعلو في اضطراب كبلها حتى عن النهوض لملاقاته بعد ان خلت القاعة برحيل من كانوا يتأملون في شراء المصنع..
اندفع هشام مهللا في فرحة تجاه غيث: - حمدالله على سلامة حضرتك يا فندم، شرفت.. ابتسم غيث في مودة رابتا على كتف هشام هاتفا: - الله يسلمك يا هشام.. واستطرد مازحا: - ايه رأيك!؟، جيت ف الوقت المناسب زي ما بيحصل ف الأفلام، صح!؟. قهقه هشام مؤكدا: - دايما مواعيد سعادتك مظبوطة بالثانية.. هتفت نجوى متعجبة: - هو فيه ايه!؟، ما حد يفهمنا اللي بيحصل!؟.
قهقه هشام واتسعت ابتسامة غيث امرا إياه: - بقولك ايه!؟، خد خطيبتك وفهمها بالراحة عشان انا ورايا مهمة تانية، ياللاه انصراف.. ارتفعت ضحكات هشام وادى التحية العسكرية في عجالة جاذبا نجوى خلفه راحلين خارج القاعة.. كانت عين لاتزل على ذهولها تتطلع لما كان يحدث ولا تستطيع التفاعل معه او حتى استيعابه..
نظراتها معلقة بذاك الرجل الذي يقترب منها اللحظة حتى جلس جوارها هامسا في مشاكسة وهو يخلع عنه نظارته الشمسية: - أديني خلعت النضارة يمكن تعرفينى.. تطلعت لعمق عينيه السمراء التي دوما ما خلبت لبها وهمست بصوت متحشرج تأثرا لا تصدق انه امامها حيّا يرزق: - ليل!؟، ليل الجارحي!؟. ابتسم في محبة متطلعا اليها في عشق هامسا: - غيث الچبالي، الرائد غيث الچبالي، يا داكتورة..
وغمز بعينه هامسا: - اهاا كلمتك صعيدي يمكن كِده تصدجي اني ليل.. وهمس بصوت أبح: - ايوه ليل يا عين.. دمعت عيناها حينما بدأت تستوعب الامر ليهمس متطلعا اليها في شوق: - انا جيت مخصوص عشان اعرفك ايه هو الاختيار التالت على فكرة.. وقهقه ساخرا: - بزمتك حد يختار حاجة هو مش عارفها!؟. همست وقد استعادت بعض ثباتها: - مكنتش عايزة اموت ومكنتش هعرف ابلغ عنك، يبقى اكيد الاختيار التالت ارحم حتى ولو معرفوش..
همس مشاكسا وهو يقترب منها: - من ناحية ارحم فمعتقدش ان فيه أي رحمة.. تطلعت اليه مستفسرة في اضطراب ليهمس في عبث: - لو جوازك مني رحمة، يبقى انتِ موهومة بجد.. شهقت فاغرة فاها ليقهقه مؤكدا: - ايوه، هتجوزك يا عين الحياة، وانت اللي اختارتي.. همست بتلبك وهي تهم بالنهوض راحلة: - انا لازم امشي، ومبروك عليك المصنع..
أمسك بذراعها يدفعها للجلوس من جديد: - انا مش هقدر أقوم وأجري وراكِ، راعي شيبتي ووجع رجلي واقعدي اسمعيني.. جلست مرة أخرى على مقعدها جواره هامسة في تساؤل: - ايه اللي حصل لرجلك!؟.
اكد مبتسما: - حاجة بسيطة الحمد لله، إصابة اثناء العملية الأخيرة، عملية ليل الجارحي، ده يا ستي مهرب اثار كان مدوخنا وراه، لكن بفضل الله قدرنا نوقعه ونكتم ع الخبر، ليل محدش كان يعرفه ولا شاف شكله شخصيا، فكانت فرصة ان حد يتنكر مكانه عشان نوقع كل الشبكة اللى كان بيتعامل معاها، ووقع الاختيار على العبد لله..
أولا لاني صعيدي الأصل متشرب اللهجة الصعيدية من الوالد اللي كان من أعيان مدينة دراو بأسوان وكنت مخالط اهل النوبة طول عمري واعرف لهجتهم لان اللى ربتني بعد امي الله يرحمها كانت الخالة زينة ام جابر.. هتفت مقاطعة في تعجب: - جابر!؟، هو كان معاك ف العملية كمان..!؟. اكد وقد اتسعت ابتسامته: - اكيد طبعا وساعدني كتير جداااا..
واستطرد وهو يميل نحوها قليلا هامسا في محبة: - كل حاجة كانت ماشية عال لحد ما ظهرتي، ضيعتي عليا تعب شهور ومش بس كده، لا وإصابة كنت هروح فيها.. نكست رأسها هامسة: - كنت بحاول انقذ اختي، مكنتش انت المقصود ولا كنت عايزة اعرفك من أساسه.. ورفعت رأسها متطلعة اليه هامسة في وجد: - لكن ساعتها استغربت بجد، ليه واحد زيك يقف ياخد رصاصة بدل واحدة ميعرفهاش..!؟. همس غيث مؤكدا: - عشان دي وظيفتي اني احمي أي حد ف خطر..
واستطرد في رقة: - بس كانت اجمل رصاصة خدتها ف حياتي، اول ما فتحت عيني عليكِ وانتِ بتعالجيني حسّيت إحساس غريب وانتِ قصادي عمري ما حسيته قبل كده، كان ممكن ادبر مع جابر طريقة تبعدك عن مكانا، لكن كنت بتحجج انك ممكن توقعي ف ايد حداد فالأحسن انك تفضلي تحت عيني، عين، انا بحبك وعايز اتجوزك، والمصنع ده مهرك، من اول ما اعترفت لنفسي اني عاشقك وعرفت اد ايه المصنع ده يهمك قلت هايبقى مهرك باْذن الله، هااا، تقبلي..
كانت ضربات قلبها قد تجاوزت سرعتها المفترضة حتى انها شعرت ان خفقات فؤادها قد أصبحت تقف بحلقها تمنعها من الإجابة.. فركت كفيها في حياء وهمست أخيرا: - وانا هتجوز مين، ليل الجارحي ولا غيث الجبالي!؟. همس مشاغبا: - الاتنين واحد طلعي عينهم زي ما انت عايزة، المهم انك تقبلي تكوني ف حياتي.. قهقهت في سعادة وأخيرا همست وهي تهز رأسها في إيجاب: - اقبل يا ليل، اقصد يا غيث..
لتتسع ابتسامته وقد ادرك انه نال ما كان يرغب منذ وقعت عيناه عليها.. رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الختامي
دفع الباب بقدمه وهو يحملها في سعادة لداخل جناحهما الذي اصر على حجزه بأسوان لقضاء شهر العسل والسفر اليه بعد انتهاء حفل الزفاف مباشرة.. انزلها في رقة داخل الجناح بعد ان اغلق الباب دافعا إياه بقدمه من جديد.. همس لها في محبة: - هاا، ايه رأيك!؟.
تطلعت للجناح حولها في سعادة وأخيرا همست في حياء: - حلو قووي، أي مكان معاك يبقى جنة، حتى ولو كان قلب عاصفة رملية ف عز الصحرا.. اقترب منها هامسا في وجل وهو يرفع ذقنها ليتطلع لعمق عينيها الساحرة: - انتِ لسه فاكرة!؟. جال بصرها على ملامح وجهه التي تعشق وهمست في هيام: - ولا عمري هنسى، انا عشت معاك لحظات امان ف عز الخطر، عمرى ما حستها بعد وفاة بابا الله يرحمه، ازاي ده يتنسي..!؟.
احتضن خصرها مقربا إياها لصدره هامسا بنبرة عاشق: - انتِ عارفة!؟، المهمة دي كانت المفروض تخلص قبل ميعادها بفترة وانا اللي كنت بأجل ميعاد تسليم البضاعة، تفتكري ليه!؟. همست متسائلة: - ليه!؟.
همس وهويزيدها اقترابا منه: - عشان كان فيه واحدة كانت اول ما تبص ف عيني أنسى الدنيا وما فيها، واحدة علمتني الفضيلة وانا محرص اجي جنبها او اقرب منها بعد ما وقعت فحضني وانا بحاول أنقذها وشقلبت حالي، واحدة برجلتني وانا بشبك لها ايدي عشان تطلع عليهم فوق الجمل وتعتق قلبي لوجه الله.. دمعت عيناها عشقا وهمست: - ده بجد!؟. ضمها بين ذراعيه هامسا في عشق: - واه من وجع حالي ف بعدك يا كل حالي..
تعلقت برقبته تسند جبينها على صدره ليستطرد في وجد هامسا بالقرب من مسامعها: - وأخيرا ليل لقي عين.. رفعت ناظريها اليه تطالع ذاك الهيام الذي فاض من نظراته وهو يعود ليضمها اليه من جديد ليجتمعا أخيرا، وتكتمل الأنشودة، أنشودة العشق وينتهي موال الغربة للأبد..
تململت موضعها جواره على فراشهما لتجده يغط في نوم عميق فتسللت في بطء وارتدت مئزرها واتجهت خارجا لبهو الجناح تقف بشرفته متطلعة لذاك الفجر الوليد بالافق غامرا إياها بسلام مخلوط بفرحة لم تكن تتخيل انها قد تعيشها يوما ابتسمت رغما عنها وهي تتذكر لحظاتهما معا فذاك الوصل الذي ظنت انه قد استحال للأبد اصبح واقعا ما بين غمضة عين وانتباهتها..
مدت كفها تحتضن قلادته في محبة ولازالت الابتسامة تكلل محياها.. شهقت في انتفاضة عندما غمرها ضاما ظهرها لصدره مطوقا إياها بين ذراعيه هامسا بالقرب من مسامعها وهو يسند ذقنه على كتفها: - قومتي من جنبي ليه..!؟، انتِ متعرفيش ان دي مخالفة للأوامر وفيها جزا.. همست مدعية الخوف: - العفو والسماح يا فندم.. ابتسم غيث هامسا: - عفونا عنك، لكن لو اتكرر الكلام ده تاني.. هتفت تقاطعه مشاكسة: - هيحصل ايه يعني!؟.
استدارت تتطلع نحوه مدعية الحنق: - مِديدة ف فندق خمس نجوم ويوم الصباحية.!؟، اووف، استغفر الله العظيم.. انفجر ضاحكا لتقليدها جابر الذي لم يكن يكف عن الاستغفار ممتعضا لأفعاله.. وما ان هم بحملها ليعودا للداخل حتى توقف لتستدير محتضنا إياها عندما تناهى لمسامعهما شدو يتسلل اليهما عبر نسائم الصباح الاولي من احدى تلك المراكب الشراعية التي ترسو بالقرب على الجانب الاخر من الفندق: -.
سايج عليك النبي ان كنت باجيني.. تضحك بسن الرضا ساعة تلاجيني.. انا الورد يا حلو وانت الماء بترويني.. ان غبت دبلتني وان چيت بتحييني.. وسر تربة نبي زين احمد شهر دينه.. ان كان غيرك جمر ما تنضره عيني.
همس محتضنا إياها بقوة وهما يتطلعا لذاك المنظر الخلاب قبالتهما وقد هزه وقع الكلمات التي تغنى بها ذاك الرجل القابع بمركبه: - سامعة الكلام..!؟، والله صدق.. همست عين مأخوذة: - صدق ف ايه!؟. أدارها اليه هامسا: - وان كان غيرك جمر ما تنضره عيني، ده انتِ فرحة العمر يا عين.. همست متطلعة اليه مشدوهة: - غيث، انت واخدني معاك على فين!؟.
وقفت على اعتاب الحجرة تتطلع الى التمثالين الموضوعين على الطاولة الملاصقة لفراشهما وهتفت في عدم تصديق: - ايه ده!؟. امسك بكفها حتى الطاولة مشيرا للتمثالين معرفا في فخر: - ده اله المحبة والتاني اله الخصوبة والأمومة عند القدماء المصريين.. قهقهت غير قادرة على تمالك نفسها وأخيرا هتفت متذكرة: - مش دوول اللي انا خدتهم م الصندوق..
هز رأسه مؤكدا وهو يهمس في مجون محتضنا إياها: - انتِ اللي جبتيه لنفسك، حد قالك تختاري دوول بالذات، كان ماله اله الحرب!؟. قهقت من جديد وهو يغمرها بين ذراعيه يبثها الكثير من العشق غارسا بذوره بقلبها في انتظار موسم الحصاد.. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم