logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .







look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:54 مساءً   [7]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن (قرار)
قرار

تعالت ضحكاتها على نكاته فقد كان يتمتع بخفة ظل كبيرة، وبجانب هذا كان ماهرا بحق في صنع اطباق شهية من مكونات قليلة ومتوفرة بكل بيت، أنه بالفعل ماهر ومحب لما يفعل..

تركت الهاتف جانبا والذي أصبح سلواها الوحيدة في منفاها الإجباري ذاك واندفعت للمطبخ تصنع طبقا شهيا متبعة تعليماته، انتهت في فترة وجيزة وكانت النتيجة مبهرة مصفقة في جزل كالأطفال عند نجاحهم في صنع برج من المجسمات وبدأت في تناوله بشهية كبيرة..
كانت المرة الأولى التي تصنع فيها طعاما شهيا بهذه السرعة فدوما ما كانت تعتقد أن صنع الطعام الجيد يحتاج الكثير من الوقت والإتقان..

لقد غير لها ذاك الرجل موروثا فكريا سيطر عليها عمرا..
عادت للمطبخ وقد شعرت بالامتلاء لتصنع كوبا من الشاي، وقفت تغسل الأواني فوقع ناظرها على نافذته المشرعة والتي انفرجت في تلك اللحظة معلنة عن ظهوره ليبتسم في أريحية هاتفا: - مساء الخير..
لا تعرف لما لم تشعر أنها بحاجة للهرب منه ككل مرة تلاقيه فيها، فقد استشعرت أن مشاهدتها لفيديوهاته على اليوتيوب جعلته قريبا ومألوفا لحد كبير..

ردت في أريحية: - مساء النور، على فكرة..
لم تكمل وشعرت أنها تهورت وعليها التراجع، تنبه لكلماتها فما عاد بإمكانها إلا أن تكمل ما بدأته مستطردة: - انا جربت وصفة من وصفاتك، كانت جميلة فعلا..
ابتسم في سعادة هاتفا: - دي حاجة تسعدني وخاصة لو طبيخك زي المهلبية بتاعك، هاتبقى شهادة كبيرة..
ابتسمت في حياء شاكرة، همت بالاستئذان ليبادرها متسائلا: - انتِ لسه مش عايزة تشتغلي معايا!؟، مفكرتيش حتى في الموضوع!؟.

تلجلجت قليلا واخيرا هتفت في تردد: - بس انا مش هعرف، صدقني انا لخمة وبغرق في شبر مية، انا مش هفيدك بالعكس انا يمكن اضرك، انت محتاج حد يكون..
قاطعها مؤكدا في حزم: - انا محتاجك أنتِ..
ساد الصمت للحظة، لا تعرف لما استشعرت دبيب عجيب بذلك الخافق بين جنباتها والذي لا تنتبه لوجوده الا عند وخزات الوجع التي ادمنها!؟.
كان هو من قطع الصمت بتساؤله في لهفة: - هااا، قولتي ايه!؟.

كانت تهم بهز رأسها رفضا لكن كيف خرجت أن نعم!؟، كيف اومأت له بالإيجاب وكأنها مسحورة..!؟.
انتفض هو يهلل في فرح وكأنما فاز باليانصيب لتبتسم رغما عنها على أفعاله..
هتفت إحسان تستوقفه: - بس استنى، خلينا نقول إنها تجربة، يعني الموافقة مبدأية، ولو لقيت نفسي مش هقدر، هنسحب، اتفقنا..
هتف مؤكدا: - طبعا اتفقنا، في انتظارك عشان اوريكِ طريقة الشغل، وعشان نحضر المنيو بتاع الحلقة الجاية..

هتفت في اضطراب: - في انتظاري فين!؟.
هتف بأريحية: - هنا عندي..
هتفت في ضيق: - واضح أن عيشتك بره مصر اثرت مش بس على ذوقك فالأكل، على..
هتف يستوقفها: - إحسان هانم، مش هتكوني هنا لوحدك معايا، هيكون معانا حاتم، لانه المهندس المسؤول عن التصوير وتظبيط الصوت و الكاميرات، يعني اللي بينا هيكون لقاء عمل..
اضطربت وشعرت أنها تسرعت في إصدار الأحكام كعادتها معه هو بالذات..

هتفت تحاول تدارك الأمر: - هكون عندك امتى!؟.
أكد وقد اشرق وجهه عن ابتسامته المعتادة: - بكرة باذن الله بعد المغرب مباشرة..
هزت رأسها في إيجاب دون أن تنطق حرفا ليحذو حذوها مستئذنا وقد ارتفعت عقيرته بأغنية فرنسية ما أن ابتعد عن نافذته جعلتها تمسك ضحكاتها حتى تغلق نافذتها..

ارتفعت عقيرتها بالغناء بدورها ما أن ابتعدت لخارج المطبخ وامسكت نفسها متلبسة وهي تشدو بصوتها الشجي مقطع هاقبله بكرة، وبعد بكرة فتصنعت توبيخ نفسها واستشعرت أنه قد أصابها بعض من عدوى جنانه فانفجرت ضاحكة..

اندفع اطفالها مهرولين في سعادة ملتفين حول الأكياس البلاستيكية المتعددة التي وضعت أمامهما على الطاولة، اخذوا في فتح كل كيس على حدى، يصرخون في سعادة وهم يخرجوا ما بداخله من ملابس وألعاب وأطعمة..
كان حماد قد بعث بهم مع أحد رجاله.

هتفت ام صفية في فرحة وهي تضع تلك العباءة على جسدها تنظر إذا ما كانت تناسب قدها: - ربنا يخليه حماد بيه، منسيش حد فينا، حتى انا افتكرني بالحلو كله، والله يا صفية ربنا عوض صبرك خير..
دمعت عيني صفية في سعادة ولم تعقب فكان يكفيها ما تره اللحظة على قسمات اطفالها من فرحة لم ترتسم على وجوههم منذ زمن بعيد..

خفق قلبها في محبة لذاك الرجل الذي خرج لها من خلف حجب الغيب وضباب الحسرة ليزيح استار الوجيعة عن قلبها وينير مصابيح الفرحة من جديد بدروب حياتها..
طرقات على الباب جعلتها تنتفض في ذعر معتقدة أنه مسعد لكنها تذكرت أن ما عاد بإمكانه الصعود إلى هنا ورجال حماد مرابطون لحمايتها بالأسفل..

صرفت اطفالها بأغراضهم بصحبة امها وعدلت من هندامها لتفتح الباب وقد استشعرت أنه الطارق، ولم يخطئ حدس قلبها فقد طلت تلك الابتسامة على محياه ما أن انفرج الباب عن طلتها البهية التي أعلن قلبه الخضوع لسحرها الأثر..
تنحت عن مدخل الباب قليلا تاركة له المجال ليدخل محملا بأكياس أخرى هاتفة في حبور: - ازيك يا سي حماد..
ابتسم مجيبا: - بخير الحمد لله يا صفية، عچبتكم الحاچة..

أكدت وهي تجلس في حياء قبالته: - تسلم مجايبك وتعيش وتهادي..
كان ما يزل يمسك بالكيس الكرتوني القيم الذي كان يحمل فأمرها مشيرا: - تعالي هنا يا صفية چنبي..
اضطربت لمطلبه لكنها اطاعت في هدوء وجلست على مقربة منه على نفس الأريكة ليأمرها من جديد: - هاتي يدك..
اطاعت ومدت يدها ليخرج شيئا ما من داخل الكيس، كانت علبة من المخمل القرمزي فتحها وأخرج منها اسورة ذهبية أحاط بها معصمها في ظل صمتها وذهولها..

وجدت صوتها اخيرا فهمست بصوت متحشرج: - دي عشاني!؟.
أكد حماد في محبة: - معلوم، هو مش انتِ عروسة برضك!؟، و دي شبكتك يا عروسة..

وأخرج من نفس العلبة خاتم ذهبي وكذا سلسالا وألبسها اياهما لتدخل امها حاملة صينية عليها اكوابا من الشاي فرأت ما تتقلده ابنتها فما كان منها إلا إطلاق العديد من الزغاريد وهي تطوق صفية بين ذراعيها باكية في فرحة، تدعو بطولة العمر لحماد الذي كان يجلس منتشيا مستشعرا أنه عاد شابا في مقتبل حياته لا كهلا على مشارف الخامسة والأربعين..

خرج من بيت صفية يتطلع إلى ذاك الأحمق مسعد في صرامة والذي كان يجلس موضعه المعتاد على المقهى يكاد يموت قهرا، مفلس الا من عجزه بعد أن فقد المورد الدائم للمال، صفية، التي أصبحت اللحظة في كنف ذاك الرجل وحمايته..

دخل حماد بيته وما أن وصل لغرفة حورية حتى انحني مقبلا جبينها في حنو، ابتسمت في سعادة وقلبها يترنح وجعا فقد أدركت بحدسها الذي لا يخطئ ابدا أنه كان هناك، بصحبتها، سألته في نبرة مشاكسة رغم الوجيعة الناخرة لروحها: - كنت عند صفية!؟.
ابتسم حماد ولم يفصح، وما كان بحاجة له أن يفعل، تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه أجابت وافصحت عن الكثير، ابتسامة ما ارتسمت على تلك القسمات الخشنة من دهر غابر..

ربت على كفها وأمر الخادمة باستدعاء أخته سعدية وابنته هناء، توجست حورية فسألت في قلق: - عايزهم ليه!؟.
هتف حماد في حزم: - هتعرفي دلوجت، متجلجيش..
مثل كلتاهما أمامه ليهتف فيهما حماد بكل صرامة وبنبرة واثقة: - انا هتچوز عن جريب، وصفية هتاچي تعيش هنا هي وامها وعيالها في الشجتين اللي فوج..
هتفت سعدية متصنعة الصدمة: - هتتچوز!؟.
وتطلعت لحورية هاتفة في حنق: - وانت يا حورية!؟، عادي الكلام ده وعچبك!؟.

هتف حماد في حزم: - ملكيش صالح بحورية وخليكي معاي، اللي بجوله يتسمع، هي هتاچي واهلها، مش عايز اي مشاكل معاها من اي نوع، هي فحالها وانتوا فحالكم، اديني بلغتكم عشان محدش يلوم الا حاله بعد كده..
هتف سعدية في غيظ: - كل ده عشان السنيورة!؟، والله واتركنتي ع الرف يا حورية واللي كان كان..
صرخ بها حماد: - سعدية!، كلمة زيادة وصبري هاينفد..

اندفعت سعدية في حنق ملوحة بكفها في ثورة: - على مهلك طيب، اديني غايرة ولا ليا دعوة لا بيك ولا بيها، ربنا يهني سعيد بسعيدة..
كانت هناء تقف في صمت مقهورة لا تقو على النطق بحرف في حضرة ابيها الذي كان يكفيها أنه لم يعاقبها على فعلتها السابقة مع صفية..
هتف حماد بها: - هناء..
انتفضت متطلعة إليه ليستطرد في حنو: - متعوميش على عوم عمتك..

هزت رأسها في طاعة ليأمرها بالانصراف لتندفع مهرولة صوب حجرتها ليعاود حماد الجلوس جوار حورية رابتا على كفها الذي يحتضنه بين كفيه في امتنان..

قررت قطع إجازتها والعودة لعملها الذي تركته طائعة رغبة في مرافقة كمال أطول فترة ممكنة فقد تحقق حلمها في الزواج منه، لكن ها هي تعود إليه مرة أخرى بعد أن خذلها من تركت العالم بأسره رغبة في قربه..
دخلت لمكتبها الذي كان يضم عدد لا بأس به من الزملاء..
هتفت احداهن في صدمة: - معقول!؟، شوفوا مين رجع يا جماعة!؟.

ابتسمت في مودة ملقية التحية وهي تجلس على مكتبها لتبادرها زميلة أخرى ساخرة: - ايه يا نجوى!؟، زهقتي ولا ايه!؟، ولا كمال اللي زهق وسابك اخيرا ترجعيلنا!؟.
هتفت ضاحكة في سخرية: - من ناحية أن كمال سابني، فهو سابني خالص، احنا أطلقنا..
ساد صمت لبرهة قبل أن تهتف إحدى زميلاتها: - لا حول ولا قوة الا الله، معقول انتِ وكمال!؟، ده انتوا كنتوا قصة حب المؤسسة كلها كانت بتتحاكى بيها!؟.

تماسكت نجوى بقوة جبارة قبل أن تهتف مدعية قوة لا تملكها بالفعل: - الحمد لله على كل حال..
دخل في تلك اللحظة احد الزملاء المعروف عنه جرأته وقد وصله الخبر من إحدى الزميلات الموجودات فرمقتها نجوى بنظرة اخرستها لكن هو أدرك المغزى من وراء نظرتها تلك وانحنى على مكتبها هاتفا في صفاقة: - والله ده انتِ بقيتي فنعمة ومش حاسة بيها، عارفة، كل الستات اللي قاعدة دي حاسدينك..

هتفت احداهن في تأكيد: - صدقت يا خويا، بلا رجالة بلا هم..
ابتسم لإثباته وجهة نظره هامسا لها: - وبعدين والله هو اللي خسران..
ازدادت نظراته جرأة مستطرد بنبرة ماجنة: - خسران بجد..
هتفت نجوى في ثقة وبصوت حاد: - حضرتك ممكن تتفضل على شغلك، وتسبني اشوف شغلي!؟.

ابتسم في صفاقة وابتعد عن مكتبها متجها لمكتبه في بطء مستفز ونظراته تحاصرها في ذهابها وإيابها، وما أن انتهى اليوم حتى اندفعت تغادر مقر العمل هربا من حصاره..

كانت تقف على الرصيف المقابل لمدخل المؤسسة لتبصر كمال خارجا وبصحبته تلك الحقيرة التي إلتحقت بالعمل بعد أن تركته هي، ليتها ما تركت عملها رغبة في اسعاده فلربما لو كانت هنا لكانت استطاعت إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها كانت بعيدة تعيش أحلاما وردية واستيقظت مذعورة على واقع ألعن مائة مرة من ألف كابوس، غضت الطرف عن محياهما الطاعن لأنوثتها الذليلة وأدارت رأسها بعيدا عن محياها مخفية عيونها الدامعة خلف منظارها الشمسي حتى غادرا..

لكنها انتفضت موضعها ما أن باغتها ظهور أحدهم موقفا سيارته قبالتها، ظنت أنه زميلها الأخرق ذاك والذي كان يعتقد أنها لمجرد طلاقها فذاك سيجعلها لقمة سائغة سهلة المنال، لكنه كان سالم، الصديق المقرب لكمال، ترجل من العربة واقفا جوارها هاتفا في نبرة حاول أن يكسوها بلطف: - ازيك يا مدام!؟، اتفضلي اوصلك، الوقفة هنا صعبة عشان تلاقي مواصلات والدنيا زحمة قوي عليكِ..

هتفت دون أن تتطلع نحوه: - متشكرة قوي يا استاذ سالم، مفيش داعي تتعب نفسك، انا مرتاحة كده..
هتف سالم بنبرة متحسرة: - أنتِ ليه بتصديني كده يا مدام نجوى!؟، انا والله ما طالب الا كل خير..
تطلعت إليه من خلف منظارها متسائلة في ريبة: - قصدك ايه!؟، هو كمال بعتك تقولي حاجة!؟.

هتف سالم في حنق: - يا دي كمال، انسيه بقى وعيشي حياتك زي ما هو عايش حياته ومحدش فارق معاه، وبعدين هو اللي خلق سي كمال ده مخلقش غيره يعني!؟.
هتفت نجوى ممتعضة: - هو فيه ايه بالظبط!؟.
هتف بنبرة متوسلة: - فيه سالم، سالم اللي يتمنى لك الرضا ترضي، واللي من يوم ما شافك وانتِ مفارقتيش خياله ولا لحظة واحدة..

اضطربت ونظرت إليه ذاهلة لا تدرى ما عليها فعله لكنها تمالكت أعصابها اخيرا وهتفت به في حنق: - انت بتقول ايه!؟، انت شكلك اتجننت..
أكد في إصرار: - ايوه مجنون بيكِ وأقسم لك لو طلبتي لبن العصفور هيكون عندك بس حني عليا واقبلي تتجوزيني..
لم تحر نجوى جوابا فقد اندفعت هاربة من أمامه لداخل الحافلة التي انقذها وصولها في اللحظة المناسبة..

تنهدت في اضطراب فقد حانت اللحظة للذهاب لجلسة علاجها الكيماوية، كانت الآلام لا تحتمل لكنها تعلم أنها ستحتمل من أجل ولدها وأبيها وكذا نفسها، شفاءها لم يعد أمنية، شفاءها اللحظة ضرورة فلا عودة لطفلها لأحضانها بلا شفاء، لا عودة لحياتها دون أن تبرأ من ذاك الوحش الضاري الذي يفتك بخلاياها وهي ستكون الاقوى ولن تدعه ينتصر ابدا..

دخل بتلك اللحظة لحجرتها يرفع منظاره الطبي في رزانة هامسا وعلى شفتيه ابتسامة مطمئنة: - جاهزة يا أمل!؟.
اومأت في إيجاب هاتفة في عزم: - جاهزة يا دكتور عبدالرحمن..
أومأ لها موافقا وخرج من الغرفة في انتظارها لتتبعه لتخرج هاتفها المحمول تخط على شاشته بضع كلمات سريعة..

كلنا على حافة الوجع سواسية لا فضل لمجروح على اخر إلا بنضال قلبه لتجنب الهاوية ، ضغطت زر النشر تاركة الهاتف جانبا قبل أن تنهض في وهن باتجاه غرفة الجلسات..
كان يرافقها متعجبا من إصرارها وقوة عزيمتها، هي امرأة من نوع آخر، امرأة لا تقهر..
عاد بها لغرفتها وقد بلغ منها الإرهاق مبلغه، تمددت على فراشها لتندفع شيرين كالريح لداخل الغرفة هاتفة في اعتذار: - اتأخرت عليك يا أمل سامحيني بس اصل الباشا طليقك..

ابتلعت شيرين لسانها ما أن أدركت وجود الدكتور عبدالرحمن، الذي تنحنح في اضطراب رافعا منظاره الطبي لأعلى أرنبة أنفه كلما استشعر حرجا ما..
هتفت أمل في ذعر وقد نسيت وجود عبدالرحمن بدورها: - فيه حاجة حصلت لسليم..!؟، انطقي يا شيرين..

أكدت شيرين مطمئنة تربت على كفها في محبة: - لا يا حبيبتي متخافيش، سليم زي الفل، وقالي سلميلي على ماما لما عرف اني جاية لك، بس اصل أمجد أتأخر شوية في النزول ومقدرتش انزل الا لما اطمنت علي سليم عشان اجي اطمنك..
تنهدت أمل في راحة ليهتف عبدالرحمن في فضول ليس من عادته: - هو سليم ده يبقى ابنك!؟.

تنبهت أمل اخيرا لوجوده فتطلعت إليه في صدمة ليستطرد هو بعفوية كانت غريبة على نفسه: - انا كمان عندي ولدين، ربنا يخليهولك..
ساد الصمت لينسحب لخارج الغرفة في هدوء مستئذنا..
هتفت شيرين في شقاوة كعادتها: - يا خسارة اهو طلع متجوز وعنده ولدين، ايه الحظ ده بس!؟.

لم تكد تنهى جملتها حتى استأذن عبدالرحمن من جديد وقد نسي في غمرة اضطرابه أحد أدواته الطبية جوار فراشها فعاد لأخذها وما أن هم بالخروج من جديد حتى هتف في مرح لشيرين: - على فكرة، انا مش متجوز..
واندفع للخارج لتشهق شيرين في صدمة فقد أيقنت أنه سمعها بينما انفجرت أمل ضاحكة على هيئة شيرين التي جلست على طرف الفراش تدعي الانهيار وهي تضع كفها على صدرها في هيام..

كانت تشعر باضطراب رهيب فهي المرة الأولى التي تظهر بها أمام كاميرا، لقد كانت تكره التصوير من الأساس ولا تعرف كيف تتصنع الأوضاع التي تظهرها بأفضل صورة، الأن مطالب منها الظهور أمام مئات الألاف والمفترض أن تبدو واثقة قادرة، كيف لها ذلك!؟.
شعر عبدالغني بما يعتريها فأقترب منها في هدوء هامسا: - متشيليش هم حاجة، اعتبري انك فمطبخك ومتركزيش مع الكاميرا أو الناس..

هزت رأسها في محاولة لإطاعة أوامره الهامسة قبل أن يعطي لحاتم إشارة البدء..
بدأ في الترحيب بكل متابعيه ودعوتهم لمشاهدة تتر المقدمة قبل أن يقدم لهم مفاجأة رائعة..
انتهى التتر في لحظات وما كانت استوعبت أنها ستكون المفاجأة التي وعد بها جمهوره، اي مفاجأة في ظهور امرأة مضطربة تتلعثم الأحرف على شفتيها توترا!؟.
هتف عبدالغني في مرح: - النهاردة محضر لكم مفاجأة، كان للصدفة دور كبير في اني اتعرف عليها..

اقدم لكم، احسن واحدة كلت من أيدها طبق مهلبية، حاجة كده وهم، انا شخصيا حاولت اخد سر الوصفة بس مقدرتش، واخيرا اقنعتها تحضر معايا عشان خاطركم وتعمل قدامنا كلنا المهلبية، وهتدعولي بجد، اقدم لكم، مدام إحسان الدمنهوري..
تقدمت إحسان حتى أصبحت بالقرب منه لتظهر بكادر الشاشة، وبدأت في الترحيب كما علمها، وشرح مكونات الطبق..

كان عبدالغني يتدخل بين لحظة وأخرى ملقيا واحدة من نكاته محاولا امتصاص توترها الذي كان يستشعر ذبذباته القوية حتى بدأت تهدأ قليلا وتتصرف ببعض من ثقة..
حاولت فعلا أن تتناسى أنها أمام كاميرا تخضع لتقييم المشاهد الذي قد لا يستسيغ وجودها في برنامج محبوب يقدمه شخص محبب خفيف الظل كعبدالغني..

انتهى العرض اخيرا ليصفق عبدالغني في جزل وهو يتناول ملعقة من المهلبية التي لم تكن قد بردت بعد مداعبا: - والله ما قادر اصبر، طعمه فكل حالاته ملوش حل، هتفتكروا اني ببالغ، طيب جربوا وشوفوا وهتقولوا اني عندي حق..
يالاه انزل يا باشمهندس بهاشتاج أن جيتوا للحق غنوة عنده حق، عايزين نبقى ترند..

قهقه حاتم من خلف الكاميرا وابتسمت إحسان في رزانة ليختتم عبدالغني الحلقة بتلويحه للشاشة وهو يحتضن صحن المهلبية يتناول منه في هيام حتى غاب عن كادر الشاشة وعلت موسيقى التتر..
تنهدت إحسان في راحة فها قد انتهت الحلقة على خير تطلعت نحوه تشكره فوجدته يجلس على أحد المقاعد بالقرب وما يزل يحمل طبق المهلبية يتناول منه في استمتاع حقيقي..

اقتربت منه باسمة وهمست: - الحلقة خلصت، ليه تاكل المهلبية دلوقتي!؟ استنى حتى لما تدخل التلاجة..
كان قد أنهى الطبق بالفعل متنهدا في لذة هاتفا: - تبقى تبرد على راحتها فبطني..
انفجرت ضاحكة، كانت ضحكة منتشية تفرغ فيها كل ذاك الضغط الذي تعرضت له خلال الحلقة..

تطلع إليها في ذهول، كانت المرة الأولى التي يراها بهذا الانشراح فدوما هي المتحفظة الرزينة، لكن ضحكتها الرنانة تلك أظهرت له وجها آخر غائب تماما عن السطح الهادئ، هذه المرأة كالبحر، هادئ للناظرين لكن أعماقه تمور بالأعاجيب، وهو قبطان مخضرم، ومن غيره يعرف كيف يتحمل تقلبات البحر ويسوسه!؟.

تنبهت لنظرته الذاهلة فعاودها اضطرابها لتستأذن في عجالة مغادرة لتتقوقع من جديد بين جدران شقتها الباردة الا من نافذة مطلة على مطبخه..

اندفعت هناء لداخل شقة عمتها هاتفة في حنق: - انت هتسبيه يتجوزها يا عمتي!؟، عادى كده هنوقف نتفرج وهي جاية تعيش وسطنا بعيالها وامها وتقهر امي الغلبانة..
هتفت سعدية في غيظ: - ياختي امك الموضوع چاي على هواها، انا مش عارفة ستات ايه دي اللي رايحة تچوز چوزها!؟.
هتفت هناء في غيظ مماثل: - يعني خلاص، مفيش فايدة!؟، اللي اسمها صفية دي هاتيجي ومش هانقدر نمنعها!؟.

أكدت سعدية في خبث: - بقى انتِ تعرفي عن عمتك كده!؟، انا لازما احفظ لك حجك يا غالية، إذا كان ابوكِ مبيفكرش الا فروحه، عمتك همها مصلحتك جبل اي حد، يا مرت ولدي..
انتشت هناء في بلاهة مراهقة في السابعة عشرة تنال استحسان أم زوجها المستقبلي الذي ظهر اللحظة يتثاءب في تكاسل خارجا من غرفته..

هتفت سعدية ما أن شعرت بخجل هناء لظهور عماد فضحكت في تصنع هاتفة: - انت صحيت يا عين امك!، اما اروح اعمل لك كباية الشاي واظبط لك الفطور..
هتف عماد متعجلا: - بسرعة يا ماما احسن اتأخرت..
اختفت أمه داخل المطبخ ليقترب عماد من ابنة خاله هامسا في نبرة ماجنة: - ايه الحلاوة دي!؟.
ارتجفت هناء في سذاجة وقلبها ينتفض بين اضلعها تملس بكفيها على ردائها هامسة: - عجبك الفستان بجد!؟.

همس من جديد في نجوم: - الفستان وصاحبة الفستان..
كانت نظراته كلها رغبة صارخة اولتها هي أنها نظرات محب ملهوف على الاجتماع بمحبوبته..
واستطرد بنبرة متحشرجة تكسوها الشهوة: - مش هتحني عليا بقى..!؟
ابتعدت عنه قليلا ما أن استشعرت اقترابه المحموم منها هامسة في تلعثم: - لما تيجي تكلم بابا!؟.
هتف في خيبة وهو يدعك فروة رأسه بأطراف أصابعه: - بابا!؟، طيب..

وارتفعت عقيرته متسائلا وهو يتجاهل وجودها منقلبلا حاله للنقيض تماما وقد اندفع للداخل: - فين الفطار والشاي يا ام عماد!؟.
خرجت سعدية من المطبخ لتجد هناء تقف متعجبة من حال ابن عمتها الذي ملك قلبها منذ نعومة أظافرها فهتفت بها مطمئنة: - متجلجيش، سيبي الموضوع بتاع البت صفية دي على عمتك وانا هعمل الواچب وزيادة، والواد طليجها ده موچود وبچوز چنيهات يعمل اللي احنا عاوزينه..

اومأت هناء برأسها في طاعة واستأذنت لتعود لشقتها تاركة سعدية تقوم بالمطلوب كله..

تمددت على فراشها وكل ما جرى من أحداث يعاد أمام ناظريها بتواتر بطئ لتحلل كل شاردة وواردة..
الكل يعتبر أنها تحللت من كل اخلاقياتها ما أن انحل رباط الزوجية الذي كان يربطها بكمال، وكأنما وازعها الأخلاقي هذا وثيق الصلة بكونها على زمة رجل من عدمه..

تنبهت من خواطرها على صوت وصول اشعار على هاتفها، مدت كفها في تثاقل تتناوله تستطلع من المرسل، تنهدت في حنق زافرة أنفاسها وهي تتطلع للرسالة والتي على الرغم من عدم تسجيلها لرقم مرسلها إلا أنها استطاعت استنتاج شخصه بسهولة، كان موافي زميلها الملقب بالمتحرش، فما من إمرأة بالمؤسسة سلمت من كلماته أو نظراته الجريئة، لا تعلم كيف استطاع الحصول على رقم هاتفها لكن هذا اقل ما كان يؤرقها اللحظة، كلماته المسمومة التي تقرأ هي شاغلها الحقيقي، ما أنتِ بتعرفي تقفي مع رجالة وتتكلمي معاهم ع الرصيف وقدام باب المؤسسة عيني عينك، اومال معايا انا مش طايقة لي كلمة ليه!؟.

بالتأكد رأها مع سالم، وسالم هذا قصة أخرى..

تذكرت كلمات كمال عندما علم أنها كلمت سالم لإقناعه بالعدول عن طلاقها، أخبرها أن سالم أو اي رجل لم يكن ليطيق النظر إليها وأنها تتهمه زورا، ابتسمت في سخرية تتمنى لو كان كمال هنا للحظة حتى يرى كيف كان سالم هذا يتذلل من أجل سماع موافقتها على الزواج به وهو ذاك الرجل الذي ما استطاعت امرأة الحصول على قلبه وجذبه لعش الزوجية وهذا بشهادة كمال نفسه عندما كان يحدثها عنه، كان ثريا ذو مال وافر ووحيدا لا عائلة ولا زوجة..

فكرت قليلا، ولما لا!؟، لم لا تفكر في عرضه!؟، ابتسمت في راحة وقد استشعرت للمرة الأولى منذ زمن بعيد أنها بدأت تستعيد ثقتها بنفسها كأنثى بعد أن فقدتها تدريجيا من كثرة الانتقادات التي تعرضت لها طوال حياتها مع كمال والتي تعلم علم اليقين أنه كان لها يدا عليا في نيلها، لقد انتهى عصر العيش في دور الضحية المغلوبة على أمرها وجاء عصر المكاشفة ومصارحة النفس بنواقصها، وها هي تفعل!؟، لكن على كل من له يد فيما ألت إليه حالها اليوم أن يدفع الثمن غاليا..

ارتفعت الزغاريد الواحدة تلو الأخرى متعاقبات في فرحة من حلق ام صفية التي ما كانت تصدق ان ابنتها خطت بأقدامها بيت حماد اخيرا..
كانت سعدية وعماد ومن خلفهما تقف هناء على نهاية الدرج في انتظار صعود العروسين..

مصمصت سعدية بشفتيها فما كانت تتوقع أن ترى أخيها بهذه الفرحة لكنها امتعضت ما أن طالعها محيا العروس التي كان تشع حسنا ما أثار حنقها واشعل نار الحقد بداخلها، تلعن ذاك الأحمق مسعد الذي لم يقدم على ما اتفقا عليه، تراه اين ذهب ذاك المغفل!؟، كانت مخطئة أن أعطته المال ليفعل به ما يحلو له قبل أن ينفذ اتفاقهما كاملا..

تنبهت عند وصول حماد وصفية بالقرب من عتبة شقتها لتتصنع الابتسام مهنئة في نبرة مفضوحة تقطر غلا: - ألف مبروك يا خويا، ربنا يتمم لك على خير يا غالي..
واطلقت زغرودة أشبه بنعيق بومة شؤم بيوم حداد..
ربت حماد على يد صفية التي كانت تتأبط ذراعه مستئذا للدخول لشقته والاطمئنان على حورية قبل الصعود لعشهما فأومأت برأسها في تفهم..

دلف حماد لشقته دافعا باب حجرة حورية التي كانت تتصنع النعاس لكن ما أن انحنى مقبلا جبينها الا وفتحت عيونها متطلعة نحوه في عشق فاضح..
ابتسم لها في محبة هامسا: - مكنش ينفع اچي ومطلش عليكِ..
هزت رأسها وهمست محاولة كبت وجيعتها المرة: - تسلم دخلتك عليا يا حماد، ربنا ما يقطعها ابدا..
انحنى من جديد مقبلا إياها لتهمس دافعة إياه عنها في رفق مازحة: - روح بقى يا حماد، زمان العروسة مستنياك..

همس بها حماد: - اچبهالك تحب على راسك..
انتفضت هاتفة: - لااا..
تنبهت لنبرتها المزعوجة فلطفت منها هاتفة: - مش وقته، الايام جاية كتير، روح يا حماد عشان خاطري..
ربت حماد على كتفها ممتنا وابتعد في هوادة تتطلع إليه في كل خطوة يخطوها مبتعدا وكأنما سكين تالم يمزق ثباتها وقدرتها على الصمود أمام ذاك الوجع والتي كانت تعتقد أنها تمتلكها..

خرج اخيرا مغلقا خلفه بابها لتشهق في وجيعة تضع كفها على فمها في محاولة لوأد أنات الصرخات التي كانت تختنق بجوفها مستعرة..
سال الدمع السخين من مقلتي عاشقة عاجزة عن رؤية حبيبها يزف لامرأة سواها برضاها المجبور وموافقتها المرغمة..

لم تشعر الا وهي تضم قبضتيها في قوة ضاربة بهما جسدها الميت عن أي إحساس تتمنى لو يدب فيه الألم لتتأكد أنها ما تزل حية وأنها ما زالت امرأة، لكن هيهات، فكل تلك اللكمات التي سددتها لجثتها لم تؤت ثمارها، ارتفعت قبضتها تضرب صدرها في قوة تهتف باكية مخاطبة قلبها النابض: - وانت مبتمتش ليه!؟ موت بقى وريحني، مووت..
وانفجرت باكية من جديد..



look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:54 مساءً   [8]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع (وقفة)
وقفة

دخل غرفتها متنحنحا في هدوء بعد ان طرق الباب وانتظر للحظة حتى أذنت له بالدخول تطلع اليها في مودة هاتفا بصوته الذي يجلب الطمأنينة للنفس كما تجلب الشمس خيوط النهار: - ازيك دلوقتي يا امل!؟
هزت رأسها وهى تتأكد من احكام رباط رأسها هامسة في اضطراب لا تعرف مصدره: - كويسة يا دكتور عبدالرحمن، بقيت احسن..

هز رأسه مبتسما وهو يتطلع لإشارة تقدم الحالة المعلقة على فراشها هامسا: - فعلا عال قووي، احنا فعلا احسن، يا رب دايما للأحسن، انا ملاحظ تقدم واضح فالحالة..
وابتسم في مودة أربكتها كليا حتى انها لم يكن بامكانها الرد مباشرة وهمست بعد ان بدأت في استعادة احرف بيانها: - الحمد لله على كل حال، فضل من رب العالمين..

توقف امام نافذة الحجرة متطلعا منها للخارج شاردا وهو يهمس: - فعلا فضل من رب العالمين، اللي دايما بسمعك بتناجيه وانت رايحة تاخدي الجلسة وترددي آيات القران، اية معينة بتردديها بيقين عجيب يهز أي حد يسمعها لما الالم يشتد عليكِ، وإذا مرضت فهو يشفين، ولما يشتد عليكِ التعب اكتر تبكى بهدوء وترددي اسم معين اكتشفت انه اسم ابنك، كأنك بتستمدي منه القوة، وبعد الجلسة تقعدي وحيدة في هدوء عجيب اتاريكِ حاطة تحت حجابك سماعات تليفونك بتسمعي ام كلثوم، انتِ فعلا تركيبة عجيبة مقبلتهاش قبل كده..

تنبه انه أفضى بتفاصيل كثيرة عنها دون ان يدرك فاستدار نحوها ليجدها فاغرة فاها في دهشة متسائلة بنفسها، كيف له ان يعرف كل تلك التفاصيل البسيطة عنها!؟.

شعر باضطراب من جراء استرساله في خواطره كما لم يعتد من قبل فهم بالحديث إلا أن دخول شيرين العاصف كالعادة اخرسه عندما ظهرت بجلبتها المعتادة هاتفة: - ايه يا بنتي!، اقبال منقطع النظير ع الصفحة، انتِ بتوزعي ايه جواها!؟، والله لو بتوزعي لحمة ما هيبقى الإقبال كده، أنتِ محظوظة يا بنتي أن انا صحبتك ومديرة صفحتك..

قالت شيرين كلماتها الأخيرة في نبرة متفاخرة وكالمعتاد لم تع لوجود عبدالرحمن بذاك الركن المتطرف بالغرفة عند النافذة ولا حتى تنبهت لإشارات أمل الخفية لتصمت وتكبح جماح اندفاعها الفطري لكنها تنبهت اخيرا لوجوده عندما ارتفعت قهقهاته على مزاحها فاستدارت في بطء متطلعة نحوه لتضع كفها على وجهها في صدمة استوعبتها بسرعة قبل أن تهتف في حرج: - هو حضرتك ظابط مواعيد كشفك على مواعيد جناني، قول صح!؟، اصل لو مش صح، هايبقى العيب فيا، منحوسة من يومي..

قهقه مؤكدا حتى يرضيها: -الصراحة اه، مظبط مواعيدي عليكِ، اهو الواحد يضحك شوية وسط اللي بنشوفه هنا..
ابتسم من جديد مستئذا في عجالة لتتطلع شيرين إلى أمل في ذهول هاتفة: - هو قال إنه بيستناني عشان اضحكه، صح!؟، قولي صح يا أمل، ياختااي، هيغمن عليا..
قهقت أمل مؤكدة: - ايوه قال، بالإمارة قالها بالاكراه عشان ميحرجكيش..

نظرت إليها شيرين ممتعضة هاتفة في حسرة: - والنعمة أنتِ مش صاحبة جدعة، طب اضحكي عليا وقوليلي صح، هو الصاحب ليه ايه عند صاحبه إلا أنه يفرحه حتى ولو كدب..
وقفزت على الفراش جوار أمل هاتفة في حزن مصطنع: - فسحيلي جنبك شوية اتمدد لحسن هلكت النهاردة، امي صممت اني اشيلها الشقة عقابا ليا عشان رفضت العريس اللي معرفش كام، ياللاه، كله عند الله، الحق عليا اني مبحسسكوش بألامي..

قهقهت أمل وهي تفسح لصديقتها المجال لتتمدد جوارها هاتفة: - والله طنط دي صعبانة عليا بجد، حرام عليكِ، ما تفرحيها بقى يا شيرين..
أكدت شيرين ساخرة: -حاااضر، من عنايا، نامي بس دلوقت وبكرة افرحها انا وانتِ وناهد وكلنا..
تطلعت أمل لصديقتها في محبة جمة وحزن حقيقي على حالها، يقال إن العشق يحيي، لكن كيف له ان يميت قلب انسان بهذا الشكل!؟، أن يغرز نصله بالسويداء حد العمق ولا ينتزع ابدا!؟.

مدت كفها متناولة هاتفها وخطت على صفحتها واني احمل حبك الساكن بجنبات روحي، تاج على مفرق فؤادي كما تحمل أعواد الكبريت موتها فوق رأسها لكني لا أبالي، فأنا التي ما عاد يهمها ان كان حبك هو البلية ام العطية، يكفيني اني احبك.
ذيلته بلقبها، سيدة الأوجاع السبعة..
تركت هاتفها جانبا وتمددت بدورها جوار شيرين تضم خصرها بذراعها في محبة..

دلفا لحجرتهما تغشاهما الرهبة، كانت ترتجف في مهابة فقد أصبحت ولأول مرة وحيدة معه..
كانت طلته الآسرة لقلبها تفعل بها الأفاعيل وما كانت لتجرؤ على رفع ناظريها لتواجه عينيه السمراء..

تقدم منها في ثبات ظاهري لكنه كان يرتجف داخليا، ارتجافة لا يعرف كنهها، رغبة ام رهبة!؟، أنها المرة الأولى منذ زمن بعيد التي التي فيها امرأة، فقد حرم النساء على نفسه منذ ما حدث مع حورية وتناسى رغباته كرجل واضعا جل همه في عمله الذي أصبح هاجسه حتى حقق ذاك الازدهار، اللحظة يقف أمامها بكل هذا الحسن الفطري الطاغي كغر لا خبرة له مع النساء..

دفع نفسه دفعا ليقربها رافعا وجهها لتقابل نظراته العطشى لروعة طلتها هامسا: - مبروك يا عروسة..
همست في اضطراب: - الله يبارك فيك يا سي حماد..
أكد في هدوء: - صفية، جبل أي حاچة عايز اخد منك العهد..
نظراتها المستفسرة جعلته يستطرد هامسا: - حاچتين لو خدتي بالك منهم ملكتي جلبي، حورية وهناء..

هزت رأسها طائعة ليكمل مفسرا: - لولا حورية ومحبتها ليا يمكن مكنش هيبجالك مكان هنا، حورية ست شايفة چوزها بيتچوزجدام عينيها وهي عاچزة، رضاها من رضايا يا صفية، چمايلها مغرجاني واني مش جليل الأصل..
هتفت صفية مؤكدة: - بعد الشر عنك، ده انت مأصل وسيد الناس..
ابتسم حماد وقد وضع كفيه على كتفيها هامسا: - اما هناء فاعتبريها بتك، حطي عينك عليها، وخدي بالك هي ميالة چامد لعمتها، بس خلي بالك منِها..

همست صفية: - دي فعيني من جوه زيها زي عيالي يا سي حماد واكتر، كفاية انها حتة منك..
ابتسم حماد وقد انخفض كفيه محتضنا خصرها مهمهما: - انا تعبان جوي يا صفية، تعبان من زمن وربنا بعتك عشان ارتاح بين يدك..
تجرأت صفية بعد كلماته تلك والتي فجرت داخلها ينبوع من حنان جارف تجاه هذا الرجل الحاني رافعة ذراعيها تضم رأسه لصدرها هامسة في نبرة تقطر عشقا: - وانت عمرك ما هتلاقي بين دراعات صفية الا الراحة يا سي حماد..

همهم من جديد وقد جذبها إليه أكثر حتى أضحت مزروعة باحضانه يتلمس بقربها نعيما طرد منه قسرا منذ زمن والآن عاد ليدخله من جديد على يديها..

اندفعت احدى ابنتي عامر في فرحة غامرة باتجاه جدها هاتفة وهي تشير لشئ ما يعرض على هاتفها الجوال: - بص يا جدو، مش دي تيتة إحسان!؟، دي بتعمل المهلبية اللي كنت بحبها من ايديها، يا خسارة، هي راحت فين!؟، عايزاها ترجع تعملهالي..

تطلع توفيق لما تشير إليه حفيدته على شاشة الجوال ليتعجب ممسكا إياه ممعنا النظر في تلك المرأة التي تعرض ما تصنع يصاحبها ذاك الرجل، وضع توفيق منظاره ليتأكد أنها بالفعل إحسان، لا يعلم لما شعر بالرغبة في جذبها خارج الشاشة ليشبعها تقريعا ولوما!؟، كان يؤكد لنفسه أن الأمر ما عاد يعنيه لكن شئ ما حاك بصدره اشعره بالحنق ليهتف مستدعيا عامر الذي مثل أمام أبيه مستفسرا..

ليهتف به توفيق ساخرا: - يا ترى شفت عمايل امك ولا لسه!؟.
طأطأ عامر رأسه في صمت ولم يعقب ليستطرد توفيق مؤكدا: - امك اتهبلت على كبر، ايه اللي بتعمله ده!؟ ومين الراجل المهزق اللي معاها!؟، والله كنا فجرة وطلعنا لبره..
هتف عامر محتجا: - ايه المطلوب مني دلوقت يا بابا!؟، أهي بتسلي وقتها بدل قعدتها لوحدها..

هتف توفيق محتجا: - اللي فسنها تروح تقرا لها قرآن ولا تركع لها ركعتين ينفعوها فأخرتها مش تعمل العمايل دي وعندها راجل بشنب يقف عليه الصقر، بس يا خسارة مطلعش راجل بجد وسايب أمه تعمل ما بدا لها..
انتفض توفيق مغادرا تاركا عامر يغلي غضبا لأقواله ولما جلبته أمه عليه من سخط أبيه الذي صبه على رأسه ممعنا في الاستهزاء منه..

رنات متتالية وملحة قادمة من هاتفها الذي تركته بغرفتها، اندفعت تتطلع لشاشته المضيئة باسم المتصل..
لقد كان سالم من جديد، كانت تدفعه للجنون وهو يحاول أن يحصل منها على جوابا لطلبه والان حان الوقت المناسب لتجيبه..
أجابت في هدوء: - السلام عليكم..
تنهد سالم في راحة متنفسا الصعداء: - اخيرا رديتي..! انتِ بتعملي فيا كده ليه يا نجوى وانت عارفة ومتأكدة اني بحبك!؟.
هتفت متسائلة: - بجد بتحبني يا سالم!؟.

هتف في لهفة وقد شعر أن قلبها القاسي بدأ يلين: - انتِ لسه بتسألي بحبك ولا لأ!؟، انا بحبك من اول مرة شفتك فيها، حاولت امنع نفسي واقول دي مرات صاحبك بس مقدرتش، انا عملت المستحيل عشان اعرف اوصل لك..
همست مستفسرة في اضطراب: - قصدك ايه!؟.

هتف مستطردا: - انا اللي كنت بدفع كمال أنه يطلقك، انا اللي حطيت فطريقه زميلتنا اللي خليته يحبها واشترطت عليه أنه يطلقك عشان جوازهم يتم، انا عملت ده كله عشان تبقيلي لوحدي يا نجوى..
كانت ضربات قلبها تتعالى في اضطراد موجع مع استرساله في اعترافاته، كانت مؤامرة إذن!؟.
فليكن، انها تستحقها لأنها شاركت في نجاحها بنسبة كبيرة وكذا كمال عندما اختار لصحبته صديق مثل هذا..

تمالكت نفسها هامسة: - عملت كل ده عشاني يا سالم!؟.
هتف سالم في عشق: - وأعمال اكتر من كده ميت مرة، بس أنتِ تأمريني..
هتفت متسائلة: - يعني لو طلبت منك اي حاجة هتعملها مهما كانت!؟.
هتف مؤكدا: - اكيد، ولو كانت ايه..
هتفت نجوى في هدوء: - طب انا طالبة منك مهري..
هتف في سعادة: - مهرك!؟، افهم من كده انك وافقتي على جوازنا!؟
أكدت: - اه موافقة، بس انا مهري غالي..
هتف في عجالة: - من جنيه لمليون.

همست: - مش عايزة فلوس، انا عايزاك زي ما قربت كمال من الهانم اللي هتخطفه تبعده عنها تاني..
هتف سالم متوجسا: - ليه!؟، عشان يخلالكم الجو تاني وترجعي له!؟
قهقت مؤكدة: - كمال ملوش امان ولا يمكن ارجع له بعد ما رماني بسهولة كده، انا كل اللي عايزاه اشوفه بيتحسر وانا معاك واللي باعني عشانها باعته عشان حد أحسن منه، فيها حاجة دي!؟

اكد في سعادة: - لا مفيهاش حاجة، حقك يا ست الكل، غالي والطلب رخيص، هاجي اقابل بابا امتى!؟.
همست في هدوء: - لما تنفذ اللي اتفقنا عليه واشوفه بعيني ساعتها هقولك تعال شرفنا..
هتف في انشراح: - كل اللي طلبتيه هيتنفذ بالحرف وفي خلال كام يوم الخبر هيملا المؤسسة كلها ويوصلك وساعتها هنول المراد..
همست في ثبات: - اكيد يا سالم، نجوى مبترجعش فكلمتها ابدا، هتاخد اللي تستحقه وزيادة، مع السلامة..

هتف سالم محتجا: - بسرعة كده!؟.
همست في دلال مصطنع: - هات مهري بسرعة اكون معاك على طول، شد حيلك..
أكد سالم في حماسة: - اسرع من البرق عشان خاطر عيونك، سلام..
أغلقت الهاتف وتنهدت في راحة وهي ترى ما تتمنى يتحقق كما خططت له بالحرف..

هتفت أمل في ضيق: - يا بنتي كفاية تعب بقى، بابا يجي الصبح وبيفصل معايا طول النهار وانت تيجي تستلمي منه النوبطيشة عشان تفضلي الصبح مع سليم لحد ما أمجد يرجع من شغله، كده تعب عليكِ!؟.
هتفت شيرين في حنق: - تعب ايه!؟، هو انا بعمل ايه يعني!؟، شغل!؟، انتِ عارفة شغلي كله ع النت من البيت عشان مسبش ماما لوحدها فترة طويلة وخاصة مع ظروفها الصحية اللي انتِ عرفاها..

هتفت أمل: - سلميلي عليها، وحشتني بجد، اوعي تكون مش بتدعيلي..!؟.
هتفت شيرين مازحة: - يا بنتي هي محلتهاش حاجة الا الدعوات عليا، قصدى ليا، وليكِ..
ضحكت أمل لشقاوة صاحبتها التي هتفت منتبهة: - فكرتيني، لما دكتور عبدالرحمن يمر هخليه يرشح لي دكتور علاج طبيعي عشان الدكتور اللي كان بيجي حصلت له ظروف واعتذر..

لم تكمل كلماتها الا وهل عبدالرحمن بابتسامته الدافئة وقسماته المريحة يعدل منظاره بحركة اعتيادية ملقيا التحية لتبادره شيرين متسائلة عن طبيب لعلاج أمها ليؤكد في رزانة: - اه اكيد، مفيش احسن من الدكتور علاء الدغري، هتصل بيه حالا واعرفك عليه..
اخرج هاتفه وما هي إلا لحظات حتى هتف عبدالرحمن متحدثا: - ايوه يا دكتور علاء، لو في إمكانية تشرفني هنا، اه، غرفة تلاتة وستين، في انتظارك..

اغلق عبدالرحمن الهاتف مؤكدا: - دقائق ويكون هنا وتكلميه عن حالة الوالدة، الدكتور علاء من افضل دكاترة العلاج الطبيعي، ألف سلامة عليها، بلغيها سلامي..
أكدت شيرين مبتسمة: - اكيد يا دكتور عبدالرحمن، حاضر من..

قطعت شيرين استرسالها في الحديث عندما انفرج الباب بعد عدة طرقات متعاقبة ليدخل صاحبها ما جعل شيرين تحاول الاختباء خلف ظهر الدكتور عبدالرحمن الذي مد كفه بالتحية لعلاء هاتفا: - احنا عايزينك في خدمة جليلة، والدة الآنسة شيرين..

وأشار إليها جواره حيث كانت فلم يجدها ليتعجب اين ذهبت، كانت أمل ترى أفعالها الصبيانية وتشعر بالحرج ولا تعلم تفسيرا منطقيا لما تفعله شيرين وهي تختفي بهذا الشكل خلف ظهر الرجل الذي استدار متعجبا: - في ايه يا آنسة شيرين!؟، الدكتور علاء..

صرخ علاء في هذه اللحظة مفسرا لما كانت تحاول الاختباء عنه: - هو انتِ!؟، اقول ايه!؟، بقى دي يا دكتور عبدالرحمن اللي عايزني اعالج والدتها..!؟ والله لو اخر واحدة فالدنيا ما يحصل..
هتفت شيرين في حنق بعد أن خرجت من خلف عبدالرحمن: - الله الغني يا سيدي، هو انت كنت خلاص يعني هتخلي امي تنزل تلعب المباراة مع المنتخب!؟، دكتور زيك زي غيرك..

هتف علاء في حنق: - شايف يا دكتور عبدالرحمن، شايف، بقى هي اللي غلطانة ومش عاجبها..
هتف عبدالرحمن مهدئا: - طب بس أهدى واحكيلي ايه اللي حصل منها خلاك زعلان كده!؟.
تطلع علاء لشيرين هاتفا في حنق: - أقوله ولا تقولي له انت يا آنسة!؟، اقول انا وامري لله، بقى يرضيك يا دكتور اركب مع الآنسة الاسانسير من شوية وانا طالع مكتبي تقعد تقولي طالع الدور الكام يا حبيبي!؟ انت ازاي تخرج من غير بابا وماما!؟.

لم يستطع كل من عبدالرحمن وأمل إن يتمالك نفسه فانفجرا ضاحكين ليكفهر وجه علاء الطفولي القسمات، كان مظهره العام يوحي فعلا بمظهر طفل أكثر منه رجل بالغ، كان يميل للقصر القامة ذو شعر أملس وبشرة بيضاء مشربة بالحمرة وملامح طفولية لحد كبير لا تعكس اطلاقا سنواته السبع والثلاثون..
امسك عبدالرحمن ضحكاته بأعجوبة يحاول تطييب خاطره هاتفا: - مكنتش تقصد اكيد يا دكتور، انت لما تعرف الآنسة شيرين اكتر، هتعرف..

هتف علاء في حنق: - مش عايز اعرفها..
هتفت شيرين بدورها: - بناقص، انت الخسران..
هتف علاء في هدوء: - انا اسف يا دكتور عبدالرحمن، انا منسحب..
استدار علاء مغادرا، اغلق خلفه باب الحجرة لتتطلع أمل لشيرين في نظرة عاتبة: - زودتيها يا شيرين، الراجل واضح أنه حد محترم..

هتفت شيرين وقد تضاعف احساسها بالذنب: - فكرك كده!؟، انا حاسة اني زودتها فعلا، بس ايه الحظ ده!؟، يعني الراجل اللي اتنمر عليه اتحوج له بعدها على طول!؟
تطلعت في عبدالرحمن الذي لم يفه بحرف منذ غادر علاء تسأله: - هو فين مكتبه يا دكتور عبدالرحمن!؟.
هتف عبدالرحمن مشيرا: - بالدور اللي فوقينا على طول، اخر الكوريدور، دكتورعلاء الدغري..

أكدت شيرين وهي تسحب أقدامها للخارج في تثاقل: - واضح فعلا أنه دغري، صاحبك ده قفوش يا دكتور ملوش في روح الدعابة..
قهقه عبدالرحمن وهي تغلق باب الحجرة متطلعا لأمل هاتفا: - صحبتك دي رهيبة، ربنا يعين دكتور علاء ومتجبلوش جلطة..
قهقهت أمل هاتفة: - ربنا يستر..
تأكد عبدالرحمن أن الأمور على ما يرام وغادر في سرعة ليلحق بشيرين حتى لا ترتكب حماقة جديدة بحق صديقه المغلوب على أمره..

وصلت شيرين لغرفة مكتبه وطرقتها لتدخل ما أن أذن للطارق، رفع ناظريه ليجدها شاخصة أمامه هم بالحديث إلا أنها بادرته هاتفة: - انا بجد اسفة، كنت قليلة الذوق معاك..
لم ينبس بحرف لبرهة واخيرا أشار للمقعد المقابل لمكتبه هاتفا: - اتفضلي اشرحيلي حالة والدتك، ولو معاك اي تقارير سابقة عن الحالة يا ريت توريهالي..
جلست موضع إشارته هاتفة في عدم تصديق: - افهم من كده أن حضرتك وافقت على علاج ماما!؟.

هتف ساخرا: - اومال طالب التقارير ليه حضرتك!؟، هعمل بيهم حجاب لجلب الحبيب!؟.
قهقهت في أريحية هاتفة: - طب ما حضرتك دمك خفيف اهو، اومال قفشت عليا ليه!؟.
زم ما بين حاجبيه هاتفا في جدية: - آنسة شيرين، التقارير من فضلك، ومعاهم رقم تليفونك والعنوان وهبلغك امتى أول جلسة، وده كله عشان خاطر دكتور عبدالرحمن، اتفضلي..

وأشار للباب في هدوء لتنهض تتجه خارجا وهي تشير له بتحية عسكرية قبل أن تغادر مغلقة إياه لينفجر مقهقها على أفعالها الغير طبيعية بعد أن تصنع الجدية في حضرتها بشق الأنفس..

فتحت الباب بعد نظرة فاحصة للعين السحرية لمعرفة القادم لتبتسم ما أن انفرج الباب عن محيا عامر ولدها الذي دخل دون أن يلق التحية بوجه مكفهر..
تطلعت إليه متعجبة: - في ايه مالك مضايق كده!؟.
هتف عامر ساخطا: - يعني مش عارفة فيه ايه يا ماما!؟ فيه ده..
وأخرج هاتفه مشيرا للفيديو الذي جمعها بعبدالغني البارحة..
ردت في هدوء متطلعة للفيديو: - تتصور مشفتوش لحد دلوقت، ايه رايك حلو!؟.

هتف عامر ممتعضا: - حلو ايه بس يا ماما وأنتِ خليتي نفسك فرجة لكل من هب ودب!؟.
تطلعت إليه إحسان في صدمة هاتفة: - فرجة!؟، ليه!؟، هو انا كنت بعمل ايه يقلل من قمتي ولا يسئ ليا!؟.
هتف عامر: - يسئ لينا احنا يا ماما، انا وسمر بنتك اللي اتصلت من الامارات مخصوص لما شافت الفيديو ومش مصدقة أن حضرتك جت لك الجراءة انك تعملي ده..

هتفت إحسان في ثورة: - هو فيه ايه!؟، انت ليه محسسني اني ارتكبت ذنب فظيع!؟، ده فيديو بعلم فيه الناس تعمل أكل، لا كنت بتكلم بشكل خارج ولا لابسة لبس خارج، واختك دي اللي اخيرا سمعنا صوتها عشان فيديو مفيهوش اي ضرر لأي حد من اي نوع، كانت فين لما عرفت بطلاقي من ابوك!؟، دي مكلفتش خاطرها تقولي عاملة ايه يا ماما ولا عايشة ازاي، جايين دلوقتي تحسبوني على حاجة حسيت انها هتملى فراغي واستفيد منها ماديا عشان مبقاش عالة على حد ويجي يتحكم ويتأمر عليا..

هتف عامر شاعرا بالذنب: - والله ما اقصد كده يا ماما، أنتِ فهمتيها كده ليه!؟.
هتفت إحسان في حنق: - لأنها متتفهمش الا كده، كل واحد فيكم جاي معلق المشنقة وعامل فيها حامي الفضيلة، انا ست كبيرة وناضجة كفاية ومش محتاجة وصاية من حد، ولو كنت جاي عشان الموضوع ده مش عشان تشوفني وتطمن عليا زي ما كنت فاكرة فأنا بقولك أن الموضوع ده انتهى ومش هايبقى ده أخر فيديو، وتقدر تروح عشان متتأخرش على عيالك وبيتك..

واندفعت إحسان إلى الداخل تاركة عامر وحيدا للحظة قبل أن يندفع راحلا لتسمع صوت إغلاقه الباب خلفه فأذنت لأدمعها بالهطول في غزارة تستشعر ألم الفقد لداعم يسدد خطى تسعدها على درب تسيره وحيدة بلا رفيق..

نهضت تقف بالمطبخ تصنع لنفسها كوبا من الأعشاب المحببة لنفسها والتي تساعدها على إراحة أعصابها. مدت كفها لجوالها لتسري الموسيقى الناعمة المصاحبة لشدو فيروز: - بديت القصة تحت الشتا، باول شتا، حبوا بعضن، وخلصت القصة بتاني شتي، تحت الشتا تركوا بعضن..

سالت دموعها من جديد وغامت الرؤية أمام ناظرها حتى أنها لم تدرك أن عبدالغني جذبه لحن الأغنية المنبعثة من نافذتها فقدم ليلق عليها التحية ليجدها تبكي تمسح دمعاتها بظاهر كفها وهي تتشاغل كذبا أمام مجلى الصحون الذي يدرك بحدسه أنه نظيف تماما..

هتف يحاول إخراجها من حالة الحزن التي تعتريها مولدة لديه حالة أخرى مصاحبة من التعاطف لم تكن اعتيادية على أية حال وترنم ليجذب انتباهها: - يا حبيبي شو نفع البكي، شو إله معنى بعد الحكي..
انتفضت تتطلع نحوه مضطربة ليهتف باسما نحوها: - ده مش انا اللي بقول، دي الست فيروز..
همت بالاستئذان الا انه امهلها هاتفا: - إحسان..

كانت المرة الأولى التي يناديها باسمها مجردا من اي ألقاب، كان وقع ذلك عليها مربك بحق على عكسه تماما فقد استطرد في أريحية مطالبا إياها في رجاء: - ممكن تفتحي، عايز اوريكِ حاجة..
لا تعلم لما امتثلت لطلبه في طاعة، تأكدت أن الدمع انزاح عن محياها متطلعة إلى المرآة قبل أن تتجه لتفتح له الباب..

كان قد وصل لمنتصف المسافة بين شقتيهما عندما انفرج بابها، تقدم نحوها مشيرا للفيديو خاصتها، كادت أن تشح بوجهها بعيدا فهذا سبب الخلاف الذي دار بينها وابنها منذ دقائق خلت إلا أنه هتف مشيرا لشئ ما استرع انتباهها: - شايفة التعليقات والناس اللي جربت الوصفة فرحانة ازاي!؟.
نظرت إليه في شك فقد كان ذعرها من النتيجة دافعا لها حتى لا تبحث عن الفيديو لتشاهد تعليقات قد تكون سلبية على أدائها..

مدت كفها تشاهد التعليقات التي تخطت مئات الآلاف في بضع ساعات، قرأت بعضها لينشرح صدرها بعد انقباضه اثر كلمات ولدها..
رفعت رأسها تتطلع إليه في سرور: - كل ده ليا!؟، ده انا كنت غرقانة فشبر مية..
ابتسم هاتفا: - انا مراهنش على حاجة وتطلع خسرانة، انا قلت لك هتعجبيهم ومكنتيش مصدقة، مبروك يا إحسان هانم، هتاكلي من غنوة الجو، ده بيطالبوني اعمل لك فقرة ثابتة فكل حلقة..
هتفت إحسان متعجبة: - ليا انا!؟.

اكد ضاحكا: - اه والله، بصي اقعدي اقري التعليقات براحتك، وخشي علقي عليها واسعدي الناس بوجودك، وفكري في اسم لفقرتك..
تطلعت إليه ولم تعقب ليستكمل حديثه مخرجا شئ ما من جيب بنطاله مادا به يده تجاهها: - اتفضلي، ده حقك..
تساءلت في حرج ولم تمد يدها: - ايه ده!؟.
أكد عبدالغني هاتفا: - ده حقك من الحلقة، تتهني بيه..
مدت كفها تحصل على اول أموال تكتسبها من عمل خاص بها..

هتف مازحا وهو يستدير مغادرا ليعود لشقته: - بلاش تبذير، انا عارف الستات ما يصدقوا..
اتسعت ابتسامتها بدورها لتدخل مغلقة بابها متزامنا مع غلق بابه لتتطلع للنقود بكفها من جديد وقد انقلب مزاجها للنقيض تماما تستشعر إحساسا من الطفو الداخلي فوق الحزن والوجيعة محلقة في براح السعادة..

اصوات الزغاريد الآتية من الخارج ارقته ففتح عينيه ليجدها مستلقية في وداعة جواره..

نهض غير راغب في ازعاجها واتجه نحو باب الشقة وقد أدرك أنها امها جاءت بإفطار الصباحية فبالتأكيد لن تقدم سعدية أخته على فعل كهذا، فتح الباب لتعلو الزغاريد مرة أخرى ليقابلها هو مبتسما في سعادة مفسحا الطريق لتخطو حماته للداخل بحملها الذي دفعت به على اول طاولة وجدتها بطريقها للداخل راغبة في العودة سريعا لشقتها لمصاحبة احفادها لكن ظهور صفية على أعتاب الردهة جعلتها تعود في سرعة تضم ابنتها في سعادة بالغة..

واستأذنت رغم دعوة حماد لها لتبقى
لكنها أصرت على الذهاب سريعا..
اغلقت باب الشقة خلفها ليتجه حماد من فوره لصفية هامسا وهو يطوقها بذراعيه في محبة: - صباحية مباركة يا عروسة..
همست صفية في حياء مطرقة: - الله يبارك فيك يا سي حماد..
قبل جبينها في عشق وجذب كفها لتسير خلفه حتى الطاولة..
حمل الصينية وانحنى واضعا إياها أرضا ليجلس مشيرا لمكان بقربه لتجلس في طاعة..

رفع الغطاء عن الصينية ليهتف في دهشة: - الله اكبر، دِه فطور عرسان بچد..
هتفت صفية وهي تربت على كتفه: - طبعا، عريس وسيد العرسان كمان..
مدت كفها تسبقه متناولة قطعة من الفطير مغموسة بالشهد رافعة إياها لفمه تضع كفها الأخرى تحتها لتسقط عليها القطرات المنسابة هاتفة: - مطرح ما يسري يمري يا قلب صفية..
ضم كفيها بين راحتيه مستوقفا اياهما هاتفا في حنو: - هتعود ع الدلع ده يا صفية واني مش واخد الا ع الشجى..

هتفت وقد مس قلبها مخرجا مخزونا فطريا وافر من الحنان لأجله: - بعد الشر عليك من الشقى يا عيون صفية، من هنا ورايح مفيش الا الدلع وبس..
أبتسم في مودة ملتهما اللقيمة في استمتاع واستزاد بأن رفع كفها الآخر والمحلى بقطرات العسل ليلعقها بلذة دفعت الضحكات الندية لتشرق على صفحة وجهها الصبوح..

تطلع إليها في عشق هامسا: - عارفة يا صفية، اني من ميتا مفرحتش كده!؟، من زمن بعيد جوي، كنت ابن خمستاشر سنة لما شلت هم امي واختي على كتافي، اشتغلت اللي عمرك ما تتخيليه عشان بس اچيب اللجمة، ماتت امي واترملت سعدية وولدها على كتفها، جلت بلاد الله لخلج الله ونزلت على مصر..

شفت اللي محدش شافه، دجت المر، لحد ما ربنا كرمني بحورية، معرفش شافت فيا ايه خلاها ترتاح لي وتسلمني مالها وحالها، واتچوزنا، ربنا رزجنا بهناء وجعدنا ع الحال ده سنين مفيش خلفة بعدها لحد ما تعبت چامد واحتار فيها الأطبة وفيوم وليلة بجت مبتتحركش من مطرحها، حطيت همي فيها وفالمصنع، وعدت سنين نسيت فيها حالي..

وتطلع إليها ليرى تعاطفها مرسوما بأدمع تتراقص بمآقيها ليستطرد هامسا في عشق: - لحد ما وعيت لك، كنت بغالط روحي واجول خلاص، الجلب مات من زمن، لكن تاريكِ حيتيه، تصدجي بأيه!؟.
همست والدموع تنساب على خديها في عشق لأعترافه: - لا اله الا الله..
هتف في شوق: - انا عاشج يا صفية، اول مرة احسها واجولها، انتِ عوض ربنا بعد طولة الصبر ومرار الحرمان..

انتفضت صفية جاذبة إياه لصدرها تضمه كطفلها تحتضن رأسه المكدود لأضلعها تقبل هامته وانفاسه الحارة تعانق نبضها الذي يصرخ بعشقه..



look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:54 مساءً   [9]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر (ضحكة)
ضحكة

طرقات على الباب في الساعة المتفق عليها جعلتها تندفع لتفتح، وقفت لحظة أمام المرآة تعدل من هندامها ووضع غطاء رأسها قبل أن ينفرج الباب عن محياه الطفولي المهذب..
ابتسم في أريحية هاتفا: - السلام عليكم، ارجو اني اكون متأخرتش!؟
أكدت شيرين وهي تفسح له الطريق مشيرة له بيدها ليدخل مغلقة الباب خلفه هاتفة: - لا ابدا يا دكتور، حضرتك جيت فالميعاد بالدقيقة..

توقف ما أن وصل الردهة منتظرا حتى أشارت له من جديد تسبقه: - اتفضل يا دكتور علاء، ماما منتظراك جوه..
دخلت شيرين حجرة امها وخلفها علاء متنحنحا في تأدب لتجد امها وقد غفت قليلا كعادتها..
انحنت شيرين تربت على كتفها هامسة: - ماما، ماما، الدكتور هنا..
فتحت عينيها تتطلع حولها في تيه هاتفة: - هو فين الدكتور ده يا ببنتي..!؟.

أشارت شيرين نحو علاء محاولة امساك ضحكاتها وعلاء يدفع بناظريه للأعلى في نفاذ صبر لتهتف مؤكدة: - اهو يا ماما، الدكتور علاء الدغري..
هتفت امها في تلقائية صدمته: - معلش يا بني، العتب ع النظر..
هم علاء بأن يجيب مبتسما إلا أنها استطردت: - افتكرتك عيل من العيال اللي بيخدوا درس عند المدرس اللي فوقينا وخبط علينا غلط..

تلبدت سحنته هاتفا: - عيل غلط فالدرس هيكون هنا بيعمل ايه يا حاجة!؟، والنعمة انا الدكتور، اطلع الكارنيه!؟.
هتفت شيرين في محاولة لترطيب الأجواء الملبدة بالغيوم: - مفيش داعي يا دكتور، اتفضل، اتفضل..
جلس علاء على طرف الفراش واضعا حقيبته وبدأ في فحص امها في إتقان ومهارة، استطاع بسهولة كسب ثقة أمها التي دوما ما تثير حنقها لرفضها الإذعان لأوامرها حفاظا على صحتها..

هتفت شيرين: - والله يا دكتور ما بتسمع كلامي خالص..
هتفت ام شيرين بنبرة طفل مشاكس: - مش لما تبقي تسمعي أنتِ كلامي الأول!؟.
نظرت لها شيرين محذرة هاتفة بنبرة عاتبة: - ماما..
هتفت امها وعلاء يرفع إحدى ذراعيها فاحصا: - بلا ماما بلا بتاع بقى، دماغك ناشفة زي ابوك الله يرحمه..
تدخل علاء بأريحية في الحوار
هاتفا: - والله كلهم كده يا حاجة، ليا تلت اخوات بنات دماغاتهم حجر صوان، نشفوا ريقي على بال ما جوزتهم..

هتفت ام شيرين وقد استرعى حديثه انتباهها كليا وتساءلت في تعجب: - جوزتهم!؟، لهو انت عندك كام سنة يا بني!؟.
ابتسم علاء مؤكدا: - عندي سبعة وتلاتين سنة يا حاجة..
هتفت ام شيرين: - بس شكلك صغير قوي..
اتسعت ابتسامة علاء مؤكدا: - نعمة من رب العالمين، اهو بيعوضني عن عمر الشقى اللي فات بشكل صغير..

هتفت ام شيرين وقد انشرح صدرها تنظر إلى شيرين بنظرة ذات مغزى ادركتها هي من فورها وتطلعت الى السماء تطلب العون والمدد الإلهي حتى لا تضعها امها في موقف محرج كما يحدث دوما ما أن يلوح اي مذكر بالأفق: - وماله الشكل الصغير، ده حتى تبقى شباب طول العمر، اهي شيرين زيك، حاجة كده صغيرة، مش طلعالي خالص، طالعة لأختى فوقية الله ير..

هتفت شيرين مقاطعة أمها: - يا ماما متدوشيش دماغ الدكتور بالعيلة وعيلة العيلة، هو ماله بالكلام ال...
قاطعها علاء هاتفا كأنه لم ينتبه لاعتراض شيرين هاتفا: - بتقولي مالها بقى اختك فوقية يا حاجة!؟.
تطلعت إليه ام شيرين في سعادة وبدأت في سرد حكاياتها: - بقولك انها كانت زي شيرين كده الخالق الناطق، بس ما قلتليش، انت متجوزتش ليه بعد ما جوزت اخواتك البنات، لازم بقى تشوف نفسك..

شهقت شيرين هاتفة في حنق: - يا ماما ايه اللي بتقوليه ده!؟، هو حر، ما يتجو..
قاطعها علاء من جديد كأنها غير مرئية وكلامها غير مسموع من الأساس هاتفا في مرح: - عندك عروسة يا امي!؟.
همت ام شيرين بالحديث إلا أنها تنبهت هاتفة في شيرين مؤنبة: - الله، امال فين قهوة الدكتور يا شيرين!؟، يقول علينا بخلا ولاه ايه!؟.
وتطلعت الى علاء في محبة متسائلة: - ولا تشرب عصير يا دكتور!؟.

رفع علاء رأسه عن فحصه مؤكدا: - اه يا ريت عصير..
هتفت ام شيرين به: - احلى عصير، عقبال ما نشرب شربات فرحك..
رفع علاء كفيه داعيا في أريحية: - يااارب..
لتقهقه أم شيرين في سعادة بينما اندفعت شيرين لخارج الغرفة تحضر له العصير مبتعدة عن امها وذاك الطبيب المخبول..
تطلعت للمرآة في فخر فقد استطاعت استعادة وزنها السابق في فترة وجيزة، كان الجميع يحبط عزيمتها على المضي في سبيلها لتحقيق هذا الهدف لكنها استطاعت..

ارتدت ذاك الثوب الجديد الذي ابتاعته خصيصا لتحتفل وتهنئ نفسها بإنجازها الضخم..
وصلت لعملها تشعر بسعادة بالغة أن ما كانت تصبو إليه قد تحقق، فها هي تسمع الى همسات من هنا وهناك تؤكد أن كمال على خلاف مع تلك الحيزبون التي كان ينوي الزواج منها، أن خطة سالم تسير على ما يرام بحق..

كانت في طريقها لمكتبها عندما توقفت مصعوقة تكاد تصطدم بأحدهم وهو خارج باندفاع من أحد المكاتب، كان هو، كمال، لكم تغير!؟، كانت تستشعر أنها لم تره منذ زمن بعيد وفي نفس اللحظة تحس أنه لم يغب عنها ابدا، مشاعر متناقضة حد الجنون لن يعترف بها إلا أصحابها ولن يصدق مرارتها الممزوجة بحلاوتها الا من كابدها..

تطلع كمال إليها في صدمة حقيقية فرغم كونهما زميلين بنفس المؤسسة إلا أنه ما توقع يوما أن تعود لعملها وتصطدم به وهو في هذه الحالة من الثورة والغضب..
تقهقر للخلف خطوتين وظل يتطلع إليها في نظرة اعجاب افتقدت مرآها مطلة صارخة بهذا الوضوح من عينيه لسنوات خلت..

قررت قطع التواصل بينهما لتندفع راحلة من أمام ناظريه دون أن تنبس بحرف مستشعرة نظراته التي استدار ملقيا إياها لتلاحقها تكاد تحرق ظهرها لتبتسم في ثقة تكاد تصرخ سعيدة في جنون..

كانت قد أنهت الجلسة العلاجية لتوها عائدة إلى حجرتها مع احدى الممرضات التي هتفت متسائلة بتخابث: - اول مرة تاخدي الجلسة ودكتور عبدالرحمن مش معاكِ!؟.
هتفت أمل ولم تع نبرة الخبث العطن الرائحة المبطنة لتساؤلها الغير برئ: - ربنا يكون فعونه، اكيد مشغول، هو يعني موراهوش عيانين غيري!؟.
هتفت الممرضة ساخرة: - الظاهر كده، ده مركز قوي فحالتك انتِ بالذات..

هتفت أمل وقد بدأ عقلها المشوش من ربط الكلمات ببعضها ليعطي مدلول واحد غير مستحب على الاطلاق فهتفت في حنق: - أنتِ قصدك ايه!؟ الدكتور عبدالرحمن حد محترم ودكتور شاطر وبيهتم بكل مرضاه وانا مجرد واحدة منهم..

قهقهت الممرضة هاتفة وأمل تجذب كفها من بين يديها التي كانت تسندها حتى وصلت لفراشها: - ومالك زعلانة ليه كده!؟، وهو حد طايل، ده من يوم طلاقه مفيش واحدة قدرت تخليه يفكر فيها حتى، بس ربنا يستر بقى، انت عارفة لو مراته، اقصد طليقته شمت خبر، قولي على وجودك هنا يا رحمن يا رحيم..

هتفت أمل في حنق مجاهدة للرد على هذه الثرثارة: - بقولك ايه!؟، شيلي الكلام ده من دماغك، جواز ايه اللي هفكر فيه!؟، مش لما ابقى اخف وأخرج من اللي انا فيه ده الأول!.
هتفت الممرضة مؤكدة: - انا لو منك مسبش الفرصة تروح من أيدي، دكتور عبدالرحمن ميتعوضش..

ألقت الممرضة كلماتها الأخيرة في عجالة وانصرفت تاركة أمل تتعجب مما يجري حولها، انها مريضة بمرض عضال قد لا تشفى منه، تجاهد متشبثة بالحياة من أجل ولدها ولا يشغل بالها الا الشفاء، كيف لها أن تشغل عقلها بمثل هذه الترهات!، وكيف يمكنهم اتهام دكتور عبدالرحمن بكل إخلاصه في عمله بمثل هذه الحماقة المهنية - بتفضيل أحد مرضاه- والتي لا يقترفها الا غر مبتدئ لا طبيب مخضرم في مثل نضجه العقلي!؟، أنها دعابة سخيفة لا ترق أن تكون حتى مجرد خاطر يشغل بالها، أغمضت عينيها في استسلام تام وراحت في نوم عميق..

وقفت هذه المرة أمام الكاميرا أكثر ثقة من سابقتها وقد أدركت أن وقفتها هذه هي الوسيلة التي تخبر بها نفسها قبل العالم أجمع أنها هنا ولاتزال حية وقادرة على العطاء ومشاركة المحبة..

ابتسمت في أريحية وبدأت عبارات الترحيب وتأكيدها في سعادة أنه أصبح لها فقرة ثابتة في برنامج أكلة وغنوة وهذه الفقرة ستكون بعنوان دعوة من القلب هتفت في شجن وهي تضع أمامها بعض من مكونات طبختها المختارة من الجمهور: - انا اخترت الاسم ده بالذات لأني في لحظات كتير من حياتي كنت مستنية حد يطبطب عليا حتى ولو بدعوة بسيطة تسعدني، ياللاه ندعي لبعض، فأعظم الحب دعاء، كل اللي حابب ندعيله بظاهر الغيب يبعت لنا ويكلمنا، ويطلب أكلته المفضلة، واشوفكم بعد الفاصل..

وضع حاتم الفاصل الإعلاني من تلك الاعلانات التي بدأت تنهال عليهم وصفق في سعادة مهللا بينما ابتسم عبدالغني في حبور واقترب منها في هدوء هامسا: - برافو، انتِ بقيتي محترفة، شكلك هتكلي مني الجو، ورغم كده مبسوط قووي عارفة ليه!؟، لانك كنتِ محتاجة ده، محتاجة ترجعي لإحسان الحقيقية..

تطلعت نحوه لا تع ما يقول وليس لديها ما تجيب به على ألغاز يتفوه بها، همت ان تستفهم لكن حاتم قاطعها مؤكدا رجوعهم للبث ليرفض عبدالغني الخروج من الكادر مؤكدا أنه سيكون مساعدها في هذه الفقرة، وبدأ في تشغيل اغنية بالخلفية رغم أنها تبعث على السعادة الا أنها استشعرت بها رسائل مبطنة لا يمكن أن تكون مخطئة في تفسيرها وخاصة وهو يبتسم كل هذه الابتسامات الخلابة التي توترها وهي تتناول منه المكونات تضعها بتشتت محاولة تجميع كل ذرة من تركيزها كي لا تضيع خلف تفسيرات تذهب بثباتها، وها قد بدأ في الغناء بأريحية مرددا وهو يمد لها يدا بعلبة السكر: - ابتديت دلوقت بس احب عمري، ابتديت دلوقتي اخاف للعمر يجري..

رنين هاتفها المتواصل جعلها تسرع نحوه في انتظار سماع ذاك الخبر الذي تنتظر، كان اسم سالم ينير الشاشة ما جعلها ترد في لهفة: - ها حصل!؟.
هتف بها سالم في نبرة ممتعضة: - طب حتى قوليلي ازيك الأول!؟، بس انا مسامح، لهفتك دي انا حاسس اضعافها لأن اجتماعنا قرب يا نجوى..
صمتت وتوترت لكلماته واضطربت معدتها لكنها تمالكت نفسها هاتفة في محاولة لاصطناع الصدق: - أه طبعا يا سالم، بس طمني، ايه اللي حصل..!؟.

هتف سالم متفاخرا: - هو انا اوعدك بحاجة ومتتحققش برضو!؟، سابها من يومين، وجالي كالعادة يشكي ويبكي، زي ما جالي يوم ما طلقك، قال ايه مكنش عايز الحكاية بينكم توصل لكده، بس ده كان شرط السنيورة وهو كان معمي وفتح..

ضربات قلبها تضاعفت وتضاعفت حتى أنها استشعرت دوار خفيفا لوقع الكلمات على روحها، لقد كان نادما إذن على طلاقه لها!؟، حسنا، ستريه أن الأمر كان عندها يساوي حياتها وأنها كانت يومها تخشى الفقد لكنه أعطاها القوة لتواجه مخاوفها بكف عارِ وتنتصر عليها..
هتفت نجوى في امتنان مصطنع: - تسلم لي سالم، دايما سداد..
هتف سالم في عجالة: - طب اجي اطلبك امتى؟!.

أكدت في هدوء: - قريب قوي يا سالم، هبلغك بالميعاد عشان اكون بلغت بابا وماما بكل حاجة..
هتف في شوق: - طب إنجزي بقى، انا اهو عملت اللي عليا فالإتفاق ودفعت لك مهرك اللي طلبتيه..
همست: - حاضر يا سالم، ربنا يسهل..
تعللت أن ابيها يناديها وأغلقت الهاتف متطلعة لنفسها بالمرآة مبتسمة في انتصار..

طرقات على باب غرفتها جعلتها تدرك أنه قد حانت اللحظة التي كانت تخشاها لكن هي تدرك تماما أن لا مفر منها وعليها مواجهتها أن عاجلا ام اجلا..

دخل حماد مصطحبا إياها، عروسة الشابة، والتي دخلت في حياء منكسة الرأس، تقدم حماد في أريحية طابعا قبلة على جبين حورية التي كانت عيناها ما تزل تنصب على صفية التي لم تبرح موضعها الا عندما جلس حماد جوارها على طرف الفراش هاتفا بعروسه: - ايه يا صفية!؟، هتفضلي واقفة مكانك كتير!؟، تعالي سلمي على حورية..
تقدمت صفية في وجل وهتفت في نبرة مضطربة: - ازيك يا ست حورية!؟، يا رب تكوني بخير!؟.

أكدت حورية بصلابة تحسد عليها: - تمام يا صفية، كويسة بفضل الله..
توجهت حورية بحديثها لحماد هامسة: - حماد..
وأسرت إليه أمرا ما لم يتناه لمسامع صفية ولا حاولت حتى استراق السمع..
نهض حماد مادا ذراعيه حاملا حورية في أريحية شديدة نظرا لنحول جسدها واتجه بها للخارج لتفتح له صفية الباب في سرعة لينحرف بها خطوات نحو الحمام..
هتفت صفية في تهور: - هي الست حورية عايزة تستحمى!؟، طب ما انا اساعدها يا سي حماد!؟.

هتف حماد وهو يضع حورية داخل الحمام على مقعد مخصص لها: - لا يا صفية، حورية متعودة على..
قاطعته حورية في هدوء: - وماله يا حماد، خليها تيجي تساعدني..
تطلع حماد لحورية في شك لكنها اومأت برأسها في ثبات راغبة في بقاء صفية لينصاع حماد لرغبتها متجها صوب الخارج متطلعا لصفية في محبة غامرة وابتسامة بشر..
اغلق الباب خلفه لتندفع صفية في حماسة تجاه حورية هاتفة: - تحبي اساعدك ازاي!؟.

تجاهلت حورية سؤالها هاتفة: - مبسوطة يا صفية!؟.
أكدت صفية في اضطراب لسؤالها المباغت: - اه يا ست، فضل ورضا، هو انا كنت اطول!؟.
هتفت حورية في نبرة تحمل بعض الغبطة: - وليه مطوليش!؟، انا شايفة قدامي قمر..
هتفت صفية في امتنان: - ربنا يراضيكي يا ست، قمر ايه بس!؟، وبعدين ايه الفايدة وانا عشتي كانت مرار مع راجل وراني العذاب ألوان!؟.

هتفت حورية في فخر: - راحت خلاص الايام دي، انت على زمة حماد، يعني راجل على حق..
ثم لانت نبرتها خامسة: - خلي بالك عليه يا صفية، حماد ده عملي الطيب اللي ربنا قعدهولي يوم ما احتجت سند وضهر لما الدنيا كسرتني..
هتفت صفية بصدق: - قادر يشفيكِ يا ست الناس..
هتفت حورية وهي تتجرد من بعض ملابسها تلقيها جوارها في موضع مخصص لها: - من قلبك يا صفية!؟

أكدت صفية في عجالة: - ربك العالم بالنية يا ست، هتمنالك الشر ليه وانتِ سبب الفرح اللي انا فيه ده كله!؟.
هتفت حورية في تعجب: - مين اللي قالك اني سبب كل ده!؟.
أكدت لها صفية وهي تمرر الليف وبعض الصابون على ظهرها: - سي حماد هو اللي قالي أنه لولاكِ مكنش فكر أنه يتجوزني، يبقى دي جميلة عمري ما انسهالك وخصوصي انك عارفة ازاي كنت عايشة تحت رحمة ابو العيال..

ابتسمت حورية في امتنان لحماد فما خلف يوما توقعاتها، كان وسيظل ذاك الرجل الأصيل الذي اختارت وكان فضل الله عليها كبيرا يوم أن اهتدت إليه وهُدي إليها..
انحنت صفية تجلس على كرسي منخفض حتى تستطيع تدليك اقدام حورية هاتفة لها في أريحية: - والله يا ست حورية، انا مكنتش عايزة من الدنيا الا الستر واني اربي عيالي بالحلال، وعشان النية صدق ربنا وقعني فيكم..

هتفت حورية في سخرية: - يا ترى هتفضلي تقولي الكلام ده لحد امتى يا صفية!؟.
أكدت صفية في نبرة تحمل صدق العالم: - لحد ما اموت يا ست، انا فقيرة اه، لكن بنت اصول واعرف احفظ المعروف واصون الجميل ومعضش فاليد اللي اتمدت لي ولو على رقبتي..
ابتسمت حورية هاتفة بلهجة العالم ببواطن الأمور: - كله بيبان، كله مسيره فلحظة يظهر ويبان يا صفية، ياللاه، انا عايزة أخرج..

نهضت صفية تجفف كفها ووجهها من رزاز الماء الذي تناثر عليها وفتحت الباب تنادي حماد الذي قدم على عجل ليعود بحورية لفراشها الذي ما أن دثرها بغطائه حتى مدت يدها تحتضن كفه تلثمه في امتنان ليرد عليها مبتسما قبل أن يتركها بناء على رغبتها لتنام..

خرج من الغرفة ليجد حورية قد رتبت الحمام وفي سبيلها لشقتها، كانت تعتقد أنه بالداخل مع حورية فاتجهت صوب الشقة التي ما أن دفعت بابها حتى شهقت في صدمة وحماد يحملها للداخل مغلقا الباب خلفه لترتفع قهقهاتها لأفعاله التي ما ظنت أنها قد تصدر منه يوما، لكن هاهو يظهر لها وجها آخر رائع ككل أوجهه التي باتت تعشق..

وقفت أمام مرآة الحمام تنزع عنها غطاء رأسها، تتطلع إلى شحوب وجهها وكفيها الزرقاء من أثر العلاج الكيميائي..
وضعت حجابها جانبا ومدت كفها لشعرها الحريري الذي كان اجمل ما تملك، وبدأت في تخليل أصابعها بين خصلاته في محبة، لتتساقط الجدائل في تتابع، كان من الأفضل لها أن تتخلص منه كليا حتى لا تستشعر مرارة الفقد كما يحدث الآن لكنها لم تشأ ذلك، كانت كمن يعطي نفسه درسا في التحمل والجلد، درس قاس..

تطلعت أمامها بالمرآة وهمست لنفسها: - انا اقوى، وكل ده في يوم من الايام هيكون ذكريات، مش كده يا أمل!؟.

سألت نفسها واجابتها بالمرآة في ايماءة من رأسها الذي بدأ يتخلص من تاجه، سالت دموعها، لم تكن دموع حزن بقدر ما كانت دموع محبة، فلقد علمتها هذه المحنة أن تحب نفسها بحق وأن تدرك أن لا شئ أغلى عند الإنسان من ذاته، وان تحب نفسك لهو أساس محبتك للأخرين، كان ذاك المفهوم غائب عنها في حياتها السابقة مع أمجد، كانت على الهامش حتى بالنسبة لنفسها، تركن على أرفف الأيام رغباتها ومشاعرها واحتياجاتها في سبيل تحقيق رغباته وتلبية احتياجاته لتكتشف بالاخير أنه حتى محبتك لشخص فوق حدود محبتك لنفسك لا تشفع لك عنده وان حاولت يوما تعديل الأمور لتعود لنصابها الصحيح ستكتشف أن هذا ما عاد ممكنا، فعليك أن تستمر في العطاء حتى ولو مرغما ويستمر هو في الأخذ متغافلا رغباتك ومشاعرك بلامبالاة عجيبة تشعرك كم كنت انت وكل ما تقدمه رخيص بنظره، مجرد فتات لا يرق لطموح متطلباته، فقط لأنك المتاح لا غيرك، انت هنا لتحقيق مأربه حتى يجد بديلك المناسب، انت مجرد منديل متعدد الاستخدامات ما أن يتأكد أنه ما عاد يصلح للمزيد سيلق بك بطول ذراعه بلا ذرة تفكير...

وضعت غطاء رأسها من جديد ومسحت دمعها وتطلعت من جديد لمرآتها هامسة: - اللهم قوة..
واندفعت لخارج الحمام عندما تناهى لمسامعها صوت خطوات ابيها المتمهلة داخلا الغرفة باحثا عنها في لهفة..

فتحت الباب معتقدة أنه عبدالغني يدعوها لمناقشة موضوع الحلقة المقبلة بعد ذاك النجاح الساحق الذي حققته فقرتها الإنسانية وكم الرسائل على صفحة البرنامج من اصحاب الأوجاع الراغبين في دعوة خالصة من القلب من أجل تفريج كربة أو إزاحة هم لم تهدأ قط، لكن الطارق كان عامر ولدها، تنهدت تاركة الباب مندفعة للداخل، فيبدو أن زيارته أصبحت موقوتة بعرض أحدى حلقات البرنامج وها قد جاء ليسمعها التقريع واللوم على فعلتها الشنعاء كما حدث بالمرة السابقة..

دلف عامر للداخل مغلقا خلفه الباب في هدوء وجلس جوارها مطرقا الرأس..
تطلعت إحسان إليه لتدرك أن الأمر لا يتعلق ببرنامجها على الاطلاق وانما الأمر جلل..
هتفت في نبرة متوجسة: - مالك يا عامر!؟، شكلك مش طبيعي، انت ومراتك والبنات كويسين!؟.
هز عامر رأسه في إيجاب رافعا كفيه يمسح بهما وجهه هاتفا: - كلنا كويسين يا ماما، لكن..
هتفت تتعجله: - لكن ايه!؟، ما تنطق يا بني..

هتف عامر بنبرة تحمل هم الدنيا: - البيت، طلع في الإزالة..
هتفت أمه بعدم تصديق: - بيت ايه!؟ بيت ابوك!؟، طلع فالإزالة ازاي!؟
أكد عامر مفسرا: - يعني لازم يتهد عشان طلع في التخطيط، هو وكذا بيت في المنطقة، بابا حاول المستحيل عشان يمنع ده بس مفيش فايدة..

تطلعت إليه في ذهول ولم تفه بحرف ليستطرد عامر متنهدا: - المصيبة أن التعويض ملاليم، ميجبوش الا شقة واحدة فالزمن ده، طبعا هاتبقى لبابا والهانم الجديدة اللي كان قدمها سعد الصراحة، وانا ومراتي وعيالي بقينا فالشارع ولا فيه إمكانية زي ما انت عارفة اني ادفع ايجار ومش عارف اعمل ايه!؟، اللي يضايق أني قلت لبابا اخد انا الشقة وهو يعيش مع مراته فبيتها تروح تقوله لا، ده بيت عيالي ومدخلش فيه راجل غريب عليهم والمفروض هو اللي يجيب لها شقة مش العكس..

تنهدت رابتة على كتفه في تعاطف: - ربنا يدبرها، ع العموم البيت هنا واسع وانا عرضت عليك قبل كده تيجي انت ومراتك تعيشوا معايا بس انت اللي اتحججت بكذا حجة، البيت تحت امرك يا عامر، بيت جدك ياما شال حبايب وهيفضل مفتوح للكل، شوف امتى تقدر تيجي وربنا يسهل..
ابتسم عامر للمرة الأولى منذ قدومه وضم أمه في سعادة هامسا: - ربنا يخليكي ليا يا امي، عمري ما اتحوجت لك و ردتيني..

قبلته في حنو هاتفة: - ربنا يسعدك يا حبيبي، ياللاه روح جهز امورك، وانا مستنياكم تنوروني..

رحل عامر تاركا اياها تستعيد كلماته وشعرت أن الله يرد لها حقها، فها هو البيت الذي طردت منه من أجل إفساح المجال لامرأة أخرى تحتل موضع ذكرياتها وعمرها على وشك الإزالة، ذاك البيت الذي كان محرم عليها أن تقول عليه لفظة بيتي الا وصرخ توفيق في كبر، ده بيتي انا وانا حر، كلكم ضيوف عندي، انا بس اللي اقول مين يقعد ومين يمشي.

نعم لقد كان بيته بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حتى ان اثاث البيت كان محرم عليها تحريكه من موضعه كما يترأ لها إلا بعد أخذ إذن منه وبعد إلحاح عدة مرات وقد يرفض بالأخير، لم يكن أبدا بيتها، هنا فقط بين جدران شقة ابيها شعرت أنها تسكن بيت تنتمي إليه بحق..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، سيدة ، الأوجاع ، السبعة ،











الساعة الآن 08:28 AM