logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





09-01-2022 09:17 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10


t22007_2165

قم، واقتلع بذور الوجع من ارض روحك وعلق بيارق النصر على مفرق الحب وقل للوجيعة وداعا بلا رجعة ..وافتح للعشق بابا بعرض السماء، وازأر بوجه الدنيا صارخا ما زلت اتنفس، انا هنا.
مقدمة الرواية

دفعت بخصاص نافذة حجرتها بقوة لينفرج معلنا عن دخول ضوء نهار جديد ..همت بأن تندفع مبتعدة إلا أنها توقفت متسمرة موضعها ما أن وقع ناظرها على النافذة المتربة قبالتها والتي لم تفتح منذ ما يزيد عن العشر سنوات ..
تنهدت في هدوء وعيناها لاتزل متعلقة بالخصاص المهشم نوعا ما من الإهمال وعوامل الزمن التي أصابته وخيوط العنكبوت التي امتدت تغطيه وقد نسجها صاحبها مطمئنا أن لا يد ستعبث ببيته ..
كانت ترغب في غلق باب الذاكرة حول تلك النافذة واصحابها لكن تلك الأغنية التي تناهت لمسامعها اللحظة اشعرتها بحجم المؤامرة المحاكة نحوها لتبتسم في سكينة وقد استسلمت لتدفق شلال الذكرى مع كلمات الأغنية الشجية المنبعثة من مذياع ابيها المرتفع الصوت دوما بردهة المنزل:-
من حبي فيك يا جاري ..يا جاري من زمان ..
بخبي الشوق واداري .. ليعرفوا الجيران..
لحظات مرت كما الحلم لتترك موضعها امام النافذة العتيقة متجهة صوب مكتبها الذي ما برح موضعه منذ تركت هذه الغرفة.. دارت حوله لتجلس خلفه وتنهدت من جديد وهي تفتح حاسوبها الشخصي على صفحة ناصعة البياض لتكتب معنونة إياها ..

سيدة الأوجاع السبعة
دقت أصابعها على أزرار حاسوبها وبدأت تخط أناملها الأسطر ..
الوجع .. ذاك الضيف الثقيل الذي لا يبرح موضعه أبدا.. حتى وإن غادر لابد أن يترك خلفه بعض من أثر اثقل من حضرته مكبلا للروح ومثبطا للهمة.. لكن رغم عن ذلك .. انا اشكره كثيرا .. شكرا ايتها الأوجاع لأنك خلقتي مني نسختي الجديدة .. شكرا بحجم المعاناة التي اذقتني إياها لأدرك اني بهذه القوة واني استحق أن أكون أنا .. شكرا ..

توقفت يدها عن الكتابة لبرهة ووقعت عيناها على نافذة الوجع الاول من جديد لكنها ابتسمت ما أن تبدلت اغنية المذياع لأخرى جذبتها مرة أخرى لتغوص في لجاج الذكريات مع صوت ام كلثوم الشجي :-
طول عمري بخاف ..
من الحب.. وسيرة الحب ..
وظلم الحب لكل أصحابه ..

دقت أناملها من جديد بقوة على مواضع الأحرف في سرعة مخافة أن تتفلت الكلمات من بين حنايا مخيلتها هامسة في عزم :- ما من إمرأة الا ودقت يد الوجع على باب قلبها أو اقتحم يوما روحها عابثا ..ما من إمرأة الا وذاقت مرارة الوجيعة ولوعة الألم .. تعددت الأوجاع .. ويبقى وجع وحيد ..وجع لذيذ .. تنتظره المرأة في لهفة لعله المنجي..






تمعني جيدا في الأسطر والصفحات القادمة وحتما ستجدين نفسك صورة لإحدى هذه الشخصيات وقد زارك وجعها يوما ..لكن إذا ما كانت قد زارتك جميعها.. فأنت الأن تحملين لقب: سيدة الأوجاع السبعة.
فصول رواية سيدة الأوجاع السبعة
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول
الوجع الأول

بدأ الملل يتسرب الي نفوس الجميع انتظارا لمن لا يأتي، تطلع عامر ولدها إليها في اشفاق هاتفا: - مش خلاص بقى يا ماما نطفي الشمع!؟ الوقت اتأخر قوي والبنات تعبوا وعندهم مدرسة بكرة..
تنهدت في قلة حيلة هاتفة في تأكيد: - عندك حق، يااللاه يا ولاد..
اشارت لولدها وزوجته وطفلتيه في اتجاه طاولة اُعد عليها كعكة عيد ميلاد وبعض المشروبات والحلوى..

وقفت في أحد أطراف المائدة وتحلق الجميع حولها بعد أن أشعلت الشموع واُطفئت الأضواء وبدأوا في الغناء في سعادة إلا أنها تطلعت عبر ضوء الشموع لذكريات عدة مضت جعلت الدموع تبرق بعينيها لتتراقص الشمعات امام ناظريها وقد تنبهت اخيرا لنداء ولدها لتطفئها..
ابتلعت الغصات المتراكمة بحلقها وزفرت أنفاسها لتخرج معها بعض الضيق الذي كان يكتنف صدرها..

ابتسمت في شحوب مع تصفيق الجمع وشعرت أنها تصفق لجمهور أدت أمامه دورها بكل براعة وها قد حان الأوان ليسدل الستار عن ذاك الدورالرائع، دورها كأم وزوجة، زوجة غاب عنها زوجها يوم احتفالها بعيد مولدها كما كان غائبا عن المشهد لسنوات، كان دوما ضيف الشرف الحاضر الغائب، اب لأولادها وزوج لا شريك حياة..

اضيئت الأنوار من جديد وبدأ عامر في تقطيع الكعكة وانشغل وزوجته في إرضاء الأطفال الذين طال صبرهما لالتهام الكعكة، تسللت في هدوء من بينهم وما إن همت بالخروج حتى هتف عامر يستوقفها: - على فين يا ماما!؟، ده انتِ حتى مدقتيش عمايل ايدك، التورتة الجامدة دي شكلها حلو قوي كالعادة..
هتفت وابتسامة شجية على شفتيها: - بالهنا والشفا يا حبيبي، مليش نفس دلوقت، انا نازلة أنام، تصبحوا على خير..

لم يعلق عامر بكلمة بينما تطلع بنظرة ذات مغزى لزوجه التي طلت الشفقة جلية من نظراتها تجاه أم زوجها تلك المرأة الطيبة التي ما رأت منها شرا قط، نظرة وعتها إحسان تماما وهي تفتح الباب مندفعة تهبط الدرج لتدلف داخل شقتها تحتمي بجدرانها من أثر تلك النظرات المشفقات التي تتعقبها بإصرار لتنغرز كنصال حادة في صميم كبريائها..

اتجهت حيث كرسيها المفضل بقلب الردهة والذي أخذ يهتز في هوادة ذهابا وإيابا أشبه بخواطرها التي كانت معلقة كالمشنوق متأرجحة كبندول لا يهدأ بساحة فكرها..

لا تعرف كم مر عليها وهي على حالها الساكن ذاك، ولكنها لم تحرك ساكنا الا عندما استشعرت صوت عبث مفتاحه بالباب ليظهر اخيرا بمجال رؤيتها، ألقى التحية في برود اعتيادي لتردها في هدوء وقد نهضت لتلحق به وهو يدلف لغرفة نومهما وقد شرع في خلع ملابسه وإلقاءها في عشوائية كيفما اتفق لتلتقطها من ورائه تدفع بها على المشجب القريب من موضع وقوفها..

هم بأن يتمدد مستعدا للنوم لتهتف به متسائلة في امل كان يحدو قلبها: - توفيق..
همهم في نزق لتستطرد في تردد: - انت منستش حاجة النهاردة!؟.
فتح عينيه متطلعا في ريبة: - لا منستش حاجة، هو كان فيه حاجة مهمة كان لازم اجيبها معايا..
همست بنبرة مهزوزة: - لا، كان فيه حاجة نسيت تحضرها، عيد ميلادي..

قهقه توفيق ساخرا: - يا شيخة عيب عليكِ، بقى واحدة فسنك عايزة تحتفل بعيد ميلادها زي العيال، أنتِ خلاص داخلة ع الخمسين، يااللاه حسن الختام..
واستدار موليا لها ظهره هاتفا بنبرة ساخرة: - قال عيد ميلاد قال..
ظلت متسمرة موضعها وقد هزت كلماته دعائم روحها كزلزال قاهر..
انسحبت مبتعدة لخارج الغرفة لتعود لمقعدها الهزاز من جديد، يتأرجح بها وقلبها يترنح وجعا بين جنباتها وروحها تئن قهرا في صمت..

دخل حجرة مكتبه مسرعا فقد تأخر اليوم على غير العادة على موعد حضوره والذي يضبط عماله عليه ساعتهم، خمسة وعشرون عاما مضت منذ استلم ادارة هذا المصنع بعد نزوحه من بلدته الصغيرة بقلب الصعيد والذي كان مجرد ورشة صغيرة مهملة وبجهده وعرقه اصبح الان بعد سنوات طويلة من اكبر مصانع ملابس المحجبات، هتف مناديا سكرتيره: - يا محروس، يا محروس..

لم يجبه ذاك الذي يجده امامه قبل ان يطلب فنهض من موضعه يزفر في ضيق فقد تأخر بالفعل على اجتماعاته الهامة المقررة بعد ساعتين من الان والتي يحب ان يعمل على التجهيز لها قبل انعقادها بفترة كافية، اندفع باحثا عنه خارج مكتبه ليصل لمسامعه بعض الضجيج القادم من عنابر المصنع بالأسفل..
طل من النافذة التي تشرف على المصنع برمته ليجد تجمهر ما في الناحية القريبة من الدرج الذي يفضي لقلب العنابر..

هرول متجها بسرعة لذاك الجمع المريب وما هي الا لحظات حتى كان بقلب دائرة العمال او بالأدق العاملات هتف في حزم: - ايه اللي بيحصل هنا!؟.
هتف سكرتيره محروس: - واحدة من العاملات وقعت مغمي عليها يا حمّاد بيه..
هتف في صرامة: - واحدة أغمي عليها المصنع يوجف!؟.
واستطرد مشيرا لأعلى: - هاتوها على فوج وابعت لدكتور المصنع بسرعة ياللاه..
هتف محروس: - أوامرك يا حمّاد بيه..

حملوا المرأة الفاقدة الوعي الي احدى الغرف الملحقة بمكتبه ووصل الطبيب مهرولا ليدخل للغرفة حيث المريضة تصاحبه احدي العاملات بينما حمّاد ومحروس بالخارج في انتظار خروجه..
دقائق وكان الطبيب بالخارج فهتف حمّاد: - ها فاجت!؟.
اكد الطبيب: - اه فاقت وبقت كويسة الحمد لله..
هتف حمّاد: - طب الحمد لله..
همس الطبيب: - دي كتر خيرها انها كانت واقفة على حيلها وبتشتغل..

همس حمّاد متسائلا: - ليه!؟، هي فيها ايه بالظبط!؟.
همس الطبيب متعاطفا: - دي مداقتش الزاد من يومين واكتر يا حمّاد بيه..
همس حمّاد متعاطفا: - لا حول ولا قوة الا بالله..





واستطرد متعجبا: - بس ليه!؟، ده احنا مجبضين العمال كلهم فالميعاد بالمظبوط..
وألتفت لمحروس متسائلا: - ولا ايه يا محروس، انت مش مجبض العمال فمواعيد جبضهم!؟.

اكد محروس في سرعة: - ايوه طبعا يا حمّاد بيه، من امتى بنتأخر فدفع اليوميات!؟، ده حضرتك محرج عليا انى أتابع الموضوع ده بنفسي، وكنت دايما تقولي العمال غلابة وفتحين بيوت وتأخير القبض يوم بيفرق معاهم..
هتف الطبيب هامسا: - كل بني ادم وليه ظروفه يا حمّاد بيه، محدش عارف وراها ايه..
همس حمّاد مؤكدا: - صدجت..






شكر حمّاد الطبيب وأمر محروس بشئ ما ثم توجه للغرفة الموجود بها العاملة المريضة وطرق الباب لينفرج عن محيا زميلتها التي اشارت له بالدخول وتركت الباب مواربا وخرجت لتعود لعملها..
تقدم حمّاد متنحنا في حزم فانتفضت المرأة معتدلة لدخوله وهتفت في وهن: - انا آسفة يا حمّاد بيه ع الدوشة اللي حصلت بسببي!؟، انا قايمة ارجع ع الشغل حالا..
همت بالنهوض ليستوقفها حمّاد غاضا البصرعنها هاتفا: - لاااه، مفيش راچعة، انتِ..

هتفت في ذعر تقاطعه: - انا ايه يا حمّاد بيه!؟، رفدتني..!؟.
وبدأت في النحيب هاتفة: - والله كان غصب عني، مش هتتكرر تاني ولو بموت..
شعر بالإشفاق على حالها فرفع ناظريه متطلعا اليها يحاول تهدئة روعها، هم بالحديث لكن الباب انفرج على عامل البوفيه وخلفه محروس وهو يدخل بصينية ما وضعها على الطاولة المنصوبة بالقرب منها وتحرك راحلا وكذا محروس باشارة من حمّاد الذي هتف امرا لها: - اجعدي كلي..

هتفت بتوسل والدموع تنساب من عينيها: - انا مش عايزة اكل، انا عايزة ارجع الشغل..
اكد في صرامة: - مفيش رچوع الا اما تاكلي..
جلست في طاعة ليجذب الطاولة لتصبح صينية الطعام امامها مباشرة، لم تمد كفها حياءً فهتف امرا من جديد: - ياللاه كلي..

مدت كفا مرتعشة لرغيف خبز وقطعت منه لقيمة صغيرة ورفعتها لفمها دون غموس فما كان منه الا ان مد كفه وتناول الرغيف ليفتحه كشطيرة ووضع به بعض من جبن وبيض وناوله إياها، تناولته في حياء ورأسها منكس وبدأت في تناوله ببطء، ناولها كوب العصير فمدت كفها ورفعته ترتشف منه القليل ليساعدها على ابتلاع الطعام الذي شعرت انه محشور بحلقها، كادت ان تبتسم في سخرية فها هو حلقها كاد يضيق من ندرة ما دخل اليه من طعام منذ ايّام..

هتف متسائلا: - انت ايه اللي وصلك للحالة دي!.
جفلت من تساؤله حتى كادت ان تسكب العصير فوضعته جانبا وكذا الشطيرة التي لم تتناول منها الا لقيمات صغيرة ونهضت في وهن هامسة: - انا بقيت كويسة يا بيه، ممكن ارجع شغلي..
هز رأسه رافضا فهتفت في ذعر: - انت مش قلتلي كلي وانا ارجعك!؟، أديني كلت، ارجع بقى..
هتف امرا: - انتِ مش هاترچعي النهاردة، انت تروحي تستريحي، وع العموم فاضل نص ساعة ونبطشيتك تخلص..

ووضع كفه بجيب قميصه مخرجا حفنة من الجنيهات ومدها اليها امرا إياها: - خدي دول وروحي ياللاه..
كانت ما تزل رأسها منكس لكن عيناها مثبتة على كفه الممدودة لها بالمال، رفعت نظراتها اليه وكفه بينهما معلقة بالهواء لتصطدم عيناه بنظرات تمتلئ عزا وكبرياء ألجمته وهى تهتف في ثبات: - مستورة يا بيه، انا خدت مرتبي والحمد لله، عن اذنك..
تركت خطوات باتجاه الباب ليهتف بها يستوقفها: - استني...

توقفت واستدارت اليه تأدبا ليتجه اليها مادا كفه من جديد بالمال وما ان همت بالاعتراض مجددا حتى هتف في صرامة: - خديهم دول مش صدجة، ده حجك، هخصمهم م الجبض الچاي، خدي..
ترددت للحظة واخيرا مدت كفها وتناولت المال ودفعت به سريعا لجيب عباءتها السوداء التي كانت ترتديها تحت ذاك المعطف المخصص للعمال بالمصنع كزي رسمي..
همست في تأدب: - متشكرة يا حمّاد بيه، عن اذنك..

هز رأسه في تفهم دون ان يهمس بحرف وما ان خرجت مغلقة الباب خلفها حتى تنبه ان وقت اجتماعه قد حان وان عليه الإسراع اذا كان يريد اللحاق به وإتمام تلك الصفقة التي كان يسع اليها منذ فترة طويلة..

وقفت تتطلع نحو مرآتها لعلها تقنع نفسها انها جميلة بما يكفي بهذا الرداء المكشوف قليلا والذي اقنعتها إحدى صديقاتها لترتديه اخيرا ناظرة لصورتها المنعكسة أمامها في عدم رضا، لقد أهملت جسدها كثيرا بعد حملها الأول في ولدها حتى أنها ما عادت تعرف من تكون هذه المرأة التي ترى..

تنهدت في ضيق وما أن همت بخلع الرداء حتى سمعت صوت مفاتيح زوجها تلقى بعشوائية على الطاولة بالخارج، تجرأت لتتحرك نحوه لكنه كان الأسرع في الوصول لحجرتما ليتوقف مشدوها أمام مظهرها الغير معتاد لبرهة واخيرا انفجر ضاحكا بشكل هستيري جعلها تتلفت حولها في تعجب، هدأت نوبة ضحكه وهمت بسؤاله عن سبب هذا الإنشراح الغير معتاد من قبله لكنه باغتها وقد انقلبت سحنته وهو يقترب منها في هدوء وترها، توقف قبالتها تماما ومد كفه لينزع ذاك الغطاء الذي يغطي شعرها ناظرا إليه في قرف مقربا إياه نحو أنفه وما أن تسللت رائحته لأنفاسه حتى نفضه بطول ذراعه مشمئزا وهمس ساخرا: - اللي انتِ لابساه ده ميظبطش مع اللي كنتِ حطاه على راسك، ابقى سيبي الحاجات دي للي بيعرف يعملها، روحي شوفي الواد، شكله بيعيط، وابقي نامي معاه زي كل يوم، تصبحي على خير يا زوجتي العزيزة..

تحرك كمال من موضعه في اتجاه خزينة ملابسه ليخرج رداء نومه متجاهلا وجودها المتصلب، لا يتحرك فيها إلا نظرات منكسرة تتبع تحركه المحموم حتى اندس بالفراش لتسير هي في اتجاه الباب مادة كفا مرتعشة لتضغط زر الإضاءة لتطفئه مغلقة خلفها باب الحجرة راحلة باقدام ثقيلة من رصاص في اتجاه غرفة ولدهما..

وقفت نجوى على اعتابها تتطلع إليه نائما بفراشه لتنزع عنها رداء العار ذاك ملقية إياه بطول ذراعها تندس جوار وليدها تضمه لأحضانها لعله يكون بلسما لذاك الجرح الحارق بين أضلعها..

صدحت ام كلثوم مترنمة من ذاك المذياع الصغير الذي تضعه على احد رفوف المطبخ كوسيلة لتسليتها واخراجها من وحدتها: -
أعطني حريتي اطلق يديّ..
انني أعطيت ما استبقيت شيئا..

تنهدت وهى تردد كلمات الاغنية في شجن تتوحد مع حالة صاحبتها لتعيش نفس مشاعرها وكأنما القصيدة كتبت لأجلها لكنها انتفضت فجأة لتخرج من حالة التوحد تلك ما ان تناهى لمسامعها صوته الجهوري يناديها من خلف باب حجرة نومهما المغلقة عليه لينل بعض الراحة في فترة القيلولة صارخا في غضب: - أمل، يا أمل..
اندفعت ملبية تدلف لحجرة نومهما هاتفة: - خير يا أمجد، فيه ايه!؟.
اكد في نظرة متخابثة: - تعالي واقفلى الباب وراكِ..

تغيرت سحنتها وهزت رأسها في إيجاب ودخلت بالفعل تتأكد من إغلاق الباب خلفها بأحكام فولدها ما زال مستيقظا بالخارج..

تقدمت منه لينتفض جاذبا إياها لتجاوره على الفراش و دون حتى ان يفكر في إسماعها كلمة تعبر عن شوقه وحاجته لها بدأ في إشباع رغبته منها دون حتى ان يدرك انها في عالم اخر، عالم صنعته لنفسها ما ان يجبرها على الولوج لعالمه تنظر الي سقف الغرفة وتسترسل في خيالات عالمها التي ترتسم امام ناظريها تذهب اليها بروحها تاركة له جثة لا جسد يستمتع به في شراهة وما ان ينتهي حتى يندفع مبتعدا عنها تاركا على تلك الأرض المحتلة اثار استعماره..

نهضت في عجالة مبتعدة للخارج ومندفعة اسفل رشاش المياه بحمامها لتزل عن ذاك الجسد المنهك اثار الاحتلال لتستعيد روحها الهائمة رويدا رويدا وهى تندفع للمطبخ من جديد تصنع قالب الحلوى الذي طلبه ولدها الوحيد ومدت كفها تعيد فتح المذياع من جديد لتتنهد في سعادة ما ان ادركت ان ام كلثوم لم تنه بعد رائعتها الأطلال والتي كانت تشدو بتلك اللحظة: -
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
وأفقنا ليت أنّا لا نفيق.

يقظة طاحت بأحلام الكرى
وتولى الليل والليل صديق..

تثاءبت في إرهاق وهي ترفع رأسها عن حاسوبها، دعكت عينيها لتعاود الكتابة من جديد..
الإهمال، أنه المسمار الأول في نعش الحب، هو مدمر العلاقات الأول بلا منازع، فلا علاقة سوية تبنى على الإهمال ولا حب حقيقي يفتقد إلى الإهتمام..
الإهمال هو ذاك النصل التالم الذي ينحر به الحب أمام مسمع ومرآى من طرفيه، أحدهما يستجدي والأخر يمعن في غيه وتغافله ليموت العشق مصلوبا بينهما متعطش لقطرة اهتمام تروى ظمأً...

ضغطت زر الحفظ لما كتبت وتحركت في اتجاه الردهة لتبصر ابيها كعادته وقد باغته الكرى أمام شاشة التلفاز المفتوح يصدح بصوت عال لم يؤرقه ابدا..
ابتسمت ومدت كفها جاذبة ذاك الغطاء على المقعد المجاور ناشرة إياه على جسده الذي تململ قليلا دون أن يستيقظ..

توجهت نحو التلفاز تغلقه ليسود الصمت فجأة، كانت قد قررت أن تعاود الكتابة من جديد بعد أن تصنع لها كوبا من مشروب دافئ إلا أنها عدلت عن رأيها متجهة لغرفتها تهمهم ببعض كلمات علقت بذهنها من تلك القصيدة الغنائية التي كان يبثها التلفاز منذ لحظات..
تااااابع اسفل
 
 






look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:18 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني
الوجع الثاني

كعادته ما ان يتم الله عليه نيل صفقة ما كان يسع اليها جاهدا الا توجه الي مقام السيدة نفيسة ليصل بضع ركعات مخرجا ما يجود به شكرا لله.

خرج من المقام منشرح الصدر وبدأ في توزيع عطاياه لطالبي الصدقة والإحسان واندفع يستقل عربته ليرحل، كان الزحام شديدا فقرر التحايل عليه من خلال السير ببعض الحارات الضيقة حتى يتخلص منه لكن لسوء الحظ ما ان دخل لتلك الحارة وكاد ان يصل لنهايتها حتى توقفت العربة نتيجة شجار ما بين سكان تلك الحارة، ضغط على آلة التنبيه عدة مرات ولا مجيب، ترجل من العربة وقد قرر التدخل في ذاك الشجار الدائر لينفض ويستطيع التحرك بسهولة بعربته، دفع بنفسه داخل تلك الدائرة المحيطة بطرفي النزاع وما ان هم بالتحدث حتى وقعت عيناه عليها، انها هي مرة اخرى، ماذا يحدث يا ترى!؟.

كانت واهنة ضعيفة منذ ساعات بالمصنع والان يراها تقف كالطود تدافع عن شيء ما لا يعلم كنهه، لو لم يرها بذاك الوهن بالمصنع و كلام الطبيب الذي فحصها مؤكدا ذلك ما صدق انها نفسها تلك التي تقف بهذه الجسارة امام ذاك الرجل ولكان اعتقد انها تفتعل ذاك الإغماء لغرض ما بنفسها..

تنبه لهتافها في تلك اللحظة غير مدركة بعد لوجوده وخلفها يحتمى طفلان لا يستطيع تمييزهما من موضعه: - وعهد الله لأروح فيك اللومان يا مسعد لو ايدك النجسة دي اتمدت على عيل من عيالي..
هتف ذاك الرجل المترنح مزري الهيئة: - وانا قلتهالك يا صفية، عيالي هشوفهم غصب عنك..

هتفت صفية في حزم: - محدش حاش عنك عيالك يا مسعد، انت طلقتني وعيالك هتشوفهم بس بالأصول والأدب، وقدام عيني، ده انت جيت خدتهم من امي غصب عنها الشهر اللي فات ومردتش ترجعهم الا لما خدت قبضي كله وسبتنا من غير ولا مليم يوحد ربك ااكل بيه عيالك..

تنبه حماد لحديثها وعلم اللحظة سبب اغمائها بالمصنع، لقد جردها ذاك النذل معدوم المروءة من مالها حتى يترك لها صغارها ويقوم بخطفهما كلما أراد ان يبتزها ليحصل على ما يريد ليرجعهما لأحضانها من جديد..
اندفع مسعد باتجاهها يحاول جذب اولادها منها هاتفا في غل: - هاخدهم غصب عنك، وابقى شوفيهم بعد كده..

حاولت دفعه عنها بيد وباليد الاخرى كانت تحاجي على اطفالها كدجاجة تحاجي على صغارها من نسر جارح يحاول إلتقاطهما بعيدا عنها لكن حمّاد اندفع يزود عنها ليقف بينها وبينه هاتفا في غضب دافعا بمسعد: - وجف مطرحك، انت مفيش حد مالي عينك ولا ايه!؟.

شهقت صفية في ذعر عندما وعت لحماد يتقدم بين الجمع المحتشد ليقف قبالة مسعد بينما هتف الأخير مزمجرا: - بقولك ايه، انت باين عليك راجل كبارة وانا مش عايز اقل من قيمتك، وسع كده وخد لك جنب ومتدخلش احسن لك..
وقف حمّاد في ثبات هاتفا بسخرية: - راچل كبارة!؟، ميغركش البنطلون والجميص، ده انا صعيدي وميكفنيش فيك ناسك كلهم..
هتف مسعد ساخرا وهو يدفع بكتف حماد: - يا عم روح شوف حالك مش عايز امد ايدي عليك..

هتفت صفية في رجاء عندما شعرت ان الأمر سيخرج عن السيطرة: - عشان خاطري يا حمّاد بيه، روح من هنا، ده مش مقامك ولا مكانك..
هتف مسعد متحفزا عندما تنبه انها تنادي حمّاد باسمه: - الله، الله، تعرفي البيه منين يا هانم!؟، وكمان جيباهم وراكِ لحد هنا!؟.
هنا لم يستطع حمّاد السكوت فهتف بغضب هادر وهو يجذب مسعد ممسكا بتلابيه: - لاااه، عند العرض ولازما تتأدب..

ودفع بجبينه ليرتطم بجبين مسعد الذي ترنح للحظة وسقط بين الجمع مصحوبا بشهقات صفية وتصفيق الجمع في سعادة ليهتف بهم حمّاد في غضب: - جاعدين تصجفوا..!؟، كنتوا فين وهى واجفة وهو بيتچرأ عليها!؟.
هتف احد الرجال مبررا: - يا بيه انت غريب ومسعد مش هيطولك لكن احنا اهل الحارة ومسعد مش هيسبنا ف حالنا، ده شراني وصاحب كيف ويعمل اي حاجة عشان ياخد مزاجه..

تجاهل حمّاد الرد على الرجل مستديرا إلى صفية التي ما تزل تقف وخلفها طفليها يبكيان بنحيب متقطع هاتفا مشيرا لذاك البيت المتهالك الذي تقف على أعتابه: - ده بيتك!؟.
اومأت في إيجاب دون ان تنبس بحرف واحد ليشير للداخل امرا: - ادخلي بعيالك واجفلي عليكِ بابك ولو فكر يتعرض لك تاني جوليلي..

أطاعته في سرعة وجذبت طفليها لداخل البيت واغلقت باب البناية المتهالكة خلفها ليتحرك بدوره باتجاه عربته ليتفرق الجمع وينهض مسعد من موضعه متوعدا حمّاد وهو يراه يرحل بعربته مبتعدا..

كان جالسا يعبث بهاتفه كعادته فتقدمت نحوه حاملة صينية الشاي وبعض قطع الكعك وضعتهم أمامه ليتنبه للحظة في عدم اكتراث معاودا التطلع لشاشة الهاتف من جديد..
ساد الصمت للحظات قبل أن تتنحنح هامسة بصوت مرتعش النبرات: - كمااال..
همهم بلامبالاة: - اممم..
هتفت بلهجة متسرعة قبل أن يخونها ثباتها: - انا عايزة فلوس ضروري..
تنبه نحوها هاتفا في امتعاض: - عيزاها فأيه ان شاء الله، أنتِ ناقصك حاجة!؟، انا..

قاطعته مؤكدة: - مش عشاني والله، عشان حسن اخويا، مزنوق جامد ومحتاج مني مبلغ يفك زنقته..
هتف وقد زادت نبرته ارتفاعا: - ما ياخد من ابوكِ ولا امكِ، ولا شايفك الهبلة اللي مش هتتأخر!؟.
تنهدت محاولة ضبط أعصابها هاتفة: - بابا وماما لو معاهم مكنوش اتاخروا، وهو اتعشم فيا انا ومش عايزة اخذله..
قهقه كمال في استخفاف هاتفا: - لا هتخذليه لأن مش معايا فلوس..

هتفت متعجبة: - معكش ازاي وانا كنت سمعاك من كام يوم بتقول أن الدنيا معاك زي الفل!؟.
هتف محتدا: - أنتِ بتتصنتي عليا!؟
هتفت في هدوء: - لأ، انا سمعتك وانت بتتكلم عادي وصوتك كان واصلني، انا مش محتاجة اعمل كده يا كمال، وبعدين انا مش ليا عندك حق الدهب اللي بعته عشان تظبط مشروعك ده، خلاص هات فلوس الدهب أو حتى جزء منها اسد بيها زنقة اخويا..

انتفض كمال صارخا: - أنتِ بتعيريني انك ساعدتيني بكام غويشة ولا خاتم، أنتِ اديتهمولي برضاكِ ومحدش غصبك، ده انتِ اللي كنتِ بتتحايلي عليا عشان أخدهم كمان..
هتفت في ضيق: - تمام، كلامك صح، بس ده مينفيش اني ليا عندك تمنهم، دهبي فك زنقتك، وعادي لما افك بيه زنقة اخويا كمان..
هتف كمال في غضب: - والباشا اخوكِ مراته متبعلوش ليه دهبها!؟، ولا هو طمعان فدهبك أنتِ!؟.

انتفضت نجوى هاتفة في سخط: - عيب كده يا كمال، حسن اخويا عمره ما يطمع فيا ده متعشم، ومراته باعت دهبها فعلا لما امها احتاجت عملية واخويا حسن ساعتها معترضش زي ما انت عامل دلوقت..
امسك كمال بمعصمها في غضب هاتفا وهو يهزها: - قصدك ايه!؟، ان اخوكِ احسن مني!؟، طيب يا ستي، عشان ترتاحي، لا ليه دهب ولا ليكِ انت كمان عندى دهب، واشربي من البحر..

ودفع بها لتسقط جالسة على المقعد خلفها تتطلع لموضع غيابه في صدمة، لا تصدق أن هذا الرجل هو كمال الذي عشقته وتزوجته وفضلته حتى على نفسها، سالت دموع الخذلان على خديها ولم تبرح موضعها وهي تراه يندفع بعدما اكمل ارتداء ملابسه صافقا الباب خلفه في قوة جعلتها تجفل منتفضة وما زال دمعها يغرق صفحة وجهها..

كانت بالأعلى بشقة ولدها عامر تساعد زوجته في صنع ذاك الطعام الذي يشتهيه ولا يفضله الا من صنع يدها، هبطت الدرج في اتجاه شقتها لتستريح قليلا قبل موعد الغذاء وما أن همت بفتح باب شقتها حتى سمعت حديثا محتدا بالداخل، توقفت يدها عن فتح الباب وتناهى لمسامعها صوت ولدها البكر يصرخ بأبيه في صدمة: - عايز تتجوز على أمي واسكت يا بابا!؟.
صرخ أبوه هاتفا في حنق: - اه هتجوز، لا هو عيب ولا حرام..

هتف عامر محتدا: - وماما!؟، قصرت ف أيه عشان تعمل معاها كده!؟.
هتف توفيق في لامبالاة: - مقصرتش أو حتى قصرت، ده حقي، وانا حر..
هنا لم تستطع إحسان البقاء دون رد فعل ففتحت الباب ليتطلع كلاهما إليها في صدمة..

دخلت وأغلقت الباب متصنعة ثبات لا تملكه ووقفت أمامهما صامتة تتطلع لهما بعيون زائغة النظرة في انتظار أن يكذب أحدهما ما قالاه لتوهما والذي أدرك كلاهما أنها سمعته بالتأكيد من رد فعلها الصامت وشحوب وجهها المضطرب القسمات..
لم يتجرأ عامر ولدها بنطق كلمة واحدة لكن توفيق نظر إليها في استهانة وهتف مؤكدا: - اللي سمعتيه صح، هتجوز، وهجيب العروسة تعيش معانا هنا..
انتفض عامر صارخا: - هنا فين!؟، هنا فعمارتنا!؟.

هتف توفيق هادرا في ثورة: - فعمارتي!؟، كلكم اصلا، وانت ومراتك أولهم، مجرد ضيوف فملكي، وانا بس اللي اقول مين يقعد ومين يمشي..
هتفت إحسان بصوت متحشرج النبرات ما أن استطاعت تمالك أعصابها واستيعاب الصدمة: - بقى دي اخرتها يا توفيق!؟.
تجاهل توفيق الرد عليها من الأساس كأنه لا يرها واندفع لخارج الشقة وما أن أصبح على اعتابها حتى هتف أمرا: - متنساش تكلم خالك يجي ياخد امك، العروسة مش قابلة تدخل على ضرة..

واستدار بكل كبر مواجها إحسان هاتفا في قوة: - أنتِ طالق يا إحسان..
شهقت في صدمة وغامت الدنيا امام ناظرها ولم تلفظ بحرف فقد عقدت الصدمة لسانها عن البوح بالكثير بينما صرخ عامر محتجا: - ليه يا بابا!؟، ليه تعمل كده!؟.
تطلع إليه توفيق مؤكدا: - انا حر، امك معدتش لزماني، تروح تعيش مع اخوها، هو أولى بيها دلوقت..
صرخ عامر مؤكدا: - محدش أولى بأمي مني، ماما هتعيش معايا فشقتي..

قهقه توفيق بجبروت: - انا لسه قايل أن كلكم عندي ضيوف، ولو فكرت تعمل كده انت ومراتك وعيالك هتحصلوها على بره، اتصل بخالك وبلاش تعمل فيها عنتر..
واندفع توفيق لخارج الشقة تاركا إحسان تترنح من طعنات الخذلان الواحدة تلو الأخرى وكادت أن تفقد وعيها إلا أن عامر تلقفها بين ذراعيه مصطحبا إياها لداخل شقتها التي ما عادت شقتها لتتمدد على فراش ما عاد فراشها..

رنين لا ينقطع على هاتفه يظهر اسمها مما جعله يمتعض في حنق..
لا وقت لديه لترهاتها اي كانت..
ضغط على زر إلغاء الصوت حتى لا يزعجه الرنين المتواصل..
كان طفلها يضغط على رقم ابيه في إصرار لا يعرف ما عليه فعله..

يبكي في ذعر وهو يتطلع لجسد أمه الممدد أرضا، يهتف باسمها مرارا ولا إجابة، فقد الأمل في إجابة أبيه مما اضطره ليندفع لجارتهم طارقا بابها في لهفة لتجيبه من فورها وعلى وجهها ابتسامة مرحبة ما أن طالعها محياه المحبب لكن قسمات وجهها تبدلت عندما أدركت توتر الصغير الذي لم يتعد التاسعة من عمره هاتفا في اضطراب وهو يشير لباب شقتهم المشرع: - إلحقي ماما يا طنط شيرين، واقعة ع الأرض ومش بترد عليا..

انتفضت شيرين مندفعة لداخل الشقة بحثا عن صديقتها لتشهق في صدمة ما أن طالعت جسدها أرضا وانحنت نحوها تحاول افاقتها هاتفة باسمها في لوعة: - أمل، يا أمل، فوقي عشان خاطري..
تركتها مهرولة لداخل غرفة النوم جاذبة زجاجة عطر عتيقة كانت على طاولة الزينة وعادت بها تضع بعض من رزازها على كفها وتقربه من أنف صديقتها التي انتفضت دفعة واحدة متطلعة حولها في تيه..

تنهدت شيرين في ارتياح وجذبت أمل لصدرها تربت على ظهرها في حنو هامسة: - اهدي، انتِ كويسة الحمد لله، أنتِ تمام..
بكت أمل في استكانة بين ذراعي جارتها للحظات واخيرا هتفت في ذعر: - سليم فين!؟، سليم كويس!؟
أكدت شيرين في عجالة: - اه كويس متقلقيش، هو اتخض عليكِ بس انا خليته يدخل يتفرج ع التليفزيون لحد ما تفوقي وتبقي تمام..
نادته أمل في لهفة: - سليم، يا سليم..

اندفع الصبي من الداخل ليلق بنفسه بأحضان أمه التي فتحت ذراعيها لتتلقفه رابتة على رأسه المغروز بصدرها هامسة: - متخفش يا سليم، أنا بخير..
بكي الطفل بكاءً متشنجا وهو يهمهم بأحضانها: - انا خفت يا ماما، افتكرتك موتي وسبتيني، اتصلت على بابا كتير لكن مردش عليا..
ضمت أمل طفلها لصدرها في قوة هامسة: - متخفش ابدا، عمري ما هسيبك يا سليم..

قبلت هامته وافلتته يعاود مشاهدة التلفاز متطلعة لشيرين في خيبة متسائلة في وجع: - شوفتي!؟، الولد اتصل عليه ومردش..
مدت شيرين يدها لأمل هاتفة وهي تجذبها لتنهض مترنحة قليلا متكئة على ذراعها: - عنه ما رد، ما انا اهو كنت تحت الأمر والطلب وسرعة التنفيذ..

ربتت أمل على كف شيرين في امتنان والتي أجلستها بأقرب مقعد هاتفة في مزاح كعادتها: - بزمتك يا شيخة تفوقي على خلقتي اللي تتوصف للعليل يطيب ولا على خلقة سي أمجد ده اللي تقطع الخميرة من الفرن ذات نفسه..
قهقهت أمل لتستطرد شيرين مندفعة لبيتها: - هروح اعمل لك كباية ليمون عشان تروقي دمك..
هتفت أمل: - لا مفيش داعي يا شيرين خليكِ معايا شوية، انا بقيت كويسة والله..

جلست شيرين جوارها متسائلة في قلق: - وبعدين يا أمل، هتفضلي تهملي فنفسك لحد أمتى!؟، لازم تروحي لدكتور يقولك ايه حكاية الإغماء المتكرر ده..
هزت أمل رأسها إيجابا مؤكدة: - أما يجي هقوله نروح للدكتور، لازم فعلا اشوف فيه أيه..

انتظرت حتى عاد أمجد من عمله وتناول غذائه ودخل ليأخذ قيلولته كعادته، جلست على طرف الفراش تحاول استجماع كلماتها لكنه باغتها أمرا: - بطلي ترني عليا فالشغل عمال على بطال، مردتش مرة يبقى مشغول ومش فاضي ارد عليكِ دلوقت..
همست مؤكدة: - ده سليم اللي رن عليك..
انتفض في غضب: - وكمان سايبة الموبيل للواد يقرفني بيه!؟، وطبعا كنت مشغولة بالقصص والحواديت اللي مبتخلصش مع ست العوانس..
جارتنا المصونة..

هتفت في حنق: - متقلش كده على شيرين، دي أدي فالسن، يعني يا دوب اتنين وتلاتين سنة، وربنا لسه مأردش بابن الحلال اللي يستاهلها بجد..
قهقه أمجد مؤكدا: - اه طبعا اومال ايه!؟، منتظرة الفارس ع الحصان الأبيض لما ياخدها ويطير..
تنهدت في ضيق فهي تعلم تماما أن ما أن يأتي ذكر شيرين أمامه حتى يبدأ في التهكم والسخرية التي لا تنتهي لذا أوقفت الحديث عند هذه النقطة هاتفة: - سليم كان بيرن عليك عشان أنا كنت تعبانة..

هتف متسائلا: - تعبانة ازاي يعني!؟
ايه، حامل!؟.
هتف بتساؤله في لهفة منتظرا اجابتها في لهفة أكبر لتهتف نافية: - لا مش حامل، بس انا دخت ووقعت من طولي، ودي مش اول مرة تحصل لي يا أمجد، انا عايزة اروح عند دكتور اطمن..
جذب الغطاء على جسده موليا لها ظهره كأنه ينهي النقاش أمرا: - مفيش حاجة تستاهل المرواح لدكاترة، كلي كويس ونامي كويس وانتِ هاتبقى تمام، بلاش دلع ستات ملوش لازمة..

ساد الصمت ولم تعقب بكلمة فقد هالها رد فعله الغير متوقع، هل هي بهذا القدر المعدوم من الأهمية طالما لا تحمل له طفلا فهي لا تستحق الأهتمام!؟، تذكر الأن أيام حملها بسليم بعد زواجهما بعدة أشهر، كان يكاد يحملها من الأرض حملا، كانت اشهر من نعيم خالص لم تذق بعدها هناء أو يرى قلبها فرحة..
تعجب من هدوئها بهذا الشكل فاستدار نصف استدارة متطلعا إليها في مجون: - ايه!؟، هاتيجي تنامي!؟.

كانت نبرته الموحية هي ما دفعها لتستفيق من صدمتها لتنهض مغادرة في سرعة وما أن همت بغلق باب الحجرة حتى استوقفها أمرا: - أعملي لنا حاجة حلوة من أيدك على بال ما اقوم من النوم!؟.
جذب عليه الغطاء من جديد يخطو لدنيا النعاس وهي تتطلع لموضعه لا تعرف ما عليها فعله، تجاهل ما طلب!؟، أم البكاء على تجاهله لما تعان من ألام..!؟
ان خبر اغمائها لم يحرك فيه ساكنا، وصفه بدلع ستات على حد قوله..

انسابت الدمعات السخان على خديها وهي تغلق الباب في عنف خلفها متجاهلة الذهاب للمطبخ لصنع الحلوى التي طلب لكنها في نهاية المطاف لم تجد ما تفعله لتوقف ذهنها عن الأحتراق تفكيرا إلا صنع كعكة ولدها المفضلة وهي تستمع لأحدى الأغاني التي كان يبثها المذياع قبالتها في صوت خفيض حتى لا يصل لمسامعه: -
محتاجة حد يخاف عليا..
مش ابقى خايفة معاه..
لوقلت أه ألاقيه حضني بجد من جواه
وهقولك أيه وانا كل ده.

يا حبيبي مش لقياه..
تنهدت وجمر يستعر بقلبها تمسح دمعات باغتتها محملة بوجيعة القهر سقطت بعضها رغما عنها مختلطة بكعكته المحلاة بملح الدمع ومرارة الجرح..

كانت تقف بقلب المطبخ الواحدة ليلا تصنع كوبا من الشاي تقلب السكر بقاع الكوب في صخب لا تعيه، فصخب أفكارها كان الأكثر ضجيجا والكلمات ترتسم امام ناظريها متسارعة مما دفعها لتحمل كوبها جالسة امام حاسوبها لتخطها قبل أن تنفلت من عقال مخيلتها: - الخذلان، هو ذاك النصل الحاد الذي سُدد لظهرك بقسوة وما استطعت نطق الأه لكنك استدرت في وجع لترى من تلك اليد التي طعنتك على حين غرة لتدرك أنها يد اقرب الناس إليك..

الخذلان، هو كشف سوءة الروح التي سلمك صاحبها زمام أمرها على العلن لندرك ساعتها أننا أخطأنا حين وثقنا في أشخاص ليسوا أهلا لهذه الأمانة..



look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:19 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث
الوجع الثالث

وصلها رنين هاتفه الذي تكرر بلا انقطاع مما يؤكد أنه في سبات عميق لذا تسللت لداخل غرفة نومها تسير مهرولة على أطراف أصابعها حتى تقوم بغلق نغمة الرنين كي لا توقظه لكن ما أن وصلت للهاتف حتى انقطع الرنين فجأة مما جعلها تتنفس في راحة مولية ظهرها لتغادر الغرفة من جديد إلا أن صوت اشعار لوصول رسالة ما ارتفع مجفلا إياها ما دفعها لتتنهد في غيظ حاملة الهاتف تحاول اغلاقه لتقع عيناها على فحوى الرسالة الظاهرة على سطح شاشته كجثة عفنة فاحت رائحتها وما عاد في الإمكان غض الطرف عن وجودها..

قرأت في ارتجافة داخلية كلمات الرسالة كل ده ومش بترد عليا!؟، واضح أن الهانم جنبك، طيب، على فكرة بقى، انا زعلانة منك.
أعادت قراءة الرسالة عدة مرات حتى يستوعب عقلها الواعي ما تحاول أن تنكره رغم أن حدسها كأنثى كان يخبرها به مرارًا..
دمعت عيناها ومدت كفها تضع الهاتف موضعه ليتقلب كمال بالفراش ليدرك وجودها فينتفض متطلعا إليها في شك: - فيه ايه!؟، انتِ ايه اللي موقفك كده يا نجوى!؟.

استجمعت ثباتها المهترئ لتغطي به عورة الوجيعة التي تمزق اشلائها هامسة بصوت حاولت بمجهود فاق طاقة البشر أن تخرجه طبيعيا: - ابدا، موبايلك رن جيت اقفله عشان متصحاش بس بطل رن قبل ما أوصله..
لم تخبره الا بالحقيقة وما حدث بالفعل لكنها لم تكمل سرد باقي تفاصيل الحقيقة التي ما عادت تقبل الشك..

هتف أمرا وقد اعتدل قليلا بجلسته مشيرا لهاتفه وعلبة سجائره المجاورة له: - هاتي التليفون وعلبة السجاير واعمليلي كباية شاي..
مدت له يدها بما طلب وقد استشعرت ثقلا بذراعها التي تناوله ذاك اللعين الذي سيجعله يتصل بتلك الماجنة ما أن تدير ظهرها..

تحركت في عجالة مغادرة الغرفة وهي تراه يشعل إحدى سجائره ينفث دخانها وكأنه يضرم النيران بين حنايا روحها تختنق بدخان خيانته وهي غير قادرة على اتخاذ أي رد فعل نحوه حتى تستعيد هدوءها وتقرر ما يجب فعله وليكن ما يكون، أغلقت الباب خلفها ووقفت للحظة تسترق السمع ليتناهى لمسامعها همسه القادم من خلف الباب واخيرا انفجاره ضاحكا في نشوة، ضحكة مسربلة بالسعادة افتقدت هي سماعها منذ وقت لا تدرك عدد أشهره منذ زواجهما الذي لم يتخط الأعوام الثلاثة عمرا..

اندفعت مبتعدة عن الباب في سرعة فهي تدرك أنها إن بقيت لثوان أخرى فقد يدفعها وجعها اثر خيانته لقتله بدم بارد وذهبت لتجتر المرارات وحيدة بأحضان طفلهما، ثمرة زواجهما الوحيدة..

كان يقف في سعادة وعلى وجهه إمارات الفرحة كشاب يجهز عشه الزوجي ولا يطق صبرا على الاجتماع بمن اختارها قلبه، هي تدرك هذه الحالة جيدا، تعلم كيف تفسر كل خلجة من خلجات نفس زوجها، أو من كان منذ أيام قلائل زوجها..
كان يشرف بنفسه على العمال الذين يعيثون فسادا بشقتها أو ما كانت تدعى بشقتها قبل أن تنتقل منذ أيام لبيت ولدها بشكل مؤقت لحين انتهائها من جمع متعلقاتها..

وقفت أمامه في ثبات أجوف هاتفة: - توفيق!؟، لازم نتكلم قبل ما امشي..
لم يلق عليها بنظرة حتى وعيناه ما تزل تتابع العاملين في اهتمام هاتفا بلامبالاة: - هانتكلم فأيه!؟، انا سبتك لحد ما تجمعي حاجتك، واعتقد خلصتي..
هتفت مؤكدة: - اه خلصت، بس اللي لسه متكلمناش فيه هو حقوقي الشرعية عندك، امتى ها..
قاطعها هاتفا في سخرية: - حقوق ايه اللي بتتكلمي عنها!؟، اوعي يكون قصدك المؤخر والنفقة والكلام ده!؟

أكدت بايماءة من رأسها: - هيكون ايه غير كده!؟.
أطلق ضحكة مجلجلة كانت ردا بليغا على سؤالها وهتف من بين قهقهاته: - انتِ شكلك كبرتي وخرفتي فعلا، حق ايه يا ام حق، انا اتجوزتك بمهر ربع جنيه ومؤخر زيه، نفقة المتعة والعدة، روحي ارفعي قضية وهاتي محامي ياخد قدهم عشان ابقى اديهملك تدفعيهمله..
هتفت وهي غير مصدقة: - طب ودهبي..!؟، هاته وانا مش عايزة منك حاجة وانا هتصرف فيه واعيش..

تطلع إليها كأنما يبصر واحدة فقدت عقلها تحدثه بالغريب من الأمور وهتف اخيرا: - دهب ايه!؟، اللي انا كنت جايبه!؟.
أكدت في انكسار: - بقى دهبي وانا بعته عشان زنقانك مرة ورا التانية، وبعدين ما كان معايا دهب من قبل جوازنا وخدته وبعته، ع الأقل ده رده..
تنهد في ضيق هاتفا: - بقولك ايه!؟، انا مش فاضي للهوسة دي، حقوق، ملكيش عندي، دهب، اثبتي اني بعته او حتى خدته منك من الأساس.

هتفت في قهر: - انت ليه بتعمل كده يا توفيق!؟، انا عمري ما عملت فيك حاجة وحشة، ليه تظلمني كده؟، انا برضو اسمي ام عيالك، وبابا لما جوزني ليك كان بيجوزني لراجل عشان يصوني ومخدش عليك اي ضمانات وقال أنا بسلمه بنتي هاخد منه حبة ورق أو امضيه على قايمة بشوية خشب، كده يا توفيق، تخون الأمانة اللي ابويا سلمهالك وعاشت معاك العمر ده كله ع الحلوة والمرة..

هتف في حنق: - بقولك ايه، بلاش شغل الافلام العربي ده وياللاه اتكلي على الله خدي حاجتك وروحي مطرح ما تروحي، انا مش عايز وجع دماغ، ياللاه..
هتف بكلمته الأخيرة في سخط واضح
ما دفعها لترحل مبتعدة بعدما تنبهت لنظرات العمال المستفسرة حاملة حقيبة ملابسها مغادرة بيتا كانت تظن يوم دخلته عروسا أن يوم رحيلها عنه هو يوم خروجها لقبرها..

دفعت الباب الحديدي وتطلعت للشارع الذي كانت تحفظ عدد حصاه التي مرت عليها في ذهابها وإيابها طول أكثر من ثلاثين عاما قضتها
بين جنبات هذا البيت، توقفت للحظة تتطلع بنظرة أخيرة تجاه ذاك الرجل الذي تأبطت ذراعه يوما على نفس تلك الأعتاب وهمست بقهر: - حسبنا الله ونعم الوكيل..

كانت تجلس أمام ماكينتها تعمل بشرود حتى أنها لم تنتبه لذاك الذي اقترب منها متسائلا في رزانة: - اخبارك ايه يا ست صفية!؟.
تنبهت لوجوده فانتفضت في احترام هاتفة في عجالة: - بخير يا حماد بيه، يسلم سؤالك..
هتف من جديد: - الأولاد مش محتاچين حاچة!؟.
هتفت في امتنان: - خيرك سابق يا حماد بيه، ربنا يعزك..
هز رأسه في هدوء هاتفا بصوت خفيض: - بعد ما تخلص نبطشيتك اطلعي لمحروس ضروري..

همت بأن تسأله السبب لكنه تحرك في تؤدة يمر على باقي العنابر مستطلعا سير العمل بها..
نفذت ما أمرها به لتعود لصديقتها المقربة وجارتها سميرة التي كانت تنتظرها بالخارج حتى تصاحبها في طريق العودة والتي هتفت في فضول متسائلة: - هااا، كان عايزك فأيه سي محروس!؟.
هتفت صفية في تيه: - اتصوري!؟.
حماد بيه رقاني وهيخليني رئيسة وردية البنات..
هتفت سميرة غير مصدقة: - والنبي صحيح!؟، يعني هاتبقى الريسة..!؟

هتفت صفية: - شكلها كده يا بت يا سميرة..
هتفت سميرة في نبرة ماجنة: - الراجل اللي اسمه حماد ده عايز منك ايه يا صفصف!؟.
هتفت صفية في جزع: - هيعوز مني ايه ياختي..!؟، ده راجل محترم وكبارة وانا واحدة على أد حالها فرقبتها كوم لحم..
هتفت سميرة في تعجب: - اومال ايه العبارة!؟.

أكدت صفية في حنق: - بتتكلمي كأنك مشفتيش اللي حصل فالحارة ووقفة حماد بيه معايا ساعتها!؟، تلاقيه رقاني عشان اليومية تزيد واعرف اخنصر حاجة من ورا المدعوق اللي اسمه مسعد ده، منه لله، اشوف فيه يوم..
هتفت سميرة مؤمنة: - امين..

استأذنت صفية لتعرج على السوق مستغلة أنه أصبح بيدها بعض المال الإضافي لتحضر بعض اللحم لأولادها وامها لتعود سريعا تدخل الحارة والسعادة تتقاذفها داعية لحماد بيه إلا أن ظهور مسعد المباغت بطريقها جعلها تشهق في صدمة متطلعة إليه في غضب..
هتف ساخرا وهو يتطلع لذاك الكيس البلاستيكي الذي تحمل: - ايه اللي فالكيس ده يا صفية!؟.
أكدت هاتفة في غضب متصاعد: - ميخصكش ولا ليك فيه يا مسعد..

انتزع الكيس بحركة مباغتة متطلعا لمحتوياته لتجذبه منه بدورها هاتفة في ثورة: - ما قلنا ملكش فيه، هو البعيد ايه!؟، مبيفهمش..!؟.
صرخ مسعد في صفاقة بقلب الحارة: - طبعا، الفلوس جريت ف ايدك، ما انت طلبت الطلاق عشان تمشي على حل شعرك، مش كده يا هانم!؟.
صرخت صفية في قوة: - أخرس قطع لسانك، انا اشرف منك ومن عينتك..

قهقه ساخرا: - اه صحيح، بأمارة ما رقاكِ الراجل صاحب المصنع النهاردة وفيه عاملات اقدم منك، يا ترى ليه!؟.
صرخت صفية في غضب هادر ممسكة بتلابيه: - انت مين قالك على موضوع الترقية ده!؟، انطق..
توقفت للحظة عن الأتيان بأي رد فعل واخيرا دفعت به بعيدا مندفعة نحو تلك الشرفة بالطابق السفلي تطرق عليها بشكل هستيري لتخرج منها سميرة في ذعر هاتفة: - فيه ايه!؟، مالك يا صفية!؟.
امرتها صفية بغضب هادر: - انزليلي هنا..

اطاعت سميرة التي ما أن طالعت صفية محياها حتى جذبتها من شعرها لتصرخ متألمة وصفية تهزها هزا في ثورة: - مفيش غيرك، انتِ اللي قلتي موضوع الترقية لمسعد..

محدش غيرك يعرف، انا دلوقت عرفت مين كان بيوصل كل حاجة عني لسبع البرمبة، يا تري اشتراكِ بكام عشان تخوني صاحبتك وعشرة عمرك!؟، هو اصلا محلتوش الا مالي اللي بيستقطعه من قوتي وقوت عيالي وانتِ عارفة، ولا وعدك بالجواز!؟، طب ده انت بالذات راسية ع البير وغطاه واللي كان بيني وبينه كله، طمعانة فيه خديه، هو اصلا مبقاش بتاعي ولا يلزمني من اساسه، انتوا لايقين على بعض اكتر..

هتفت سميرة ما أن استطاعت تخليص نفسها من بين براثن صفية مندفعة في اتجاه مسعد: - ألحقني يا سي مسعد، المجنونة دي هتموتني..
كل ده عشان عايزة مصلحتها وقلت ألم شملكم تاني، ما هو برضو ابو عيالك ولازم يبقى عارف عنك كل حاجة..

تقدم مسعد في اتجاه صفية التي فاض بها الوجع فوقفت مترنحة للمرة الأولى، فخيانة صديقتها كانت كفيلة بكسر تلك القشرة الصلبة التي كانت تحاول الاحتماء خلفها مدعية القوة وانتزع من يدها كيس اللحم هاتفا في صفاقة: - اللحمة دي تلزمني، هخلي امي تطبخالي حلاوة ترقيتك الجديدة ومرتبك اللي زاد يا صفصف..

رحل من امامها تاركا إياها تقف في تيه تتطلع لسميرة في قهر تود لو كانت قادرة على قتلها جراء خيانتها لصداقتهما لكن ما أوجعها أكثر هو أنها ما اكتشفت ذلك إلا اللحظة، كل شكوكها لم تكن أبدا تتجه نحوها..
كانت محصنة تماما بحصن الصداقة الذي اكتشفت زيفه لتوها..
تحركت في هدوء باتجاه بيتها وهي تسمع للهمهمات المتعاطفة التي اشعرتها للمرة الأولي أنها وحيدة تماما بهذا العالم ولا معين لها إلا سترالله و، حماد بيه..

طرقات على باب شقتها جعلت سليم ولدها يسرع ليفتحه رغم تأكيدها عليه أن يسأل عن هوية الطارق..
هتف سليم في سعادة: - طنط شيرين، اتفضلي..
هتفت أمل ما أن طالعها وجه شيرين البشوش: - ادخلي يا شيرين، بنت حلال والله، ده انا كنت هعدي عليكِ..
هتفت شيرين مبتسمة ابتسامة لم تصل لعينيها: - الظاهر فعلا القلوب عند بعضها لأن انا كمان كنت عايزاكِ فحاجة ضرورية..

جلست امل جوارها هاتفة في مرح مصطنع تحاول اختلاقه لما رأته من اضطراب غير معتاد بسلوك جارتها: - خبر ايه يا شرشر!؟، ايه جالك عريس ورفضاه كالعادة وعايزاني اقف معاك عشان طنط متزعلش زي كل مرة!؟.
هتفت شيرين في توتر ملحوظ: - مش بالظبط، بس اصل الموضوع ده كنت مخبياه عليكِ من فترة ومبقتش قادرة اخبيه اكتر من كده..
هتفت أمل معتدلة في قلق: - ايه يا بنتي فيه ايه!؟، انطقي بقى وترتيني وانا مش ناقصة..

تلجلجت شيرين للحظة واخيرا هتفت في سرعة: - الصراحة، جوزك مش سايبني فحالي، فالطلعة والنازلة تلقيح كلام ومعاكسة واخر المتمة الباشا كان عايز يصاحبني ولما ملقيش مني فايدة، كان عايز، عايز يتجوزتي، بس انا..
قاطعتها أمل هاتفة في هدوء: - انا عندي كانسر..

تطلعت شيرين إليها في عدم تصديق لتستطرد بابتسامة تحمل وجع الدنيا: - ايوه، انا رحت للدكتور زي ما نصحتيني كتير، رحت من ورا الأخ اللي عامل لي روميو واللي كل ما أقوله عايزة اطمن على نفسي يقولي ده دلع ستات، كنت جاية لك أوصيك على سليم..
شهقت شيرين في ندم باكية: - وانا جيت زودتها عليكِ، يا ريتني ما اتكلمت، يا ريت كان انقطع لساني..

ربتت أمل على كتفها لتهدئتها لكنها نهضت مندفعة تحتضن أمل في جزع حقيقي: - متقلقيش، هاتخفي وتبقي زي الفل، هتخفي وتربي ابنك وتشوفيه عريس كمان..
وابتعدت عنها للحظة ناظرة إليها من بين دموعها هاتفة في مرح: - وانا وأنتِ هنعمل حموات على عروسته ونطلع عينها، ولا اقولك انت طيبة سيببلي انا المهمة دي..

اتسعت ابتسامة أمل لتعاود شيرين احتضانها من جديد غير مدركة أنها لم تبك خيانة زوجها لأنها كانت على علم بها، فقد كانت خيانة جسدها أشد وطأة على نفسها، ولأنها رغم محاولة إنكارها التي كانت تعلم بعدم جدواها الا أنها كانت تستشعر ذلك جيدا، كانت ترى نظراته المنصبة على جارتها إذا ما جمعتهم الصدفة على الدرج صعودا أو هبوطا محاولا اظهار عكس ما يبطن فلم يكن يخف عليها أن سبب هجوم أمجد الغير مبررعلى شيرين في كل مرة تأتي على ذكرها ما هو إلا نوع من أنواع التستر على مشاعره نحوها..

هي امرأة، ولها قرون استشعار خاصة تدرك بها جيدا إذا ما كان زوجها يرها بعينه كل النساء ام أنها لم تكن إلا المتاح له منهن..
هي أمراة، وليته أدرك ما تعنيه هذه الكلمة، لكن هيهات..

سالت دمعاتها على خديها وهي تتنهد في حسرة ما أن بدأت تلك الأغنية تنساب إلي حواسها تذكرها بمشاعر تحاول قهرها: -
ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين..
ليه تنسى بالمرة عشرة بقالها سنين..
ع الحلوة، والمرة..

تركت السكين التي كانت تقطع بها بعض الخضروات وامسكت بهاتفها تسجل بصوتها هذه الكلمات التي خطرت على بالها اللحظة لتدمجها بالنص الذي تكتبه ما أن تعاود الجلوس على الحاسوب: - الخيانة، لن اقر أنها ذاك النصل الحاد الذي يخترق روحك ممزقا، لا، هو شعور أشد وقعا على النفس من هذا الوجع، أنها سم زعاف يتسرب إلى نفسك عبر دمك الساري باوردتك وشرايينك ليحتلك الألم احتلالا ساحق زاهقا روحك ببطء قاس شديد الوطأة..

قد يسامحك من خنت قلبه، وعده، أو حتى ظنه الخير بك، لكنه لن يعود نفس الشخص الذي كان ابدا، فللخيانة وقع على المرء يبدله كليا، فهيهات أن تظن أنه قد يعود، فبقلبه تبقى غصة وبالروح تظل الوجيعة ساكنة مهما مر الزمن..



look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:19 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع
الوجع الرابع

حمدت ربها أنها رحلت قبل حضور ولدها من عمله فما كان لها القدرة على شجار آخر قد ينشب بينه وبين أبيه من أجلها، فقد اكتفت ذلا وقهرا.

صعدت الدرج القديم لتلك البناية العتيقة والتي شهدت طفولتها واحلام مراهقتها وصباها قبل أن ترحل عنها معتقدة أنها لن تعود إليها إلا زائرة، لكن ها هي تقف أمام باب شقة ابيها التي ما فتحت الا لتنظيفها من فترة وجيزة عندما حضر اخوها الوحيد من الخارج حيث يستقر بأحد الدول الأجنبية لزيارة مصر بعد سنوات من البعاد، دفعت الباب الذي أصدر صريرا معتادا على مسامعها وشعرت بالحنين لأيام مضت كانت لا تحمل الا ذكريات من سعادة خالصة..

دخلت إحسان واضعة الحقيبة جانبا وأغلقت خلفها الباب لتفتح باب اخر من خواطر داهمتها ما أن أصبحت وحيدة تماما، جلست على اقرب مقعد قابلته بطريقها للردهة وتطلعت حولها في تيه لا تعرف كم طال الا عندما انفجرت باكية في لوعة عمرها الضائع سدى..

طالت نوبة البكاء حتى أفرغت كل دموع الانكسار والوجيعة، دخلت تغسل وجهها وتنعش نفسها من جديد وقد قررت أن تواجه الأمر الواقع، أن تتكيف مع وحدتها وتتحمل مرارة العيش بلا سند حقيقي الا ربها وخاصة وأنها لا تملك مالا خاصا بها يمكنها الاعتماد عليه في محنتها، فهل كانت تتوقع ولو في اسوء كوابيسها ما يجري لها الان!؟.
اتجهت تحمل حقيبتها من موضعها حيث تركتها لتعود لحجرتها القديمة، لتبدأ حياتها الجديدة..

اندفعت صفية في جزع باتجاه المقهى الذي يجلس به طليقها مسعد وما أن وقع ناظرها على محياه حتى توجهت مهرولة نحوه في اضطراب: - مسعد، يا مسعد، قوم معايا..
تطلع مسعد نحوها بنظرة ماجنة
هاتفا: - ايه يا جميل، حنيت وجيت..!؟، أنا كنت عارف ان..
صرخت به هاتفة تخرسه: - عارف ايه!؟، انت طول عمرك مش عارف الا مزاجك وبس، ابنك بيروح مني، قوم ودينا لدكتور ولاه هاتف فلوس اجري بيه على اقرب مستوصف..

تجاهل مسعد النظر إليها ما أن عرف مقصدها من هذه الزيارة الغير متوقعة والغير مرحب بها من الأساس طالما أنها لطلب المال وهتف في لامبالاة: - منين!؟، اجيب لك فلوس منين!؟.
هتفت ساخطة: - اتصرف بأي طريقة، بقولك ابنك بيموت..
هتف مسعد في غضب: - ما قلنا مفيش، هلحنهالك!؟، مفيش يعني مفيش، غوري بقى من وشي طيرتي الحجر اللي شاربه شُكك..

برقت دموع القهر بأعين صفية التي تسمرت موضعها لثوان تفكر كيف لها أن تحصل على بعض المال لعلاج ولدها وسميرة التي كانت تلجأ لها في بعض الأحيان ما عادت صديقتها من بعد آخر موقف حدث بينهما قد اخرجتها من حياتها للأبد..
انتفضت في غل دافعة النرجيلة التي كان ينفث مسعد دخانها بالقرب منها بقدمها مندفعة لخارج المقهى تتبعها لعنات مسعد لما فعلته بحجره الثمين.

هرولت في الطريق كالمجنونة لا تعلم ما عليها فعله وصورة ولدها الغارق بالحمى لا تفارق مخيلتها، وجدت نفسها بلا وعي تقف على بوابة المصنع الذي تعمل به، لا تعلم هل ستجد به أحد في تلك الساعة قبيل المغرب، لحظات مرت عليها متسمرة قبالة البوابة الموصدة متأملة في إيجاد مخلوق لكن يبدو أن الجميع قد رحلوا..

سارت بمحازاة السور العالي لا تعرف الي اين يمكنها الذهاب، فليس لديها من أحد تلجأ إليه في محنتها، تساقطت دموعها على خديها غزيرة والقهر يمزق احشائها في قسوة غير مبال بأوجاعها الأخري التي تنازعه بروحها، رفعت نظرات منكسرة للسماء هامسة في نبرة متضرعة: - ياارب.

قادتها قدماها للسير بلا هدى حتى وصلت لبوابة المصنع الخلفية وما أن همت بالإندفاع تجاه بوابها الذي كان يهم بفتح البوابة حتى توقفت بغتة أمام عربة فارهة كادت أن تصدمها.
خرج حماد من العربة متطلعا نحوها في تعجب هاتفا: - خير يا ست صفية!؟، انتِ بتعملي ايه هنا!؟.

لم يكن هناك من بد لتخبره بما تريد لكنه لم يكن بحاجة ليعرف فقد كان حالها مرتسم بحرفية شديدة على قسمات وجهها الغارق بالدموع التي كانت تحاول مسحها بظاهر كفها اللحظة مستشعرة الحرج..
أمرها مشيرا وهو يركب سيارته من جديد: - اركبي، ياللاه..
لم تطعه فورا بل ترددت قليلا قبل أن يأمرها بصرامة: - انا هفضل اتحايل كتير، ما جلنا اركبي..
صعدت على مضض لكن لا بديل..

ساد الصمت وهو يسير بعربته في اتجاه حارتها لتهتف به: - انت رايح بيا على فين يا حماد بيه!؟.
هتف في نبرة تحمل غضبا مكبوتا: - رايح اشوف لي حل مع طليجك ده، ما هو اكيد سبب..
قاطعته صفية تكتم شهقة بكاء اورثتها غصة بحلقها كادت تختنق جراءها وجعا: - ابني بيموت ومش معايا تمن علاچه ولا أبوه رضي يديني..

همهم حماد في غضب محوقلا ولم ينبس بحرف حتى وصلا بالقرب من مدخل الحارة فأخرج بعض المال من جيب سترته ناولها إياهم هاتفا: - خدي، روحي اكشفي على ولدك وچيبي دواه وخضار وفاكهة يتغذى، ولو احتچتي حاچة بعد كده تاچيني على طول..
هزت رأسها في طاعة وهي تتناول المال وما أن همت بالترجل من العربة الا واستوقفها أمرا: - بكرة خديه اچازة عشان تراعي ولدك، ربنا يبارك لك فيه، ده نعمة متتعوضش..

اومأت برأسها في إيجاب مؤمنة على كلماته الأخيرة هامسة في امتنان: - ربنا يبارك لك يا حماد بيه في صحتك وعافيتك ويرزقك بر عيالك.
ابتسم في شجن ولم يعقب لتندفع خارج السيارة ليظل ناظره معلقا بها حتى ابتلعتها الحارة بجوفها ليرحل في هدوء وعلى شفتيه نفس الابتسامة التي يغلفها الشجن بغطاء محكم..

سقطت الملعقة التي كانت تحمل جبل من الأرز بقوة على المائدة ليحدث دويا ما أن اصطدم بالطبق الذي كان قابعا قبالتها تلتهم محتوياته العامرة في استمتاع حقيقي، تطلعت نحوه في صدمة وقد ساد الصمت لبرهة في حساب الزمن لكنها مرت عليها دهرا وهي تهمس أخيرا بصوت مهتز النبرات: - هتتجوز..!؟.
أكد كمال في برود قاتل: - ايوه، حقي..

كانت تعلم أنه رجل متعدد العلاقات النسائية وكم من مرة اكتشفت محادثاته ودردشاته مع غيرها، تكيفت على الوضع الحقير لكنها ابدا لم تتوقع أن يصل به الأمر للزواج من احداهن..

تعلم أن زواجه افضل من ارتكاب تلك المعاصي لكن الأمر أثار بداخلها تساؤلا، هل لديها القدرة على تحمل وضع كهذا!؟، لا حيلة لديها، أنها تعشق هذا الرجل ولم ولن تمنح قلبها لرجل اخر ما حيت، فهي امرأة الرجل الأوحد، هو أو لا أحد، وهي لن تدع أخرى تسلبه منها مهما حدث.
ردت في هدوء رغم غليانها الداخلي هاتفة: - طبعا حقك، بس لما تكون قادر على فتح بيتين وانك تعدل بينهم، هتقدر على ده!؟.

هتف مؤكدا: - الصراحة لا مش هقدر..
هتفت بانتصار: - شفت، يبقى اصلا معندكش شروط..
قاطعها مؤكدا: - بس على العموم، انا مش هحتاج لكل ده..
هتفت نجوى مستفسرة: - ازاي!؟، هتعيشنا كلنا في شقة واحدة..!؟.
قهقه كمال ساخرا: - كان نفسي والله، بس هي طلبها ما تدخلش على ضرة عشان محدش يقولها يا خرابة البيوت وكمان انا مش هقدر افتح بيتين زي ما انت عارفة، فمفيش الا حل واحد، انت..

قاطعته صارخة ما أن تيقنت من مقصده وانتفضت في ذعر حقيقي تتشبث بكفه: - لا، عشان خاطري متطلقنيش، خليني على زمنك واعمل اللي انت عاوزه..
جذب كفه بصعوبة من بين كفيها المتشبثين به ولم ينبس بحرف لتستطرد في قهر: - اوعى تسبني يا كمال، لو سبتني هموت.
هتف وهو ينهض متجها لباب الشقة مؤكدا: - محدش بيموت عشان حد..
هتفت تستجديه بروح الأبوة: - طب وابنك، مين يربيه!؟، ليه ما يترباش بنا!؟.

أكد هاتفا وهو يضع كفه على مقبض الباب: - العيال كلها بتتربى، ولاد الأرامل بيتربوا احسن تربية..
هتفت في جزع والدموع تغرق صفحة وجهها: - أرامل!؟، انت واعي للي بتقوله!؟.
هتف كمال في ثقة: - اه واعي طبعا، وبقولهالك بصراحة، اعتبريني مت واتصرفي ع الاساس ده، نجوى، انتِ طالق..

وفتح باب الشقة وغادر بكل سهولة تاركا إياها تنهار أرضا بلا قدرة على الثبات أمام ذاك الزلزال القاهر الذي أصاب أساسات حياتها وعواميد استقرارها في مقتل لتتهاوى جميعها دفعة واحدة دون سابق إنذار..

حملها بين ذراعيه في حرص خارجا بها من الحمام حتى حجرتهما ليضعها برقة على الفراش مدثرا إياها لتباغته بفك ارتباط كفيها حول عنقه لتضم بهما جانبي وجهه مقبلة جبينه في رقة هامسة: - ربنا ما يحرمني منك، دايما تاعب نفسك معايا، ما كانت هناء موجودة..
ابتسم حماد في رزانة هامسا: - هو انتِ مراتي ولا مرات هناء!؟، وأن ماكنتش اتعب لك، اتعب لمين، يا ام هناء، يا وش السعد!؟.

دمعت عيني حورية هامسة بصوت متحشرج: - ربنا يسعد قلبك ويجبر بخاطرك زي ما بتجبر بخاطري وانا فالحالة دي..
هتف حماد محتجا: - ومالها الحالة دي!؟، ما أنتِ زي الفل اهو، والدكتور جال انك..
قاطعته حورية في يأس محتدة: - انا ايه يا حماد!؟، انا ع الحال ده بقالي اتناشر سنة، وكل يوم تقولي هاتبقى احسن، انا راقدة الراقدة دي من سنين ومفيش تحسن..

وانفجرت باكية في حسرة على حالها ليقترب منها حماد ضاما إياها في حنو هامسا: - هانعترضوا على أمر الله يا حورية!؟، ليه بس كده!؟.
همست متشنجة بين ذراعيه: - وانت ذنبك ايه تفضل مع واحدة..
قاطعها حماد هامسا في حزم: - وبعدهالك يا حورية..!؟، انا مرتاح كده، هو انا كنت اشتكيت لك!؟.

ومد كفه ماسحا دمعاتها هامسا في محبة: - ده انت وش السعد والخير كله، كيف انسى لما نزلت من الصعيد وفيدي اختي الأرملة وولدها، ومكنش حيلتنا الا الهدمة اللي علينا، مين اللي فتح لنا بابه وعرض عليا شغل في ورشة أبوه اللي ورثتها، وبعدها مسكتيني إدارتها واستأمنتني على كل حالها ومالها، مش أنتِ يا حورية!؟، عايزاني دلوجت انسى كل ده عشان تعبتي شوية..

هتفت حورية: - الشوية دول سنين يا حماد، سنين راحت من شبابك، حتى العيال كان رزقنا منهم يا دوب هناء، معرفتش أجيب لك اخ ليها يفرحك ويقف بضهرك..
هتف حماد مبتسما: - انا هناء عندي بالف واد، ربنا يبارك لنا فيها..
هتفت حورية متسائلة تحاول تغيير دفة الموضوع لإتجاه اخر: - ماقلتليش!؟، عملت ايه مع البت اللي طليقها مبهدلها وانت خلصتها منه!؟.

هتف حماد متنهدا: - اتصوري، وانا چاي من المصنع لجيتها واجفة تبكي جدام البوابة، معرفش كانت مستنية مين والمصنع كان خلاص نبطشياته خلصت، اتاري ولدها تعبان وملجتش حد تاخد منه فلوس العلاج الا انها تاچي تستلف من اي حد لأن أبوه رفض يديها، اني مش عارف رچالة ايه دي اللي تفرط فلحمها!؟.
هتفت حورية بسرعة قبل أن تخونها شجاعتها: - اتجوزها يا حماد..

انتفض حماد متطلعا إليها هاتفا في صدمة: - ايه الچنان ده!؟، هو اني بساعدها عشان غرض لسمح الله!؟
هتفت حورية تكرر طلبها كأنها لم تسمع اعتراضه: - اتجوزها يا حماد، هي محتاجة لك، وانت محتاج لها، هي محتاجة لراجل في حياتها يكون سند ليها ضد طليقها اللي مبهدلها ده وكمان يساعدها في تربية عيالها، وانت..
هتف حماد محتدا وقد تغيرت ملامح وجهه: - اني مش محتاچ حد..

ربتت كف حورية على كفه ورفعتها لوجهه تديره نحوها متطلعة لعيونه السمراء التي تعشق: - لا محتاج يا قلب حورية، محتاج ست، ست تاخد بالها منك، تسعدك..
تطلع حماد لعمق عينيها هامسا: - جلب حماد عمره ما عشج الا حورية، كيف..
قاطعته رابتة على خده هامسة: - وحورية عشان بتعشق حماد بتقوله روح، اتجوزها يا حماد وارحمها وارحم نفسك، وارحمني معاك من ذنبك اللي قاتلني..

تطلع إليها حماد دون أن ينبس بحرف واخيرا اندفع من الحجرة تاركا إياها باكية وقد تساقطت دموع القهر على خديها بعد أن حبستها طويلا، فما من قهر أمر على امرأة من دعوتها زوجها الذي تعشق للزواج بغيرها وهي عاجزة تقوم بدور المتفرج ولا حيلة لها إلا البكاء بعيد عن الأعين والتظاهر بالصلابة أمام الجميع وهو أولهم..

كان هدوءها ينذر بقرب عاصفة، عاصفة من نوع آخر لم يعتده منها وهي تجلس في انتظار انتهائه من تناول غذائه، كان يستشعر جوا غائما وهي ساهمة بهذا الشكل تعبث بصحنها دون أن تأكل منه إلا النذر اليسير..
هتف متسائلا متعجلا معرفة ما يجري: - فيه ايه يا أمل!؟، مالك ساكتة كده؟!.
رفعت رأسها متطلعة نحوه هاتفة: - انا روحت للدكتور يا أمجد..
هتف في لهفة متسائلا: - دكتور النسا، ايه!؟، حصل!؟.
أكدت في هدوء: - لا..

شعر بالخيبة وعاود تناول ملعقته مستأنفا طعامه فما عاد شئ يرقى للنقاش بعد نفيها الخبر السار الذي ينتظره..
هتفت من جديد: - الدكتور قال انا عندي كانسر ولازم ابدأ العلاج فورا.
تطلع إليها في صدمة وقد توقفت كفه عن استكمال طريقها لفمه بحملها لبرهة قبل أن يترك ما كان بيده متمعنا النظر فيها هاتفا بصوت متحشرج: - انتِ بتهزري، صح!؟.

هزت رأسها نفيا وهمست: - محدش هيهزر فحاجة زي دي، انا رحت للدكتور وعملت التحاليل اللي كان طالبها وأكد لي النهاردة ان عندي لوكيميا، ولازم ابدأ بروتوكول العلاج بسرعة لأني اصلا اتأخرت في اكتشاف المرض..
هتف أمجد في حنق: - مالك كده بتتكلمي كأنك عندك شوية انفلونزا وهيخفوا!؟.
هتفت تؤكد في ثبات: - لأنه مرض زي اي مرض، ابتلاء من رب العالمين، وانا عارفة أنه هيكرمني بالشفا فالأخر..

هتف أمجد وهو يدفع مقعده للخلف في غضب: - وهو المرض ده مش عايز وقت عشان تخفي..
هزت رأسها موكدة: - طبعا، عايز وقت ومش محدد كمان..
هتف مستطردا: - والعلاج ده مش عايز فلوس، وفلوس كتير كمان، اجيب منين!؟.
هتفت أمل ساخرة: - هو ده كل اللي همك!؟، الفلوس..
هتف أمجد صارخا في غضب: - اومال ايه اللي هيهمني يعني!؟، أجيب لك منين، أسرق!؟.

قهقهت ساخرة: - لا مش محتاج تسرق خاالص، انت بس خرج من الفلوس اللي شايلها عشان جوازتك التانية، ولا مكنتش ناوي تصرف..

اتسعت عيونه عن اخرها متطلعا إليها في صدمة ولم ينبس ببنت شفة لتستطرد أمل: - ايه!؟، مستغرب اني عارفة، فاكرني نايمة على وداني ومش حاسة بنظراتك ليها في الطالعة والنازلة، وكلامك عنها اللي كنت بعديه بمزاجي، ولا انت كنت فاكر أن العانس مش هتلاقي غير جوز صاحبتها اللقطة تتجوزه!؟، وفر فلوسك يا أمجد، انا اللي هيصرف عليا ابويا..

اندفعت في اتجاه غرفة نومها جاذبة حقيبة جلدية تضع بها ملابس لها ولطفلها ليهتف بها أمجد: - لو خرجتي من البيت ده مش هترجعيه تاني..
استدارت متطلعة إليه ساخرة: - مش يمكن ترتاح خاالص ومرجعش الا ع القبر..
هتف أمجد صارخا في ثورة: - انتِ بتتحديني!؟، طب وريني هتخرجي ازاي!؟، لا فيه مرواح لأبوكِ ولا علاج، ولا خروج من البيت ده من اساسه..

واندفع لخارج الشقة مغلقا بابها خلفه بالمفتاح لتقف موضعها تشعر بقهر ووجيعة ما استشعرتهما يوما، مشاعر قاسية تتلاعب بها ولا قدرة لها على ترجمتها..
انهارت على طرف الفراش تشهق باكية لا تعلم ما عليها فعله إلا البكاء..

مسحت دمعات تساقطت على خديها وبدأت في دق أزرار حاسوبها في هوادة وبروح مثقلة بذكرى تؤرق راحتها كتبت..
القهر، كيف يمكن لأحرف الأبجدية أن تصف هذا الشعور المميت، لا اعرف كيف يمكن أن يوصف الا بمطارق تسقط على قلبك على حين غرة تتلقاها في صمت عاجز لا قدرة لك على التأوه او التوجع.

ربما أكثر ما بالقهر إيلاما هو عدم قدرتنا على التعبير عنه، عن إظهار أثره بنفوسنا، لكنه شعور لا اتمنى لأحدكم معايشته، لانه يترسب داخل النفس ولا يتركها الا حطام تزروه رياح اليأس.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، سيدة ، الأوجاع ، السبعة ،











الساعة الآن 11:06 AM