logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 36 < 1 2 3 4 5 6 7 8 36 > الأخيرة


09-01-2022 01:47 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10


t22006_1245
هل يمكن أن تنبت زهرة الحب من قلب بذرة الانتقام وفى أرض تملؤها الأحقاد والضغائن!؟
هل يمكن أن يستسلم القلب العاصي لنداءات العشق التى كان يغالبها!؟
هل يمكن أن يجتمع قلبان وتتعلق أرواح نقيضان على الرغم من وجود العديد من الظروف التى تأبى عليهما ذلك!؟
هذا الصراع القديم قدم الأزل بين الحب والحرب.. الانتقام والوئام.. العشق والدموع.. هو ما سيطالعكم على مدار فصول الرواية.
تقديم الرواية
نقدم لكم رباعية ميراث العشق والدموع، رواية صعيدة متميزة للكاتبة رضوى جاويش في أربعة أجزاء ( الجزء الأول بنفس العنوان والجزء الثاني بعنوان موال التوهة والوجع والجزء الثالث تحت عنوان رباب النوح والبوح والجزء الرابع بعنوان زاد العمر وزواده.

وكلنا رجاء أن تنال رضاكم، وبما أن هذا طلب خاص فسنعرضه بشكل كامل خلال أقل من أسبوع فتابعونا.
فصول رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول

كان يقود سيارته وهو غارق فى أفكاره وخواطره...
التى تزاحمت جميعها... تتصارع... ولا فكاك منها...
أن قلب الصعيد... حيث وُلد... كان و مازال من أكثر الأماكن التي تموج بالاحداث الساخنة... والصراعات التي لاتنتهي...
تتجسد أمام عينيه الأن... صورة أبيه الحاج مهران الهوارى كبير الهوارية فى نجع الصالح... وقد أقعده المرض... فألقى كل أحمال العائلة على كتفىّ ولده البكر منذ سنوات...

لم ينعم بالراحة بعد تلك المسؤولية... والتى لم يكن له رفاهية قبولها او رفضها... ولم يكن يستطيع أن يتقاعص عن حملها... فهو الأبن البكرلوالده... والذى لم ينجب غيره من الذكور... بجانب أخته سهام... والتي تصغره بأكثر من سبع سنوات...
وأمه الحاجة فضيلة... تلك المرأة بشخصيتها القوية والتى ربته على الحزم والشدة... والتى طالما كانت تتباهى
بأن ولدها منذ نعومة اظافره... قلبه ميت... لا يعرف الرحمة مع من لا يستحقها..
الفضل يعود لتلك السيدة فيما وصل إليه الأن...

و هو لا ينكر ذلك أبداً... فالكل يهابه... ويقيم له ألف حساب... ولا يمكن لأي من كان... أن يعترض على حكمه...
أو يرد له كلمة... فهو الأمر الناهي فى ذاك النجع..
منذ سنوات... وهو يعرف أن الناس تدعوه بالغول...
أو الوحش... لشدته... وقساوة قلبه... لكن...

لولا ذلك لكان الهوارية... وسيرتهم..مضغة تُلاك فى الأفواه... ... و سخرية لأهل النجع والنجوع المجاورة...
خاصة بعد تلك القصة القديمة... التى كللت أسم الهوارية بالعار... وأحنت هامات رجال العائلة...
لطالما أعادت أمه على مسامعه أحداث تلك القصة...
وأزكت الرغبة بداخله... يوما بعد يوم...
في الأنتقام... والذي يعتبره واجب مقدس...
لا يموت بالتقادم... ولن يقدر علي أتيانه... أحد سواه..

وأنه لابد من أن يأتى يوم... ..لينتقم من ذاك الذى تجرأ
ليخطئ فى حق الهوارية... ويحنى رؤوسهم... لفترة ليست بالقليلة...
حتى أعادت... قسوته وسطوته تلك الهيبة المفقودة...
أخته سهام... انها تلك النسمة الرقيقة...
فى ظل أجواء حياته المحاطة بالكراهية و الصراع...
الأن هي موضع... قلق وتوجس أمه الحاجة فضيلة
فهى ناهزت الخامسة والعشرين ولم تتزوج بعد...
كيف ذلك !!!... وهى أيه من الجمال بجانب حسبها...

ونسبها... وأصلها الطيب...
ربما كان له دوره فى ذلك..
أن سطوته وجبروته... أثرت بالسلب...
على زواج أخته الوحيدة... والتى لم يتجرأ الكثيرين..
للمثول أمامه لطلب يدها... ومن تجرأ و فعل لم يجده هوجديراً بأخته الرائعة...
تنهد... وقد لاحظ انه تقريبا قطع أكثر من نصف المسافة حيث مزرعته بالقرب من القاهرة...
حاول ان يقطع ذاك الحبل الممتد من الافكار والخواطر... أنه يشعر بأنه يعيش دائما على حد السيف..
يجد نفسه دوماً... فى خضم من الصراعات والقلاقل..
التى لا تنتهي...

حتى أقرب الناس إليه... لم يسلم من ضغائنه..
وتجسدت أمام عينيه... صورة عمه غسان رحمه الله...
وابنه سليم... لطالما حذرته امه من مكرهما وكيدهما..
و لطالما كانت غيرة سليم... منذ ان كانا طفلين...
هى كل ما يكنه له من مشاعر...
ثم زاد عليها... بعض من الحقد والكراهية...
كم تمني أن يكون سليم ذاك الأخ الذي لم يحظي به..
لكن سليم كان مثل النار... التى تحرق من يقترب منها..
نار تزكيها الكراهية...
التى زرعها عمه غسان... فى قلب ولده.. تجاه بن عمه الوحيد...
لطالما شعر عمه... بأن مكانه دائما...
هو رأس العائلة وعميدها... لكن أبوه الحاج مهران...

لم يأتمن عمه على العائلة ومصالحها... لأسباب كثيرة...
رفض أبوه ذكرها... ربما... رغبة فى بقاء...
صورة العم نقية... بعض الشئ فى مخيلته...
تقدم سليم لخطبة سهام أخته عدة مرات... وكان أبوه..
في كل مرة... أول الرافضين...
كان دائما ما يقول... مبرراً رفضه...

انه لو يعلم... انه سيصونها... لكان أولى بها فهو بن عمها... لكن كل ما يهمه... هو ميراثها... بعد عمر طويل...
مد يده ليشغل مذياع السيارة الفارهة التى يقودها..
محاولا أن يقطع ذاك السيل العارم... من الاحداث والخواطر... ..والتى تداهمه ما أن يبقى وحيدا...
فتهادت الموسيقى الناعمة الرقيقة... لأحدى الأغاني العاطفية... التى تقطر شجنا وهياما...
ظهرت على شفتيه ابتسامة ساخرة... وهو يستمع لكلمات الحب التى تقطر هجراً.. ولوعة.. وقال محدثا نفسه:-... حب وعشج ومسخرة... وكلام فاضى... اهو بيضحكوا على الحريم بكلمتين...

تنبه انه على مشارف الوصول للمزرعة...
والتى يتشارك في ملكيتها مع أحد أصدقائه منذ أيام الجامعة..
وترك له الأشراف على إدارتها... ولولا إلحاحه..
للقدوم... بسبب بعض الأمور الإدارية الهامة...
والتى يتوجب عليه القيام بها... ... ما استطاع ان يترك النجع
وأموره المعلقة والتي لا تسير إلا تحت إمرته...
اخيراً وصل الى حدود مزرعته...

وها هو يعبر بوابتها... واذ فجأه تمر من البوابة...
فى نفس اللحظه سيارة اخري مسرعة...
توقف على الفور يتطلع لذاك المتهورالذى يقودها... فلم يلمح من خلف الغبار سوى خيال لغطاء رأس انثوى خلف مقود العربة...
عبر البوابه فى ثقة...
وهلل له الحراس فى حبور :- حمد الله بالسلامة يا باشمهندس(عاصم ) نورت مزرعتك...
ابتسم لهم فى حبور... واومأ برأسه..

واتجه حيث مبنى الإدارة... ليستقبله شريكه المهندس( ممدوح) فى حبور مماثل :- حمد الله على السلامة... ايه الغيبة الطويلة دى يا عاصم...
هو انا لازم ابعتلك علشان اشوفك مفيش مرة تغلط وتيجى لوحدك... وتقوم باعت بدالك بن عمك...
اللى على طوول مشكك فى كل حاجة...
الصراحة... بن عمك دى حاجه صعبة بجد.
رد عاصم بلهجة تدل على أصولة الصعيدية :-معَلش يا( ممدوح) المشاغل مبتخلصش فى البلد...
وانت عارف كل حاچة على راسى...
فببعت سليم بن عمى يشوف طلباتكم... تنحنح فى احراج مستطردا... أنى عارف ان التعامل معاه صعب حبتين...
بس لو ساچ فيها كلمنى... وانا اشوف شغلى معاه.

-كان الله فى العون... على العموم... انا بعتلك علشان السلالات الجديده اللى طلبتها وصلت...
وكمان وظفنا اكتر من بيطرى وعامل...
لازم طبعا تعتمد اوراقهم بتوقيعك...
بس ده طبعا بعد ما ترتاح من الطريق...
ونتغدى مع بعض...

- اعذرنى يا (ممدوح) مش هجدر... يا دوب اشوف طلباتك... وامضى الاوراج المتعطلة... وارچع...
علشان انت عارف المصالح فى النجع كَتيرة...
ومجدرش اتأخر عنها... وكمان المسافة... من هنا لجلب الصعيد مش جُليلة.
-طيب حيث كده... يا الله بينا... نعدى على المزرعة تعاين السلالات... وتتعرف على الموظفين الجداد.
نهضا سويا... يتفقدا أقسام المزرعة فى سرعة...

ويرحبا بالعاملين القدامى... ويتعرف على الموظفين المستجدين..حتى وقف عند أحد الأقسام...
التى تجتمع فيها السلالات الجديدة...
فأخذ يشرح ( ممدوح) مميزاتها المختلفة... والفائدة التى ستعود عليهم بالنفع... لو تم تلقيح السلالات القديمة بالجديدة...

وفى أثناء ذلك وقعت عينا (عاصم)... على خيال أنثوى بالقرب منهم وتنبه لحجابها السماوى... اليست هى من كانت تقود سيارتها بتهور قاتل وأجتازته برعونة عند بوابة المزرعة... !؟؟.. وجدها تقوم بفحص بعض الأبقار فى مكان غير مؤهل لذلك... وهناك على الجانب الأخر منها يقف احد العمال لا يراها
فى انحناءها اثناء الفحص... يدفع الأبقار ناحية الجهة التى تقف فيها دون ان يدرك وجودها...

تنبه (عاصم) سريعا لما قد يحدث... واندفع اليها.. يجذبها بعيداً فى نفس اللحظة التى اندفعت فيها الأبقار حيث كانت تقف...
ثوان فقط يمكن ان تفصل بين الواقع والحلم..بين التحليق فى الفضاء الواسع.. او السقوط بلا سابق إنذار..
وسألت نفسها لماذا لا تلامس قدميها الأرض... ؟؟؟!!!
وما هذا القيد الحديدى الذى يقبض على خصرها...

نظرت للأسفل الى قدميها المعلقتين... و تباطأت... وهى ترفع انظارها لأعلى... لتقابل عينين حادتين.. عيون قاسية مخيفة أرعبتها... لكن تلك العينيان... كانت فى واد أخر... تتعلق بشئ ما تتابعه فى شغف...
و لم تدرك ما هو... حتى شعرت بتلك الخصلات المتمردة من شعرها... وقد هربت من عقال حجابها تمرح فى سعادة... وتتعلق بها عينا ذاك الغريب بوله...
ثم فجأة... فقدت عين الغريب شغفها...
وأنحدرت فى بطئ... لتقابل عينيها الجوزيتين...
يالقساوة عينيه...
خليط من الحزم... والصرامة... والقسوة..
معجون بلون عينيه الأسود الفحمى...
خليط مهيب يجعلك تفكر ألف ألف مرة...
قبل أن تحاول الأقتراب منه...
لكنها الأن أكثر من قريبة... إنها بين ذراعيه..
والأفضل لها أن تبتعد... والأن...

همست فى توتر.. بنبرات مرتجفة خجلاً:- ممكن تنزلنى؟؟!!!... يبدو انه لم يسمعها... ..فأعادت طلبها من جديد بنبرة ازداد ارتجاف حروفها... بعد اذنك... انزل... ممكن؟؟؟!!
ويبدو أنه لم يكن مستعداً للتنفيذ...
فتدخل (ممدوح ) مسرعاً... دى الدكتورة (زهرة)... يا(عاصم)... أزعن أخيراً لمطلبها... وأطلق سراحها... والعجيب... أنه أنزلها فى رقة بالغة حتى لامست قدماها الأرض... فتنهدت براحة وهى تعدل من هندامها..ووضع حجابها... واستطرد ممدوح ليخرجها من شرودها:-الدكتورة (زهرة)... من البيطريين الممتازين عندنا... على الرغم من انها لسه جديدة معانا... من شهرين بس... لكن اثبتت جدارتها بسرعة كبيرة.

هز(عاصم) رأسه فى تثاقل... وهو يقول :- بس اللى حُصل ما بيجلش كِده... أى دكتور بيطرى مبتدئ... عارف كيف يراعى قواعد السلامة وهو وسط البهايم... ولا ايه يا باشمهندس ممدوح!!!؟؟... سعل (ممدوح)بأحراج...
أما هى فكانت تستشيط غضبا وهو يتهمها بالإهمال وعدم معرفة أبسط قواعد مهنتها التى تعشقها...
لا تعرف ما الذى عقد لسانها عن الرد عليه بما يليق... وذلك ما جعلها تكاد تنفجر غيظا...
أيها المتعجرف عديم اللياقة... سحقاااا لك.

كانت تهم بالإنصراف... إلا انها وجدت يده ممدودة بالتحية فى عجرفة مقيتة قائلا :- تشرفنا يا داكتورة...





وخدى بالك المرة الچاية مش كل مرة هبجى موچود..
مدت يدها... تستقبل يده الممدودة فى ضيق وعدم رغبة... ... وشعور جارف يتملكها ويطن فى رأسها بأن تجرى..
نعم تجرى وبأقصى سرعة ممكنة... وتبتعد عن طريق ذاك الرجل للأبد..

انها بحق تشعر فى حضوره الطاغى... بعدم الأمان... والرغبة الجارفة فى الاختباء عن عينيه الثاقبتين...
والتى تكاد تجزم... انهما تدركا بسهولة...
ما يدور بخلدها الأن...
لم يطلق سراح كفها... فشعرت بالأسر فعلا...
وهو يسأل :- الأسم مرة تانية ؟!!... أجابت فى نفاذ صبر... رغبة فى إطلاق كفها من يده بأسرع ما يمكن...
(زهره ناجى التهامى )...

ثم عضت على شفتيها فى ندم...
كيف ترتكب ذلك الخطأ الفادح...
كيف تنسى وصية والدها المعتاده لها..
بأن لا تذكر اسم العائله مطلقا لأى كان...
وها هى بكل حماقة وتهور... كالعادة...





تلقى على مسامعه... هو... وهو بالذات...

ما تم تحذيرها منه... طوال سنوات عمرها الخمسة والعشرين
كان يجب أن لا تخطئ أمامه فى شئ كهذا..
فلهجته تؤكد أنه صعيدى... يا آلهى ماذا فعلت !!!...
لولا تأثير حضوره على أعصابها... ما اخطأت...

وها قد تحققت كل شكوكها... عندما بدأت عيناه تضيق... لتصبح اشبه بعينى فهد... يستعد للإنقضاض على فريسته... وقال فى لهجة... تحمل الكثيرمن الجذل :- زهرة ناچى التهامى... اسم ميتنسيش بسهولة أبداً... تشرفنا يا داكتورة... وفرصة سعيدة جدااااا...
ثم اطلق كفها كما تمنت... وأستدار مغادراً دون أن يلتفت ولو لثانية واحدة... وعلى الرغم من إطلاق سراح كفها... لكن شملها شعور تملكها... بإنها لازالت أسيرته...
وأن الهواء الذى تتنفسه... لازال يحمل انفاسه...

وحضوره الطاغى... لازال يعكر الأجواء فيما حولها...
لم يتأثر عندما ذكرت إسمها... اليس كذلك؟؟!...
..كانت تطمئن نفسها... وتؤكد هذا...
مراراً... وتكراراً...
وفى غرفة الإدارة...
سأل (عاصم) فى إهتمام:- أنت تِعرف الداكتورة (زهرة)... دى زين... يا ممدوح!!؟؟؟...

-هى دكتورة شاطرة... كل مؤهلاتها بتقول كده...
والشغل في الشهرين اللى فاتوا... أثبت ده...
اللى حصل ده كان مجرد... قاطعه (عاصم) متسائلا ً:-... انا مجصدش مؤهلاتها العلمية... ولا اللى حُصل فى العنابر..
أنا جصدى..تِعرف هى منين... !!؟؟...
أهلها..بالأخص... منين!!!؟؟...
-أه... واحد قريبى اللى رشحهالى علشان تشتغل هنا...

يعرف والدها الدكتور ناجى... ده دكتور جامعى.
وأعتقد أصله من الصعيد... على العموم...
اسمها موجود رباعى فى اوارق التعيين...
اللى ناقصها توقيعك...
وقدم ممدوح الاوراق... التى تناولها عاصم فى لهفة...
ليقرأ فى بطء... زهرة ناچى وصفى التهامى...
وعند هذه النقطة... ابتسم (عاصم) فى جزل وهو يقول :-... كنت متأكد...
-أيه..!!؟؟... بتسأل بإهتمام... شكله موضوع نسب...
استفسر ممدوح فى حبور... فأجاب عاصم فى شرود :-... تجريباً...

حان موعد عودتها لمنزلها... فأستقلت عربتها..
وأخذت طريقها المعتادة...
وهى تتلو على نفسها...
ما سوف تخبر به أبيها عما حدث فى يومها...
مقررة تناسى ذكر ذاك الصعيدى الغريب الذى قابلته... ... وكذلك الحادثة التى أنقذها منها...
لن تعكر صفو مسائها...
بذكر ذلك الرجل مرة اخرى على مائدة العشاء...

وتثير قلق ومخاوف ابيها...
والذى قد يمنعها مطلقاً من العودة ثانية للعمل بتلك المزرعة... وقد تبدأ حياة الترحال التى كرهتها... فقط لمجرد بضع مخاوف... قد تثير حفيظة والدها...
لقد رحل... ولن تقابله ثانية قبل أشهر... كعادته...
فهو نادراً.. ما يأتى المزرعة كما سمعت...
لكن كل توقعاتها والتى منت بها نفسها...
خابت... عندما توقفت سيارتها تزمجربلا حراك...
ولم تجد على الطريق سوى سيارة سوداء...
لم تعرف صاحبها إلا عندما ترجل منها قاصداً مكانها...

وهو يدارى ابتسامة انتصار تحاول القفز على شفتيه فلقد توقفت العربة حيث توقع بالضبط، بعد ان دفع احد عمال المزرعة
ليعبث فيها بطريقة محترفة تجعل العربة تتعطل بعد انطلاقها بفترة ويظهر الامر وكأنه عطل مفاجئ بها... وها هو يسأل فى براءة.. :- خير يا داكتورة... العربية فيها حاچة!!!؟؟؟...

-الظاهر كده... أجابت وهى متوترة... لعدم رغبتها فى بقاءها معه وحيدة... فتح مقدمة السيارة... نظر لحظات فيها... متصنعاً الاهتمام باصلاح العطل المتعمد..
ثم قال :- مفيش أمل إنها تتصلح... ..تسمحيلى أوصلِك؟؟...
قالها فى لطف يتنافى تماما مع طبيعته الحادة...
لكنها رفضت بذوق قائلة :- لا.. مفيش داعى أتعب حضرتك.. هتصل بوالدي.. وهو هايجى ياخدنى..
هتف فى دهشة مصطنعة :- وهاتجعدى لحالك فى المكان دِه.. والعتمة داخلة.. دِه يصح يا داكتورة..!!؟..

لم ترد.. وهى تنظر لهاتفها.. تحاول ان تحقق اى اتصال بأبيها
ولسوء حظها.. لا وجود للتغطية فى هذا المكان المتطرف.. فهى دوما ما تُطمئن أباها بانها على الطريق.. عندما تخرج من باب المزرعة مباشرة.. لعلمها بعدم وجود تغطية على طول الطريق للمزرعة.. الا فيما ندر.. لذا... لم يكن لديها خيار أخر...
فقالت فى إحراج :- طيب..ممكن لو سمحت... ترجعنى للمزرعة... انا مبعدتش كتير.. هم هيوصلونى باتوبيسات العاملين.
- متجلجيش يا داكتورة... أكيد هوصلك للمكان المناسب...

قالها بلهجة لم تعجبها... يكمن فيها الكثير من الغموض... وكالمذنب الذى يساق لتنفيذ الحكم فيه.
سارت بجواره حتى باب سيارته ودخلتها...
وذلك الصوت الداخلى... والذى طالما يحثها على الهروب لحظات الخطربات يصم اذنيها
لكن إلىً اين تذهب ؟؟؟؟... ... وكيف ؟؟؟...
والليل بدأ يسدل ستائره...

وهى وحيدة فى ذاك المكان الموحش مع ذاك الغريب... ... الذى تشعرناحيته.. بقلق مبهم يكتنفها...
وما ان أستقرت فى المقعد المجاور له...
حتى سمعته يهمهم ببضع كلمات.. بنبرة حاقدة جمدتها..
ورائحة غريبة.. تخترق انفاسها..لتذهب بثباتها..
لتسقط فى بئر عميقة...
من ظلام دامس غزا عقلها...
وأحاط بعالمها...

فى تثاقل... بسبب دوار رأسها الذى يفتك بها...
وبألم... حاولت أن تتحرك... لكن جسدها كان متيبس... نظرت فى ذهول حولها... لم تري سوى ضوء البدر يدخل من نافذة السيارة... والتى كانت تتأرجح على طريق غير ممهدة... أصابتها بالغثيان...
سألت نفسها... والدوار لا يزال يكتنف رأسها كغمامة بيضاء... إين أنا !!؟؟ وماذا حدث... !!؟؟ تفكيرها لا يزال مشوشا...
ولا تستطيع إسترجاع الأحداث الأخيرة... ثم فجأة...
أنقشعت الغمامة عن عقلها... لتذكر كل ما حدث دفعة واحدة... فصرخت وحاولت الحركة... لكنها وجدت نفسها مقيدة
وملقاة... فى المقعد الخلفى لسيارة السيد المتعجرف...

هل يختطفها... هل جن ليفعل ذلك... ولماذا... ؟؟!!...
شعر بحركتها فى المقعد الخلفى...
فنظر فى جزل اليها قائلا :- أخيراً فوجتى..
- أنت واخدنى على فين !!؟؟... سألت فى نبرة لاتخلو من الرعب على الرغم من محاولاتها عدم اظهار ذلك...
- دلوجتى تعرفى كل حاچة... جربنا نوصلوا...
- نوصل فين !!؟؟... انت واعى للى بتعمله... هتفت برعب من جديد.. وجسدها ينتفض بذعر حقيقى...
- نوصلوا بلدنا... وطبعا واعى جووى للى بعمله... واللى كان نفسى فيه من زمااااان... وأخيراً... جالى على طبج من فضة..
ماذا يقول !!!؟؟ سألت نفسها... هل يتعاطى شئ ما!!!؟؟..

لا تعتقد... فلا يبدو من أولئك المغيبين... إنه واع تماما لكل ما يفعل... إذن لما يختطفها !!!؟؟؟... وإلى اين يذهب بها!!؟؟؟
وهل من يريد ان يختطف... شخصا ما يذهب به الى بلده... !!!!... ما هذا الجنون... حاولت التحررمن قيودها لكن لا فائدة...
أخذت تتشنج... وتضرب بأقدامها المقيدة ظهر مقعده...
لكنه لم يبالى..ينظر الى الطريق فى ثبات شديد... ولم يستدير مرة أخرى... لإلقاء نظرة الى الخلف... حيث تكمن أسيرته...
سمعت رنات هاتفها المحمول... مراراً.. وتكراراً...
بلا شك والدها الأن فى قمة قلقه وتوتره...
تراه... ماذا سيفعل عندما يعلم ما حل بها..!!!؟

تشفق عليه وعلى حاله... فأبوها يعشقها..لن يحتمل اذا ما اصابها خطب ما... يا آلهى... أعنه على ما سيكون فيه عندما يعلم... وما سيكون حال امها... هل ستحزن عليها بقدر حزن ابيها!؟... وأختها الصغرى (ندى)... كيف ستبيت ليلتها وحيدة وهى التى تخاف... من البقاء بمفردها فى غرفة منفصلة...
على الرغم من انها ليست طفلة... فهى شابة جميلة...

فى عامها الجامعى الثالث...
اللعنة على ذلات اللسان فهى ما اوقعها فى هذه الورطة فمنذ سمع بأسمها... وهى تتوجس منه...
وشعرت بفطرتها انه يضمر لها شئ ما...
لم تعرف ما هو بالتحديد... لكنها ادركته الأن...
واقع ملموس... واقع يجعل الرعب يدب فى اوصالها...
كلما تخيلت... ما قد يكون فى انتظارها مع هذا الكائن اللأدمى... الذى يقود العربة لجهة مجهولة بالنسبة لها... ولمصير... قد يكون الموت أفضل منه...
يا آلهى... كيف أنت الأن يا أبى !!؟؟؟...

كم اشتقت إليك !!!!... فجأة...
وجدته يمسك بحقيبتها الشخصية... يفرغ محتوياتها على الكرسى المجاور له... ويمسك بهاتفها...
-ماذا تفعل !!؟؟... لم يعير سؤالها... أى أهتمام كالعادة...
وأستمر فى النقر على الشاشة...
حتى انتهى وألقى بالهاتف على المقعد المجاور...
وماهى إلا لحظات... حتى بدأ الهاتف فى الرنين الذى لم ينقطع... كانت تعلم... أن تلك الرنات المجنونة المتلاحقة... مصدرها... أبوها المسكين...
الذى لابد وأن التوتر يمزقه... وقد بلغ به القلق... مبلغه
بدأت فى البكاء... بصوت مكتوم...
لا تريده ان يستشعر ضعفها...
أمامه هو.. دون عن جميع البشر...

لن تظهر ضعفها مهما حدث... بل وستكون أقوى وأصلب من حقيقتها بمراحل... فقط..حتى لا يستشعر خوفها و خضوعها مهما فعل...
وفجأة... توقفت السيارة...
وشعرت بأن قلبها توقف معها... ثم بدأ فى الخفقان... بشكل جنونى يصم أذنيها عن ما حولها...
لم تستوضح ما يحيط بها فى ذاك الظلام الدامس... عندما اعتدلت فى جلستها محاولة مقاومته...
لكن يده الصلبة القاسية... جذبتها من مكانها...

حملها عنوة بعد مقاومة شرسة منها... لم تؤثر في عزمه... ولو للحظة... ومن فوق ذراعيه...
شاهدت ذاك القصر المنيف... الذى لم يدخل من بابه الرئيسى واستدار بها ليدخل من باب جانبى... أدى بهما لردهة يكتنفها الهدوء المريب...
سار بها حتى نهايتها... ثم دفع الباب فى خشونة بضربة من قدمه... فإذا بها غرفة للنوم... جالت فيها بنظرها سريعاً.. لتجدها
تضم فراشاً... وخزينة ملابس... وطاولة للزينة...
ونافذة محاطة بقضبان حديدية...

إنها الغرفة الأمثل لسَجن شخص ما...
وتأهبت عندما أقترب من الفراش... وأنتفضت كل خلاياها فى رعب... وبدأت فى التمرد والزمجرة لتفلت من يده...
لكن قبضته... كانت محكمة كقيد حديدى...
ألقى بها على الفراش فى تأفف...
فتأوهت متألمة لأن يديها لازالت موثوقة خلف ظهرها...
أقترب منها... فتحفزت من جديد...
إلا أنه أدار جسدها فى عنف كجوال من القطن...

وبدأ فى فك وثاق يديها... وما ان انتهى.. حتى انتفضت جالسة..
وكالعادة لم يعير ردات فعلها اهتماماً... جلس أسفل قدميها... ليفك وثاقهما...
لكنها جذبتهما... لتضمهما إلى صدرها...
فنظر إليها بنفاذ صبر... ثم تعلقت عيناه بشئ ما...
أدركته على الفور... وهى تدلك معصميهما بألم...
كانت تلك الخصلات المتمردة اللعينة... من جديد...

والتى تسللت مرة أخرى خارجاً... بعد انحصار حجابهاعن رأسها بعض الشئ من جراء مقاومتها له... فمدت يديها لتعيدها فى حنق وتقطع شروده وهى تقول :- انا هفك رجلى بنفسى...
أستمتعت بمعارضته... حتى على شئ لا يستحق...
وشعرت بالانتصار... عندما نهض بلامبالاة...





وهو يقول بلهجة حازمة :- ها تفضلى هنا... الأوضة فيها كل اللى هاتحتاجيه... لحد ما ربنا يسهل..
- أنا هنا ليه... يا باشمهندس عاصم!!؟؟؟

- السؤال دِه أجابته عمرها سنين... أطول من عمرى وعمرك يا داكتورة... بس اللى أنا متأكد منيه...
إنك إنت ِ... اللى ها تدفعى تمن اللى ابوكى عِمله...
اندفع فى عنف خارج الغرفة...
وأغلق بابها بشكل عاصف خلفه...
لتكون صوت الاقفال التى اغلقت باب زنزانتها...
أخر الأصوات... التى تسمعها فى تلك الليلة الدامية.

- كده كتير... كتير قوووى... أكيد حصل لها حاجة...
دى أول مرة تتأخر كده... هتف الدكتور ناجى التهامى بتلك الكلمات فى توتر بالغ... أفقده وقاره وهدؤه المعتاد...
-ما تقلقش يا ناجى... المكان هناك شبكة الإتصال فيه معدومة... وأكيد فى حالة مستعجلة فى المزرعة...
هى اللى أخرتها... تعالى أهدا بس وهتلاقيها داخلة عليك دلوقتى...
نظر ناجى لزوجته... فى حنق بالغ لبرود أعصابها...
كان يهم بأن يعلق على كلامها المثير للغضب...

لكنه آثر الصمت... فيكفيه ما به من توتر وقلق يفقده صوابه... يا ترى ماذا حدث لها !!!؟؟...
لن يقف مكتوف الإيدى... سيذهب للمزرعة...
ربما تعطلت سيارتها فى الطريق ولسوء شبكة الإتصال لم تستطيع أن تستنجد به...
أنتفض خارج من بيته... يتخذ الطريق حيث المزرعة... التى تعمل بها ابنته...
كان يدور فى رأسه مئات الأفكار السيئة...
التى كان يطردها بالإستعاذة والدعاء بأن يحفظ الله له ابنته... انها أغلى ما يملك فى دنياه...
عالمه كله فى كفة... وابنته فى كفة أخرى...
ودائما ما ترجح كفة ابنته الحبيبة...

كان يقود سيارته بأقصى ما يستطيع...
حتى أقترب من المزرعة وأتخذ الطريق الذى يؤدى إليها... وفجأة... أبصر سيارتها... على جانب الطريق...
فتوقف واندفع خارجا... يمنى نفسه... بأنها داخل السيارة... تنتظر العون...
لكنه وجد سيارتها فارغة... فتحها بالمفتاح الإحتياطى... الذى تتركته زهرة فى حوزته...
نظر فى المقعد الخلفى... والأمامى... لم يجد ما يريبه...
أدار السيارة... وأكتشف عطلها...
إذن تعطلت بها فعلا... لكن إين هى !!!... يا الله يكاد يجن

ربما وصلت الان البيت.. وهو لا يستطيع معرفة ذلك بسبب سوء التغطية.. عاد لسيارته من جديد يقودها.. عين على الطريق.. والأخرى على تغطية الهاتف.. التى ما ان لاحت على شاشته.. حتى اختطفه يحاول الاتصال بها مجدداً... ولكن... فجأة... إنتفض على صوت وصول رسالة على جواله...
فضها مسرعاً...
لم يع شيئا مما هو مكتوب... أوقف سيارته على جانب الطريق.. حتى يستطيع التركيز فى ذاك الجنون المرسل اليه... بالتأكيد مستحيل...
قرأ الرسالة مرة أخرى... وهو يحاول تهدئة أعصابه الثائرة...

( بابا..سامحنى... أنا مع اللى أختاره قلبى... عملت كده علشان عارفة انك مش هتوافق على جوازنا..)
قرأ الرسالة عدة مرات... وتأكد من الراسل...
انها ابنته... لا يمكن... لا يصدق... زهرة لا تفعل ذلك... حتى ولو كانت تحب شخص ما...
كانت ستدفعه للحضور لمقابلته... وستناقشه فى اسباب رفضه... إذا كان يستحق الرفض فعلا...
لا... لا يصدق... فلقد رباها على الصراحة والوضوح معه فى كل الأمور...
كيف لها أن تقدم على فعلة كهذه...

هل حقا يمكن أن تقدم على خزلانه... !!؟؟..
وأن تخون ثقته فيها... بهذا الشكل القاسى..!؟..
أن ابنته لا تفعل ذلك... ليس زهرة...
قاد سيارته عائداً إلى بيته... تتقاذفه الظنون...
وتلعب بعقله الأفكار...
هتف مناديا زوجته... عند وصوله منهاراً على أحد المقاعد:- منيرة..
فأندفعت حيث يجلس متسائلة فى لهفة :- ها.. فى جديد يا ناجى..!؟... طمنى...
فتح الرسالة وقدمها لها...
فقرأتها... لتشهق واضعة يدها على فمها...
مأخوذة بما تقرأ...

ثم تنتفض فجأة هاتفة فى حنق:- ياما قلت لك انت مدلعها يا ناجى... ومديها حرية و ثقة كبيرة...
وكنت ترد عليا... انا مربيها وعارف بنتى كويس...
وثقتى فيها ملهاش حدود... أتفضل قولى بقى هاتعمل أيه دلوقتى..!!؟؟... ونفعك دلعك فيها... والله وحده أعلم هى هربت مع مين !!!!...
أتفضحنا خلاص... سمعتنا بقت فى الأرض... وأختها الغلبانة اللى جوه... مين هيعبرها ويتقدم لها بعد الفضيحة دى... !!!؟؟

انتفض الدكتور ناجى صارخا فى غضب عارم... أودع فيه كل قلقه وتوتره :- كفاااية... انتِ ايه..!!؟..مش كفاية طووول عمرك بتفرقى بينها وبين اختها فى كل حاجة...
وأنا ساكت... عمرها ما شافت منك حنية ولا عطف ولا كلمة عدلة... يا شيخة اتقى الله بقى... أنا قلت هتعوضيها عن أمها... اللى ملحقتش تتمتع بحنانها وراحت بعد ما ولدتها بأيام... هى عمرها ما عرفت لها أم غيرك...
غير دادة بخيتة اللى رعتها بعد موت أمها...

واللى أصريتى برضة تبعديها وتمشيها بعد جوازنا... لكن للأسف عمرك ما قدرتى تكونى الأم اللى هى كانت محتجاها... ولما ربنا رزقنا ببنتنا (ندى)...
قلت هيقربوا من بعض... لكن برضة انتى بعدتى (ندى) عنها على قد ما قدرتى... كان لازم... أنا أحاول أكون جنبها أب وأم وكل اللى ليها فى الدنيا...
وحتى ده أستكترتيه عليها...
حرام عليكى حسى شوية...
لو كانت ندى اللى عملت كده...

كنتِ قلتِ الكلام ده كله... وخاصة انى عارف ان زهرة متعملش كده..واللى فى الرسالة ده كله كدب..
نهضت زوجته فى تثاقل وملل وهى تقول..:- خلصت محاضرتك يا دكتور... انا رايحة أنام..أه... وبالمناسبة..
أنا ندى بنتى متربية ومتعملش كده...
لكن الظاهر..دى وراثة..مجبتهوش من بره...
عن إذنك... وأندفعت لغرفة نومهما...
وصفقت الباب خلفها فى عنف... تاركة إياه فى ذهول من كلماتها الأخيرة...
تااااابع اسفل
 
 






look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 01:48 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

خرج عاصم من الردهة ليصعد درج جانبى...
وصل به للدور الثانى حيث غرف النوم...
طرق باب احداها وأطل برأسه داخل الغرفة...
فطالعه وجه ابيه المتغضن... والذى رسمت عليه السنون أثارها بأحترافية شديدة... وتركت عليه من علامات تجاربها وخبراتها الكثير ..
كان لايزال مستيقظاً... تتابعت شهقات أنفاسه... وسعاله..

كأثر واضح... لمدخن قديم فعل النيكوتين أفاعيله... بصدره ورئتيه جعلته يلتقط انفاسه بصعوبة...
و فى حبور...
أشار لولده البكر بالدخول... والذى أندفع للغرفة فى إجلال... انحنى... وقبل يد ابيه فى احترام بالغ...
وهو يسأل:-... لساك صاحى يا حاچ..!!!
-... ما أنت خابر يا ولدى... صدرى مش بينيمنى..

أجول ايه... من چار على شبابه... چارت عليه شيخوخته...
المهم جولى... عِملت ايه فى مصر النهاردة ..!!؟؟..
وبنات مصر لساتهم حلوين .!؟!... وانفجر العجوز ضاحكاً...
ابتسم عاصم لمزحة ابيه وهو يقول :- اه... لساتهم حلوين يا حاچ... وأنا چايبلك هدية...
ثم قال فى ترقب :-... واحدة منيهم... بس مش أى واحدة... دى هى المطلب والمراد...
نظر الأب فى ريبة لولده قائلا :- چصدك ايه !!!؟؟...

عمِلت ايه يا عاصم... ؟؟؟!!!...
چيب العواجب سليمة يا رب...
- بت الداكتور ناچى التهامى معايا... يبقى ياجى يورينا هيخلصها من يدى كيف !!!؟؟؟... قالها عاصم فى تشفى...
سعل العجوز وهو ينتفض فى غضب صائحاً... :-مفيش فايدة فيك... سمعت كلام أمك برضك... الحديت ده جفلناه من سنين... ليه بتعيده تانى يا ولدى... ليه بس !!!...
-مفيش حاجة بتموت يا بووى... انتفض عاصم فى هياج... حرجة جلب جدى... الله يرحمه وموته بجهرته... حرجة جلب أمى... رچالة الهوارية...
اللى مكنوش جادرين يرفعوا راسهم وسط الخلج...

ولحد دلوجت بنتعيروا بالحادثة الجديمة...
ولولاى... وخوف الكل منى...
مكنش فى هوارى واحد كان جِدر يرفع راسه... كان زمنا مسخرة الخلج كلاتها... صُح ولا لاه!!؟؟... صمت أبيه... وتلاحقت انفاسه... ورد فى ضعف...
ينهى الحوارالغير مُجدى :- اعمل ما بدالك يا ولدى... بس انا بجولهالك .. بلاها السكة دى... السكة دى...
أخرتها خَسارة... وخَسارة كَبيرة كمان... وأنت... أول الخسرانين...
الإنتجام مبيجيش من وراه إلا الخراب... بلاش يا ولدى... بلاش... أندفع عاصم من غرفة ابيه...
وكأن شياطين الدنيا كلها فى أعقابه...

وكلمات أبيه تتردد فى أذنيه تصمها... حتى انه لم يسمع نداء أمه...
الذى لم يدركه إلا فى المرة الثالثة...
فتوقف على الدرج... ليعاود الصعود من جديد... متوجها إليها منحنيا ليقبل يدها...
فتربت على كتفه فى حبور متسألة :-اللى جلتهولى على المحمول دِه صُح؟؟!!... فأومأ برأسه موافقاً ..ثم قال :- أهى متلجحة فى الأوضة اللى تحت... چنب أوضة الخزين... وأبوها ها يتچنن عليها... مبطلش رن على محمولها طول الطريج...

- خليه يدوج شوية من المر والحسرة اللى دُجناهم زمان بسببه... قالتها فى جزل وتشفى... ثم مستطردة قالت :- روح يا ولدى اتسبح... وارتاح... على بال ما أحضر لك لُجمة... تلاجى أم سعيد فى سابع نومة دلوجت... هحضرلك الوكل بيدى... تلاجيك على لحم بطنك من صباحية ربنا...
- لاه... مفيش داعى يا حاچة... ماليش نفس... تصبحى على خير... واندفع هابطا الدرج متوجها للخارج...

- على فين دلوجت... !؟؟... هتفت متعجبة
- هطمن على سلطان... وعزيزة...
- واااااه... كان لازماً أعرف... هو أنت تجدر على بعدهم...
طيب... خد حد معاك من الغفر... الليل غدار يا ولدى...
- حااااچة... قالها فى زمجرة مخيفة...
جعلت أمه تتراجع عن إقتراحها قائلة:-طب خد حتى زرزورمعاك... هو آه مبينطجش ولا كلمة... لكن أها... يخدمك برضك...
- حاضر... تصبحى على خير...
- وأنت من أهل الخير... يا رب.

اندفع خارجا يهتف مناديا زرزور بصوت جهورى جعل الأخير ينتفض مسابقا الريح لتلبيه نداء سيده... وفى أقل من ثوانى كان يقف مهللاً لقدوم عاصم من سفره... ويقوم بإشارات واضحة تدل على فرحته برجوعه سالما..كان زرزور ابكم... منذ قدومه للخدمة.. فى بيت مهران الهوارى..وهو بن الثانيةعشرة... لم يسمعه أحد ينطق بحرف واحد... مجرد أصوات يقوم بها وأشارات... يحاول التعبير من خلالها عما يريد..شب عاصم وهو يرى زرزور... بنفس الهيئة منذ كان طفلا... وها هو يناهز.. الرابعة والثلاثين... ولازال زرزور كما هو لم يتغير وكأن السنون لا تعيره أهتماماً... كما يفعل الجميع... وتتجاهله.. عمداً... كما كان يفعل عمه غسان الهوارى رحمه الله... كلما جاء لزيارة أخيه..

أو لقضاء.. بعض المصالح... وكذلك..ابنه سليم... والذى
يتعمد مشاكسة زرزور بشكل لاأدمى يكاد يصل به حد البكاء... لولا تدخل عاصم بحزم لإنقاذه...
ربت عاصم على كتفه فى حبور...
فأشار زرزور للسيارة...
ليتنبه عاصم أن هناك جوال يرن بداخلها... وأن رنينه لم ينقطع منذ أن وصل...

تذكر عاصم أنه نسى جوال زهرة على المقعد الأمامى للسيارة مع محتويات حقيبتها المبعثرة... فتح السيارة... وتناول الجوال الذى ما أن لمسه...
حتى بدأ فى الرنين من جديد...
وطالع شاشته التى أضاءت فعرف أن المتصل أبوها...
لما لا يهديه مفاجأة أخرى...
يختتم بها يومه بعد تلك الرسالة الصادمة ..!!... ابتسم فى تشفى وهو يرد:-أهلا يا داكتور ناچى ..أخيراً
شايفك عايش نفس الجلج... ووكلاك نفس النار... وراكبك نفس العار...

- أنت مين!!؟؟... وبنتى فين !!؟؟؟... صرخ الدكتور ناجى
فى محدثه الذى يجهل هويته على الرغم من استنتاجه إياها
من لهجته الصعيدية...
لو مسيت شعرة منها... هقتلك... سامعنى... هقتلك.. مشكلتك معايا انا... أعمل فيا اللى أنت عاوزه... لكن هى لأ... سامعنى... هى لأ... تارك خده منى...

... هى ملهاش ذنب فى حاجة... انفجر عاصم صارخا:- وهوچدى... اللى مات مشلول من العار و الحسرة و هو مش جادرهو ورچالة العيلة يرفعوا راسهم وسط الخلج... كان ذنبهم أيه... !!؟..الانتقام عندينا بنورثوه يا داكتور ذى الورث ..
وبعدين احنا مبناخدوش تارنا من الحريم... ولا عيشة مصر نستك عوايدنا... ثم انفجر ضاحكاً ضحكة خشنة أودعها كل حقده وقسوته ..وهو يستطرد .. انا بس هدوجك من نفس الكاس اللى داجه بسببك .. الهوارية كلاتهم...

-أنت مين !!!... سأله الدكتور ناجى فى هلع...
-أنا عريس بتك الداكتورة... وكتب كتابنا بكرة بإذن الله...
- مستحيل... مش هسمح لك تدمر مستقبل بنتى... ومفيش مأذون ها يكتب الكتاب وهى رافضة... أجاب عاصم فى جزل يقطر من كل حرف من حروف كلماته... :- لا موضوع الموافجة ده... سيبه عليا انا يا داكتور...
وانفجر ضاحكا فى تشفى... وهو يغلق الهاتف ليقطع أى تواصل بينهما...

أستيقظ عاصم من نومه قبيل الفجر... ليجد نفسه ممدداً على أحد الأرائك... فى المضيفة المخصصة لأسطبلات الخيل...
ويتمدد على الأرض اسفل الأريكة خادمه زرزور...
نهض فى تكاسل...
ونادى عليه... فأنتفض زرزور فى سرعة ملبياً... روح يا زرزور كمل نومك فى أوضة الاستراحة... وأنا راچع السرايا...
فقام زرزور... فى تكاسل...

يفرك عينيه بظاهركفه... متثائباً... ويتجه حيث سيستلقى للصباح...
سار عاصم وحيدا حتى السراىّ...
يفكر فيما يمكن أن يحدث فى خلال الساعات القادمة...
فقد علم التهامية أكيد... بأن ابنتهم فى قبضة يده...
لابد وان يذهب إليها والأن ..سيجعلها تنفذ ما يمليه عليها..

ستكون طوع بنانه... سيجعل ابيها... والتهامية بأسرها... تشرب من نفس كأس العار التى تجرعتها الهوارية حد الثمالة...
أتجه للباب الخلفى للسرايّ... وسار على طول الردهة حتى وصل لغرفة زهرة ..فتح قفل الباب... وتنحنح قبل ان يدخل... مناديا مع التصفيق... لكن لا مجيب ..نادى من جديد ولا مجيب ايضا... فدخل للغرفة فى حذر... ووقع بصره على السرير الفارغ...

فأتجه ببصره حيث باب الحمام... وما ان هم
بأن يخطو تجاهه... حتى سمع صوت تكبيرة...
فنظر باتجاه الصوت... فوجدها تصلى فى خشوع...
فأخذته المفاجأه... توقف ينظر فى اجلال وإكبار... ثم سحب نفسه خارجا حتى تُكمل صلاتها...
وما ان سمع صوت تسليمها وانهاءها الصلاة...
حتى تنحنح... ودخل من جديد...

ما زال مأخوذاً بمظهرها الورع... لكنه طرد أى خواطر من مخيلته... وقال مؤنباً نفسه أتيت فى مهمة محددة ولابد
من القيام بها... وما تريده وسعيت اليه وانتظرته لسنوات أصبح فى متناول يدك... فلا تتقاعس..فهتف مخرجاً نفسه من خواطره :-صباح الخير يا داكتورة... لم ترد إلا بإيماءه من رأسها... وهى لا تنظر إليه...
- ابوكِ فى الطريج...

كانت تلك الكلمات كفيلة لجذب انتباهها، فرفعت نظراتها إليه، بالكاد عرفته، لقد تغير بشكل كامل، كان البارحة عندما رأته للمرة الأولى المشؤومة فى المزرعة... يرتدى قميصاً وبنطالاً من الجينز وحذاءً رياضياً ونظارة شمسية تغطى نصف وجهه رفعها لسوء حظها فى العنابر حيث التقيا... اما الأن... فإنه يرتدى جلباباً... وعباءة يضعها على كتفيه وعمامة تغطى رأسه ويمسك بيديه عصى أبنوسية على قمتها مرسوم أحد رؤوس الحيوانات المفترسة لم تتبينه من مجلسها ..منحوت من الفضة الخالصة...

اخرجها من شرودها مستطرداً..لكن جبْل ما تشوفيه ..فى إتفاج وكلام لازما يخلص بيناتنا.. وجبل ما حد من اهلك ياچى على هنا
-اتفاق!!!!!... سألت فى دهشة... احنا مفيش بينا أى أتفاقات... ولا هيكون بينا أى أتفاقات... قالتها فى ثقة وثبات... لما بابا يجى هنشوف اللى ها يحصل...
- مش بمزاچك يا داكتورة... قالها فى نفاذ صبر... انتِ ها تسمعى كلامى... وهتنفيذيه بالحرف الواحد... ومن غير اعتراض... و إلا... فى كلام تانى .. مش هايعچبك...

- قصدك ايه!!!؟؟؟... سألت فى توجس
- قصدى أن أبوكِ لما هاياجى على هنا... هاتطلعى تجوليله انك هنا بمزاچك ومحدش غصبك على حاچة... وانك موافجة على چوازنا...
- انت مصدق ان أنا ممكن أعمل كده ..!!؟؟... وأطلع اقول الكلام ده عادى كده !!؟.. هتفت بسخرية... وكمان... أواافق على جوازنا... على أى أساس... دى تخريف... أنا معرفكش... ومعرفش أنا ليه هنا اصلا !!!!!... قالت تلك الكلمات فى ثقة على الرغم مما يعتريها من قلق...

- بس أبوكِ يعرِف... و أهو چاى چرى على هنا لما وصلته رسالتك... اللى بعتيهاله... وبتجوليله فيها انك ها تتچوزينى ..
- بابا مش ممكن يصدق التخريف ده... أزداد أنفعالها... وهو يفند خطته المحكمة وبدأت تشعر بالأختناق وهى ترى نفسها وقد أضحت أسيرته بالفعل... بل إنه... يجعلها تشد وثاق شِركه حول عنقها بيديها... و..أنتبهت وهو يقول:- بس انتى هتخليه يصدج لو كنتِ خايفة على حياته ..قالها فى صوت يشبه فحيح الأفاعى
-انت بتقول ايه!!؟؟... سألت فى جزع واضح ..

-لو طلعتى كدبتى كل الكلام اللى جولتهولك... يبجى بتحكمى على أبوكِ بالموت... ومش هو وبس... لاه وكل شباب التهامية... وأولهم ولاد عمك جَدرى...
يا آلهى... ماذا حدث قديماً ليصبح... ما بين العائلتين..لا يمكن تسويته... إلا... بالثأروالدماء...
حاولت أن تهادنه... وتستحث روح الإنسان العاقل المتعلم
بداخله... وهى تقول:- -يا باشمهندس... حضرتك انسان متعلم... يعنى اكيد مهما كان سبب اللى حضرتك بتعمله ده .. فى طريقة للتفاهم...

أطلق ضحكه رجولية خشنة مليئة بالسخرية و التشفى... وهو يقول صارخا :- نتفاهموا !!؟؟؟... اللى ما بينا وبين ابوكى معدش ينفع فيه نتفاهموا...
دى حكاية جديمة ذى ما جولتلك جبل سابج...
ومعدش ينفع خلاص... وهو ده اللى عِندى يا داكتورة...

كلامك جَصاد أفعالى... وافجتى جدامهم... خلاص ..
حججت مرادى... ومفيش حد هيمسهم...
- لكن ليه انا!!؟؟... سألت فى جزع... ليه تربط نفسك بواحدة مشفتهاش غير أمبارح... و مفيش بنكم أى حاجة مشتركة... وكمان بينك وبين ابوها تار قديم... مش غريبة دى..!!؟؟؟...

-... لما هاتعرفى الحكاية الجديمة... ها تعرفى ليه أنتِ بالذات... يا داكتورة...
- طيب ايه هى الحكاية القديمة دى... انا عايزة أعرفها...
ما أن هَم بأن ينطق... حتى سمع هرج ومرج... يأتى من خارج السرايّ...

فنظر اليها قائلا :-..أهلك وصلوا يا داكتورة... اكيد التهامية كلاتهم بره... و يا ريت تفكرى زين فى اللى جولتهولك وأنتِ بتاخدى جرارك... وخرج وأغلق الباب خلفه فى عنف... وتركها متضاربة الأفكار والمشاعر... تتقاذفها أمواج الحيرة... وتعصف بها انواء اليأس... مصيرها... ومصيرأبيها بل عائلة ابيها بأكملها فى كفتىّ ميزان... بين يدى من لا يرحم... فأى الكفتين... هى الراجحة... !!!؟؟؟؟

رن جرس الهاتف فى قلب الليل...
فأنتفض الحاج قدرى التهامى من على مصلاته... ليجيب...
وهو يتوجس شراً... متسائلا:- مين اللى هيكلمنا على الفجر كِده... استر يا رب...
واندفع يجيب فى لهفة:- ألو... مين!!!؟؟... جاءه صوت أخيه الدكتور ناجى ملتاعاً :- ألحقنى يا قدرى... الهوارية خطفوا زهرة بنتى...
انتفض الحاج قدرى بعد هذا الإعلان قائلا:- أنت متأكد يا ناچى... حُصل أمتى ده.!!... ووصلولها كيف!!!؟؟... أنت متأكد!!؟؟... سأله من جديد...

- أيوه متأكد ..كلمنى حد فيهم ..وقالى انه خطفها... علشان يصفى الحساب القديم...
ألحقنى يا قدرى البنت هتروح فى الرجلين... هى ملهاش ذنب...
بص أنا بكلمك من المطار...
هاخد أول طيارة وجى على النجع... أبعت عربية تستنانى...

- انت ها تيجى لحد هنا برچليك... هتسلملهم نفسك بعد السنين دى كلها... !!؟؟... سأل الحاج قدرى فى جزع
- أمال أسيب بنتى فى أيديهم !!؟؟... حسابهم معايا يخدوه...
لكن هى لأ يا قدرى... زهرة لأ...
كفاية أمها راحت منى ومقدرتش أعمل لها حاجة... لكن زهرة مش ممكن... دى أنا مش هيكفينى الهوارية كلهم لو حد لمس شعرة منها...
- يا رب سترك... الدنيا باينها ها تولع... تعالى بالسلامة وأكيد ليها حل... قالها الحاج قدرى مطمئناً... على الرغم من قلقه المتزايد... دى عرضنا ومش ممكن نسبها فى يدهم...

- أنا هقفل دلوقتى ومتنساش تبعت لى العربية على المطار... أنا ساعتين بالكتير وهكون عندكم... بنتى يا قدرى... مش ممكن نسبها بين ايديهم... سلام عليكم...
- وعليكم السلام يا ناچى... تچيلنا بالسلامة... سأل حسام الابن البكر لقدرى التهامى... وهو يتثاءب فى تكاسل :- خير يا حاچ..ايه اللى حُصل... مين كان على التليفون... وانت متكدر ليه كده... !!؟

- بت عمك ناچى... الداكتورة زهرة ..عمك بيجول أن الهوارية خطفوها وهو... چاى على هنا... ربنا يستر النار الجديمة... باينها لساتها جايدة تحت الرماد...
انتفض حسام وكأنه استفاق دفعة واحدة عندما استوعب كلام أبيه... وهتف فى غضب :- أنت بتجول أيه يا بووى!!؟؟... بت عمى فى بيت الهوارية واحنا هنا بنتسايروا..!!؟... مفيش غيره هو اللى عملها... عاصم الهوارى... منبجاش رجالة صوح لو سبنا بت عمى دجيجة واحدة فى بيت الراچل دِه...

واندفع إلى غرفة نومه يغير ملابسه... وتناول سلاحه... فأنتفض أبوه فى لوعة... لاه... أصبر يا حسام يا ولدى... الأمور ما تتحلش كِده... أصبر لما عمك ياچى ونشوفوا هنعمل أيه... أحنا مش كد... عاصم الهوارى... ده چبار يا ولدى... محدش عنديه... ليه دية... لو چرالك حاچة أنا أروح فيها..أخوك نبيل واخده العَلاَم... وأمك الله يرحمها ..وأنت اللى باجيلى... بتعكز عليك فى شيبتى...

علشان خاطرى يا ولدى... أهدا... وسيب السلاح ده من يدك... لحد ما عمك ياچى ونحكم العَجل...
- عَجل !؟... هى دى فيها عَجل !؟... بت عمى فى يده... وتجولى عَجل... أنا هجمع التهامية كلاتهم ورايح له... واللى يكون يكون... مش هجهد كيه الحريم حاطط يدى على خدى ومستنى عمى...
والله... دى أنا مبجاش راچل من التهامية...
لو استنيت دجيجة تانية...

وأندفع خارج الدار... يجمع التهامية ..ليتوجهوا حيث يأسر... عاصم الهوارى ابنة عمه..
وما هى إلا ساعة من زمن حتى كان ذاك القصر المنيف محاط بالمئات من أبناءالتهامية...
الذين جاؤا لأنتزاع إبنتهم من بين أنياب ذاك الغول... المسمى عاصم الهوارى...

كانت الشمس لاتزل ترقد فى نعاسها... لم تستيقظ بعد لكن مشاعل التهامية... حول قصر الهوارى... صنعت شمسا من نوع خاص... شمس تسطع بنيران الحقد والكراهية الموروثة بين العائلتين منذ زمن بعيد...
ظهر عاصم التهامى من داخل القصر... يشرف على تلك الجموع المحتشدة من أعلى الدرج... ثم هتف فى صوت جهورى ساخر:- خبر أيه.!!؟؟..خير يا حسام... جامع التهامية كلاتهم ماشاء الله...

- بت عمى ناچى... فين يا عاصم !!!؟
- موچودة فى الحفظ والصون... ليه!!؟؟
- ليه .!!!؟؟... جايبها لبيتك غصب وتجولى ليه.!!!؟...
قالها حسام... وهو يجز على أسنانه غيظا ..

- يا واد الحاج جَدرى... خلى بالك على كلامك... هتف عاصم بغضب هادر... ثم مستطردا أكمل فى جزل متحولاً فى لهجته للنقيض... مش عايز مشاكل فى ليلة فرحى...
-فرحك!!؟؟؟... سأل حسام ..وأزدادت الهمهمات... بين الحشود المجتمعة... انتفض حسام:- -فرحك على مين ان شاء الله... !!؟؟
- على بت عمك اللى انت جاى تاخدها... هى اللى جتنى بنفسها علشان نتچوز علشان عارفة أن ابوها مش هيوافج... أضطربت الجموع المحتشدة بعد هذا التصريح الاخير...

و انتفض حسام بدوره فى غضب هاتفا:- بت عمى الداكتورة زهرة مش ممكن تعمل كِده... ده تارك الجديم وانت بدفعها تمنه...
-لما ياچى أبوها هايسمعها بنفسه وهو اللى هايحكم... قالها عاصم فى لامبالاة...
- ومين اللى ها يستنى لما عمى ياچى... سلمنى بت عمى حالا... واشهر حسام سلاحه...
وبدأ الهرج والمرج بين رجال التهامية... ورجال عاصم المحيطين بالسرايّ... وفجأه... أعلنت أحدى الطلقات النارية عن نفسها... بصوت مدوى... وساد الصمت...

كانت الحشود أمام سرايّ الهوارى... تبحث فى تعجب... من أطلق تلك الرصاصةالمدوية..
صوت عاصم الهوارى كان هو أول من قطع الصمت... عندماهلل فجأة قائلأ :- أهلا... أهلا... ياحضرة الظابط نورتنا ..اتفضل... ومتشكرين..على التحية الغالية دى... العيار الميرى... له هيبته برضك... حالا الحَكومة دريت بخبر چوازى..!!؟؟..

- لا يا عاصم بيه .. قالها الضابط ممتعضاً... الحكومة مدريتش إلا ببلاغ الدكتور ناجى التهامى ضدك بيتهمك فيه بخطف بنته... الدكتورة زهرة التهامى.
- واااااه... قالها عاصم متعجبا... وهو ينظر فى غل وحقد واضحين للدكتور ناجى... والذى كانت المرة الأولى
التى يراه فيها..يقف يشتعل توتراً وهو يطالع ..خاطف ابنته... على حد زعمه...
هتف عاصم فى سخرية..:- كِده برضك يا داكتور ناچى... ولا أجولك يا عمى... دى احنا خلاص بجينا أهل
ونسايب...

- بنتى فين يا بن مهران... !!؟؟... بنتى فين ..!!؟؟... سأل الدكتور ناجى فى غضب عارم... قابله..عاصم برد بارد
بنتك فى الحفظ والصون يا عمى...
- يا حضرة الظابط انا بتهم عاصم الهوارى بخطف بنتى .. هتف الدكتور ناجى بنفس اللهجة الغاضبة ..
- ليه كِده يا عمى... !!!؟؟... سأل عاصم ساخراً... متهئ لى
دى أمور شخصية... وأحنا مش عايزين نتعبوا حضرة الظابط معانا...

- -مفيش تعب يا عاصم بيه ..أكد الضابط بلهجة رسمية... لازم أحقق فى البلاغ بتاع الدكتور...
- يا حضرة الظابط بته ريدانى... وعارفة ان أبوها مش هيوافج على چوازنا... دلوجت بيتهمنى بخطفها... قالها عاصم فى نبرة ناعمة... بها الكثير من التشفى...
طب خليه يوريك الرسالة اللى بته بعتتهاله..تجوله فيها انها
جتنى بخطرها... علشان رفضه... ثم توجه بالكلام إلى الدكتور ناجى قائلا فى شماتة :-فرچ الرسالة لحضرة الظابط يا عمى...

صمت الدكتور ناجى ولم يعقب .. وعيناه تتقد غضبا يكاد يحرق عاصم حياً... فتنحنح الضابط..
فى إحراج :- الظاهر... دى فعلا مشكلةعائلية... وأنا ماليش مكان فيها... ثم استطرد الضابط متوجها بالحديث للدكتور ناجى
ولا تحب تستكمل التحقيق يا دكتور...
رد الدكتور ناجى فى غضب مكبوت ..
-لا... مفيش داعى... بس أهم حاجة يتعهد قدامك
بأنى أشوف بنتى... وأطمن عليها...

-طبعا... هتف عاصم... و دى عايزة كلام... هو كتب الكتاب ينفع من غيرك برضك يا عمى... قالها عاصم فى مجاملة مصطنعة...
- حيث كده يبقى تمام... وألف مبروك..يا عاصم بيه... وهم الضابط وقوته الشرطية بالإنصراف... ولحقه عاصم هاتفا..:- مبروك كده متنفعش يا باشا لازماً تشرفنا... فى الفرح بكرة بإذن الله...

- باذن الله... قالها الضابط... وهو يرحل..تاركا النار تستعر من جديد... بعد ان كانت خامدة لسنوات طويلة خلت ..
وما أن أعلنت القوة الشرطية أبتعادها حتى اندفع حسام من بين الحشود تجاه عمه هاتفاً فى ثورة.. كيف يا عمى صدجته... وهو بيجول الكلام دِه على بتك.. !!؟؟..
-الظابط مالوش الا الدليل... والرسالة فعلا على تليفونى.. ومبعوتة من تليفون زهرة.. وأنا متأكد ان هو اللى بعتها..قال كلامه وهو يوجه نظرات سامة لعاصم ..
- نجوم نسيبه يعمل ما بداله... والله ما نبجاش رچالة وأحنا عارفين أن بتنا فى داره.. غصب عنها وعنا...

وصرخ حسام فى هدير كالرعد... فى رجالة التهامية
المرابطين حول السراىّ فى انتظار إشارة من كبيرهم..
لتعلو الهمهمات .. ويندفع الحشد كله لداخل السراىّ .. فى
ثورة..ويستعد رجال عاصم الهوارى للزود عن سراىّ كبيرهم... بكل ما اوتوا من بأس...
صرخ الحاج قدرى ليوقف التطاحن .. لكن لا مستمع..
ولا مستجيب .. فى وسط تلك المعمعة...

ضاع صوته وسط تصادم العصى.. والنبابيت...
وفجأة... ظهرخيال أنثوى على الدرج بجوار عاصم
الهوارى .. جعله يطلق أحد الأعيرة النارية من سلاحه..
ليتوقف الهرج والمرج فى لحظة.. وتشرأب أعناق الجميع
هوارية وتهامية.. لمصدر العيار النارى...
ليروا .. فتاة مجهولة .. تقف بجوار عاصم .. الذى أنتفخت
أوداجه .. فى ثقة وغطرسة مقيتة...
هتف فى صوت هادر... :- بت الدكتور ناچى .. أهى بنفسها..
أسألوها...

شعرت زهرة بأنها تكاد تذوب أمام نظرات ذاك الحشد الذى
ينتظر كلمة فاصلة منها... اندفع أبوها ليطوقها بذراعيه فى لهفة وهو يحثها على الحديث.. :- قوليلهم يا زهرة
انه خطفك وجابك هنا غصب عنك... قوليلهم...
صمتت لفترة ليست بالقصيرة تتنازعها الرغبات .. بين الإفصاح عن الحقيقة الكاملة... وما قد يعقبها من تداعيات
رأت بعضها منذ لحظات... من خلال نافذة المضيفة التى اصطحبها إليها عاصم عندما بدأ الهرج... ليريها بأم عينها
ما قد يحدث اذا خرجت وأخبرت أهلها الحقيقة.. مؤكدا بصوت كفحيح أفعى... انا بس مانع رجالتى عن أهلك..

و اللى أنتِ شيفاه دِه .. يا دوب عاركة صغيرة.. مشفتيش
كيف ممكن تكون العاركة الكبيرة .. لو أستخدمنا السلاح... وما بين ذاك الخزى والعار الذى سيكلل التهامية وخاصة أبيها اذا ما وقفت بكل صفاقة .. أمام رجال عائلتها لتخبرهم انها هربت مع عاصم لتتزوجه مخالفةً لرغبة أبيها
انها تشعر بأنها تموت .. روحها تنسحب من جسدها..
وأطرافها... تتجمد .. عيونها زائغة... ولسانها ألتصق بقمة
حلقها الجافة تماماً...

شعر عاصم بحيرتها .. وقرر إنهاء الموقف فى سرعة..
وبراعة خبيثة.. فسألها:- مش أنتِ يا بت الناس اللى جيتى
لحد عِندى.. علشان نتچوز.. من غير خطف .. ولا يحزنون
أطرقت برأسها فى خزى... ولم تستطع ان تنطق بحرف واحد .. حاولت.. ولكن كان الهواء الذى يدخل رئتيها الان ..

هواء ملئ برائحة بارود الحقد .. والرغبة فى الانتقام الدموى
هواء غير قادر على إنعاش رئتيها.. لتتنفس من اجل حياة بلون الدم... شعرت بإن الارض تميد بها .. وفجأة سقطت فى
دوامة سوداء .. لا نهاية لها .. من الصرخات والهتافات..
والمزيد من رائحة الانتقام الاسود.

فتحت زهرة عينيها اخيرا... لتطالعها عينىّ ابيها الملتاعة خوفا عليها... لم تصدق نفسها .. انها تخلصت من ذلك الموقف العصيب هناك .. امام رجال التهامية الذين لا تعرفهم .. وقد انقذت ابيها حتى الان من عار ..قد يكلل مفرقه طول العمر.. اندفعت لاحضانه باكية فى حرقة .. ليربت هو على ظهرها بحنان .. مشفقاً عليها مما هى فيه .. واخيرا ترفع هامتها بكبرياء تحسد عليه هاتفة :- متخفش يا بابا انا بخير ..
بس الموقف كان صعب عليا .. انا أسفة انى ورطتك كده..
مكنش قصدى ..

هتف الدكتور ناجى بتعجب متسائلا :- انتِ قصدك ايه يا زهرة ..!!؟.. كلامكِ فيه حاجة مش مفهومة ..!؟...
تطلعت زهرة حولها .. لتجد بن عمها حسام يتطلع اليها فى غل وقد بدأ يستشف ما تقصده .. بينما عمها قدرى ينتظر فى ترقب مثل ابيها الإفصاح عما تعنيه بشكل اوضح .. اما عاصم الهوارى .. والذى كان يقف فى طرف الغرفة .. يتطلع اليها بابتسامة مشجعة .. تستحثها على المضى فى طريق اعترافها .. فهتفت تحاول التخلص من حملها الأثقل على الإطلاق :- اللى قاله عاصم صح ..اتسعت ابتسامة عاصم وزادت وحشية .. وهى تستطرد .. انا جيت برضايا صحيح... بس انا مكنتش اعرف .. ان كل ده ممكن يحصل .. انا معرفش ايه التاريخ القديم اللى كلكم بتتكلموا عنه ده.. سامحنى يا بابا ..

صرخ الدكتور ناجى غاضبا :- انتِ فاكرة انى مصدق حرف واحد من اللى بتقوليه ده ..!؟..
ردت فى ثقة :- طب أخليك أزاى تصدق ..!؟..

هتف حسام بن عمها فى غضب هادر :- يا فاچرة .. بتجوليها عادى كِده .. انك جيتى لحديه عشان يتچوزك .. ده انتِ تستاهلى الجتل .. واخرج سلاحه بالفعل .. لولا ان انتفض عاصم فى سرعة .. يدفع سلاح حسام بعيدا عنها .. وهو يزمجر:- أياك حتى تفكر فى كِده .. دى فى حكم مرتى دلوجت.. سامعنى..!؟؟... وقذف بالسلاح بعيدا..
وقد انكمشت هى على نفسها مما يحدث أمامها .. تكاد تفقد وعيها من جديد من جراء ذاك الجو المحموم حولها .. لكنها تماسكت حتى تنهى هذه المهزلة .. وما ان همت بالكلام .. حتى قاطعها حسام صارخا من جديد :- هنجول ايه للتهامية اللى منتظرين بره إشارة منينا..!!؟.. هنجولهم أيوه بتنا هى اللى چت له .. هى اللى طاتت راسكم وخلتها فى الطين ..

والله ده انتِ جتلك أهون ..
امسك الحاج قدرى بولده الثائر .. يدفعه بعيدا عن ابنة عمه ..
قبل ان يعترضه عاصم من جديد.. والذى ابتعد لمكانه السابق
فى طرف الغرفة .. يراقب المشهد فى جزل ..
اندفع الدكتور ناجى فى تلك اللحظة موجها حديثه لعاصم :- لو سمحت .. انا عايز اقعد مع بنتى لوحدى ..
رفع عاصم كتفيه بلامبالاة وهو يرد :- وماله يا داكتور .. حجك طبعا... وخرج من الغرفة فى خطوات متثاقلة.. يلقى بنظراته المحذرة تجاه زهرة .. والتى كانت تحمل رسالة واحدة .. "نفذى ما اتفقنا عليه .. وإلا ..!!!.."
وصلتها الرسالة كاملة .. وترجمت كل حرف فيها ..

يا الله كيف لها أن تتجاهل تلك الرغبة العارمة التى تجتاحها الأن بأن تلقى بنفسها فى أحضان أبيها وتخبره بكل ما حدث لها منذ قابلها ذاك العاصم... لكن كيف لها أن تفعل !!؟... من أجل سلامته... من أجل عمها و أولاده الذين لم تلتقيهم حتى من قبل ..من أجل شباب عائلتها... ستتجلد... ستغلق على قلبها ألف باب وباب... من أجلك يا أبى... سامحنى أرجوك... هتفت هامسة قبل أن تواجه نظراته المتفرسة... كانت تعلم انه يقرأها الأن... لكنه وقف فى صلابة وهو يقول فى حزم :- أيه اللى بيحصل بالظبط يا زهرة..!!؟؟... ممكن تفهمينى ..أنا عارف أن عاصم الهوارى خاطفك ومهددك..أتكلمى ومتخفيش من أى حاجة ولا على أى حد... فاهمة يا زهرة... صارحينى بكل حاجة... صارحى بابا اللى عمرك ماخبيتى عليه حاجة يا حبيبتى...

كان يضغط على مشاعرها بقوة... وكادت ان تستسلم... لكنها هتفت فى سرعة حتى لا تتراجع..:- اللى قالهولك عاصم كله صح يا بابا... عاصم يبقى صاحب المزرعة اللى أنا بشتعل فيها... هو عايز يتجوزنى... ومصارحنى بان فى مشكلة قديمة بين العيلتين... وأحنا ملناش ذنب فيها يا بابا... فقررنا ننتجوز لأن حضرتك كنت ها ترفض أكيد...

- انتِ متوقعة ان انا أصدق الكلام ده ..!!؟؟..وبفرض أنى صدقتك... ده برضه يخلينى أقولك انه عايز يتجوزك مش عشان بيحبك ..لا عشان ينتقم منى بسبب القصة القديمة اللى انا متأكد انك متعرفيهاش ..ولا هو جتله الجرأة انه يحكيهالك.
- هو جاب سيرتها كذا مرة بس فعلا معرفش حاجة عن القصة دى ومش عايزة أعرف يا بابا... مش هتغير من رأيي فى عاصم... هو فعلا بيحنى وعايزنى ..وأنا موافقة على جوازنا ..وانا قولتها قدام عمى قدرى وابنه...

- يا بنتى أسمعينى متعمليش فى نفسك كده... أنتِ مش عارفة حاجة... أنتِ بترمى بنفسك فى النار... انت متعرفيش انتى هتعيشى فين ومع مين... النار دى أبوكى هرب منها من أكثر من ٣٠سنة... ومش هسمح انك ترمى نفسك فيها ولو كان التمن حياتى نفسها... هم مشكلتهم معايا ..متحطيش نفسك بينى وبينهم... قوليها فى وشه دلوقت إنك رفضاه ورافضة الأرتباط بيه..وأنا والتهامية كلها... متكفلين بحمايتك...

همست فى نفسها... ومن يحميك انت والتهامية يا أبى من ذاك االوحش الكاسر والذى يضع الانتقام فى مقدمة أولويات حياته مهما دُفع من ثمن حتى ولو كان ذاك الثمن... أرواح ودماء... !!؟..
تنهدت فى نفاذ صبر رغبة فى إنهاء ذاك الحوار الذى يمزقها أشلاءاً... :- بابا... عشان خاطرى... مفيش داعى لكل ده... أنا عايزة عاصم ..ذى ما هو عايزنى..وواثقة فيه
وفى حبه ليا... أرجوك يا بابا ..مفيش داعى للمشاكل...

أنا عارفة إن أنا غلطت فى اللى عملته... بس معلش... سامحنى... أنا بحبه... حاولت قدر الإمكان... أن تقنعه..
بتلك الكلمات الأخيرة... وعدم استدعاء وجة عاصم فى مخيلتها... انها تشعر ناحيته بكل كراهية ومقت بعد كل ما يحدث لها بسببه... اللعنة عليه ..و على الانتقام الأعمى... و على ذاك النجع الذى لا يتفاهم إلا بلغة الدم... و على تلك العائلة والتقاليد البالية... التى تجعلها الأن تقف فى وجة أبيها رغماً عنها... لتخبره بحبها لأكثر شخص تمقته فى دنياها... ضاربة بموافقة أبيها عرض الحائط... من أجل سلامته...

فجأه... وجدت أبيها يجذبها من يدها فى عنف متوجها بها صوب الباب... ليخرج بها من سرايّ الهوارية بلا
رجعة... لكنها جذبت يدها من يده بأعجوبة قائلة:-
لا ..يا بابا ..مش ماشية معاك... أرجوك يا بابا... أطمن ..
أنا كويسة ومبسوطة... أخرج لعمى وابنه وطمنهم... علشان كتب الكتاب ميعاده قرب...
- ده أخر كلام عندك... أعقلى يا زهرة... قالها وهو يهزها من كتفيها فى عنف...
- أيوة يا بابا... أخر كلام... قولى مبروك.

- مبروك... !!! من هنا ورايح لا أنتِ بنتى ولا أعرفك... عندك لحد كتب الكتاب لو رفضتى ها تبقى بنتى اللى ربيتها... ولو فضلتى على حالك ..يبقى متستنيش إنى أحط ايدى فى أيد حد بعدك عن حضنى غصب عنى وعنك... وأنا انسينى يا زهرة... أنا أبوكى... اللى حبك أكتر من نفسه... كانت كلماته الاخيرة ..تقتلها .. همت ان تناديه لتخبره بالحقيقة وليحدث ما يحدث بعدها... لكن نفس تلك الكلمات هى التى استوقفتها .. نعم هو يحبها اكثر من نفسه... وهى بالمقابل تحبه اكثر من نفسها .. ولن تدعه يقف والعائلة اما ذاك الغول معدوم الرحمة... ستكون هى كبش المحرقة .. ولن تبال.. يكفيها ان ابيها بخير .. من أجل أمها .. وأختها ندى ..

أندفع أبيها فى عنف .. بعد كلماته الاخيرة التى لم تلق رد الفعل المطلوب الذى كان يتوقعه لخارج المضيفة... ثم خارج سراىّ الهوارية... وكأن الشياطين تلاحقه... وقد رأه
رجال التهامية المتجمهرين حول السراىّ .. ليدركوا بفطنتهم.

ان الامر قد حُسم لصالح عاصم الهوارى .. ليرحلوا وقد أزداد حقدهم على ابنهم .. الذى لم يحسّن تربية ابنته القاهرية .. التى لم تعرف تقاليدهم... ولم تراعيها.. ليتجرعوا على يديها كؤوس الخزى والعار... ومنهم من ادرك بفطرته .. ان الفتاة لا ذنب لها .. وانها مجرد ضحية.. تسدد دين ابيها القديم للهوارية ..وان عاصم الهوارى .. اخيرا .. حقق مراده و نال انتقامه للهوارية بأثرهم... كما كان يتمنى.

وأدرك الحج قدرى وابنه نتيجة مقابلة الدكتور ناجى مع ابنته... فأستأذنوا فى هدوء... مودعاً عاصم لهم فى جزل وحبور..مؤكدا عليهم... موعد كتب الكتاب فى الثامنة من مساء اليوم...
أتجه عاصم... حيث قابلت زهرة أبيها... فوجدها تجلس فى هدوء مريب على أحد الأرائك... تنظر إلى اللافراغ... تتنازعها المشاعر والصراعات التى تحيط بها... تنحنح..عاصم .. وهو يدخل المضيفة..وما ان هم بأن يتكلم... حتى قاطعته هى فى هدوء قاتل... وهى تقسم داخلها أن لا يرى دموعها... أو يتنبه لضعفها :-.نفذت اللى أنت عاوزة بالحرف... لو حد فى عيلتى جراله حاجة ساعتها أنا اللى هاخد بتاره بأيدى منك ومن عيلتك كلها...

ابتسم فى تشفى .. لتهتف هى مستكملة بنبرة حاقدة... أنا بكرهك... وعمرى ما كرهت حد كده... وعمرى ما توقعت أنى ممكن أكره حد كده...
واندفعت من المضيفة تجرى بطول الردهة حتى عادت لغرفتها... وأغلقت بابها خلفها فى عنف... وانفجرت فى بكاء عاصف... طال كتمانه...



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 01:48 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

اجتمع التهامية فى بيت كبيرهم الحاج قدرى .. يجلس بحسرة وسطهم الدكتور ناجى .. والذى هتف فيهم غاضباً محولاً حديثه للهجته الصعيدية التى فرض على نفسه عدم التحدث بها منذ زمن حتى لا يفطن احد الى اصوله :- هو انتوا هتسيبوا بتى فى يد اللى اسمه عاصم دِه ..!؟؟..
هتف احدهم فى سخرية :- بتك اللى ريداه وحطت راسك وراسنا فى الطين .. انا معرفش انت مجتلتهاش ليه لما سمعتها بتجولك كِده ..!!؟..والله لو كانت جالت كده جدامنا وهى واجفة جبل ما توجع من طولها لكنت جتلتها بيدى..

ليسخر اخر بدوره :- تلاجى الداكتور نسى عوايدنا ..!!؟... تلاتين سنة بعيد عن الصعيد مش جليلين برضك ..
ليصرخ فيهم الدكتور ناجى :- هو ده اللى انتوا فاكرينه عنى وعن بتى ..!!؟.. انا بتى متعملش كِده .. ده خطفها وأچبرها
تجول ما بداله .. وهى خوفها علينا و انها متعرفش عوايدنا خلاها تصدجه وتعمل اللى طلبه منيها ..
صمت الجميع ولم يعقب، وحسام يجلس فى خزى لا ينطق حرفاً يتلقى سخرية رجال التهامية اللاذعة كخناجر فى صدره ولا يستطيع التفوه بحرف امام نظرات أبيه المحذرة..

ليهتف اخر :- طب عايزنا نعملوا ايه يا داكتور ناچى.. نجلبوها دم من تانى عشان خاطر بتك واللى لو جت الحَكومة تسألها هتجولهم انا جيت له بخُطرى.. او جه مأذون يسألها هتجوله انها موافجة على الچواز منيه ..!!؟..
نظر الحاج قدرى لاخيه فى حسرة يهز رأسه فى ضيق ولم يتفوه بحرف ليستشيط الدكتور ناجى غضباً وهو يهتف فى الجمع المحيط به :- خلاص .. خليكم انتوا .. وانا مش هجعد
احط يدى على خدى زى الولايا .. واسيب بتى ترمى بنفسها فى النار عشانى وعشانكم..

واندفع يجذب سلاح احدهم مندفعاً للخارج ليلحق به الحاج قدرى هاتفاً :- استنى بس يا ناچى رايح فين ..!!؟.. ده رچالة عاصم يطخوك جبل ما تجرب من سُوَر السرايا وملكش عنديه دية..
صرخ الدكتور ناجى :- رايح اجيب بنتى بنفسى واللى يحصل يحصل ..

أمسك به الحاج قدرى اخيرا وهو يلهث هاتفاً :- اصبر بس يا خوى .. انا هروح لبتك واكلمها تانى ويمكن أجدر أغير لها رأيها جبل كتب الكتاب .. محدش عارف يمكن يچد فى الامور أمور مع انك عارف بتك راسها ناشفة... زى الحجر الصوان... وروحها ما تعرفش الخوف... طالعة لأمها.. الله يرحمها... والله يا خوي... أول لما أطلعتلها... وكنى شايف فاطنة جدامي...
ألقى الدكتور ناجى السلاح من يده بعد كلمات أخيه الأخيرة و كأنها أضاءت بفكرة ما في عقله فهتف في انتفاضة لازم يعرفوا... جعلت أخيه ينتفض بدوره متسائلا:-..خبر ايه يا ناچي... !!؟؟
هتف ناجي التهامي مكرراً :- لازم يعرفوا .. قبل كتب الكتاب..!؟
- يعرفوا أيه؟؟!!... و هم مين دووول اللي يعرفوا... !!
هتف الحاج قدرى.. متسائلا وهو يرى أخيه يهرع خارجا ..

وهو لا يعرف من يقصدهم أخيه بكلماته المتعجلة
وقف الدكتور ناجي التهامي... علي باب سرايا الهواري..يطلب مقابلة الحاجة فضيلة فخرج له.. عاصم... والذي تعجب من وجوده...
ورغبته الغير منطقية..في مقابلة أمه...
- أتفضل يا داكتور... هتف عاصم مرحباً...
- متشكر..بس أنا عايز أقابل..الحاجة فضيلة...

..قالها وهو يجلس متوترا... فوق أحدي الأرائك الممتدة تحت أشجار المانجو الوارفة في الركن الغربي من الحديقة المحيطة بالسراي... ينتظر مقابلتها... بفارغ الصبر..
- عايزها فى ايه يا داكتور... !!؟؟... سأل عاصم.. في تعجب وحيرة..
- معلش... أمر ضروري... لازم أقابل الحاجة فضيلة... قالها الدكتور ناجي مهادناً عاصم... حتي يحقق مطلبه...
- الحاجة مبتجابلش... رجالة غُرب..وكمان هى مشغولة دلوجت ..بتچهيزات كتب الكتاب ..لو في حاچة مهمة... جولهالي..وأنا أبلغهالها...
- بلغ الحاجة بس... وشوف رأيها...

- الحاچة مبتجابلش حد يا داكتور... وورانا حاچات كَتير وتجهيزات ياما ..
- بس انا لازم أقابلها .. دى مسألة حياة أو موت .. لازم قبل كتب الكتاب ..
رد عاصم ساخرا :- من الاخر يا داكتور .. هى مش طايجة تجابلك .. ولا عايزة تسمع سيرتك من أساسه.. هغصبها يعنى ..!!؟..
شعر الدكتور ناجي أن الحوار أنتهي عند تلك النقطة..
فنهض في تثاقل... وهو يجر ازيال الخيبة...
لابد وأن يقابل الحاجة فضيلة... فهي وحدها... التي
ستصدقه... وربما يغير ما سيقوله كافة الميزان لصالح ابنته...

هبطت الحاجة فضيلة الدرج فى تؤدة .. تحمل مفتاح غرفة أبنة ناجى التهامى فى جزل .. فأخيرا .. حققت مرادها الذى انتظرته طوال ثلاثين سنة خلت .. حتى تنتقم من ذاك الذى فرقها عن أختها التى كانت الاقرب لقلبها.. وجعلها تتبعه فى غوايته .. لترحل معه تاركة كم من الخزى والعار .. ذاقوا مرارته طويلا .. لتموت فى النهاية وتدفن بعيداً .. ويذهب هو ليتزوج غيرها وينجب ابنتين .. الكبرى .. هى من يحتجزوها فى تلك الغرفة التى تمسك بمفتاحها الان ..

قررت تذهب وتلقى نظرة على ابنة تلك المرأة التى أخذت مكان أختها .. وابنه ذاك الرجل الذى كان السبب فى موت أختها بعيدا عن أهلها ..
حاولت ان تعرف .. كيف شكلها .!؟؟.. وهل هى جميلة .. ام قبيحة ..!!؟.. ففى النهاية .. هى أم .. وتريد أن تطمئن .. كيف هى من سيرتبط بها ولدها ..!؟؟.. حتى ولو لفترة مؤقتة .. لكن فضولها يغلبها .. لتراها رؤى العين .. فحتى الخدم .. لم يراها احدهم .. ولا حتى ام سعيد .. مكمن اسرار العائلة .. ولم يدع عاصم اى منهم يدخل لها .. حتى ولو لتقديم الطعام .. كان يقدمه بنفسه لها ..

عندما سألت عنها عاصم بفضول :- هى زينة يا عاصم..!!؟.
لم تتلقى الجواب الذى يرضى فضولها .. بل أجاب فى نزق:- أه .. زينة .. مجبولة يعنى.. بس دِه يفرج فى ايه .. !!؟..
وبالطبع .. كان على حق .. فسيتزوجها أى كانت ..
وصلت لباب الغرفة .. وما أن همت بوضع المفتاح فى قفل الباب .. حتى جاءتها ام سعيد راكضة فى هلع .. :- ألحجى يا حاچة .. الحاچ مهران تعبان جوووى .. وطالبك ضرورى..

سحبت الحاجة فضيلة المفتاح من القفل .. واندفعت خلف ام سعيد .. تلحق بالحاج تحاول إيقاف نوبة أخرى من السعال الذى يداهمه بكثرة الفترة الاخيرة .. ولا يعاود ألتقاط انفاسه من جديد الا بدواء خاص كتبه الطبيب مؤخرا .

لا تعلم كم مضي من وقت وهي تبكي... لكن عندما رفعت رأسها... من فوق الوسادة المبللة بدموعها...
وجدت الشمس قد غربت منذ وقت قصير..
وسمعت من علي البعد صوت مزامير وطبول تقترب... وكأنها بوم ينعق... سدت اذنيها بكلتا يديها... لا تصدق انها بعد ساعات قليلة ستصبح زوجة...
لذاك الوحش... معدوم الرحمة... رغما عنها...

يا آلهي... هتفت في سرها... كيف ستتعامل معه.. ومع قوته...
وسطوته... وكيف ستقابل ذاك الجبروت... انها تعترف... نظراته وحدها... كفيلة
بأن تجعلها تشعر برغبة في الهرب من أمامه
لتحتمي من حضوره الطاغي..
والذي يعضده تلك القامة الفارهة الطول... والتي تجعلها... تتراجع بضع خطوات...
حتي تستطيع أن ترفع رأسها.. لتحدثه...

لابد وأن تنسي اللباقة..في التعامل مع ذلك الغول...
لابد وأن يقيم لها حسابا...
وأن تضع حدود في تعاملها... معه...
لن تدعه يري دموعها... لن تدعه يكسرها...
إن كان هو صعيدي... ويتميز بصلابة الرأي... والعقلية المتحجرة...
فهي ايضا... تحمل نفس الجينات ..

وستكون هي القوة الداعمة لها... والسلاح..الذي ستستخدمه... في حربهما... الغير معلنة...
نهضت تغسل وجهها... وتنعش روحها... بعد ذاك الإتفاق الذاتي... لن تدعه يعتبرها...
حطب المحرقة لإنتقامه وكراهيته المتوارثة.
سيندم علي اللحظة التي زج بها في لعبته القذرة..
سمعت طرقات علي الباب... لم تجب... فتكررت الطرقات... وهي علي تجاهلها... ففُتح الباب..
وأطل برأسه متنحنحاً... وتعجب عندما رأها جالسة... ولم تسمح له بالدخول..

-أنا خبطت علي الباب.. كنك مسمعتيش... قال بتعجب وهو يراها جالسة تسمع الطرق ومعللاً دخوله دون أذنها..
-لا سمعت... أجابت في تحدي... بس ده ها يفرق معاك...
سواء سمحت لك بالدخول ولا رفضت.!!؟؟... معتقدش...
نظر لها نظرات نارية... ليبعث لها برسالة مفادها..
ليس ذاك وقت الحساب... فالحساب قادم لا محالة.. مما
جعلها تزدرد ريقها فى صعوبة..وهو يقول ..
-المأذون وصل..وعمك جَدري بره..

يا ريت تچهزي... علشان بعد كتب الكتاب...
عمك..هياخدك..وياه... علشان الفرح بكرة...
يطلع من داركم... ده كان شرط عمك..
قالت في سخرية:-..مش من باب أولي... كان كتب الكتاب يبقي في بيت عمي..!!؟... لن تصمت بعد الان ونظراته النارية لن تردعها... هكذا قررت وهى ترد فى ثقة... وتحدى
- ده علشان سلامتك... أجاب في حزم..

- سلامتي..!!!... وضحكت ساخرة... هي فين سلامتي دي..!!!... لتستطرد بنفس النبرة الساخرة... لا.. وشوفوا مين اللي بيتكلم عن سلامتي... !!!..
تغيرت تعبيرات وجهه.. وأصبحت تشبه ليلة عاصفة..
مطيرة... تنذر بالكوارث...
- لو روحتي لأهلك جبل كتب الكتاب... ممكن يجتلوكي... قالها محاولاً التفسير ..
- أه... وانت بقي خايف عليا من القتل..ولا.. قلت لنفسك
لما تكتب الكتاب... تضمن ان انتقامك كمل ..!!؟...
وبقيت مراتك خلاص...

نظر اليها ملياً... نظرات جعلتها تلتهب... لكن كانت تعضد مقاومتها أمام عينيه... بمحادثة داخلية بينها بين ارادتها... اثبتي... لا تضعفي..لا تخفضي رأسك مطلقا..
في حضرته... ليعلم منذ اللحظة... انه لا سلطان له عليكِ..
وأنك .. لن تخضعى له مطلقا...
واذا كان استطاع استغلال نقطة ضعفك المتمثلة...
في حبك..وخوفك علي ابيكِ...
فليعلم الأن... انه لم يعد لديكِ من تخافى عليه...
او ما تخافى علي فقده... فأبيك..وعائلتك... تم ابعادهما...
عن ميدان المعركة... والأن...

ما سيحدث... سيكون... بينك... وبينه...
تعجب من نظراتها... الواثقة... وروحها المتمردة...
منذ متي... أصبحت تمتلك تلك النظرات... المتنمرة..
وتلك اللهجة الواثقة... وكأنها أُستبدلت في ساعات..
من تلك الرقيقة التي أنقذها في المزرعة... والتي..
كانت تنتفض..بين ذراعيه كالعصفور.. خجلا..واضطرابا
إلي... أخري... لا يعلم..حتي هذه اللحظة.. من تكون...
نفض تلك الخواطر عن رأسه...

وهو يهتف في حنق:-أچهزي... عمك چاي ياخد رأيك...
وخرج بشكل عاصف من الغرفة... وما هي إلا دقائق..
حتي دلف عمها... ليأخذها بين ذراعيه... وهو يهمس.. في أذنيها..:- والله يا بتى... لو جلتيلي.. أنا مش موافجة يا عمي.. وان كل الكلام اللى جلتيه لأبوكِ ده... مش على هواكِ ..
ما هيكفيني روحه..هو وعيلته كلاتها... محناش جليلين
يا بتي... أحنا أهلك وعزوتك... جولي لاه... وهتشوفي..
عمك العچوزده..ممكن يعمل أيه..علشان يحميكي...

أبتسمت في راحة... فللمرة الأولي.. منذ وطأت قدماها..
تلك الأرض... تشعربالراحة... والطمأنينة.. في أحضان
عمها... التي ذكرتها... بدفء... ذرراعي ّأبيها..
-أطمن يا عمي... أنا بخير.. بس بابا.. كويس... !!؟؟..
-هكدب عليكي يا بتي... سبته في الدار بيغلي... حاسس
بالعچز..كيف ما يجدرش ينجى بته... واعرة جوووى دي
علي أي راجل دمه حامي..الله يكون في عونه..وعونا..
التهامية كلاتهم... في حِزن كبير... ولدي حسام...
لحجته مرتين خارچ ومعاه سلاحه... وحالف يجتل ..

عاصم الهواري.. بعد ما فهمته انتِ عملتى كده ليه... احنا كلنا عارفين انك بتعملى كده عشان خايفة على الكل .. وخايفة من الدم اللى ممكن يبدأ من چديد.. بين العيلتين...
-عمي أنا موافقة... وموافقة جدا كمان... هتفت في نفاذ صبر... بعد ما سمعت تلك الأحداث الدامية...
و... التي يمكن ان تشتعل اكثر ..
كلما تأخر عقد القران ..فلننهي الأمر إذن... وليكن ما يكون..
- ده أخر كلام عِندك... !!؟؟... سأل عمها فى تمنى ..رغبة فى تغييرها لقرارها...
أومأت برأسها موافقة... فربت علي كتفها في حنان...
وغادر الغرفة...

تركها... تنهبها... الأفكار..والمشاعر...
وتعصف بها..الخواطر... حتي انتفضت كل خلاياها...
عندما سمعت أصوات الزغاريد... تشق الجدران...
تعلن انها...
أصبحت زوجة للغول...

وصلت لبيت عمها... مع عمها وبن عمها حسام... كانت المرة
الأولي التي تراه فيها عن قرب.. وهو هادئ بلا اندفاع .. كما رأته منذ ساعات .. راغب فى قتلها...
انه شاب قوي البنية... مريح القسمات...
تشعر عندما تراه... بأنك في يد أمينة...
يمكنك الأعتماد عليها دائما... ولن تخزلك أبداً... كانت قسمات وجهه... تزدحم بالكثير...
من مشاعر... الغضب... و.. الحنق... والعجز..مما يحدث..

دخلت الغرفة التي خُصصت لها... عرفت انها..غرفة نبيل... الإبن الأصغر... لعمها قدري... انه أستاذ في الجامعة...
نظرت إلي براويز الصور... علي الحائط والمكتب... انه لا يشبه... أخيه حسام... فهو أقصر.. ملامحه لطيفة... يرتدي نظارة طبية..
تضيف علي مظهره... بعض من وقار... علي الرغم من علمها... أنه لا يصغر حسام الا ببضع سنوات... توجهت إلي الفراش... مددت جسدها المرهق...
انها... بحق مرهقة... لا تريد أن تفكر في أي شئ...

فقط تريد أن تنام... لتنسي ذاك الكابوس الذي تعيش تفاصيله..
تعرف أن أبيها يرقد في أحدي الغرف المجاورة... لا تريد أن تراه... نعم..لا تريد... فليس لديها القدرة... علي مواجهته من جديد... فقد تضعف في أي لحظة... أمام نظراته المعاتبة... يكفيها... ما ينتظرها..غدا... عندما تصبح... مع ذاك الوحش... تحت سقف واحد...
أغمضت عينيها وجسدها كله ينتفض... سالت دموعها حارة..

وهي تقول لنفسها... تلك الدموع... هي الاخيرة... التي ستزرفها عيناكِ...
منذ تلك اللحظة.. أنسي أمر الدموع... و.. تذكري أمراً واحداً فقط... أنه لازال هناك الكثيرالذي ينتظر صلابتك... وصمودك... فتتجلدي... جففت دموعها... في عزم... وراحت في سبات عميق... تحاول أن تطرد صورة... عاصم الهواري... من مخيلتها... حتي لا يطاردها... في أحلامها... أيضا...

أستمر الطرق على الباب لفترة طويلة... طرقات متتابعة متلاحقة
مع أصوات لصخب وضحكات... فأندفع حسام يفتح الباب فى عنف صارخا... :- أيه... خبر أيه... الحرب جامت ..!!!؟؟؟
تفاجئ بمجموعة من الفتيات تقف على باب دارهم .. يحملون الكثير من الأغراض... تتقدمهم فتاة .. لم تغب ابتسامتها.. حتى مع غضبه وعبوسه الذى لم تنفك عقدته عند رؤيتها...

قالت الفتاة المرحة فى ثقة :- أحنا جايين للعروسة..
- عروسة أيه !!؟؟... قالها فى حنق... مع ارتفاع ضحكات الفتيات... وتذكر ابنة عمه الموجودة فى دارهم
من الليلة السابقة... فأستطرد فى إحراج:- أه... زهرة بت عمى .
أتفضلوا... وأفسح لهم الطريق .. وأشار لهم على غرفة نبيل التى باتت زهرة فيها ليلتها...
أندفعت الفتاة المشرقة الابتسامة تطرق باب الغرفة مؤكدة انها ستدخل بمفردها أولا... وتذمرت باقى الفتيات .. لكنها دخلت وأغلقت باب الغرفة خلفها .. وهى تخرج لهم لسانها فى طفولية.

ولم تكن تعلم ان هناك من يراقب المشهد .. ويبتسم .. على الرغم من ندرة حدوث ذلك... وهو يترك الدار .. للعروس وصويحباتها...
- كل ده نوم يا عروسة... !!؟؟... سألت سهام فى مرح
وهى توقظ زهرة .. والتى تعجبت لأفعال الفتاة
التى لا تعرفها...
- أكيد مستغربة.. أنتِ متعرفنيش.. أنا سهام .. أخت عاصم چوزك..
كانت كلمة زوجك تلك والتى نطقتها الفتاة المرحة فى براءة
كفيلة بإعادة زهرة لأرض الواقع فى قسوة جعلتها تنتفض..
فاليوم .. يوم زفافها على ذاك اللأدامى .. عديم الرحمة
يا الله .. لما أشرق الصبح... !!؟؟.. لما لم تقوم القيامة..!!؟؟... هكذا فكرت...

عندما أيقنت انها سويعات قليلة .. وتصبح معه وحيدة
تحت سقف واحد ..أخرجتها كلمات كانت تنطقها سهام من شرودها... لم تسمعها كلها .. ولكنها ألتقطت بعض منها..
وهى تشير لبعض الأغراض والتى أتت بها .. ووضعتها جانبا .. عندما دخلت الغرفة لتوقظها... أومأت لها زهرة
بالإيجاب .. فتنهدت سهام فى فرحة.. وهى تقبل زهرة فى
ود حقيقى .. هاتفة :- ألف مبرووك... وأطلقت زغرودة مجلجلة .. جفلت لها زهرة... ثم قبلتها من جديد
وهى تستأذنها... لان هناك الكثير من الامور لم تُنجز بعد
فى السرايّ... والتى تزينت لاستقبالها...

نهضت زهرة من فراشها بعد مغادرة سهام... والتى شعرت بميل فطرى لصداقتها.. فهى مرحة .. بريئة.. وأستعجبت
كيف يكون لمثل تلك الفتاة مثل ذاك الاخ... والذى كان قدرها ان ترتبط به زوجا دونا عن باقى البشر ..كان تهم بمغادرة الغرفة .. فأستوقفها شئ ما فى غطاء مخملى
موضوع بحرص على الجانب الاخر من فراشها...
أقتربت منه فى حذّر ووجيب قلبها تزداد وتيرته...
لامست أناملها... ذاك الغطاء وتجرأت لتفتح السحاب الطويل... ليطالعها قماش حريرى..اكملت أخراج الرداء
من غطائه... وهى مشدوهة... تتطلع لثوب زفاف..

من الدانتيل والحرير... لم ترى فى روعته من قبل
مررت أناملها على القماش الراقى .. وطفرت الدموع من عينها .. على الرغم من الوعد الذى قطعته على نفسها ..
بألا تذرفها أبداً... لكن مرأى ثوب الزفاف الرائع ذاك...

حطم دفاعاتها الصلبة كليا.. لما يفعل بها ذلك!!؟؟... لما أشترى لها ذاك الثوب الرائع... !!!؟؟.. ذاك الثوب الذى تتطلع كل فتاة لأرتداءه لمن خفق له قلبها .. ذاك الرداء الذى ُيكمل الحلم الوردي بالعش الهانئ .. والاحلام التى أضحت واقع ملموس فى أحضان من تحب ... يا الله .. هتفت فى حشرجة بكاء... لم تستطع كتمانه كثيرا... ودموع فاضت .. حتى أفرغت كل مشاعرها.. فشعرت فجأه بخواء داخلى .. وألم فى مكان ما داخلها .. وكأنه جرح ينزف .. بلا توقف ..ثم أستدارت لتفتح باقى العلب... يا له من وقح ..!!!... صرخت فى استنكار .. انها الكثير من قمصان حريرية ومنامات... وااااهم... هكذا صرخت ..

لن ترتدى مثل تلك الأردية أمامه... حتى ولو توسل راكعاً... على الرغم... من انها تتطلع لذاك اليوم... بل يكاد يكون .. هدف حياتها الأن .. لكن لن يكون ثمن ذلك ..
أن تختال... أمام تلك العيون المتفرسة... بواحد من أحد هذه الأثواب ..
والتى تفضح اكثر مما تستر... وااااهم صرخت من جديد ..

حمدت الله... أن أبيها قد أحضر لها بعض من مناماتها.. عندما كان قادماً لإنقاذها من يد ذاك المتوحش... حمد لله
أن لديها البديل... تنفست فى راحة .. وأبتسمت فى تشفى.. وقد أستعادت صلابتها... و قررت ان تتناسى جرحها النازف
وقامت لتستعد... وهى .. تهتف فى داخلها بعزم...
أحضرت ثوباً... وحريرا... وتريد زفافاً...
فلتجرب... ولتقترب... أيها الغول...

فلتستمتع بتلك اللحظة الخاطفة من السعادة... التى لا تعرف متى تدق بابها من جديد .. دارت حول نفسها .. تتمايل فى رشاقة .. وهو تضحك لصورتها فى المرأه .. و ترسل لها قبلة فى الهواء..
كم أنا جميلة فى ذاك الثوب .. الجميلة والوحش .. هتفت ضاحكة
عليها ان تعترف .. لم يهمل شيئاً .. ولو بسيط .. فقد أحضر الثوب بكل ما يلزمه .. حتى غطاء الرأس والتاج .. المُطعم بالورود .. وباقة الزهر .. وحذاء يشبه حذاء سندريلا.. أه .. لو ينفك السحر وتعود عند الساعة الثانية عشرة لحجرتها فى بيت أبيها... وتكتشف ان كل ذلك كان مجرد حلم سخيف ..

وتترك له الحذاء بفردتيه... وليس فردة واحدة .. فهى لا تريده أن يعثر عليها... من جديد...
طرقات على باب غرفتها ..أيقظتها من أحلامها...
دخل أبوها.. وما أن وقعت عيناه عليها... حتى تطلع إليها فى حنان طاغى .. وأندفع يشملها .. بذراعيه... رأت الدموع تتلألأ
فى مقلتيه .. لكنه حبسها فى براعة... وقال فى هدوئه المعتاد
- بيستعجلونا .. خلصتى يا زهرة..

- أه .. خلاص يا بابا... بس ماما وندى أتأخروا ليه... !!؟؟
- مش عارف يا بنتى... الغايب حجته معاه .. هتلاقيهم هنا فى أى لحظة وسط الفرح... لانهم ملقيوش طيارة غير اللى هتوصلهم متأخر دى ..
كان يكلمها بعيون زائغة مضطربة .. فهو لا يريد أن يزيد حزنها
حزنا... ويخبرها برفض زوجته منيرة الحضور وإحضار ندى معها .. قالت له بالحرف الواحد ..:- أنا مش ممكن أجى وسط الهمج دوول اللى أنت وبنتك منهم .. ما يمكن عامل مصيبة تانية
تدفع ندى بنتى تمنها المرة دى ..

- يا الله يا بنتى... العربية جهزت .. قالها لإنهاء أسئلتها عن أمها
وأختها ..وأخذ بيدها .. وما أن ظهرا خارج الغرفة .. حتى تعالت
الزغاريد من نسوة التهامية... والذى أمتلأ بهن بيت عمها ..
شد أبيها على يدها .. وسار بها .. حتى سيارة عريسها .. والذى رغم عن خمارها الذى كان يغطى وجهها... إلا انها أستطاعت.

تمييزه بسهولة فمن يملك ذاك الطول الفاره.. والحضور الطاغى
حتى فى وسط كل ذاك الضجيج كان حضوره له صخباً يعلو على كل صخب... تناول يدها من يد أبيها... والذى نظر اليه نظرات ملؤها الغضب... فرد عليه عاصم بأبتسامة لا ملامح لها
ودخل السيارة .. بعد أن ساعدها فى دخولها .. وبدأت الزغاريد تصدح من جديد... وتصاحب موكب العروسين بالطبول والمزامير... والطلقات النارية .. التى لم تهدأ .. والتى كانت كافية
لإنهاء حرب ضروس .. بنصر ساحق...

وتعالت الزغاريد من جديد عندما وصلت العروس لسراىّ الهوارى ..واستقبلتها سهام والحاجة فضيلة.. عند الدرج .. ليتركوا عاصم
ليذهب لمرافقة الرجال حيث المكان المخصص لهم... ويدخلن
برفقة زهرة حيث تجتمع النسوة للإحتفال...
رفعت الحاجة فضيلة... الخمار من على وجه زهرة.. لتقف.

مشدوهة لا تحرك ساكناً... تعجبت زهرة وكذلك سهام... من ردة فعلها... ولكن الحاجة فضيلة .. تمالكت أعصابها .. كالمعتاد من أمرأة فولاذية مثلها... وأمسكت بيد زهرة لتجلسها... حيث المكان المخصص للعروس وسط النسوة المحتفلات.. لتجلس فى توتر .. تحاول ان تخفيه... قدر استطاعتها... وتبتسم فى وجوه
مدعويها ابتسامات لا حياة فيها... حتى انها انسحبت لفترة من الوقت ..وبحث عنها الجميع .. لتعود بعيون زائغة .. تنظر لزهرة فى صدمة .. وكأنها ترى شبحاً... وتبتسم.

ابتسامات بلاستيكية فى وجوة النسوة .. حتى لا تشعر إحداهن .. بذاك الصراع الدامى من المشاعر المتقلبة .. التى تجتاحها الان .. وخاصة عند النظر لوجة زهرة الصبوح ..
أستمر ذاك الطبل والزمر والنسوة اللاتي تبارين فى مهارات الرقص... لفترة لم تعلمها زهرة .. فعلى الرغم من الصخب المحيط بها .. إلا أن صخب روحها كان الأعلى صوتاً... والأكثر تأثيراً...
تعالت الطلقات النارية من جديد... وفجأة تعالت زغاريد النسوة.

المجتمعات حولها .. وكأن هناك أتفاق ما .. ولم تدرك ذلك إلا عندما أخذت الحاجة فضيلة بيدها .. تستحثها على النهوض..
فنهضت بقدم متيبسة كأنها ثُبتت للأرض بألف مسمار... تسير بخطوات آلية... لتصعد معها حيث الغرفة... التى خُصصت
لهما..هى وعريسها... والتى هى فى الأصل غرفة عاصم
كانت فى الجانب الأخر من السراىّ ..بعيداً عن الصخب الدائر بالأسفل... وصلت أخيراً... وتعجبت عندما قبلتها الحاجة فضيلة على جبينها... وتمنت لها السعادة..والذرية الصالحة..فلقد توقعت.

منها هى بالذات... معاملة مخالفة تماماً... لما تراه الأن ..
فتحت باب الغرفة .. وأدخلتها .. بعد أن قرأت بعض آيات من القرآن الكريم .. لدفع العين الحاسدة .. وجلب الفرحة والهناء..
وخرجت وتركتها أخيراً وحيدة... لتعود لذاك الفرح الذى لازال
يدور بالأسفل .. والذى يصلها منه النذر القليل حتى غرفتها.. أغلقت نور المصباح .. فغرقت الغرفة فى الظلام... إلا من شعاع نور يتسلل برقة... من نافذة الشرفة...
أتجهت للنافذة تتلمس بعض من الهواء النقى
لعله يخفف من ألم الرأس الذى داهمها.. منذ وطأت قدماها..

أرض السراىّ...
كان البدر مكتملا فى السماء...
تتخلله .. بعض السحب التى تغطى ضوءه فى بعض الأحيان .. فهمست تقول... القمر مخنوق ذيي...
فقد سمعت أن هناك حكاية شعبية ما تتحدث عن القمر المخنوق عندما تحيط به السحب بهذه الطريقة
وهذا يعتبر نذير سوء... فيطلب سكان القرية من البنات العذراوات
الخروج من أجل الغناء للقمر لعل السحب تنقشع .. ويشع القمر نوره من جديد .. ويذهب طالع السوء...

همست لنفسها... وهل هناك طالع سوء... أكثر مما أنا فيه الأن ..فى غرفة نوم... أكثر شخص أمقته فى العالم ..
والليلة .. ليلة زفافنا...
فُتح الباب فى بطء... فتشنجت مكانها ولم تتحرك ..
أغلق الباب .. ووقف مشدوهاً... مما يرى...
تقف فى ضوء القمر .. والذى يلقى علي محياها .. شلالات من فضة .. تجعلها أشبه بالحوريات... بذاك الثوب الناصع البياض
والذى تتلألأ حباته .. كأنها تسبح فى بحرمن نور...

هو يعرف انها جميلة... بشرة مخملية بلون الحنطة .. وعيون واسعة بلون الجوز .. وقامة متوسطة الطول .. على الرغم من أنها
بالكاد تناهز قمة رأسها كتفه .. يستمتع دائما عندما يراها .. تتراجع
بضع خطوات حتى تستطيع أن تكون فى مجال أوسع للرؤية
عندما تحادثه... جسم رشيق .. لا تخفى رشاقته ملابسها الفضفاضة فى غير مغالاة... أما شعرها... فلم يراه بعد .. لكن يكفيه .. تلك الخصلات التى تتمرد من تحت حجابها .. تلقى التحية... والتى كانت كافية لتذهب بثباته... ورجاحة عقله...
أضاء الغرفة... قائلا فى صوت أجش من بقايا تأثر :- السلام عليكم...

- وعليكم السلام .. ردت وهى لم تتزحزح .. من مكانها..
أقترب منها فى هدوء... بعد أن خلع عنه عباءته .. ووضع عصاه الابنوسية جانبا... فتنبهت... وزاد وجيب قلبها...
وشعرت بأن الأرض تميد تحت أقدامها... لكن .. لا .. لن تضعف الأن .. ستواجهه .. فهى لا تهابه ..
وضع يده على كتفها .. يحاول أن يديرها... ليرى عينيها..
لكنه فؤجى بها .. تدفع بيده بعيداً...
همست بصوت خفيض غاضب يقطر مقتاً..
:- أياك .. تفكر حتى... إنك تلمسنى...

انكمشت على نفسها .. عندما وجدت أن لون عينيه قد
استحال للون عاصفة سوداء حالكة... فى عرض بحر يمور بالغضب... وزمجر بصوت مكتوم يخرج من بين اسنانه ..مقتربا منها .. ناظرا لعمق عينيها ..
وهو يقول :- عاصم الهوارى... مبياخدش حاچة غصب
عاصم الهوارى... لما يعوز حاچة... بتاچى طايعة تحت رچليه... وفى يوم ..و عن جريب جووى... هيكون دِه مكانك... يا بت الداكتورر ناچى التهامي...
لا تعرف من أين أتت بالقوة .. فى تلك اللحظة الدامية..
لتنطق... قائلة فى تحدى :- يبقى خليك واثق... أن اليوم ده مش هاييجى أبداً...
فترة من الصمت اعقبت صدى كلماتها الاخيرة...
وبالنظر لعينيه مجددا...
أدركت... أنها .. أيقظت الوحش... من سباته..



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 01:49 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

وقف طويلا أمامها... يرمقها بنظرات تصهرها... كانت عيناه .. مزيج عجيبا من المشاعر والأحاسيس المختلطة... انها تعترف... الأن... انها بحق تشعر بالرعب... وفجأة...
وجدته يجذبها من ذراعها فى قسوة .. لتجد نفسها فى أحضانه
انها المرة الأولى .. التى تكون فيها قريبة بذلك الشكل الحميمى
من اى من كان... انها تستشعر حرارة انفاسه اللاهثة التى تدل
على اضطرابه... وثورة غضبه... ان انفاسه ..تلامس وجهها
وتلفح بشرتها الندية... كحرارة شمس حارقة .. فى يوم قيظ ..

وتلاقت عيناهما للحظات.. كانت نظرات مضطربة حائرة ..
تحمل الكثير من التساؤلات .. التى لم تجد من يجيب عنها...
وأخيرا تكلم .. بصوت متحشرج ..على الرغم من الحزم الذى حاول ان يبطنه به :- أنا مبحبش .. اللى يراجعنى فى كلامى..
ويرد على حديتى .. كلمة ..بكلمة... سمعانى... !!؟؟.. ثم استطرد... فى جزل... بصوت خفيض قريب من مسامعها...
وإلا .. صدجينى .. ساعتها ردى مش هايعچبك... لانه هايبجى.. واعر عليكى جووووى... يا بت الناس...

لم تستطع ان ترد بكلمة واحدة تستعرض بها شجاعتها.. وتحديها
لأوامره... فهى ليست من الحماقة... حتى تتحدى أسد فى عرينه
مدعية شجاعة زائفة... ليس من الحكمة الأن أن تجذب أحدى شعرات الغول، فهو لم ينم بعد، لازال فى كامل يقظته، والأفضل ان تنحي الشجاعة جانبا، حتى تمر تلك الليلة... على خير...

وفجأة .. أطلق سراحها.. ودفع بها بعيدا عن ذراعيه..وهو يلهث.. بشكل ملحوظ..
وكأنه يقاوم حرب ضروس تستعر بداخله.. ويحاول فرض الهدنة .. بين طرفيها... زفر فى نفاذ صبر وهو يشير لحمام الغرفة الخاص قائلاً:- خشى .. غيرى هدومك.. وتعالى نامى ..
خلينا نُخلص من الليلة اللى مابينلهاش أخر دى ..

أخيرا أستعادت صوتها... بعد أن عادت من الجحيم الدامى بين ذراعيه.. وهى تقول فى صوت خرج كأنه ليس بصوتها:- ممكن
تدخل الأول... لو حابب .. يعنى .. ولم تكمل جملتها.. فقد سمعت زمجرته .. التى تعلن أن رصيدها من صبره قد أوشك على النفاذ .. فجذبت منامتها.. من حقيبتها واندفعت مهرولة..

إلى الحمام... أغلقت بابه خلفها.. وظلت دقائق تُسند عليه ظهرها غير قادرة على الأتيان ..بأى فعل .. يا آلهى...
انه بحق وحش... أغمضت عينيها فطالعتها صورة عينيه وهو ينظر اليها .. ففتحتهما على عجل... ستكون تلك النظرات ..
سبب لكوابيسها... فى الأيام القادمة... العون يا آلهى... هكذا هتفت لنفسها وهى تحاول التخلص من ثوب الزفاف الثقيل ..
وهى تنظر لنفسها .. فى المرأة .. لتطبع صورتها به فى مخيلتها.

فهى لن ترتديه مرة اخرى... هكذا فكرت .. فى حزن مزقها... كانت ستكون أسعد الفتيات حظاً لو أرتدت ذاك الثوب
الرائع... لأجل من تحب... ودمعت عيناها... وهى تنزع الثوب عنها... وتضع نفسها تحت رزاز الماء الدافئ .. لعله يخفف بعض من آلام روحها العليلة ..و.. التى عاود جرحها
نزفه من جديد .. وعلى الرغم من رغبتها فى البقاء تحت الماء والهرب فى الحمام لأطول فترة ممكنة بعيد عن ذاك الوحش.

المرابط فى الغرفة... إلا انها فضلت الأسراع والخروج... فمن المؤكد انه ينتظر خروجها لينال دوره... فهى لا تستبعد أن يحطم.. باب الحمام فى أى لحظة... لإخراجها.. إذا ما تطلب الامر... خرجت وهى ترتدى منامتها... المحببة إليها.. وتضع
غطاء رأسها.. وما أن سمع باب الحمام يُفتح حتى تعلقت عيناه.

بمحياها وهى تخط خارجه... توقع ان يراها ترتدى أحد الأردية الحريرية التى أشتراها لأجلها... ولكن يا لإحباطه .. عندما وجدها تخرج بتلك المنامة العجيبة التى ترتديها..
نظرت هى إليه .. وشعرت بفرحة غامرة وهى ترى نظرات الأحباط تطل صريحة من عينيه... وهى يراها لا ترتدى أثوابه الخليعة... ولم تتهنى بأنتصارها المؤقت طويلا فقد وجدته يهتف فجأة ضاحكاً:- أدى اللى كان ناجص... علشان الليلة العجيبة دى تكمل... بجامة!!!... و عليها... جط وفار..كمااان.!!!... كان يضرب كفا بكف .. وهو ينهض مستمراً فى ضحكاته التى زادت وتيرتها .. حتى أغلق .. باب الحمام خلفه...

خلع ملابسه واستدار ليضعها على المشجب فطالعه ثوب الزفاف
فأبتسم ساخرا... وهو يهمس قائلا:- هى چوازة... ولا أكتر..
خرج من الحمام... ليجدها..وقد تدثرت بأحد الشراشف.. حتى عنقها.. ممددة... على أحد الأرائك...
جيد انها عرفت أين موضعها بالظبط... هكذا حدث نفسه ..ليكمل فى غيظ... بت ناچى التهامي ..

وجد الصينية الزاخرة بأطايب الطعام والتى صنعتها أمه خصيصا... من أجل تلك الليلة الميمونة.. ونمت على جانبىّ فمه إبتسامة ساخرة...
رفع الغطاء عن الصينية... وجلس شارعاً فى تناول عشاءه
بشهية كبيرة... وأخيرا تذكر ان له عروساً.. وجب ان تشاركه الطعام.. فقال فى لهجة آمرة..وهو ينظر لتلك المتكفنة
بغطائها..:- تعالى كليلك لجمة..

لم ترد عليه .. وكأنها لم تسمعه... فقال فى لهجة تنذر بثورة
عارمة:- انا ع كلمك... ولما ..أكلمك تردى علىّ... سمعانى.. قال الكلمة الأخيرة بلهجة تهديدية من الطراز الأول...
فأومأت برأسها .. وهى تقول بصوت متحشرج:- مش جعانة..
شكراً...

-مش بمزاچكِ.. انا لما اجولك كلى تاكلى... تعاااااالى...
انتفضت مع صرخته .. وهو يهتف بكلمته الاخيرة.. وقامت
لتجلس أمام صينية الطعام... لتمسك.. بالملعقة بيد مرتعشة
ومعدة منقبضة... وأمعاء متقلصة حد الألم ..لكنها أكلت
تحت تهديد نظراته المركزة عليها.. وكلما أدرك انها تتصنع تناول الطعام .. ينظر اليها زَاغراً فى حنق.. فتأكل على غير رغبتها... حتى كادت تختنق ..

وأطلقت الشهادة... وهو يقوم أخيراً من أمام طاولة الطعام
ليغسل يديه.. فتبعته فى هدوء.. لتغسل يدها وتندفع لأريكتها
تتدثر بغطائها من جديد.. وتحتمى من نظراته.. التى تحاصرها..
وأخيراً... أغلق الأنوار .. ارهفت السمع لبعض الوقت
حتى غط فى نوم عميق... فبدأ النعاس يداعب جفونها
ويرسلها لدنيا الأحلام... أو ربما الكوابيس...

فهى تنام فى عرين الغول .. كيف لها ان تنسى ذلك !!؟
و... مع تباشير الصباح الأولى...
دوت صرخة... جعلته.. ينتفض من مكانه...
ليهتف..فى جزع:- ايه... چرى ايه!!؟؟..
وتعالت الصرخات... حتى شقت أرجاء السراىّ العتيقة..
لتوقظ كل قاطنيها...

لم يعرف ما يحدث... كل ما استطاع ان يستوعبه بإدراكه المشوش... من جراء الأستيقاظ فزعا... هو تلك الصرخات
وما ان انتفض من فراشه .. مهرولا لخارج الغرفة .. حتى
توقف فجأة... ليدرك أخيراً... أن تلك الصرخات .. مصدرها
عروسه التى وجدها متكومة... على أرض الغرفة تتلوى ألماً
اندفع اليها.. فى جذع.. يسألها فى تعجب:- فى ايه... !!؟؟..ايه
اللى چرى..!!؟؟

ردت وهى تتمزق..:- مش عارفة ..بطنى بتتقطع..
حملها بين ذراعيه... ليضعها على الفراش ..
ويدثرها... ثم يندفع فى سرعة.. لخارج الغرفة..
ليكاد يصطدم بأمه وأخته سهام واللتان جذبتهما الصرخات
فتجاهلهما فى توتر هاتفاً:- يا أم سعيد... فلبت المرأه النداء
سريعا... فهتف بها... :- شوفى ولدك فين وابعتيه يجيب
الداكتور بسرعة...

-ليه .. خبر ايه يا عاصم بيه!!؟؟ .. سألت المرأة فى جذع
- أنتِ هتحكى معاى.. همى وخلصى... أجابها فى حنق
-حاضر .. أها.. جوام..وركضت المرأه تبحث عن ولدها
عاد للغرفة التى دخلتها امه وأخته... مستفسرتان... عما
يحدث... ولازالت زهرة.. تتلوى ألماً...
كانت تحاول كتم صرخاتها .. خجلا .. لكن شدة الالم ..
كانت تدفعها .. لأن تعلو صرخاتها رغما عنها...
حاولت سهام تهدئتها .. بينما ظلت الحاجة فضيلة ..
عند رأسها .. تقرأ لها بعض آيات القرآن الكريم ..

مؤكدة .. انه الحسد .. وأعين النساء قد طالتها
أما هو فقد وقف... متعجباً من حنان أمه تجاه زهرة
والتى توقع ان تكون اكثر المتعاملين معها شراسة
وقسوة... أليست هى بنت ناجى التهامي... والذى طالما
أزكت أمه... الرغبة فى نفسه للأنتقام منه...
كانت ملامح وجهه جامدة كالصخر .. لا تعابيرفيها
دخل الطبيب مستأذناً... فتنحت النساء جانباً
وهتف عاصم فى ترحاب:- أتفضل يا داكتور.. اتفضل
تقدم الطبيب حيث ترقد زهرة .. منكمشة على نفسها..

وبدأ الطبيب فى فحصها ..
فتنحى جانبا .. يطل بوجهه على شرفة الغرفة...
حتى يستطيع الطبيب إنهاء فحصه ..
وأخيراً... قال الطبيب فى هدوء .. وهو يخط أسماء
لأدوية .. يجب أن يتم جلبها فى الحال .. وهو يقول :-
الظاهر .. المدام كلت أكل تقيل عليها شوية .. واضح
انها مش واخدة على أكل الصعيد... قالها الطبيب فى مرح
برئ .. وهو ينظر لزهرة... أنا أديتها حقنة هتهديها شوية
لحد لما تجيبوا الادوية اللى كتبتها دى... وألف سلامة عليها ..

- متشكرين يا دكتور... ألف شكر .. هتف عاصم
- العفو يا عاصم بيه .. تحت أمرك فى أى وقت ..
- يا واد يا سعيد .. نادى عاصم على غفيره.. الذى ظهر
فى لمح البصر.. فقال له.. وصل الداكتور .. هم يا واد..
وألف شكر مرة تانية يا داكتور... وخد الروشتة من الداكتور
وهاتها وأرجع طوالى...

- أوامرك .. يا عاصم بيه ..
اندفع عاصم عائدا لغرفته.. فوجد زهرة وقد استكانت بين
ذراعىّ أمه... وسهام تتطلع اليه... فى حزن...
-ما تجلجش يا خوى هاتبجى بخير... همست سهام
- إن شاء الله .. قالها فى لامبالاة...
جاءت ام سعيد مهرولة بالدواء ولتبلغ الحاجة فضيلة...

أن نساء الهوارية جميعهم.. بالأسفل.. قد جئن... لمباركة العروس..فى صبحيتها... زفرت الحاجة فضيلة فى حنق:- و دِه وجته.. مكنوش
جادرين يتأخروا شوية... البنية تعبانة.. هاتنزل لهم كيف دلوجت.!!؟؟...
نظر عاصم لها فى تعجب... هل هذه هى الحاجة فضيلة التى يعرفها... !!؟... استكملت حديثها محاولة تجاهل نظرات عاصم المتعجبة... روحى يا سهام .. استجبليهم... على بال ما أچهز وأنزلهم... وانتِ يا أم سعيد جدميلهم الشاى والحلو على بال ما أحصلكم...

ثم هتفت فى ولدها :-... عاصم... تعالى مكانى يا ولدى... قالتها وهى تشير له ليجلس مكانها... حيث كانت تحتضن زهرة بين ذراعيها..
سار فى بطء .. لا يستطيع أن يتحجج بأى حجة... حتى لا يقترب منها... يتعجب من حال أمه .. ولا يستطيع التفوة
بكلمة... لوجود أم سعيد...
كتم أنفاسه... حتى غادرت أمه وخلفها أم سعيد...
بصينية الطعام الكارثة...

نظر اليها .. ببعض من شعور بالذنب يكتنفه.. فهو من ضغط عليها .. لتأكل على الرغم من عدم
رغبتها فى ذلك...
نهض فى بطء... وحذر... واضعاً رأسها... على الوسادة..
نائياً بنفسه عنها.. جاذباً على جسدها المسجى الغطاء...
إلا انه سمعها تهمهم من بين أحلامها... بضع كلمات..
لم يكن يحتاج لأن يركز.. أو يرهف السمع... حتى يتأكد
أنها ..تتمتم بكلمة... أكرهك...

أبعد ناظريه عن محياها... تناول عصاه الابنوسية..
وعباءته... ليخرج من الغرفة لا يلوى على شئ...
سوى أن يكون بعيداً... عنها... بعيدا بما يكفى...

تجمعت نسوة الهوارية فى المضيفة الكبيرة التى ترتبط
بصحن الدار بردهة واسعة يقبع على جانبيها... غرف مختلفة أحداها كانت تلك التى قضت فيها زهرة... أول ليلتين لها فى
سراىّ الهوارية... هكذا تذكرت... عندما مرت بتلك الردهة .
وتذكرت تلك اللحظات الرهيبة التى قضتها فى تلك الغرفة..
وصلت إلى حيث أجتمعت النسوة ..بعد ان أيقظتها سهام
معتذرة... من أجل النسوة اللائي أتين لمباركة زفافها...

بعد ان تأكدت انها على ما يرام... وما أن دخلت القاعة حتى أُطلقت الزغاريد.. ترحيباً بقدوم العروس... أشارت لها الحاجة فضيلة حماتها... لتأتى وتجلس بجوارها.. فأطاعت فى خجل وأعين الجميع .. تتفرسها... ربتت الحاجة فضيلة على كتفها فى حبورتحاول أن تزيح عنها شعورها بالخجل والإحراج الذى سيطرعليها...
وبدأت فى تعريفها بنساء العائلة واحدة تلو الاخرى..

لكنها شعرت بشكل خاص بجو من العداء والغيرة الغير مبررة
تنضح من سمية أبنة عّم زوجها وأمها الحاجة رتيبة منذ وصلت للمضيفة وكلتاهما تتغامزان وتتلامزان... وهى على يقين من انها الموضوع الأساسى لنميمتهما...
- والله ما حلوة .. ولا فيها ريحة الحلاوة... همست سمية
لأمها تقصد زهرة...

- أه مهياش فى حلاوتك... لكن جدرت تميل عجل عاصم
واد عمك... اللى عجله يوزن بلد... وبجت مرته.. يا
خايبة... وانتِ اللى كنتِ جدامه من سنين... ولا حتى
فكر يفاتح أبوكى او أخوكى .. بأنه رايدك...
- ما تجلجيش ياما... عاصم واد عمى محدش فهمه كدى..

ديتها كام يوم... ويزهج منيها... وساعتها.. مش هيكون لحد غيرى..
-لما نشوف يا مخبلة... هايسيب المصراوية دى اللى لفت عجله
ويبصلك كيف!!!؟؟...
-هتشوفى ياما... بتك هاتعمل أيه..!!؟؟...

قطعت استرسال نميمتهما... الحاجة فضيلة والتى لم يكن يخفى عليها... فيما تتهامسان... فهى تعلم علم اليقين..
أن رتيبة زوجة غسان رحمه الله كانت منية فؤادها أن تزوج ابنتها لعاصم ولدها... لكن هذا من رابع المستحيلات...
فهى تدرك بشكل قاطع .. انها ترغب فى ذلك طمعاً فى
المال والجاة وليس حباً فى عاصم أو تقديراً له...

فهتفت الحاجة فضيلة بحزم :- أيه .. خبر أيه... يا حاچة
رتيبة .!؟؟.. ايه اللى واخدك عنينا... وعن عروستنا الحلوة!؟؟...
أنتفضت رتيبة فى أضطراب قائلة:- لاه .. أها .. أنا أها..
وايه اللى ممكن يشغلني عن عروستنا الزينة دى... وكمان
أدى نجوط العروسة... مرت الغالى... ولد الغاليين...

ونهضت تضع حول جيد زهرة عِقد من عدة أدوار من الذهب الخالص..كادت زهرة أن ترده فى إحراج .. لكن
منعتها الحاجة فضيلة فى إشارة منها .. لأن ذلك غير جائز
وان رد الهدية يعتبر إهانة... وردت الحاجة فضيلة ..
فى ثقة وحزم ..:- تعيشى يا حاچة رتيبة.. تتردلك فى صباحية سمية بتك .. بإذن الله... عن جريب ..
-تعيشى يا حاجة فضيلة... وتفرحى بعوضهم... يا رب..

وأنهت دعوتها بأبتسامة صفراء... فمن تلك التى تستطيع
أن تضع نفسها فى موضع منافسة او ندية مع الحاجة فضيلة
أم عاصم الهوارى .. الذى يسوس البلد بأكملها... بأشارة
من إبهامه...
تناوبت النساء واحدة تلو الاخرى فى تقديم هدايا الزفاف
لعروس عاصم الهوارى سيد شباب الهوارية ونجع الصالح
بأكمله...

عندما غادرت النسوة..كانت زهرة لا تستطيع السير من ثقل
الهدايا الذهبية التى ترتديها حول جيدها ومعصمها... ومازحت سهام قائلة:- هفتح محل دهب... باللى أنا لبساه ده كله...
انفجرت سهام ضاحكة .. وهى تقول :-عوايدنا بجى... تجولى أيه.. كل حاچة عندينا بزيادة...
-صدقتى يا سهام... قالتها فى شرود.. كل حاجة عندكم بزيادة... بالذات الكره والإنتقام... دووول بالذات...
بزيادة قوووووى...

لم تكن تدرك... أن عاصم دخل المضيفة من بابها الخلفى
وسمع ما قالته... و... انتفضت هى عندما تنحنح فى قوة...
قائلا فى برود:- كيف حالك دلوجت !!!... أحسن... !!!
-أحسن الحمد لله... تعبتكم معايا...
هز رأسه فى نفى دون أن ينطق بكلمة.. بينما ردت سهام
فى لوم وعتاب محبب:- كيف تجولى كده .. دِه أنتِ مرت
أخوى الغالية.. يعلم ربنا بعتبرك أختى...

أبتسمت زهرة ممتنة للود الحقيقى الذى تظهره سهام.. بينما
قال عاصم فى هدوء :- تعالى يا داكتورة.. أبوى عايز يصبح
عليكى... وسار صاعداً الدرج وهى خلفه.. حتى وصل لغرفة أبيه... طرق الباب ودخل وخلفه زهرة... كان أبيه
جالساً على فراشه الذى لا يغادره...

أنهى صلاته فى خشوع .. ورفع رأسه ليطالع ولده.. فأنفرجت أساريره... مازحا.. :- يا مرحب بالعريس
وكاد أن يطلق مزاحاً خارجاً .. إلا أن زهرة خرجت
من خلفه .. لتتغير ملامح العجوز من المرح إلى الدهشة والتعجب... وهو يهتف فى ذهول:- فاطنة..!!!!؟؟؟

كان الحاج مهران الهوارى... مشدوهاً عندما وقعت عيناه على زهرة... لكنه استدرك الأمر عندما تحدث عاصم فى هدوء :-
دى الداكتورة زهرة يا بوى... بت الداكتور ناچى التهامي ..
رد العجوز فى تدارك... :- إيوه... أمال ايه .. ما أنا عارف
دى مرتك يا عاصم ..امال فاكرنى كبرت وخرفت يااااك...
-العفو يا حاچ... أنا .. وقاطعه والده فى حزم قائلا:-
-انت تخرچ بره دلوجت... وتسبنى مع عروستك...

تردد عاصم .. ولم يكن ينظر اليها .. هكذا لاحظت زهرة
إلا انه لم يستطع الا تنفيذ الأمر... لم ترى جبروت ذاك
الرجل ينحنى... إلا أمام شخصين فقط... أبوه وأمه..
خرج عاصم .. وترك زهرة .. تشعر بخجل وأضطراب
مع ذاك العجوز .. كان عاصم يشبهه فى بعض تفاصيل
الوجه.. وبعض اللمحات .. خاصة العيون السوداء الحالكة
إلا أن نظرات العجوز كانت تحمل الكثير من الحنو والرأفة
عكس نظرات ابنه القاسية التى دائما ما يوجهها إليها.. حاملة سهام البغض والكراهية التى تغذى روحه...

تبسم العجوز عندما ادرك بنظرته الثاقبة ما تعانيه من اضطراب... فأشار
إليها .. لتجلس على طرف فراشه... فأقتربت فى آلية...
وجلست حيث أشار... تفرك يدها دلالة على مزيد من التوتر
الذى يعتريها... تطلع اليها العجوز فى حنو .. ثم ربت على كفيها
المتشابكين .. لتهدئتها...
-كيفك يا بتى... مليحة..!!؟؟..

هزت زهرة رأسها علامة الأيجاب... ثم همست بصوت مضطرب:- الحمد لله...
-عارف انك هنا مش بخطرك... وعارف انك بتدفعى تمن ذنب
أنتِ مرتكبتيهوش... بس نجول ايه فى عوايد وتجاليد .. قتلانا
وحكمانا.. ذى الرحايا... دايرة ومحدش بيجدر يهرب منيها...
إلا ابو جلب عاشج... عاشج بچد... وابتسم العجوز فى حبور وهو
يتطلع إلى نقطة بعيدة خلفها وكأنه يرى من خلالها ماض ولى .. حين استطرد... أبوكى كان العاشج دِه...

-بابا... !!؟؟ سألت زهرة فى تعجب
أومأ العجوز بالإيجاب... وأكمل قائلا :- أنا بترجاكى يا بتى... متزعليش من اللى حُصل... وسامحى... عاصم ولدى يبان جاسى
وحش كيف ما بيجولوا عليه... لكن مع عيلته.. وحبايبه... جلبه رهيف... وأبيض من اللبن الحليب... ولو حُصل منه حاچة أو زعلك فى حاچة.. تعاليلى.. أنا كيف ما أنتِ واعية... جاعد على سريرى مبتحركش... اشكيلى .. وأنا أخد لك حجكِ منيه...

ابتسمت زهرة .. وشعرت تجاه ذاك الرجل الرائع بالأمتنان
فقد أحدثت كلماته الحانية فارقاً كبيراً... فى تخفيف بعض ما تعانيه من جراء تلك الأحداث المتلاحقة... التى عاشتها منذ أن رأها عاصم للمرة الأولى...
أشار الحاج مهران لأحد ادراج الخزينة التى تتوسط غرفته
قائلا:- هتعبك يا بتى .. أفتحى الدرچ ده .. وهاتيلى ..
الصندوج الأبنوس اللى فيه..
أطاعت زهرة الأمر ..وأحضرت له الصندوق والذى عالجه
بمفتاح كان يعلقه في رقبته... فتح الصندوق.. ليخرج منه
شئ ما... ثم أغلقه ثانية.. ووضعه جانبا.. ثم قال لزهرة...

-جَربى...
أقتربت زهرة مطيعة أمره فأنحنى ليضع... قلادة من الذهب
لم ترى أروع منها... نظرت متسائلة... فرد العجوز فى فرحة
وقد برقت عيناه... وهو يتطلع للقلادة فى جيد زهرة... دى
هديتى ليكِ... يا مرت ولدى الغالى... حافظى عليها...
دى غالية علىّ جووووى... دى بتاعت أمى الله يرحمها...
لكن الغالى... للغالى... قالها فى عاطفة فياضة وهو يربت
على خدها فى حنو بالغ .. جعل الدموع تترقرق فى مقلتيها..

لكم تفتقد أبيها وحنانه.. لكن الله عوضها بذاك الرجل الرائع..
لما ابنه لا يمتلك بعض من حنان ورقة قلب ذلك الرجل ..!!
سألت نفسها متعجبة.. وكيف يكون لرجل قاسى متحجر القلب مثل
عاصم لا يضع للمشاعر وزنا... ولا يفكر الا فى الانتقام... من أجل العائلة... وأسمها.. وسمعتها... أب بتلك العقلية.. المتفتحة..
والتى تلعن الانتقام .. وتبغض الدم...

أخرجها العجوز من شرودها..وهو يقول.:- جومى يا بتى لجوزك
وأسمعيها نصيحة من أب لبته... يمكن الوشوش ما تتجابلش تانى
أوعاكِ تسلمى... أوعاكِ...
خليكى نچمة عالية... تبجى للأبد غالية... لحد ما يأمر سلطان الجلوب... سمعانى... لحد ما يأمر سلطان الجلوب... ساعتها
بس... هاجولك... انك بت أمك صحيح...

تطلعت زهرة للعجوز الحنون فى حيرة .. وتعجب من كلماته التى تشبه الاحاجى... وهمت أن تسأله.. لولا إشارته لها بالأنصراف
دخلت فى تلك اللحظة الحاجة فضيلة .. وكانت زهرة على وشك الخروج... تنبهت للقلادة التى تزين جيدها... فتبسمت وأغلقت
الباب خلف زهرة.. وتوجهت للحاج مهران متسائلة... :-
-عطيتهالها.. يا حاچ...
- أه... أجاب فى وهن...

جلست بجواره على الفراش .. تتطلع اليه .. بنظرات مضطربة و دموع حبيسة قلما تراها تترقرق فى عيون الحاجة فضيلة الحازمة..
فتطلع اليها فى حنان وحب... وسألت تدارى تأثرها...
-هى يا حاچ بت فاطنة... صُح..!؟..هز العجوز رأسه إيجاباً...
فأستطردت... أمال أبوها ليه كدب علىّ...
وجالى انها ماتت يوم ما تولدت... وأختى حصلتها.. بعديها بكام
يوم .. بحمى النفاس..

-أعذريه... تلاجيه ساعتها كان خايف على بته بعد ما راحت أمها..الخوف يعمل أكتر من كِده...
-طب وبخيتة راخرة ها تكدب علىّ... دِه إلا دى... دِه معروفى
معاها لساته مطوج رجبتها... لا.. مش ممكن يا حاچ... صمتت بضع لحظات ثم قالت فى تأكيد ..: بخيتة... هى اللى لازماً أدور عليها دلوجت... علشان جلبى يرتاح..
-ريحى جلبك يا حاچة وأسألي بخيتة... مع انها مش لازم لها سؤالات
زهرة كأنها فاطنة أختك... أول لما أطلعتلها... وكأن فاطنة الله يرحمها... جدامى...
أومأت الحاجة فضيلة... برأسها بالإيجاب على كلام زوجها...

فهى تذكر رد فعلها... عندما رأتها للمرة الأولى... وهى ترفع لها خمارها... وكيف انتفضت... عندما أيقنت الشبه الصارخ... بينها .. وبين أختها الحبيبة... والتى رحلت عنها...
لكنها تريد أن تقطع شكها باليقين .. والبحث عن بخيتة .. او بالأدق... الإرسال فى طلبها... وهى تعلم تماما .. من يمكنه
أن يدلها...

خرجت زهرة من حجرة الحاج مهران الهوارى .. تتملكها الحيرة
وخاصة لتلك الكلمات التى أوصاها بها فى أخر كلماته... تتحسس
القلادة التى تزين جيدها... وهى تفكر فى مغزى تلك الكلمات...
التى كانت كالأحجية بالنسبة لها... كانت تتوجه لتبحث عن سهام
كانت تهرول .. وهى تهبط الدرج فى سرور... عندما أصدمت
بحائط من الفولاذ .. لولا صلابته لكانا الأن... كلاهما متكوم أسفل الدرج...

هو ايضا كان يندفع صاعدا... لا تعرف لماذا !!؟؟ فهذا ..ليس من طبعه... كان دائما... واثق الخطوة يمشى ملكا... فما ذاك الخطب
الجلل الذى .. جعله يخرج عن طوره... !!؟؟
لازالت بين أحضانه... تحاول الثبات بأقدامها على احدى الدرجات
لتبتعد عن تلك الذراعين واللتان تحيطانها كأحاطة السوار
بالمعصم... بدأت أنفاسها تضطرب وهى ترفع عينيها لترى
تعابير وجهه الجامدة... والتى لم تكن تُنبأ... بأى تأثر... نتيجة قربه منها بهذا الشكل... تنبهت ان عصاه الأبنوسية قد سقطت من أعلى الدرج وأستقرت عند أخره... بدوى مسموع
اما عباءته التى دائما ما يضعها على كتفيه.. فقد سقطت الأن متكومة.. بعد حوالى درجتين من موضع كفاحهما للبقاء .. تنبهت لذاك الوريد الذى ينبض قرب صدغه...
والذى كان ينتفض فى ثورة... وتمرد واضحين...
أخيرا... انتهت معركة البقاء... وأبعدها عنه .. يلتقط انفاسه
فى تقطع .. تتابعه هى مذهولة... وهو يتمالك نفسه فى شموخ ..

كشجرة باسقة أحنت رأسها فى مواجهة العاصفة... لترتفع هامته
فى صلابة وثقة .. وكأن شيئا لم يكن .. مر بجوارها.. صاعدا
الدرج .. فى هرولة غير معتادة جعلتها تتيقن ان هناك خطب ما
تناولت... عباءته... ثم عصاه الأبنوسية... وانتظرت لتعطيهم
له عند خروجه... إلا انها وجدت سهام أخيرا... والتى كانت
ساهمة على غير عادتها ..

-سهام... فى أيه... أخوكى طالع يجرى .. وأنتِ مسهمة..
هو فى أيه بيحصل !!؟؟...
-عزيزة بتولد... أجابت سهام... والولادة متعسرة...
-ربنا يقومها بالسلامة... ودى تقربلكم أيه!!؟؟...
أنفجرت سهام ضاحكة وهى تقول :- لا... يا دوب جرابة من بعيد
دى تبجى الفرسة بتاعت عاصم... مجلكيش بيحبها كد أيه...
وعاصم كان طالع يغير خلجاته... علشان يجيب لها داكتور مخصوص من المركز ..الداكتور صفوت... مساعد الدكتور عونى ..مجدرش يعملها حاچة... والداكتور عونى مسافر...

أحتاجوه ضرورى فى المزرعة فى مصر ..
ما ان همت بالكلام حتى سمعت أصوات أقدامه وهو ينزل الدرج مهرولا... تناول منها العباءة والعصا فى تعجل .. لم ينظر اليها
حتى... وأسرع مغادرا من قبل ان تفتح فمها ..
نظرت لسهام فى حسرة... وهى تقول :- يا ريتنى أقدر أساعد
-تساعدى كيف... !؟... واضح ان الحالة واعرة بچد...
-انتى نسيتى انى دكتورة بيطرية ولا أيه !!!... يمكن أقدر أعمل حاجة... بس الخوف من أخوكى لو فكرنا نروح هناك...
ظلت سهام ساهمة تفكر ثم فجأة هتفت بطريقة أجفلت زهرة...

-طيب هساعدك تروحى هناك .. يمكن صُح تجدرى تعملى
حاچة تساعدى بيها لحد ما الداكتور اللى راح يچيبه عاصم ياچى
وربنا يستر... هو فى عروسة تخرج يوم صباحيتها... !!
دِه ها يجتلنى... قالت الكلمة الاخيرة فى رعب حقيقى... بچد ذنبى ها يبجى فى رجبتك.. يا صغيرة على الجتل يا سهام...
-وانا ذنبى ها يبقى فى رقبة مين !!!؟؟؟... سألت زهرة مازحة...
-هاروح اجيب لك عباية سودا من بتوعى تلبسيها... وربنا يسترها
بچد... قالتها سهام دون ان ترد على مزحة زهرة... وتسرع الخطى .. حتى لا تغير رأيها...

سارت سهام جاذبة زهرة من يدها .. فى الاتجاه الغربى للنجع.. تتلمس الطرق الخالية من المارة... وعلى الرغم من قرب إسطبلات الخيل من السراىّ... إلا انها... باتت بعيدة فى أعينهما
نتيجة لخوفهما من ان يراهما شخص ما... وما يمكن أن يحدث
بسبب تجرأهما على المجئ... دون مشورة من أحد...
وصلا أخيرا... وقد بلغ بهما القلق مبلغه.. يلتقطان انفاسهما فى
تلاحق... وصلت الأثارة بزهرة أن سحبت سهام خلفها فى تلهف
حتى وصلا لمكان الفرسة عزيزة والتى كانت فى حالة يرثى لها ..

ما أن رأتها زهرة حتى غلبها شوقها... لمهنتها التى تعشقها بجنون... أقتربت من الفرسة فى هدوء محسوب .. رفعت الفرسة
رأسها كأنما تستطلع من القادم لأنقاذها... جلست زهرة بجوارها
تربت على رأسها وتمسد عنقها فى حنان أستطابته الفرسة...

والتى أخذت تأن وكأنها تشكو لزهرة وجعها... تنبه الدكتور صفوت... والذى كان شاب لا يكبر زهرة بكثير... جاء به الدكتور عونى... ليكون مساعد له... تنبه لتلك... المتلهفة..
الغريبة التى أقتحمت المكان .. ونظر إلى سهام .. التى ظهرت خلفها بعدة خطوات لاهثة... نظرة استفهام عن كونه تلك الغريبة.. فردت سهام فى فخر:- دى الداكتورة زهرة مرت أخوى
عاصم .. يا داكتور...

توجه الدكتور صفوت ..بالترحاب لزهرة... :- أهلا .. أهلا يا دكتورة .. شرفتينا... وألف مبرووك..
تنبهت زهرة لكلماته... فخرجت من شرودها.. وتأثرها ..
-أهلا بحضرتك .. أجابت فى خجل... ثم غلبتها طبيعة مهنتها
فسألت فى استفسار... أيه حالة الفرسة بالظبط يا دكتور..!!؟؟

أخذ يشرح لها بعض الأمور الطبية التى لم تعى سهام كلمة واحدة
منها فأنزوت فى ركن جانبى .. تنعى نفسها.. على ما قد يحدث لها
من جراء تشجيع زهرة على المجئ إلى هنا... أما زهرة فقد
تحمست بشدة وهى تقول للدكتور صفوت :- الأمر خير بإذن الله...
أنا أدربت كتير على الحالة دى... وممكن أساعد .. علشان معتقدش
نقدر نستنى أكتر من كدة .. فى خطر على حياة الفرسة واللى فى بطنها.. وأكيد هحتاج مساعدتك يا دكتور...

-طبعا ده يشرفنى... أنا تحت امرك.. ده حضرتك طلعتى زميلة
وشاطرة كمان... قالها فى ود محبب... قابلته زهرة بأبتسامة مجاملة... وبدأت عملها .. مرت حوالى الساعة أو يزيد... حتى أطلقت سهام زغرودة مدوية... حين أنتفض المهر الوليد... يقف مترنحا... وصهلت عزيزة فى ضعف فرحة لأستقبال مولودها
الأول ..

أما زهرة فقد تنفست الصعداء... غير مصدقة إنجازها للمهمة
الشاقة والتى صفق الدكتور صفوت فى انبهار عند إتمامها
بتلك البراعة...
لمعت الدموع فى عينى زهرة هى ترى حنو الفرسة عزيزة على وليدتها ..لطالما تمنت حنانا مشابها من أمها .. والتى لم تسأل عنها أو حتى تأتى لتحضر زفافها... لا تعرف لما ذاك الجفاء!!؟؟

فلقد سامحها أبوها... فلما لم تسامح امها بالمثل .. لم حتى لم تسأل عنها... فهاتفها المحمول فى حوزتها من بعد ما تأكد عاصم انها له بعد أن تم عقد قرانهما ... فما حاجته
فقد ضمن أنه كبلها بالخوف على أبيها.. والولاء لعائلتها...

أستفاقت من شرودها... على صيحات سهام وهى تحتضنها فى فرحة... وانبهار حقيقى ..قائلة:- چدعة يا زهرة... مكنتش أعرف انك داكتورة شاطرة كده... والله .. لما ياجى أخوى...
ها تبجى فرحته كَبيرة..
وفجأة... هدر صوت كالرعد ..أثار الفزع فى نفوس الجميع...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 36 < 1 2 3 4 5 6 7 8 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 10:32 AM