logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





09-01-2022 11:25 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10


t22008_9294

اندفعت راكضة على رصيف الميناء تحاول اللحاق بالباخرة التي حجزت على متنها تذكرة للسفر لاوروبا في رحلة طويلة بعيدا عن تلك الأماكن التي باتت تثير بها اوجاع ما عاد لديها القدرة على تحملها.
كانت تلهث وهى تحمل تلك الحقيبة الثقيلة في اتجاه ذاك السلم الذي يصعد بها لمتن السفينة العملاقة.

وصلت لأعلى نقطة على سطحها وألقت بحمل حقيبتها اخيرا وتوقفت تشير في لهفة لشخص ما تودعه .. كانت نهى ابنة عمتها التي تنتظرها بالأسفل تشير اليها متحمسة وهي تتقافز صارخة في مزاح:- استمتعي كثيرا بوقتك ولا تنسي مغازلة الشباب الأوروبي ذوي الاعين الملونة بالنيابة عني.
شهقت حياة في صدمة لمزاح ابنة عمتها الذي لا يراع حدودا وعادت للخلف قليلا حتى لا يتطلع اليها احد بعد ما أعلنته تلك الحمقاء.

سمعت نفير الباخرة ينعق في قوة مؤكدا انها في سبيلها للإبحار .. عادت تتطلع الي موضع نهى التي عادت تلوح لها من جديد لكن ما اثار انتباهها اكثرهو ذاك الشخص الذي كان يتجه نحو السفينة في عجالة وهو يمسك بكف حسناء تركض مهرولة خلفه .. كانت تعتقد انهما سيصعدا معا سطح الباخرة لكنها كانت مخطئة فها هو يعانق تلك الشقراء الرائعة الجمال ويقفز في اتجاه الباخرة التي اطلقت نفيرها للمرة الثانية وبدأت في التحرك وهو يتعلق بسلالمها وهو يلوح بكفه للجميلة التي كانت تسمح دمعاتها في تأثر وهو يبعث لها ببعض القبلات الحارة يقذف بها في اتجاهها كأي عاشق يودع محبوبته.

ابتعدت عن حافة السور للداخل تعدل من وضع حجابها على رأسها في اضطراب لتبدأ في البحث عن قمرتها التي ستقضي بها لياليها قبل الوصول للجانب الاخر من الارض حيث ستبدأ رحلتها...
فصول رواية السماء تشهد أيها الماجن
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول

كانت تتمدد على الفراش في سكينة في انتظار وقت العشاء، سمعت حركة أمعائها معلنة تضورها جوعا فقد كانت اخر لقيمات قد نزلت بجوفها بصعوبة في الصباح الباكر وبعد ضغط من ابنة عمتها هي لقيمات إفطارها..
نهضت متطلعة لهيئتها في المرأة الطولية مؤكدة ان وزنها قد انخفض كثيرا مقارنة بالعام المنصرم..
ابتسمت في شجن محاولة التأكيد على نفسها ربما للمرة الالف انها هنا لكي تنسى وتعيش تجربة ممتعة وخبرة جديدة..

دخلت نهى فيلا جدها السعيد احد اكبر رجالات الاعمال ببلدتهم الساحلية والذي يعود اصله لأسرة عريقة وترجلت من سيارتها مندفعة باتجاه مجلسه بالحديقة لتنحني واضعة قبلة على خده هاتفة في مرح كعادتها: - هاقد أنجزت المهمة يا جدي وكل شئ على ما يرام..
هتف جدها متسائلا: - هل انتظرتي حتى تأكدتي من إبحار الباخرة وحياة على متنها!؟.

اومأت نهى مؤكدة: - نعم يا جدي، وقفت ألوح لها وهى على متن الباخرة حتى أبحرت، لا داع للقلق صدقني، لقد سافرت حياة بالفعل وانا متأكدة انها ستستمتع بوقتها بشكل جيد..
همهم جدها: - اتعشم في ذلك، لقد عانت بن خالك الكثير، لم تكن لتتحرك شبرا الا بالضغط عليها لترحل بعيدا فقد نصحها الطبيب بتغيير الأجواء..

تنهدت نهى في شجن: - صدقت يا جدي، فلقد كانت الفترة الماضية غير محتملة، اتمنى من كل قلبي ان تهنأ في رحلتها فهى بحاجة لبعض التغيير والمتعة..

حان وقت العشاء، عدلت حياة من وضع غطاء رأسها جيدا واندفعت في اتجاه المطعم الذي وصلته طبقا للإرشادات، وقفت على أعتابه وجالت ببصرها تختار طاولة نائية باحد الأركان..
توجهت اليها في هدوء وما ان جلست حتى جاءها النادل لخدمتها..

اختارت ما شعرت انها تشتهيه واومأ النادل برأسه في إيجاب مؤكدا ان عشاءها سيكون جاهزا خلال دقائق، تشاغلت بالنظر الي رفقاء الرحلة في محاولة لإضاعة الوقت الذي تشعر به طويلا لا ينقضي وتساءلت، هل كان من المناسب القيام بتلك الرحلة من الاساس!؟، لكنها تنهدت وقد ايقنت انه سؤال قد تأخر الوقت جدا على طرحه..

وقعت عيناها عليه، ذاك الشاب عاشق الشقراء الذي رأته بالميناء والذي يبدو انه تعافى سريعا من اوجاع وداعها وها هو يجلس مع شقراء جديدة لتكون هى الدواء لفراقه عن شقراء البر التي خلفها ورائه، مطت شفتاها في قرف وودت لو نهضت لتخبر تلك المغفلة التي تصاحبه انها مجرد حبة في مسبحة نسائه، لكنها اثرت الصمت متيقنة ان الامر يروق لتلك الشقراء وهى ترى تلك الابتسامة المرسومة على شفتيها بعرض وجهها وقد علت نبرتها لتصبح قهقهات متعاقبة محملة بالغنج، يبدو انه قادر تماما على إسعاد رفيقاته، ووجدت نفسها رغما عنها تتطلع اليه في فضول، لم يكن وسيم الملامح والقسمات لكن شيئا ما به يحمل جاذبية خاصة تجعل منه اشبه بالمغناطيس، كان متوسط الطول ذو جسد رياضي تظهر بنيته المتناسقة من خلال ذاك القميص الذي قُد على قده، مع ذقنه الحليق والذي يظهر بروزا عظميا على جانبيه يجعله منحوتا كما وجه تمثال روماني وكذا شعره السبط الحالك السواد الذي ظهرت أطرافه من تحت ذاك الكاب الذي يرتديه، بجانب تلك الابتسامة الخلابة مرسومة على شفتيه عابثا بُخلة أسنان يلوك طرفها في لامبالاة وهو يهمس في مرح لصديقته التي كانت تعيره اهتماما جما..

همست لنفسها في ضيق: - كفي، توقفي عن التحديق في ذاك الأحمق..
لكنها لم تستمع لذاك الامر الداخلي، ومتى استمعت!؟، لكنها كفت بالفعل وإدارت وجهها في اتجاه اخر مضطربة النظرات لكن بعد ان كان الوقت قد تأخر وشعر هو لا إراديا بالحصار فقد وجه نظراته اليها ليمسك بها متلبسة بالتحديق فيه كبلهاء..

شعرت بارتجافة تعتريها، وشتمت نفسها سرا عندما تأكد لها انه قد حان دوره ليتفرس بها لتصبح تحت مجهر عينيه النافذتين واللتان ضاقتا في فضول مسمرة نحوها كعين صقر لا يخطئ فريسته..

تململت في موضعها وكانت على وشك الاندفاع مبتعدة لتعود لقمرتها الا ان حضور النادل بطعامها جعلها تعود لتجلس ما ان همت باتخاذ قرار الرحيل، وُضعت الاطباق قبالتها على الطاولة وما ان همت بإمساك الملعقة حتى شعرت انها لاتزل محاصرة بتلك النظرات هناك..
لم يعد الامر يحتمل لذا قررت النهوض للحمام لغسل يدها والعودة لتغير موضع جلوسها لتوليه ظهرها..

نفذت واتجهت للحمام على عجالة، غسلت وجهها وكفيها وعادت لطاولتها لتجلس موضعها تتنفس الصعداء في راحة فقد اصبح بامكانها تناول طعامها في اطمئنان فقد رحل مصدر قلقها فيبدو انه غادر طاولته مع حسنائه الهيفاء..
بدأت تأكل في شهية كبيرة وقد بلغ بها الجوع مبلغا كبير جعلها تتناول طعامها بشراهة غير معتادة والتى عزتها الي تأثير البحر وهوائه...

وبخت نفسها كثيرا فقد شعرت بامتلاء رهيب يهدد راحتها، ما كان عليها ان تأكل بتلك الطريقة، كانت جوعى فألتهمت كل ما قدم لها وما راعت ان أمعائها المسكينة تتضرر سريعا..

حمدت ربها انها احضرت دواءها معها، دخلت قمرتها وبحثت عنه بداخل حقيبة يدها الصغيرة تناولت منه حبة ألقتها بجوفها مع قليل من الماء وقررت الصعود قليلا لسطح الباخرة لاستنشاق الهواء لعله يساعدها في التخلص من ثقل تلك الوجبة الدسمة المطبقة على انفاسها والتي ستحرمها النوم لساعات ان لم تعمل على هضمها..

تطلعت حولها لتجد ان السطح خال تماما وان الجميع لايزل بالمطعم يتناول طعامه ويستمتع بالموسيقى التي تنبعث قادمة اليها..

كان يمكنها البقاء، كانت تود ذلك بالفعل، ولو كانت لاتزل حياة القديمة التي خلفتها ورائها منذ بضعة اشهر لكانت قد استمرت في الجلوس، لكنها تحاول ان تلتزم على قدر استطاعتها بما يفرضه عليها زيها المحتشم ذاك، غطاء رأسها وبنطالها الفضفاض على ذاك القميص الطويل الواسع، فابتعدت عن ذاك الجو المشحون بالرقص وتناول المحرمات..

توقفت عند مقدمة السفينة التى كانت تمخر عباب البحر في سلاسة ادهشتها كنصل سكين حار يقتحم قالب من زبد فيصهره في لحظة..
شعرت بتوعك فهمست في توسل: - لا، ليس الان، لقد تناولت دوائي بالفعل..

لم تكن تدرك ان الامر لا علاقة له بالطعام بل له علاقة بركوبها البحر للمرة الاولى، شعرت بدوار يكتنف رأسها وبدأت معدتها في التأوه، اقتربت من حافة السور المعدنية وانثنى جزعها لاأراديا رغبة في التقيؤ وإفراغ محتويات معدتها المضطربة الا انها وجدت نفسها وقد تم جذبها بشدة بيد قوية مبعدة إياها عن السور وشخص ما يهتف بها في غضب: - لا، ما تفعلينه ليس حلا يا حمقاء..

دفعت به بعيدا رغبة في إطاعة امر معدتها التي لازالت تتلوى ولم تتخلص بعد مما يثقل كاهلها ولازال الدوار يكتنف رأسها المسكين وتمسكت بالسور المعدني من جديد ليعاود محاولته مانعا إياها بقوة اكثر حزما ممسكا بها لتواجهه صارخا في حنق: - الانتحار ليس حلا يا مجنونة، وإذا كان ولابد منه..
استطرد مازحا: - ها انا ذا، اعتبريني بحرا واغرقي بين أمواجي..

وفتح ذراعيه ليتلقفها وهى تترنح وقد قررت معدتها في التو افراغ محتوياتها على قميصه الثمين..
لحظات من الصمت مرت لم يقطعها الا هدير الباخرة التي تشق البحر، كانا كصنمان متصلبان احدهما في وهن والآخر في صدمة..
همس مقتطعا الصمت وقد تجلت امامه الحقيقة: - هل كان ذلك ما..
قاطعته بدورها هامسة بغيظ من بين أسنانها: - نعم، كنت احاول التغلب على دوار رأسي، لا الانتحار ايها الذكي..

همس متحسرا في مزاح: - وانا الذي كنت آمل في تمثيل مشهد تايتانك..
همست بصدمة: - ذكر تايتانك الغارقة على سطح باخرة بعرض البحر!، يا له من فأل حسن!؟.





قهقه ولم يعقب وهو يشرع في فك أزرار قميصه المتسخ لتهتف في صدمة من جديد: - ماذا تظن نفسك فاعلا!؟.
هتف بهدوء: - اخلع قميصي المتسخ ام انه على السير حتى قمرتي بهذا الشكل المزري!؟.

أشاحت بكفها في لامبالاة هاتفة وهى تهم بالرحيل: - افعل ما يحلو لك، انا ذاهبة على اي حال..
عاودها الدوار من جديد وسارت تترنح كالسكيرة في اتجاه باب النزول عن السطح، لحق بها ممسكا برسغها وقد كادت تصطدم باحد العوارض الخشبية لتعاود معدتها الثورة من جديد ملقية محتوياتها على الجانب الاخر من القميص الذي لحسن حظه لم يكن قد خلعه بعد..

شتم في سره اوبالادق سب نفسه لائما لاهتمامه بأمر تلك الفتاة، فليتركها تفعل ما يحلو لها بعيدا عنه وعن قميصه..
بدأت تستعيد توازنها وهمست في وهن: - انا آسفة..





اكد بهدوء: - لا عليكِ..
وهنا خلع القميص ولم تعترض هى بل أشاحت بناظريها بعيدا عن صدره العار ولكنها شهقت في صدمة عندما وجدته يلق بالقميص من على سطح الباخرة هامسة: - ماذا فعلت!؟.

هتف مؤكدا في مزاح: - فعلت ما يجب فعله، لم يعد يصلح للاستخدام الآدمي بعد كل ما فعلته به، المسكين تحمل الكثير وان الأوان ان يستريح..
هتفت بحرج متجنبة النظر اليه: - كان يمكنني غسله وإعادته اليك نظيفا..
هتف بدوره: - لا عليك، لم يكن ليستخدم مرة اخرى على ايه حال، فهناك بعض الأشياء اذا ما اصابها العطب سيكون من الحمق اضاعة الوقت في محاولة إعادتها لسابق عهدها..

قال كلماته الاخيرة تلك بنبرة عجيبة اثارت كوامن نفسها لتتطلع اليه ناسية حذرها لترى ملامح وجهه والذي تبدل فجأة للوحة من الالم رسمها الوجع بريشته فأحسن تصويرها..
اضطربت واخيرا همست: - شكرًا..
واندفعت للداخل باحثة عن طريق العودة لقمرتها والتي ما ان عثرت على رقمها المدرج على بابها حتى دفعت بمفتاحها في الباب ودخلت مسرعة وكأنها تهرب من مجهول لا تعلم كنهه..

ألقى مهنى التحية في جدية كعادته ليرد السعيد في محبة: - مرحبا مهنى، اجلس لتتناول إفطارك معي..
مهنى محام العائلة ومدير أعمالها والذي يضع السعيد كل ثقته به فهو صديقه قبل ان يكون محاميه ويحمل عبء ادارة الاعمال منذ انهك السعيد المرض وازداد حدة بعد كل تلك الحوادث الموجعة التي مرت بالعائلة منذ عدة سنوات..

ابتسم مهنى في محبة مماثلة: - لقد تناولته بالفعل يا سعيد بيه، بالهناء والشفاء، هل سافرت حياة اخيرا!؟.
اكد السعيد في فرحة: - اخيرا اقتنعت ونهى اكدت انها لم تبرح الميناء حتى أبحرت باخرتها، كان يمكنني ان ادعها تسافر بالطائرة لكن فضلت الباخرة ليكون الاستمتاع مضاعفا..
هز مهنى رأسه موافقا وهتف باقتضاب: - هى في حاجة لرحلة كهذه بالفعل، لندعو لها بالذهاب والعودة سالمة..
هتف السعيد: - اللهم امين..

اخرج مهنى بعض الاوراق ووضعها امام السعيد مشيرا لها في اهتمام: - هذه الاوراق لابد من توقيعها بشكل عاجل فلقد تأخرت كثيرا في عرضها عليك نظرا للظروف التى تعرضت لها العائلة مؤخرا..

اومأ السعيد برأسه متفهما ومد كفه ملتقطا القلم ومزيلا إياها بتوقيعه وما ان انتهى حتى طواها مهنى ونهض مؤكدا على وجوب الرحيل فورا لان هناك عدة اجتماعات في انتظاره بالشركة التي يمتلكها السعيد ضمن مجموعة من الشركات والتي ترأس مهنى مجلس ادارتها خلفا للسعيد بعد أزمته الصحية الاخيرة..
رحل مهنى لتعود نهى لمجلس جدها امرة اياه بالدخول لينل بعض الراحة ليطاوعها ويدخل الى غرفته برفقة حفيدته..

هيا انهضي ايتها المتكاسلة، لدينا الكثير من الاعمال، هل ستظلين اليوم بطوله في الفراش!؟، من تعتقدين نفسك!؟.
همست بوهن: - لكن انا متعبة اليوم، اشعر أنني..
قاطعها الصوت الغليظ هاتفا في حدة: - كفاكِ تمثيلا وادعاء، هيا انهضي..
انتفضت حياة من نومها متطلعة حولها في تيه لتتنهد في راحة عندما ادركت انها بفراش قمرتها على الباخرة المتجهة بها حيث رحلتها لإيطاليا..

عادت لتتمدد من جديد تتنفس الصعداء ان ما رأته كان كابوس ومر ولم يعد له وقعا في الحقيقة..
نظرت الى توقيت جوالها الذي حرصت على تعديله لتتيقن انها استيقظت في الوقت المناسب لتأخذ حماما قبل موعد الإفطار..
نهضت في تثاقل وهى تمني نفسها ان الأيام القادمة ما ان تصل روما ستكون هي الأفضل وعليها ان تترك كل ما خلا المتعة خلف ظهرها، وقد قررت ان تفعل..

حاولت ان تتجاهل محياه اليوم بطوله واتخذت مكانا قصيا باحد الأركان على سطح الباخرة والذي نشرت بارجائه المظلات والمقاعد للتمدد وقد احضرت احدى رواياتها التي قررت جلبها معها لتعينها على رحلتها واستلقت بأريحية على احد المقاعد تستظل باحدى المظلات وقد تاهت تماما في احداث الرواية حتى انها لم تنتبه لوجوده قبالتها مستندا على السور المعدني الا عندما ارتفعت قهقهات الحسناء التي ترافقه كظله..

رفعت ناظريها بشكل لاإرادي عن الصفحات التي كانت غارقة داخلها لتجد نظراته مسلطة عليها وكأنه كان في انتظارها لتفعل..
رمقتهما بنظرة غير عابئة اثارت غيظه وعادت تدفن رأسها خلف ضلفتي الرواية من جديد، لكن ما جعلها تنتفض مبتعدة هو قهقهة الشقراء العالية والتي اطلقتها لتنتبه حياة انها تركز نظراتها عليها..
ساءها الامركثيرا، هل كان يقص لها ما حدث منها البارحة والأضرار التي لحقت بقميصه الثمين!؟.

شعرت ان ذلك لا يُحتمل فنهضت مبتعدة غير راغبة في سماع المزيد من تلك الضحكات السمجة التي بالتأكيد تطلقها الفتاة بعد نوبة من السخرية عليها من قبله..

ظلت حبيسة غرفتها طيلة النهار وما ان حان وقت العشاء حتى نهضت وتوجهت للمطعم وكالعادة بحثت عن الطاولة المنعزلة لكن هذه المرة لم تختر الانعزال فقط بل تأكدت ان طاولتها بعيدة عن محيا ذاك الرجل ودميته الشقراء..
توجهت بالفعل في اتجاه الطاولة التي وقع أختيارها عليها وجلست تطلب طعامها الذي اختارته بسيطا غير راغبة في تكرار تجربة الامس..

كادت ان تغص بأحدي اللقيمات عندما ظهر قبالتها فجأة منحنيا يهمس بابتسامة مهلكة وأريحية عجيبة كأنها صديقته منذ دهور: - احسنتِ الاختيار، طعام خفيف يصلح لمعدة منهكة، هل يمكنني الجلوس بصحبتك!؟.
تجرعت رشفة ماء محاولة التظاهر بالثبات وهى تتطلع خلفه باحثة عن ظله الأشقر لكنه كان وحيدا وتساءلت بنفسها: - اين ذهبت الشقراء يا ترى!؟

هتفت مدعية اللامبالاة: - انا لا اعرفك لتجالسني، هذا اولا، ثانيا اخشى غضب صديقتك الشقراء، فقد تأتي في اية لحظة..
تجاهل الشطر الأول من إجابتها وهتف مؤكدا في ثقة: - لا تقلقي، هى لا تملك حماقة الشرقيات وتملكهن المزعج..
ما ان هم بالجلوس دون حتى ان تسمح له حتى كانت هي التي تنهض تاركة الطاولة في عجالة ليبادرها متعجبا: - الي اين!؟.





لتتجاهله تاركة اياه على الطاولة وحيدا دونها..
تااااابع اسفل
 
 






look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:26 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

وصولوا الميناء الإيطالي اخيرا وبدأ الجميع في الاستعداد لمغادرة الباخرة، كانت تتجنب ذاك الاحمق منذ الليلة التي تركته فيها وحيدا على طاولة العشاء وابتسمت ساخرة عندما وقع ناظريها عليه وتلك الشقراء تتأبط ذراعه وكل منهما ضحكاته تعانق عنان السماء..

خرجت من الميناء تشير لاحدى عربات الأجرة في اتجاه الفندق الذي اشارت لاسمه بإحدى الاوراق التى تحملها بحقيبتها فلم تكن تتقن الإيطالية وكذا الإيطاليون لا يجيد اغلبهم الانجليزية..

هز سائق العربة رأسه وهو يقرأ اسم الفندق بالورقة واشار بحماس بكلتا يديه هاتفا بإيطالية واثقة: -سي، سي..

واندفع بعربته، طال الوقت في زحام السير الذي يميز نابولي لكنها شغلت نفسها بالتطلع الى بعض الآثار المنتشرة هنا وهناك حتى توقفت اخيرا امام بوابة الفندق فتنفست الصعداء وهى تنقد السائق اجرته وتندفع خارج السيارة ليتلقفها احد عمال الفندق حاملا عنها حقيبتها للداخل، توقفت تلهث امام موظف الاستقبال وهتفت بانجليزية متقنة: - مرحبا، من فضلك هناك حجز باسم حياة السعيد..

اكد الموظف بدوره وهو يتطلع الي شاشة حاسوبه: - نعم يا سيدتي، تفضلي..
ومد كفه بمفتاح الجناح المحجوز لها لتشكره وما ان همت بالصعود لحجرتها حتى عادت متسائلة: - متى خروج الفوج لزيارة المزارات السياحية!؟.
اكد موظف الاستقبال: - في تمام العاشرة صباحا سيدتي، التجمع سيكون هنا ببهو الفندق بعد الافطار مباشرة..
اومأت في إيجاب شاكرة واندفعت باتجاه المصعد وخلفها العامل حاملا حقيبتها..

تمددت على فراشها داخل ذاك الجناح الفاخر وهى تتفكر في حالها وما آل اليه، تنهدت في حسرة واندفعت لتأخذ حمام منعش قبل ان تتجهز لتنزل للعشاء..
تزينت وضبطت غطاء رأسها وتعمدت ان لا تطيل النظر لمرآتها وهبطت للمطعم بالأسفل.

جلست تطلب طعامها ممسكة بقائمة الاختيارات وما ان رفعت رأسها وقد قررت حتى اصطدمت عيناها بنظراته وهو يميل على الطاولة مستندا على المقعد المقابل لها هامسا بابتسامة مهلكة: - الريڤيولي اختيار رائع..
وغمز بأحدي عينيه واندفع مبتعدا، مرت لحظة حتى استوعبت ظهوره المفاجئ ذاك وتجاهلت اقتراحه تماما وهى تعيد النظر في قائمة الأطعمة، عاد النادل وهمت بطلب اخر لكنها عدلت رأيها باخر لحظة لتطلب الريڤيولي..

استمتعت بالوجبة محاولة تجاهل ذاك الذي يجلس على طاولة بالقرب منها وبصحبته صهباء فاتنة ضحكاتهما تتعالى في رعونة وهو يهمس قرب آذانها ببضع كلمات بعدها ترتفع القهقهات كما هو الحال دوما، لكن اين اختفت الشقراء يا ترى!؟، تساءلت مبتسمة في سخرية وهى ترتشف كأس العصير هامسة بداخلها: - رحلت الشقراء وجاءت الصهباء، احمق..

نهضت في هدوء لتصعد غرفتها محاولة تجاهله والا يسقط ناظريها عليه حتى ولو سهوا وهي لا تعلم ان هناك من يتبع خطواتها حتى اختفت..

خذي هذا الدلو وأبدأي من حيث أمرتك، هتف ذاك الصوت الغليظ من جديد لتهتف هي بدورها في غضب: - لن افعل، فانا لست خادمة، انا هنا لأني..
قاطعها الصوت في غضب عارم: - اياكِ ان تعارضيتي، نفذي ما امرك به والا..
شهقت حياة في قوة وهى تنتفض من جديد لتخرج عنوة من داخل ذاك الكابوس الذي يلازمها ولا امل في الخلاص منه..

اخذت تلتقط أنفاسها في هوادة حتى تستعيد هدوئها وأخيرا تمطأت فى تكاسل غير راغبة في مغادرة الفراش لكن كان يجب عليها الإسراع في تجهيز نفسها اذا ما ارادت ان تلحق موعد الإفطارواللحاق بتلك الجولة السياحية بأنحاء نابولي في تمام العاشرة..

تجهزت ونزلت لمطعم الفندق والذي كان مكتظا عن اخره، بالكاد استطاعت الحصول على مائدة جانبية منعزلة وضعت عليها إفطارها البسيط، تناولته مسرعة ونهضت على عجالة في اتجاه بهو الفندق وقد ابصرت من موضعها ذاك الجمع الذي بدأ في التجمهر استعدادا للخروج..

وضعت نظارتها الشمسية حتى قبل ان تكون بحاجة اليها وانضمت للمجموعة التي كانت تتصايح فيما بينها بسعادة حتى أرتفع ذاك الصوت الذي استطاعت تمييزه بسهولة رغم انها لم تر صاحبه وحاولت ان تكذب آذانها فاقتربت لتقع نظراتها عليه وهو يهتف بانجليزية متقنة: - مرحبا، معكم مرشدكم في هذه الرحلة، ادم عبدالخالق..

غصت وهي تحاول ان تتجاهل تلك النظرة التي رمقها بها من بين الجمع الذي يواجهه وهو يستطرد مازحا: - ولتحذر الآنسات فآدم يبحث عن حوائه وقد يجدها قريبا..
ارتفعت القهقهات إلاها فقد التزمت الصمت وكأنها لم تسمعه من الأساس..

بدأ الجمع في التحرك باتجاه تلك الحافلة الخاصة بالفندق والمخصصة للجولات السياحية، ظل بانتظار الجميع حتى صعدوا ليكون الاخير صعد يجول بناظريه يطمئن على جلوس الكل مواضعهم ليكتشف جلوسها باخر مقعد، ابتسم رغما عنه لشعوره انها تنأى بنفسها..

جلس بمقعده الذي تُرك له بجوار السائق يشير هنا وهناك لبعض الآثار المنتشرة بالطريق وأخيرا نهض هاتفا في حماس بانجليزية رشيقة مشيرا لجبل شاهق على البعد: - هذا بركان فيزوف، البركان الأشهر والأكثر نشاطاً في أوروبا، ويقال إن اسم «بركان» أطلقه الرومان قديما نسبة إلى الاله «فولكان» إله النار والحدادة فى الدولة الرومانية القديمة، حيث كانوا يعتقدون أن الجبل البركاني الذى يشرف على خليج نابولى فى إيطاليا ما هو إلا مدخنة لأتون كبير يوقده هذا الإله..

تحرك بطول العربة حتى وصل بالقرب من مقعدها لينحني متطلعا الي ذاك البركان الذي اصبحوا على مقربة منه من خلال نافذتها وكان هذا البركان لا يمكن رؤيته الا من خلال هذه النافذة، زفرت في ضيق تجاهله هاتفا: - لقد ثار ذاك البركان قديما حتى انه طمرعدة قرى قريبة منه ويمكننا زيارة هذه القرى بعد ازالة اثار الرماد البركاني عنها لنري اثر الحمم البركانية على جثث الضحايا التي لازالت موجودة كمتحف حي يظهر بشاعة تلك الحادثة..

شهقت هى رغما عنها وهى تتخيل مظهر جثث محنطة لاناس مساكين لم يستطيعوا الهرب من تلك الكارثة فاخفتهم الحمم تحتها لقرون..
تطلع اليها جراء شهقتها التي لم تستطع كبح جماحها والتي على ما يبدو كان بانتظارها كرد فعل متوقع منها على حدث كهذا..
ابتسم رغما عنه ورغم انه لا يوجد ما يدع للابتسام لكنه تطلع اليها وتلك الابتسامة المغيظة تكلل شفتيه مستطردا: - ذاك البركان ثار دون مقدمات وكان ذلك سببا في تلك الكارثة..

وقهقه هاتفا في مزاح: - لا اعلم لما يذكرني هذا البركان بثورة النساء في وجوه ازواجهن!؟.

علت همهمات الرجال المستحسنة مع تصفيقهم بينما زمجرت النساء اعتراضا لينفجر الجميع بعدها ضاحكا، إلاها فقد كان الضيق يتملكها حرفيا وودت لحظتها لو نهضت وارته مثالا حيّا لثورة النساء وكالت له ضربة قوية بقبضة يدها المضمومة في تلك اللحظة تحفزا لنيل مرادها الا انها هدأت من روعها والحافلة تتوقف ليهبط منها الجميع في اتجاه ذاك البركان النشط الذي ودت لو ألقت هذا الرجل كقربان لذاك الإله ليفعل به ما يحلو له..

أعجبها الخاطر كثيرا رغم تعجبها من روح الانتقام التي تكتنفها تجاه ذاك الادم الذي حتى اللحظة لم يسء اليها، فهل تراه يفعل!؟.

وصولوا لمحطتهم الثانية في جولتهم والتي كانت لجزيرة كابري عبر احدى العبارات، دقائق على شاطئها وقرروا زيارة الكهف الأزرق، توجهوا اليه سيرا على الأقدام واخيرا استقلوا عدة قوارب لتشملهم جميعا فالقارب كان صغير الحجم لا يقل اكثر من اربعة اشخاص، ركب كل زوجين قارب ليبقى زوج من السائحين وكلاهما، هي وبالتأكيد مرشد الرحلة الذي كان دوما اخر من يركب..

جلس جوارها فتململت في جلستها شاعرة بالضيق لذاك القرب لكن القادم كان الاصعب حيث هتف ادم بهم جميعا: - الان انتبهوا، على الجميع خفض رؤسهم عند الدخول لان هذا الكهف مدخله مغمور لمنتصفه بالماء، رجاءً لا يرفع احدكم رأسه حتى امر وذلك لسلامتكم..

أطاعه الجميع وبدأت القوارب في الدخول من فوهة الكهف تباعا وما ان جاء دور قاربهم حتى هتف امرا: - فلينخفض الجميع، انكمش الزوجان ملتصقان وقد انخفضا لداخل باطن القارب بينما تجاهلت هى ما امر به، تنبه لذلك فجذبها لتسقط بباطن القارب ملتصقة به فى نفس اللحظة التى مر بها القارب من مدخل الكهف الضيق، لولا جذبه لها قبل فوات الاوان لكان رأسها الان مصابا..

تطلع اليها في ذاك الفراغ الضيق الذي وجدا نفسيهما محشوران به رغما عن ارادتهما او بالأدق رغما عن ارادتها هى جازا على اسنانه يرغب في توبيخها الا انه امسك لسانه وهتف امرا في ضيق: - فليرفع الجميع رأسه الان..
سمع الشهقات المستحسنة لذاك الجمال الأزرق الأخاذ الذي يحيط بهم..

هتف ادم بصوت عالٍ حتى يستمع الجميع في زوارقهم: - هذه هى مغارة اوزارو او ما يطلقون عليه اسم الكهف الأزرق ، لا حاجة لي لإبلاغكم سبب التسمية فهو واضح تماما، فذاك الضوء الأزرق الذي يغمر المكان كان مدع للتسمية بالتأكيد..
واستطرد منتشيا وهو يتطلع الي موضعها جواره: - كان يُعتقد في العصر الروماني ان ذاك الكهف مأوى للشياطين..
وصمت للحظة مستطردا بعدها: - وكذا الحوريات..

سمع همهمات رقيقة من بعض النساء بينما تسلطت أنظاره عليها وهو ينطق كلمته الاخيرة، شعرت بوقع نظراته لكنها تجاهلتها كليا ليستطرد هو مازحا: - وكان كذلك مأوى لغريبى الأطوار، لو كنت أعيش في ذاك الزمان لكان ذاك مكاني المفضل بكل تأكيد..
قهقه الجميع ووأدت هى ابتسامة كادت ان تطل على شفتيها..

خرجوا من الكهف بعد جولة بداخله ليتوجهوا للعبارات مرة اخري ليعودوا للفندق فقد اوشك الليل على إرخاء سدوله، وعليهم الاستعداد للعشاء وذاك الحفل الساهر الذي يقيمه الفندق..

كانت من أوائل الأشخاص الذين نزلوا لقاعة الطعام، تناولت عشاءها على عجالة حتى انها لم تتنبه لجلوسه وحيدا هذه المرة باحدى الطاولات الجانبية المنعزلة وقد جلس يرقبها من بعيد على وجهه شبه ابتسامة وقد قرر هذه المرة الا يعترض طريقها بل يستمتع بمشاهدتها من على كثب دون ازعاجها على الرغم من ان الامر يروقه كثيرا..

هو شخصيا لا يعرف ما السبب في رغبته تلك!؟، وتعجب من اهتمامه العجيب بتلك الفتاة التي تبدو ملتزمة في زيها وحادة في نظراتها وردودها..
رأها اللحظة تنهى طعامها ويبدو انها في طريقها لغرفتها ربما صعدت لتجهز من اجل الحفل المسائي..
انتظر حتى اختفت تماما عن ناظريه ونهض حتى يستعد للحفل غير عابء بتلك الجميلة الصارمة..

دخلت غرفتها وخلعت عنها ملابسها وتمددت على الفراش بغية النوم مبكرا حتى تحصل على قسط كافِ من الراحة لان تلك الجولات شاقة وتحتاج لطاقتها ولياقتها كاملة..
تقلبت كثيرا ومر بعض الوقت دون جدوى فلا نوم زارها ولا رغبة موجودة من أساسه في النعاس، استقامت جالسة تتنهد في ضيق متسائلة ماذا عليها ان تفعل!؟.
جربت تشغيل التلفاز لكن كل ما كان يعرضه بالإيطالية فأغلقته وألقت بمؤشر التحكم جانبا.

وقد قررت في لحظة تهور غير معتادة النزول لأسفل لحضور حفلة الفندق المقامة بالهواء الطلق..
نهضت مسرعة وارتدت احدى أثوابها المخصص لفترة المساء والسهرة والذي ألحت عليها نهى وضعه بحقيبتها رغم اعتراضها وكم شكرتها على ذلك وضبطت غطاء رأسها وحذائها ذو الكعب العالي ونزلت في تردد تتبع صوت الموسيقى والصخب بالخارج..

جلست بإحدى الطاولات المتطرفة قليلا لا رغبة لديها في التفاعل مع الجمع فهى هنا لكسرالملل الذي كاد يخنقها بغرفتها في ذاك الوقت المبكرليلا..
تطلعت الي ذاك المكان المتوسط الذي تحيط به الطاولات من كل مكان لتجد أصحابها في مجموعة الزيارات السياحية هاهنا جميعهم بلا استثناء، لكن تراه اين يكون مرشدنا الهمام!؟، وبخت نفسها لانها شعرت بالفضول تجاهه وثبتت نظراتها على بعض.

الأزواج المرحين بنقطة قريبة منها لحد ما..

بدأت الفرقة الموسيقية في عزف مقطوعة رومانسية رقيقة لتتطلع الي الراقصين ليقع ناظريها عليه احداهن تتأبط ذراعه في اتجاه حلبة الرقص وبدأ في التمايل بها محتضنا خصرها الدقيق في خلاعة، ظلت تطالع المشهد امامها حتى قررت النهوض والعودة لحجرتها، لا تعلم ما الذي اعتراها وهى تراه يضم بين ذراعيه امرأة بهذا الجمال الصارخ وهى التي لا تهتم لأمره من الأساس!؟، ماذا دهاها!؟.

اندفعت بلا تريث في طريقها لداخل الفندق لتصطدم بأحد السكارى الذي تطلع اليها في انبهار مستحسنا وما ان همت باستئناف طريقها حتى امسك بمعصمها في اعتراض هاتفا يستوقفها بلغة إيطالية لم تفهم منها حرفا لكنها جذبت ذراعها منه بقوة ودفعت به بعيدا عنها حينما هم بتطويقها بين ذراعيه ليسقط على احدى الطاولات محطما إياها وبعض الكؤوس التي كانت عليها..

جذب صوت الجلبة الناتجة عن التحطم إسماع بعض الجالسين بالخارج لكن احد لم يتدخل..
نهض السكير في غضب قبل ان تهم هى بالاندفاع مبتعدة ليعاود الكرة وتشتعل رغبته في الوصول اليها، وقد هم بالقبض على ذراعها من جديد الا ان لكمة قوية كانت هي الرد لتعيده لموضع سقوطه السابق لكن هذه المرة جسد خامد راح في سبات عميق..

كان ظهوره بالنسبة لها نجدة من السماء وخاصة ان الأمن وصل لتوه ليصرخ بهم ادم معنفاً، لم تفهم كلمة مما قال بإيطاليته المميزة الا ان غضبه المرسوم على قسمات وجهه كان كافيا ليترجم ما يصيح به في وجوههم..
لا تعلم لما لم ترحل لتصعد غرفتها ووقفت تتابع ما يفعل لتجده الان يجذبها خلفه مكبلا معصمها بكف من فولاز..

توقفت في غضب لجذبه إياها بهذا الشكل المهين وخاصة انه مع حذائها ذو الكعب العالي ما كانت قادرة على متابعة خطواته الواسعة والتي تدل على ثورته وهتفت في حنق: - مهلا، اترك يدي من فضلك، ماذا تظن نفسك فاعلا!؟.
توقف فجأة مع وقع كلماتها الثائر وتطلع نحوها يحاول ان يضبط أعصابه قدر استطاعته هاتفا في هدوء مصطنع: - ما الذي جاء بك الى الأسفل!؟، الم تصعدي حجرتك للنوم!؟.

هتفت تتطلع اليه في صدمة: - اتراقب تحركاتي!؟.
هتف في سخرية: - لست على هذا القدر من الأهمية لأفعل، كل ما هنالك اني رايتك تصعدين غرفتك بعد العشاء ومع مظهرك الملتزم هذا لم أتوقع حضورك الحفل..
هتفت في غيظ: - لم اكن اعلم انه على طلب الاذن منك لحضور احدى حفلات الفندق!؟.
جذبها من جديد راغب في إنهاء ذاك الحوار العقيم هاتفا: - حسنا، هيا الي الغرفة..
هتفت معترضة: - انا لن..

قاطعها جازا على اسنانه وقد أصبحا ببهو الفندق بالقرب من المصعد فأشار اليه هامسا في نفاذ صبر: - انا لن أدعك تعرضين نفسك للخطر، هيا الى الأعلى..
شعرت ان الأنظار بدأت في التركيز عليهما فقررت المهادنة والتوجه للمصعد ولها معه شأنا اخر فيما بعد..
دخلت المصعد ومنه لحجرتها التي ما ان دخلتها حتى دفعت بحذائها بعيدا عن قدميها في عنف وجلست على طرف فراشها تغلي غضبا تتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور.

في صباح اليوم التالي صعدا الحافلة لجولتهم التالية، حاولت ان تتحاشى النظر اليه حتى لا تدفعها الرغبة في الثأر الي ما لا يحمد عقباه، وصلوا لقمة (مونتي دي سولارو) وقفوا جميعا عند موضع ركوب التليفريك ليهتف ادم مازحا: - اسف لانكم أزواج والركوب هنا فردي، لكن مؤكد إنكم ستستمتعون بمناظر خلابة واعتبروها اجازة قصيرة من أزواجكم حتى نجتمع جميعا على الطرف الاخر، رحلة موفقة للجميع..

بدأ الأزواج في ركوب ذاك المقعد الفردي المعلق وكان يتأكد من احكام المقعد لكل فرد حتى انتهى منهم جميعا ولم يبق إلاها فأشار اليها امرا بلغة عربية: - تفضلي..
كانت مترددة في الجلوس وخوض التجربة لكنها جلست في هدوء يناقض اضطرابها لينحن ادم هامسا: - اسمحي لي..

همست في ثبات وقد شعرت ان الفرصة سنحت لها لتنتقم: - لا لن اسمح وخاصة السماح بما فعلته بالأمس، لا تفرض رغباتك علىّ مهما حدث فانا حرة تماما في اختياراتي، وانا..
قاطعها مادا كفه متجاهلا كلماتها المعنفة ليتأكد من احكام روابط الأمان بالمقعد فانكمشت هى على نفسها ورغم ذلك استمرت في تعنيفه هاتفة في حنق: - أؤكد عليك، انا حرة وانا..

تنبه لفعلتها وتجاهل الامركذلك واخيرا ترك مقعدها ليتحرك بها معلقا ما بين السماء والأرض وهى لم تنه كلماتها بعد مما اثار المزيد من غضبها ليتبعها هو بمقعده مسلطا ناظريه عليها وابتسامة على شفتيه، كان انعكاس ضوء النهار على ملامح وجهها التي تحاول ان تسترخ اشبه بانعكاسه على مرآه فضية تشع بهاءً، كان يشعر ان تلك الفتاة تحمل سرا ما بين طيات روحها، كانت وحيدة وغامضة، جذابة وشائكة، رقيقة حد العطب وقوية حد الصد بقوة لكل من يزعجها، مزيج عجيب لم يقابله يوما وهو الخبير بصنوف النساء..

وصلوا اخيرا للجانب الاخر ليجتمعوا وكان اخرهم وصولا هو ادم نفسه الذي هتف مشيرا لدرج من الحجارة مؤكدا: - اصعدوا ذاك الدرج لتصلوا للقمة، هناك مقهى يقدم بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات المنعشة، تناولوا ما شئتم وتجولوا في الأنحاء لالتقاط الصور ونجتمع هنا بعد ساعة من الان، استمتعوا..

بدأ الجميع في صعود الدرج وتفرقوا ما ان وصولوا للقمة لتجلس هى وحيدة باحدى الطاولات المنعزلة كعادتها، طلبت مشروب منعش وأخرجت كتابا وبدات في القراءة..
رأها تجلس هناك ولم يشأ ان يزعجها او يفرض نفسه عليها فاخرج هاتفه وبدأ في اجراء بعض المكالمات..
لكنه وبلا إرادة وجد نفسه يقف بالقرب منها مجيبا على محدثه على الطرف الاخر: - نعم، هى رائعة..

تنبهت لصوته وحديثه بالعربية والذي استطرد فيه مؤكدا: - بل هى اكثر من رائعة، شائكة مثل الصبار وناعمة مثل المخمل..
قهقه فاضطربت رغما عنها ورفعت ناظريها اليه بلا إرادة لتجده يتطلع اليها وكانما كان ينتظر تلك الالتفاتة منذ زمن رفع قبعته محييا في مرح وهتف مستكملا الحديث عبر جواله: - لا، لن يحدث، وهل سبق وان حدث، انا محصن تماما، اطمئن..

ألقي نظرة اخيرة عليها وابتعد مستكملا مكالمته العجيبة تاركا إياها تتساءل: - من تلك التي يتغزل فيها بهذا الشكل!؟، وابتسمت ساخرة تنظر الي حيث توجه، أهي الشقراء ام الصهباء!؟، ام حبيبة أخرى لم يسعدها الحظ لتلقاها!؟.
وما الذي لم ولن يحدث..!؟، ومما هو محصن يا ترى!؟.
تزاحمت الأسئلة الواحد تلو الاخر ولكن لا اجابة شافية، فطردت محياه من مخيلتها تحاول التركيز على صفحات روايتها..



look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:26 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

صعد الجميع الى الحافلة التي ستقلهم الى روما بعد انتهاء جولاتهم بنابولي، تأكد ادم من راحة المجموعة وان له ان يستريح قليلا قبل وصولهم، تطلع حوله باحثا عن مقعد وكالعادة لم يكن هناك مقعد فارغ الا بجوارها فلقد كانت المجموعة عبارة عن أزواج ومنهم من كانوا حديثي الزواج يقضون شهر العسل في تلك الجولة حول إيطاليا..

دفع بجسده على المقعد المجاور لها متجاهلا إلقاء التحية فانتفضت هى من شرودها بتلك المناطق الخلابة عبر النافذة، كظمت غيظها وقررت تجاهله تماما وخاصة انه جذب قبعته الرياضية التي يفضّل ارتدائها دوما لتغطي اعلى وجهه معلنا رغبته في الراحة والنوم قليلا..

امتعضت متأففة وهى تتساءل في نفسها: - بالتأكيد لم يحصل على القدر الكافِ من النوم البارحة، ترى مع أيهن كانت سهرته!؟، الصهباء ام الشقراء!؟، ام ربما امرأة جديدة، حسناء تعرف عليها في اي من الأماكن التي يرتادها!؟.
على اي حال هو لا يعدم وجود امرأة جواره على استعداد تام لتنفيذ أمنياته وهى اكثر من راغبة..

مرت الدقائق وعادت لشرودها من جديد متناسية ذاك الجالس جوارها لكن ثقل ما جثم على كتفها الأيسر جعلها تنتفض موجهة نظراتها الي تلك الرأس الملقاة على عاتقه، ارتجفت كليا وهى تراه يغط في نوم عميق غير مدرك ان رأسه قد انحدرت من مسندها الطبيعي على ظهر مقعده لتجد لها موضعا اخر ربما اكثر راحة، تسمرت وما كان لديها الجرأة لإيقاظه، تململ لتسقط قبعته لتختفي بمكان ما اسفل قدميه لتصبح ملامح وجهه المستكينة في تلك اللحظة على غير عادتها سهل التطلع اليها والتفرس فيها دون خوف من ملاحقة نظراته العابثة..

كانت ملامح عادية في تقديرها، ملامح رجل شرقي بامتياز، قسمات حنطية وجبهة عريضة وأنف افطس قليلا وذقن مدبب بعض الشئ عند نهايته التي تحمل طابعا للحسن، لا شئ يميز ذاك الوجه العادي والذي يثير إعجاب الأخريات الا عينيه والتي لحسن الحظ تطبق أجفانها وتسدل ستائرهما حالياعلى تلك النظرات التي تشع مكرا ودهاء ويلوح من خلف بريقهما عبثا ومجون لا يمكن ان تخطئهما عين أنثى، همست داخلها مؤكدة انطباعها الاول عنه: - مجرد رجل عادي لا يستحق تلك الجلبة التي تحدثها الحمقاوات، انه..

انتفضت وكتمت شهقة كادت ان تندفع من بين شفتيها عندما انفرجت تلك الجفون الناعسة معلنة عن تلك النظرات التي وقعت عليها فارتجفت في اضطراب حتى انها لم يكن لديها حسن التصرف الكافي لتتظاهر بانها كانت على وشك إيقاظه لان كتفها قد ناء بحمل هامته..

تطلع لموضع رأسه على كتفها والتي لم يرفعه مبتعدا بعد وهى يسربلها اضطرابها كليا، رفعه في هدوء مبتعدا وهى لاتزل على ترتجف توترا وهمس وكأن شيئا لم يحدث متسائلا وهو يبحث حوله: - اين قبعتي!؟.
اشارت الي حيث انحدرت القبعة دون ان تهمس بحرف واحد، انحنى باحثا عنها ليجدها على مقربة من قدمها فهتف من مكانه بالأسفل: - هل تسمحين بإبعاد قدمك قليلا للوراء!؟.

نفذت في سرعة ضامة قدمها الي ما اسفل المقعد لتطال يده القبعة اخيرا، نفضها بشكل تلقائي ودفع بها على هامته من جديد وعاد ليسند ظهره لمقعده في أريحية عجيبة، تطلع نحو مرافقيه ليجد زوجين يتبادلان الهمس في عشق فهتف في سعادة وبإنجليزية متقنة: - ما اروع الحب!؟.

تطلعت اليه وكذا الزوجان ليبتسما له في سعادة بينما همس وهو يميل بالقرب منها هامسا بسخرية: - الحب!، الخديعة الكبرى وسبب تعاسة البشرية، ألا تعتقدين ذلك!؟
تطلعت اليه هامسة: - اتحدثني!؟.
همس ساخرا: - هل أبدو لك كأخرق يمكن ان يسأل نفسه وينتظر منها الإجابة!؟، بالتأكيد أسألك!؟.
همست مترددة: - اعتقد انك على حق، لا يوجد ما يمكن ان ندعوه حبا، اعتقد انه خرافة..

هتف مستحسنا: - احسنتِ يا فتاة، ها نحن نتشارك اخيرا نفس الرأي، الحب حالة من العته والتيه تصيب الشخص العاشق ليأخذ بملء ارادته قرار اعتقال للأبد في حق روحه وسعادته، ألا لعنة الله على ذاك القلب الخائن الذي يسلم صاحبه لسجانه!.
وتطلع اليها من جديد هامسا: - اولست محقا!؟.
هزت رأسها في إيجاب هامسة: - بلا، محق تماما، فالحب في الأرض بعضا من تخيلنا لو لم نجده عليها لأخترعناه، هكذا قال شاعر الحب نفسه..

هتف ادم في سعادة: - مرحى له ولكِ يا فتاة، يبدو انك انضج كثيرا مما ظننت..
هتفت في حنق: - ماذا ظننت!؟.
تجاهل الرد على سؤالها واندفع ليقف بمقدمة العربة معطيا بعض التفاصيل عن الرحلة مع بعض المرح والمزاح كما هى عادته...

وصلوا لروما وتنبه الجميع لتلك الآثار المتناثرة هنا وهناك على طول شوارع العاصمة العريقة وعرضها..
وقفوا امام الفندق وبدأ كل زوج في التوجه لغرفته لكن قبل ان يتفرق الجمع هتف بهم ادم مؤكدا: - ميعاد اجتماعنا بعد وجبة الغذاء ستجدون الحافلة الخاصة بِنَا بانتظاركم خارج الفندق، ارجوا الالتزام بالمواعيد..

تفرق الجمع على وعد بالتجمع في الوقت المناسب وما ان همت هى بالصعود لغرفتها حتى سقطت نظراتها عليه وهو يقف متحدثا مع احدى فتيات الاستقبال وهي تضحك في أريحية فقد استطاع ان يأسرها كما هو المعتاد..
تمتمت في غيظ وهى تتجه للمصعد: - ماذا يفعل لهن بحق السماء!؟.
واستطردت لنفسها: - لابد وانه يستخدم سحر ما يجذب اليه هؤلاء النسوة بذاك الشكل المستفز وكانه زهرة يتزاحم عليها سرب من نحل..

وقفت بانتظار المصعد وما ان وصل ودخلته متنفسة الصعداء مبتعدة عن مشاهدة غراميات ذاك الرجل حتى وجدته يدفع بنفسه لداخل المصعد قبل ان تهم بغلقه، شهقت في فزع وهى تتقهقر للخلف لاندفاعه الغير محسوب ذلك..
امسكت لسانها باعجوبة عن الإفصاح بما يعتمل بصدرها لكنه لم يعبء لفعلته للحظة وكأنه حدث عادي وهتف مدعيا التهذيب: - الي الطابق الرابع مثلي!؟ أليس كذلك!؟.

هزت رأسها ايجابا محاولة تجاهل الرد عليه لكن لسانها رد لاأراديا: - لسوء الحظ..
لم يجب لردها ولكنه استدار متوجها اليها بكليته واخيرا انفجر ضاحكا ضحكة قوية مفعمة بالرجولة كانت كافية وزيادة لتنكمش داخل ذاك الصندوق الضيق الذي يصعد بهما لوجهتهما..

اشارالمصعد للوصول لطابقهما المشترك وانفرج بابه ليخرج هو جارا حقيبته لتتبعه هى باحثة بناظريها عن رقم غرفتها فوق الأبواب المتراصة خلف بعضها، كان فندق يعتمد فالأساس على خدمة العميل لنفسه دون اضافة عمالة زائدة، وقع ناظرها على رقم قريب من رقم المفتاح الذي تحمله فتتبعته بهدوء حتى وصلت لباب غرفتها ليهتف ادم الذي كانت قد نسيت وجوده وهى مندمجة في البحث عن حجرتها: - ها قد عثرتِ على غرفتك، وانا كذلك عثرت على غرفتي سريعا لكنها على الجانب الاخر من المصعد...

لم ترد فهتف مشاكسا ومقتبسا ردها: - لسوء الحظ..
وابتعد مبتسما وما ان وصل لباب غرفته التي كانت قريبة من المصعد بالفعل حتى لوح لها بكفه ودخل الغرفة، لتحذو حذوه وتندفع لغرفتها حتى تستطيع اخذ حماما سريعا والاستعداد للغذاء وتلك الجولة التي وعدهم بها..

نزلت للمطعم فقد كانت تتضور جوعا بالفعل لكنها وجدته مكتظا لا مكان لقدم وكل الموائد مكتملة العدد، جالت بناظريها لعلها تجد مكانا تستطيع الجلوس فيه لتتناول طعامها سريعا حتى لاتتأخر عن موعد الحافلة لتجده هناك بذاك الركن البعيد يشير لها في أريحية لتجلس بمصاحبته على الطاولة، حاولت تجاهله بالفعل لكن معدتها اصبحت تقرقر جوعا وما ان همت بالتوجه لموضعه متغلبة على رغبتها الداخلية بعدم الذهاب وتجاهل إشارته الا وتوقفت رغما عنها عندما تخطتها تلك الشقراء الفاتنة واتجهت نحو طاولته، شعرت ان الارض تكاد ان تنشق لتبتلعها حرجا وقد ايقنت انه لم يكن يشير لها من الاساس بل الي فاتنته تلك، كادت ان تفقد صوابها وتتجه نحوه لقتله بدم بارد وليكن ما يكون الا ان طاولة قريبة منها قد نهض شاغليها فاندفعت لتجلس وقد قررت ان تتناول طعامها اولا ولتأجل القصاص من ذاك الاحمق فيما بعد..

سارت خلفه ومجموعتها وهم يتخطون احد مداخل الكلسيوم الثمانين، ذاك المبني الاروع بروما والذي يعده البعض احد عجائب الدنيا، وقف ادم ووقف الجمع بدوره ملتفين حوله وهو يشير بكفه للصرح ككل هاتفا: - هنا تكمن عظمة الحضارة الرومانية، ذاك الصرح والذي عبرنا للتو احدي مداخله الثمانين يعد أعجوبة بحق، ما ترونه الان هو احد المسارح الرومانية قديما وهو الان يعتبر مسرح لنا يعرض الحياة الرومانية بكل تفاصيلها في تلك الحقبة الزمنية..

واشار لوسط ذاك البناء هاتفا: - في تلك الحلبة كان يتم إعدام المتهمين وتصوير المعارك الحربية والبحرية محاكاة للواقع..
شهق احد مرافقيه: - حقا!؟.
اكد بايماءة من رأسه: - نعم، وكذلك كانت مسرح للكثير من مباريات المصارعة، سواء ما بين العبيد وبعضهم البعض اوالعبيد والحيوانات الضارية كنوع من انواع المتعة..
هتفت حياة في صدمة: - متعة!؟.
اكد هاتفا في تأكيد: - نعم، متعة..

واشار للطابق الاول من الثلاث طوابق المكونة للمبنى مؤكدا: - هناك كانت مقصورة الملك وحاشيته حتى يكونوا الأقرب لحلبة المصارعة وعلى احد جانبيها مقصورة رجال الدولة وعلى الجانب الاخرمقصورة عذراوات فيستا..
تطلع اليها لتتجاهل نظراته ليهتف احدهم متسائلا: - من هُن عذراوات فيستا!؟.

ابتسم مفسرا: - هُن كاهنات معبد الاله فيستا، وكان لهن مكانة خاصة ومنزلة رفيعة فكل واحدة منهن قدمت حياتها كقربان لخدمة الاله وشرط قبولها هوالاحتفاظ بعذريتها وعدم الزواج للأبد..
ابتسمت احدي الزوجات وهى تتطلع لزوجها متعلقة بذراعه في عشق متسائلة: - ومن تخالف ذلك بدافع الحب، ما مصيرها!؟.
اكد مبتسما: - للاسف تحرق حية جزاء على خيانتها عهدها مع الاله..

شهقت المرأة بينما اندفعت حياة مؤكدة في تهور: - اعتقد انها تستحق مصيرها، لا لانها خانت تلك الآلهة المزعومة ولكن لانها صدقت دعاوى الحب الكاذبة من رجل ما..
قهقه ادم متطلعا اليها: - اعتقد انك على حق، فنحن الرجال كثيروالعهود قليلو الوفاء بها.

وعاد للشرح من جديد: - الكوليسيوم سعته ما بين خمسين الى ثمانين الف فرد، الكل من عامة الشعب يأتي لمشاهدة المصارعات، حتى ان هناك من احترف المصارعة كمهنة في تلك الأيام فيما يسمي بالمحارب او الجلاديتور، ويقال ان هذا الصرح قد شهد التعذيب والتنكيل بالمسيحيين الأوائل والذين كانوا يُلقى بهم لمصارعة الأسود الضارية بتلك الحلبة..

شهق البعض تعاطفا ليتحرك ادم بهم في جولة حول المكان مشيرا هنا وهناك حتى ظهر عليهم الإنهاك فأشار عليهم بالمغادرة..

نزلت نهى للحديقة كعادتها يوميا حتى تتناول إفطارها مع جدها الذي يستيقظ قبلها ويساعده الخدم على النزول لينل قسطا وافرا من شمس الصباح التي أوصاه بها الطبيب..
اندفعت اليه هاتفة في مرح: - صباح الخير يا جدي العزيز، هل نمت ال..
قطعت تساؤلها في صدمة عندما وجدت رأس جدها منحرف قليلا على كتفه وعينيه زائغة غير قادر على إلتقاط أنفاسه..

اندفعت كالمجنونة تحضر هاتفها الذي نسيته لسوء الحظ بحجرتها واتصلت في عجل بمهنى صارخة في لوعة ما ان رد على اتصالها: - اسرع ارجوك، جدي يتعرض لنوبة شديدة وغير قادر على التقاط أنفاسه..
اغلق مهنى الهاتف وأرسل في طلب سيارة اسعاف مجهزة لنقل السعيد الى المشفي، فيبدو ان الامر هذه المرة لن يمر بسلام..

توقفوا جميعا امام نافورة تريفي وهتف ادم مشيرا: - هذه هي فونتانا دي تريفي او نافورة تريفي ، تسمي نافورة تحقيق الاحلام لان الإيطاليون يعتقدون ان من اعطى النافورة ظهره وألقى بها قطعة معدنية متمنيا أمنية ما فانها سوف تتحقق..
واشار لقاع النافورة هاتفا: - انظروا لكم العملات المعدنية الملقاة بها!؟.
هتفت حياة متهكمة: - كل هؤلاء يعتقدون ان احلامهم سوف تتحقق من مجرد إلقاء عملة بنافورة!؟

اكد هو هاتفا بابتسامة: - نعم، يعتقدون ذلك وبشدة..
واقترب منها هامسا: - الأمل في تحقيق بعض الأمنيات يجعلك تقوم ببعض السخافات لعلها تتحقق، اقول لعلها..
ثم اشار لبناء النافورة مستطردا: - هذه النافورة يُعتقد انها تحقق الأمنيات لانها بُنيت على نبع الأمنيات والذي كان يعتقد الرومان في قدرته السحرية على تحقيق امانيهم وخاصة العذراوات، فقد كانت تأتيه عذراوات روما املا في تحقيق حلم الزواج والحب..

قهقهت حياة رغما عنها لتتجه أنظاره اليها فقد كانت المرة الاولى التي يراها بهذا الانشراح ويستمع منها الي تلك الضحكة الرنانة، كان يعلم ان ضحكاتها القصد منها السخرية في الاساس لكن لا يعلم لما حركت شيئا داخله لا يمت للسخرية بصلة..
هتف من جديد مستطردا: - كما كانت تأتيه النسوة الراغبات في الإنجاب وتحقيق حلم الأمومة.

وقعت عيناه عليها وهنا ادرك تبدل مزاجها وتعكر صفحة وجهها النقية، هتف محاولا ابعاد ناظريه عن تتبع تقلبات قسماتها العاكسة كالمرآة لأحوالها الداخلية: - هذا التمثال هناك بصدر النافورة لنبتون اله البحر عند الرومان وهو يركب عربة يجرها فرسان ومن حوله عذراوات النبع رمزا للخصوبة والنقاء والبِركة تشير الي المحيطات اما الدائرة البيضاء فترمز للفصول الأربعة..

وهتف في مرح وهو يدخل كفه بجيب سترته: - هيا، لنجرب تحقيق بعض الأماني..
هلل بعض المرافقين وبدأ هو في توزيع القطع المعدنية على مجموعته ليصل اليها اخيرا فتتجاهل كفه الممدودة وهى بالفعل تعطي ظهرها للنافورة رغبة في المغادرة هامسة: - لا رغبة لي في الأمومة اوالزواج من الاساس، لا اماني على الإطلاق ارغب في تحويلها لحقيقة، وفرعملتك المعدنية لمن يملك أمنية ويرغب بتحقيقها..

تطلع اليها لبرهة واخيرا تجاهل كل ما قالت كالعادة جاذبا كفها ودفع بالقطعة النقدية بباطنه هامسا: - لا ضرر من بعض السخف على سبيل المتعة..

تركها وعاد للمرح مع المجموعة التي كانت تتصايح في سعادة ويتهامس بعض الأزواج رغبة في تحقيق أمنية مشتركة ورغم تظاهره باللهو مع الجمع الذي يقوده الا ان عينيه لم تفارقاها وتتبع نظراتها الشاردة في تلك القطعة المعدنية القابعة باحضان كفها واخيرا دفعت بها بلامبالاة الى الخلف لتسقط بقاع النافورة لتتسع ابتسامته عندما تصادمت بنظراتها ليغمز لها بعينه رافعا إبهامه كعلامة على استحسان فعلتها لتتجاهله هى كالعادة ليمسك هو ضحكاته مشيرا للمجموعة بالتحرك لموضع اخر..

كان التعب قد بلغ من الجمع المرافق لآدم مبلغه مما دفع به ليهتف مشيرا لاحد الشوارع الضيقة: - اتبعوني، فعلينا ان ننال قسطا من الراحة قبل استكمال جولتنا..
تبعه الجميع في امتنان فالكل قد بدأ في الشعور بالإنهاك والرغبة في التزود ببعض الطعام والشراب..
ما ان وصل آدم لمنتصف ذاك الطريق حتى انعطف يسارا وعلى بعد بضع خطوات دفع بباب مطعم متواضع مشيرا لمرافقيه ان يتبعوه..

جلس الجميع على طاولة ضخمة بينما هتف هو صارخا بنفس نبرة وأسلوب الإيطاليين الصاخب: - ماريا، اين انتِ ايتها العجوز!؟.

ظهرت من الداخل امرأة سمينة بيضاء وجهها مشرب بحمرة محببة، كانت عابسة رغبة في الشجار مع ذاك الرجل الوقح الذي يناديها بهذه الصفاقة وما ان همت بإطلاق قذائف سبابها حتى وقع ناظرها على ادم فصرخت باسمه في محبة واضحة وتلقته بين ذراعيها بترحاب بالغ وفي اللحظة التالية دفعت به بعيدا وبدأت في الصراخ بوجهه كانها تعاتبه وليس هذا فقط بل انها جذبت احدي العصي التي تفرد بها معجناتها وبدأت في الجري ورائه حول الموائد رغبة في الثأر منه وتأديبه لغيابه وعدم سؤاله عنها مما دفع بالقهقهات لترتفع من المجموعة والتي لم تكن تع كلمة من ذاك الشجار الدائربالايطالية لكنهم استطاعوا استنتاج الامر على اي حال..

هدأت حدة المعركة ليهتف بها ادم مشيرا لمجموعة مرافقيه مؤكدا انهم بحاجة لطعام شهي من يد ماريا الرائعتين ورفع كفها مقبلا ظاهرها لتجذبه المرأة واضعة قبلة امومية على خده وبعدها اندفعت للداخل من جديد تؤكد على احضار افضل ما لديها لإطعام ضيوفه..
وبالفعل ما هي الا دقائق حتى اصبحت المائدة أمامهم عامرة بكل الاطباق الإيطالية التقليدية والمعجنات الطازجة التي كانت رائحتها وحدها يسيل لها اللعاب..

بدأ الجميع في تناول طعامهم بشهية كبيرة مع استحسان كبير للطعم والمذاق الرائع لكل طبق مقدم لتبتسم ماريا وتزداد حمرة وجهها خجلا وسعادة بذاك الاطراء..
الا ان عاصفة صارخة الجمال قد ظهرت فجأة هاتفة باسمه في فرحة غامرة مندفعة بكل قوتها لأحضانه وقد دفع بكرسيه للخلف فاتحا ذراعيه ليتلقفها..

كانت فتاة تبدو في العقد الثالث من عمرها لكنها فتنة تمشي على الارض بذاك الشعر الذهبي والجسد المرمري في ذاك الثوب المغري الذي يظهر الكثير، كانت تتلوى بين ذراعيه في إغواء هامسة بكلمات توحي انها كلمات ماجنة كذاك الموجهة اليه ولما لا تكون وقد اندفعت قهقهاته عالية على اثر تلك الكلمات التي همهمت بها بالقرب من مسامعه..

هتف ادم في مشاكسة وباللغة الانجليزية ولا تعلم لما استخدمها بالرغم من تحدثه الإيطالية منذ دخوله: - لازلتِ تحملين نفس الروح العابثة كاتي، اواقل كاترينا، حتى لا اثير غيرة وغضب الحبيب ألبيرتو..
هتفت كاتي ممتعضة بانجليزية مضعضة تحاول مجاراة ادم: - اللعنة على ألبيرتو وعائلته كلها حتى جده السابع، انت تعلم ادم وهو يعلم كذلك، ان لا احد له مكانتك بقلبي، ايها العزيز..

قهقه ادم وكأنما هذا الاعتراف لا يعنيه او ربما من كثرة ما سمعه من نساء عدة اعتاده كأمر روتيني وأكد هاتفا وهو يدفع بها بعيدا برقة: - هيا اذهبي فقد يظهر ألبيرتو في ايه لحظة وساعتها ستكون العواقب وخيمة، سلاما يا جميلة..

ابتعدت بكل لطف ملوحة له بحسرة وهى تختفي خلف الباب الداخلي للمطعم ليعاود الجلوس من جديد مستكملا تناول طعامه وكأن شيئا لم يحدث وتبادل الحديث مع أفراد المجموعة في مرح بينما عملت حياة على الانغماس في روعة مذاق الاطباق المقدمة محاولة تجاهل تلك الفقرة الخاصة بكاتي حتى لا تغص بلقيماتها وحاولت كذلك ابعاد ذاك التساؤل الملح عن خاطرها في تلك اللحظة وفي كل لحظة تجده برفقة امرأة ما..

ما الذي تراه الأخريات بذاك الرجل حتى يتكالبن عليه بذاك الشكل!؟.



look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:27 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

دخلت حجرتها لترتاح قليلا قبل ان تعد حقيبتها فقد حان وقت الانتقال الى شمال إيطاليا وبدء الجولات هناك، تمددت على فراشها ليس لديها رغبة في القيام باي شئ سوى الاسترخاء فقط..

شردت وعيناها معلقتان بسقف الغرفة تتذكر ما كان من احداث بالأشهر القليلة الماضية والتي غيرت فيها ومنها كثيرا، تنهدت ومدت كفها تبحث عن هاتفها الذي اهملت الاطلاع عليه منذ وصولها رغبة في الانقطاع عن عالمها والاستمتاع بذاك العالم المحيط من الآثار والجولات التي لا تنتهي، فتحت هاتفها وبدأت في تصفحه لتنتفض معتدلة في جلستها تطالع شاشته في اضطراب تقرأ تلك الرسالة التي ارسلتها نهى ابنة عمتها ولم تنتبه لها، حتى ان هاتفتها رن عدة مرات ايضا ولم تتبين متى كان ذلك فهى قد قررت غلق هاتفها عن استقبال اى مكالمات او رسائل منذ وطأت قدماها الأراضي الإيطالية..

اتصلت مسرعة بنهى تنتظر اجابة على الطرف الاخر وما ان همت باغلاق الخط حتى ردت نهى في لهفة صارخة: - الووو، حياة!؟، اجيبي..
هتفت حياة صارخة بدورها: - ماذا يحدث يا نهى!؟، ولما طلبتي مني العودة في رسالتك وبشكل سريع وفوري!؟.
هتفت نهى باكية: - جدنا مريض للغاية ويسأل عنك كل دقيقة، ارجوكِ عودي على وجه السرعة، حالا يا حياة، حالا، فقد لا يكون هناك متسعا من الوقت لكي..

وصمتت نهى ولم تنه جملتها التي لم تكن تحتاج لمزيد من الكلمات لتدرك حياة ما تعنيه وخاصة عندما بدأت نهى في النحيب وكان ذاك ابلغ من إكمال ردها مما دفع حياة لتهتف في اضطراب: - سأستقل اول طائرة قادمة للقاهرة اليوم، سأكون عندك خلال ساعات يا نهى، بلغي جدي ان يصمد لأجلي فلن أطيق رحيله دون وداعي..
همست نهى: - حسنا..

واغلق الخط بينهما لتندفع حياة تجمع حاجاتها مسرعة من الغرفة ومنها لاستقبال الفندق لحجز مقعد على اول طائرة منطلقة من روما متجهة للقاهرة..

وقفت نهى امام الحاجز الزجاجي تتطلع الى جسد جدها المسجي وبكت في لوعة، ليهتف مهنى مهدئا: - سيكون بخير، الأطباء اكدوا لي انه تعدى مرحلة الخطر..
همست نهى: - الحمد لله..
همس مهنى: - لقد اكد لى طبيبه المعالج انه لا ينفك يذكر اسم حياة مرددا إياه بشكل مُلح..

همست نهى وهى لا تحيد نظراتها عن جسد جدها: - لقد تلقت رسالتي أخيرا وهى قادمة على اول طائرة للقاهرة لعل مجيئها يكون هي دواء جدي الشافي، انت تعلم كم يحبها ويفضلها..
اومأ مهنى مؤكدا: - نعم، جيد انها في طريقها الي هنا، آمل ان تصل ليتحسن حاله..
همست نهى: - ستعود فلن تحتمل ان يتعذب جدي في بعادها، ستعود اسرع مما تتخيل..
اومأ مهنى في تفهم ولم يعقب بكلمة..

جلست تربط حزام الأمان متنهدة في راحة فقد استطاعت الحصول علي هذا المقعد بشق الأنفس وتنفست الصعداء ما ان اقلعت الطائرة..

ساعات قليلة وتكون بجوار فراش جدها الحبيب فهى تعرف انه لن يرحل دون ان تراه ربما للمرة الاخيرة، كانت ترفض تماما فكرة تلك الرحلة والابتعاد عنه وخاصة ان حالته الصحية مؤخرا لم تكن على ما يرام الا انها ازعنت لرجائه ووافقت بعد إلحاحه لتخرج من عزلتها قليلا وتحاول ان تغير من اجواء الكأبة التي فرضتها على نفسها بعد تلك الاحداث التى تعرضت لها وأدخلتها في أزمة نفسية كبيرة كادت ان تدخل جدها لغيبوبة طويلة بسبب حزنه على حفيدته الاثيرة لديه..

تطلعت من النافذة على تلك السحب الفضية وسرحت في ذكريات بعيدة قفزت الى مخيلتها وجذبتها سريعا الى خضم احداثها حتى انها لم تنتبه لذاك الذي جاء ليجلس بالمقعد الشاغر جوارها ولم تدر رأسها حتى لتستطلع من الذي يجاورها فلم تكن قد استطاعت الفكاك بعد من اسر تلك الذكريات لمخيلتها لكنها انتفضت فجأة عندما وجدت منديلا مشهرا امام ناظريها وهمس بصوت تعرفت على نبراته لكنها كذبت حدسها كالعادة: - تلك العيون الجميلة لا يليق بها الدموع..

تطلعت الي صاحب اليد الممدودة بالمنديل لتفغر فاها في دهشة هاتفة في تعجب: - ما الذي ات بك الى هنا!؟، الم تكن في سبيلك ل..
قاطعها مؤكدا بابتسامة: - أولم تكوني في سبيلك لشمال إيطاليا معنا بدورك!؟، انها احداث الحياة، لحظة انت هنا واللحظة القادمة انت هناك، وفي لحظة ثالثة انت بعالم اخر تماما..

مدت كفها تتناول المنديل من يده التي كانت لاتزل ممدودة اليها وجففت دمعها الذي ما ادركت تساقطه الا عندما رأت المنديل قبالة ناظريها..
همس متعاطفا: - هل اطلب لك مشروب ما!؟، المضيفة احدى الصديقات واستطيع احضار ما يحلو لك..
ابتسمت ساخرة: - لما لا اشعر بالغرابة!؟، شئ متوقع، على العموم، شكرًا، لا رغبة لدي في استغلال صديقاتك العزيزات، اهنأ بخدماتهن وحدك..

وتطلعت من النافذة معلنة رغبتها في إنهاء الحوار لكنه لم يلق بالا لرغبتها تلك طالما هولايزل يملك الرغبة في الحديث والتواصل وهمس متسائلا في فضول: - ما الذي كان يبكيكِ!؟، ما سبب تلك الدموع يا ترى!؟.

أدارت رأسها اليه في عنف هامسة في سخرية: - سببها بعض الفضوليين، فانا اكره الفضول واصحابه..
هتف في لامبالاة: - ليس فضولا صدقيني، فليس هناك ما يدعو للفضول تجاهك مطلقا اعتقد اني أوضحت هذه النقطة من قبل...

جزت على أسنانها غيظا لكنها كتمت غضبها داخلها في محاولة لتبدو بمظهر امرأة قادرة ومسيطرة ليستطرد هو بنفس اللهجة الواثقة التي تمقتها بشدة: - لكن شعرت ان من اللطيف لو شاركتك بعض احزانك فالساعات لاتزل ممتدة أمامنا للوصول لوجهتنا، لكن لا عليكِ، كنت مخطئا..
وجذب ذاك القناع الذي يوضع لحجب الضوء عن العين استعدادا للخلود للنوم قاطعا معها اى فرصة للتواصل..

شعرت بالراحة لفعلته فهى لا تريد متطفلين على مزاجها العكر منذ سمعت بخبر مرض جدها الذي يبدو انه ينازع الموت حتى يستطع ان يرها قبل ان يرحل للأبد، تطلعت من جديد للنافذة وغابت مرة أخرى بين دفاتر ذكرياتها التي تراها مجسدة امامها على صفحة السماء..

لا تعرف كم مر من الوقت وهى على هذه الحالة لكن تلك الرجة العجيبة التي حدثت بالطائرة جعلتها تشهق في فزع لتمسك بذراع مقعدها متشبثة اوما اعتقدت انه كذلك حتى تحرك قابضا على كفها بدوره لتدرك انها ذراعه الممدودة جوارها، رفع قناع الاعين متطلعا اليها وهولايزل متشبثا بكفها مهدئا: - لا عليكِ، ربما هو مطب هوائي لا اكثر..

لكن الامر تكرر من جديد وبدأت الطائرة في الانحراف قليلا عن مسارها وبدأت الصرخات تعلو مع محاولة طاقم الضيافة تهدئة المسافرين وشرح بعض التعليمات لضمان سلامة الجميع، الا ان المزيد من الرجات تكررت تباعا وعلت الصرخات وزادت وتيرة الفزع وما عاد احد قادرعلى الحفاظ على هدوئه والطائرة تهوي وقائدها ليس بقادر على السيطرة عليها..

صرخت نهى غير قادرة على كتمان صدمتها ما ان أبلغها محامِ العائلة الاستاذ مهني خبر سقوط الطائرة القادمة من روما والتي تأكد من سجل ركابها ان حياة كانت من بينهم لتصرخ في لوعة: - انا من اخبرها بضرورة مجيئها على وجه السرعة، انا من تعجلها لتأتي وترى جدي، انا السبب..

هتف مهني بها في محاولة لتهدئتها وردها لصوابها: - ارجوكِ تمالكي اعصابك حتى لا يصل الخبر لجدك، فهو يعيش فقط على امل عودتها، دعيه يعتقد انها في الطريق اليه..
همست نهى باكية: - كيف لى ان اواجهه وانا بهذه الحالة!؟، لن أستطع الكذب والادعاء امامه، الامر اكثر من قدرتي على التحمل..

وعلا نحيبها الموجع وهى تهتف في تحسروشفقة: - مسكينة حياة، لم تنل بحياتها الا الشقاء والوجع، هاقد انتهت تلك الحياة التي كانت تكره وما عادت قادرة على احداث المزيد من الأوجاع بروحها فقد فارقتها للأبد..
همس مهني متحسرا بدوره: - رحمها الله، لا اعلم كيف سيكون رد فعل جدكما ان علم بالأمر!؟، سيقض ذاك الخبر عليه..

صرخت نهى هاتفة في ذعر: - سأخسر كلاهما، حياة وجدي، لن أستطيع العيش دونهما، ماذا عليّ ان افعل!؟.
هدأها مهنى هامسا في تعاطف: - كل ما عليكِ فعله هو التماسك قدر استطاعتك فلو علم جدك لن ينجو هذه المرة يا نهى، لقد نقله الأطباء أخيرا لحجرة عادية بعد استقرار حالته، علينا ان نعمل على الحفاظ على سرية الخبر حتى تتحسن صحته قليلا ثم نبحث كيف نعالج الامر..

اومأت نهى موافقة في استسلام وهى تحاول كتمان شهقات بكائها وجعا وحسرة على رحيل رفيقة عمرها..

كان صوت النوارس يحدث ضجيحا غير محتمل بأعلى رأسه التي يكتنفها دوارا عجيبا لم يستشعره من قبل..
حاول ان يبعدها مشيحا بكفه حتى يتسنى له العودة للنعاس من جديد فهو يشعر بوهن وإرهاق عجيب ينتشر بكامل جسده يجعله غير قادر على تحريك عظمة واحدة من دون شعوره بألم رهيب بسائر الجسم كانما خاض معركة مع ثور بري..

عاود النعاس ربما للحظات وربما لساعات لكنه استعاد وعيه من جديد على ذات الصوت المزعج للنوارس محلقة بالقرب من مسامعه لذا قرر ان يستطلع الامر ففتح عينيه في تباطؤ وتردد وقد ضاقت حدقتيه لتصبحا قادرتين على استيعاب ضوء النهار الباهر الذي يزعجهما واخيرا رفع رأسه في تثاقل متطلعا حوله في تعجب..

جال بناظريه في كل ما حوله واخيرا فقد قدرته على الاستمرار في رفع رأسه فانقلب ليسقط على ظهره متطلعا للسماء التي كانت تغطيها طيور النورس البحرية وقد ادرك ما يجري وخاصة عندما بدأت ذاكرته في استرجاع شريط الاحداث في الساعات او ربما الأيام الاخيرة قبل سقوط الطائرة ليصبح وحيدا على تلك الجزيرة..

اغمض عينيه من جديد محاولا الغرق مرة اخرى فى النعاس متناسيا كل ما حدث بالفعل وكأنه كابوس سخيف، فالموت هو عنوان المرحلة سيان كان بسقوط الطائرة او البقاء بتلك الجزيرة وحيدا..

كان يجلس يتطلع للغروب قبالته والشمس تتوارى خلف البحر منذرة بقدوم جحافل الليل التي بدأت تنشر ظلمتها، ارتجف موضعه وهو يفكر ان هذه ستكون الليلة الثانية التي يبيت فيها وحيدا على هذه الجزيرة، ولولا ذاك الكوخ اوما يطلق عليه كوخا والذي صنعه على قدر استطاعته من بعض سيقان الأشجار لتصبح سقفا يحتمي تحته من بعض الحيوانات التي قد تهاجمه ليلا ما استطاع ان ينجو من الموت على تلك الجزيرة حتى الان..

ارتجفت أوصاله عندما استشعر حفيفاً وجسم ما يقترب، مد كفه نحو ركوة النار يتلمس الرماد ماسحا به على طول جبهته وسائر الوجه مخفيا معالمه واندفع بحذر متسلقا تلك الشجرة التي كان يستند على جذعها لتوه وتوقف عندما وصل لارتفاع مناسب عن الارض وكذا لفرع قوي يستطيع الجلوس عليه دون ان يخزله فينكسر لثقله..

لحظات وصدق حدسه وهو يرى ذاك الخيال على ضوء جذوة النار التي استطاع إشعالها اخيرا وصنع منها ركوة تحيطها الحجارة ليشوي عليها تلك الأسماك التي استطاع صيدها يتحرك متجها نحو اللهب..
لم يكن يوحي الظل القادم نحوه كما يحاول تبينه بالأعلى انه لحيوان ما جذبته رائحة الطعام لكنه اكثر شبها بظل بشري ينحني ويتحرك في خفة متسللا..

ارتجف من جديد وقد جالت بخاطره جميع مشاهد آكلي لحوم البشر بالأفلام السينمائية التي شاهدها والتي لم يكن يتوقع حتى في اسوء كوابيسه ان يكون عشاء لإحداهم يوما ما..
لكن ها قد أتى اليوم الذي سيكون وجبة مشبعة لواحد منهم يقترب متخفيا بأوراق الشجر التي ينثرها على جسده كنوع من التمويه ومحاكاة البيئة..

لم يكن يعلم ما عليه فعله بالضبط، هل ينتظر موضعه حتى يرحل ذاك الكائن!؟، ام عليه مهاجمته والقضاء عليه حتى يتخلص نهائيا من تهديده المستقبلي!؟.
اصبح صاحب الظل اسفل الشجرة التي يعتليها مباشرة وهنا فقط استطاع اتخاذ قراره وانقض قافزا من عليائه على ذاك الكائن الذي اطلق صرخة وكلاهما يسقط ارضا..

من حسن حظ ادم انه سقط وهولايزل يحتفظ بتفوقه معتليا ذاك الوحش الآدمي وامسك بأحدي الأحجارالمحيطة بركوة النار ورفعها عاليا ليهوى بها على رأس ذاك البشري المتوحش لكنه توقف مصعوقا وهو يتطلع لصاحب ذاك الظل الذي أرعبه..
تلك اللحظة التي توقفها كانت فاصلة لحسم المعركة فذاك الوحش امتدت كفه بالمثل ممسكة بأحد الأحجارالتي كانت تحيط بركوة النار، رفعها ليضرب بها رأس ادم الذي صرخ ممسكا بجبينه الجريح...

همس السعيد في نبرة واهنة متطلعا لحفيدته في ترقب: - اما من اخبار عن حياة!؟.
تماسكت نهى قدر استطاعتها بازلة مجهود جبار في السيطرة على رغبتها في الانفجار باكية في أحضان جدها تخبره الحقيقة: - لااا، ليس هناك من اخبار، هاتفها لايزل خارج نطاق الخدمة..

هتف مهنى معللا يحاول جذب خيط الحديث من نهى حتى لا تضعف ملقية بالخبر المشؤوم: - ربما لم تنتبه لهاتفها فخلال الجولات السياحية الكثير من الضجيج والصخب، وعند عودتها تكون مرهقة لا رغبة لديها سوى النوم..
هز الجد رأسه متفهما وهمس وهو يغمض عينيه بغية الراحة: - لا يهم، تفعل مايحلو لها، الأهم ان تكون سعيدة وعلى ما يرام..

لم تستطع نهى الاحتمال اكثر فاندفعت خارج الحجرة تنتحب في وجع، ليتبعها مهنى متطلعا اليها في إشفاق غير قادر على فعل أي شيء حيال حكم القدر..

كان الوحش لايزل ممسكا بتلك الحجارة التي اصاب بها رأس ادم تحسبًا لمهاجمة ادم له من جديد والذي انحني متوجعا يمسك موضع اصابته رافضا الابتعاد عن موضع تفوقه باعتلائه جسد ذاك الكائن وهتف في سخط: - اللعنة، قلتها وسأظل افعل، لا خير فيكن ابدا، ما ان تظهر احداكن الا وتهل المصائب واحدة تلو الاخري..

تنبهت حياة لصوته ونبرته الساخرة المميزة التي لا تخطئها آذانها على الرغم من انها لم تميزه نظرا لذاك السواد الذي يرسم به وجهه اشبه بجندي صاعقة في مهمة انتحارية وهتفت في دهشة: - ادم عبدالخالق.!؟، اهذا انت!؟.
هتف ساخرا وهو لايزل واضعا كفه على موضع اصابته: - هو بعينه التي كادت ان تضيع على يديكِ لتوها..

ما ان ادركت كنه ذاك الرجل حتى تنبهت لوضعه فدفعت به بعيدا عنها ليسقط جانبا، ونهضت في محاولة لتعديل هندامها وضبط غطاء رأسها الذي انزاح قليلا للوراء بعد سقوطهما..
هتف ساخرا وهو لايزل يضغط بكفه على موضع جرحه فوق حاجبه الأيسر: - تعدلين هندامك!؟، انت اشبه بفرع شجرة جاف يتحرك بتلك الاوراق العجيبة التي تضعين.
هتفت تبرر: - احاول التخفي، وقد نجح الامر حتى الان على الاقل..

هتف مؤكدا في سخرية: - نعم نجح بامتياز وكاد ان يصيبني بأزمة قلبية..
لم تعقب لذا استطرد في تأدب مغاير لحقيقة شخصيته: - على ايه حال، مبارك نجاتك، هل هناك من ناجين غيرك!؟.

هزت رأسها نفيا مؤكدة في اسف: - لا اظن، عندما استيقظت على الشاطئ وجدتني وحيدة تماما، لم يكن هناك غيري، كنت اعتقد اني نجوت وحدي فاختبأت باحدى الفجوات الصخرية الموجودة قرب الشاطئ على الجانب الاخر من الجزيرة، لكني اقتربت عندما وصل الي رائحة شواء البارحة وتنبهت لضوء تلك الركوة التي اشعلتها..
هز رأسه متفهما وهتف مرة اخرى: - حمد لله على سلامتك، لقد كتب الله لكلانا عمرا جديدا..

هزت رأسها في إيجاب وجلست في تردد قرب ركوة النار تشعر بالبرودة تنخر عظامها لقربهما من شاطئ البحر بشكل كبير، فخطوات قليلة وتلامس اقدامها أمواجه، تنبه لارتجافتها وهو يتفحصها على ضوء ذاك اللهب الذي تتراقص أشاعته على ملامح وجهها الذي يحكي قصة معاناة عاشتها ليومين معتقدة انها وحيدة على تلك الجزيرة كما كان يعتقد..

هتف متعاطفا: - يبدو انك جائعة، سأشوي تلك الأسماك وحتى انتهي سأحضر لك بعض من الفاكهة التي استطعت جمعها من أشجار قريبة فانا لم اتوغل لقلب الجزيرة بعد، كان وصولك الي هنا مخاطرة كبيرة..
واستطرد وهو يتجه لكوخه الخشبي الذي كان يضع به غذائه: - وشجاعة هائلة أيضا..

عاد بثمرتي فاكهة ومد كفه بهما فتناولتهما في سعادة وبدأت في قضم احداهما بشهية متجاهلة تفرسه بها وهو يهتف مسترسلا: - على الرغم من ان مظهرك لا يوح ابدا بانك تمتلكين تلك القوة الداخلية..

توقفت عن الطعام ورفعت ناظريها اليه وهتفت في صرامة: - تتحدث وكأننا عشرة سنوات لا بضعة ايّام لم نلتق فيها الا ساعات قليلة، ماذا تعرف عني حتى تحكم على ما املك وما لا املك!؟، من الأفضل لك التركيز على ما يخصك وترك ما لايعنيك.
لم يهتز للحظة لذاك السيل من الهجوم العدائي من قبلها بل انه هتف في بساطة: - حسنا، انتِ على حق، لكن اظن انك منذ اللحظة التي ظهرتِ فيها وانتِ اصبحتِ تحت بند ما يخصني..

نظرت اليه غير مصدقة ما يقول وهتفت في تعجب: - هل انت واعٍ لما تتفوه به!؟، انا لست احدي مقتنياتك ولن يحدث..
هتف موضحا: - ومن قال هذا، ما قصدته انك اصبحتِ مسؤلة مني وعلىّ الحفاظ عليكِ وحمايتكِ حتى يحدث امرا من اثنين، الموت هنا، او النجاة..
هتفت في ثقة: - اشكرك كثيرا، لكن اعتقد انه من الأفضل لكلينا ان يكون كل منا مسؤل عن نفسه..

ونهضت مؤكدة وهى تشير بثمرة الفاكهة التي لاتزل بحوزتها: - اشكرك على حسن الضيافة..
واستطردت وهى تشير لجرحه الذي لم يكن خطرا كما توقعت فذاك الحجر الذي ضربته به كان من النوع الجيري الذي يتفتت بسهولة فلم يحدث قطعا غائرا بل مجرد خدش بسيط فوق حاجبه الأيسر أعطاه مظهرا شقيا لاحد المشاغبين: - وآسفة على ذاك الجرح..

هتف ساخرا: - تذكار قيم، شكرًا، تصبحين على خير وأرجو الاتصال قبل الزيارة القادمة التي أتمنى من صميم قلبي الا تتكرر..
تحركت خطوات مترددة وتساءلت في نفسها، هل سيتركها ترحل بالفعل!؟.
تطلعت لقلب الجزيرة المعتم وتلك الأشجار المتشابكة التي عليها اجتيازها لتعود لموضعها السابق بذاك التجويف الحجري الرطب والذي لزمته ليومين تقتات على بعض الفاكهة قبل ان تلقاه معتقدة انها ستموت ويكون موضع قبرها..

لا، لن تعود، هكذا حزمت امرها وهتفت في ثبات حاولت ادعائه وهى تعاود الجلوس مرة اخرى قرب النارالمستعرة: - اعتقد ان بقائي معك هنا افضل من بقاء كل منا بمفرده، وخاصة ونحن لا نعلم ما ينتظرنا بهذه الجزيرة..

اتسعت ابتسامته دون ان يعقب بحرف واحد يفسد عليها شعورها بانه اقتنع بتلك المبررات الواهية لبقائها قربه، لكن مهما يكن، فقد اعترف داخليا انه يشعر بسعادة عجيبة، سعادة من نوع خاص عندما اكتشف انها على قيد الحياة، وأنهما هاهنا على هذه الجزيرة وحيدين، كأنهما ادم وحواء بُعثا من جديد..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، السماء ، تشهد ، أيها ، الماجن ،











الساعة الآن 10:52 AM