logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .






look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:20 مساءً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس
الوجع الخامس

لم تتحرك من موضعها لفترة لا تعلم أن كانت طالت ام قصرت لكن كل ما تدركه أنها فقدت الإحساس بالزمن فقد توقف عند اللحظة التي نطق بها تلك الكلمة التي مزقت ميثاقهما الغليظ..

تنبهت لبكاء صغيرها فنهضت في تثاقل مرير نحوه وكعادتها تبثه اوجاعها على هيئة احضان مشبعة بالحاجة إلى حنان مفتقد، بكت وبكى صغيرها بين ذراعيها متململا، حاولت تهدئته قدر استطاعتها واطعامه حتى عاد لنعاسه من جديد، وضعته بفراشه واندفعت تبحث عن هاتفها وما أن وجدته حتى بحثت عن رقمه، رقم صديق كمال، سالم، تذكر أن كمال قد اتصل بها منذ عدة أيام على هاتف صديقه هذا عندما انتهى شحن بطارية هاتفه..

وجدته اخيرا فألتقطت نفس عميق وداست زر الإتصال، لحظات ورد سالم على الجانب الآخر في لهفة هاتفا: - اهلا يا مدام نجوى، خير!؟
تعجبت من أن يكون على علم برقم هاتفها، لكنها تجاهلت الأمر هاتفة بصوت حاولت أن تبثه بعض الثبات الواهن: - استاذ سالم، انا عارفة انك صديق مقرب من كمال، واحنا حصل بينا مشكلة كبيرة وهو..

توقفت تلتقط أنفاسها وتبتلع غصة بحلقها حتى تستطيع نطق تلك الكلمة التي تثير فيها مواجع شتى وهمست اخيرا: - وهو طلقني..
هتف سالم في صدمة: - طلقك!؟، ليه كده بس!؟، لا حول ولا قوة الا بالله..

قال ما قال لكنها لم تستشعر ولو قدر ضئيل من التعاطف أو الحزن بصوته، لكنها صمتت لبرهة مستطردة: - اكيد حضرتك عارف أنه عاوز يتجوز، قوله إن نجوى معندهاش مانع، ليه يطلقني، خليني على زمته، حتى ولو كان مليش خاطر عنده، يبقي عشان خاطر ابنه، يتربى ليه بعيد عن بباه!؟.

لم تستطع أن تتماسك أكثر من هذا فانفجرت باكية: - حاول تقنعه يا استاذ سالم، عشان خاطر البيت ده ميتهدش، يروح يتجوز، بس ميطلقنيش، انا مش هقدر اتحمل اني..
ولم تستطع أن تسترسل في سرد مواجعها على ذاك الغريب الذي لم تره الا عدة مرات كانت سريعة وتحت ضغط من كمال نفسه..

هتف سالم محاولا تهدئتها: - متقلقيش يا مدام نجوى، أن شاء الله كله هايبقى تمام، اهدي بس مفيش حاجة تستاهل دموعك الغالية دي، ولا حد يستاهل زعلك، وكله خير..
همست نجوى في هدوء: - متشكرة جدا يا استاذ سالم، ربنا يخليك، سلام عليكم..
هتف سالم: - وعليكم السلام..

تركت هاتفها جانبا لا تدرك أن كان ما فعلته هذا صحيح ام تصرف خاطئ ستندم عليه يوما، كل ما كان ببالها اللحظة أن تنقذ زواجها الذي ينهار بالفعل واتصالها بسالم هذا هو القشة التي يتعلق بها الغريق بعد أن ثقبت مركبه وطاح بها موج الخلاف.
بكت من جديد حتي جفت دموعها ولم تستشعر الا ويد تهزها في عنف فيبدو أنها غفت رغما عنها..

انتفضت متطلعة لكمال الذي كان يقف على رأسها في تحفز متطلعا إليها في حنق حتى هتف اخيرا: - هي حصلت تروحي تشتكيني لسالم!؟، احلو دلوقت سالم وبتكلميه عشان يقنعيني اردك!؟.
هتفت نجوى بصوت متحشرج مهموم النبرة: - انا عارفة أن سرك كله معاه واكيد عارف موضوع جوازك، انا..

هتف بها كمال في غضب: - أنتِ ايه!؟، رايحة تسوقي عليا اكتر صاحب كنتِ بتحاولي تبعديني عنه وتتهميه أن نظراته مش مريحة وبيبص لك بشكل مش محترم، انا نفسي افهم جالك منين الخيال المريض ده.!؟، انت مين عشان يبص لك اصلا، أنتِ مش شايفة انتِ شكلك عامل ازاي!؟، بعد أقل من تلات سنين جواز بقى شكلك مبهدل، تخنتي يجي عشرين كيلو وبقى كل همك الأكل وابنك وبس، لا هدمة نضيفة بتلبسي ولا بتهتمي بنفسك، قال بيبص عليا ونظراته معرفش مالها، ليه عمي..!؟، انتِ لو فاكرة أن فيه راجل هيبص لك بشكلك ده يبقى انت لازم تتعالجي، فوقي، ده انا ليا الجنة إني استحملتك السنتين دول..

دموع فقط كانت اجابتها على كل تلك الإهانات الموجهة لها كخناجر مسمومة مصوبة لقلبها..
هم بالرحيل لتصرخ به منتفضة تقف بطريقه هاتفة في توسل: - رايح فين!؟، متسبنيش يا كمال، لو سبتني هموت، انا عارفة أن عندك حق فكل اللي قلته، وانك نبهتني كتير وانا مسمعتش، بس اوعدك هتغير والله، بس متسبنيش..

هتف بها غيرعابئ بانكسارها: - معدش ينفع، انا هتجوز قريب، ومعنديش القدرة على فتح بيتين، يا هنا يا هناك، وانا اخترت راحتي، وراحتي معاها..
اندفع تاركا إياها تتجرع مرار الخزي والمهانة علقما يتسرب الي روحها التي تنتفض في ارتجاف من صقيع ايام فقد قادمة...

كانت في سبيلها للخارج تتمشى قليلا بالمنطقة بعد أن شعرت بالاختناق وحيدة، مدت كفها لمقبض الباب تفتحه لكنها انتفضت تاركة إياه في اضطراب ما أن تناهى لمسامعها صوت صرخات مكتومة قادمة من الخارج، تسمرت موضعها واقتربت من باب الشقة ترهف السمع لتتأكد أنها لا تتوهم إلا أن الصرخات علت وتيرتها قليلا..

قررت في لحظة جرأة غير معتادة أن تفتح بابها لاستطلاع ما يحدث فإذا بشابة صغيرة تتوجع وشاب يساعدها حتى تتخطى عتبة شقتهما، يبدو أن المراة على وشك الوضع..
انتابت المرأة نوبة ألم شديدة جعلت صرختها تعلو مترنحة تكاد تسقط أرضا وزوجها قد غفل عنها للحظة ليغلق باب الشقة خلفهما، كان مضطربا فيبدو أنه يمر بهذا الموقف للمرة الأولي ما جعل إحسان تندفع لتلحق بالمرأة الموجوعة قبل سقوطها أرضا وايذاء نفسها وجنينها..

هتفت به إحسان متسائلة: - انت معاك عربية!؟.
هتف الشاب مضطربا: - لا، هجيب تاكسي بس اسندها لحد تحت..
أكدت إحسان: - طب بسرعة وانا هفضل معاها واحاول انزل بيها عشان نوفر وقت، بسرعة..
توتر الشاب بشكل أكبر وأخذ يتلفت حوله واخيرا اندفع في اتجاه الدرج لينفذ المطلوب الا انه كاد يصطدم بشخص ما يصعد الدرج مسرعا بالمقابل..
هتف الرجل الصاعد في مرح: - خبر ايه يا حاتم!؟، هي نرمين بتجري وراك بسكينة المطبخ ولا ايه!؟.

هتف حاتم مضطربا وهو يهم بالإندفاع على الدرج هابطا: - نرمين بتولد، نرمين بتولد..
أوقفه الرجل هاتفا: - طب وانت رايح فين كده وسايبها؟!، تعالوا بسرعة اوصلكم المستشفى بعربيتي..
تنبه حاتم في انشراح: - ربنا يخليك، ده انا نسيت أن حضرتك معاك عربية..
عاد كلاهما لمساعدة نرمين على نزول الدرج حتى العربة التي سبقهم إليها الرجل ليحضرها قبالة بوابة البناية مباشرة..

أصرت إحسان على صحبتهم مغلقة باب شقتها خلفها مندفعين للمشفى..
كان حاتم يقف مضطربا وقد غلبه توتره فأصبح يجئ ويروح بطول الردهة بينما جلس كل من إحسان والرجل الذي تطوع مشكورا بايصالهم..
هتف الرجل سائلا إحسان: - حضرتك مش شبه نرمين خاالص، واضح انها شبه بباها..
هتف حاتم وكان قد اقترب من موضع جلوسهما: - دي مش ماما نرمين، دي..

تنبه حاتم أنه حتى اللحظة لا يعلم من تكون هذه المرأة التي تطوعت للمجئ معهم فهتف متسائلا في تعجب: - ايوه صحيح!؟ هو حضرتك مين!؟
ابتسمت إحسان معرفة: - انا إحسان الدمنهوري، صاحبة الشقة اللي جنبك..
هتف الرجل الجالس جوارها في تعجب: - معقول، انتِ بجد إحسان!؟، انتِ مش فكراني..!؟.
استدرات قليلا متطلعة إليه في حياء هاتفة: - انا اسفة، مش واخدة بالي، انا مكنتش باجي بيت بابا بقالي سنين طويلة..

فعلا لم تكن تخطو عتباته إلا فيما ندر بعد أن نشب ذاك الخلاف بين زوجها وأخيها على بعض الأموال التي كان قد استدانها الأخير من زوجها من أجل التحضير لهجرته مما دفع توفيق ليصدر فرمانا بحرمانها من زيارة بيت أبيها، كان قرارا قاسيا لكنها كعادتها لم تعارضه، لقد نشأت أن على الزوجة السمع والطاعة واتباع أوامر زوجها مهما كانت..

ابتسم الرجل معرفا: - طب بما انك مش فكراني، خليني اعرفك على نفسي من اول وجديد، انا القبطان عبدالغني السعدي، افتكرتيني كده!؟
ساد الصمت قليلا لتهز رأسها نفيا ليقهقه عبدالغني مؤكدا: - ولا هتفتكريني، لأني سكنت في الشقة بعد جوازك ومكنتش بشوفك بتيجي فعلا وانا كمان خدني السفر ومكنتش بنزل مصر كتير..
قهقه حاتم هاتفا: - انت مش هتبطل هزارك ده بقى يا غنوة!؟، والله ده انا صدقتك..

قهقه عبدالغني ولم يعقب بينما تململت هي موضعها غير شاعرة بالرضا على تلاعبه بها بهذا الشكل وكادت أن تنهض مغادرة إلا أن صوت انفراج باب غرفة العمليات عن محيا الطبيب جعلها تتوجه نحوه بصحبة حاتم الذي انتفض مندفعا يطمئن على زوجته، ليهلل الجميع في سعادة ما أن أخبرهم الطبيب أن نرمين بخير والطفلة الجميلة بأحسن حال..

كانت تلك العربة تقف على مقربة من باب المصنع المخصص لخروج العمال وما أن خرجت صفية تسير في هرولة حتى تلحق بولدها الذي كان لايزل يتعافى من مرضه الأخير تاركة إياه مع امها التي ما عاد كبر سنها يساعدها لتسيطر عليه واخته الأصغر سنا حتى لحقت بها تلك السيارة..

دخلت صفية الحارة وما أن اقتربت من مدخل بيتها حتى ترجلت من السيارة فتاة صغيرة تبدو في السابعة أو الثامنة عشر من عمرها لتلحق بصفية تقطع عليها الطريق صارخة في قوة: - اوعي تفتكري أن واحدة زيك ممكن تيجي فيوم وتاخد مكان امي!؟، انت اخرك مكان زي ده تعيشي فيه، لو كنتِ فاكرة انك هتقدري تضحكي ع الراجل بكلمتين يبقى بتحلمي، نجوم السما اقرب لك من ابويا..

هتفت بها صفية في غضب هادر ما أن تمالكت نفسها واستوعبت الصدمة أمام شلال الاتهامات الحقيرة تلك: - أنتِ مين من اساسه!؟، وابوكِ مين ده اللي هخده من امك!؟، أنتِ جاية تتبلي عليا وتحدفي عليا مصايبك!؟.
هتفت الفتاة مؤكدة: - انا مبحدفش بلايا على حد، انا هناء بت حماد بيه صاحب المصنع اللي بتشتغلي فيه، ها اقول تاني ولا كفاية!؟.

هتفت صفية في ثورة: - أنتِ بت حماد بيه!؟، وانا ايه اللي وصلني لراجل كبارة زي حماد بيه.!؟، مين اللي دخل فدماغك أن فيوم حماد بيه فكر فيا أو انا فكرت فيه..!؟، أيش جاب لجاب يا هانم..
أكدت هناء في غضب: - متعمليش عليا الشوية دول، انا سمعته بيكلم امي وهي قالت له اتجوزها، والكلام كان عليكِ..
همت صفية بالكلام إلا أن ظهور مسعد وهتافه المتعحب اخرسها: - تتجوز مين يا آنسة!؟، صفية مراتي، واضح أن العنوان غلط..

هتفت صفية مضطرة لتنهي هذا الجدل العجيب وتلك الفضيحة التي جمعت حولها سكان الحارة كما يجتمع النمل على قطعة السكر: - ايوه، اه، زي ما قالك كده، يبقى ازاي هتجوز حماد بيه، بقى ده يينفع!؟.
تطلعت هناء لهما في شك واخيرا هتفت في خيلاء وبنبرة يملؤها الكبر: - انا برضو مكنتش مصدقة أن بابا ينزل للمستوى ده..

وتطلعت حولها في نظرة تحمل اذدراء قبل أن تسقطها على صفية التي شعرت بمهانة مزقت دواخلها ولولا جميل حماد بيه الذي طوق به رقبتها مرة بعد أخرى لكانت استطاعت الرد على ابنته المتغطرسة تلك بالرد اللائق لأمثالها..

ساد الصمت لتندفع هناء حتى عربتها مغادرة في سرعة مخلفة ورائها غيمة من غبار ودموع صفية التي سالت على وجنتيها وهي تندفع لداخل بيتها تكاد تنكفئ وهي تصعد درجات السلم المتأكلة لا ترى طريقها من غيوم دموع المذلة التي تغشى ناظرها عن رؤية دربها..

دخلت غرفة نومها تبحث عن حقيبة يدها التي تركتها بموضع ما لا تذكره، تناولتها ما أن وقع ناظرها عليها تبحث فيها عن كيس نقودها..

فتحته مخرجة كل ما تملك من مال جاءت به من بيتها أو ما كان يوما بيتها، فردت جنيهاتها القليلة أمامها على صفحة الفراش لتجد أنها لا تكفي حاجتها، لم تكن يوما ممن يحمل للنقود هما أو يفكر أن للنقود قيمة عالية لهذه الدرجة إلا اللحظة، مجرد أن تستشعر أن الأمان أصبح بالنسبة لك ينحصر في وجود بضع جنيهات بكيس نقودك لشئ مخزي، لم يعد لمصطلح الأمان مكان بحياتها من الأساس، أصبحت تقف وحيدة بمهب ريح المهانة والخزي، مطلقة على مشارف الخمسين من عمرها، لا تملك عائلا وليس لديها مدخور من مال يكون سندا لها على الأيام وتقلباتها الغير متوقعة..

قلبت جنيهاتها القليلة بين كفيها لا تعلم فيما يمكنها استغلالهم، كانت تود لو كان باستطاعتها شراء بعض المستلزمات التي تساعدها على صنع بعض من حساء ودجاجة لنيرمين ما أن تعود من المشفى، اليوم أو ربما غدا، فهي على قدر ما سمعت من حاتم زوجها أنها يتيمة الأم وأبوها رجل طاعن بالسن لا يقو على المجئ لمباركة حفيدته..

حملت جنيهاتها وقررت أن تتصرف كيفما اتفق، فقد شعرت رغم ذلك ببعض الحرية، أجبرت نفسها على النظر لنصف الكوب الممتلئ، فتوفيق لم يكن يوما بالشخص الكريم معها، لم يكن يترك لها حرية التصرف بأية أموال، لم تمسك جنيها واحدا يمكنها التصرف به كما يحلو لها، كان هو المسؤول عن جلب كل ما يخص المنزل من أطعمة ومشتريات غذائية وهي مجرد منفذ لرغباته فيما يجب طهوه، كانت بارعة في ذلك والكل يشهد أن طعامها يملك حسا ونكهة لا تنافسها فيها أي من كانت..

وجدت نفسها داخل تلك البقالة الحديثة التي كانت قديما محلا صغيرا لا يبيع الا بعض من جبن وزيتون وصابون..
دخلت تنتقي ما اعتقدت أن ما تملكه من مال يفيه وزيادة، لكن ما وقفت أمام البائع تسأله اسعار ما أشترت حتى تفاجأت أنها تجاوزت الجنيهات التي بحوزتها بمراحل، تنحنحت في حرج هامسة تحاول إخراج نفسها من موقف لا تحسد عليه: - معلش، شكلي نسيت الفلوس في الشنطة التانية، ممكن تشيل بعض الحاجات بحيث تكفي المبلغ ده..

هم البائع بتنفيذ ما تطلب إلا أن صوتا أمرا لا يخلو من نبرة مرحة هتف ينهاه: - متشلش حاجة يا بني، حط للمدام كل طلباتها في كيس محترم وطلعه على فوق، الهانم تبقى جارتي، والحساب عندي..
استدرات إحسان في ضيق تواجه ذاك الذي يغدق عليها بكرم لا رغبة لها به: - حساب مين اللي عندك!؟، انا مش هاخد اي حاجة انا مدفعتش تمنها، متشكرة قوي على كرمك..

واعادت ناظريها للبائع امرة إياه بتنفيذ ما طلبته هي ليطيع مسلما إياها كيس مشترياتها لتهرول مندفعة من البقالة حتى شقتها كأنما تطاردها الأرواح..
ما أن وصلت لباب شقتها حتى وجدت عامر ولدها يقف بالباب حاملا العديد من الأكياس، اندفعت تفتح الباب في سعادة لمرأه..
ضمها عامر إليه ما أن ترك ما كان يحمل هامسا في أسى: - عاملة ايه يا ماما!؟، معلش اتأخرت عليكِ، بس محبتش ادخل عليكِ وأيدي فاضية، استنيت القبض وجيت..

تطلعت إحسان لأكياس الأغراض هاتفة في اشفاق: - ليه كده تكلف نفسك يا عامر!؟، مين هياكل كل ده!؟، وبعدين كفاية الحمل اللي على كتافك، بيتك وديونك اللي بتسددها..

لثم عامر جبينها هاتفا في مرح: - ميجيش من بعد خيرك يا امي، فاكرة لما بعتي سلسلتك اللي كانت عزيزة عليك والحاجة الوحيدة اللي كانت بقيالك من ريحة ستي عشان تساعديني اسدد شوية من اللي عليا بعد ما بابا رفض يساعدني برغم أنه يقدر، وغيرها كتير، دي اقل حاجة والله..
هتفت إحسان مقترحة: - ما تيجي انت ومراتك وبناتك تعيشوا معايا، البيت زي ما انت شايف واسع و..

هتف عامر مقاطعا: - مش هينفع يا ماما، دنيتنا كلها بقت هناك، مدارس البنات وشغل مراتي وكمان شغلي، هنا بعيد قوي يا ماما، وكمان مستوى المكان مش زي هناك، والبنات..
قاطعته إحسان في ضيق مكبوت: - خلاص فهمت يا حبيبى، ربنا يصلح لك حالك..
استأذن عامر ليغادر فهتفت به: - انت لسه قعدت.!؟، خليك معايا شوية..
هتف عامر متحرجا: - معلش يا ماما يا دوب اروح، هجيلك تاني، خلي بالك على نفسك ولو احتجتي اي حاجة قوليلي..

هزت رأسها دون أن تنبس بحرف فما عساها أن تقول، عادت للأكياس تتلهى بفتحها لتجد بعض من نقود متروكة جانبا..
تطلعت لباب الشقة حيث غادر ولدها منذ قليل ثم عاودت النظر للنقود من جديد، كم هو قاس شعور المذلة الذي تتعرض له مرة تلو الأخرى..

اليوم في البقالة وحرجها من قلة المال وتدخل جارها والأن وهي ترى ولدها الذي كانت دوما ما تمتد له يدها بالعطاء فإذا بها اللحظة مغلولة لا قبل لها على بسطها، تدحرجت دمعاتها وما من كف تغتالها ولا هناك من يد تربت على كتفها مؤازرة، وحيدة هي تماما كشجرة حكمت عليها اقدارها أن تنبت في وسط صحراء بلا ونيس يصاحبها أو حتى طير يحط عشه على أغصانها..

استفاقت من صدمتها بعد بكاء مرير، نفضت عنها عجزها بعد أن أخذ زوجها جوالها ونزع أسلاك الهاتف كي يتركها وحيدة لا تستطيع طلب المساعدة حتى يعود إليها سجانها ليفتح زنزانتها..

هرولت تدفع النافذة الزجاجية المطلة على نافذة غرفة نوم شيرين وبدأت في الهتاف بصوت لا يكاد يسمع، دفعت ببعض الأشياء حتى ترتطم بالخصاص لكن لا فائدة، دخلت لبرهة وعادت بعصا خشبية كانت يوما يد لمكنسة يدوية طرقت بها على النافذة عدة مرات لتنتبه شيرين وينفرج الشباك اخيرا عن محياها لتتتفس أمل الصعداء هاتفة في عجالة: - هاتي المفتاح اللي كنت سيباه معاكِ وتعالي افتحيلي بسرعة..

تطلعت شيرين إليها في تعجب: - افتح لك!؟، هو ايه اللي حصل بالظبط!؟.
هتفت أمل في تعجل: - مش وقته، تعالي افتحيلي وهحكيلك كل حاجة، بسرعة..
اندفعت شيرين تفتح الباب لتندفع أمل حاملة حقيبتها بيد وبالأخري تجذب بها سليم ولدها..
هتفت شيرين في صدمة: - على فين!؟، وايه اللي حصل خلاكِ عايزة تمشي!؟.

هتفت أمل وهي تهرول هابطة الدرج: - حاجات كتير حصلت يا شيرين بس انا اللي كنت بتعامى، سلام، واول ما اوصل عند بابا هكلمك واطمنك ع الأخبار..
ودعتها شيرين عائدة تغلق باب شقتها محتفظة بالمفتاح في حوزتها حتى تعود صاحبته، لكن كيف لمن خرج من الجحيم هاربا أن يعود بأختياره يوما!؟.
دفعت بنفسها وطفلها بأقرب سيارة أجرة وما أن سارت مبتعدة حتى بدأت تتنفس هواء الحرية..

أمسكت دموعها ببسالة وتطلعت لولدها جوارها واكدت لنفسها أنها لا تريد الا بعض من راحة لروحها المنهكة وبعض الشفاء لجسدها العليل فهل هذا بالشئ الصعب المنال!؟.
وقفت أمام باب شقة ابيها وتنفست في عمق تحاول أن تبدو قوية ومسيطرة على مقاليد الأمور لكن ما أن انفرج الباب عن محيا ابيها حتى نسيت كل ما كانت تدعيه وسقط قناع الصلابة الهش لتندفع تلق بنفسها بين ذراعيه باكية نفسها وقلبها وسنوات عمرها..

المهانة، اي وجيعة تلك!؟، كيف يمكن تعريفها أو وصف حالتها!؟، ماذا يمكن ان نقول عن تأثيرها على نفوسنا، وقهرها لأرواحنا!؟.
انها تعثر لخطوات العشم الواثقة لتزل أقدامها بعد ثبوت مغروسة في وحل من الخزي والمذلة لتدرك تماما أن عشمك لم يكن بموضعه وان المهانة هي ذاك الثمن القاسي الذي سيدفعه قلبك الذي وضع ثقته فيمن لا يستحق، ويا له من شعور؟!.

جذبت عن أذنيها سماعات الهاتف التي كانت تضعها حتى تستطيع التركيز في الكتابة وأبوها يجلس أمام التلفاز يشاهد مبارة لكرة القدم والصرخات تأتيها من هنا وهناك..
تناهى لمسامعها صوت ندائه هاتفا: - فين العشا، انا جعت يا بشر..
أيقنت أن المبارة قد انتهت فابتسمت هاتفة في مرح: - حالا يا بابا، دقيقتين والأكل يكون جاهز..
ضغطت على زر الحفظ لكل ما كتبت واندفعت في اتجاه المطبخ تحضر عشاء خفيفا كما أمرها طبيب ابيها..

دندنت في طرب وهي تقلب أرغفة الخبز على أعين الموقد لتكسبها بعض الدفء وتضع بعض من جبن في أحد الصحون: -
كنت بخلص لك في حبي من كل قلبي..
وانت بتخون الوداد من كل قلبك..
بعت ودي، بعت حبي، بعت قلبي..


look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:52 مساءً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس
الوجع السادس

طرقات على باب شقة ابيها جعلت سليم يندفع ليفتحه ليصرخ في سعادة: - بابا، وحشتني..
احتضنه أمجد في ألية خالية من المشاعر متسائلا: - فين ماما!؟.
هتف والد أمل ساخرا: - الناس بتسأل على صاحب البيت الأول يا أمجد، ولا أيه!؟.
صمت أمجد للحظة وبعدها هتف في نبرة معتذرة: - أزيك يا عمي..

أشار له أبوها بالدخول لغرفة الصالون متعمدا معاملته كالضيوف ليتنبه لذلك ممتعضا يتبعه في هدوء ظاهري، جلس وقبالته جلس حموه متسائلا: - خير!؟.
هتف أمجد بلا مواربة: - عايز اشوف مراتي..
هتف ابوها: - مراتك اللي عيانة بمرض خطير محتاج علاج وانت بخلان عليها بتمنه وعايز تتجوز عليها بفلوس علاجها، مراتك اللي حبستها ساعات من غير وسيلة اتصال ولو كان حصل لها حاجة مكنش حد قدر ينجدها، ولا..

هتف أمجد محاولا تمالك أعصابه: - لو سمحت يا عمي ناديها، انا عايز اتفاهم معاها..
تطلع إليه ابوها في غيظ لكنه اثر الصمت ونادى على ابنته التي ظهرت على أعتاب الباب هاتفة: - نعم يا بابا.؟!.
أمرها ابوها: - تعالي اقعدي مع جوزك وشوفي هو عايزك فأيه..
تنهدت في قلة حيلة غير راغبة في معارضة ابيها وتقدمت لداخل الغرفة تجلس موضع ابيها الذي رحل مغلقا الباب خلفه في هدوء..

تطلعت أمل إليه في صلابة متسائلة: - خير يا أمجد!؟، ايه اللي جابك.؟! جايب لي دعوة فرحك..!؟.
قالت كلماتها الأخيرة ساخرة مما دفعه ليهتف في حنق: - بلاش الأسلوب ده يا أمل، انت مالك!؟، ايه اللي جرالك!؟، مكنتيش كده!؟.

قهقهت أمل في وجع هاتفة: - مكنتش كده اللي هو ازاي!؟، مكنتش بتكلم لما ألاقيك جاي دايما على حقي وانا ساكتة واقول بيتي وابني!؟، ولا مستغرب ازاي اعترض انك تتجوز جارتي وصاحبتي بالفلوس اللي المفروض تبقى لعلاجي!؟، ولا ايه بالظبط!؟.
هتف أمجد في حنق: - انا معملتش حاجة غلط، من حقي اتجوز وبدل الواحدة أربعة..

هتفت أمل في حنق: - صح من حقك، بس انت مكنتش مكفيني ولا مكفي بيتك من كله عشان تقول اتجوز تاني ولا انا كنت مقصرة معاك فحاجة عشان تفكر تتجوز لأني أهملت فيك، ايه عذرك!؟، فراغة عين!؟، ولمين!؟، لجارتي اللي انت اول ما كانت تيجي سيرتها يركبك مليون عفريت وتفضل تقول فيها ما قاله مالك فالخمر، مش شيرين دي اللي مكنش بتقول عليها إلا العانس!؟ ايه اللي اتغير، ايه!؟، فكرت انك تنفذها من العنوسة!؟، ولا كنت فاكر عشان هي عانس هتقبل بيك!؟

هتف أمجد مؤكدا: - انا حر، كانت هي أوغيرها، انا حر، واعتقد أن دلوقت بقى عندي مبرر كافي اني اتجوز واحدة تانية..
تطلعت إليه أمل في وجيعة تمزقها هاتفة في تساءل هي أول من يعلم إجابته المرة كعلقم: - انت قصدك ايه!؟.
أكد في ثبات متغطرس: - من حقي اتجوز ست تخدمني وتكفيني، لأنك عيانة، وبمرض صعب الشفا منه، ومكلف كمان..

هتفت في محاولة للثبات بمجهود خرافي تبتلع الغصات بحلقها قاتلة الدمعات بمقلتيها: - أمجد، انت جاي ليه دلوقت!؟.
أكد في لهجة واثقة كادت أن تدفع بها لتقذف اقرب مزهرية بوجهه: - عشان ترجعي معايا..
تساءلت من جديد: - عشان!؟.
هتف محتدا: - عشان ده الطبيعي، ترجعي بيتك، وتقومي بواجباتك الزوجية لأخر نفس، ده دورك كزوجة..
هتفت به في حنق: - ودورك انت كزوج فين!؟.

تساءل ساخرا: - وانا قصرت فأيه!؟ انا عامل اللي عليا وزيادة..
هتفت ساخرة: - انت متأكد!؟، طب وانا، وصحتي!؟، وعلاجي!؟.
أمجد، انت بتحبني..!؟.

تطلع إليها كأنها ممسوسة تسأل عن غيبيات لا علم له بها وعلى الرغم من اعتقادها أنه سيتجاهل الرد إلا أنه رد في هدوء مؤكدا: - كنتِ اختيار امي، ولقيت انك تنفعي زوجة صالحة وام لأولادي، لكن الحب والكلام الفاضي ده ميأكلش عيش، ملوش وجود اصلا، ده كلام روايات زي اللي بتحبي تقريها بيضحكوا بيه ع السذج اللي زيك..

ساد الصمت لبرهة مؤكدا لها من جديد: - انتِ ملكيش عندي الا اكلك وشربك وكسوتك، علاجك ده على أهلك، مليش فيه، ولحد ما نشوف هيحصل ايه بعد العلاج هتفضلي فبيتي قايمة بواجباتك، حتى لو حصل وقابلتي ربك، تضمني الجنة لأني هبقى راضي عنك..

همت بالحديث إلا أن ابيها اندفع محتدا لداخل الغرفة في تلك اللحظة هاتفا في ثورة: - انا سامع كلامك من برة وكنت منتظر منك انك تطلع ابن اصول وتعترف بغلطك فحق أمل، لكن الظاهر التعامل مع امثالك بالحسنى مبيجبش نتيجة، اتفضل من غير مطرود ووفر اللقمة والهدمة اللي كنت هتتفضل على بنتي بيهم وانا متكفل بيها وبعلاجها، اتفضل..
تطلع إليها أمجد في غيظ متسائلا: - أنتِ موافقة على الكلام ده!؟.

تطلعت إليه تجز على أسنانها في محاولة لكبح ثورتها مؤكدة: - ومعنديش غيره، ولو بابا مكنش دخل قاله كنت هتسمعه مني، للأسف ده الرد الوحيد على أمثالك..
اندفع أمجد كالريح من أمامها هاتفا في ثورة وبلهجة تهديدية: - طيب، هتشوفي..

ما أن سمعت صفق الباب خلفه حتى اندفعت بين ذراعيً ابيها تبكي في لوعة، اجلسها ابوها جواره على الأريكة رابتا على كتفها هامسا في حنو: - اهدي يا أمل، اهدي وكله هايبقى تمام، اهم حاجة دلوقت صحتك وعلاجك، لازم نبدأ في العلاج بسرعة..
همست من بين شهقات بكائها: - أمجد مش هيسكت يا بابا، انا عرفاه..

أكد ابوها في حنو: - ولا يقدر يعمل حاجة، ده جعجاع، سيبك منه وركزي في نفسك وصحتك، وبعدين هو انا رحت فين!؟، والله ما يقدر يطول شعرة منك طول ما انا عايش..
همست في راحة بين ذراعيه: - ربنا يخليك ليا يا بابا، بس احساس الحسرة صعب قوي، متحسرة على كل يوم ضاع من عمري جنبه..
لثم ابوها جبينها في حنان لتنهض هي لترتاح قليلا قبل موعد العشاء..

دخلت لغرفة امها في هدوء، كانت تعتقد أنها مستيقظة فهمت بالرحيل إلا أن حورية فتحت عيونها هاتفة تستوقفها: - فيه حاجة يا هناء!؟.
تطلعت الفتاة ذات السبعة عشر ربيعا هاتفة في حدة: - اه فيه، جبت لك حقك من اللي عايزة تخطفه منا..
تطلعت إليها حورية في صدمة عقدت لسانها لبرهة قبل أن تسأل في قلق: - انتِ قصدك مين!؟، وتخطف مين من اساسه!؟.

هتفت هناء مؤكدة: - الهانم اللي سمعتك بتقولي لبابا يتجوزها، انت ازاي جالك قلب تعملي كده!؟، ازاي تسيبيه لواحدة تانية تشيل اسمه اللي اتبنى بفلوسك وممكن تجيب له حتة عيل يشيل اسمه ويشيل معاه الورث كله اللي هو اصلا فلوسك، يعني حقي انا وبس..

صرخت حورية في ثورة: - أنتِ جبتي الكلام ده منين!؟، انتِ بتتصنتي عليا انا وابوكِ!؟، جبتي منين الكلام ده!؟، ده مش كلامك ولا ده تفكيرك، انا عارفة مين اللي حط التخاريف دي فدماغك، مفيش غيرها عمتك..
هتفت هناء في غضب: - ايوه عمتي، مالها!؟، الحق عليها خايفة عليا وعلى حقي، ده انتِ امي رايحة تقوليله اتجوز ومفكرتيش فيا..
صرخت بها حورية هاتفة: - مين دي اللي خايفة على حقك!؟، سعدية!؟.

دي كل اللي يهمها الفلوس وبس، اوعي تفتكري أنها عايزاك لأبنها عماد عشان خاطر سواد عيونك!؟، لا، هي عايزة تضمن أن الورث بعد عمر طويل لأبوكِ هيكون ليها والباقي ليكِ طبعا وتحت تصرف ابنها، لكن لو ابوكِ اتجوز هايبقى فيه وريث تاني هيدخل معاهم ولو خلف كمان وبالذات ولد هاتبقى راحت عليها والولد هيكوش على كل حاجة وتطلع هي من المولد بلا حمص..

تطلعت إليها هناء كالبلهاء هاتفة: - انا مش فاهمة حاجة من اللي بتقوليها بس اللي أنا متأكدة منه أنها عايزة مصلحتي، ما انا هكون مرات ابنها..
قالت كلماتها الأخيرة في هيام واضح مما دفع حورية لتتطلع لأبنتها في حسرة واضحة فلولا مرضها ما تركت أحد يربي ابنتها غيرها وما رأتها بهذا الشكل منقادة وراء توجيهات عمتها ومساقة كالعمياء خلف عشق شخص غير جدير بها..

هتفت حورية اخيرا: - المهم عملتِ ايه في اللي انت وهمانة أنها عايزة تخطف ابوكِ!؟.
ابتسمت هناء في فخر مؤكدة: - رحت لها لحد الحارة اللي عايشة فيها وفضحتها قدام أهلها كلهم، حتى طلع لي راجل من بينهم قالي دي مراتي، ازاي بقى مراته وأزاي بابا عايز يتجوزها!؟
شهقت حورية في صدمة هاتفة: - حرام عليكِ، ده طليقها ومطلع عينها، تفتكري بعد اللي عملتيه ده ممكن يكون عمل فيها ايه هي وعيالها دلوقتي!؟.

هتفت هناء في غيظ: - ما شاء الله، ما أنتِ عارفة كل حاجة عنها اهو، اومال بتنكري ليه أن بابا عايز يتجوزها!؟.
هتفت حورية في محاولة لإقناع ابنتها: - يا بنتي دي عاملة غلبانة ابوكِ بيساعدها عشان ظروفها صعبة، اهدي بقى وخلي عمتك تهدى، مفيش الكلام ده، انا ياما عرضت على ابوكِ يتجوز وهو مرضيش، ارتاحي وريحي عمتك، وربنا يستر من اللي ابوكِ هيعمله لما يعرف باللي عملتيه..

ازدردت هناء ريقها هاتفة بلهجة يملأها الخوف: - هو بابا ممكن يعرف!؟، لا، هيعرف ازاي!؟.
تطلعت لها امها في غيظ: - انا اللي هقوله احسن ما الموضوع يوصله من بره، ما يمكن العاملة دي تروح تشتكيله منك، استلقى وعدك بقى انتِ وعمتك، عشان تبقي تمشي ورا كلامها تاني..

تطلعت هناء لأمها في حنق لكنها لم تنبس بحرف واخيرا اندفعت لخارج الغرفة في ثورة تاركة امها تتحسر على صحتها الفقيدة التي جعلت منها جثة هامدة لا تصلح لتكون زوجة ولا استطاعت أن تكون ام كما يجب لأبنتها الوحيدة..

كانت تقف أمام الموقد تحرك مغرفة بهوادة داخل وعاء المهلبية التي كانت قد نضجت تقريبا..
ابتسمت في حسرة لذكرى بزغت كشمس نهار أمام ناظريها في بداية زواجها بتوفيق، كان لا يحلو له إلا جعلها تصنع المهلبية كحلوى مفضلة لأبيه والذي ما أن ذاقها من صنع يدها حتى أدمنها وآثار ذلك غيرة حماتها فأسماها توفيق منتظرا ب حرب المهلبية..

لم يكن توفيق يفضلها كحلوى لكن ولدها عامر يعشق مذاقها من يدها، يبدو أنه ورث ذلك عن جده لأبيه رحمه الله..
بدأت في سكب الخليط في اطباقه وتركته جانبا ليبرد، كانت تود أن تهادي جارتها الشابة نرمين وزوجها ببعض الأطباق..

بدأت في غسل الوعاء ليتناهى لمسامعها صوت موسيقى ارتفعت لتوها انسجمت معها وبدأت في الغناء بصوت رخيم، لطالما كان صوتها حنونا ونبرته شجية، كثيرا ما غنت وحيدة بصوت عذب أثنى عليه كل من سمعه، اطربت لشدو ام كلثوم ونسيت حالها تماما وهي تشاركها الغناء صادحة: -
الليل...
ودقة الساعات تصحي الليل..
وحرقة الآهات في عز الليل..
وقسوة التنهيد والوحدة والتسهيد..
لسه مهمش بعيد..

سالت دمعاتها على كل ما كان، عمر ضائع، قلب مجروح، كرامة مهدرة، كبرياء مهان، واخيرا وحدة بلا ونيس الا الحسرة والوجع..
رفعت رأسها اخيرا تضع المغرفة بموضعها لتفاجأ بصوت تصفيق حاد.

قادم من النافذة المقابلة، كان يقف يصفق في حماسة كأنه يستمع الى ام كلثوم بذاتها، اخذتها الصدمة حتى أنها ما وعت الا وهي تغلق النافذة بوجهه في عنف تتطلع حولها في اضطراب تحول لغضب على ذاك الجار الثقيل الظل الذي أثار حنقها بالمشفى ثم كاد أن يفرض نفسه عليها بالبقالة لدفع ثمن اغراضها والأن يتطفل عليها بهذا الشكل الفج..

كانت امها تحتضن طفلها بين ذراعيها تهدهده وأبوها جالس بالقرب يتطلع لباب غرفتها المغلق منذ ساعات في قلق وهمس أمرا: - ما تقومي تشوفي نجوى، البت قافلة على نفسها من ساعة ما جت وعرفنا اللي حصل..
تطلعت له امها وهي تمسح دمعاتها عن خديها في وجع عاتبة بصوت مسموع: - والله ما قادرة يا بو نجوى، كل اما اشوفها على حالها ده قلبي بيتوجع عليها اكتر، بقى كده يا كمال، تعمل فنجوى كده!؟.

تنهد زوجها في حسرة على ما آل إليه حال ابنته الأثيرة لقلبه وهمس متمنيا: - كمال بيحبها، واللي حصل ده اكيد غلطة وهتتصلح عن قريب..
ياما البيوت بيحصل فيها..
هتفت الأم بوجع: - بس توصل للطلاق!؟، ليه!؟، ده باع وبالقوي يا ابو نجوى، لا، بنتنا ميتعملش فيها كده..
تنهد الأب في قلة حيلة هامسا: - طب هاتي الواد من أيدك وقومي شوفيها، طيبي بخاطرها، وخليها تاكل لها لقمة، دي مداقتش الزاد من بدري..

اومأت الأم في طاعة تاركة حفيدها هانئا بين ذراعي جده مندفعة تطرق باب حجرة ابنتها التي ما أجابت نداء الطارق..
طلت امها من خلف الباب واخيرا دلفت للداخل متصنعة الصلابة مقتربة تجلس جوار ابنتها التي كانت تتطلع الى الفراغ أمامها مشدوهة كأنما سلب عقلها..
ربتت الأم على كتف ابنتها هامسة في تعاطف: - قومي يا نجوى كليلك لقمة معانا يا حبيبتي، قومي عشان خاطري وخاطر ابوكِ اللي قاعد قلقان عليكِ بره..

لم تجب نجوى بحرف لتعيد امها الربت على فخذها مطمئنة في نبرة تحاول أن تكسوها ببعض الأمل الكاذب مكررة كلمات زوجها التي نطق بها منذ دقائق خلت: - قومي يا حبيبتي والله هي كام يوم وتلاقيه راجع يطيب خاطرك ويردك، هو يقدر يستغنى عنك..
همست نجوى بصوت متحشرج مؤكدة: - قدر يا ماما، قدر يستغنى ومش راجع، انا ضيعته من أيدي ومش هيرجع..

وشهقت في وجع هاتفة في حسرة وهي تلقي بنفسها بين ذراعي امها التي تلقفتها في اشفاق تشاطرها البكاء تعاطفا مع حال ابنتها: - كمال خلاص يا ماما، ضاع من أيدي، راح ومش راجع، وانا السبب، انا اللي عملت فنفسي كده، قال كتير وانا مسمعتش، كنت فاكرة اني ضامنة حبه وأنه مش هيقدر يستغنى عني مهما حصل، بس اهو حصل..

ضمتها امها بين ذراعيها أكثر هامسة تحاول تطييب خاطرها: - يروح، والله ما هيلاقي واحدة تحبه زيك، هو الخسران..
رفعت نجوى رأسها من بين أحضان امها متطلعة إليها بوجه محتقن وعيون منتفخة من أثر البكاء هاتفة في إصرار: - لا يا ماما، انا الخسرانة، خسرت حب عمري، انا محبتش الا كمال وعمري ما هحب غيره، بس خلاص، خسرته..

وانفجرت باكية في قهر من جديد تخبئ خيباتها واوجاعها بأحضان أمها التي هزت رأسها في إشفاق وعاودت دموع الحسرة على ابنتها تغرق وجنتيها..

وقفت أمام باب الشقة المغلق من الخارج تحاول مجرد محاولات هي مدركة تماما بعدم جدواها لفتحه..
بكت في قهر افعال ذاك الحقير طليقها، فقد استشاط غضبا عندما جاءت تلك الفتاة التي ادعت أنها ابنة حماد لتخبرها أمام الجميع أن ابيها له رغبة في الزواج بها، اي حمق هذا.!؟، حماد بيه بكل هيلمانه ينظر إلى عاملة فقيرة تعمل بمصنعه!؟.

عاملة أشفق عليها يوما عندما سقطت فاقدة وعيها لقلة الطعام!؟، والتي أعطاها مالا لتنقذ ولدها من الموت مرضا!؟، اي جنون مطبق ذاك الذي تدعيه الفتاة الحمقاء وصدقه هذا المغفل طليقها مهددا إياها بسحب طفليها من حضانتها وعدم رؤيتهما للأبد!؟.
جلست أمام الباب والحسرة تتأكلها، ترى لو كانت ما تدعيه تلك الفتاة صحيحا ماذا هي بفاعلة!؟، هل ستقبل بكل سعادة، ام ترفض مخافة فراق صغارها!؟.

أغمضت عينيها في ألم قاهر بحجم الكون يعربد داخل حنايا روحها الطواقة ليد تنتشلها من تلك البئر الحالكة السواد القابعة داخلها في عجز..

فتحت عيونها ترهف السمع لصرخات مسعد بالأسفل تحت نافذة بيتها، كان يبدو كعادته مترنحا من أثر مشروب أو عقار ما مؤكدا في احرف متقطعة وبصوت جهوري: - والله يا صفية ما ليك خروج بره البيت ده، يا انا يا القبر، وطالما مش طيقاني زي ما بتقولي، يبقى خروجك م البيت ده على قبرك، قال عايزة تتجوزي قال!؟، على جثتي..

أعادت رأسها للخلف تسندها على الباب هامسة في وجيعة: - انا لا عايزة اتجوز ولا نيلة، انا عايزة اتساب فحالي اربي عيالي وبس..
اندفع طفلاها رعبا من صوت أبيهما الجهوري الصارخ تحت نافذتهم لأحضانها تضمهما في محبة ليهمس ولدها: - انتِ صحيح هتتجوزي وتسبينا زي ما ابويا بيقول!؟.
أكدت صفية وهي تمسح دمعات غافلتها مؤكدة: - لا يا حبيبي، امك مش ممكن تفوتك ابدا، ده انت واختك نور عنيها من جوه..

ضمت صفية طفليها بين ذراعيها من جديد تحميهما تحت جناحها مخافة غدر الأيام..

دفعت الباب في هدوء متعجبة من قدومه بعد آخر زيارة له وما حدث بينهما من حوار محتد تدخل فيه ابوها ليضع حد لمهزلة أقواله العجيبة المنافية لأي منطق..
جلست قبالته هاتفة في ثبات: - خير يا أمجد!؟.
هتف ممتعضا: - طب حتى قولي سلام عليكم..
ابتسمت في هدوء: - وعليكم السلام.

تطلع إليها حانقا من هدوئها ذاك الذي يوتره لكنه يأبى كعادته اظهار مشاعره الداخلية لأي من كان وهتف في ثبات هش: - انا راجعت نفسي وقلت عشان الولد يتربى ما بينا ترجعي البيت، كل اللي بيحصل ده كلام فاضي وبيحصل فكل بيت، والست العاقلة الأصيلة تستحمل وتعيش عشان خاطر البيت يفضل قائم واولادها يتربوا فكنف ابوهم..
هزت رأسها مبتسمة حتى أنهى كلماته وهتفت في رزانة: - وهو انا معملتش كل ده يا أمجد!؟.

أكد معترفا: - لا عملتي، انا مأنكرتش ده يا أمل، انتِ جيتي بس فالأخر و..
قاطعته ساخرة: - وايه!؟، اعترضت!؟.

قلب شفتاه ولم يرد لتستطرد في نبرة متوسطة الحدة: - اعترضت اني بعد كل اللي قلته واللي اتعمل بالحرف لما وقعت ملقتش ايدك اتمدت لي، ده اسميه ايه!؟، ده انت لو ماكنة باظت عندك فالمصنع اللي انت شغال فيه بتعملوا لها عمرة وبتجروا تصلحوها عشان عارفين انكم هتدفعوا دم قلبكم في واحدة جديدة، ومن قبلها بتعملوا لها صيانة عشان تحافظوا عليها، انا محصلتش ماكنة فمصنع يا أمجد، لا كان بيتعمل لي صيانة لمشاعري ولا حرص على رغباتي، ولما المكنة باظت لا مندفعش فلوس نصلحها، نجري نشتري الجديدة بتمن التصليح، عشان القديمة كانت اصلا رخيصة بس اهو قامت باللي عليها وجه وقت طلوعها ع المعاش..

هتف متعجبا: - أنتِ ليه بتفسري الموضوع كده!؟، انا بس المصاريف بتاعت العلاج مش هقدر عليها وباباكِ معاه وهو لوحده ويقدر..

هتفت أمل باسمة في سخرية: - وهو انا على زمة مين!؟، ومسؤولة من مين!؟، مش منك!؟، ده انت حتى معرضتش تعالجني ولو ضاقت معاك تلجأ لبابا، لا، ده انت من اولها عايزه يشيل تكاليف العلاج، يعني لما كنت بصحتي كنت تمام ما انا قايمة باللي عليا لراحتك والمحافظة على بيتك ولما تعبت، خلاص أمل هاتبقى جاية عليا بخسارة ابوها يعالج وتفضل تخدم فيا وتحافظ برضو على بيتي لحد اخر نفس، ما هي دي شروط الست الصالحة اللي الست الوالدة محفظهالك، لكن هي عملت ايه لما جوز اختك رفض يشتري غسالة اطباق لأختك!؟، مرضتش ترجعهاله الا لما اشتراها كهدية صلح، وطالما يقدر يريح بنتي ميجيش ليه، ده كان منطق الست الوالدة، لكن مع أمل، تظهر نظريات الست الأصيلة والمضحية..

هتف أمجد زافرا بحنق: - بلاش نجيب سيرة ماما فكلامنا لو سمحتي.
قهقهت أمل هاتفة: - ومن امتى ده حصل اصلا!؟، ما أمل كانت دائما بتقول حاضر وطيب رغم اني عارفة أن كل اللي بيتقال لي دي تعليمات ماما، ده انت فالاساس هنا وبتكرر كلام ماما اللي بعتتك النهاردة عشان يبقى عداك العيب قبل ما تفكر تجوزك بنت طنط فلان أو علان، ما انا هبقى واحدة ناشز في نظرك طبعا ولازم تجيب لها ضرة عشان تكسرها..

هتف في حدة هاما بالمغادرة: - واضح أن مفيش فايدة فالكلام معاكِ، وانا كده فعلا عداني العيب..
هتفت به أمل في اشفاق: - عارف يا أمجد!؟.

عاد لمقعده من جديد متطلعا إليها متوقعا تراجعها عن قرارها لتستطرد بنفس النبرة المشفقة: - انت بجد صعبان عليا قوي، رغم انك كنت دايما بتحاول تظهر انك راجل فاهم فالدين، لكن عمرك ما عرفت توصل لروحه، عمرك ما اتعاملت معايا على اساس اني السكن عشان كده عمر ما كان بينا مودة ورحمة، للأسف انت اتعاملت معايا بنفس الطريقة اللي شايف انك تستحقها لما بتبص فمراية نفسك..

نظر إليها وكأنها تتحدث بالأحجية أو أصابها مس، لتستطرد في ثبات: - كل راجل بيعامل مراته زي ما بيعامل نفسه لو متجسدة قدامه، مش ربنا اللي قال، خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، انا نفسك اللي اتجسدت قدامك، وعاملتني زي ما انت شايف نفسك تستحق، كل راجل نجح فحياته ده لانه عرف قيمة نفسه فعامل مراته بما يستحق فبقى انجح الناس بدعمها، للأسف يا أمجد معرفتش لا تحب نفسك ولا تقدرها عشان كده معرفتش تحبني ولا تقدرني، يا خسارة..

ساد الصمت بينهما لينهض دون أن يعقب بكلمة مأخوذا بأثر كلماتها على نفسه، استوقفته هاتفة في حزم: - أمجد..
توقف قبل أن يبلغ عتبة الباب لكنه لم يلتفت فاستطردت في هدوء: - لو سمحت ورقتي توصلني فاقرب وقت.
لم يعقب على طلبها لا قبولا ولا رفضا بل اندفع مغادرا كأنما سيئات أعماله تلاحقه محاولا منها الهرب ولكن اين المفر!؟.

تنهدت في راحة فقد أنهت مهامها وحان وقت راحتها الفعلية، فتحت حاسوبها وتطلعت إلى صفحته واكملت ما بدأته تفرغ مكنونات نفسها على تلك الصفحات كلما آن لها ذلك..
الحسرة، مرارة بالروح لا يدركها إلا صاحبها، علقم، تتجرعه في صمت عاجز لا قدرة لك على البوح فقد تواطأت كل الظروف ضدك..

حسرة على قرار أُخذ وأخر ليته لم يؤخذ، وبين هذا وذاك، ضريبة اختيارنا الخاطئ يكون تلك الخيبات، والتحسر بأنين مخنوق يؤكد على هزيمتنا أمام اوجاعنا بجدارة..


look/images/icons/i1.gif رواية سيدة الأوجاع السبعة
  09-01-2022 09:53 مساءً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع
الوجع السابع

عزيزي القارئ ربما تتساءل اللحظة لما كتبت تعليقي على الفصل بهذه السطور المتقدمة والذي يأتي عادة بنهايته تعقيبا على ما مر من أحداث، الجواب هو أننا بصدد لقاء سيد الأوجاع..
المايسترو..
ذاك الحاضر الغائب..
السبب والمسبب..
الطريق والغاية..

نحن يا سادة بحضرة صاحب الجلالة..
الوجع السابع..
السيد العشق..
ويا له من حضور!؟.
دمعة

حملت الاطباق الأربعة على صينية فضية وفتحت باب شقتها تحملها مغلقة إياه خلفها..
طرقت باب جارتها الشابة في انتظار أن ينفرج عن محيا زوجها الطيب وقد كان، فقد فُتح الباب وطلت ابتسامة حاتم تلق التحية في مودة مفسحا الطريق لها لتدخل مهللا في ترحاب: - اهلا بحضرتك، اتفضلي.
دخلت وما تزل تحمل صينيتها هاتفة في مودة: - اخبار ماما الجديدة ايه!؟
يا رب تكون بخير هي والبيبي..

هتف حاتم مؤكدا: - الحمد لله تمام، بس الهانم الصغيرة مش بتنيمنا..
هتفت إحسان: - طب يا رب مكنش جيت فوقت مش مناسب..
ما أن أنهت كلماتها حتى كانت قد وصلت للردهة عبر ذاك الممر الطويل ليظهر أمامها جالسا في هدوء وتلك الابتسامة المستفزة الدائمة الطلة والمرسومة على شفتيه تكلل قسمات وجهه الخمسيني او ربما الستيني، فهى لم تستطع تخمين عمره الحقيقي فهو يبدو بالفعل اصغر سنا وأكثر حيوية من حقيقته..

تنبهت عندما هتف حاتم مشيرا لضيفه الآخر: - حضرتك تعرفي طبعا جارنا القبطان عبدالغني السعدي، اعتقد اتعرفتوا بالمستشفي..
حركت إحسان رأسها بايماءة مؤكدة، وكيف لها أن تنسي!؟.
هتف حاتم في اضطراب: - يا خبر، هاتي عنك يا طنط..

أخذ منها الصينية اخيرا وتركها قبالتها على الطاولة حيث جلست تحاول ألا تذكر كيف اندمجت بالغناء البارحة وذاك التصفيق الحار الذي تلقته على تلك الوصلة الرائعة من جارها المتطفل والذي يجلس وقد اتسعت ابتسامته السمجة تلك تشعرها باضطراب لا تعهده..
خرجت نرمين فألقت التحية في هوادة لتستقبلها إحسان في حنو هاتفة: - تعبناكِ، مكنتيش قومتي من سريرك..

هتفت نرمين مؤكدة: - لا خالص يا طنط والله، اهو امشي رجلي شوية، وبعدين والله كفاية تعبك معانا وعمي ربنا يبارك له، لولاكم مكنتش عارفة كان ايه مكن يجرى..
هتف عبدالغني وكانت المرة الأولى التي ينبس بحرف منذ طلت إحسان: - متقوليش كده يا بنتي، الجيران لبعضها، واحنا أهلك..
وهتف بحاتم الذي ظهر حاملا صينية عليها بعض اكواب من الشاي والحلوى: - ولا ايه يا حاتم!؟.

أكد حاتم مبتسما وهو يضع الصينية أمامهما: - طبعا يا غنوة هو انت تقول حاجة غلط، يا اللاه اتفضلوا، حاجة بسيطة على أدي..
هتف غنوة في أريحية: - لا انا مليش في الكيك والكلام ده، انا هاخد طبق من المهلبية دي شكلها هااايل..

شعرت إحسان بالاحراج وامتعضت لفعلته لكنها شعرت أنه ليس من اللائق الحكم عليه فهو وحيد وربما يشتهيها، لازت بالصمت إلا أنها انتفضت متطلعة إليه ما أن أطلق صوتا تعجبيا مستمتعا: - ايه ده!؟، دي مهلبية!؟، دي إعجاز..

تطلع الجميع إليه في دهشة لكنه لم يلق لهم بالا وهو يحمل لفمه الملعقة الثانية مهمهما مغمضا عينيه في تلذذ والتي فتحها فجأة أمرا كل من نرمين وحاتم بتذوق اطباقهما ليشاركاه متعة التذوق الحقيقية لهذا المزيج الخرافي.
حمل كل منهما صحنه مجربا وإحسان تتطلع إليهم في خجل مضطرب، فما من أحد اثنى على طعامها منذ سنوات طويلة وكأن ذلك صار حدثا اعتياديا لا يحمل أي مزيج من الدهشة أو حاجة لشكر وامتنان..

هتف حاتم وبالمثل نرمين مؤكدين في دهشة: - ايه ده يا طنط!؟، عملتيه ازاي ده!؟.
همهمت إحسان في شك لا تصدق كل هذا الثناء: - هو حلو فعلا!؟، ولا انتوا بتجاملوني!؟.
أكد حاتم في نبرة صادقة وقد أوشك على إنهاء طبقه: - بنجاملك ايه يا طنط، والله ناقص اكل الطبق اهو..
اتسعت ابتسامة غنوة هاتفا: - اروع طبق مهلبية دقته فحياتي، انا لازم اعرف سر الوصفة..

هتفت نرمين مازحة: - اوعي تقوليله يا طنط، هياخد الوصفة وينزلها باسمه..
هتفت إحسان اخيرا متسائلة في تعجب: - هينزلها فين!؟.
أكد حاتم: - على قناته بتاعت الأكل على اليوتيوب، أكلة وغنوة دي قناة مشهورة وعدت المليون مشاهد..

تطلعت إحسان إليه في عدم إدراك لأهمية الأمر فلم يكن لها علاقة وطيدة بالهواتف ولا مواقع التواصل الاجتماعي، لذا لم تعقب، لتهتف نرمين مقترحة في سعادة: - ايه رأيك يا غنوة تطلع طنط إحسان معاك ع القناة وتعمل المهلبية الهايلة دي!؟.
أكد غنوة في حماسة: - يا ريت، بس هي توافق، ايه رأيك!؟.
اضطربت إحسان غير قادرة على الرد وهتفت في تعجب: - اطلع فين!؟، انا مليش فالكلام ده خالص؟!.

هتف عبدالغني في هدوء: - احنا هنعلمك بس قولي اه، وليكي نسبة مش هاكل عليكِ حقك..
تطلعت إليه لا تعرف ماذا يقصد بنسبة تلك، هل ستحصل على مال مقابل وصفة طعام!؟.
اضطربت ولم تعقب واستأذنت على عجالة عائدة لشقتها تحجز نفسها داخل جدرانها عن العالم، تستعيد كلامهم مرارا وتكرارا وقد استشعرت أنها كانت بعيدة، بل بعيدة جدا عن مجريات الحياة وتطور الأمور..

كانت تجلس أمام التلفاز تتلهى قليلا عن أوجاع قلبها تحاول تناسي كل ما طرأ على حياتها بلا مقدمات لتصبح فجأة خالية من وجوده الذي كانت تتنفسه، احساسها كان أشبه بمدمن في أيام التعافي الأولى وهي تحاول التغلب على ألم الاشتياق الي محياه ومقاومة اعراض انسحابه من دمها وروحها، ويا له من ألم!؟.
تنبهت للمشهد المعروض أمامها وتلك المرأة اللعوب تحاول جذب انتباه بطل الفيلم بإغواء مدروس كما خطط الحرب..

لم تر أمامها إلا صورة كمال بديلا عن البطل وتلك المرأة التي احتلت مكانها بحياته هي تلك المرأة المغوية، شعرت بنيران تسكب بدمها كأنما هي حمم وهمت بغلق التلفاز لكنها أصرت على استكمال المشهد حتى نهايته، نهضت مسرعة لغرفتها وأغلقت خلفها بابها وتوجهت لهاتفها وشغلت إحدى الأغاني وبدأت في تقليد حركات الإغواء في محاولة منها لإجادتها..

وبدأت تتمايل في حركات راقصة لكنها شعرت أنها أشبه بعصا متخشبة لا روح فيها فتأكدت أنها فقدت حسها كامرأة، تطلعت نحو مرآتها متطلعة لجسدها الممتلئ وشعرت أنها ما عادت نجوى التي كانت..
اطالت النظر بمرآتها واخيرا سقطت أرضا تضم جسدها بذراعيها وقد انفجرت باكية وجيعتها وخيبتها ولوعة قلبها..
لم تكن يوما امرأة على حق، امرأة كما أرادها، اضاعته بإهمالها نفسها قبل أن تهمله فكانت النتيجة خسرانه للأبد..

علموها أن المرأة إذا ما صنعت طبق شهي من طعام واستطاعت أن تحمل جنينا فهي بذلك امرأة لا غبار عليها، لم يعلمها احدا يوما كيف تحسن التبعل لزوجها، كيف تكون امرأة تحصن نفسه عن مد عينيه لما حرم الله بما تملك من وسائل فطرية خلقت بها لكنها اهملتها، لتسير على الدرب الذي رسم لها، لكنها لم تصل الا لطريق مسدود تُركت فيه وحيدة تتجرع خسارتها لفقده..

دخل الغرفة متنهدا فهذا اليوم الثالث على التوالي الذي تغيب فيه، كان شعورا عجيبا على نفسه أن يستشعر الاشتياق لمحياها، لم يكن يدرك أنه ما يزل قادرا على الإحساس بتلك المشاعر وان قلبه ما زال ينبض بين جنباته بعد سنين طوال من تناسيه..
كان يكبح جماح نفسه باللحظة الأخيرة وهو يهم بالاندفاع لحارتها ليعلم سبب غيابها لكن إدراكه لفداحة ما قد يقدم عليه تجعله يتراجع في خيبة..

تطلعت إليه حورية بلا تعليق، فبم يمكنها أن تعلق وهي التي تحفظه ككف يدها!؟، ولدها البكر هو، وسيظل، تدرك اناته وسكناته وخبايا نفسه دون أن ينبس حرفا، ابتسمت في وجع وهمست باسمه في عشق: - حماد..
فرفع ناظريه إليها مبتسما بدوره ابتسامة مبتورة لم تصل لعمق عينيه هامسا في حنو: - عيون حماد..
همست مترددة تسأل: - هي صفية جت المصنع اليومين اللي فاتوا!؟.
تطلع إليها عاقدا حاجبيه في تعجب وهمس بصوت متحشرج: - لاااه..

بس ليه السؤال من اساسه!؟.
توترت قليلا ثم قصت عليه ما كان من هناء فأنتفض واقفا وقد اكفهر وجهه غضبا وما أن هم بالنداء على ابنته يستدعيها لمجلسه الا وهتفت به حورية تستوقفه هاتفة: - لا يا حماد عشان خاطري، الا هناء، هي ملهاش ذنب، سعدية هي اللي بتحركها، كفاية وجع قلبي عليها واني مقدرتش اكون لها أم بجد وسبتها تتربي على ايد غيري، كفاية حسرتي عليها يا حماد..

وانفجرت باكية فلم يستطع أن يحرك ساكنا كرامة لها، كظم غيظه ومد كفه مطيبا خاطرها لترفع رأسها إليه مؤكدة: - روح لصفية يا حماد، روح شوف ايه اللي جرى لها من تحت راس اختك، إلحقها محدش عارف طليقها عمل فيها ايه بعد اللي عرفه..
ربت حماد على كتفها مهدئا وتنهد في ضيق قبل أن ينهض مغادرا الغرفة على عجالة تاركا حورية تتعقبه بناظريها حتى غاب وقد استشعرت أنه بدأ يخطو أولى خطواته تجاه امرأة أخرى غيرها..

خطوات على الرغم من دفعها إياه ليخطوها إلا أن وقعها كان يحدث زلزالا يصدع جدران فؤادها.
اندفعت شيرين لداخل الغرفة هاتفة في سعادة: - هااا يا سيدة الوجع، اخبارك ايه النهاردة!؟.
توقفت شيرين ما ان تنبهت لوجود دكتورعبدالرحمن الطبيب المسؤول عن علاج حالة أمل، تنبه هو بدوره لهذا اللقب الذي نادت به أمل لكنه لم يعقب وخاصة عندما لاحظ تلك النظرة العاتبة التي أرسلتها إليها أمل فآثر الصمت..

عدل من مناظره الطبي وأكد في لهجة رسمية: - النهاردة احنا عال قووي، نشد حيلنا وكله هايبقى تمام.
هزت أمل رأسها ايجابا بينما هتفت شيرين في مرح: -عولم وينفذ يا دكتور..
ابتسم ابتسامة دبلوماسية وألقي التحية واستأذن مغادرا لتندفع شيرين ما ان تأكدت من إغلاقه الباب هاتفة في مرح: - ايه التقل ده!؟.
ووضعت كفها على قلبها هاتفة بلهجة متيمة: - أموت أنا..

قهقهت أمل وهى تضرب بخفة على كف شيرين المحتضنة لكفها: - يا بنتي أرحمي نفسك، روحي اتجوزي بقى..
انتفضت شيرين هاتفة في مزاح مدعية الصدمة: - اتجوز!؟، هو انا اتجننت!؟، وبعدين هاسيب الرجالة دي كلها لمين!؟.
قهقهت أمل من جديد لتستطرد شيرين مسترسلة في مزاحها: - الجواز عايز خُلق و انتِ عرفاني خُلقي ضيق..

اتسعت ابتسامة أمل من جديد على افعال صديقتها المقربة مدركة ان ما تدعيه لا يمت لحقيقتها بصلة، تلك الحقيقة التي لايدركها إياها والتي تخفيها ببراعة خلف قناع المرح والشقاوة..
هتفت شيرين وقد استعادت جديتها متسائلة: - ماقلتليش!؟، اخر كلام هتسمي صفحتك ع الفيس ايه!؟.
هتفت أمل مجيبة: - سيدة الوجع السابع..

تطلعت إليها شيرين هاتفة في مزاح: - الوجع السابع!؟، ده اخو العصب السابع اللي بيجي فالوش بس دوكها بيجي فالقلب ولا ايه!؟.
لم تتمالك أمل نفسها وانفجرت ضاحكة غير قادرة على تمالك نفسها لتهتف شيرين في مرح: - بزمتك ده اسم ده!؟، بس بما أن فيه سبع أوجاع ليه ميبقاش، سيدة الأوجاع السبعة..
ساد الصمت لبرهة لتهتف أمل في فرحة: - برافو عليكِ، هو ده الاسم اللي بدور عليه، احيانا بتقدري تكوني مفيدة..

امتعضت شيرين متصنعة الضيق هاتفة: - احيانا!؟، والله ده انا كلي فوايد، معلش هم كده العظماء أمثالي محدش بيعرف قيمتهم الا متأخر..
ابتسمت أمل من جديد هاتفة: - طب ياللاه يا عظيمة هانم نروح لحسن اتأخرنا على بابا وسليم..
اندفعتا سويا لخارج المشفى لا علم لهما أن هناك عيون خلف منظار طبي انيق تتبعهما في فضول..

مدت كفها بهاتفها لولدها وهو بأحدى زيارته المتباعدة لها هاتفة في تردد: - بيقولك يا عامر، خد وريني ازاي نفتح اللي اسمه ايه ده، اللي بتقعدوا عليه ع الفون، اللي اسمه الفيس بوك ده..
تطلع إليها عامر لبرهة في تعجب ثم اتسعت ابتسامته متسائلا: - ايه اللي فكرك بيه دلوقت يا ماما!؟، ما انا ياما كنت بقولك تعالي أعملك حساب عليه وانتِ كنتِ مش مهتمة..

هتفت في حسرة: - الفضا يا عامر، مبقاش عندي اللي يشغلني زي زمان، أهو حاجة تسليني وانا لوحدي..
تنهد عامر متفهما ومد كفه متناولا هاتفها وبدأ في توضيح الأمور وشرحها لها في سلاسة حتى استوعبتها تماما في سرعة ادهشته..
استأذن مغادرا لتودعه دون أن تستحلفه البقاء كعادتها حتى لا يرفض كعادته متحججا بالعديد من الحجج التي ما عادت تكترث لها فقد اكتفت من الإلحاح في أمر كهذا..

تطلعت لهاتفها الذي استشعرت أنه سيفتح لها أفاقا جديدة كانت محجوبة عنها وبدأت في تصفح المواقع ومر الوقت في سرعة عجيبة ادهشتها حتى أنها شعرت بالجوع فجأة لتدرك أنها لم تتناول غذاءها بعد..
تركت هاتفها جانبا وتوجهت صوب المطبخ تعد لها طبقا من الطعام الذي أعدته لتناوله مع عامر الذي فاجأها أنه قد تناول غذائه بالفعل لتتركه جانبا..

انجزت مهمتها وحملت صحنها لخارج المطبخ وما أن همت بالضغط على زر الإنارة مغلقة إياه حتى وقع ناظرها على جارها المتطفل كما كانت تسميه بينها وبين نفسها وقد امسك عصى المكنسة الخشبية محتضنا اياها في وله وكأنه يعانق محبوبته متمايلا بها في رشاقة راقصا على انغام الموسيقى التي ارتفعت صادحة منذ لحظات..

استشعرت أن ذاك الرجل ليس متطفلا فقط وانما مخبول أيضا بأفعاله تلك التي لا تتناسب مع وقار عمره الذي يسير نحو الستين بخطى ثابتة وبلا أدنى مواربة..
انتفضت حتى كادت أن تسقط الصحن من يدها التي ارتجفت ما أن تنبه لنظراتها اليه، لم يتوقف محرجا كما كانت تتوقع بل ابتسم في أريحية عجيبة وتصالح هائل مع النفس وانحنى بطريقة مسرحية محييا إياها.

وعاد من جديد يحتضن عصاه يدور بها في أرجاء بهو شقته الواسع متجاهلا لها تماما..
زاد تعجبها من هكذا رجل وضغطت زر الإضاءة مغلقة إياه واندفعت نحو حجرتها واضعة الطبق على طاولة قريبة وبدأت في التمايل مقلدة جارها فربما ما يفعله هو طقس ما لعلاج مرض تجهله، تمايلت في خفة بجسد رشيق كان يوما مدعاة لفخرها والذي كانت تداريه خلف أحد اثوابها العتيدة التي لم تبدل طرازها التقليدي منذ زمن..

استدارت فجأة لتسقط نظراتها على صورتها بالمرآة لتتوقف فجأة عن طقسها المحموم متذكرة كلمات توفيق الموجعة وملاحظاته المهينة عن عمرها الذي شارف الخمسين فتقدمت نحو المرآة تتحسس بأطراف أناملها اثار الزمن التي تركها على بشرتها التي ما تزل تحتفظ بنداوتها لكن اثر كلمات توفيق السامة صور لها ان تلك القسمات قد شابت وان العمر قد ولي وان الهرم يحاصرها فشعرت بروحها تشيخ ودمعها يتساقط على خديها في حسرة، جلست على طرف فراشها وقد عافت الطعام وما عاد لها الرغبة في الحياة نفسها..

توقفت السيارة على أطراف الحارة وترجل منها حماد متجها نحو بيت صفية حاملا بعض الأكياس والحلوى وما أن هم بصعود أولى درجاته حتى انتفض مسعد من على أحد مقاعد المقهى حيث يعسكر دوما لا يغادر موضعه يقف بطريق حماد هاتفا في غضب: - على فين!؟، انت فاكرها وكالة من غير بواب..!؟.
تطلع إليه حماد في استهانة أمرا في لهجة حازمة: - أبعد عن طريجي واجصر الشر..
هتف مسعد ساخرا: - وان مبعدتش هيجرى ايه يعني!؟.

ترك حماد حمولته فجأة من بين أصابعه ليمسك بتلابيب مسعد دافعا به بعيدا عن مدخل بيت صفية الذي كان يحتله بالكامل مغلقا عليه طريق المرور للداخل..

تنبهت صفية للأصوات المرتفعة بالأسفل لتنهض دون حماسة تتطلع لما يجري، أنه اليوم الثالث لها دون خروج من بيتها بعد أن هددها مسعد إذا ما خرجت فلن يمكنها من رؤية أطفالها من جديد الذي فتح لهما الباب ليخرجا للعب بالحارة مدركا أنها لن تتجرأ على الخروج حتى بعد تركه مفتوحا..

شهقت في صدمة عندما تنبهت لوجود حماد ممسكا بخناق مسعد وقد تنبه الجميع ملتفا حولهما لتهتف بأمها في عجالة لتأتي مهرولة لتبادرها في صدمة: - شايفة مين اللي تحت ده ياما!؟، ده حماد بيه صاحب المصنع اللي بشتغل فيه!؟.
هتفت امها في تعجب: - وده ايه اللي جابه الساعة دي!؟، ربنا يستر لحسن ده مش أد مسعد وشره..
تطلعت صفية في قلق: - ربنا يسترها، ده راجل كبارة ملوش فشغل البلطجة بتاع مسعد، بس ليه جاي دلوقتي..!؟.

تطلعت أمها تزاحمها موضعها بالنافذة هاتفة: - إلحقي شوفي اللي بيحصل..
مدت صفية رأسها من النافذة تحاول استطلاع الأمر بوضوح لتجد حماد يهز مسعد في غيظ ممسكا بياقة قميصه في عنف مؤكدا بصوت راعد: - لما يكون فيه ضيوف داخلين عند حد ميخصكش، تجعد فحالك وبأدبك، سامع!؟.
ودفع بمسعد في شدة اسقطته أرضا وأصبح غير قاد على تمالك نفسه والنهوض من جراء ما يتعاطاه من مخدرات جعلته يترنح في عدم اتزان..

عاد حماد لحمله رافعا إياه عن الأرض ليدخل لبيت صفية التي ما أن رأته يدلف إليه حتى انتفضت في اضطراب لا تعرف ما عليها فعله..
عدلت من هندامها في عجالة وما أن تناهى لمسامعها طرقاته على باب شقتها حتى انتفضت تتطلع حولها في تيه وضربات قلبها أشبه بطبول زار شعبي..
تنبهت امها لحال ابنتها فاندفعت تفتح الباب مشفقة، رحبت بحماد في حفاوة ليدخل جالسا بصدر المكان..

تمالكت أعصابها واعادت التأكد من حسن طلتها وخرجت مدعية الثبات هاتفة في ترحاب: - اهلا يا حماد بيه، خطوة عزيزة..
ابتسم حماد ما أن طلت عليه وانشرح صدره منجليا عنه همه في ثوان وبشكل أثار تعجبه، لتستطرد ما أن رأت ما كان يحمل موضوعا قبالته على الطاولة المترنحة بينهما: - ليه تعبت نفسك وشايل ومحمل!؟.
أكد حماد في رزانة: - دي حاچة بسيطة عشان عيالك..

هتفت ممتنة: - ربنا يبارك لك، ومعلش متاخدش على خاطرك على اللي حصل تحت، مسعد مش سايبني فحالي، مخلانيش انزل المصنع والا كنت هرجع ملاقيش عيالي ويوجع قلبي عليهم..
اكد حماد في حزم: - ملهوش انه يمنعك عن شغلك وملوش انه يحرمك من عيالك، واني اللي هجف له من هنا ورايح..
تطلعت صفية إليه هاتفة في جرأة: - تسلم يا بيه، بس بصفتك ايه!؟، انت كده هتجيب..
قاطعها حماد هاتفا في هدوء: - بصفتي چوزك، تتچوزيني يا صفية!؟.

تطلعت إليه صفية في صدمة، هل اصبح أحد أحلامها المستحيلة قيد الممكن!؟، هل ما يعرضه عليها اللحظة حقيقيا ام درب من خيال!؟.
كادت أن ترفع امها عقيرتها باحدى زغاريتها في سعادة غامرة إلا أن صفية استوقفتها هاتفة في حزم: - استني ياما..

وتطلعت لحماد الذي تطلع إليها متعجبا لمنعها مظاهر الفرحة وهتفت مستفسرة: - حماد بيه، هو مش حضرتك متجوز برضو!؟، واللي اعرفه ان الكل بيشكر فمراتك وبيقولوا انها ست أميرة وتتحط ع الجرح يطيب، صح!؟.
أكد حماد في ثقة: - صح، وهي احسن من كده كمان، بس اللي متعرفيهوش انها عيانة من زمن..
ضربت امها على صدرها في صدمة هاتفة في حسرة: - ليه كف الله الشر، عيانة بأيه!؟.

أكد حماد في هدوء: - مرض شديد سبب لها شلال، مبتتحركش من مكانها من سنين..
هتفت امها في تعاطف: - يا كبدي يا بتي، ربنا يشفيها..
هتفت صفية في تعاطف كذلك: - ربنا يشفيها ويزيح عنها، بس هي تعرف يا حماد بيه!؟.
أكد حماد في رزانة: - عارفة كل حاچة وهي اللي بعتتني اخطبك بعد ما عرفت اللي عملته بتي هناء معاكِ، ها مجلتيش!؟، موافجة!؟
هتفت صفية في ثبات هش: - طب وعيالي، اخاف لمسعد..

هتف بها في صرامة: - مسعد ده يبجى اخر همك من هنا ورايح، وعيالك فحضانتك وبعد چوازنا فحضانة امك، وانا هحضر لهم شجة عندي فالبيت عشان يبجوا چارك وميفتوكيش، ايه جولك!؟.
هتفت صفية وقد ازداد وجيب قلبها واطرقت رأسها خجلا: - هقول ايه يا حماد بيه..!؟، ده انا طاقة القدر انفتحت لي..

ابتسم حماد في سعادة ونهض في عجالة هاتفا: - چهزي روحك فأجرب فرصة، واني سايب اتنين من رچالتي جصاد البيت عشان محدش يتعرض لكم، وكل طلباتك هتكون عندك، لحد ما ربنا يئذن وتبجي حلالي..
ابتسمت صفية لا تصدق ما يحدث فقد بدأت الدنيا تفتح ذراعيها اخيرا لتستقبلها في ترحاب بعد سنوات عجاف من الصد والعزوف..

خرج حماد وما أن وطأت قدماه أرض الحارة حتى هتف في صوت جهوري ورجاله يقفوا خلفه في ثبات: - صفية من النهاردة في حكم مرتي واللي هيجرب لها هي وعيالها يبجى ناوي على موته، اللهم بلغت اللهم فأشهد..

قال كلماته الأخيرة لتدمع عيني صفية فرحة وفخرا فقد أصبح لها اخيرا رجل يقف في وجه العالم من أجل نصرتها، انسابت دمعات الفرح تتراقص على خديها في طرب على صوت زغاريد امها التي أطلقتها واحدة تلو الأخرى من نافذة شقتها المطلة على قلب الحارة تتبع حماد الذي اتجه صوب عربته راحلا في سعادة بدوره..

ارتدت ملابسها وحملت حقيبة يدها واندفعت خارج غرفتها وما أن رأتها امها حتى تعجبت هاتفة: - على فين العزم أن شاء الله!؟.
أكدت نجوى وهي تضبط غطاء رأسها: - رايحة الچيم..
هتفت امها مستنكرة: - رايحة فين!؟، الچيم!؟، وده من امتى!؟.
هتف ابوها في تساؤل وهو يخرج من غرفته بعد أن ادي الفريضة: - فيه ايه!؟، مالكم!؟.
هتفت ام نجوى ممتعضة: - اتفضل يا حاج، قال بنتك عايزة تنزل الچيم..

هتف ابو نجوى: - وايه المشكلة ما تنزل..
هتفت الأم في صدمة: - تنزل فين!؟ انت مش واخد بالك يا حاج أن حال بنتك دلوقت بقى غير الأول، بنتك مطلقة والعين بقت عليها فالرايحة والجاية..
هتفت نجوى في غضب: - اه وطالما أطلقت يبقى أدفن بالحيا وحتى الچيم اللي بالعمارة اللي قدامنا مرحهوش عشان الناس متقلش حاجة، مش كده!؟.

تنهد ابوها رابتا على كتفها مهدئا واخيرا هتف مشيرا للباب: - انزلي يا بنتي، روحي، طالما مبتعمليش حاجة لا عيب ولا حرام يبقى محدش له عندك حاجة..
هتفت امها معترضة: - بس يا حاج..
أشار ابوها بكفه لتصمت امها مبتلعة كلماتها المعارضة لتقبل نجوى جبين ابيها قبل أن تتجه للخارج..

تطلع ابوها لأمها في حنق هاتفا في ضيق: - ارحموا من بالأرض يرحمكم من بالسماء، كفاية بقى القمقم اللي كنتِ معيشاها فيه، خليها تخرج وتشوف حالها بدل ما تقعد تفكر في اللي راح..
صمتت الأم ولم تعقب رغم امتعاضها الظاهر على قسمات وجهها..
اشعار رسالة رن على هاتفها وهي على أعتاب بنايتها تهم بالاندفاع للخارج الا أنها توقفت تستطلع المرسل..

كان سالم صديق كمال، فتحت الرسالة ليرتج قلبها بين اضلعها في صدمة، كانت تنظر إلي الصورة المرسلة إليها على أحد التطبيقات لكمال مجالسا امرأة تكاد تكون بمثل سنه، تجلس في غنج وهو مقتربا منها في شوق يطعمها بشوكة قطعة من لحم..
ردت في سرعة على سالم مؤكدة: - لو سمحت يا استاذ سالم متبعتليش اي حاجة تخصه لأنه معدش يخصني من اساسه..

خرجت من التطبيق حتى أن اشعار تلك الرسالة الثانية جاءها وما كان لها القدرة على فضها وقراءتها، تحكمت في وجود شبكة الإنترنت على جهازها قاطعة اي اتصال ممكن، دافعة بهاتفها في جوف حقيبتها وغامت عيونها بالدموع حتى أن الطريق فقد معالمه أمام ناظريها وكاد ذلك ان يودي بحياتها وهي تعبر الشارع لا ترى بعين خيالها إلا صورة حبيب العمر مع تلك المرأة التي سلبته لبه وبيته..

انتفضت فقد علا صوت نفير سيارة قادمة لكن المكابح كانت اسرع من استجابتها، توقفت السيارة أمامها ببضع سنتيمترات، كانت على وشك أن يلق حتفها تحت عجلات العربة لولا ستر الله والتي صرخ قائدها في ثورة، اندفعت في خجل باتجاه البناية حيث صالة الألعاب الرياضية تختفي في سرعة جراء ما حدث..

غيرت ملابسها بأخرى مناسبة لممارسة الرياضة ووضعت سمعات أذنها تشغل بعض الموسيقي والأغاني على جوالها وقد بدأت في المشي في محاولة لا لحرق الدهون لكن لحرق ذكرياتها معه والتي تضج بها روحها المكلومة..

عادت إدراجها بعد أن قضت فترة تمارينها لتدخل حجرتها تعيد التطلع لصورة كمال مع تلك الحقيرة التي احتلت موضعها بقلبه وحياته، فانتهبت لرد سالم مؤكدا: - انا بعت الصورة عشان تعرفي أنه عايش حياته فانت كمان تنسيه وتعيشي حياتك، محدش يستاهل زعلك عليه..
أغلقت الهاتف من جديد ولم ترد بحرف ورددت بنفسها في ثقة: - صح، محدش يستاهل زعلي..

ألقت الهاتف جانبا وخرجت من حجرتها تحمل طفلها تداعبه في محبة محاولة تناسي تلك الصورة التي تراها اللحظة شاخصة أمام ناظريها..

طرقت على باب شقة ابيها بمصاحبة شيرين إلا أن ابيها تأخر في فتح الباب قليلا، اخذت تبحث بحقيبتها عن المفتاح إلا أن الباب انفرج عن محيا ابيها الساكن..
دخلت أمل متعجبة متسائلة في قلق: - في ايه يا بابا مالك!؟.
ثم تنبهت واندفعت في اضطراب للداخل باحثة عن ولدها، طافت بالغرف جميعها لكنها لم تجده لتعود من جديد لموضع جلوس ابيها المنكس الرأس متسائلة في توجس: - فين سليم يا بابا!؟.

ونظرت الي تلك الورقة التي يمسك بها بكف متهدل متناولة إياها ناظرة إليها وهي تجلس جواره، جرت عيونها على السطور في عجالة لتتطلع الى شيرين التي كانت قد جلست جوارها تتطلع معها لذاك الخطاب يدفعها قلقها لادراك ما يحدث، همهمت أمل في وجع: - أمجد طلقني غيابي، انا طلبت ده، بس فين سليم يا بابا!؟.

هتف ابوها بصوت متحشرج يكاد الخزي يخرسه: - سامحيني يا أمل مقدرتش أحافظ لك على ابنك، جه لحد هنا وخده، قال بالحرف الواحد أن أمه مريضة ومش هاتقدر ترعاه وهو أولى بيه..
صمت مطبق ساد المكان ولم يعقب احدهم بحرف، صمت قاس حاد كنصل سكين يمزق السكينة أشلاء ويخلق بالنفس ألف وجع..

ربتت شيرين على كتف أمل متعاطفة وهمست تحاول مواساتها: - كان متوقع من أمجد اكتر من كده، هو بينتقم لأنك رفضتي ترجعيله بشروطه، فقرر يحرمك من اكتر حاجة بتحبيها، ابنك..
هتف الأب مؤيدا: - صح كلامك يا شيرين، حسبنا الله ونعم الوكيل، انا مش هسكت وهقوم محامي و..
قاطعته أمل مؤكدة: - أمجد مش هيتحرك إلا بمحامي يا بابا وعارف هو بيعمل ايه..

أكدت شيرين: - بقولك ايه!؟، والله ما هايستحمل يقعد بالولد ولا ياخد باله منه، وهيرجع لك، وابقى شوفي..
همست أمل في وجيعة: - طب هيخليني اشوفه ولا لأ!؟.
أكدت شيرين في حماسة: - ولا تسألي، هو اكيد هيسيب الولد في البيت نايم، اصل مش أمجد اللي هيجيب له حد يقعد معاه، وكمان أمه ساكنة بعيد، يعني كل اللي بيعمله ده عند معاكِ، ساعة لما ينزل المفتاح بتاع شقتك معايا هخليكي وقت ما تحبي تيجي تشوفي الولد..

هتف ابوها في امتنان: - ربنا يبارك لك يا بنتي..
هتفت شيرين: - تسلم يا عمي، بس انا مش عايزة أمل تقلق من حاجة وبعدين الدكتور كان طلب اكتر من مرة أنها تفضل في المستشفي وهي اللي كانت بترفض عشان سليم، دلوقتي سليم مع بباه و تحت عيني، يبقى ملكيش حجة ماشي..
هزت أمل رأسها إيجابا وسالت دموع عينيها في استكانة لتضمها شيرين الي أحضانها..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، سيدة ، الأوجاع ، السبعة ،











الساعة الآن 04:33 PM