رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والعشرون
ركض للأعلي بخطوات يملؤها الأمل، وصل امام غرفة مغلقة ومد يده على المقبض وبداخله يتمني ان يجد حلاً لهذه المعضلة العصيبة، فتح الباب ودلف كان يوجد حاسوب على مكتب صغير، اقترب اكثر وجلب الكرسي ووضعه امام المكتب ثم جلس ببطئ و مد يده بتردد ليفتح الحاسوب ثم تنهد تنهيدة حارة وفتحه لتكن صدمة تامة له وهو يرى شخص ملثم يقيد شهد من الخلف ويكممها ويحملها متجهًا للخارج، غلت الدماء في عروقه وضرب المكتب بكل قوته لينفث الغضب الذي يشتعل بداخله، كان عمر يضع الكاميرات في جميع انحاء منزله احتياطًا لأى موقف لأنه يتعرض لمواقف كثيرة مثل هذه، كور قبضة يده وضغط عليها بقوة، من هذا وكيف يستطيع إبعادها عنه وبالرغم منها!، كيف يجرؤ على فك السلاسل التي ربطها بها ومن دون سبب، كيف يلمسها من الأساس، هي حوريته، حبيبته، آسرته التي أسرته وهدمت الاسوار التي بناها ليحصن قلبه من اى دخيل يحاول تحطيم اسواره، هي له هو فقط، لن يسمح لأى شخص كان أن يأخذها ويجعلها تبتعد عنه بعد ان اصبحت الهواء الذي يتنفسه، سيعيدها له لمنزله، لأحضانه ومهما كان الثمن...
كان ينظر للفراغ بتحدى كأنه الشخص الذي اختطفها، اصبحت افكاره تتخبط بداخله، من فعلها، فارس، ام مصطفى، ام رئيسه كما هدده فارس.. على اى حال سيوديه خلف الشمس ويندمه على فعلته تلك، على لمس جوهرته الثمينة.. نهض بعدما أغلق الحاسوب وإتجه للخارج وهو يفكر بما سيفعله وكيف سيستعيد حبيبته، نعم الآن فقط اعترف وبشكل صريح لنفسه أنه يعشقها حد الجنون..
نزل للأسفل بخطوات ثابتة ثم اخذ المفاتيح الخاصة به واغلق الباب وركب سيارته، كان يتحرك كالآنسان الآلي، الهدف وحيد وواضح أمامه، إستعادة شهد فقط...!
في منزل عبدالرحمن، منذ وصوله إلى المنزل دلف إلى غرفته ودون ان يتحدث مع اى شخص، وهو يجلس على فراشه شارد حزين وواجم يفكر فيما يمكن ان يكون فعله، هل ستتركه بعدما رأته في حالته الاخرى، هل فعل اى شيئ احمق معها..!، هو لا يتذكر اى شيئ ولكن بداخله يتمني ان لا تكون سيطرت عليه شخصيته الاخرى وجعلته يفعل شيئ يندم عليه بقية حياته، كل ما يتذكرته هو انه رأها تقف مع شخص..!
شعر بالتوتر والحيرة، هو لم يحبها بهذه السرعة ولكنه شعر بالإرتياح معها، شعر انه يريدها زوجته وأم لأطفاله، ولكن كيف سيحدث ذلك وهو في ثانية يمكن ان يتحول ويفقد السيطرة على نفسه..!
تملكه شعور بالعجز الشديد، غير قادر على التحكم في هذه الشخصية المتسلطة التي اخترعها خياله او عقله الباطن وفي الوقت نفسه غير قادر على الذهاب لطبيب نفسي، برأيه هو ليس مجنون ليذهب لطبيب نفسي، هي حالة تأتي له احيانًا وسيحاول السيطرة عليها...
تنهد بضيق وهو يشعر ان رأسه تكاد تنفجر من كثرة التفكير، قرر ان يراها ويسألها عن رأيها وجهًا لوجه، وسيتحمل ويحترم رأيها ايًا كان، نهض وهو يعزم على الذهاب لمنزلها على الفور ومن دون تردد... نهض بهدوء وإتجه للخارج ثم فتح باب غرفته وخرج، وجد والدته تجلس على الكرسي تقرأ بعض المجلات، ألقي السلام والتحية واكمل سيره ليذهب ولكن اوقفته والدته وهي تقول بتساؤل وقلق.. مالك يا عبدالرحمن؟!
توتر على الفور من سؤالها المفاجئ وأستدار ببطئ ليواجه نظراتها المتفحصة، شعر انها ستكشفه حتمًا ان ظل هكذا، حاول الحفاظ على ثباته قدر الإمكان وهتف بهدوء حذر قائلاً.. مالي يا أمي يعني منا كويس لأ انت مش كويس، حصل اية مع رضوى يخليك كدة، قولي دة انا أمك.
هتفت والدته بتلك الجملة قبل أن تترك المجلة على المنضدة المجاورة ثم نهضت وإتجهت لعبدالرحمن الذي كان يقف كالصنم، أمسكته برفق من كتفيه ونظرت في عيناه بتساؤل لتستشف اى اجابة تريحها منها ثم اردفت بحنان أموى.. يا حبيبي صدقني انا خايفة على مصلحتك، قولت لك كذة مرة تروح تتعالج وانت مُصر بردو، طب رضوى شافتك وانت بحالتك التانية؟!
أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه ببطئ شديد وعلم انه لا مفر، لن يستطيع الكذب عليها اكثر من ذلك، نظر في عيناه بهدوء يبدو انه هدوء ما قبل العاصفة، ثم استطردت بإهتياج قائلاً.. ايوة يا امي اه شافتني وممكن اما اروح تنهي كل حاجة وتبعد اصلا، ومش بعيد اكون مديت ايدى عليها وانا مش ف وعيي، انا زهقت من الحياة دى.
خرجت شهقة منها مصدومة، نظرت له بعدم تصديق وهي تهز رأسها وتنظر له برجاء ليقل لها أنه كان يكذب، لم تدرِ ان ولدها يعاني لهذه الدرجة، شعرت بصوته المتلجلج والقهر الذي ظهر في نبرته، اقتربت منه بهدوء ثم تابعت بحزن.. ياااه، شايل كل دة ف قلبك يا عبدالرحمن، للدرجة دى؟
مسح بطرف يده دمعه هاربة كادت تفر منه، ثم إبتلع غصة مريرة في حلقه، لطالما تألم وحزن لطالما سمع إهانات منهم ومن غيرهم، وصمت وتحملها وكبتها بداخله، ومع ذلك لن يذهب لأى طبيب هو ليس بمجنون ليودى بنفسه للتهلكة..! نظر للجهه الاخرة ثم سار وهو يقول بقسوة.. لسة فاكرة، ع العموم انا هأمشي، سلام.
إتجه الخارج تاركًا اياه تتنهد بعمق وحسرة على ولدها الوحيدة وفلذة كبدها، كيف اصبحت معه هكذا وهي اقسمت منذ ولادته ان تكون أحن واقرب ام له.. آآه يا صغيرى ليتني قادرة على مسح كل ذلك من ذاكرتك واعطاؤك حياة جديدة بدون قهر وألم او وجع..!
وصل عمر امام المنزل الخاص بفارس، ترجل من سيارته بخطوات غاضبة ولهيب الحقد والكره يشتعل في عيناه السوداء، إتجه للداخل بسرعة رهيبة ونظر للحارس ثم هتف بصوت قاتم قائلاً.. فين فارس اجابه الحارس بجدية: فارس بيه مش هنا، مشي من شوية.
اومأ عمر بهدوء ثم استدار مغادرًا منزله وركب سيارته وتوجه لمنزل ( البوص ) وهو ينوى نية ليست خير ابدًا، حاول تهدأة نفسه قليلاً حتى لا يذهب هدر ولكنه لن يكن متسامحًا معه او مع غيره ابدًا..
وصل بعد ربع ساعة تقريبًا وترجل من سيارته وحالته لا تختلف كثيرًا، تخطي الحرس ومناداتهم وصياحهم وسار دون نطق اى كلمة وتركوه لأنهم على معرفة مسبقة بعمر، حتى وصل للحديقة وجد الرجل الكبير يجلس على احدى الكراسي الخشبية ويرتدى حلة رسمية وبيده سيجارته الفارهه يضع قدم فوق الاخرى، ينظر لفارس الذي كان يجلس امامه ويتحدث معه بهدوء خبيث..
حدق بهم عمر بنظرات نارية وبالأخص لفارس، لاحظوا وجوده ولكن لم يتفوهوا بحرف منتظرين ان يروا رد فعله.. هتف عمر بغضب بادى على قسمات وجهه قائلاً.. فااااارس.
نظر له فارس ببرود مثل الثلج، كان تأثيره واضح على عمر الثائر، جعل الدماء تغلي بعروقه اكثر كأن اشعل النيران الملتهبة بداخله، كانت نظراته كفيلة ان تجعلهم يرتعبوا من فعلته، أخرج عمر الحروف بدقة من فمه وهو يخرج السلاح الخاص به موجههًا اياه بوجه فارس الذي نظر له بفزع قائلاً.. نهااايتك ع ايدى لو ماقولتش فين مراتي حالاً يا فارس.
في منزل مصطفى، يقف مصطفى في الشرفة يتطلع على الأسفل بهدوء يستمتع بالنسيم والهواء الهادئ والمريح، أخرج هاتفه من جيب بنطاله وأتصل بعبدالله الذي رد عليه بعد ثواني من اتصاله قائلاً بترحاب.. مصطفى بيه اؤمرني نفذت إلى قولتلك عليه يا عبدالله طبعاً وكنت جاى لك اهوو تمام اووى انا ف الخدمة طب بص بقا عايزك تعمل حاجة مهمة جدا وممكن تكون خطيرة مافيش خطر بالنسبة لي تعجبني، بص بقا انت هات...
وبث مصطفى خطته التالية الدنيئة لتفرقة ذلك الحبيبين ليحصل على ما ارادته نفسه الخبيثة وشيطانه القوى الذي تجسد به، ما إن انهي مكالمته حتى تنهد بأستمتاع في الهواء، شعر انه يتخطي حاجز كبير كل يوم عن الاخر وسينجح قريبًا...!
بينما شهد في المكان المهجور تجلس وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وتضع رأسها على ركبتها بحزن وشرود، وخوف، خوف من مصيرها المحتوم الذي سيحدده مصطفى قريبًا، اعتقدت انها تخلصت من هذا الخوف من المستقبل، لم تكن تعلم انه سراب يأتي خلفها ويلاحقها اينما كانت، كفر وجهها وجزت على اسنانها بغيظ وهي تتذكر حديثه المبغوض بالنسبة لها، تنهدت تنهيدة حارة تحمل بداخلها الكثير، وأخيراً تفكر في زوجها وحبيبها الذي لم تعشق غيره، لم تسمح لقلبها ان يعلن الاستسلام ويخسر في حرب الخسائر مباحة فيه إلا معه، اصدرت انينًا خافتًا وصوتًا مبحوحًا ليعبر عن كل مافي داخل قلبها، ليعبر عن حنينه لذلك القاسي المتمرد الذي لم تنهدم أسوار قلبه لها حتى الان..
قطع شرودها صوت خطوات مصطفى وهو يقترب منها ببرود وثبات في آنٍ واحد، كلما يقرب خطوة اكثر تزداد ضربات قلبها بين ضلوعها اكثر.. اصبح امامها ثم نظر لها نظرات لم تفهمها ابدًا ثم هتف بصوت أجش قائلاً.. عاملة اية يا حبيبتي دلوقتي، جايبلك اخبار هاتعجبك اووى نظرت له شهد بتساؤل وإبتلعت ريقها بخوف ثم زفرت ببطئ استعدادًا لما سيقوله، في حين عقد مصطفى ساعديه ببرود شديد ثم استأنف حديثه المستفز قائلاً..
البيه بتاعك مضي على ورق الطلاق فاضل أمضتك بس يا حبيبتي...!
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والعشرون
حدقت به شهد بصدمة وإزدادت ضربات قلبها بين ضلوعها، لم تصدق أذنيها، مؤكد أنها تحلم، نعم، لا يقدر أن يتخلي عنها بهذ السهولة، إبتلعت ريقها بخوف وهي تفكّر، هل حررها من قيوده وتركها بهذه السهولة!، هل قرر منع اى غازى ان يغزو صميم قلبه ويؤثر فيه وبما فيهم هي!، كانت كأنها أم ينقلون لها خبر وفاة طفلها، تلقلقت الدموع التي منعت نزولها امام هذا المتعجرف ببطئ لعيونها البنية لتعطيها خليط ومظهر جذاب، اصبحت تهز رأسها نافية بهيستريا وهي تردد بداخلها كلمة لا ، نجح مصطفى في إلهاب النار التي كانت مشتعلة بداخلها من الاساس، كان قلبها ينبض بقوة وعنف كأنه يعلن عن عدم تصديقه لهذا الذي يدعي مصطفى، عدم تخليه عن الشخص الذي دق له ولأول مرة، لعدوه في حرب الحب، ليكن له الفوز في حماية قلبه ولكن، ولكنه لا يستطيع الإبتعاد، هذا شيئ مؤكد، زادت هز رأسها والتصميم يزداد بداخلها وتعهدت أن لا تبتعد مهما كان الثمن..
زادت كلمة لا في الارتفاع وخرجت من بين شفتاها التي انتفخت من كثرة البكاء طيلة اليوم ونظرت لمصطفي بتحدى وقوة وهي تصرخ قائلة.. لا لا كداااااااب، هو ميقدرش يعمل كدة استحالة اصلا يعمل كدة تعجب من ردها مصطفى، لقد ظن انها لن تتحمل تخليه عنها وتقرر الإبتعاد على الفور، ولكنه أخفي بسرعة نظرات الاندهاش ونجح في رسم إبتسامة مستفزة على ثغره وأردف ببرود..
بس عمل كدة ولو مش مصدقة شوفي، كنت فاكرك عندك كرامة اكتر من كدة يا بت عمي بس طلعتي... قاطعته شهد بحركة بيدها بمعني يكفي ثم نظرت له بحدة، نظراتها القوية والتي يظهر فيها بريق الإصرار وبشدة في مقابل نظراته الباردة المستفزة، أخذت نفسًا عميقًا واخرجته ببطئ وكأنها تبني الحصن لتمنع ذاك العدو من إيذاؤهم ثم هتفت بجمود قائلة..
والله حاجة متخصش حضرتك، وانا موافقة أكون معنديش كرامة، عارف لية عشان بحبه وبعشقه وهافضل مراته وام ولاده يا مصطفى أثارت غضبه الذي كان يكتمه بداخله ورمقها بنظرات غاضبة حاقدة وأقترب منها فجأة واتكأ بجذعه ليصبح في مقابلها ثم مسك كفها بيده وضغط عليه بقوة وعيناه السوداء تشع نيران الغضب و.. لأ يا شهد لأ، انتي ليا انا وبس، وسواء رضيتي او مرضتيش مش هاتشوفي وشه تاني ودة وعد مني.
إبتعد عنها مرة اخرى لتنظر هي له بتقزز وكره وهي تتشدق ب.. متقدرش، هيوصلي يا مصطفى نظر لها مصطفى بأستخفاف واضح واصبح ينفض يده بطرف إصبعه وهو يقول بخبث.. لأ ماهو هايبعد عنك وبمزاجه كمان.
لم تفهم شهد مقصده ولم تريد أن تفهم لأن كل ما يهمها هي ثقتها بحبيبها وزوجها، ثقتها العمياء أنه لن يتخلي عنها إلا عند موته، هزت رأسها برفق كأنها تؤكد ما قالته لنفسها، ولكنها لا تعلم أن مصطفى لن يغمض له جفن بأرتياح إلا بعد ان تصبح له فقط، كأنه صار مجنون، شهد...!
ما تضيعش نفسك يا عمر عشان حاجة تافهه زى دى هتف فارس بتلك الجملة وهو ينظر لعمر الذي كان يشير بمسدسه في وجه فارس بفزع وخوف رهيب بعدما نهض وهو يحرك يده بالنفي ويتابع وقد سيطرت عليه حالة من الهلع قائلاً.. صدقني يا عمر انا ماعرفش فين مراتك.
كان عمر ينظر له ببرود تام على عكس ما يكمن بداخله من غضب شديد من ذلك الأحمق الذي أبعده عن رفيقة روحه، كان ( البوص ) يتابعهم بعيناه بهدوء تام منتظرًا ان يرى ما سيحدث، كان على علم دقيق بعمر يعلم انه ليس بمتهور لهذه الدرجة ليقتل شخص من رجاله وفي منزله!، وعلى علم بشخصية ذاك المرتعد وترك لعمر حرية التصرف مشيرًا لحراسه بطرف إصبعه ان يبتعدوا.. نطق عمر بجمود أتقنه قائلاً..
كداب، انت هددت ونفذت تهديدك بس ورحمة أمي ما هسيبك لو ما قولتش هي فييين والله يا عمر ما اعرف عنها حاجة ثم وجه نظره لرئيسهم الذي يجلس كأنه يشاهد فيلم اجنبي أكشن ثم قال بأستنجاد قائلاً.. ما تقول حاجة يا ريس، انا اعرف فين مراته!؟ واخيرًا خرج عن صمته وهز رأسه نافيًا ثم أردف بصوت صلب قائلاً.. فعلاً يا عمر هو ميعرفش اى حاجة وانا نفسي اتفاجأت الوقتي.
نظر لهم عمر بشك ثم وجه نظره لفارس الذي كان يتنفس بصعوبة ونظر له بنصف عين وهو يستطرد بتوعد شرس.. نفدت المرة دى يا فارس بس قسمًا بالله لو اكتشفت انك لك يد ف حاجة هايكون اخر يوم ف عمرك صدقني تنفس فارس الصعداء كأن قاضيه حكم عليه بالإفراج بعد الإعدام، ثم مسح على شعره ببطئ ونظر لعمر ليجده إستدار ليغادر، زفر بضيق وبداخله يتوعد له.. رمق الرجل بنظرات لوم وهو يقول بحنق.. عاجبك كدة بردو يا بوص إلى عمله.
تؤ تؤ تؤ معجبنيش خالص، وعشان انت غالي عندى يا فارس، عمر لازم له قرصة ودن صغيرة نظر فارس له واقترب منه وبعيناه السوداء بريق اللهفة والغضب اللامع ثم تابع بتساؤل يشوبه التشجيع قائلاً.. ايوة كدة يا ريس، بس ازاى بقا؟! إقترب الرجل منه ببطئ وهمس بهدوء حذر يشوبه الخبث قائلاً.. بص يا سيدى احنا هانضغط على نقطة ضغفه يعني ه...
بث خطته في أذن فارس الذي ظهرت الابتسامة العريضة على ثغره بسرعة، وها هو متحالفين جدد يخططوا ضد هؤلاء العصفورين لأيذاؤهم...!
في منزل رضوى،.
رضوى في غرفتها المغلقة عليها تجلس على كرسيها الخشبي الهزاز والمفضل لديها امام مكتبها الصغير ومن حولها الاوراق الخاصة بعملها، متناثرة حولها بكثرة، أبعدت خصلة ثائرة من خصلات شعرها الغجرى الأسود عن عيناها ثم حاولت صب كل تركيزها في عملها ولكن فشلت، عقلها مشتت فيما مضي، في القرار الذي يجب عليها ان تتخذه لتتحمل نتائجه لباقي حياتها، زفرت ببطئ وبضيق شديد ونهضت عن الكرسي لتسير ذهابًا وإيابًا في الغرفة وهي تضع إصبعها برفق، تفكر بحيرة، هل تتعايش معه ام تبتعد، ولكنها شعرت بالخوف الشديد منه وهو في تلك الحالة، شعرت ولأول مرة انها تخشي شخص هكذا، هل ستعيش باقي عمرها في خوف من تحول زوجها بين الحين والاخر، بدلاً من ان يكون لها درع الأمان والحماية والاطمئنان، شعرت انها في دائرة مغلقة ستغلق عليها للأبد وتظل هي في حيرتها وخنقتها تلك، ظلت تفكر وحاولت تهدأة نفسها ولكن قطع خلوتها بنفسها تلك صوت طرق الباب، أذنت للطارق بالدلوف لتجد مها، نظرت لها بهدوء ثم هتفت بتساؤل قائلة..
خير يا مها في حاجة ولا اية؟ اه، عبدالرحمن برة وبيقول انه عايز يشوفك ضرورى إندهشت رضوى من زيارته المفاجئة وعاد التوتر لها مرة اخرى واصبحت تفرك اصابعها بأرتباك، عقدت مها حاجبيها بتساؤل عن توترها من مجرد ذكر زيارة عبدالرحمن وما رأته في اخر زيارة، تسائلت بداخلها ماذا يحدث بينهم يا ترى؟! ولماذا هكذا بالتأكيد الأمر مريب.. افاقت على صوت رضوى التي جاهدت ان تبدو ثابته لم تتأثر قائلة..
تمام خلاص اطلعي انتي يا مها قدمي له حاجة يشربها عقبال ما ألبس هدومي وجاية اومأت مها برأسها متفهمة ثم استدار لتغادر واغلقت الباب خلفها تاركة رضوى في حيرتها التي بدت لا نهائية، اخذت رضوى نفسًا طويلاً ثم اخرجته ببطئ، قررت المواجهه، نعم لا مفر ولا حل اخر، يجب عليها وبأى طريقة مواجهه الأسد...!
بعد قليل خرجت من غرفتها بهدوء بعدما ارتدت الإسدال الخاص بالصلاة بها والزيارات المفاجئة، نظر لها عبدالرحمن بلهفة ثم نهض وهو يقول بسرعة.. الحمدلله انك مرفضتيش يا رضوى رسمت رضوى إبتسامة صفراء زائفة على محياها ثم جلست بعيدة عن المقعد الذي يجلس عليه عبدالرحمن واصبحت تفرك أصابعها بتوتر واضح ليتابع عبدالرحمن بأعتذار قائلاً..
رضوى انا عارف ان انا ممكن اكون عملت حاجة وانا، وانا يعني الشخصية التانية مسيطرة عليا بس صدقيني مش بإرادتي نظرت له رضوى بهدوء ثم فتحت فاهها وتكاد تنطق بشيئ ما إلا ان قاطعها عبدالرحمن بتوضيح يشوبه الألم قائلاً.. رضوى هو انتي مفكرة دى حاجة سهلة وانا عايش حياتي طبيعي، لا بالعكس انا عايش حياتي متألم تعبان حزين، تخيلي كل يووم بأصحي اقول لأهلي هو انا عملت حاجة يا جماعة، طب هو انا اذيت حد، انا بجد اسف.
ضحك ضحكة ساخرة وهو يتذكر كل ما مر به طوال حياته منذ ان اصبح ذو شخصيتين، تلقلقت بعض الدموع في عيونه ولكنه منعها من النزول بقوة ولمعت عيناه بحزن عميق وهو يقول..
ولا هو انا يعني حابب إني كل لما اجي اعمل حاجة او اعترض على عروسة امي جيباها لي وتقولي اسكت مش كفاية إن في واحدة قبلت بيك بعيوبك دى لا يا رضوى بس انا مش قادر اتحكم فيها ولا قادر اروح لدكتور، هأروح لدكتور ازاى طب، هأروح للمصحة النفسية برجلي يا رضوى؟، انا مش مجنون بس هي السبب، هي السبب في كل إلى انا فيه دة، انا قلبي بيوجعني اوى يا رضوى وانا شايف نظرات الشفقة في عيون اى حد بيعرف، انا تعبان اوى ومحدش حاسس بيا والله حتى أمي...
اخرج كل ما بداخله من هموم وعبئ وألم لطالما خبئه وتظاهر بالقوة وعدم اللامبالاة واحيانًا الجمود لينظر لرضوى بحزن ولهفة معًا ليستشف ما ستقوله، بحث عن نظرات شفقة او عطف في عيونها ولكن لم يجد ابدًا.. وجدها تتنهد بهدوء وقوة وهي تقول بجدية... ...
بعد مرور وقت فالمكان المهجور، ذبلت عيناها من كثرة البكاء وزاد احمرار وجهها الابيض النقي، كانت تسير رعشة في جسدها الهزيل بمجرد ان تتخيل انها ستصبح زوجة مصطفى..!
كيف، كيف تتحمله وتعيش معه الباقي من عمرها وهي تكرهه، اهون لها ان تعيش باقي العمر وحدها ومشردة من ان تعيش بجوار هذا مصطفى الذي يدخل منزله بعد منتصف الليل وغالبًا يكون في حالة سُكر شديدة، تنهدت تنهيدة طويلة وبطيئة تحمل في طياتها الكثير، كأنها تخرج ولو بعض الحزن من داخلها لتستطيع التماسك امام هذا الكائن...
فجأة دخل مصطفى وهو ساكر ويسير بترنج كأنه يثبت لها ما كانت تفكر فيه، إبتلعت ريقها بخوف، في حين نظر مصطفى للحرس وقال بصوت متقطع وآمر.. إطلعوا، اطل، اطلعوا برةةة نظروا لبعضهم بتعجب وريبة ولكن ما باليد حيلة، إستداروا جميعهم واتجهوا للخارج على بُعد مسافات ليس بكبيرة ولكنها ليست بقليلة ايضًا وانتظروا هناك..
اقترب مصطفى من شهد ببطئ وهو يتفرس جسدها الصغير بعيناه كأنه يلتهمها في حين انتفضت هي في مكانها وحاولت ان تزحف للخلف بخوف ورعب، هي تعرف نظراته الخبيثة الشيطانية هذه جيدًا، ليست المرة الاولي له.. دقات قلبها تزاد بسرعة رهيبة في ضلوعها، أطرافها بردت من الخوف، وجهها الاحمر اصبح اصفر مرتعد يظهر عليه الهلع كأنها ترى ثعبان كبير يقترب منها ليدلغها..
اصبح مصطفى امامها تمامًا ومد يده ليلمس وجهها وهي تحاول إبعاده بكل الطرق ولكنها مكبلة وفجأة حدث ما لم يكن متوقع و...
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والعشرون
فجأة حدث ما لم يكن متوقع بالنسبة لمصطفي ووجد من يضربه بشيئ حاد على يده بقوة، نعم لقد كان عمر، شعرت شهد بسعادة تغمرها وسيطر عليها الشعور بالأمان والاطمئنان لمجرد وجوده في نفس المكان، تراقص قلبها فرحًا وظلت تحمد الله في سرها والابتسامة لم تختفي من على وجهها، تحولت نظراتها المذعورة إلى نظرات حادة لمصطفي الذي كان يمسك بيده من شدة الألم، في حين كان عمر ينظر لشهد بلهفة كأنه يسألها بعيناه عن حالها، لم يمهل مصطفى الفرصة ولكمه بقوة جعلته ينزف، حاول مصطفى تسديد اللكمات له ولكنه كان مجروح وواقع على الأرض، استمر عمر في ضربه بغل وكره حتى شعر انه سيموت بيده حتمًا إن لم يتركه، كان مصطفى قد اغشي عليه، كانت شهد تتابعهم بنظرات شماته وأنتصار، لم تشعر بالعطف عليه ولو للحظة، لقد كان منذ ثوانٍ فقط سيدمر حياتها ويقتل براءتها ويذبحها دون اى رحمة، نظرت لعمر بهدوء في حين اقترب عمر منها بسرعة وفك الحبال وامسك بيدها وإتجهوا للخارج بسرعة، كان الحظ حليفهم لأن مصطفى طلب من الحراس الخروج والإبتعاد ليدمر شهد، وها هو طريح على الارض جثة هامدة فاقد الوعي وغير قادر على الحراك..
خرجوا بأعجوبه وركبوا سيارة عمر وإتجهوا إلى منزل عمر، لم يتفوه بكلمة، فقط اكتفي ان يطمأن عليها بنظرات هادئة ليطمئن قلبه الذي كان ينبض بقوة بسبب وأخيرًا اقترابه منها.. لم تتحدث شهد ايضًا، يكفيها ان تكن بجانبه وهي مطمئنة.. تنهد بإرتياح لم يذقه منذ يومان، وصلوا امام المنزل وترجل عمر من سيارته بهدوء تتبعه شهد وهي تحسس على يدها مكان الحبال بألم..
دلفوا إلى المنزل سويًا وأغلق عمر الباب ثم وجهه نظره لشهد، في البداية لم تفهم شهد نظراته ولكن سرعان ما أصبحت عيناه السوداء حمراء من الغضب، لمعت عيناه ببريق خافت وظهر الغضب جليًا على معالم وجهه الأسمر وهو يقترب منها حتى اصبح امامها تمامًا، ظنت شهد انه سيضربها او يعنفها وأغمضت عيناها بخوف في حين اقترب عمر اكثر وفجأة ضمها بقوة، تفاجأت شهد ولكنها كانت بحاجة لهذا الحضن، ليشعرها بالأمان، ليثبت لها انه خاصته هو فقط..
بينما عمر كان يشدد من قبضته عليها حتى شعر ان ضلوعها ستنكسر بين يداه، تألمت شهد ولكن لم تظهر، هذا الألم اهون واحلي من الم البقاء مع هذا الوحش مصطفى ، اخذ عمر يشتم عبيرها ودفن وجهه في شعرها عند رقبتها وأخذ يلمس على شعرها برفق وحنان.. اخذ يتساءل ماذا كان سيحدث له أن لم يجدها في الوقت مناسب، الحمدلله قال عمر هكذا لنفسه قبل ان يبتعد عن شهد بهدوء وامسكها من كتفيها وهو يهزها برفق قائلاً بحنق..
ازاى تطلعي ازاى، بعدتي عني اد اييية، انتي عارفة كان اية هيحصلي لو ملاقتكيش نظرت شهد له بتعجب قاطبة جبينها بضيق، هل نسي أنها كانت مختطفة..! لم تذهب مع مصطفى بأرادتها بالتأكيد، هي لا تحتمل رائحته وتتقزز من رؤيته، يترجف جسدها بخوف بمجرد ان يقترب منها للحديث حتى..! نظرت له بضيق ثم قالت بإقتضاب.. على فكرة انا كنت مخطوفة ماروحتش معاه بمزاجي و...
قاطعها عمر وهو يرمقها بنظرات مخيفة قائلاً بحدة وهو يشير بإصبعه.. طلعتي من البيت ليية، انتي عارفة كان اية هيحصل لك لو ماوصلتش في الوقت المناسب، عارفة انا كنت هاعمل اية لو نفذ إلى كان ناوى عليه، كنت هاقتله واقتل نفسي وراه، مكنتش هأتحمل تاني حاولت شهد أن تتحدث مرة اخرى ولكن قاطعها عمر وتحولت نظراته من الغضب للحنان والهدوء وثبت نظراته على عيناها مما أربكها وبشدة، هتف بشغف قائلاً..
انا مش قادر اخبي اكتر من كدة، انا بحبك اووى يا شهد، اوووى، كنت كتير بحاول اقنع نفسي اني مش بحب غير هند بس فجأة لاقتني مش عارف اعيش من غيرك، لاقتني بتنفسك، اوعي تبعدى عني تاني انا مقدرش اعيش من غيرك.
كانت شهد تحدقه بنظرات مصدومة، وإتسعت حدقة عيناها، وأحمر وجهها ببطئ، كانت تتمني هذه اللحظة منذ ان احبته ولكنها لم تتوقعها الان، كانت سعادتها في هذه اللحظات لا توصف، شعرت ان قلبها يكاد يختلع من بين ضلوعها ليحتضن قلبه ويكونوا مزيجًا رائعًا، تسللت الإبتسامة الواسعة لثغرها في ثواني ونظرت له بعشق وأردفت بحنان يشوبه الخجل قائلة.. وانا مقدرش ابعد عنك لأن انا كمان بحبك اوى.
ضمها عمر بحنان مرة اخرى وكأنه يتأكد انها اصبحت بين يداه الان، لن تبتعد عنه مرة اخرى، نجحت في تخطي كل الحصون التي بناها امام قلبه لمنع اى شخص من إختراقه، ولكن هذا يسعده..
ابتعد عنها سنتيمتر واحد ونظر في عيناها البنية بتعمق، ليرى أنعكاس صورته في عيناها، اقترب منها ببطئ وهو موجهه نظره على شفتاها الحمراء، توترت هي وشعرت بقلبها يدق بقوة وصوت، شعرت انه يكاد يُسمع صوته، التهم شفتيها بشفتاه بشغف وحب ولأول مرة، لف يده حول خصرها وقربها منه بشدة لتلتصق به، وضعت يدها حول رقبته وبادلته القبلات بحنان..
رفعها برفق وإتجه لغرفته بالأعلي، فتح الباب بقدمه ودلف ثم وضعها على الفراش بهدوء وهو فوقها، انظاره الراغبة والحانية ونظراتها الخجولة المرتبكة.. اقترب منها ليتذوق طعم شفتاها مرة اخرى ليمتزجوا سويًا بشغف، واستسلم امام إندافاعتها لدخول قلبه وخسر في حرب الخسائر مباحة فيها، واخيرًا اصبحت زوجته وله شرعًا وقانونًا...
في منزل رضوى، نظر لرضوى بحزن ولهفة معًا ليستشف ما ستقوله، بحث عن نظرات شفقة او عطف في عيونها ولكن لم يجد ابدًا.. وجدها تتنهد بهدوء وقوة وهي تقول بجدية.. انا موافقة يا عبدالرحمن، موافقة عليك وموافقة إني اكمل حياتي معاك رمقها بنظرات صدمة، سعادة، ارتياح او لنقل مزيج من المشاعر المختلطة، إبتسم بسعادة ولهفة ثم اردف بتساؤل يشوبه بعض الخوف قائلاً.. يعني مش هتتأثرى ف اى وقت وتقولي عايزة ابعد صح؟!
اومأت رضوى برأسها بهدوء ثم تنهدت كنوع من التشجيع حتى لا تغير رأيها ثم تابعت بصوت قاتم قائلة.. طالما انا إلى اختارت، هكمل وهأتحمل نتيجة اختيارى للأخر.
ثم صمتت لبرهه من الزمن ونظرت له بدقة ولأول مرة بالنسبة لها تلمح نظرات الحزن والإنكسار في عيناه، لم يسبق لها ان تمعنت عيناه السوداء من قبل، نظرت للأرضية بتوتر عندما افاقت لنفسها ووجدته يحدجها بنظرات غير مفهومة ولامت نفسها على نظراتها تلك ولإنها لم تغض بصرها، ثم استطردت بأصرار قائلة..
بس عايزاك تتعالج يا عبدالرحمن، مش عشان اى حد لأ عشان نفسك عشان عبدالرحمن، عشان مايبقاش مكسور زى ما انا شايفاه دلوقت، هتتعالج وهتبقي طبيعي خالص وحياتنا مستقبلاً طبيعية فكر في حديثها لثواني ولكنه هز رأسه نافيًا بسرعة وهو يقول بلهفة.. يا رضوى انا مش عايز أدخل مصحة، انا مش مجنووون مش مجنوون والله.
عضت رضوى على شفاهها السفلية بلوم وشعرت بالحزن يتسلل لداخلها، لقلبها ومن أجله هو، شعرت انها هي من تعاني وليس هو فقط، نظرت له بهدوء مرددة بتشجيع.. صدقني يا عبدالرحمن مش هتدخل مصحات، انت هتتعالج مع دكتور نفساني على جلسات، وكمان انت ربنا كارمك لإن الحالة مش بتيجي لك كتير ويمكن تتعالج بسرعة، زى منا عايزة اساعدك ساعد نفسك يا عبدالرحمن بالله عليك.
ظل ينظر على المنزل كله بتوتر وهو يفكر، ولما لا؟!، ماذا سيحدث لن يحدث اى شيئ ولن ادلف لمصحات فقط سأتعالج واشفي وانظر لكل شخص اشفق عليّ بتحدى وقوة، حدث عبدالرحمن نفسه هكذا وهز رأسه بهدوء ليؤكد على كلام رضوى وكلامه ثم تابع بأرادة قائلاً.. ماشي يا رضوى هأروح وهأتعالج عشان نفسي انا، وعشانك ابتسم رضوى ابتسامة صغيرة براحة، وسعادة، لأنها نجحت في إقناعه، نظرت للداخل ثم هتفت بهدوء قائلة..
معلش يا عبدالرحمن انا ورايا شغل كتير جدًا لسة ماخلصتوش ابتسم عبدالرحمن وهز رأسه متفهمًا وهو يقول بأمتنان.. ولا يهمك انا كدة كدة رايح، وشكرًا لكل حاجة يا رضوى الشكر لله لم تكن تريد إكمال عملها ولكنها كان لديها رغبة بالأنفراد بنفسها قليلاً لتفكر فيما قررته الان وفيما ستقرره لاحقًا.. إستدار عبدالرحمن وإتجه للخارج وفتح الباب ليخرج ثم ألقي نظرة سريعة على رضوى التي كانت شاردة مكانها وذهب...
دلف رجال مصطفى وتعجبوا من تأخره بداخل لأكثر من ساعتان، إنتابهم القلق ثم توجهوا للداخل بخطوات حذرة، جمدت ملامحهم عندما وجدوا مصطفى ملقي على الأرض فاقد الوعي وغارق في دمائه، ظلوا ينظروا لبعض بتساؤل وحيرة، قطع احدهم الصمت قائلاً بصوت آمر.. مستنين اية، يلا شيلوه معايا نوديه على اقرب مستشفي قال شخص اخر بقلق وهو يتراجع.. وافرض حد سألك وطلبوا البوليس عشان يعرفوا!، لا يا عم اخاف اروح ف داهية.
هز الاخر رأسه نافيًا بسرعة وهو يقول.. لا لا احنا هانحطه ادام اى مستشفي ونمشي اما نتأكد ان حد دخله المستشفي عشان مايموتش انت مش شايفه نظروا لبعض مرة اخرى بحيرة اكثر وكأنهم يستشيرون بعضهم من خلال نظراتهم ثم بدأو برفع مصطفى ووضعوه داخل إحدى السيارات واغلق احدهم الباب وركب السيارة بسرعة وخلفه الباقي في السيارة الاخرى متوجههين لأقرب مستشفي...
في احدى العيادات، كانت مها تجلس على احدى الكراسي في ركن في العيادة لأحد الاطباء الذي اخبرتها عنه صديقتها، كانت تفكر كثيرًا وهي تفرك اصابعها، تقلق لأنها توقفت عن اخذ دواء ( منع الحمل ) وخوفًا من رد فعل حسن وأنه ممكن ان يتركها، ام تسعد لانه يمكن ان يفرح أنه سيصبح أب..! افاقت على صوت السكرتيرة وهي تنادى عليها بصوت هادئ قائلة.. مدام مها جمال اتفضلي.
اومأت مها رأسها بتوتر ونهضت بهدوء ثم دلفت إلى الغرفة واغلقت الباب خلفها، نظرت لها الطبيبة ثم هتفت بجدية قائلة.. اتفضلي اقعدى يا مدام مها خير؟ انا يعني بأحس بدوخة وبتقيئ وبقرف كتير من بعض الاكل وعايزة اكشف.
امأت الطبيبة بهدوء وهي تشير لها بإتجاه الفراش الصغير لتنهض مها وتتجه له وتتمدد عليه وهي تفرك إصابعها بقلق، تقدمت الطبيبة وفحصتها وبعد دقائق انتهت ونهضت واتجهت لمكتبها وجلست على كرسيها وهي تقول لمها بدبلوماسية.. خير متقلقيش تقدمت مها وجلست امامها وهي تنظر لها بتساؤل لتتأكد من شكوكها، استأنفت الطبيبة حديثها بأبتسامة قائلة.. كل الحكاية انك حامل، مبروك يا مدام مها...!
في منزل عمر، تحديدًا في غرفة عمر التي اصبحت لاحقًا غرفتهم، كانت شهد تنام بجوار عمر وفي احضانه، تضع رأسها على صدره والابتسامة الخجولة على وجهها، في حين كان عمر شارد يفكر، هل خان وعده لهند انه لن يحب غيرها!، هل سيندم على حبه لشهد في يوم من الايام!، هل سيبتعد عنها من تأنيب ضميره، لا لا بالتأكيد، هو احبها بصدق واصبحت روحهم واحدة ولا يمكنه الإبتعاد عنها بعد الان..
نفض تلك الأفكار من رأسه ورفع بطرف اصبعه وجه شهد من ذقنها ونظر في عيناها واخذ يتمعنها وينظر لها بحب وعمق، صبغت وجنتاها باللون الاحمر وحاولت النظر للجهه الاخرى ولكن مسكها عمر برفق وهو يقول.. لسة مكسوفة مني يا شهدى؟! لاحظت لقب شهدى الذي نادها به، ثم نظرت له وعيناها تشع بالفرحة والسعادة والعشق، حركت شفتاها لتقول بهمس.. شهدى، حلو اوى الاسم دة جبته منين.
اخذ يعبث بخصلاتها الذهبية وظهرت الإبتسامة على ثغره، وشعر بالسعادة تغمره ولأول مرة منذ زمن، منذ وفاة والدته، كأن شهد هدية لتعوضه عن كل هذا الحزن السابق، نظر لها مرة اخرى ثم اكمل بتملك قائلاً.. عشان انتي شهدى انا وبس، بتاعتي انا ثم اقترب منها مرة اخرى ليقبلها ليثبت لها ملكيته الأبدية فيها إلا ان وجدوا طرقات على الباب بقوة في الاسفل تقاطعهم، زفر عمر بضيق ثم استطرد بحنق قائلاً.. ودة وقته دة اوف.
لم تقدر شهد على منع إبتسامتها من الظهور، كان شكل عمر وهو غاضب ولأول مرة تشعر ان مظهره في الغضب مضحك، نظر لها عمر لتخفي ابتسامتها بسرعة، أبتسم لها بهدوء ثم قال وهو يغمز لها بطرف عينه.. جايلك تاني يا شهدى.
نهض بهدوء وارتدى ملابسه على عجالة ثم إتجه نحو الباب وفتح الباب وخرج، نزل وإتجه للباب ليفتح، بينما شهد سيطر فضولها عليها ونهضت وارتدت ملابسها بسرعة وسارت بسرعة وبرفق خلف عمر، هبطت وهي توزع انظارها لتتسع حدقة عيناها وهي ترى...!