logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





07-01-2022 09:50 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10

t22001_3721
4078
أمسكت "ليال" الفرشاة بشرود متنهدة وهي تفرد خصلاتها السوداء على ظهرها، ثم بدأت تمشطها ببطء، وفجأة وجدت الباب يُفتح بعنف ويونس يدخل بهمجية وقد نسي أن يُغلق الباب خلفه فأغلقه نصف غلقة دون قصد، ثم تقدم منها لينفجر غضبه المكتوم في وجه "ليال" كالشظايا القاتلة وهو يزمجر :
-عملالي فيها عروسة بجد يا بت انتي وقاعده في اوضتي اللي مكنتيش تحلمي تدخليها !!
أمسك الفرشاة من بين يداها عنوة ليرميها أرضًا بعنف ثم امسك ذراعاها معًا وعيناه تُطلق وحوش ليلها الأسود فتُصيب "ليال" بالفزع رغمًا عنها، ليهزها صارخًا بانفعال مفرط:
-عملتي كده لية!!؟ مين مسلطك عليا ردي
ردمت ليال خوفها وهي تجيب بصوت حاولت جعله ثابت:
-محدش مسلطني! أنت اللي مش فاكر اللي حصل يا يـ......
وضع كفه على فمها يضغط عليه ليكتمه بعنف وهو يهتف من بين أسنانه محذرًا:
-اياكي تنطقي أسمي اياكي، انا كنت يونس بيه او استاذ يونس وهفضل بالنسبالك كده
حركت رأسها بقوة محاولة التملص من بين قبضته، حتى أنزل هو يداه فانزلقت حروفها الشرسة من بين شفتاها بتلقائية وهي تتحداه الرفض:
-مبقتش يونس بيه، بقيت يونس وبس، يونس جوزي سواء رضيت او مرضتش
كلما ذكرته بعجزه وضعف موقفه.. كلما ذكرته أنها أخذت مكان لم يكن لها يومًا، شعر أن الجنون ليس ذرة مما يشعر به، وباتت تصرفاته مجرد خيط تتلاعب به شياطينه!!...
فصول رواية احتيال و غرام

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

في قصر واسع ينم عن الرفاهيه التي أمتلكها أصحابه...
جلس بدر الجمّال مشدود الوجه متجهم وكأنهم يغرزون وتدًا بقلبه أمام المأذون الذي كان يعقد قرانه على كتلة الغرور ذات الخصلات النارية، تلك الفتاة التي يكرهها ويمقت كل صفاتها أيسل الرافعي...

ظل يراقب ملامحها عله يجد بها حزن او إنكسار ولكنها كانت ثابتة هادئة تحمل بريقًا غريبًا لا يدري مصدر توهجه أهي السعادة ام القهر المكتوم، ولكن على أي حال تبدو صامدة ليس وكأنها اُجبرت على هذه الزيجة!..

عاد بذاكرته لذلك اليوم الذي طلبت فيه والدتها أن يتزوج أبنتها...

فلاش باك
-قولي يا ست فاطمة شغل إيه؟
قالها بدر بتركيز مُسلطًا سوداوتاه على السيدة الحنون التي ربت أيسل بعد أن وجدتها شريدة في الشارع دون أهل...!
تنهدت فاطمة متفحصة كامل هيئته، بدءًا من شعره الاسود الغزير الناعم وسمار بشرته الرجولية الحادة، هبوطًا لجسده الطبيعي بالنسبة لرجل في منتصف الثلاثينات من عمره..!
ثم قالت بنبرة عملية جافة:
-انا كنت عرفت في مرة إنك عليك ديون، وتقريبًا أنت بتحاول تسدها، صح؟

اومأ برأسه على مضض دون رد، وعاد ينظر لها بأعين تنبض حدة قبل أن يسألها:
-وده إيه علاقته بالشغل اللي حضرتك قولتي عليه؟
قالت دون مقدمات:.

-مهو الشغل ده إنك تتجوز أيسل وفي المقابل هساعدك تسد ديونك، لازم تكتب كتابك عليها وإلا بنتي هتضيع مني، أهلها اللي رفضوا يقابلوني زمان عشان ياخدوا بنتهم اللي تاهت، جايين دلوقتي لما شافوها يفتكروا إن ليهم بنت كبيرة وحلوة عشان يشغلوها معاهم في الكباريه المقرف اللي هما شغالين فيه وبيهددوني يجبولي البوليس ويقولوا اني خطفاها من زمان لما كانت طفلة 4 سنين!

لم يبدو لها بدر متأثرًا كثيرًا إذ ظل محافظًا على جفاف ملامحه من شتى التعبيرات...
لتتابـع بنبرة حملت توسلًا خافتًا:
-ماقداميش حل غير ده، ساعتها حتى البوليس مش هيقدر يعملهم حاجة
رفع بدر كتفاه معًا وقال مستنكرًا بنبرة أجشة:
-حضرتك ماشاء الله مش ناقصة فلوس وممكن أي حد من معارفك يخلصلك الحوار ده!

هزت رأسها نافية بشيء من اليأس:
-لأ، انا ماضمنش يا بدر، مش كل حاجة بتمشي بالفلوس! دي بنتهم فعلاً وممكن يثبتوها عليا إني خطفتها زمان وخبيتها عنهم وياخدوها من حضني ساعتها ممكن يجرالي حاجة
لانت ملامح بدر نوعًا ما وكأنها استطاعت إمالة عقله الجامد بمبرراتها، فسألته بلهفة:
-ها قولت إيه؟ هتساعدني وأساعدك، وهيبقى مجرد كتب كتاب وجواز ظاهري بس لمدة قليلة جدًا!

ثوانٍ من الصمت مرت ولسانه ثقيل بحروف تتنازع نزعًا للخروج من بين شفتاه المشدودة بقسوة وهو يبتسم ساخرًا في استنكار:
-ويا ترى الهانم الصغيرة عارفة إنها هتتجوز نجار بيجي يشتغل في القصر بتاعهم؟
زفرت مطولة بعمق، وببسمة حانية على ذكر سيرة أيسل أردفت بهدوء:
-متقلقش، أنا بعمل ده لمصلحة أيسل وهي هتفهم ده كويس
نهضت مقتربة منه تربت على كتفه برفق، ثم لانت نبرتها كثيرًا وهي تخبره:.

-خد وقتك في التفكير يا بدر، وحقك ترفض بس افتكر إن أنا محتاجة مساعدتك
اومأ بدر موافقًا برأسه، ثم نهض يعدل من ملابسه مغمغمًا بصوت أجش:
-بعد اذنك يا ست فاطمة
ثم غادر بصمت تام تتابعه فاطمة بعيناها، ذاك الرجل منذ أول يوم رأته وهو يثير إعجابها بشخصيته الرجولية الجذابة المنغلقة، الغريبة الحازمة!
يبدو كجوزة الهند قاسية خارجيًا ولكنها لينة، لينة جدًا من الداخل...

وبما أن مُدللتها الصغيرة تعشق الصعوبات والتحديات لم تجد سوى ذلك الجلف لتُعجب به وهو الذي لا يعيرها أدنى اهتمام..!

عودة للواقع
صوت المأذون الهادئ نجح في إنتشاله من عمق الذكريات وهو يقول:
-اتفضل حضرتك امضي
وبالفعل أمسك بالأوراق متنهدًا بقوة، ليُنهي كل شيء، هو قد قرر وانتهى الامر..!

وما إن إنتهت مراسم كتب الكتاب حتى صدحت الزغاريد عن بعض العاملات بالقصر..

فتنفست أيسل بصوت مسموع مغمضة عيناها، من المفترض أن تكون سعيدة، لقد أصبحت زوجة الرجل الذي زار أحلامها مرارًا وتكرارًا ليزيدها تيممًا به، وفي ذات الوقت يؤلمها قلبها لأنها تتزوج بتلك الطريقة وبسبب الاشخاص الذين هم من المفترض أهلها، فما عادت تشعر بأي شيء، وكأن كل شعور ناقص فلم تعد تستطع ترجمة أي شعور..!

غادر المأذون والشهود، لينهض بدر شامخًا برأسه يهتف بخشونة:
-أنا هاخرج شوية يا ست فاطمة اظبط حالي زي ما اتفقنا
-تمام، وشكرًا يا بدر
قالتها فاطمة ثم اومأت برأسها موافقة بقلة حيلة وهي تراقب ملامح أيسل التي تشنجت وكأن احدهم يعتصر قلبها بقبضة الغيرة الدامية..!
رفعت فاطمة رأسها تلحق بـ بدر قبل أن يغادر لتردف بهدوء:
-طب اقعد أنت وأيسل الاول يا بدر عشان لو عاوزين تتكلموا في أي حاجة.

دقيقتان تقريبًا استغرقهم بدر في التفكير ليومئ برأسه متقدمًا من أيسل التي كانت تضع قدم فوق الاخرى وتنظر لأصابعها المتشابكة بصمت، ليخترق صوته الرخيم عزلتها وهو يخبرها:
-يلا!

بالفعل نهضت بهدوء قاتل تتقدمه متوجهة نحو احدى الغرف الفارغة، دلفت هي اولًا وهو خلفها، ثم جلست أيسل على الكرسي تضع قدم فوق الاخرى كعادتها، دون أن تلحظ تلك العينان السوداوتان التي تراقبها مستنفرة من تلك الحركة التي تُرجمت له على نحو الغرور!.

جلس هو الآخر أمامها، ليبدأ بدر كلامه هاتفًا بصوت أجش ثابت وعيناه تلتقط نظراتها المستكينة بخواء غريب...
-اولاً ده وضع مؤقت اجباري وهيعدي لكن لازم نحط النقط على الحروف عشان الوقت ده يعدي بدون مشاكل.
اومأت أيسل برأسها، وملامحها تنبض بالتساؤل قبل لسانها وهي تردد ببرود:
-عارفه كل ده، ادخل في الموضوع على طول يا بدر.

إستفزه برودها وحدتها فراح ينتقد أول شيء يرفضه تمامًا في ذلك المزيج الغريب من الهدوء والرقة والحدة:
-اولاً اللبس الضيق ده تنسي إنك تلبسيه طول ما إنتي على ذمتي
قال كلامه مشيرًا للبنطال الضيق الذي ترتديه، فأومأت هي برأسها ساخرة بتلقائية:
-طبعًا طبعًا أومال.
-أنا مش بهزر، ومفيش داعي للبواخة والسخرية دي!

غمغم بها بحروف مشدودة بالغضب، فظهرت ابتسامة ساخرة على وجهها وإندثر خواء عيناها وتلك الغيرة الهوجاء تبعثره محتلة ساحة عيناها، لتستطرد بشراسة:
-أنت مايخصكش أصلًا ألبس إيه، الكلام ده تقوله للهانم اللي بتحبها اللي مش قادر تستنى على بُعدها وعايز تجري تروحلها وكتب الكتاب معداش عليه ١٠ دقايق!
ثم نهضت والغيرة تتبلور في نظراتها الشرسة لتتابع محاولة الثأر لكرامتها:.

-وياريت تفضل فاكر الكلمتين اللي أنت لسه قايلهم، ده وضع مؤقت إجباري
كادت تسير لتتخطاه ولكن يده حالت دون ذلك، فقبض على ذراعها بقوة يوقفها ناهرًا إياها بسيل من الغيظ تدفق بين حروفه:
-انتي عارفه انا كام سنة؟ انتي ٢١ وانا ٣٣ ياللي مبتحترميش كبير ولا صغير!
-ايه يعني ١٢ سنة مش حوار
تمتمت بها ببرود حافظت عليه، فنظر لها من أعلاها لأسفلها متجاهلًا استفزازها، ليتابع بصوته الأجش:.

-ولما تكوني بتتكلمي مع حد لازم تتعودي تحترميه وخصوصًا جوزك، أنا مش موظف عندك يا هانم هترميلي كلمتين وتمشي!
رفعت حاجباها ساخرة باستنكار باندفاع وحدة غير مقصودين:
-فعلًا؟ متأكد من الحتة دي؟
كان متيقنًا، ستظل طيلة تلك الفترة اللعينة تذكره أنه النجار الذي يعمل في خدمتهم...!
ضغط بيده على ذراعها أكثر، وهو يحدق فيها، لمحت تلك الإهانة تنحر كبريائه بين أغوار عيناه التي أصبحت أشد ظلمة وقسوة...!

ففتحت فمها تحاول التبرير بحروف مشتتة، ونظرة عيناه تشعرها أنه ذئب يعج عويله نظراته ولا يغادر حنجرته:
-أنا، آآ يعني بص أنا كنت...
فخرج صوته هادئًا وكأن الكون يخلو من أي اصوات سواه، وحادًا وكأنه شفرة لامعة:
-إنتي واحدة والدتها كانت مفكره إنها كده بتدلعها وبتعوضها لكن هي في الحقيقة فشلت في تربيتها!
تناثر إعتذارها مع مهب الريح وراحت تستمر في عنادها وترفعها عن اخطاءها:.

-أنا ولا مدلعه ولا متربتش انا اتربيت كويس غصب عن أي حد، وانا مش طفلة وعارفه كويس أنا بقول إيه بس أنت اللي عايز تتكلم وتتنطر ومحدش يرد عليك.
حاولت نزع ذراعها من بين قبضته بالقوة، فاصبحت أمامه ليعود هو ويجذب يداها معًا بقوة خلف ظهرها، ثم اقترب منها حتى أصبح ظهرها ملتصق بصدره، ليقترب من اذنها هامسًا بخشونة لاذعة وكرهه لها يتضخم بين ضلوعه:.

-إنتي طفلة بالنسبالي، وطفلة مش متربية كمان وأنا اللي هاربيكي وهعرفك ازاي تتعاملي مع الكبار وتبطلي النفخه الكدابة اللي انتي فيها دي!

لم تنتبه لأي كلمة مما قالها، تلك الحرارة التي تسكن جسده من الغضب والانفعال، ألهبت مشاعرها الفوضاوية بمجرد أن شعرت بها، أنفاسه، رائحة عطره، للحظة شعرت أنها تستطيع ترجمة شعورها، أنها مطمئنة مغمورة العواطف بين أحضانه، مجروحة المشاعر من كرهه نبذه ونقده المستمر لها، مجروحة الكرامة لشعورها انه مجبر على ذلك الزواج، تغار بجنون من حبه لأخرى، وقلبها يتلوى لوعة كلما تذكرت أن كل ذلك بسبب والديها الجشعان..!

إنتبهت له حينما دفعها بعنف بعيدًا عنه، لتحجب خصلاتها الحمراء الطويلة المجعدة الرؤية عن عيناها، فأكمل هو بنفس العنفوان الذكوري:
-وبالنسبة لشعرك أنا مقدرش أجبرك على الحجاب، لكن طول ما انتي برا شعرك ده يبقى ملموم
فرددت بنبرة أبية لا تتطابق مع لحن الرضوخ الذي يطمح له:
-ولو معملتش كده هتعمل إيه يعني!؟

فاقترب هو منها ليتلمس الجزء القليل الذي ظهر بسبب الحركة من بطنها أسفل التيشرت القصير، فارتجفت بعنف ما إن شعرت بملمس كفه الخشن على جلدها وكأن لمسته تفاعلت مع عاطفتها الحارة فأحرقتها...
و تلك الرجفة وصلته بشكلٍ ما مرسلة له شعور لحظي غريب تأججت فيه غريزته الذكورية، ليعيد نظرته للجمود وهو يستطرد بتوعد قاسٍ:.

-طالما إنتي عندك استعداد إن أي راجل يشوف جسمك متفصل كده وممكن يبان منه قدام اي حد كمان، يبقى لو شوفتك لابسه كده صدقيني هتلاقيني قطعت الهدوم دي وما هيهمني أي حاجة! فضيحة بفضيحة.

لم ينتظر ردها بل غادر تلك الغرفة متنفسًا الصعداء، يلعن ذلك اليوم الذي وافق فيه على تلك الزيجة، بينما هي تبتلع ريقها بقلق متساءلة بحسرة، هل هي رخيصة تتعمد إظهار جسدها لتلك الدرجة بنظرة؟..

****
على الطرف الآخر في احدى قرى الصعيد...

جلست ليال بتلك الغرفة بمفردها تنظر لنفسها في المرآة، تتحسس تلك العباءة البرتقالية المُطرزة التي بدت وكأنها صُنعت لها خصيصًا، اليوم ستُزف عروس للرجل الوحيد الذي عشقته، مقسومة هي نصفين، نصف سعيد يرقص فرحًا بما استطاعت فعله، ونصفها الآخر تصدعت فيه تلك السعادة كلوح ثلج مزقته تصدعات قاسية وهي تتذكر ما فعلت بأنانية لتحصل على حبها...

تنهدت بعمق وهي تبتسم ساخرة، صدق حدسها، فقد كان يونس متجاهلها تمامًا منذ ذلك اليوم المشؤم، لا يوجه لها أي كلمة إلا اذا كان احدهم متواجد، وقد أخبروا أهل البلد أن يونس كان قد خطب احداهن وجاء بلدته ليتزوجها عليها وسط أهله...

أمسكت ليال الفرشاة بشرود متنهدة وهي تفرد خصلاتها السوداء على ظهرها، ثم بدأت تمشطها ببطء، وفجأة وجدت الباب يُفتح بعنف ويونس يدخل بهمجية وقد نسي أن يُغلق الباب خلفه فأغلقه نصف غلقة دون قصد، ثم تقدم منها لينفجر غضبه المكتوم في وجه ليال كالشظايا القاتلة وهو يزمجر:
-عملالي فيها عروسة بجد يا بت انتي وقاعده في اوضتي اللي مكنتيش تحلمي تدخليها!

أمسك الفرشاة من بين يداها عنوة ليرميها أرضًا بعنف ثم امسك ذراعاها معًا وعيناه تُطلق وحوش ليلها الأسود فتُصيب ليال بالفزع رغمًا عنها، ليهزها صارخًا بانفعال مفرط:
-عملتي كده لية!؟ مين مسلطك عليا ردي
ردمت ليال خوفها وهي تجيب بصوت حاولت جعله ثابت:
-محدش مسلطني! أنت اللي مش فاكر اللي حصل يا يـ...
وضع كفه على فمها يضغط عليه ليكتمه بعنف وهو يهتف من بين أسنانه محذرًا:.

-اياكي تنطقي أسمي اياكي، انا كنت يونس بيه او استاذ يونس وهفضل بالنسبالك كده
حركت رأسها بقوة محاولة التملص من بين قبضته، حتى أنزل هو يداه فانزلقت حروفها الشرسة من بين شفتيها بتلقائية تتحداه الرفض:
-مبقتش يونس بيه، بقيت يونس وبس، يونس جوزي سواء رضيت او مرضتش.

كلما ذكرته بعجزه وضعف موقفه، كلما ذكرته أنها أخذت مكان لم يكن لها يومًا، شعر أن الجنون ليس ذرة مما يشعر به، وباتت تصرفاته مجرد خيط تتلاعب به شياطينه!..

دفعها بعنف للخلف وهو ممسكًا ذراعها فسقطت على الفراش شاهقة من المفاجأة، لتجده يميل هو بكليتيه عليها حتى أصبح فوقها دون أن يمسها، مقتربًا منها كثيرًا أنفاسه المشتعلة بغضب أسود تصفع بشرتها القمحية، وعيناه السوداء التي تصرخ بالغضب كانت في مواجهة خضار عيناها الغامق...
ليدب على الفراش بجنون بيداه من حولها وهو يصرخ بصوت عالي نسبيًا:.

-هتنطقي وتقولي حقيقة اللي حصل غصب عنك مش بمزاجك وانا وانتي والزمن طويل
كان تنفسها مضطرب وعالي، قُربه بهذه الطريقة يُذيبها ويُذيب قوتها الوهمية، يُذيب الأنثى التي تتمنى لحظة قرب واحدة، ودقات قلبها تفضحها فتدوي لتُحيي السكون باهتياجها...
-ابعد يا يونس
قالتها بصوت مبحوح تقاوم تلك العاطفة المتدفقة بحرارة والتي بعثرت مكنونات صدرها، ليدب هو على الفراش مرة اخرى مغمغمًا بغيظ:.

-قولت يونس بيه متنسيش نفسك يا بيئة
فراحت تردد بعناد قاصدة استفزازه:
-يونس يونس يونس يونس يونس
وفجأة وجدته يُزيح بيداه الطرحة الصغيرة التي كانت ملفوفة عند عنقها، فلم تلحق الاعتراض إذ وجدته يدفن وجهه في رقبتها بغتةً وشفتاه قد أحرقتها حينما مستها للحظة، للحظة فقط، فشعرت برعشة عنيفة في تلك اللحظة حينما شعرت بملمس شفتاه الغليظة على رقبتها...

تكومت حروفها في حلقها عاجزة عن النطق، وكأنها اصبحت مُلقاه بين جحيم من المشاعر التي تختض داخلها بعنف...
ليبعد هو في الدقيقة التالية ينظر عند الباب ليجد أن الخادمة التي كانت تراقبهم قد رحلت، فعاد ينظر لـ ليال التي كانت مغمضة عيناها ويداها تقبض على شرشف الفراش بعنف...

فعقد ما بين حاجباه وهو يحدق بها بصمت دون أن يشعر أنه يدقق النظر لها بدءًا من رموشها الكثيفة المشتدة حول جفناها، هبوطًا بملامحها الصغيرة القمحية وشفتاها الصغيرة ككل شيء فيها و...
استفاق سريعًا لنفسه فنهض مبتعدًا عنها وهو يتابـع بصوت أجش:.

-اوعي تفكري إني عملت كده عشان جمال عيونك، أنا اصلاً بقرف منك، ده بس عشان البنت اللي بتشتغل هنا جات وكانت واقفة قدام الباب وأحنا مش ناقصين فضايح وبلاوي تانية بسبب خدامة زيك!
تبخرت سطوة العواطف وقد أصبحت كرامتها جمرة تتفاقم لتنطلق من بين حروفها وهي تنهض مقتربة منه لترد عليه بنفس الحدة ولكنها هادئة:
-كداب يا يونس، ماتقدرش تنكر إني بأثر فيك كأنثى ولو بنسبة واحد في الميه!

كلما حاول حجم غضبه جاءت لتبعثره بكل غباء...
أمسك ذراعها ليلويه خلف ظهرها بعنف ويصبح ظهرها ملاصقًا لصدره وهو يلقي إهانته المتعمدة عند اذنها ببحة رجولية حادة غاضبة:
-أنتي مش انثى اصلًا
ثم وقعت عيناه على شعرها الذي كان تمشطه، تعيش بكل أريحية بينما هو يتلوى بمرارة الفراق اللاذعة!..

في اللحظة التالية ودون شعور كان يفتح الدرج بيد ويُكبلها باليد الاخرى، فأخرج مقص ليترك يدها ويمسك خصلاتها معًا بعنف جعلها تتأوه متألمة وهي تصيح فيه:
-سيب شعري يا همجي بتوجعني
ولكنه لم يتركه بل دون مقدمات قصه بغل حتى أصبح قصير نسبيًا وهو يزمجر بحقد وصلت رائحته لها بوضوح فمزق احشائها:
-و آدي شعرك اللي فرحانة بيه وبطوله وعماله تسرحيه، أتمنى تكوني مبسوطة.

ثم ألقى المقص ارضًا وخصلات شعرها المقصوصة أيضًا، بينما هي مبهوتة مكانها تحدق بخصلاتها السوداء الطويلة التي داسها وهو يمر ليهمس لها بقسوة سقطت عليها كالسياط:
-ملهوش أي قيمة رخيص واخره تحت رجلي، زيك بالظبط!
ألهذه الدرجة يكرهها ويود فعل أي شيء فقط ليؤلمها، بل ألهذه الدرجة أوجعت قلبه هي..؟!

في القصر الذي تقطن به أيسل...
كان بدر في حديقة القصر ينوي المغادرة حينما أتاه الاتصال من مريم، تلك الفتاة التي كان يهيم بها عشقًا فتقدم لخطبتها وبالفعل اصبحت خطيبته ولكنه إنفصل عنها بعد فترة بسبب التصادم الذي حدث في الماضي وفرق بينهما، ولكنه عاد قريبًا منها حينما شعر أنها على وشك الإنهيار وحيدة...!

أجاب على الهاتف بصوت هادئ متزن:
-ايوه يا مريم
أجابته بصوت مبحوح تسأله:
-أنت فين يا بدر؟
-منا قولتلك يا مريم هبقى مشغول بخلص كل مشاويري عشان الفترة اللي هقعدها في القصر معاهم، مش فهمتك كل حاجة؟!
سمع صوتها الذي اختنق بشرنقة بكاء وهي تردف باستعطاف متعمد:
-كده يا بدر من أولها هتسيبني قاعده لوحدي كتير عشانها! امال لو كان جواز بجد كنت عملت إيه، انت عارف إني بكره الوحدة، بدر ماتسبنيش لوحدي عشان خاطري.

أغمض عيناه متنهدًا بصوت مكتوم، تستغل مشاعره نحوها لتُلين قلبه بإنهيارها الزائف...!





فقال بعدها بحنو:
-حاضر يا مريم، هعرف الست فاطمة بس وهاجي ابات في المنطقة عندنا مش هبات هنا
لم تخفى عنه لذة الانتصار التي صاحبت جملتها وهي تتشدق بـ:
-تمام، مستنياك متتأخرش عليا
-متقلقيش، سلام
-سلام
أغلق الهاتف ويداه تغوص بين خصلاته السوداء الطويلة ليستدير ويعود لداخل القصر...

وقف أمام فاطمة يعد كلماته بحذر، ليهتف بجدية:
-انا متأسف يا ست فاطمة بس انا مش هقدر أبات هنا على الأقل ٣ ايام تاني
سألته فاطمة بلهفة عابسة:
-لية بس إيه اللي حصل يا بدر؟
بنفس الهدوء رد شارحًا كل شيء بصدق تغلغل حروفه:.

-البنت اللي كانت خطيبتي وبنت عمي في نفس الوقت واللي هي تعتبر كل عيلتي زي ما قولتلك، لسه مش متهيئة نفسيًا لفكرة إني ابعد عنها ولو مؤقتًا، فـ انا مضطر أمشي ولو حصل أي حاجة بتليفون واحد تلاقيني عندك
عقدت فاطمة ما بين حاجبيها بقلق ومن ثم أستطردت مستنكرة:.

-تمشي ازاي بس، وافرض جم في اي وقت ومعاهم البوليس، وكمان الموضوع لازم يبان قدام الناس طبيعي عشان لو الشياطين دول فكروا يسألوا او يعملوا اي حاجة ويتنصحوا علينا، دول هيعملوا أي حاجة عشان ياخدوها مني
هز بدر رأسه بأسف، وقال:
-انا عارف ومقدر خوف حضرتك، بس انا كمان خايف على مريم خصوصًا إنها تعبانة نفسيًا شوية الفترة دي.

للحظات صمتت فاطمة تفكر في حل لتلك المعضلة، هي لا تريد أي ثغرة في الموضوع ولن تترك أي شيء للحظ...!
تشدقت بنبرة حازمة قطعت بها الصمت:
-خلاص يبقى تجيبها تعيش معانا التلات اسابيع دول، القصر واسع ويسع من الناس الف!
لا ينكر، تفاجئ باقتراحها الذي لم يخطر بباله اطلاقًا، ولكنه يعد حل اوسط..
فنطق بما يُقلقه من ذلك الاقتراح:
-طب والناس؟ وبنت حضرتك تفتكري هتقبل بالوضع ده؟
لم تحتاج فاطمة وقتًا للتفكير فقالت:.

-الناس هنقولهم إنها اختك مش ازمة
ثم تنهدت بقوة، تتخيل القهر الذي سيسقط على صغيرتها كدلو ماء بارد قاتلًا مشاعرها الحارة المتدفقة..!
ثم تابعت بنبرة يائسة قليلة الحيلة:
-وأيسل انا هقولها وهتكلم معاها متقلقش، ماقدمناش حل إلا ده
اومأ بدر مؤكدًا برأسه، ليتنحنح بخشونة بعدها:
-طب هستأذن حضرتك همشي انا بقا وبأذن الله هجيب مريم ونيجي بليل.






اومأت فاطمة برأسها موافقة على مضض، ليغادر بالفعل بينما هي جالسة تفكر كيف ستصدم أيسل بما سيحدث...

بعد فترة وصل بدر العمارة التي يقطن بها هو ومريم، كلاً منهما في شقة صغيرة بمفرده..
طرق الباب منتظرًا أن تفتح له، وبالفعل فتحت له ليدلف فأغلقت الباب خلفه ودون مقدمات إرتمت بين أحضانه تحاوط خصره بقوة، تصنم هو لدقيقتان يحاول إيجاد رد الفعل المناسب الذي يرضي عقله ويرضي جنونها، ولكن سطوة عواطفه في تلك اللحظات كانت أقوى من عقله لتخضعه لها فضمها هو الاخر بقوة له...

رفعت رأسها بعد دقائق تحدق به مدققة النظر لسواد عيناه العميق، لتحاوط وجهه الأسمر بكفيها البيضاوان ومن ثم تهمس بهدوء شديد:
-بدر، اوعى تنسى أنت اشتغلت عندهم لية ووافقت تتجوزها لية اصلًا يا، أنت بتعمل كده عشان تنتقم ليا منها، اوعى تنسى ده.

اومأ بدر مؤكدًا برأسه بصوت أجش جامد يُهدئ شياطينها التي تجن بتلك الرغبة الانتقامية:
-متخافيش مش ناسي، مش ناسي ومش هنسى إني بعمل كل ده عشان تنتقمي منها يا مريم!

تااااابع اسفل
 
 

تم تحرير الموضوع بواسطة :زهرة الصبار بتاريخ:07-01-2022 10:01 مساءً




look/images/icons/i1.gif رواية احتيال و غرام
  07-01-2022 10:03 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

صباح اليوم التالي
وصل كلاً من مريم و بدر، وقد كانت مريم تحاوط ذراع بدر بقوة وكأنه سيهرب منها في أي لحظة، وما إن اقتربا من بوابة القصر حتى استوقفته مريم للحظة تهمس له بقلق مصطنع:
-بدر انا خايفة
فربت على ذراعها بحنان فطري وهو يخبرها:
-متخافيش طول ما أنا معاكي
-خليك جمبي طول ما احنا جوه اوعى تسبني لوحدي معاهم
قالتها بنفس النبرة التي تجد صداها بين ثنايا قلبه الحاني والذي لطالما كان مضجع عشقه لها...

-حاضر متقلقيش
قالها وهو يومئ مؤكدًا برأسه، وبالفعل دلفا سويًا للقصر، ليجدا أيسل ووالدتها تجلسان بصمت وكأنهما منهكتان بعد نقاش حاد...

وقفت فاطمة تزفر بعمق ما إن رأتهما، للحظة تخيلت إختفاء بدر بسبب تلك الفتاة وما يليه من مصائب فشعرت بجسدها كله يثلج بشعور بارد قاسي من الذعر...
حاولت رسم ابتسامة هادئة على ثغرها وهي تردد بترحيب:
-اتفضلوا نورتوا.

في البداية كانت عينـا مريم على أيسل، تتفحصها بدقة غير مبالية بمن حولها، الحقد أظلم عيناها كغيوم مُلبدة، اقترب إنتقامها كثيرًا، اقترب ذلك اليوم الذي ستقتلع فيه روحها لتحاوطها بشبح حقدها الأسود الذي لن يفارقها يومًا حتى يُزهقها...!
استدركت مريم نفسها سريعًا، لتقترب من فاطمة راسمة تلك الابتسامة البريئة المُستهلكة في خداع بدر، ثم قالت برقة:
-ده نور حضرتك، ازي حضرتك يا طنط؟

اومأت فاطمة برأسها متمتمة برفق:
-بخير يا حبيبتي، ازيك انتي؟
-الحمدلله بخير
ردت في هدوء ثم ظهر الحرج مستلًا قيادة تعبيراتها الماكرة وهي تغمغم بصوت منخفض نوعًا ما:
-أنا عارفة إني هتقل عليكم الفترة دي، أسفة بجد لكن والله حاولت اتأقلم على إني افضل لوحدي بس مقدرتش
فهزت فاطمة رأسها نافية بسرعة:
-لا طبعًا ما تقوليش كده، أنا اكتر حاجة تفرحني إن ضيف يجي بيتي.

تلوى ثغرها بتلك الابتسامة المصطنعة، ثم اقتربت من بدر الذي كان واقفًا بصمت لتحاوط ذراعه مرة اخرى ولكن هذه المرة بتملك ازداد ثورانًا وتأججًا في وجود غريمتها، لتتابـع بعدها بمكر انثوي:
-اصل انا وبدر مش بنسيب بعض ابدًا طول اليوم إلا لما يروح الشغل، فمبقتش بقدر أقضي يوم من غيره
اومأت فاطمة بشبه ابتسامة مُجاملة وهي تردد:
-ربنا يخليكم لبعض
-يارب.

بينما أيسل كانت تحدق بهم بعينان مشتعلتان بجحيم الغيرة الذي أهلكت فقاقيعه روحها..!
ثم نهضت تنوي المغادرة إلا أن مريم استوقفتها قائلة ببرود خبيثة:
-انتي بقا أيسل صح؟
استدارت لها أيسل تعقد ذراعاها معًا وهي ترمقها بنظرة ذات مغزى مجيبة بنفس البرود:
-ايوه أنا أيسل صاحبة القصر اللي إنتي واقفة فيه ده
تلوت ملامحها كجلد الثعبان لتتغير للتأثر المصطنع وهي تتشدق بـ:.

-كان نفسي نتقابل في ظروف أحسن من كده، انا عارفة إنك مضايقة إنك اضطريتي تجبري حد يتجوزك، لكن فعلًا مفيش حل غير ده، انا لو مكانك كنت عملت كده!
اقتربت منها أيسل بخطوات بطيئة، ترميها بنظرة حادة شعرت بها تنخر عظامها من قسوتها، لتردف بحروف بطيئة قتلت تلك الهالة من البرود التي كانت تحاوطها لتظهر باطنها الذي يغلي كالمرجل:.

-مش أيسل الرافعي اللي تجبر حد يتجوزها، اديكي قولتي أنتي مش انا! إنما أنا أخلي أي راجل يتجنن عشان يتجوزني مش العكس
حينها تدخل بدر في الحوار مغمغمًا بنبرة رجولية عميقة ونظراته المُظلمة مثبتة على أيسل:
-أي راجل مش انا يا أيسل هانم!
تأرجحت نظراتها ما بين السخرية والغضب، تشعر بالتحدي يغرس مخالبه في أعمق نقطة داخلها.

ثم اومأت برأسها بكلمة كانت بمثابة قسم سيظل معلقًا بينهما حتى يصبح قلبه بين قبضتها فيسقط ذلك القسم:
-هنشوف يا بدر
ما إن أنهت كلمتها حتى إنصرفت لم تنتظر كلمة اخرى، بينما فاطمة حاولت التبرير بكلمات مقتضبة:
-انتوا اكيد عاذرين أيسل، اللي بيحصلها كله مرة واحدة مش شوية!
اومأت مريم برأسها مؤكدة وبابتسامة مُجعدة يكاد الحقد ينفجر من بين ثناياها ردت:
-اه طبعًا يا طنط، ربنا يقويها على ما بلاها!

على الجهة الاخرى
جلست ليال في الحجرة التي تقطن بها دومًا، شبه وحيدة تحارب أفكارها المذبذبة التي لم تجد سواها حاضرًا...
للحظات تأن كرامتها وذلك الرفض ينحرها، وفي اللحظات الاخرى يكتم قلبها ذلك النزيف رافضًا الاستسلام لتيار العقل...
تخشى الاستسلام للعقل فتسير في طريقه لتصل لمنتصفه وحيدة شريدة ممزقة بنصل الندم؛ الندم الذي لن يتركها حتى يُطفئ بريق روحها كما فعل بوالدتها تمامًا...!

قطع شرودها الباب الذي فتحته ورد ابنة عم يونس، التي اقتربت منها بابتسامتها التي تشع بهجة وهتفت:
-ازيك يا ليال؟
سرقت ليال ابتسامة من ضجيج الذكريات لترد بخفوت:
-الحمدلله تمام، إنتي عامله إيه؟
-الحمدلله
جلست جوار ليال على الفراش، ثم امسكت يدها لتردف بحماس أصابت شعلته كومة اللامبالاة داخل ليال:.

-بصي انا عارفه إن لما اتجوزتوا انتي ويونس معملناش حنة، فـ بنات العيلة تحت هيجيبوا واحدة بترسم حنة حلوه اوي إيه رأيك تيجي معانا ترسمي؟
للحظة ترددت ليال، كادت ترفض وذاك الضجيج المؤلم داخل رأسها يتصاعد، ولكنها أسكتته حينما دوى صوت موافقتها لتعلن:
-اشطا ياريت
إتسعت ابتسامة ورد وكادت تنهض ولكن ليال أسرعت ممسكة بيدها وتابعت بشيء من التردد:
-ورد هو انا ينفع اطلب منك طلب؟ أصلي بصراحة مليش كلام مع حد اوي هنا.

اومأت ورد برأسها مؤكدة بترحاب حار:
-طبعًا، اؤمري؟
رفعت ليال يدها تتلمس خصلاتها المقصوصة التي غطتها بـ حجاب صغير، لتتنهد بقوة وكأنها تُحيي داخلها روح المقاتلة من أجل حبها والتي استكانت للحظات في ركن ما داخلها بخواء قاسٍ بعدما حدث...
-انا كنت عاوزاكي توديني الكوافير أقص شعري كيرلي وأصبغه؟
ثم هزت كتفاها معًا وأكملت بصدق:
-انا فعلًا من زمان نفسي أقصه كيرلي وكنت هعملها قبل ما أجي هنا، بس ماجتش فرصة بقا!

اومأت ورد بسرعة وهي تغمزها بمرح حلو:
-يا سلام ياستي غالي والطلب رخيص
ثم نهضت تحكم حجابها حول رأسها وتخبر ليال بحروف هادئة مُبطنة بالتحذير:
-انا هروح ألبس وانتي كمان إتصلي بيونس استأذنيه وإلبسي وهستناكي تحت
-تمام يا ورد
تمتمت بها ليال بصوت ناعم، لتغادر ورد بالفعل، فنهضت ليال تكشف الستار عن خصلاتها، ما آلمها ليست تلك الخصلات، لأنها لم تكن مهمة كثيرًا بل كانت ستقصها هي عاجلًا ام اجلًا..

تلك الليلة جاءت ومرت كالطيف، ولكنها خلفت بعدها شعور قاسي من النبذ والكره الذي لحن نبرة صوته والتي لازالت تتردد بأذنها حتى تلك اللحظة...!

نهضت بالفعل ترتدي ملابسها، وما إن إنتهت حتى أمسكت هاتفها لتتصل بيونس، ولكنه كالعادة رفض مكالمتها!.
زفرت بعمق ثم لوت شفتاها بغيظ:
-ماتردش أحسن، أنا عملت اللي عليا وخلاص
ثم نزلت من الغرفة لتلحق بـ ورد التي اصطحبتها اولًا للكوافير ثم عادوا ليجدوا تلك الفتاة التي ترسم الحنة بإنتظارهم...

بعد ساعات، وفي غرفة ليال ويونس
وقفت ليال أمام المرآة تنظر لنفسها بزهو، بدايةً من خصلاتها التي صبغتها بخليط ما بين لون لم يصل لصفار الشمس واخر لم يصل لبياض الثلج...!
ثم ذلك الفستان الرقيق الذي ترتديه والذي يصل حتى ركبتيها، يُعري كتفاها عن عمد حتى تبرز تلك الرسمة التي أبدعت الفتاة في رسمها، والتي كانت على كتفها وتصل لرقبتها...
كانت فاتنة، فاتنة لن تتوانى عن إغواء ذلك القديس الذي تزوجته!

على ذكر سيرته في خاطرها، وجدته يفتح باب الغرفة كعادته عندما يعود من عمله، أخذ ملابسه من الدولاب دون أن ينطق بحرف واحد، يشعر بتأنيب ضمير خافت لما فعله بها تلك المرة يصدح داخله ولكنه يكتمه متجاهلًا صداه...

كاد يتخطاها داخلًا المرحاض دون أن ينظر نحوها حتى، ولكنها مالت في وقفتها امام المرآة وهي تهتف بنبرة بطيئة ناعمة وخبيثة:
-إيه رأيك في النيو لووك ده بتاع شعري يا يونس؟
تحركت عينـاه تلقائيًا لتحدق بها، فسقط مظهرها عليه كمطرقة حديد ملتهبة الاشتعال...!
ولكنه تجاوز ذلك الشعور سريعًا لتحتد عيناه بنظرة تعرفها جيدًا حينما يعلن شيطان الغضب وجوده بعيناه، ولكنها أكملت ببرود وهي تتلمس خصلاتها:.

-شكرًا إنك قصتهولي انا كنت مكسله اروح اقصه وأنت حمستني كتر خيرك والله!
كز يونس على أسنانه بعنف حتى أصدرت صكيكًا حادًا، كان يحاول تمالك أعصابه بشق الأنفس، ولكنها زادت الطين بلًا كما يقولون حينما استطردت وهي تنظر له في المرآة وتميل بكتفها ببطء متعمد:
-شوفت كمان الحنة اللي رسمتها؟ حلوه صح؟
لم تتزحزح نظراته من عليها، تلك النظرة المُظلمة الخاوية المُفخخة بالغضب والكره..

ليقترب منها ببطء كالفهد الذي يتربص بفريسته، ثم خرج صوته اخيرًا أجش وهو يسألها:
-امممم حنة، ودي رسمتيها امتى بقا؟ والقرف اللي عملتيه في شعرك ده عملتيه امتى؟
ردت بلامبالاة بينما عيناها تراقبه بتحفز:
-النهارده لما أنت روحت الشغل خليت ورد توديني.

أصبح خلفها مباشرةً، يُقرب وجهه من رقبتها عن عمد، فاختض قلبها بعنف وهي تعض على شفتها السفلية تكتم اعتراضًا ربما يشعره بغروره الذكوري، بينما أنفاسه الساخنة مع حصاره لها بهذه الطريقة تفعل بها الأفاعيل...

اخترقت رائحتها أنفه دون عناء بمجرد أن اقترب منها، وتلك الرسمة وكأنها تستفز أصابعه ليتلمسها، شعور لحظي كرجل باغته ولكنه حجمه في نفس اللحظة بالكره الذي يسير في عروقه تجاهها...

نظر للحنة الموضوعة في طبق امام المرآة، ثم اقترب اكثر حتى يستطيع الوصول لها فأصبح ملتصقًا بها لتزداد حدة تنفسها، لن تستطع، لن تستطع المقاومة اكثر، إستعر لهب عواطفها في تلك اللحظات لتشعر بجسدها كله وكأنه مستوطن بالجمر...!

إندفعت تنوي الابتعاد ولكنه حاوط خصرها في نفس اللحظة بقوة ليُعيدها مكانها أمامه، ثم همس جوار أذنها ببحة رجولية خشنة:
-هشششش، اثبتي مكانك
أغمضت عيناها بقوة تبتلع ريقها، ولم تلحظ يداه التي امتدت لتأخذ تلك الحنة السوداء في يده، ثم لمعت عيناه بحقد ماكر وهو يسألها بهدوء:
-عجباكي الرسمة مش كده؟
اومأت مؤكدة برأسها، ثم فتحت عيناها تحاول إجبار صوتها على الخروج:
-ايوه، وابعد قولتلك قبل كده متقربش كده؟

رفع حاجبه الأيسر باستنكار مغمغمًا بنفس المكر:
-ليه؟ هو انتي مش عامله كل ده عشان أقرب؟
إتسعت عيناها بحرج من إعلانه لها صراحةً، فردت بأول اجابة قفزت لعقلها:
-لا طبعًا، أنا آآ، عامله لنفسي، لكن أنت، أنت متهمنيش!
-فعلًا؟
رددها بابتسامة متهكمة لا تمت للمرح بصلة، ثم اقترب اكثر ليشعر بتلك الرعشة العنيفة تهاجمها، ليهمس بصوته الخشن المبحوح الذي يثير داخلها مشاعر لم تخوضها قبلًا:.

-واضح اوي إني ماهمكيش؟ امال جسمك بيتنفض كده ليه؟ وليه عملتي التمثلية اللي عملتيها قدام الكل اليوم اياه؟
وفجأة وقبل أن تجيب رفع يده ينوي تلطيخ تلك الرسمة بالحنة التي في يده، ولكنها إنتبهت بسرعة فأمسكت يده بقوة قبل أن تصل لكتفها، ثم دفعته بعنف وهي تزمجر فيه بحدة:.

-لا بقولك إيه، بتعاملني بهمجية وعديتها، قصيت شعري وقولت ماله مايضرش، لكن تبوظلي الرسمة اللي انا متحنطة بقالي ٣ ساعات عشان أرسمها لاااا، هي سايبه ولا إيه؟!

كان ينوي الاقتراب منها مرة اخرى مُصرًا على إفساد تلك الرسمة ولكنها دفعت يده بقوة حتى سقطت تلك الحنة من يداه على الارض، فحدقت بها بانتصار وهي تتنفس بارتياح...
بينما هو جذبها من ذراعها بعنف قابضًا عليه ليتابـع هدير غضبه الذي تفجر من طي الكتمان:
-وحياة امك لوريكي مين الهمجي، هو انتي لسه شوفتي همجية؟ انا هاسود حياتك لحد ما اعرف مين اللي قالك تعملي اللي عملتيه وساعدك.

ثم دفعها بعيدًا عنه بعنف لتسقط على الفراش متأوهه، فاستدار هو لمغادرة الغرفة وهو يردد بنفس العصبية الهوجاء:
-ومفيش خروج من الاوضة دي ولا حد هيدخلك حتى
وبالفعل خرج وبدأ يُغلق الباب من الخارج بالمفتاح الخاص بالغرفة، فجلست هي على الفراش ممسكة بزجاجة الطلاء لتبدأ بطلاء أظافرها وهي تتمتم ببراءة:
-لا يا يونس، اوعى تقفل الباب يا يونس لا والنبي متقفلوش!

شعرت بخطواته الحادة تبتعد عن الباب فتركت زجاجة الطلاء وهي تتنهد بعمق، لازال الطريق أمامها طويل، طويل ومخضرم بالأشواك الضارية...!

في القصر
في غرفة أيسل كانت تنهي تصفيف خصلاتها النارية المُجعدة، اليوم ستذهب لتتقدم للعمل بأحدى الشركات واخيرًا بعد إنتظار طال...!

بينما في الخارج كان بدر يبحث عن مريم التي لم يجدها في الغرفة التي خُصصت لها، فقابل احدى العاملات ليسألها بقلق:
-مشوفتيش مريم يا نسمة؟
ضيقت الاخرى عيناها متمتمة:
-تقريبًا شوفتها داخله اوضة أيسل هانم
اومأ برأسه موافقًا بهدوء:
-تمام شكرًا
ثم أسرع بخطواته نحو غرفة أيسل، طرق الباب مرتان ولم يجد رد ففتح الباب دون مقدمات ليجد أيسل التي خرجت من المرحاض تجفف يدها وهي تصيح فيه بغيظ:.

-إيه ده هو أنت ازاي تفتح الباب كده من غير استأذان افرض بعمل حاجة؟!
تجاهل بدر ما سمعه عن عمد وهو يغمغم ببرود وعيناه تجوب الغرفة بحثًا عن مريم :
-كنت بدور على مريم ونسمة قالتلي إنها هنا تقريبًا
عقدت ذراعاها معًا ومن ثم أردفت بحروف غاضبة مُغطاه برداء البرود:
-لا الست هانم بتاعتك جت هنا بالغلط ومشيت.

دلف بدر داخل الغرفة، ثم رفع إصبعه في وجهها وقد تبدلت نبرته لتصبح مشدودة حادة لتسقط داخلها قاصدة تذكيرها بما تحاول إلقاؤه لأبعد نقطة عن عقلها، ثم بدأ يُحذرها:
-اسمها مريم مش الست هانم بتاعتي، وبعد كده تاخدي بالك من تعاملك معاها متقعديش تقوليلها صاحبة القصر وبلا بلا بلا! انتي اللي محتاجانا مش احنا اللي هنموت ونقعد في القصر بتاعك!

فضربت أيسل بقدمها المنضدة الصغيرة الموضوعة امام المرآة، صارخة بعصبية وقد نفذت أي ذرة تحكم كانت تحاول الحفاظ عليها:
-انا مش محتاجة لأي حد لا انت ولا البت بتاعتك دي!
بينما وهي تضرب المنضدة سقطت زجاجة العطر لتتهشم ارضًا ولم تعيرها أيسل اهتمام، فعاد بدر خطوتان للخلف وهو يشير بعيناه للأرضية التي تبللت بالعطر، ثم قال بجمود آمرًا:
-يلا يا شاطره روحي امسحي اللي وقعتيه
إتسعت عيناها بذهول، أيحاول تأديبها؟!

فهزت رأسها بعناد تضخم مستوطنًا عيناها، لترد بحدتها المعهودة:
-مش ماسحه! وأعلى ما في خيلك اركبه، اي حد هيجي يمسح دلوقتي
هز بدر رأسها نافيًا بنفس الهدوء الصلب الذي جعل كل خلية بـ أيسل تهتاج بالجنون:
-هتمسحي، طالما انتي اللي وقعتيها اتحملي اللي عملتيه وامسحيها، اللي هيمسحها مفيهوش ايد مش فيكي!
ثم أمسك مقبض الباب رافعًا كتفاه معًا بلامبالاة خبيثة:.

-وإلا، مفيش خروج من الاوضة لحد ما الارض تتمسح، ووالدتك مش في البيت ومفيش حد في البيت غير نسمة وتقريبا مشغولة يعني حليني عقبال ما حد يعبرك ويفتحلك الباب
ولم ينتظر لحظة اخرى بل أغلق الباب لتضرب هي الباب بجنون من الخلف منادية بهيستيرية:
-انا محدش يقدر يجبرني على حاجة مش عايزاها!
لم يجيب بدر بل ظل صامتًا، وبالفعل كما توقع استكان اهتياجها وكُتم صوتها...

لترتخي نظراته بلذة الانتصار، لن يكون بدر الجمّال إن لم يعيد تربية تلك الطفلة المُدللة من البداية...!

بينما في الداخل كانت أيسل تمسح الأرضية كما استطاعت، وللأسف لم تفيدها خبرتها المعدومة بشأن امور المنزل، تمتمت بنبرة شبه باكية كالأطفال وهي تحرك قطعة القماش يمينًا ويسارًا:
-وديني وما أعبد لوريك يا بدر، انا يخليني امسح الارض غصب عني!

تحرك صدرها صعودًا وهبوطًا تحاول طرد أشباح الغضب التي تظلل الرؤيا الشيطانية عن عقلها، ثم ابتسمت ابتسامة ماكرة خالية من المرح وهي تنهض متوجهة للمرحاض لتجلب زجاجة الصابون، ثم همست بصوت منخفض حتى لا يسمعها وهي تسكب من زجاجة الصابون على الأرضية امام الباب مباشرةً:
-إما كسرتلك ضهرك مبقاش انا
وما إن انتهت حتى رفعت صوتها وهي تقف مبتعدة عن الباب بمسافة:
-انا خلصت!

فتح بدر الباب وكما توقعت لم ينظر ارضًا بل دلف اولاً وما إن لامس حذاءه الارضية اللزجة بالصابون حتى تحركت قدمه بسرعة رغمًا عنه ليختل توازنه ويسقط ارضًا متأوهًا بألم...
فتعالت ضحكات أيسل التي أخذت تضرب كفًا على كف وهي تتردد بشماتة واضحة:
-ادي اخرة اللي يجي عليا.

ولكن لم تكتمل ضحكاتها إذ جذبها بدر من قدمها بعنف لتسقط ارضًا جواره وتتلطخ ملابسها بذلك الصابون وهي تمسك ظهرها صارخة بألم، تحرك هو ليطل عليها بجسده العريض دون أن يلمسها، ثم ضرب بيده على الارض بقوة وهو يزمجر فيها بصوت اشبه بزئير الاسد:
-شغل الاطفال ده تبطليه! دي قلة ذوق وعقل.

تباطئت أنفاسها وإنتفض كيانها كله من قربه المُهلك، ثم نظرت هي لعيناه نظرة ملكومة بالغيظ والغضب ولكن ذلك الغضب تلك المرة لم يتخطى حدود عيناها ولم يصل لحروفها التي اختنقت في حلقها حينما ثار واقترب منها محدقًا فيها بتلك النظرة التي تكاد تبتلعها...

ثم نطقت اخيرًا بصوت طفولي مبحوح:
-قولتلك مية مرة انا مش طفلة، واتفضل ابعد عني يلا!
بينما وهي تحرك يداها المُلطخة بالصابون، فدخل الصابون في عيناه فأغلق عيناه تلقائيًا وهو يبتعد عنها ولكنها أسرعت تقترب منه بسرعة وهي تضع طرف التيشرت الذي ترتديه على عيناه وتنفخ فيها بينما تردد بلهفة:
-سوري سوري المرادي مش قصداها والله أنت اللي رزقك واسع!

كانت قريبة منه جدًا دون أن تلحظ ذلك، للحظات اضطربت مشاعر بدر وهو يحدق بها بعينه الاخرى، مأخوذ هو في تلك اللحظات ما بين الصدمة والغيظ والحيرة، الحيرة من ماهية تلك الفتاة التي لا يعرف لها وصفًا!..

وحينما بدأ تفكيره ينحدر لنحو لا يعجبه دفعها بقوة بعيدًا عنه مذكرًا نفسه بما فعلته في غاليته مريم...
لينهض مرددًا بشيء من القسوة الغير مبررة والتي زرعتها فيه مريم:
-بطلي الشغل ده، واياكي تقربي مني كده ولا تمثلي إنك خايفة عليا انتي واحدة خبيثة!
ثم غادر الغرفة بسرعة، وكأنه يحارب، يحارب شيء مجهول داخله، بينما هي تلوم نفسها بشدة على مشاعرها التي فضحتها امامه بتلك السهولة...!

وقفت مريم في غرفتها أمام المرآة، تنظر لوجهها بصمت، ثم رفعت يدها لتزيل ذلك اللاصق الذي كان يغطي جزءًا واضحًا من وجنتها، لتظهر تلك العلامة الكبيرة التي توحي بأثر السكين التي مرت على وجنتها يومًا ما قاصدة تشويهها...!

لم تكن تلك مجرد علامة شوهت وجهها، بل في تلك العلامة يكمن حقدها، سواد روحها متجمعًا في تلك العلامة، ذلك اليوم لن تنساه طوال حياتها، وكأن حياتها توقفت عند تلك النقطة..!

رفعت إصبعها تتلمس تلك العلامة بأصابع مرتعشة، لتهمس بنبرة غلبها الكره والقهر:
-مش هسيب حقي، هاخد حقي منك يا أيسل والعلامة دي مش هشيلها قبل ما اخد انتقامي منك وأشوههك بواحدة زيها، كل اللي حصلي لازم يحصلك
أمسكت بهاتفها لتتصل بأحد الارقام، ثم وضعت الهاتف عند اذنها منتظرة الرد، ليأتيها الرد بعد دقيقة فهتفت بهمس ناعم كجلد ثعبان سام:
-هاجيبها معايا بعد بكره وانا بشتري الهدوم، جه دورك ترديلي جميلي.

ثم عادت لتتلمس تلك العلامة لتتابع بابتسامة شيطانية مريضة:
-عايزه نفس العلامة اللي على وشي تكون على وشها، والموضوع يبان سرقة عادي جدًا!

خلال اليوم التالي
إنتفضت ليال على صوت الباب الذي فُتح بعنف ويونس يدلف بهيئة لا تبشر بالخير، فاقترب منها ببطء بينما هي تتراجع للخلف بسرعة وتسأله بنبرة مضطربة:
-في ايه وبتقرب كده لية؟
فقال يونس بصوت غامض ولكن نيته الخبيثة لمعت من مقدمة حروفه:
-لأخر مرة هسألك عشان ابرئ ضميري، مين قالك وساعدك عشان تعملي اللي عملتيه يا ليال؟
هزت الاخرى رأسها مبتلعة ريقها بتوتر ثم ردت:
-قولتلك يا يونس محدش آآ...

فقاطع يونس تلك الاجابة التي يحفظها عن ظهر حتى اصبحت مفتاح مغارة غضبه الاسود الهوجاء المجهولة النوايا...!
-انا كده عملت اللي عليا، وبما إنك قولتي إني اعتديت عليكي يبقى المفروض تكوني مدام، وبما إنك عارفه إني ابن العمدة والناس كلها تعرفني فمش هينفع اخدك لدكتور
ثم ظهرت ابتسامة خبيثة على شفتاه وهو يتابع:
-بس جبتلك ستات متخصصة للحاجات دي تكشف عليكي وتعرف!

إتسعت حدقتاها بهلع وهي تعود للخلف برعب نافية برأسها:
-لا يا يونس انت اكيد مش هتكشف مراتك على ناس غريبة وبالطريقة دي!
لم يرد يونس بل فتح الباب ثم أشار بيداه موجهًا انظاره خارج الغرفة:
-تعالوا يلا
و...


look/images/icons/i1.gif رواية احتيال و غرام
  07-01-2022 10:04 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

مرت لحظات معدودة شق فيها الرعب قلب ليال ليرمي تميمته السوداء بين ثناياه مسببًا فوضى عارمة من المشاعر كان هو مترأسها...!

ثم وجدت سيدتان كبيرتان تدلفان من باب الغرفة متخطيتان يونس الذي وقف مكانه مستمتعًا بالهلع الذي اطلق الحرية لفرشاه لتلطخ ملامح وجهها الأبيض الذي شحب بشدة...
فصرخت فيهم بهيسترية ما إن وجدتهم تتخطيان يونس:
-لأ انتوا هتعملوا إيه! اطلعوا برا
وقفتا الاثنتان تطالعنها بذهول، ولسان حالهم يصرخ بدهشة لم تبخل قسماتهن بتوضحيها...
هي إتجننت ولا إيه!

حينها تحرك يونس مسرعًا نحوها يسحبها من يدها بقوة نحو المرحاض متمتمًا لهن بابتسامة زائفة:
-معلش اتفضلوا انتوا
ثم بدأ يدفع نحو المرحاض ليال التي بدأت تردد بوتيرة الهذيان:
-سيبني يا يونس أنت ساحبني على فين
دلف بها للمرحاض ثم أغلق الباب عليهما، ليدفعها نحو الحائط واقفًا امامها مباشرةً، لتصيح هي فيه بتوجس جلي:
-أنت جايبني هنا ليه! هتعمل إيه؟

جهرت شفتاه بابتسامته الساخرة فارغة الروح والمرح، ثم غمغم باستنكار تشوبه السخرية:
-أكيد مش هخليهم يكشفوا عليكي في الحمام يا أنبه من أنجبت مصر!
وبلحظة إرتخت ملامحه لتروقها نظرة رضا وتلك اللمعة السادية التي يخصها بها تطلق إنارتها بين ظلمة عيناه القاسية وهو يردف بعدها بنبرة باردة جافة:.

-مش يونس البنداري اللي يعمل في واحدة شايله أسمه كده، وأكيد مش عشان جمال عيونك، أنا مكنش في حد في سعادتي وأنا شايف الرعب في عنيكي وكان نفسي أعمل كده فعلًا، لكن رجولتي متسمحليش!
لم تنطق برد استفزازي بارد كعادتها بل لم يكن للبرود وجهه بين وجهات حروفها المشتتة وهي تسأله بحالة فوضوية لم تستكين بعد:
-امال مين دول وجايين ليه؟
زفر بصوت مسموع قبل أن يجيب بنفس البرود الصلب كلوح الثلج:.

-مع إنه ميخصكيش، بس دول جايين عشان يفضوا عفش الاوضه، عشان هجيب عمال
يغيروا ديكور الاوضه خالص ويجيبوا سرير تاني مبقاش ينفع أبات برا الاوضه تاني على الأقل الفترة دي
ما إن أنهى كلماته حتى وجدها ترمي جملتها الاستفزازية كالعادة ولكن تلك المرة لم تكن باردة بل كان الصهد يهب عليه من بين ثناياها:
-ليه مبقاش ينفع؟ لتكون خايف تقول لعيال عمك والناس اللي بتيجي إنك مابتتكشفش على ستات!

لم تستفزه جملتها كما توقعت بل رفع عيناه لأعلى وكأنه يفكر بعمق، ثم نظر لها متسائلًا بجدية تامة:
-هي فين الستات دي؟
إكفهرت ملامح ليال وتدحرج الغضب والغيظ فيها؛ لم تكن تتوقع أن يعبث معها في أمر شديد الحساسية كهذا!..
يا الله، كاد قلبها يتوقف فعليًا وهي تتخيل الموقف، ذلك اليونس جعل أنياب الخوف يمزق أعصابها ليتهادى ثوران روحه ارضًا...!

إنتبهت له حينما إقترب منها لتعود هي للخلف تلقائيًا حتى إلتصقت بالحائط، فاقترب من اذنها نافثًا أنفاسه عند اذنها عن عمد مستمتعًا بتلك الرجفة العنيفة التي تُصيبها فيهتز صميم عواطفها الحارة المكتومة، ثم همس يونس بمكر:
-عارفه إيه اللذيذ في الموضوع بقا، إن زمانهم بيقولوا مرات ابن العمده مجنونة!
ثم ابتعد ليستكمل باستمتاع:.

-يعني حطي نفسك مكانهم وتخيلي إنك داخله الاوضه ولقيتي واحدة بتصرخ في وشك لأ انتي بتعملي إيه اطلعي برا! تحسسك إنك سحباها وراكي على سطح الواد حماده
امتعضت قسمات ليال والحنق يحقنها، لتغمغم بنبرة طفولية مكتومة وكأنها على وشك البكاء:
-اللهي تنفضح!
لم تتزحزح ضحكته السمجة عن شفتاه، حتىإرتفعت نبرتها قليلًا لتزمجر فيه والغضب يُقلبها مسويًا احشائها على كلا الجانبين:.

-إيه اخرة اللي بتعمله ده يا يونس أنت عايز إيه؟
واخيرًا، رمى يونس قناع البرود الذي كان يغطي تعبيراته، لتعود ملامح وجهه الرجولية لذلك الجمود الذي يفوح منه رائحة الكره، وهو يقول بحدة:
-إنتي عارفه كويس أنا عايز إيه بس انتي اللي مُصممة تتعبي نفسك وتضيعي وقت من حياتك وحياتي على الفاضي!
حينها تابعت ليال بنفس الحدة صارخة بوجهه بنفاذ صبر:.

-ريح نفسك حتى لو قولتلك اللي عايز تعرفه محدش هيصدقك، ولا حتى الهانم بتاعتك هتصدق إلا لو انا اللي روحت اعترفت لها بنفسي.

واقتربت منه هي هذه المرة تحاول التشبث برداء الشجاعة، بينما هو لم يتحرك إنش واحد بل يحدق بها بثبات مترقبًا، لتلتصق بجسده عن عمد حتى أحست صلابته، وأحس هو بجسدها الغض ملتهبًا يحترق بمشاعر تحاول كتمها بشق الأنفس...

ثم أمسكت ياقة قميصه لتجذبه منه برفق مقربة وجهه منها واقتربت هي بوجهها منه كثيرًا حتى تشاركت أنفاسهم العالية، تحدق في عيناه السوداء العميقة التي تُربكها، لتهمس له ببحة خاصة نضحت منها الغيرة والشراسة في التملك:
-وانا مش هقول حاجة مهما عملت يا يونس، أنت خلاص بقيت حقي وانا مش بسيب حقي مهما حصل! حاول تقتنع إن قدرنا مع بعض خلاص.

لاحظت صدره الذي يتحرك صعودًا وهبوطًا بسبب الغضب الذي بدأ يغلي بين ضلوعه كالمرجل، لتتحرك هي تنوي الابتعاد إلا إنه جذب يدها بعنف ليلويها خلف ظهرها، ثم دفع جسدها نحو المرآة المُعلقة على الحائط ليمسكها من خصلاتها بعنف جعلها تتأوه وهي تزمجر فيه:
-اوعى سيب شعري
ولكنه لم يعر جملتها اهتمام، بل قرب وجهها من المرآة وهو يهدر فيها بقسوة متعمدة كانت جارحة كالشظايا:.

-بصي في المرايا كويس يمكن تفتكري انتي مين وانا مين، إنتي حتة بت جرسونه في كافيه تعبان! انا ماستنضفش اشغلك خدامة في بيتي حتى، أقوم ارضى بيكي مراتي وشريكة حياتي؟!
ثم ضغط على ذراعها اكثر ليستطرد بانفعال واضح:
-انا حتى معرفش انتي متعلمة ولا جاهله! بس الاكيد إنك جاهله لأن مفيش واحدة عاقلة وبتفهم هترمي نفسها على واحد بالطريقة دي.

ثم دفعها بعيدًا عنه وكأنها وباء، ليرمقها بنظرة شملتها من أعلاها لأسفلها ليتابـع بازدراء:
-إلا لو كانت فيها عيب!

وكعادته غادر المرحاض دون أن يعطها الفرصة للرد؛ يرمي تلك الشظايا من بين حروفه قاصدًا أن يدمي كبريائها لتقرر مداوته بعيدًا عن حياته، ولكنها كالعادة تغمض عيناها لتحبس تلك الدموع التي تحرقها، ثم تأخذ نفسًا عميقًا وهي تخبر نفسها أنها توقعت ما يحدث الان واستعدت اتم الاستعداد له، لتنال قلبه في نهاية المطاف جائزة على صبرها الذي طااال، وسيطول!


بعد يومان، في القصر...

كانت أيسل تتحاشى مقابلة بدر بقدر الإمكان، كلما دفعتها رياح مشاعرها نحوه، وجدت عازل كبريائها يصدها عن طريقه وهي تتذكر كلماته الجارحة التي رماها بوجهها تلك الليلة غير مراعيًا عمق الجرح الذي سببته تلك الكلمات الهوجاء...!

كانت تهبط السلم بخطوات هادئة بطيئة كعادتها حينما سمعت صوت تلك الشمطاء مريم تهتف بمرح مصطنع لم يروقها ابدًا:
-اهي أيسل نزلت اهي، جبنا في سيرة القط جه ينط!
فباغتتها أيسل بحدة غير مبررة من وجهة نظر بدر ووالدتها:
-بس أنا مش قط يا سكر!
فتمتمت مريم بحرج وهي تبعد أنظارها عنها:
-سوري لو ضايقتك يا أيسل انا بهزر
لم ترد أيسل بل اقتربت من والدتها لتجلس جوارها وهي تقبل قمة رأسها متمتمة بحنان جلي:.

-صباح الفل يا ست الكل، فطرتي وخدتي دواكي ولا لا؟
فأجابت الاخرى بابتسامة بشوشة:
-الحمدلله يا حبيبتي، لسه صاحيه من شوية ولقيت بدر ومريم صاحيين ففطرنا سوا ومرضتش أصحيكي عشان عرفاكي بتنامي متأخر وخدت دوايا متقلقيش.

فأومأت أيسل برأسها وهي تبتسم برقة إختفت ما إن لاحظت نظرات بدر المُصوبة نحوها، تلك النظرة العميقة السوداء المتفحصة من عيناه تسقط داخلها لتعيث الفوضى بقلبها المشحون بعشقًا اعتبرته لعنة أصابتها...!

نطقت مريم بعدها قاطعة ذلك الصمت:
-لسه كنت بقول لطنط إن انا وبدر هنروح نشتري ليا شوية هدوم لو تحبي تيجي مـ...
قاطعتها أيسل التي ردت مسرعة بلهفة سببها غيرة حواء التي اهتاجت كالأعصار داخلها:
-ايوه جايه انا عايزه اشتري برضو شوية حاجات!
حينها نهض بدر متدخلًا في الحوار بنبرة أجشة:
-يبقى تروحي تلبسي حاجة محترمة وبسرعة ماتاخدش اليوم كله عشان أنا مش فاضي ورايا شغلي
ثم نظر لمريم لترق نبرته في حنو:.

-واديني رنة اول ما تخلصوا وتجبيها وتيجي هتلاقيني عند البوابة تمام
اومأت مريم بابتسامة واسعة:
-تمام يا حبيبي
غادر بدر تحت أنظار أيسل التي كادت تحرقه حيًا هو وتلك الفتاة التي اصبحت تمقتها دون سبب واضح وصريح سوى الغيرة الانثوية التي تطفو على كافة مشاعرها...!

بعد فترة...

وصلوا احدى المولات الفخمة التي بداخلها محلات تجارية للملابس النسائية، كانت مريم تسير جوار بدر محاوطة ذراعه كالعادة بينما أيسل تسير بمفردها كالمنبوذة وملامحها تحكي عن كم الغيظ والغيرة اللذان يطحنان احشائها...!

فتوقفت أيسل امام المرحاض تعدل من حذاءها وإلتوت ملامحها بالألم، لتقول مريم حينها مسرعة بدهاء:
-بدر انا عاوزه ادخل الحمام، وانتي تعالي اعدلي جزمتك جوه يا أيسل وحطيلها منديل لو عاوزه
ثم نظرت لبدر متابعة:
-لو عاوز تروح تقعد في اي حته تشرب سيجارة يا بدر روح لأن هنخلص وممكن ندخل المحل اللي هناك ده فيه حاجات حلوه تقريبًا
هنا تدخلت أيسل لتتمتم بخشونة:.

-انا هدخل الحمام أعدل جزمتي وشعري وهدخل المحل اللي انا عاوزاه!
اومأ بدر دون رد، ثم قال:
-تمام انا هنزل تحت أشرب قهوة كده عقبال ما انتوا تلفوا لفتكم، وابقي رني عليا يا مريم كالعادة تمام.

اومأت مريم موافقة برأسها وهي تسير نحو المرحاض سبقتها أيسل التي سارت بخطى بدا فيها الغضب كعين الشمس، وغادر بدر بالفعل، وما إن دلفت أيسل للمرحاض حتى وجدت سيدتان فقط تقفان امام المرآة بملامح غامضة، بينما في الخارج بمجرد أن غادر بدر حتى توجهت مريم نحو المحل لتدلفه وهي تبتسم تلك الابتسامة الشيطانية...

بينما داخل المرحاض الواسع...
وبينما كانت أيسل تسير فاصطدمت بها تلك المرأة عمدًا بعنف حتى سقطت حقيبة أيسل، فصاحت أيسل فيها تلقائيًا بحدة:
-مش تاخدي بالك
فصاحت فيها الاخرى بنبرة سوقية:
-انا اللي اخد بالي ياختي ولا انتي عاميه وبتخبطي فيا كمان مش عاجبك يا بت!
إنفعلت أيسل وثار بركان غضبها الذي كان على أهبه الاستعداد ليقذف حممه الحمراء:
-انا عاميه؟ ده انتي واحدة مهزقه ومش محترمة تصدقي.

فتحفزت ملامح الاخرى الشيطانية وكأنها وجدت الفرصة لتهجم عليها، فزمجرت بشراسة موجهة حديثها للسيدة الاخرى التي كانت تجاورها:
-بتقول عليا انا مهزقه و مش محترمة يا نفيسه شوفتي؟ لا دي شكلها بت عايزه تتربى وانا لازم اربيها بطريقتي واسيبلها عشان كل ما تيجي تقل ادبها على حد تفتكرني!

ودون مقدمات أخرجت سكين صغير من حقيبتها لتتسع عينا أيسل برعب حقيقي بينما الاخرى تحاول تقيد يداها وتكميم فمها فبدأت أيسل تحاول الصراخ وإبعاد تلك السيدة عنها بهيستيرية بينما الثانية تحاول تثبيت وجهها بعنف...

واخيرًا استجمعت أيسل كامل قوتها ودفعت التي كانت تقيدها بكل قوتها لتترنح وتكاد تسقط فاستغلت ايسل الفرصة لتركض نحو الباب صارخة بصوت عالي فبدأت السيدة التي كانت تمسك السكين تخفيها بسرعة في حقيبتها، بينما أيسل تفتح الباب هاربة منهم كالمجنونة، ركضت بسرعة غير عابئة بنظرات الناس المتعجبة بشأنها، وفجأة وجدت مَن يسحبها بقوة من يدها نحو ركن صغير جانبي مُغلق بباب ويبدو أنه مخصص لقياس الملابس تبعًا لاحدى المحلات...

دفعها نحو الحائط وكادت أيسل تصرخ بفزع لم تتخلص من خيوطه التي أحاطت بجوارحها في اللحظات السابقة، ليُكتم بدر فمها بسرعة بيده، استكانت نظرات أيسل المفزوعة وهي تتعمق النظر لبدر الذي حذرها بنظراته من إخراج أي صوت، فتنفست أيسل بصوت مسموع تحاول إلتقاط أنفاسها، لم تلحظ حتى أنها تقريبًا مُلتصقة به ويده تغطي شفتاها الحمراء الصغيرة ويده الاخرى تحيطها مستندة على الحائط من خلفها...

كانت أنفاسهم المبعثرة اللاهبة هي التي تغطي ذلك السكون، ودقات القلوب تتقافز لتدوي كأحدى طبول الحرب...!

فسمع بدر خطوات في الخارج وصوت احداهن تغمغم بغيظ:
-هي الارض إتشقت وبلعتها يعني؟ دوري معايا كويس لازم نلاقيها، لو اضطريت اخدرها وأنفذ اللي كنت هعمله وأرميها في اي حته هعملها
إتسعت حدقتا أيسل وهي تنظر لبدر الذي كانت ملامحه جامدة مشتدة بالصمت الذي يفرض حصاره على تعبيراته فلا يظهر أيًا منها...

إبتعدت خطواتهم عن الباب فانتبه بدر لنفسه ليستدرك نفسه سريعًا مبتعدًا عن أيسل خطوة واحدة حيث سمح له هذا المكان الصغير جدًا، ودون مقدمات كانت تندفع نحو بدر لتحتضنه بكل قوتها وهي تتنفس بعمق مغمضة عيناها بقوة لا تصدق أنها نجت من بين يداهم...!

بينما بدر بدا وكأنه فقد القدرة فجأة على النطق، فحاول إبعادها بصمت ولكنها شددت من احتضانه لتغمره رائحتها، وذلك الشعور بها بين أحضانه يداعب شيء مدفون بين أعماقه يحارب للظهور...!

فأمال وجهه قليلا ليسنح لأنفه الفرصة لتنال اكبر قدر من رائحة خصلاتها النارية بين رئتيه، وبمجرد أن تغلغلت رائحتها المسكره أنفه حتى تنفس بصوت مسموع لتصدم أنفاسه رقبة أيسل التي ظهرت اسفل خصلاتها، فارتعشت أيسل بعنف لتفيق لنفسها مبتعدة عنه...
ودون ان تشعر تركت العنان لدموعها لتنفجر باكية بصوت عالٍ وهي تحيط وجهها مرددة بذهول وكأنها استوعبت للتو:
-كانت عاوزه تشوهني! كانت هتشوهني فعلاً!

ابتلع بدر ريقه بتوتر وكلمة تشوه ذكرته بمريم التي تشوهت فعليًا...
بينما أيسل ظلت تنتحب بهيستيرية وهي تتحس وجهها بجنون، بينما بدر يطالعها بنظرات تائهه...
داخله شيء يفرض ذلك السؤال عليه بقوة، إن كانت أيسل إنهارت هكذا بمجرد تخيل أن احداهن كادت تشوههها، فما بال تلك المسكينة التي شُوهت فعليًا وبسببها!؟

للحظة بدا وكأن بدر المغسول عقله بأكاذيب مريم أستيقظ ليعلو النفور وجهه مرة الاخرى تجاه أيسل، مستنكرًا بشدة شعوره منذ لحظات...
ودون ان ينطق بحرف كان يفتح ذلك الباب باختناق وشيطانه يوسوس له متمنيًا لو كان تركها لهم لتذوق مرارة ما فعلت بالمسكينة مريم...!

وفجأة وجد تلك السيدة التي كانت تمسك السكين أمامه تسأله بعيون مترقبة:
-بقولك إيه يا استاذ مشوفتش واحدة كده شعرها أحمر معديه؟
للحظات صمت بدر وهو ينظر لها، وفي اللحظة التالية حسم أمره ليزفر بعمق مجيبًا:
-ايوه شوفتها...
ثم...


look/images/icons/i1.gif رواية احتيال و غرام
  07-01-2022 10:04 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

كاد يكمل، كاد يرميها في نفس الجحيم الذي ألقت به مريم ولا يدري ما ماهية الشيء الذي صدح صوته من بين زخات قلبه ليمنعه مغطيًا على صوت شيطانه الذي يخبره أن يفعل..!

بينما تلك السيدة تركزت كافة حواسها في ترقب للحروف التي ستخرج من بين شفتا بدر وهي تسأله بسرعة:
-شوفتها فين؟
زفر أنفاسه على مهل وهو يمسك جبهته وكأنه يتذكر ثم قال مستدركًا:
-تقريبًا عدت من هنا وكانت بتجري بس مش قادر أتذكر راحت يمين ولا شمال
تأففت السيدة بضيق وهي تتلفت يمينًا ويسارًا، ليسألها بدر بفتور:
-ليه هي سرقت من حضرتك حاجة ولا إيه؟
فأومأت الاخرى بتأكيد زائف:.

-ايوه سرقت مني شنطتي وفيها حاجات مهمة ليا اوي
فهز بدر رأسه وراح يخبرها بنبرة ماكرة:
-لو كده متقلقيش أكيد هتتمسك لأني لسه شايف الأمن طالع باين حد بلغه إن في خناقة
شحبت ملامح تلك السيدة والخوف يتخذ مساحته من قسماتها السمراء قبل أن تهز رأسها موافقة لبدر مرددة بتوتر حاولت إخفاؤوه:
-تمام شكرا يا استاذ
ثم استدارت لتغادر بسرعة قبل أن يفتك بها رجال الأمن وتُسلم للشرطة بعدها...!

بينما بدر كان مثبتًا عيناه عليها حتى إختفت عن أنظاره حينها استدار ليفتح ذلك الباب ثم دلف ليجد أيسل مكتومة الأنفاس تطالعه بنظرات مُغلقة مُبهمة، وكأن كل مشاعرها تشابكت خيوطها كخيوط عنكبوت لا تدري أولها من اخرها...!
للحظات أحست كرهه لها، ذلك الكره تجسد في نبرته وهو يخبرهم أنه رآها، ثم غاص ذلك الكره في الأعماق مرة اخرى لتعود إنسانيته وتحلق بين حروفه التي نجدتها من بين براثنهم...!

ظلت تنظر له لثوانٍ ثم نطقت بصوت مبحوح:
-شكرًا
بملامح جامدة ونظرات ثابتة قاسية كحروفه الجافة أخبرها:
-مفيش داعي للشكر لإني معملتش كده عشانك، أنا عملت اللي إنسانيتي خلتني أعمله، لكن انتي ماتهمنيش
لا يدري هل يقنعها ام يقنع نفسه بذلك الكلام، ولكنه لن ينسى لحظة، تلك النبضة التي فرت هاربة من حصار الذكريات والكلمات المغموسة بذرات الكره...!

تلك النبضة التي أطلق بعدها جنود الكره والحقد ليظهروا في كافة أفعاله، قاتلين تلك النبضة الهادرة في مهدها...
فسخرت أيسل لاوية شفتاها:
-كويس إن في حاجة مشتركة بينا، انا ماهمكش وانت ماتهمنيش!
ثم استدارت تعطيه ظهرها لتغادر، فلمح بدر التيشرت الذي ترتديه وقد اُزيح لأسفل عن كتفها نوعًا ما، وقطرات العرق جعلت خصلاتها الحمراء تلتصق بجلدها الذي ظهر...

كان خلفها مباشرةً، تسمع هدير أنفاسه بوضوح يخالط نبرته الرجولية الخشنة وهو يهمس لها:
-استني
ولم تعد يداه قيد طوعه حينما رفع أصابعه دون شعور ليُزيح ببطء شديد تلك الخصلات الملتصقة بسدها، وحينها لمس إصبعه الخشن جسدها الناعم فانتفضت هي وقد أفلتت تلك الشهقة المكتومة من بين شفتاها مغمضة عيناها بقوة وقد عَلى تنفسها بتوتر ملحوظ، بينما بدر شعر أن يداه تخالف كل ذرة تعقل لديه فتتوق لملمس جسدها...

للحظات فقط أحس أن مضجع عواطفه إحترق بتلك الجمرة التي اُلقيت فيه دون مقدمات..!
فهمست هي بصوت خفيض أتاه كصدى صوت لعقله الذي خدره حلاوة ذلك الشعور:
-بدر، أنت بتعمل إيه!
فخالف رغبة يده المُلحة وهو يرفع ذلك التيشرت ليعدله ثم يبعدها عنها قسرًا مغمغمًا بصوت حاد مثخن بالعاطفة:
-كتفك كله كان باين وقولتلك شعرك تلميه لما تكوني برا البيت!
-انا، انا كنت عامله، كنت لماه.

رددت بصوت يكاد يُسمع وذلك الشعور يُزلزل حروفها المبعثرة كحالها، فيما زفر هو بقوة يحاول قمع عاطفة لا يدري من أين تحركت لتداعب المدفون داخله، وقال بحدة أجشة:
-اطلعي، اطلعي يا أيسل يلا!
اومأت هي برأسها بسرعة لن تجادله، كانت تود الخروج بأي طريقة، لن تحتمل البقاء معه بمفردها في ذلك المكان الصغير جدًا وهو شبه ملتصق بها بهذه الطريقة!..

فتحت الباب ثم خرجت بسرعة، يتبعها بدر الذي بدأ يلتقط أنفاسه بصوت مسموع، يحاول سحب نفسه من بين زوبعة ذلك الشعور، مستمرًا في محاربة المجهول...

كانت ليال تجالس ابنة عم يونس ورد في الأسفل، تحاول كسر الملل الذي اصبح جزءًا لا يتجزء من حياتها...
ثم توجهت صاعدة لغرفتهم، فتحت الباب ثم دلفت لتجد يونس جالسًا على الأريكة مندمجًا بين أوراق عمله الذي اهمله في الفترة الاخيرة، فألقت ليال نظرة عليه وتنهدت وهي تدخل للغرفة متعمدة اصدار صوت لتلفت نظره ولكنه لم يبدي اي رد فعل...

جلست جواره ولكنه ايضا لم يلتفت لها حتى، اقتربت منه شيئًا فشيء وحين وجدته لا يعطيها أي اهتمام، اقتربت برأسها جدًا من اوراقه لترى ما يجذب كافة إنتباهه لهذه الدرجة..
فتحركت عيناه بصمت يتابع تفحصها الطفولي ولم يتفوه ببنت شفه، حتى رفعت رأسها لتسأله بفضول:
-أنت بتعمل إيه؟
فأجاب بجمود وهو يعاود النظر لأوراقه مرة اخرى:
-ملكيش فيه، وبطلي فضولك ده!
فاقتربت منه اكثر وهي تسأله بإصرار وبراءة:.

-ليه، ابطل فضول ليه، هه يا يونس ليه؟
كز يونس على أسنانه بغيظ، يحاول ألا يحتك بها قدر الإمكان ولكنها كالعادة تبحث عن اي ثغره لتتقرب منه...!
عاد ينظر لأوراقه مرة اخرى ولم يجيبها، فنظرت هي لملامحه الرجولية عن قرب ولأول مرة، تلك الملامح السمراء بأنف رفيع مرفوع وحاجب أسود مرسوم يتناسب مع سواد عيناه التي تنتشلها في كل مرة ينظر لها فيها لتلقيها في وادٍ جديد مهلك من الشوووق..!

وشفتاه الغليظة التي لم تنطق أسمها بنبرة حانية كما تمنت بل دوما تخرج ما يترك داخلها لها جرحًا جديدًا...
ودون شعور اقتربت فجأة لتضع شفتاها الصغيرة على شفتاه في قبلة متهورة مجنونة، ليتصنم هو للحظات بينما هي مغلقة العينين تشعر أن جسدها احترق بشعور جديد لم تختبره قط، أن نبضاتها تعالت حتى صمت اذنها عن اي شيء حولها...

بينما هو متخبطًا في تلك اللحظات وحركة شفتاها البطيئة البريئة الغير خبيرة على شفتاه تجعل مشاعره الذكورية الساكنة داخله تهتاج لتزأر معلنة وجودها...!
تحركت يداه رغم ارادته ليحيط خصرها بقوة، يجاهد تلك الرغبة القوية لشفتاه في الاستجابة لحركة شفتاها، نجح في اختزال ذاك التأثر الذي مقته بشدة ليرمه في أبعد نقطة داخله..
ثم أبعدها فجأة ويداه تضغط على خصرها بعنف بينما يهدر فيها بقسوة:.

-انتي بتعملي إيه، انتي اتجننتي؟
أسبلت جفناها ولم تدري ماذا تجيب، بل لم تجد صوتًا لتخرجه اصلاً...
ولكنها رأت غضبه الأهوج يحتل ام عيناه، فابتلعت ريقها مجيبة بمكر انثوي:
-مالك يا يونس، انا زي مراتك على فكره!

فأمسك يونس فمها لتغطي يده الخشنة شفتاها وهو يضغط عليها بقسوة متابعًا بنبرة غليظة حادة:
-أنا مش عارف إيه اللي بقوله ده، بس إياكي بوقك ده يجي جمب بوقي تاني انتي فاهمة!
فدفعت يده بعيدًا عنها ولم تمنع ضحكاتها العالية من الخروج، لقد إنقلب الوضع تمامًا وأصبح هو من يطالبها بالابتعاد عنه وهي التي تقنعه أنها زوجته، يالسخرية القدر!

نهض يونس عن الأريكة غارزًا يده بين جذور خصلاته السوداء بعنف، لا يصدق جرأتها التي لم يتوقعها قط...!
ثم اخذ يضرب كفًا على كف، بينما هي تضع قدم فوق الاخرى وهي ترسم ابتسامة واسعة وتردد بنفس المكر وداخلها سعادة لا تصدق بسبب تأثيرها كأنثى عليه:
-أنت خايف مني ولا إيه!
إتسعت حدقتاه بذهول، ولم يجد ما ينطق به!

فدلف للمرحاض صافعا الباب خلفه لتضحك هي بصوت عالي، إن كانت جرأتها تحرك أي شعور داخله، فلن تتعامل معه سوى بتلك الجرأة بعد الان!..

بينما داخل المرحاض كان يونس يحدق بصورته المعكوسة في المرآة، وداخله يغلي غضبا يود لو يمحي الدقائق السابقة من حياته، كارها ذاك الشعور الذي حركته تلك اللعينة داخله!
فضرب المرآة امامه بجنون من فرط إنفعاله لتشهق ليال بقلق حينما سمعت صوت تهشيمها، ثم نهضت بسرعة لتضع اذنها على الباب في نفس اللحظات التي رن بها هاتف يونس فأخرجه ليجيب بصوت أجش ولم يرى اسم المتصل:
-ايوه؟

أتاه صوت معشوقته التي تركته خلفها مجرد رماد احترق بنيران الفراق:
-يونس عايزه اشوفك انهارده!
لم يصدق اذناه، فردد ذاهلا:
-فيروز! وحشتيني اوي، هاجيلك حالا
كزت ليال على أسنانها بعنف، تلك الفيروزه تثير داخلها نمرة على أتم الاستعداد لغرز مخالبها في مَن يقترب من زوجها، زوجها هي!

خرج يونس من المرحاض ليتجاهل وجودها متجها نحو باب الغرفة...
وقفت أمام باب الغرفة تغلقه بجسدها لتمنع يونس من الخروج، ثم بدأت تهز رأسها نافية والشراسة تتملق حروفها:
-مش هاخليك تروحلها واحنا ماكملناش ٣ اسابيع متجوزين! مش من حقك تعمل كده أنا بقيت مراتك.
شعر بكل خلية به تهتاج رافضة ما يسمعه منها، والنفور كان يستوطن قسمات وجهه الرجولية السمراء وهو يخبرها بنبرة قاسية مزدردة:.

-وأنا مش بعتبرك مراتي اصلًا، إنتي مجرد عالة ودخيلة في حياتي!
وكالعادة تستقبل سم كلماته الضاري بين ثناياه، تُخفي تلك الجروح في جبعتها بصبر..
جذبها يونس من ذراعها بعنف يبعدها عن الباب لتركض هي مرة اخرى تقف امام الباب، تستفز هدوئه دون أن تشعر وهي تقول:
-أنت لازم تقبل بالأمر الواقع زي منا عملت، لازم تتأقلم على إني بقيت مراتك.

تعاود إشعال جنون شياطينه الذي يخمده بصعوبة، كل خلاياه لا تتقبل ذلك الأمر، لا يستطع، لا يستطع أن يراها ولا يشعر برغبة مستعرة في قتلها!..
أمسكها من ذراعاها بعنف حتى تأوهت بألم ليزيد من ضغطة يده أكثر وعيناه تتوهج بلمعة غريبة وكأن ألمها هو الشيء الوحيد الذي يخفف من وقع ألمه...!
ثم دفع جسدها نحو الحائط بعنف متعمد وهو يستطرد بخشونة قاسية تعمد جعل حروفه أنياب تنهش كرامتها:.

-مش هقبل، أنا بكرهك ومابتمناش في حياتي إلا إنك تتألمي زي منا بتألم وأكتر، انا مش عايزك، وهفضل اشوفها واروحلها وهخونك وهذلك لو لسه عندك ذرة كرامة اخرجي من حياتي
إرتجف جسدها كله وكلماته تدوي كقنبلة تفجرت داخلها لتمزق ثناياها لأشلاء، ليتها تستطع، فقط لو تستطع لفعلت منذ زمن، ولكنها اُصيبت بـ لعنة، لعنة تنتهك روحها لترديها قتيلتها في النهاية..!
فصرخت وكأن أنين كرامتها تشكل في حروفها وهي تزمجر:.

-ياريتني أعرف، ياريتني اعرف اعمل كده!
اومأ برأسه وهو يغمغم بحقد متوعدًا إياها:
-متقلقيش أنا هخليكي مش طايقة حتى تقعدي في حتة انا بتنفس فيها، هخليكي تقولي حقي برقبتي وهعرف مين اللي زقك عليا
تنفست بصوت مسموع وهي تخبره للمرة التي لا تذكر عددها:
-للمرة المليون محدش زقني عليك، أنت بس اللي مش فاكر اللي حصل
إلتوت شفتاه بتهكم شيطاني وهو يردف:
-لأ فاكر، حظك الأسود إني فاكر!

هبطت عيناه لتلك العباءة المطرزة التي ترتديها والتي اهدتها اياها خالته، فدون مقدمات أمسك بمقدمتها ليمزقها بعنف فشهقت هي بهلع وهي تدفعه بعيدًا عنها لتغطي ما ظهر من جسدها، ليرمقها هو بنظرة قاتلة قبل أن يهتف بنبرة حادة كطرف السكين:
-الهدوم اللي أهلي جابوها لو شوفتك حطاها على جسمك هطين عيشتك، تفضلي تلبسي هدومك المعفنه اللي تليق بيكي لكن اي هدية ماتستحقهاش واحدة زيك.

-بطل الأسلوب الهمجي ده أنت مش بتعامل حيوانة!
زمجرت بجنون وهي تنظر له بحدة تتنفس بصوت عالي، فاقترب هو منها ببطء ليجذبها فجأة من رقبتها ممسكًا خصلاتها التي اصبحت قصيرة وهو يخبرها بتهديد مبطن:
-في ايدك تخلصي نفسك من كل ده وتقوليلي مين زقك عليا وليه عملتي كده وانا هاطلقك وهاسيبك، لكن طول ما انتي بتقاوحي قسمًا بالله لأقصلك لسانك مش شعرك بس!

لم ترضخ شراسة عيناها لعنف كلماته، فابتلعت ريقها بتوتر لحظي قبل أن تستكمل في هدوء وخز غضبه الأسود:
-انا قولتلك اللي حصل، أنت اللي مش عايز تصدق
حينها دفعها ارضًا بقوة وثوران غضبه يعود من جديد ليصيح فيها بجنون:
-يبقى تستاهلي اللي هعمله فيكي، وكل ما أروحلها وترفض تسمعني هاجي وهافضل اهينك وأقهرك!

انتهى من كلماته ثم استدار ليغادر الغرفة, بينما هي تتنفس بإنهاك، تعرف أنها في بداية مهمتها القاسية ولن تستسلم مهما فعل...!

وقف يونس على أعتاب المنزل الكبير الذي تقطن به فيروز يعبئ صدره بالهواء ليُحيي رماد قلبه الذي احترق بنار الفراق...!
دلف للقصر وكانت اول مَن رآها حينما دخل هي والدة فيروز التي قابلته بملامح جامدة تخبره عن غضب ونفور لم يتخطى حدود لسانها...
فاقترب منها يونس مغمغمًا بصوت أجش:
-ازي حضرتك؟
فراحت تلك الابتسامة الساخرة تتعلق بأطراف شفتاها وهي تردد مستنكرة:.

-بجد!؟ ازي حضرتي؟ كويسة جدا يا يونس، كويسة جدا جدا بعد اللي عملته في بنتي
فهتف يونس بهدوء محاولاً جذب أي طرف من خيوط الماضي التي لطالما جمعت بينهم علها تساعده في إقناعها:
-أنتي تعرفي عني كده؟ أنتوا عرفتوا يونس لوقت طويل، تعرفي إنه ممكن يخون؟!
فهزت كتفاها معًا وهي تنفي برأسها والرفض يزحف لعيناها من جديد:.

-أنا طلعت معرفش يونس أصلًا، أنت كنت راسملنا شخصية وطلعت شخصية عكسها تماما ملهاش لا أخلاق ولا مبادئ واحترام!
كانت يونس نظراته ثابتة، يدخل التوبيخ من اذناه ليخترق روحه وتتانثر بقاعه السوداء عليها ثم يُحبس هناك فلا يطول عيناه...!
بينما هي تتابع بلوم قاسي:.

-من بداية علاقتكم وانا قولت إنكم مش مناسبين لبعض، بس محدش سمع كلامي وصممتوا، ولما لاقيت فيروز مصممة قولت خلاص يمكن سعادتها معاه! وكنت بدأت اصدق انك حد كويس جدا، لكن صدمتنا كلنا باللي عملته
نطق يونس اخيرًا بصوت خمدت به كل مشاعره:
-انا معملتش كده، أنا مستحيل اعمل كده في فيروز
هزت الاخرى رأسها نافية بأسف:.

-المستحيل إن كل اللي كانوا موجودين في اليوم اياه يبقوا كدابين وأنت تبقى صادق، المستحيل إن تقول صاحبك كان موجود ساعتها وكلنا عارفين إنه مسافر من بدري
فتعالت أنفاسه بغضب وهو يردف بصوت عالي محاولا وضع تلك الجملة نصب عيناهم التي اغشتها تلك الليلة:
-معرفش، بس اللي اعرفه ومتأكد منه إني معملتش كده
فأكملت هي بتهكم مرير:.

-الظاهر إنك تقلت في الشرب ساعتها يا يونس لدرجة إنك مبقتش قادر تميز أنت فعلا عملت كده ولا لأ!

هذه المرة رمحها أصاب شيء داخله، ربما هو كذلك، هو لا يذكر شيء، لا يذكر سوى ومضات سوداء من ذلك اليوم!.
لو فعلها لكان علم، لكان تذكر أي شيء، ولكنه لا يذكر شيء مما يتهمونه به، ولكنه متأكد أنه لم يفعل، لم يفعلها قط، او ربما فعل!
ابتلع يونس ريقه وكأنه يحاول المرور فوق تلك الصخرة التي وضعتها تلك السيدة فوق قلبه لتُعيقه من جديد، ثم خرج صوته مبهوتًا وهو يسألها:
-فين فيروز؟

فأجابته بحدة غليظة قاصدة بها هدم كل آمال قد بناها تحت مناداة فيروز له ورغبتها في لقاؤوه:
-فيروز في الجنينه مستنياك، بس اوعى تفكر إنها عايزه تشوفك علشان ترجعلك، فيروز مش كده وانا ماربتهاش على كده!
-عن اذنك
غمغم بها يونس وهو يتخطاها متحركا نحو حديقة المنزل، يزفر أنفاسه ليستعد لجولة جديدة في حربه الخاسرة، مرتعبا من اللحظة التي ستُدق بها الطبول لتعلن هزيمته المُعلنة سابقا بين كل خبايا تلك الحرب...!

وصل للحديقة ليجد فيروز تجلس أمام حمام السباحة، تحدق به وهي عاقدة ذراعيها معًا، تقدم منها يونس ليتنحنح معلنًا وجوده:
-فيروز
استدارت ناهضة تنظر له، تحدق به وكأنها تراه للمرة الأولى، لا تنظر له بأعين الشوق او الحسرة، بل تحدق به بعينان كانتا ساحتان تراكمت بهما وحوش الغضب التي كلما مرت عليها الأيام زادتها تأصلاً للعنة ذلك الغضب...!
فأول ما نطقت به وقبل أن ينطق هو بأي شيء:
-ليه عملت كده؟ ليه خونتني؟

اقترب منها يونس مسرعًا، ممسكًا بيداها بين كفا يداه وبنبرة تتوسلها التصديق:
-أنا معملتش كده يا فيروز، انا يونس، هخونك؟
فانتفضت هي تنتشل يداها من بين يداه وتصيح فيه بحدة:
-كداب، وخاين وحقير وميملاش عينك الا التراب
ضم يونس قبضة يده بقوة، يحاول تجاهل ألم اللطمة التي وُجهت لكرامته الرجولية للتو، يناجي كل ذرة صبر أن تسيطر على زمام أعصابه...!
بينما هي أكملت بنبرة تشبعها الحقد والنفور:.

-ويوم ما تخوني، تخوني مع واحدة زي دي؟ تخون فيروز الشناوي مع خدامة لا راحت ولا جات؟
ثم اقتربت منه لتصرخ فيه بجنون:
-تخوني انا بعد ما كنت بتتمنى نظرة مني وانا عارضت أمي علشانك
نظرت لعيناه السوداء التي كانت منذ لحظات تشع بمشاعر أضاءت تلك الظلمة بعيناه، ولكن كلماتها القاتلة التي لم يتوقع أن يسمعها منها قط، دكت تلك المشاعر لأسفل نقطة في باطن عيناه...!

لتتابع هي بذهول كان منبعه الغرور والكبر، وكأنها لا تصدق:
-انت ازاي عملتها! انت اتجرأت وخونتني؟ خونتني انا؟ أنت نسيت انا مين؟
حينها قاطعها يونس صارخًا بغضب لم يعد يحتمل كتمانه، غضب أحرق جلده من شدته:
-بسسس، أسكتي، أنا مانسيتش إنتي مين، أنا الظاهر معرفش انتي مين، انتي مش فيروز اللي حبيتها
رمقها بنظرة آسفة مزدردة من أعلاها لأسفلها وهو يردد بجمود:.

-أنا كنت ببرر وبتأسف على حاجة انا معملتهاش لفيروز اللي حبيتها وكنت مفكر إنها بتحبني
ثم اقترب منها خطوتان ممسكًا يدها بقسوة ضاغطًا عليها وهو يستطرد بخفوت حاد:
-وكنت بحاول أقدر شعورك، لكن توصل للإهانة، لأ، إياكي تنسي مين يونس، مش يونس اللي تهينه واحدة ست!

ثم استدار دون مقدمات ليغادر، نافضًا عنه غبار تلك المشاعر التي لم تعد لها قيمة بعد اليوم، مصدوما منها، داخله سؤال يصدح بذهول، مَن هي؟، تلك ليست المرأة التي أحب، تلك لم تكن عاشقة مجروحة خسرت معشوقها، بل كانت أنثى جُنت بجرح كرامتها وغرورها الغريب..!

في القصر...
دخل بدر ساحبًا خلفه مريم التي أتفق معها هو وأيسل ألا يخبروا السيدة فاطمة بما حدث لأيسل في ذلك المول...
أغلق بدر الباب خلفهم، لتنظر له مريم بتساؤل قلق:
-في إيه يا بدر؟
ليسألها دون مقدمات بما كان يشغل عقله طيلة طريقهم للعودة:
-انتي اللي عملتي كده؟
زاغت عيناها حوله وهي تسأله بعدم فهم مصطنع:
-عملت إيه؟

فاقترب منها خطوتان مُركزًا سوداوتاه على بُنيتاها مترقبًا لرصد الكذبة التي ستنطلق من بين شفتاها بعد قليل، ثم أعاد سؤاله:
-انتي اللي عملتي كده وبعتي ناس عشان يشوهوا أيسل في الحمام في المول؟
للحظات تحركت عيناها باضطراب لحظي يصحب خلفه كذبة جديدة ومكر جديد يشق طريقه لحروفها وهي تقول مستنكرة:
-أنا؟ وانا هعمل كده ليه يا بدر؟ أكيد لأ، لو كنت عاوزه اعمل كده كنت عرفتك.

اومأ بدر موافقًا برأسه دون أن ينطق، بينما هي اقتربت منه وقد تزاحمت العبرات الكاذبة كالسحاب بسماء عيناها وهي تردف بوهن:
-معملتش كده بس انا عايزه اعمل كده يا بدر, انا تعبت من التمثيل، مش قادرة أشوفها قدامي ومافتكرش إنها السبب إني اتسجن ٣ سنين ظلم وأتشوه بالطريقة دي
أحاط بدر بوجنتاها بين يداه في حنو، يتحسسها ببطء متمتمًا:
-عارف، عارف إنك مخنوقة وتعبانة، صدقيني حاسس بيكي
فهزت هي رأسها بسرعة مؤكدة:.

-تعبانة ومافيش حاجة هتريحني إلا حاجة واحدة يا بدر
سألها بدر متجاهلًا معرفته السابقة بإجابتها الشيطانية التي لطالما حفت نحوها:
-إيه هي؟
فأجابت وعيناها تلمع بذلك الحقد:
-إني اخد حقي، ننفذ اللي احنا جايين له، خلال الاسبوعين الجايين ننفذ، تطلقها وتاخدها معاك على الشقة وتسيبها وتنزل وهنطلع واحد تاني ونطلبلهم البوليس وتتاخد في قضية اداب، وكده ابقى خدت حقي!

لا يدري لمَ شعر بقبضة دامية تعتصر قلبه ليتلوى بين ضلوعه بجنون معترضًا، ثائرًا بدقاته الرافضة ما يسمع!..
رفعت مريم عيناها الخبيثتان له لتسأله بتكهن:
-هتنفذ يا بدر؟
اشتد كل عرق نابض داخله بقسوة وهو يرد عليها بنبرة خافتة تعكس تلك العاطفة المتجمهرة داخله والتي تحرق شرايينه حرقًا:
-هنفذ يا مريم متقلقيش، خلال وقت قليل وهننفذ وهتاخدي حقك!

ليلاً...
كانت ليال تبدل ملابسها حينما دخل يونس فجأةً دون أن يطرق الباب...
فلم تكن ترتدي لحظتها سوى قميص للنوم قصير يصل حتى ما قبل ركبتاها بقليل، يكشف عن جسدها الأبيض بسخاء...
وقف يونس مكانه وعيناه تمشطها من أعلاها لأسفلها، فتعالت أنفاس ليال وهي تشعر بنظراته الرجولية تسقط على جسدها فتلسعه بذلك الشعور الجديد عليها...!

اقترب منها ببطء ليتسنى لها رؤية ملامحه وعيناه بوضوح، كان به شيئًا غريبًا، لم يكن هو، كان غريب...
وقف أمامها مباشرةً ليرفع إصبعه ويسير ببطء شديد على رقبتها ثم كتفها ثم ذراعها كله، ليلاحظ صدرها الذي يعلو ويهبط بتوتر جلي، فاقترب منها اكثر حتى إلتصقت بطرف الفراش من خلفها لتهمس له بصوت مكتوم:
-يونس أنت شارب إيه؟ أنت شارب مخدرات يا يونس؟

لم يجيب بل سألها بصوت خشن وأنفاس ثقيلة وأصابعه تواصل حركتها التي أفقدتها تركيزها:
-عملتي كده ليه؟
نظرت لعيناه الخاوية، دون كره، دون نفور، حتى دون ألم، وكأن كل شيء قد خمد بين ظلمة عيناه...!
وهذه المرة لم تستطع كبح زمام لسانها الذي إنتشل الأجابة المحفورة بين ثنايا قلبها الذي اكتوى بجحيم عشقه، لتنطق ببحة خاصة:
-عشان بحبك، بحبك اوي يا يونس.

هز رأسه نافيًا، ثم استدار يترنح في مشيته، وخرج صوته من بين أعماقه واهنًا كما لم تسمعه يومًا ومقتولًا بذلك الألم:
-انتي السبب، أنتي وجعتيني، وجعتيني اوي
استدار لها وكاد يقع وهو يسير لكنها أسرعت تمسك به لتحيط خصره، فدفعها بعنف بعيدًا عنه صارخًا بجنون وكأن شيطان الغضب عاد ليستوطن كل خلية به:
-ابعدي عني، قولتلك متقربيش مني ابدا متنسيش نفسك.

لم تنطق ولم تتحرك من مكانها، فعاد يونس يرمقها بنظرات قاسية قبل أن يخبرها قاصدًا جلدها بسوط كلماته:
-أنا خونتك، وهفضل اخونك، اخرجي من حياتي بقا انتي إيه!
فصرخت فيه بنبرة مُرهقة، متهدجة ع سطو تلك المشاعر التي أهلكتها:
-انا واحدة بتحبك اوي ومش قادره أبطل احبك، حاولت بس برضو مقدرتش
نظر لعيناها مباشرةً، متفحصًا لها وهو يسألها بعمق:
-بخونك وهخونك، لسه مش عايزه تخرجي من حياتي زيها؟

فهزت رأسها نافية بعينان تنبض عشقا، ودون مقدمات وجدته يمسك رأسها بيداه مثبتا وجهها امامه ثم غطى ثغرها بشفتاه في قبلة مجنونة، جامحة، سامحًا لتلك المشاعر الذكورية المتأثرة بالظهور ليشعر بتلك العاطفة تغلي أسفل جلده، بينما هي مسلوبة الأنفاس تحاول الاستيعاب...!

ابتعد اخيرا بعد لحظات يلتقط أنفاسه اللاهثة، ليدفعها ببطء للخلف حتى سقطت على الفراش ثم اقترب منها ببطء...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 6 < 1 2 3 4 5 6 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
في البلاك فرايدي نصائح لتجنب العروض الوهمية والاحتيال Moha
0 248 Moha
تعرف على عقوبة الاحتيال على البطاقات الائتمائية إلكترونيا Moha
0 257 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، احتيال ، غرام ،












الساعة الآن 01:53 PM