رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل العشرون
إخترقت جملتها أذنيه تصل لمبتغاها داخل زوبعة قلقه وخوفه وصدمته من معرفتها بشيئً كهذا! ركض نحوها يمسكها مسرعا من يدها صارخًا فيها يسألها بحدة مفرطة: -هي فين؟ وإنتِ تعرفي الموضوع ده منين اصلاً؟! تلعثمت قليلاً ولكن بأقل من الثانية كانت تستعيد ثباتها الذي كاد يفر ادراج الرياح لتجيبه ببرود: -لا اعرف منين ده مايخصكش، كل اللي يخصك إني اعرف مكانها وبس إزدادت ضغطته على يدها وهو يسألها:.
-إنطقي يا چودي، فين مراتي؟! وحسين اللي خطفها صح!؟ لم ترد مباشرةً وإنما رفعت كتفيها تسأله بخبث واثق: -وانا هستفاد اية لما اخون حسين واعرفك مكانها وانت ترجعلها وتعيشوا ف تبات ونبات وتخلفوا صبيان وبنات؟! بدأت ذاكرته تموج فكرًا من شظايا الماضي تذكره بما كان يسعى له، فما كان منه إلا أن رتب حروفه التي تقدمها خبث مماثل وهو يقول بهدوء جاد:.
-اولاً ولا حاجة من اللي قولتيها دي هتحصل، انا عايز شهد لانها تخصني، وعيب اووي لما تتاخد علني كدة واسكت واقف اسقف ل صاحبي! رفعت حاجبها الأيسر بخبث مفكرة، بينما أكمل عمر جازًا على أسنانه بغيظ: -ما تنجزي يا چودي!؟ هتنطقي ولا لا اخلصي هتفت بنزق: -ومالك ملهوف كدة لية الله! لم يجد مفرًا اخر فارغ يسع خبثًا ك تلك سوى القوة، فقط العنف من سيُخرج منها الأعترافات متتالية كأنه سيخًا من النار الكاوية!
سحبها معه بعنف مغادرًا بينما ظلت هي تصيح فيه بغيظ: -ايدك وجعتني يا عمر، ابعد كدة سبني انت واخدني على فين!؟ همس بصوت يكاد يسمع: -هتعرفي كمان شوية بالفعل كمان مش هقولك بس جعلها تركب السيارة ثم اغلق الباب جيدا، ثم اخرج هاتفه يتصل ب عمار الذي اجاب بعد دقيقة قائلاً: -ايوة يا عمر أنت فينك ده كله! -عمار فين مفتاح شقتك؟ -هتلاقيه ادام باب الشقة عند (، ) بس لية يعني؟ -تعالى على هناك وهتعرف اما تيجي -ماشي سلام -سلام.
ركب السيارة متجاهلاً چودي التي ظلت تسأله بتوتر: -عمر نزلني، بلاش تعمل حاجة تندم عليها ظهرت ابتسامة سخيفة تعكس موجات تتقلب بين ثنايا روحه وعقله وهو يخبرها متوعدًا: -لية بس يا چودي؟ ده أحنا هنتسلى أوي حاولت هي تشتتيته عن القيادة ولكنه صفعها بقوة ليُسكتها... ومنذ الليلة السابقة وهو معها، يضربها ويهينها لتقر بمكان شهد، ولكنها لم تكن لتستسلم بسهولة، فلم تنطق إلا صباح اليوم التالي!
حينها إنطلق عمر مع محسن نحو المكان الذي اخبرته به، بينما بقى عمار معها ضمانًا لعدم هربها... وفي طريقه هو ومحسن لتلك المنطقة، امسك محسن بهاتفه سريعا ليتصل بالشرطة، ولكن عمر اوقفه يسأله: -أنت بتعمل اية؟ اجابه مسرعا بخشونة: -بتصل بالشرطة، عشان لاقدر الله لو حصل حاچة كدة ولا كدة! هز عمر رأسه نافيًا وهو يخبره باختصار:.
-لا، كان في ظابط معايا من اول انتقامي من الحيوان حسين، وزمانه جاي انا قولتله ع المكان واكيد هيجيب قوات معاه اومأ محسن موافقًا، بينما زاد عمر من سرعته كلما تذكر انها بين يدين ذاك الحيوان الان! وقلبه يتلوى بين ضلوعه رعبًا، نعم رعبًا لقد نجح حسين في تحقيق المعجزات! واولهم أن يكون القلق خلفية لحياة عمر بشكل عام...!
نهضت أسيل مسرعة ترتدي ملتبسها المحتشمة بلهفة، ثم فتحت الباب وركضت نحو الاسفل علها تلحق ب جاسر الذي إنصرف مسرعا كأعصار إكتسحها ثم فر واعدًا اياها بعواصف لا تموت ولا تتوقف! بحثت بعينيها عنه في الصالة ولكن وجدتها خالية تماما، ظلت تفرك يدها وهي تهمس بضيق: -اوووف اختفى فين ده بقا؟! وقع نظرها عليه وهو يقف في الخارج مع والدته، تأففت عدة مرات قبل أن تقترب منهم ببطئ..
ولكنهم تقريبا لم يشعروا بها فأكملت والدته حديثها الغامض حتى الان بالنسبة ل أسيل: -ياحبيبي صدقني انا خايفة على مصلحتك بس تنهد جاسر بقوة، تنهيدة رغم عمقها وما تحمله من الكثير والكثير حتى بات يصعب عليه حتى اخراجها في صورة طبيعية! ثم سألها بخشونة: -إنتِ عايزة توصلي ل إيه دلوقتي يا امي؟ اسرعت تقول في لهفة: -عايزاك توافق على عنود، بنت خالتك والحمدلله ضامنين انها بتخلف، وبتتمنى لك الرضا ترضى!؟
إستدار جاسر في لحظة وكاد الرفض ينطلق من مدفع لسانه، ولكن رؤية أسيل تقف بقربهم إلى حدا ما بدلت ذلك الرفض المنسوج بخيوطًا قوية، لموافقة كونها صدئ الحديد الذي جعلته يتراكم فوق عشقًا ملكوم! ف تنهد وهو يخبرها بحسم ثقيل على صدره قبل أن يكون صادم لها: -أنا موافق يا أمي، كلمي عنود وحددي معاها ومع خالتي وهتجوزها! وكأن نصلاً حادًا إخترق صدر أسيل في تلك اللحظة...
فترك مكانه فراغًا ينزف شوقًا لمن كان لا تقطر حروفه سوى حنانًا فُقد ببراعة! بينما إتسعت ابتسامة والدته وهي تربت على كتفه مغمغمة بسعادة: -ايوة كدة، هو ده ابني حبيبي اللي عايز يفرح أهله اومأ جاسر موافقا دون تعبير واضح... فأكملت والدته بحماس: -هروح افرح عنود وخالتك ونحدد معاهم ميعاد كتب الكتاب -ماشي يا ماما اعملي اللي يريحك.
همس بها ونظراته متعلقة بالزهور امامه وكأنه يخشى أن تحطيه هالة عشقه الاحمق فتقتل تمرده الذي وُلد لتوه! بينما استدارت والدته لتغادر فرأت أسيل متجمدة مكانها بثلج كلماته.. ألقت عليها نظرة شامتة قبل أن تغادر، بينما تقدمت أسيل ببطئ حتى اصبحت خلف جاسر مباشرةً تسأله بصوت مصدوم: -جاسر، أنت آآ أنت اية اللي قولتهولها ده؟
إستعادة رباطة جأشة التي كادت تُكسر من تأثير نبرتها الذي لم يزول حتى الان، ليلتفت لها يقول ببرود: -نعم!؟ مسمعتيش ولا كبريائك مش سامح لك إنك تسمعي اصلاً؟! وضعت يدها على فاهها مرددة بحزن مصدوم: -يعني أنت هتتجوز فعلاً؟! هتتجوز عليا يا جاسر؟ لم يرد عليها مباشرةً، ولكن بعد لحظات صمت تُركت لحديث العيون صدح صوته وهو يخبرها بقسوة جديدة عليها: -أيوة هتجوز، هتجوز واحدة عايزاني فعلاً وهتجيب لي العيل اللي نفسي فيه.
ظلت تهز رأسها نافية بصورة بدت له اقرب من الهيسترية: -لا لا، أنت مش هتتجوز، انا استحالة اكون زوجة تانية لا مينفعش رمقها بنظرة قاتلة، ليهزها بعنف صارخًا فيها بعد أن نجحت في إزالة قشرة البرود الرقيقة: -هو ده اللي مأثر فيكِ اوي، إنك هتكوني زوجة تانية مش اكتر، لكن لا يا اسيل، إنتِ حتى مش هتحصلي مكانة الزوجة التانية الحقيقية، إنتِ هتبقي بالاسم مجرد زوجة ملهاش لازمة ف حياتي!
أمسكت بذراعه برفق تهمس بصوت مبحوح: -جاسر لا عشان خاطري، أنا اسفة والله لو جرحتك بتصرفي بس مش هاقدر تقوس فمه بابتسامة ساخرة وقاسية وهو يخبرها: -انا اللي اسف أستحملت منك يااااما، لكن صبري نفذ خلاااص هنا زمجرت فيه بحدة: -خلاص يبقى طلقني واتجوز براحتك بس انا عمري ما هوافق على الوضع ده هز رأسه نافيًا بقوة: -لا، الوضع ده مش اختياري ومفيش حاجة اسمها طلاق، انسي!
كاد يغادر ولكن امسكت به تقترب منه وهي تسأله بما يشبه التوسل: -ولو حصل حمل؟ تخشب مكانه للحظات، ساكنًا، تفكيره مشتعل باحتمالية هذا الامر! ولكنه قال بحدة: -ماعتقدش القدر يكون ف صفك لدرجة انه يكون حصل حمل، لإن انا استحالة اقرب لك تاني كاد يسير ولكنها اوقفته هذه المرة وهي ترتمي عليه لتصبح بين احضانه، عيناها تواجه سطوة عيناه التي غامت إشتعالاً خفيًا... فهمست بحبور:.
-جاسر بلاش تجرحني حتى لو انا جرحتك قبل كدة، مفيش واحدة تقبل إن جوزها يتجوز عليها مهما كان وخصوصا عشان سبب زي ده، بلاش توجعني! أغمض عينيه للحظات وهو يحيط خصرها فابتلعت هي ريقها بأمل، لتجده يضغط على خصرها بأصابعه ليقول جملته التي كانت ترددها دائمًا له، ولكن كان عقاب القدر تبدل الادوار!: -إبعدي عني، مش طايق قربك مني! وكم آلمتها تلك، جدا!
كان عبدالرحمن في غرفته كما كان دومًا منذ أن رحلت الحياة من جسدًا لا يحيى إلا بها! تقريبا هو ما بين الوعي واللاوعي، ما بين خيال هي به معه قليلاً، وواقع يفرض عليه مقاليده القاتلة بحرمانه منها للأبد!.. نهض من فراشه لرغبته في بعض المياه، تلك الغرفة التي لم يغادرها تقريبا منذ أن حدث ما حدث... خرج بأقدام واهية ووببطئ شديد، فتسرب الى اذنيه صوت والدته ويبدو انها تتحدث في الهاتف بانفعال:.
-خلاص يا دكتور خلاص، عايز كام يعني؟ -... -لا لا كتير اوي يا دوك، دي ماكنتش جثة مشوهه دي اللي أنت حطيتها مكان الزفته، وبعدين هو انت مش واخد نص الحساب -... -خلاص خلاص انا هاتصرف واحاول اجيب لك الفلوس في اقرب وقت -... -سلام أغلقت الهاتف وهي تغمغم بحنق متأففة تحدث نفسها بصوت مسموع: -جتك داهية كان يوم اسود يوم ما دبست نفسي معاك! إستدارت تود التحرك، ولكنها صُدمت من تواجد عبدالرحمن خلفها بخطوات بسيطة!
وبالطبع سمع حديثها الذي شعرت أنه ك حبل سيلتف حول رقبتها فيقتلها دون ادنى رحمة... همست متلعثمة: -عبدالرحمن آآ أنت، أنت قومت؟! سألها مباشرةً بجمود: -دكتور إيه وجثة مين يا ماما اللي بتتكلمي عنهم؟!
وصل عمر إلى ذاك المكان مع محسن والشرطة المتفق معها بالطبع، وفي نفس الوقت كان حسين قد غادر ذاك المكان لحسن حظه! تسللوا بهدوء إلى داخل ذاك المكان المهجور ليجدوا حوالي خمس رجال فقط يقفوا ك حراسه للمكان... وخلال دقائق معدودة كانت الشرطة تسيطر عليهم بكل سهولة..! ركض عمر مسرعا نحو شهد التي رآها متكورة في جزءًا بعيدًا تحيط جنينها بيدها وتبكي دون توقف ك طفلة شريدة!
أسرع يهبط لمستواها يحتضنها بكل قوته فصرخت هي بفزع قبل أن تراه: -لااااا ابعد عني! أسرع عمر يربت على خصلاتها المتمردة هامسًا بحنان ملتاع: -هششش اهدي يا شهدي، اهدي أنا عمر، اهدي يا حبيبتي لم تصدق شهد، شعرت أن عقلها عطف عليها بخيال قد يُخفف سواد الواقع قليلاً، احتضنته مسرعة تختبئ بين أحضانه وهي تبكي مرددة بهيسترية: -عمر، آآه يا عمر، عمرررررر!
شدد من احتضانها وهو يلف يداه حولها ويلثم جبتها بعمق هامسًا بأسف على حالتها: -أنا اسف، اسف يا حبيبتي اسف إنتبه ليده التي مست جسدها! فابتعد قليلاً ليُصدم من مظهر ملابسها الممزق تماما حتى بات معظم جسدها ظاهر، بينما هي تحاول تغطية جسدها وهي تبكي بقهر! امسك عمر بوجهها بين يديه، وألف مطرقه تطرق قلبه بعنف حتى كاد يتوقف وهو يسألها: -عمل فيكِ إيه يا شهد؟
ظلت تبكي وقد على صوت بكاؤوها اكثر، نظر خلفه ليجد الحميع غادروا احتراما ل مظهر شهد... حاولت النطق وهي تختبأ في حضنه بخزي: -خبيني في حضنك، مش عايزة حد يشوف مش عايزة حد يشوفني! رغمًا عنه إنزلقت عيناه لشفتاها المتورمة ورقبتها التي يبدو عليها اثار قبلات عنيفة بوضوح! حاول تكذيب نفسه وهو يسألها بصوت اقرب للأنهيار: -عملك إيه يا شهد؟ قرب منك!؟ لم ترد وإنما ظلت تبكي بصراخ فهزها وهو يسألها:.
-ردي عليا يا شهد لمسك؟ في راجل غيري لمسك!؟ وايضًا لم ترد بل اصبحت تضرب جسدها كله وكأنها تحاول أزالة اثر لمسات ذاك الشيطان عنها بهيسترية منهارة... بينما هو وكأن إنفجارًا دوى داخله وهو يحتضنها صارخًا بصوت مذبوح: -ااااااه لااااااااااااااااااااااا ظلت تصرخ بصوت مكتوم وهي تخفي وجهها في ملابسه بينما هو احمرت عيناه بشرارة مقتولة! بينما أمسكت هي طرف قميصه وهي تهمس له بحروف متقطعة:.
-إلحقني يا عمر، إلحق، إلحق إبنك، أبني ااااااه صرخت وهي تمسك ببطنها لينظر عمر سريعا نحو يدها، ويُصعق من مظهر الدماء التي بدأت تسيل منها بغزارة وهي تفقد الوعي بين ذراعيه!
عزفُ العشق مات خلف الأهداب، ووشم الحياة سُلب من الأبدان، وبقىَ جسدي سلعة لا تقبل الأسترداد! كانت شهد تستند على قدم عمر في سيارته، ومحسن امامه يقود السيارة بأقصى سرعة وهو يكاد يموت قلقاً... بينما كان عمر يربت على خصلاتها مسرعًا وهو يحاول تهدأتها، و كان صوت بكاؤوها الحاد أقسى نصل يُجرح كومة مشاعره المرتجفة... صار يقبل كل جزء من وجهها وهو يهتف لها بصوت منخفض شبه باكي: -أنا اسف، اسف اووي يا شهدي.
تأوهت بصوت عالي وهي تمسك بطنها مرددة بألم: -بطني بتتقطع مش قادرة، أنا مش عايزاه يموت يا عمر، أنا عايزة أبني! ضمها لصدره بحنان دفين، هو ايضًا يموت داخليًا! ينصهر خوفه داخل مارد قلبه فيُشكلا ألمًا لا يُطاق... و ظل يهمس لها بهيسترية: -هيعيش، هيعيش ومش هيحصله حاجة صدقيني بأذن الله تشبثت في قميصه أكثر وهي تصرخ باكية: -ااااه ياريتني كنت موت قبلها، ياريته كان قتلني بدل ما أنا اقتل نفسي.
ظل يهز رأسه نافيًا بسرعة وهو يحتضن وجهها بين كفيه: -هششش اوعي تقولي كدة، أنا ماقدرش أعيش من غيرك دفنت نفسها بين أحضانه وهي تكمل بصوت مبحوح إختلط بحرارة شعورها القاتل: -احضني، احضني واوعى تبعد عني، انا حاسه اني همووت مش قادرة! سارع يحتضنها أكثر، يود إدخالها بين ضلوعه فلا يراها سواه! عَلت صرختها أكثر وهي تمسك طرف قميصه لجوار بكاؤوها الذي كان ك دورة لم يحن وقتها لتنتهي:.
-أبننا هيموت يا عمر، هيموت تاني ويسيبنا نتعذب تاني، كنت مفكرة إن ده عوض ربنا لينا، لكن هو كمان هيرووح! كاد يصرخ وهو يخبرها بألم: -شهد ارجوووكِ إستحملي، أنا بتقطع من جوايا، بس هيعيش مش هنخسره تاني انا متأكد واخيرًا وصلوا إلى المستشفى ف فتح الباب سريعا لينزل، كاد محسن يقترب منها ليحملها مسرعا، ولكن عمر جذبها له ببطئ ليحملها مرددًا بجمود صلب: -محدش هيشيل مراتي غيري.
لم يرد محسن وإنما تبعوه للداخل، دلف بها إلى غرفة الطوارئ، فنظر له الطبيب مرددًا بجدية: -بعد اذنك برة يا استاذ اومأ موافقا ثم غادر في لحظات.. ظل واقفا امام الغرفة، فاقترب منه محسن يسأله متوجسًا: -هي شهد حصل لها إيه بالظبط يا عمر؟ الكلاب دول عملولها حاجة؟ هز رأسه نافيًا بقوة ظاهرية: -ولا حاجة يا محسن، زي ما أنت شايف بس، هي منهارة من الضغط النفسي اللي عاشته بس سأله مرة اخرى مشددًا على كل حرف:.
-متأكد يا عمر مفيش حاچة تاني؟ اومأ مؤكدا: -أيوة متأكد اومأ محسن ثم استند على الحائط بجوار عمر الذي نظر امامه بشرود على قيد الوفاه! لايزال يشعر أنه وسط وحوشًا خلقها كابوسًا ما، إن زوجته ومعشوقته لم يمسها غيره! ولكن اسفًا كل المخارج والمحاولات تؤدي لنفس الواقع، كل النقاط ستظل في كتابًا واحد أسود خُصص للعذاب! كم من آهات كتمها داخله عُرف الرجولة عن الكتمان...
وكم من رغبة أشتعلت بداخله تحثه على قتل ذاك الحقير!؟ بعد فترة إستفاق من شروده على صوت محسن الذي ركض يسأل الطبيب بلهفة: -طمنا يا داكتور، خيتي عاملة إيه دلوك؟ اجابه الطبيب بجدية: -متقلقوش، احنا وقفنا النزيف خلاص قاطعه عمر يسأله مسرعًا: -وهي، هي كويسة يا دكتور؟ اومأ مؤكدًا بهدوء: -ايوة هي كويسة جدا، والجنين كمان بخير، هي حصل لها نزيف نتيجة الحركات العنيفة التي حصلت لها، لكن هي تمام.
شعر عمر أن الحفرة تزداد خنقًا حوله أكثر فأكثر، أن كل شيئ حوله يصرخ معلنا أن زوجته لم تعد له وحده كما كانت! أن آخر شاركه فيها!.. إنتبه للطبيب الذي أكمل بصوت أجش: -بس مش عايزين أي مجهود ولو بسيط لان ساعتها ممكن الجنين يتعرض للخطر ونفقده اومأ عمر موافقًا، ثم همس: -تمام، متشكر يا دوك، اقدر ادخل اشوفها؟ اومأ موافقا: -ايوة اتفضل.
دلف عمر إلى الغرفة بخفوت، بينما أنتظر محسن أن يدلف لها عمر اولا ثم يتبعه هو، دلف ليجدها تنظر ناحية الشرفه وبمجرد أن شعرت بوجوده حتى إلتفتت له هامسة: -عمر..
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والعشرون
اقترب منها عمر ببطئ حتى اصبح امامها تماما، نظرت له ودموعها تنهمر على وجنتاها مغمغمة: -عمر، أنت بعيد لية؟ قرب، أنا محتاجالك اوي يا عمر جلس على طرف الفراش لجوارها، كان كما لو أنه متجمد تماماً، يشعر أن شيئً ما يكتفه حتى كاد يمنعه عن التنفس حتى! أمسكت شهد بيديه لتهمس بصوت ذو بحة منكسرة: -عمر، أنا تعبانة، تعبانة جدا وحاسه إن في حاجة جوايا إتكسرت! تنفس بصوت عالٍ قبل أن يقول بخشونة:.
-الدكتور طمنا على الجنين، وقال انه خلاص مفيش خطورة حاولت النهوض متأوهه بصوت مكتوم ليسرع هو يسندها بهدوء هامسًا: -إتحركِ واحدة واحدة عشان ماتتعبيش أقتربت منه ببطئ وقد عاودتها نوبة البكاء مرة اخرى وكأنه السبيل الوحيد الذي تجري فيه بلا هوادة! لتحتضنه متابعة باختناق: -ناديت كتير، وصرخت كتير لحد ما حسيت إن صوتي راح، كنت حاسه إن في حاجة جوايا بتموت ببطئ، أنا م آآ قاطعها عمر بحدة: -بس، اسكتِ مش عايز أسمع.
أمسكت يده تضعها على بطنها برفق وهي تقول بنبرة إختلط فيها البكاء: -كنت خايفة عليه، كنت خايفة عليه أكتر من أي حاجة، لأنه منك أنت...! أبعد يده عنها بهدوء يشيح بوجهه للجهة المقابلة.. هو حتى لا يستطيع أن يواجه عينيها! أن يُجمد خزيه من نفسه امام ضعف لؤلؤتيها الساحرتين... هو كُسر تماما فلا يقوي على النهوض! إلتفت لها عندما سمعها تردف بحروف متقطعة: -عمر أنت بعيد لية؟ قرب مني.
لم يرد عليها فأكملت وهي تمسك وجهه بين يديها بحرقه: -أنا مابقتش ناقصة يا عمر، هو قرب مني غصب عني مش بمزاجي، اخد حاجة مش من حقه من غير ارادتي، أنا كنت بموت، صدقني مكنش بمزاجي، بس مقدرتش أقاومه، مقدرتش أمنعه، كان قوي اوي، وانا كنت ضعيفة اوي، اوي! وإنهارت عند كلمتها الأخيرة وهي تشهق باكية، إن كانت خلافاتها السابقة كسرت ثباتها النفسي... فما حدث هذا ذبحها والحياة لم تُخفى كاملة منها! شهقت وهي تسأله باكية:.
-عمر أنت مش بتبصلي لية!؟ حينها نظر لها يردد بضعف متألم: -مش قادر أتخيل إن في راجل غيري لمسك، إن في حد شاركني فيكِ، إنك مابقتيش ليا لوحدي! إن راجل غيري اخد صلاحيات كانت ليا لوحدي، ومش قادر أبص فيكِ، حاسس أني اضعف مما كنت متخيل! هزت رأسها نافية وهي تحتضنه مستطردة: -أنا عمري ما هبقى لحد غيرك، ولا حد كان او هيكون ابو ولادي غيرك.
لم يتحمل فأحتضنها بقوة يمنع نفسه من الصراخ بصعوبة، يدفن وجهه عند رقبتها وكأنه يود الاختباء من الخزي الذي يلاحقه... بينما إرتجفت هي في البداية، ولكن ظلت تُطمئن نفسها... هو حبيبها، ملجأها وملاذها الوحيد، لم يكن بأخر! أبتعد عنها ببطئ، فهزت هي رأسها بهيسترية مرددة: -عمر بوسني! نظر لها متخشبًا مكانه متعجبًا من حالتها تلك! فهمس: -اية!؟ اعادت كلمتها باختناق ظهر بوضوح بين ثنايا كلماتها:.
-قرب مني، أنا عايزاك، عايزة أحس إن أنت لسة بتحبني، إنك مابقتش مش طايقني ومصدق إن كنت مُجبرة وضعيفة! نظر في عينيها يحاول أن يستعيد الجو الطبيعي لقهوة عينيها التي تلونت بحمرة مُشققة.. أستغرق دقيقة تقريبا ليهجم عليها بشفتاه يقبلها بعنف، يكتسح رحيق شفتاها التي اشتاقها حد الجنون... اقترابه منها كشف عن شوقه الماضي المُغطى بخزي الحاضر! هو ايضا يود أن يثبت لنفسه أنها ستظل له وحده فقط، سيحاول أن يفعل!
بينما يداه تضمها له بقوة، وقبلاته تلين شيئ فشيئ، وهي تتجاوب معه، بل هي تتمنى أن تنغمس معه... ولكن مقتطفات ماضية مرت خلال ذاكرتها اللعينة مما حدث منذ قليل، عندما شعرت بشفتاه تنتقل لوجهها كله ويداه تتحسسها ببطئ... لم تمر دقيقة حتى إنتفض مبتعداً عنها، لا يستطع إرغام نفسه اكثر.. لا يستطيع اقترابها، لا يستطيع أن يُعطيها ذاك الاثبات الثقيل عليه!
كان ينظر لها لاهثًا من فرط إنفعال مشاعره، وفي اللحظات التالية كان ينهض مبتعداً، فسمع صوتها تقول بضعف: -عمر ماتبعدش عني.. أغمض عينيه يبادلها الهمس المختنق: -ماقدرش ابعد عنك...!
كانت أسيل في غرفتها، تبكي منذ أن حدث ما حدث، ولكن مهلاً، لمَ تبكي من الأساس؟! لمَ تحترق داخليًا امعاؤوها من فكرة عابرة شعارها أن اخرى ستُشاركها فيه!؟ أن اخرى ستنال دلاله بل وتستقبله على وتيرة ناعمة ونغمة مؤثرة! سمعت صوت الزغاريد الذي يأتي من الأسفل، وتقريبا تلك كانت كالصريخ داخلها يصدح على عاشق سيقتلوا العشق بداخله عما قريب!..
عدلت من حجابها مسرعة، لتنهض متجهة للأسفل ببطئ وخطوات واهنة، إلى أن رأت والدة جاسر و عنود ووالدتها، وجميع افراد اسرتهم، واخيرًا معذب القلب جاسر .. اقتربت منهم ببطئ لتجد الجميع ينظر لها، فهتفت مسرعة بصوت لمعت به لفحة بكاء: -زي مانتوا، خدوا راحكتم! بينما جاسر لم ينظر لها اطلاقا، يكفيه صوتها الذي أيقظ عطفه وحنانه كمغناطيس لها! صدح صوت والدته قائلة بفرح:.
-ألف مبرووك يا ولاد الخطوبة، عقبال الجواز بقا عشان نفرح! أبتسمت عنود تتصنع الحياء، بينما قال والد جاسر بجدية: -هتكوني جاهزة امتى يا مدام عنود عشان نجهز كل حاجة صدح صوت جاسر معلنًا إنتهاء امال كادت تُبنى على جسرًا واهيًا: -مفيش أي حاجة هتتعمل، كتب الكتاب الجمعه الجاية، هتيجي بشنطة هدومك واهلا وسهلا بيكِ هنا ركضت أسيل للخارج تشهق باكية!
بينما نظر له والدة نظرة ذات مغزى وكأنه يقول له ألم اسألك وأنت أصريت على محو سعادة في منتصف الطريق؟! بينما قالت عنود ببرود غلفته بالهدوء الخجول: -وأنا معاك ف اللي تقوله يا جاسر رماهت بابتسامة ساخرة، ثم غادر مسرعا نحو المكان الذي ركضت له اسيل... فأردفت والدته تحاول إخفاء ذاك الموقف المحرج: -معلش بقاا أنتم عارفين إنه مابيحبش المناسبات اصلا اومأت والدة عنود بحرج: -اه منا خدت بالي.
بدأوا يتبادلون أطراف الحديث، بينما نهض والد جاسر ليغادر بهدوء معترضا على كل ما يجري الان! وفي الخارج كان جاسر يلهث من ركضه خلف تلك التي خرجت خارج المنزل كاملا... حتى إستطاع امساكها اخيراً، فصاحت فيه بحدة باكية: -ابعد عني سبني روح لها جاي ورايا لية؟! زمجر بوجهها بحدة مفرطة: -إنت هبلة! إزاي تخرجي وتجري كدة ومين سمح لك تخرجي اصلا؟
رفعت إصبعها وكادت تنطق وهي تنظر لعيناه التي اطلقت شرارات الغيظ مختلطة بشعلات الإجبار القهري لتجد نفسها تحتضنه بقوة مرددة وسط دموعها: -جاسر ماتتجوزش، عشان خاطري ماتتجوزش! مش هقدر اشوفك متجوز واحدة تانية، وحياة اغلى حاجة عندك؟! آآهٍ لو تعلم أنها أغلى شيئ يمتلكه في هذه الدنيا... أنها ذهبًا هي دفنته داخلها رافضة أي محاولات لتنقيته.. أنها أثمن شيئ قدم مقابله كرامته التي ترجوه العودة!
واحتضنها هو الاخر، مستمتعًا بذاك القرب الذي قد يكون اللحن الاخير في اعزوفة ضعيفة ومنتهية من البداية...! ليقول بصوت خفيض: -أسيل لازم نرجع، أحنا في الشارع هزت رأسها نافية وهي تمسك طرف ملابسه - كالمخبرين - هامسه: -هتسيب البت الباردة ومش هتتجوزها صح؟ شدد على حروفه قائلاً: -أسيييل، أحنا في الشارع!
أبتعدت قليلاً، لتنظر رغما عنها ل سلسلة صغيرة معلقة في رقبته، ف مدت اصابعها ببطئ تلتقطها لتفتحها، فصُدمت من تواجد صورتها داخلها... ألهذه الدرجة هو يعشقها وهي عمياء عن ضوءًا لا يُسلط حول الكثير كهذا؟! ضربته على صدره برفق متابعة بحروف مختنقة داخلها: -انا أسفة يا جاسر، سامحني!
تنهد بقوة مغمض العينين، وفجأة رأى سيارة سريعة وكبيرة سوداء تقترب منهم بسرعة رهيبة، ورجلاً يخرج منها وبيده زجاجة صغيرة وما إن أقترب منهم حتى فتحها ليلقيها قاصدا أسيل التي صرخت بفزع و...!
توترت والدة عبدالرحمن كثيراً بل كادت تسقط فاقدة الوعي من تحالف القدر ضدها، لم تتوقع أن يخرج من غرفته، وخاصةً أنه لم يغادرها منذ ما حدث.. لمَ الان تحديدا قرر مغادرتها؟! بينما كرر عبدالرحمن سؤاله بحدة: -ردي عليا يا امي كنتي بتتكلمي عن جثة إيه المشوهه وحطتيها بدال مين؟ إبتلعت ريقها بازداء وهي تحاول نصب خيوطا يمكن أن تكون اجابة مقنعة لترد بعد صمت دقائق:.
-دي آآ دي يعني آآ جثة، جثة بنت آآ بنت صحبتي ف آآ...! وصمتت لم تنجح في نسج كذبة جديدة بينما كان عبدالرحمن يحدق فيها مفكراً، وبداخله تناقض شعوري حول ما تقوله وتوترها ذاك!؟ وفجأة أنتبه أن والدته لم تحضر أي مناسبة سوى ل، رضوى! فسألها مسرعا: -وهو الدكتور هياخد فلوس منك عشان يجبلك جثة مشوهه بدل بنت صحبتك يا امي؟! هزت رأسها نافية ولم تجد ما تقوله وكأن الحروف سُرقت منها... فاقترب عبدالرحمن يقول بحدة غاضبة:.
-إنتِ كدابة يا امي، أنا اسف بس إنتِ فعلا كدابة، الموضوع ليه علاقة بمراتي صح؟ هزت رأسها نافية بسرعة: -مراتك اية وانا هبدل جثة مراتك لية يعني!؟ كز على أسنانه مستطردًا بغيظ متعجب: -بس أنا مقولتش تبدلي جثث خالص على فكرة؟! أشاحت وجهها متأففة بضيق مصطنع يخفي خلفه اميالاً من التوتر: -يووه، أنت من امتى بتحقق مع امك يا عبدالرحمن؟ تنهد بعمق ليسألها بخفوت: -فين بنتي؟! أشارت نحو الاريكة مغمغمة: -اهي عندك ع الكنبة.
اتجه نحو ابنته يحملها برفق، كاد يبكي وهو يرى قطعة من معشوقته الراحلة! قطعة ستغمس داخله حبها دومًا... لاحظت يد الطفلة التي تقبض على شيئ ما، فتح يدها برفق ليجد ورقة صغيرة بالكاد ترى.. فتحها مسرعا متعجباً من كونها مع طفلته، ليجد فيها إشارات يعلمها جيدا، بل ويحفظها عن ظهر قلب! اشارات كانت وكأنما أحيت الحياة بداخله مرة اخرى... فصرخ بعلو صوته وكأنه يحاول التصديق: -رضوى عاااايشة! رضوى ماماتتش!
وصل كلاً من عمر وشهد ومحسن إلى منزله، كان يحمل شهد التي كانت تستند برأسها على صدره الحنون دومًا... أغلق محسن الباب ليقول عمر بجدية: -هاطلع شهد ونازلك يا محسن اومأ موافقا بتنهيدة: -تمام خد راحتك وبالفعل وصل بها إلى غرفتهم فدفع الباب بهدوء ليضعها على الفراش برفق.. كاد يبتعد ولكنها لم تبعد يدها عنه وعندما لاحظت عبوسه همست بألم: -عمر خليك جنبي، ماتبعدش عني أنا محتاجاك؟ اجاب بجدية:.
-شهد أنا لازم أروح اشوف حاجة صرخت فيه بنفاذ صبر وهي على وشك معاودة البكاء: -ماتتهربش مني، أنسى اللي حصل أنت مفروض تداويني مش تجرحني اكتر! صرخ فيها هو بالمقابل: -مش قاااادر، مش قااادر كل ما ببصلك بفتكر منظرك ونص جسمك باين وواحد تاني لمساته باينه علي جسمك! ظلت تصرخ بهيسترية وهي تضرب نفسها بقوة:.
-ربنا ياخدني، ربنا ياااااخدني قبل ما اشوف النظرة دي في عنيك و تكون مش طايق تقرب مني او حد ياريتني كنت مُت قبل ما يلمسني! لم يتحمل فاقترب منها مسرعاً يحتضنها وهو يردد بحرقه: -أسف، انا أسف، بس مش قادر اتحمل، والله ما قادر! قطع وصلتهم المُقطعة صوت رنين هاتفه الذي اخرجه مسرعا وهو يرد بصوت أجش: -نعم يا عمار؟ اتاه صوته الملهوف يردد بنبرة كادت تكون مبتسمة:.
-عمر، شهد ماحصلهاش اي حاجة، مراتك محدش لمسها غيرك، الحيوان ماقربش منها نهائي!
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والعشرون
سكون، صمت وعجز، وحروف فشلت في الخروج للنور الذي يتصدرها! كانت السعادة ممثلة على هيئة كهرباء لاذعة إخترقت جسده عنوة مؤلمة، ولكنها بيضاء مُنيرة تخترق أشعة مترابطة سوداء بناها خوفًا جديدًا عليه، واخيرًا خرجت حروفه منغمسه بالبطئ المصدوم: -نعم! أنت إزاي عرفت بالموضوع ده أصلًا، ومين قالك الكلام ده؟ أجابه على الفور:.
-أصل احنا وقاعدين عادي لقيت موبايل البت اللي أسمها چودي دي بيرن، ف أنا بصيت ولقتها مسجلاه حسين ف خليتها ترد كأنها طبيعية وهددتها بالسكينة طبعا، المهم إنها ردت واتكلمت عادي ف بعد ما سألها إنتِ فين قالها أنا جايلك أصل أنا متعكنن عايز اظبط مزاج حتى لما كنت هظبط نفسي بالبت شهد جه الحيوان منعني، أنا فهمت إن الحيوان ده صاحبه منعه ومشاه من هناك معاه وكانت شهد مغمى عليها، متهيألي كل حاجة بقت واضحة خلاص؟
تنهد بقوة يستعيد إتزان مبتور قبل أن يرد مهللاً بسعادة إخترقت هالة الصدمة السميكة التي كانت تحطيه: -ايوة طبعا، الله يعمر بيتك يا شيخ ضحك عمار بمرح: -ماشي يا برنس، أسيبك أنا، إنچوي بقا أغلق مسرعًا لينظر أمامه هامسًا بتوعد كسيفًا على رقبته: -وديني لأوريك النجوم في عز الضهر يا حسين الككككلب إنتبه لصوت شهد الذي سقط على أذنيه كموسيقى تهليلية: -في إيه يا عمر؟
رغم بحة الضعف التي توسطت حروفها إلا أن مؤثرات ومؤشرات نفسية شكلت بناءًا غير الطبيعي من صنع السعادة.. اولاها ظهره وهو يقول بسرعة: -مفيش حاجة نهضت خلفه بسرعة منتفضة وهي تناديه بوهن: -يا عمررر إستدار لها يلتقطها بين أحضانه قبل أن تسقط من شدة الإعياء، ليحيط خصرها برفق هامسًا برومانسية: -قلب عمر، وعيون عمر، وعقل عمرر دق قلبها بعنف، وإنتبهت جميع حواسها للتغير المفاجئ الذي طرق على عمر...
اضطربت انفاسها من إقترابه الذي سكر روحها الملكومة، لتسأله بخفوت: -عمر، ممكن أفهم حصل إيه؟ حررها ببطئ من بين قبضتيه اللتان تأسراها بأسر متين لا يقبل الفرار، فتابع بهدوء تام: -هنزل ضروري وهرجع على طول يا شهدي متقلقيش اومأت مأخذوة بسحر عيناه الذي كشف عنه فجأةً..! وبالفعل غادر مسرعا لينزل ل محسن الذي ما إن رأه حتى قال بصوت عالي تتناثر منه السعادة هنا وهناك: -منوورني والله يا ابو النسب، يا وش السعد.
ضيق محسن ما بين حاجبيه مغمغمًا بدهشة: -أنت شارب حاجة ولا إيه يا عمر؟ ولا لتكونش شهد لحست مخك ب خضتها واللي حصل؟ ضحك عمر بمرح رغم الغصة التي إحتلت حلقه كون ذاك إستطاع لمسها، ولكنه أردف بخبث مفكرًا: -لا أصل الموضوع يعتبر اتحل، وخلال ساعات هجيب حسين من تحت الارض، واصلا خلاص اتدبس في صفقة مشبوهه مش بعيد تجيله جلطة بسببها سأله محسن بلهفة: -صحيح يا عمر؟ اومأ مؤكدا بثقة:.
-ايوة طبعا، أنا اصلاً كنت مجهزله الصفقة دي من بدري اوي عشان تقطم ضهره، وجه وقتها وزمان البوليش بيدور عليه، عشان يتلقح جمب اخواته في السجن لحد ما يعفن، وده بقا سنكوح يعني مش بيج بوص ليه معاونين بره، ده غير إني هجبره يخليني اشوف الراس الكبيرة، وساعتها هقلب عليها واطيها! أبتسم محسن غير مصدقا، في حين تابع عمر بخبث ماج بين حروفه: -أنا بقول تروح تريح بقا يابو النسب أنت تعبت معانا.
كاد محسن يبتسم وهو يستشعر أن عمر - يوزعه - فتنحنح مرددًا بخبث مماثل: -تمام، أنا هروح اشوف احوالي كدة واجي نشوف هيحصل إيه تاني لو حصل جديد يعني اومأ عمر مؤكدا بلهفة: -ايوة طبعا طبعا ربت محسن على كتفه بخفة ثم استدار ليغادر، فيما إتجه عمر للأعلى بخطوات شبه راكضة ليدلف الى الغرفة مغلقا الباب خلفه..
إنتصبت شهد جالسة فاقترب عمر ببطئ إلى أن أصبح أمامها تماما فأغرقها في عناق محموم يحمل في طياته أشتياق حار يحرق احشاؤوه... بادلته هي العناق وقد اغرورقت عيناها بالدموع، فهمست بصوت مبحوح: -أنا بحبك اوي يا عمر أمسك وجهها بين يديه مسلطًا انظاره المحاصرة على دعوة شفتاها الصريحة المنفرجة، وقال بهمس متبادل: -وأنا بعشقك يا قلب عمر مسح دموعها بطرف أصبعه مغمغمًا بحزم لين:.
-من النهاردة مفيش دموع، لان مفيش حاجة تخليكِ تبكي اصلاً! ضيقت عيناها متساءلة باختناق: -أزاي يعني يا عمر؟ -زي الناس، الكلب اللي اسمه حسين ماقربلكيش لما اغمى عليكِ، يعني إنتِ زي ما إنتِ ملكي أنا بس قالها قبل أن يبدأ في تقبيلها بنهم بشفتاه المتعطشة لرحيق شفتاها الذي يدغدغ مشاعره المحظورة، فيما حاولت هي الابتعاد وهي تردد غير مصدقة: -إيه؟ ازاي! مش فاهمة.
عاد يقبل رقبتها البيضاء وهو يميل عليها يكاد يكون ملتصقاً بها ليهمس: -بعديين بعديين هزت رأسها نافية وهي تحاول ألا تسلم لأعصار مشاعره الهوجاء: -لا دلوقتي، فهمني حصل إيه بالظبط سحبها من يدها برفق مرددا: -مش وقته، دلوقتي أنا عايزك تلبسي ده قالها وهو يخرج أحد الأقمصة التي يفضلها، فيما فغرت هي فاهها مردفة بحنق: -لا مش هلبس حاجة، قولي الاول أغلق الدولاب ليسحبها معه للفراش وهو يقول بخبث:.
-مش مهم، انا اصلا غيرت رأيي، كدة كدة كان هيتقطع خسارة اصل انا مشتااااق مشتاااق اوي فتحت فاهها وكادت تنطق معترضة ولكنه أسكتها بقبلة نارية قتلت ما تبقى من صمود لأحتلال مرغوب... رفعت يدها تحيط عنقه وتبادله قبلاته الثائرة برقة، بينما يداه تتحسس مفاتن جسدها برغبة وشوق حارق...
لينتهي بها الحال على فراشهم وهو فوقها يكاد يأكل شفتاها جوعاً، ليهبط بشفتاه لرقبتها التي لم تسلم من قبلاته، حتى صار يقبل كل جزء من جسدها...! ليغرقا معا في بحورا لا تنتهي من العشق اللانهائي!
وقلبًا إلتاع من هجومًا إضطراري كان يحاول الفرار من بين براثنه، ولكنه كان كالظلام في الشتاء تجده في كل مكان وأي وقت! إنخفض جاسر مسرعا وهو يعطي ظهره لهم ليقعا على الأرض سوياً وبأقل من لحظات كانت أسيل ترتكز بين أحضانه باكية برعب... والسيارة إختفت بسرعة من امامهم، نهض جاسر عنها يمسك وجهها متساءلاً بلهفة مرتعدة: -حصل لك حاجة؟ إنتِ كويسة!؟ هزت رأسها نافية بنبرة باكية:.
-أنا كويس بس مين دول وكانوا عاوزين يرشوا إيه؟ نهض وهو يسحبها معه قبل أن يتنهد بقوة وعمق قائلاً بغموض: -معرفش يا أسيل معرفش ظلت تهزه بسرعة وهي تسأله بأصرار: -لا انت عارف ومش عايز تقولي، وبعدين انا خايفة يلا نرجع القاهرة تقوس فمه بابتسامة ساخرة، إكتشف أن الهرب ما هو إلا وسيلة مؤقتة لأمتداد طريق نهايته محتومة! فقال بحدة:.
-لا طبعا، امشي وإنتِ ساكتة خلينا نوصل بقا، ما كله بسبب غبائك خلتيني خرجت من غير سلاحي حتى شهقت مصدومة وهي تشير لنفسها: -دلوقتي بقيت انا السبب؟ إما أنك نصاب بتحب تلزق المصيبة ف غيرك اواااااام! أمسكها من يدها يضغط عليها بكل ذرة غيظ تتمحور داخله حتى تأوهت بصوت عالي وهي تزمجر فيه: -حرام عليك دراعي ده مش معمول عشان أنت تدوس عليه وتكسرهولي بس!؟
وصلا الى المنزل فدلف جاسر دون أن ينطق بكلمة، تتبعه اسيل التي أيقنت أن الوحش يستعد للهجوم في محرابه! أغلق جاسر باب الغرفة عليه بوجهها، فتأففت بغيظ قبل أن تفتح الباب وتدلف مغمغمة بضيق: -اه، هو طبعك ولا هتشتريه، ما حقك تعمل كدة واكتر مش انا اللي قعدت اتحايل عليك؟! شهقت وتحولت قسمات وجهها ل لوحة شاحبه من الخزف الذي تعفن مسبقا! عندما رأت اجزاء قد تكون صغيرة من ظهر جاسر الذي كشفه لتوه مُحترقة...
وبالطبع لم يكن صعب عليها أن تدرك أن السائل الذي ارادوا سكبه عليها ما هو إلا - مياة نار -! إقتربت منه مسرعة، لتضع أصبعها برقه على ظهره فصرخ منفعلاً فيها: -اطلعي برة يا أسيل هزت رأسها نافية بصلابة: -لا طبعا، لازم الحرق ده يتحط له حاجة لم تعطيه فرصة مناقشتها التي ستخرج منها منهزمة هزيمة ساحقة بالطبع فاستدارت تغادر تجاه المرحاض لتجلب منه - المرهم - الذي تجلبه معها في أي مكان...
وقفت امام جاسر تقول بصوت آمر: -نام على السرير تنهد بقوة مرددًا بهدوء ساكن: -أسيل لو سمحتي روحي دلوقتي من ادامي جلس على طرف الفراش بوهن، فيما جلست لجواره لتمتد اصابعها الناعمة تتحسس مكان الحرق وهي تبدأ بدعك المرهم له... أغمض عيناه بقوة يحاول أن يجعل من مشاعره تلك ثلوجًا لا تقوده سوى للهلاك! قلبه غابة، وهجوم تأثيرها الوحش المسيطر على جميع اجزائها... إنتهت اخيرا لتمسكه برفق هامسه تحاول مداراة خجلها:.
-يلا بقا ممكن تنام؟ هز رأسه نافيًا وهو ينهض مرتديًا التيشرت بسرعة: -لا لازم أروح كادت تعترض ولكنه قاطعها صارخا بوجهها: -خلصنااااا يا أسيل إنتِ مش هاتمشيني على مزاجك إبتلعت زعزعة خوفها عليه، وتجمدت المشاعر الثائرة التي لا تعرف متى أستيقظت ولا كيف تغوص داخلها؟! لتومئ بصوت خفيض على وشك البكاء: -صح، انا اسفة! فتح الباب ليغادر صافعًا الباب خلفه، فيما حسرت هي شعورها المتمايل نحو البكاء...
فيما وقف جاسر في الحديقة، يتنفس بصوت عالي إخترق السكون المخيم على ارجاء المكان... ليهمس وكأنه يحدث نفسه: -لا، مش هينفع اورطها معايا، المرة دي يا سابت يا خابت، لكن محدش يعرف هيحصل إيه بعد كدة؟! وخلال دقائق معدودة كاد يخرج الهاتف ليجري إتصالا، ولكن وجد أسيل تقترب منه ببرود، إلى أن اصبحت امامه فهتفت بضيق بارد: -مش من حقك تزعقلي وتسيبني وتمشي كدة على فكرة! رفع جاسر حاجبه الأيسر متمتمًا بغيظ:.
-إنتِ مجنونة يابت؟ ما إنتِ قولتي فوق ماشي وكنتي هتعيطي وسكتي!؟ تأففت وهي تتآكل غيظا، لتُصلب مكانها وهي تسمعه يكمل بجمود: -عموما انا خلاص اصلا لا عدت هزعق لك ولا هاجي جمبك حتى! سألته متوجسة: -قصدك إيه؟ اجابها مباشرةً بصلابة قاسية: -قصدي إن انا وإنتِ بمجرد ما نرجع القاهرة هنتطلق من سُكات يا أسيل! شهقت مصدومة: -نعم!؟ اومأ مؤكدا ببرود حاول خلقه من توتر كاد يفترش على ملامحه الخشنة:.
-ايوة، وده قرار نهائي في مصلحتنا احنا الاتنين! ثم غادر يوليها ظهره مسرعاً قبل أن تخونه تعبيراته المختزنة...
وصلت رودينا إلى المنزل الذي تقيم فيه والدتها، كانت في حالة يرثى لها! مُلقاة هي ك مارد فرض عليهم سحره الاسود وعندما إنتهى مفعوله كانوا قد استفاقوا من غيبوبتهم قصيرة الامد... إنتهى حلمها ب حياة وردية مع احمد فما يُبنى على وهن لا يكتمل في مراحل متعددة القوى! طرقت الباب عدة مرات ولكن ما من مجيب، سمعت صوت السيدة الذي اتاها من الأعلى تخبرها ببرود: -يا مدام رودينا، والدتك مش هنا سألتها قاطبة جبينها:.
-نعم امال فين؟ رفعت الاخرى كتفيها تبرم شفتيها بعدم معرفة: -معرفش وحياتك، بس هي ماجتش من السفر من ساعتها إبتلعت رودينا ريقها بقلق هامسه: -ازاي بس دي قالتلي إنها هاتوصل النهاردة تحديدا!؟ اخرجت هاتفها بسرعة لتتصل بوالدتها الني اجابتها بعد دقيقة تقريبا بصوت ناعس: -ايوة يا رودينا؟ -إيه ده يا ماما إنتِ نايمة ولا إيه انت عمالة اخبط على الباب -مهو، آآ أصل انا لسة في باريس يا رودينا -نعمممم! ازاي يعني.
-اصل كامل جوزي بعد ما كنت نازلة قالي لا مش هتنزلي مصر تاني، وانا مش عايزه ازعله مني! ظلت تردد بهيسترية مصعوقة: -طب وانا! و آآ، والشقة دي؟ -أنا عرضتها للإيجار النهاردة الصبح، وإنتِ بقالك بيتك وجوزك يا حبيبتي، وانا مرتاحة مع جوزي هنا -لا يا ماما لا، انا محتاجاكِ اوي! -طب معلش يا حبيبتي انا لازم أقفل دلوقتي يلا باي باي.
ثم أغلقت الخط بوجهها، سقط الهاتف من بين أصابعها، وكأن القدر يُغلق كل بابًا تفكر فيه على الفور! وما أصعب عقاب ذاك القدر القاسي، كل شخص زجها نحو وحل الخطأ خرج هو منه مسرعا، لتغرق هي وحدها، هي فقط لا سواها!