رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر
الدنيا دائرة، دائرة كبيرة وواسعة تبتلع الكثير والكثير فيها، وأنت مجرد عنصر فيها قد تشوهك وقد تمحيك كاملاً... صباحًا إنطلق عمر متجهًا ل تلك التي تدعى حنان ... كانت أعصابه ك وترًا أصبح مشدودًا مطاطًا من كثرة الإرهاق والشد والجذب! وصل الى المنزل فطرق الباب بقوة وكأنه يود اختراقه، إلى أن فتحت الباب فدفعها بقوة للداخل وأغلق الباب خلفه، نظرت له مصدومة من عصبيته تهتف في هدوء حانق:.
-في إيه يا عمر مالك داخل كدة لية؟ جذبها من يدها بقوة مزمجرًا في وجهها: -إنتِ كلمتي شهد مراتي؟ إبتلعت ريقها متوجسة، يبدو أن تسرعها أسقطها في حفرة عميقة جدرانها من أشواك مسممة! لتجيبه بما اشبه الهمس: -انا اتصلت بالتليفون بتاع البيت بتاعك، لكن مكنتش أعرف إنها هي شهد مراتك والله العظيم هزها بكل القوة السلبية التي تكمن بين ثنايا روحه الممتلأة بشجن ليصرخ فيها:.
-وهو حد قاااالك تتصلي اصلا، أنا مديكي التليفون ده عشان تتصلي وقت الضرورة مش عشان تتصلي وتكلميها وتعرفيها إنك الزفتة مراتي التانية! حاولت إبعاده عنها متأففة بضيق: -هو حصل إيه يعني ل ده يا كله يابن عمتي؟ جلس على الأريكة يهز رأسه بهيسترية مرددًا: -حصل كل حاجة وحشة، حياتب كلها اتدمرت يا حنان! سألته بقلق: -هي عملت إيه بالظبط اما عرفت؟ همس بقهر: -هربت، سابتني ومشيت وطلبت الطلااق!
شهقت مصدومة، مساعدته لها أصبحت عبئًا ثقيلاً على كتفيه اللذان كادا يسقطا بلا نهضة اخرى! لم تتوقع أن تختم حياته بصك النهاية وبسببها هي... بينما ظل يردد هو بهذيان: -ياريتني ما رديت على خالي ولا ساعدتك ولا خبيت عنها، ياريتني ما عرفت حسين ولا حبيت أنتقم منه واسترد حقي، ياريتني كنت سبته يخليني مدمن اهون، على الاقل كانت هتبقى جمبي!
جلست بجواره مقتربة منه تربت على كتفه برفق، كادت تكون ملتصقة به فانتفض سريعا وكأنه تذكر ليوبخها: -إنتِ من امتى وانتِ بتقربي كدة، ابعدي عني نهائيا -عمر انا بردو مراتك قالتها بضيق مهموم ومكتوم، ليقول بحدة:.
-مراتي مجرد مساعدة عشان ابوكِ اللي فضا يحايلني اتجوزك عشان ابن الكلب اللي اغتصبك، عشان عين خالي الصعيدي ماينفعش و ماتبقاش في الارض وتبقى بنته متجوزة صوري لوقت مؤقت بس ومستقبلها مايتدمرش، بس اهووو مستقبلي انا وحياتي كلها اللي اتدمرت، ملعون ابوه اتفاق مساعدة! نكست رأسها خزيًا، مرارة تلفح سطح تظاهرها البارد والواهي... بينما انتبه عمر فنهض مغمغمًا بضياع:.
-أنا اسف يا حنان، انا مش قصدي أذلك بس انا مضغوط جدا هزت رأسها نافية: -لا معاك حق، احنا اللي كنا برة حياتك من يوم وفاة عمتي ويوم ما دخلناها دمرناها سألها عمر بجمود: -إنتِ عرفتي منين إنك حامل؟ أجابت متلعثمة: -كنت حاسه بأعراض الحمل وجبت تحليل من الصيدلية، مش عارفة اعمل اية انا مستقبلي ضاع خلاص، مش عارفة هقول لابني مين ابوه! ابوك اللي اغتصب امك وسابها وهرب؟ ظلت تسألها بنبرة مختنقة:.
-هعمل اية يا عمر؟ وهقول لأبوي اية ده ممكن يروح فيها! أجابها عمر بعد فترة الصمت بصوت حازم وجاد غير واعي لنتائج قد تترتب بشكل يُذهله تماما: -هتكملي حملك يابنت خالي وابنك هيتكتب بأسمي! ثم نهض ليغادر دون كلمة اخرى، يكمل مهمة البحث عن معشوقة متمردة خرجت عن طوق الطاعة!..
الحياة مياه، مياه تنساب من منبع الظروف، تُشكلها بأصابعك كيفما شئت، ولكن إن إزداد عبثك بها، إزددت أنت غرقًا فيها! وفي مكانًا اخر، تحديدًا أمام بناية كبيرة في منطقة شبه خالية من السكان، كانت چودي تقف وتفرك أصابعها بتوتر، قلبها يدق بعنف وخلاياها تصرخ بالقلق! أجبرت ساقيها على التحرك نحو الأعلى، ووصلت امام - شقة - ما فاطرقت الباب بهدوء بطيئ..
فُتح الباب على مصرعيه ليظهر أمامها حسين بابتسامته اللزجة التي تمقتها لأكبر حد! لعنت ذلك الوعد الذي يُجبرها على التفريط في أغلى ما تملك مقابل ضبابيات حياتية لا تلزم حينها... جذبها حسين من يدها برفق وهو يردف: -ما تخشي يا جوجو هو إنتِ محتاجة عزومة؟! هزت رأسها نافية وهي تحاول نفض ذلك التوتر الذي شل أطرافها عن التصرف تحت ظل خططها، ثم أخبرته بابتسامة صفراء:.
-لا طبعا يا حسين، أنا جايه من غير عزومة، وهادخل من غير عزومة برضه أغلق الباب خلفها وقد صدح صوته متابعًا: -جايه من غير عزومة فعلاً، جايه بأتفاق زي السيف على رقبتك بتحاولي تفلسعي ( تهربي ) منه دايما هزت رأسها بسرعة: -لا لا انا بس مكنتش فاضية مش اكتر ضيق عينيه وهو يلوي شفتاه: -امممم وماله.
جلست على حافة الأريكة بهدوء، ثم جلس هو لجوارها حتى بات ملتصقًا لها، والسبب واضحًا كعينًا لشمس حارقة وصلت اشعتها الحمراء لكلاهما! بدأ يتحسس جسدها بشهوة وهو يقترب منها اكثر في محاولة لتقبيلها، ولكنها أبتعدت قليلاً تحاول خلق أي حُجة ولو كانت مؤقتة: -طب مش هتعمل اي حاجة نشربها ولا إيه؟! مط شفتيه مغمغمًا بضيق جلي على قسمات وجهه الخشن: -وده وقته ده؟! غمزت له بطرف عينيها هامسة بصوت ذو بحة مثيرة:.
-عشان نتمزج في الليلة يا حسوووني نهض وهو يتأفف: -ماااشي، اما نشوف اخرتها معاكِ غاب عن ناظريها لتضع يدها على قلبها الذي أعلن حالة - الحداد - على دقات حديثة العهد! لا ترى سوى مستقبل أسود، بل حالك، وحلكهُ مخيفة مُلونة باسمرار شياطين يتكاثر وجدهم في حياتها... عاد مرة اخرى بكوب من الخمر ليعطيه اياه فسارعت تسأله: -اية ده انت مش هاتشرب ولا إيه؟ هز رأسه نافيًا، وقال بصوت لم تخفى نغمات الرغبة الملعونة منه:.
-تؤ تؤ، عشان أكون مركز لك أوي يا جميل، دي ليلة مُش هاتتكرر شربت ذاك الكوب الذي نزل بين احشائها وكأنه سُم يُميت ببطئ! بطئ كان أكبر وسيلة للتعذيب... مر الوقت وكانت تُعتبر مغيبة تمامًا بين يداه، يضعها على الفراش برفق ويزيل عنها ملابسها، ثم يقبل كل جزء منها.. ومر كل شيئ كأي شيئ ولكنه أسرع، وأسوء وانتهى معه اهم شيئ!
بعد فترة كانت تتسطح بين أحضانه، ولكن عقلها مازال في وضع وقف التنفيذ! كانت تضحك دون سبب مُحق.. احتضنها حسين وهو يهمس لها بخبث: -بتضحكِ على إيه يا چودي رفعت كتفيها تقول بوهن: -بضحك على حالي الموكوس ثم أطلقت ضحكة طويلة وعالية ومُدرجة من الألم في آنٍ واحد، لتقر بكل شيئ دون وعي: -اصلي مديونة، وبقيت عاهرة، وهتسجن، بوووظت يعني وسرعان ما كانت تهز رأسها لتكمل: -تؤ تؤ بس انا قوية برضه، مهما حصل أنا سترووونج.
سألها مستفسرًا يحاول مجاراتها: -كملي يا چودي مديونة لمين؟! رفعت يدها تشير له: -انت مش عارف يا عبيط؟ للست السودة اللي عملت سحر لعمر طبعا، ماتبقاش غبي امال هي هتعملي ببلاش! إتسعت حدقتاه عينا بعدم تصديق! لم يتوقع أن تنحدر لتلك النقطة، مهلاً، أن تنحدر للاشيئ...! خسرت كله شيئ، كل شيئ دون استثناء واحد، ومازالت تُجاهد..! ضربته على وجنته برفق متابعة بسخرية:.
-اوعى تكون فكرت انه ممكن يستسلم لي ويسبني ادخل بيته ويكلمني بسهولة كدة عض الأخر على شفتاه السفلية متسع الحدقتين من الخبث الذي يسيل منها كالأمطار الغزيرة دون توقف، هامسًا لنفسه بصوت لا تسمعه وهي مستمرة في ذاك الضحك الهيستيري: -يا بنت ال*!
كان كلاً من مها و رودينا و احمد في الغرفة التي تقطن بها رودينا بعد أن نقلها أحمد للمشفى.. كانت تبكي وصوت نشيجها يعلو شيئً فشيئ، من يراها يتيقن أن حياتها إنتهت وإنتهى معها كل شيئ! بينما مها تقف بعيدا تفرك أصابعها بتوتر، حتى الان لا تدري كيف حدث الذي حدث؟! هي حتى لم تدفعها لتسقط...! بينما اشارت لها رودينا مغمغمة وسط بكاؤوها:.
-شوفت يا احمد قولتلك مش هتسكت غير لما تموت ابني واهي نجحت، وقعتني عشان تنتقم مني ف ابني اللي لسة ماشافش نور الدنيا بينما كان أحمد يراقبها بصمت، صمت قاتل كان ك وعاء سقط فيه دون قصدًا منه بدفعة الصدمة... لم يعرف لم تنقلب حياته هكذا فجأةً ودون اي تحذيرات واهية! بينما اكملت رودينا: -اااه يا حرقة قلبي على ابني، قدرك ونصيبك يا حبيبي هنا هتفت مها بضيق منخفض:.
-بس انا مازقتكيش يا رودينا! إنتِ وقعتي لوحدك على فكرة هنا صرخ أحمد فيها بقوة وصرامة لاذعة: -أخرسي يا مها، هي هتموت ابنها بأيدها إنتِ مجنونة! ظلت رودينا تهز رأسها بالنفي قبل أن تتشدق بالنقطة الفاصلة في حياة كلاهما بل وبداية جديدة للنهاية: -بس لا انا مش هسكت، مش هسيب حق ابني ابدا نظر لها احمد مستفسرًا بتنهيدة طويلة وحارة: -عايزة تعملي إيه يا رودينا؟ قالت مسرعة:.
-هرفع قضية محاولة انها تعتدي عليا بالضرب وقتلت ابني! شهقت مها مصدومة، وضعت يدها على فاهها وهي تحدق فيها بصدمة... لم تتوقع أن تصل لتلك النقطة ابدًا، سجن جديد وخسارة جديدة!؟ ف هتفت بصوت مبحوح وبسرعة: -لا لا كدابة والله انا ماقصدتش خالص نظرت ل أحمد الذي كان ينظر ل رودينا بتدقيق وكأنه يقرر شيئً ما... فقالت مها موجهة حديثها لأحمد: -احمد انا محاولتش اعتدي على حد، صدقني هي كدابة.
رفع كتفيه مرددًا بجدية سقطت على روحها المهشمة ك الرصاص عليها تُخدرها بل وتُميتها ببطئ: -أسف، ماقدرش أمنعها في الحته دي!
كانت رضوى تتسطح لجوار عبدالرحمن على فراشهم المتين، والذي بات مأوى لمراحل عشقهم المتكررة دون يأس... شعرها الأسود المشعث ينفرد على صدره العاري، ويداه السمراء الصلبة تقيد كتفيها بقيدًا لطالما عشقت ملمسه عليها، فور رحيل صديقتها لم تنطق بكلمة، فقط غاصت معه في رحلة جديدة يعلمها فيها الأبجدية المُكررة في عشقهم الأبدي المتين...
لسانها لم ينطق بحرفًا واحدًا عما حدث، ولكن عيناها تولت تلك المهمة القاسية في وصف كم المشاعر التي تجتاحها الان ملس عبدالرحمن على وجنتاها الناعمة التي تعكس ملمس أصابعه عليها، ليهمس بتروية: -امممم، أفهم من كدة إنك بتحفظي الخصوصيات صح؟ في البداية بدت لها جملته غامضة، فسألته هادئة وهي تعقد حاجبيها: -مش فاهمة؟ خصوصيات إيه!؟
اجابها دون تردد وهو يزجها داخل حضنه أكثر علها تجد ذاك الأحتواء فتفيض بسلبياته داخل جوفه: -صحبتك واللي حكيتهولك خلاكِ متضايقة وساكتة كدة عاجلاً ام أجلاً كانت ستقص عليه ما يدور بخلدها، ولكن بدلاً عن ذلك نظرت له تهتف مشاكسة: -إيه ده وأنت عايز تعرف أخبار صحبتي؟ ثم ان البيت ده مفيهوش خصوصية خالص اقترب بوجهه من وجهها ليداعب أنفها المرفوعة بكبرياء فطري، ثم همس ضاحكًا:.
-أيوة، أحنا ماعندناش حاجة أسمها خصوصية خالص، مالص صمت برهه ثم أكمل بخبث يتلاعب على ذاك الوتر: -اما بخصوص عايز أعرف أخبار صحبتك ف أنا أحبذ ان انا اعرف، دي غالية عندي بردو يمكن اقدر اساعدها ضحكت برقة اذابت قلبه الذي لم يكف عن اشتياقه، ثم عادت تنظر لصدره وكأنها تخاطبه هو بدلاً عنه، ثم اكملت بجدية: -متضايقة عشانها بفكر لو لقدر الله كنت أنا مكانها كان هيحصل إيه! عقد ما بين حاجبيه بحيرة، ثم غمغم:.
-هي المشكلة عميقة للدرجة؟ إبتلعت ريقها بازدراء، لتجيب هامسة بتردد: -بتقول جوزها بيخونها أنتصب عبدالرحمن في جلسته مصدومًا! يكاد يقسم لو كان شخصًا اخر يزعم له ذاك الخبر لكان كذبه ببساطة، ولكن رضوى شخصية تحمل حاجزًا بينها وبين الكذب، ورقة بيضاء لا تقبل الشك.. ظل محدقًا بها ثم همس ببلاهه: -نعم! جوزها؟ اومأت مؤكدة بأسف: -ايوة، قال إيه شافته كمان اللي يشوفهم اول الجواز ميصدقش سألها مرة اخرى بهذيان مصدوم:.
-جوزها اللي احنا بنشوفه وعارفينه ده متأكدة؟ إنفلتت منها ضحكة على صدمته والتي كانت ك لعنة حلت عليها قبله، فقالت: -ايوة والله هو بعينه، هي متجوزة غيره!؟ هز رأسه نفيًا ثم تسطح كما كان عل تأثير الصدمة يخف من عليه، فزفر مستطردًا بخشونة صادقة: -لا بس الخيانة وجوزها ده ماينفعش يبقوا في جملة واحدة، كلنا عارفين جوزها واخلاقه واد إيه هو بيحبها تنهدت بعمق ثم أكدت على كلامه الذي يشهد به كل فرظ فرد:.
-أيوة، نفس اللي أنا قولته لها من شوية أمسك وجهها بين كفيه، ينظر لعيناها التي تأثره بسحرها الذي لا يزول، ثم سألها بخشونة: -وإنتِ بتحطي نفسك مكانها وتفكري إيه اللي هيحصل لو خونتك زي ما المفروض حصل معاها؟ هزت رأسها برفق هامسة: -حاجة زي كدة -أموووووت... نطقها مغمض العينين يقرب نفسه منها أكثر، يشعرها بحرارة كلمة الخيانة عليه، اضطرب نفسه قليلا قبل أن يكمل بصوته الأجش:.
-اموت لو حصل ده، لاني يوم ما اعملها مش هبقى بكامل قوايا العقلية بينما هي في عالم اخر، كانت بين ثنايا خلاياها المشتعلة بمجرد أن اخترق الفكر عن الخيانة روحها، لا تتخيل ذاك اليوم ولا ترغب أن تتخيله حتى... أي لعنة ذاك الشعور الذي يحتلك فيشل اجزائك ما إن تعتقد أن معشوقك لم يعد لك! ربما لا يوجد شعور يُقسم القلب لنصفين متشتتين ومتنافرين سوى ذاك الشعور، الخيانة!
شعرت بشفتاه الذي تسللت بسخونة على رقبتها نزولاً بكتفيها المتعريين، أغمضت عينيها مستمتعة بذاك الشعور الذي يجعلها ترفرف بين أفق السعادة الأبدية... وما إن وصلها نشيجة الذي بدأ ينحدر نحو الحدة حتى فتحت عينيها: -اوعي تفكري في الموضوع ده تاني، إلا لو السما انطبقت على الارض حاولت الابتسام مجاملة وهي تخبره شبه معتذرة: -مش قصدي، مش قصدي أشكك فيك يعني، بس مجرد التفكير إنك ممكن تكون مع واح...
قاطع سيل كلماتها بشفتاه الأكثر من متلهفة، إبتلع باقي حروفها المسمومة بين جوفيه، يقتنص منها بتلك القبلة التي خرجت رقيقة وحانية رغمًا عنه... ابتعد بعد دقيقتين تقريبًا يلتقط أنفاسه الهادرة، ثم هدر فيها بعنف: -ماقدرش، لو أنا عملت كدة قلبي مش هيطاوعني، مشاعري اللي مابتخرجش إلا معاكِ مش هتطاوعني، جسمي اللي بيتلبش بكهربا لو لمس ست غيرك مش هيطاوعني اغمضت عيناها بابتسامة هادئة تزين ثغرها الوردي..
يتغذى كبريائها الانثوي كلما سمعت تلك الكلمات التي تقطر صدقًا بين حروفها، وبتلقائية نهضت قليلا تقبل صدره العاري بشفتاها الوردية، فشعرت بتشنج جسده تحت شفتاها.. لتترك اثرًا على روحه الملتاعة اكثر من جسده، فنظرت له مرددة بعشق مُنع الملل منه: -بحبك اوووي أحتضنها اكثر فأكثر، يود ادخالها بين ضلوعه فيحتفظ بذلك العشق للأبد، ثم ازاح الغطاء عنها، لتلتهم شفتاه كل ما تطوله..
ويداه ترسم خطوطًا جديدة للعشق على مفاتن جسدها، ليهمس بين قبلاته الحارة قبل أن يغرقها معه في دوامة جديدة: -وانا بعشق امك يا ام عسقلان.
هب عبدالرحمن منتصبًا من ذاك الحلم القصير الذي لا تجتمع فيه معه الا قليلا... ذكرياتهم معًا تطارده حتى في احلامه فيزداد مقدار العذاب عليه! شظايا العشق المهبوب تُذبح في روحه التي كادت تستكين صريعًا.. ظل يصرخ بهيسترية كالعادة منذ ان خرج من تلك المستشفى: -اااااه يا رضووووى.. اقتربت منه والدته مسرعة تجلس جواره تربت على شعره بحنان وهي تقول: -سلامتك من ال اه يا ضنايا، ادعيلها يا حبيبي.
اصبح يهز رأسه بهيسترية: -مش قادر يا امي انا عايزها، عايز مراتي، انا وعدتها وخلفت وعدي وكنت هخونها بس مش بأرادتي والله ما بمزاجي! ظل يهذي هكذا بحروفه التي اختلطت بالبكاء المرير.. نعم البكاء، وعندما يبكي الرجل على امرأة، حينها تعلم أن ذاك العشق ك عفريتًا تلبسه حتى الممات! بينما همست والدته بشرود وضيق دفين: -اسفة يا عبدالرحمن، اسفة يابني!
فقدان برغبتك، كمثل الذي من دون رغبتك، كلاهما فراق، وكلاهما عذاب! عذاب وفقدان لغذاء روح لا تنمو إلا من هالة عشقها المعتادة...!
خرجت شهد من المطبخ على صوت طرقات الباب، كانت مرهقة بحق وازداد إرهاقها وكأنه تضامنًا مع إرهاق روحها النفسي، والسبب مجهول! كانت تلك الليلة تقريبا اسوء ليلة تبيتها في حياتها... ليلة مشؤمة لم تستند فيها لحضن حبيبها و زوجها كما كانت تفعل دومًا! نظرت من - العين السحرية - لتراه، ابتسمت بهدوء قبل ان تفتح الباب وهي تعدل حجابها مرددة بهدوء تام: -إتفضل يا عمار ادخل...!
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر
أبتسم عمار بحبور قبل أن يدلف خطوتان نحو الداخل بهدوء تام.. أشارت له نحو الأريكة بحرج دون أن تغلق الباب، ليراعي هو ذاك الحرج الفطرب وهو يهز رأسه نافيًا: -لا تسلمي، أنا بس جبتلك الأكل عشان تحطيه عندك في التلاجة وماتضطريش تنزلي إلا للضرورة اومأت وقد أنار وجهها شبح ابتسامة مُغتضبة: -ربنا يخليك، تعبتك معايا هز رأسها نافيًا ورد بعفوية: -لا متقوليش كدة، إنتِ مهما كان بردو مرات أخويا.
رغمًا عنها تقلبت صفحة وجهها المجبرة على الأبتسام، وظهرت الحروف المتهالكة التي كانت تحاول إخفاءها! وكان رداء الصمت قانون إجباري يُغطي ثناياها المُجرحة... بينما أكمل عمار دون تردد بجدية لازمة: -شهد أنا عارف إن اللي عمر عمله بردو مش سهل، لكن إنتِ لازم تحطي في بالك إنه أكيد عمل كدة لهدف معين وكان موجوع أكتر منك إبتسامة دون مرح نتجت عن تعوج ثغرها الناعم دون روح...
ليتابع عمار كمحاولة لدسائس طيبة تُنقي السوداء الذي بدأ يحيط ذاك العشق المهدور: -أنا مش بقولك كدة عشان انا صاحبه او بدافع عنه، أنا عارف ان الغلط راكبه من ساسه ل راسه، لكن بقولك كدة من عشرتي ب عمر ومعرفتي الطويلة بيه اومأت شهد موافقة بهمس: -عارفة سمعت صوته الأجش يخبرها بثقة: -مسيرك ترجعيله يا شهد نظرت له بشرود، وكأنه ترجو تلك الثقة أن تحوي عبق رعبها من القادم فتخطو للأمام على خط الحياة دون تردد!
ثم قالت بعد فترة صمت: -المهم أنا مش فاهمة انت لية لحد دلوقتي ماكلمتش عمر تقوله انك رجعت من سفرك لحد دلوقت؟! تنهد بصوت عالي قبل أن يستطرد بابتسامة هادئة: -عشان أنا عارفه بردو، لو روحت له في نفس اليوم اللي إنتِ سبتيه فيه كان هيطلع عيني ومش بعيد يشك إني عارف مكانك، لكن كدة هعمل نفسي لسة واصل ومش فاهم حاجة وهو يحكيلي بنفسه اومأت موافقة، بينما قال وهو يغمز لها بابتسامة مرح:.
-بس ماتنكريش إن لولا ما شوفتك ساعتها وإنتِ بتفلسعي مكنتيش هتلاقي حد يجيبلك الشقة هه حاولت مجاراته في طريق تُزاح فيه همومها ولو قليلاً مرددة: -لا طبعا، اخويا حبيبي كان هيتصرف ويجبلي شقة، ده أنا كان ناقص ابوس رجله عشان اقنعه يرجع البلد ويشوف اشغاله ضحك عمار بخفة ليستدير ملوحًا لها: -طب هستأذن انا بقا هروح ل عمر واشوف اللي ورايا انا كمان اومأت موافقة بفتور: -تمام، شكرًا مرة تانية يا عمار، ويابختك عمر بيك.
عدل لياقه قميصه هاتفًا في صورة كوميدية: -لا لا أنا كدة اتغريت، بس احسن لو فضلتي تقولي كدة مش هشووفك اصلاً من كتر الكبرياء ابتسمت شهد على مظهره هامسة: -حقك تتغر يا عم بادلها الابتسامة ثم غادر هو بعد أن ودعها كالأطفال: -خلي بالك من نفسك وماتفتحيش لحد الباب هه، يلا سلام أغلقت الباب بهدوء وكادت تسير ولكن فجأة رأت الصورة امامها تهتز وتتشوش حتى كادت تسقط بين زوايا تلك الصورة!
ولكن إستندت على طرف الأريكة وهي تمسك برأسها، مرت الدقائق فانتصبت في وقفتها لتتجه بالهاتف الصغير الموصل ب حارس العمارة لتتصل منتظرة الرد، وبعد أن اتاها الرد اجابت بجدية: -ايوة يا عم مسعد من فضلك عاوزاك تجيب أختبار حمل من اي صيدلية قريبة لو امكن -حاضر يا هانم، حاجة تانية؟ -لا متشكرة، أبقى ابعته مع ابنك وانا هبعت معاه الفلوس -تحت امرك يا مدام -الامر لله، شكرا.
أغلقت وهي تبتلع ريقها بازدراء، تخشى ذاك التفكير كخشية شمعة ستُضيئ عتمة ولكنها ستترك اثرًا في دواخلها.. وتتمناها ك عاشق مراهق يتمنى محبوبة في الظلام كالأشياء التي لا تُنار! تنهدت تنهيدة طويلة تحمل في طياتها الكثير والكثير هامسة: -مش معقول اللي بفكر فيه يكون صح، للدرجة دي القدر بيعاندني؟!
أغلق عمر باب المكتب خلفه وهو يسلط نظراته على ذلك المسجي امامه بأريحية على الأريكة.. يغمض عيناه ويداه خلف رأسه يهز قدماه مستريحًا، هادئًا لا ينهشه الغيظ ك كلبًا مستعرًا يمزقه داخليًا! فكر عمر في ذلك قبل أن يتنحنج بصوته الأجش قائلاً: -حسين، عايز أتكلم معاك شوية فتح حسين عيناه ببطئ، لينال عمر منه نظرة مستفسرة قبل أن يسمعه يسأله ببرود: -امممم، قول يا عمر خير؟ إحتدت نبرة عمر وهو يزجره بغيظ:.
-طب قوم كدة كلمني زي ما بكلمك، ده من الأحترام يعني وبالفعل امتثل لكلامه ولكنه لم يتخلى عن بروده وكأنه عامود حياته الخبيثة... نهض جالسًا ثم وضع يده على فخذيه وهو يهتف ناظرًا ل عمر وقطرات غيظ تنحدر منه: -اممم اديني قومت، أي اوامر تانية يا عمر بيه؟ هز عمر رأسه نفيًا، لجوار تنهيدته الحارة الطويلة: -لأ، بجد عايزك في موضوع جادي يعني وحياتي متوقفة عليه رفع حاجبه الأيسر يرد وقد لاحظ عمر تلك اللمحة من السخرية:.
-بجد؟ اية الموضوع المهم جدا ده، قولي يلا هتف عمر دون مقدمات بوجوم: -عايزك تطرد البت اللي أسمها چودي دي من الشركة كانت نظرة حسين غامضة، سوداء تشمل عمل بأكمله، ثم سأله ببساطة: -لية؟ أجابه عمر مندفعًا بغيظ: -عشان مش عايزها قريبة مني عاد يسألها بخشونة: -لية؟ عملت لك إيه عشان تقول وتطلب كدة عض بأسنانه البيضاء على شفاهه بقوة، بالكاد يمنع تلك الحروف المندفعة من التحرر فيخسر الكثير والكثير!
ثم عاد ينظر له وهو يخبره برزانة لطالما تحلى بها: -مينفعش، غيرت رأيي واستحالة اتجوز جودي، نمط حياتها غيري خالص رفع الاخر كتفيه يغمغم ببرود: -أنت تقدر توقفها عند حدها، لكن أنا ماينفعش اطردها عشان السبب ده، ده سبب مش كافي لقطع عيش الناس ولم يأبه عمر لأي شيئ وهو يصرخ بوجهه منفعلاً ؛ -أنت مجنون! بقولك هي جايه عشاني وانا مش عاوزها حمبي.
دب حسين على المقعد الجلدي بأصابعه الخشنة، دقيقة، اثنان، ثلاثة يتلاعب فيهم على أوتار أعصاب عمر بأصابع محترفة في التدمير.. ثم رفع رأسه ليرمقه بنظرة ذات مغزى قبل أن يقول: -أنا هسيبك دلوقتي بس عشان أنت مش واعي للي أنت بتقوله تأفف عمر بضيق متساءلاً: -يعني إيه؟ -يعني انا مش هطرد چودي عشان مفيش امكانيات حد يمسك مكانها سارع يبطل حجته الهشة بقوله: -هننزل إعلان ونجيب حد مكانها يا حسين، مش مشكلة دي يعني!
هز رأسه نافيًا بتصميم: -أسف يا عمر، كان الود ودي أساعدك لكن مش هينفع بهت عمر للحظات من رفضه، يبحث عن رابط الصداقة ذاك... ولكن يبدو انه ذاب بين بحور مصالحه الخاصة! تحشرج صوته وهو يتابع بجدية: -يبقى انا كمان اسف، انا مستقيل يا حسين بدأ الغضب يفترش على ملامح حسين الذي نهض يواجهه محتدًا في نظراته الغامضة والسوداء، نظرة لو كانت فعلية لكان سقط عمر صريعًا! ثم زمجر بوجهه غاضبًا:.
-أنت عارف أنت بتقول إيه يا عمر؟ أعقل احسن لك اومأ عمر ببرود قبل أن يستدير مغادرًا: -عارف أنا بقول إيه كويس، و اد كلمتي كمان! غادر كالأعصار الذي هب على المكان ثم ترك خلفه نسمات واعدة بالدمار! بينما حسين كان الغضب الأعمى يعصف برأسه دوامات تلف به بقوة لا تنتهي.. ظل يدور في الغرفة كأسد حبيس هائج يكاد يدمر كل من امامه... ورغمًا عنه تذكر ما حدث مع چودي منذ فترة بعد قدومها للعمل بالشركة فلاش باك ###...
تلقى إتصالاً هاتفيًا من چودي، تعجب قليلاً من موظفة تتصل به اثناء العمل! ولكن بدله سريعًا بالاستفسار وهو يجيبها هاتفًا بجدية: -الوو، چودي -أيوة أنا، كنت بتصل عشان اعمل اتفاق بيننا -أتفاق إيه ده بقا؟ -مش هينفع في التليفون يا استاذ حسين، لازم نتقابل ونتفق برواق -تمام اما نشوف..
وإنتهى به المطاف لطريق مسدود، اخره الرغبة، والخيانة! وصلت والدة عبدالرحمن إلى بناية ما، تحمل في يدها الطفلة الرضيعة إبنة رضوى، تتلفت كل حينٍ ومين خلفها وكأنها تخشى ان يراقبها شخصًا ما! وصلت امام شقة ما فأخرجت المفاتيح من جيبها بهدوء لتفتح الباب وتدلف مغلقة الباب خلفها بهدوء وترقب... ومن العدم ظهرت رضوى مخترقة تلك الظلمة الحالكة لتطل بهيئتها المرزية!
يدها المُكسرة التي تربطها بربطة المشفى حتى الان، ورأسها بالمثل، وبعد الخدوش الواضحة على وجهها ويداها! ظلت تنظر لها تلك السيدة بشرود الى أن انتبهت لصوت رضوى المبحوح وهي ترجوها بضعف: -هاتيها، عايزة اخدها في حضني أرجوكِ! إقتربت منها رويدًا رويدًا لتعطيها الطفلة، إنتشلتها رضوى مسرعا متغاضية عن ألم يدها لتقبلها في كل جزء منها باشتياق قاتل... بدأت تبكي بحزن مبكوت ومجزوم بالصمت وهي تحتضن إبنتها...
جلسوا جميعهم ورضوى لم تترك أبنتها من يدها ولو للحظة وكأنها تُملي تلك العين التي اشتاقت رؤيتها، وذاك القلب الذي إنقسم مُحطمًا من طعنات متتالية! مر الوقت لتنظر لها قائلة بنبرة مهزوزة: -حرام عليكِ أنتِ بتعملي معايا كدة لية؟! إنتِ إستحالة تكوني ام هزت رأسها نافية بقوة قاسية: -لا أنا ام زيك، إنتِ تعبانة كدة عشان ضناكي، وانا بردو بعمل كدة عشان مصلحة ابني مش اكتر صرخت فيها بنفاذ صبر:.
-وهي مصلحة ابنك إنك تدمريه نفسيا كدة؟! تأففت هي مجيبة: -انا مش بدمره، مسيره ينساكِ خالص ويتعايش عادي ظهرت إبتسامو قُتلت الف مرة داخل خواطرها وهي تسألها متهكمة: -وياترى لما الشهر يخلص وتسبيني امشي وتديني بنتي هتقوليله بردو بنتك ماتت ولا هتشوفي كذبة جديدة؟! زجرتها بحدة مغمغمة: -حاجة ماتخصكيش، إنتِ تحمدي ربنا إني سبتك عايشة فعلاً اومأت رضوى ساخرة: -صدقيني مابقتش أستبعدها عليكِ ابدا.
حاولت أخذ الطفلة منها مردفة في حنق: -طب يلا هاتي البت ارجعها عشان الهانم اختك هاتشك فيا كدة هزت رأسها نافية، وبلحظة ضعف كانت مشاعر الامومة هي من تقود زمام امورها وهي تتوسلها: -ابوس ايدك سبيها معايا، انا هموت من غيرها والله، اعملي كل اللي انتِ عايزاه بس سيبي بنتي معايا حرام عليكِ هزت رأسها نافية لتسحب الطفلة بالقوة، وتضع حدًا لتردد كاد يتسحب بين بوادر تفكير... ثم كادت تغادر ولكن التفتت تخبر رضوى بجمود:.
-صدقيني لو حاولتي تعملي اي حاجة هاطلعك واحدة مجنونة وزي ما اخدت بنتك من امك واختك مؤقتا ممكن اخدها خالص وساعتها ربك ياخد امانته بقا! هزت رأسها نفيًا بسرعة هيتسرية: -لا لا هقعد الشهر بس بنتي لااا، وهاتيهالي اشوفها ارجوكِ عشان خاطر ربنا اومأت موافقة على مضض لتغادر وهي تغلق الباب خلفها بالمفتاح مرة اخرى.. بينما سقطت رضوى على الارض باكية بقهر، تُعطيها الظلمات خلفية سوداء لقمر طُفئت انواره رغمًا عنه...
ولم تُطل الشمس مُخاصمه جوًا لا يليق بلفحة حياة ناسمة!
بعد مرور اسبوعان... كانت أسيل يوميًا تتلقى الإهانة مغلفة بكلمات تعرف مغزاها ومهمتها القاسية جيدًا من حياتها إتسع مجال الحزن في محتوى حياتها التي لم تحوي يومًا حزنًا حقيقيًا بل كانت دائمًا تٌصدر فقط! كادت تصبح على يقين أن هذا ما هو إلا عقاب قدر يندرج تحته العدل حول ما جنته في حياتها سابقًا... هي الراجية الراحة وهي أقل من نالوها!
نفذ صبرها عند النقطة الحاسمة، كان جاسر في الخارج بينما هي في غرفتها كالعادة عندما يغادر... ولكن تلك المرة ليست كسابقًا، بل هي في تلك المرة ستجتاز اول خطوة للأمام املاً في جذب رضا مسروق.. إرتدت احدى اقمصه النوم خاصتها، ووضعت مساحيق تجميل خفيفة جدا تبرز جمال بشرتها البيضاء... طُرق الباب فتنهدت بقوة تحاول الاستعداد، ليفتح جاسر الباب ويدلف ثم اغلق الباب خلفه دون ان ينظر لها..
وما إن استدار ينظر لها حتى صُدم من هيئتها التي حبست انفاسه، لم يتوقع أن ترتدي كتلك وامامه وبأرادتها! اقترب منها ببطئ وهو يتبلع ريقه بازدراء هامسًا: -اية ده!؟ مالك رفعت كتفيها بدلال ترد: -مالي منا زي الفل، مش عاجبك ولا إيه؟ نظر في عينيها مباشرةً، يحاول الإنغماس وسط حقيقة تُعافر الاختباء خلف شجن احساسها حاليا... ليسألها بخفوت: -اسيل، إنتِ لابسة كدة اكيد مش عشان تسأليني عجبني ولا لا؟
اومأت متنهدة تنهيدة عميقة وهي تقول: -جاسر، أنا مستعدة أكمل حياتي معاك، وعايزة أكون ام عيالك! ظل يحدق بها لدقائق، إختلط عليه توتر سطور عيناها بأحساسه الذي أشعله الوهج المنير دومًا في عيناها... وكأن الزمن توقف عند نقطة تعمقت الاقلام فيها وحل الصمت على قرارات أصدرها عقلاً دومًا كان في الكفة الراجحة! اقترب منها ببطئ يملس على وجنتها بحنان هامسا:.
-متأكدة؟! عايزة تخلفي مني فعلاً وتكملي حياتك معايا بكامل ارادتك!؟ اومأت مؤكدة وهي تغمض عينيها مستمتعة بلمسته الحانية على قسمات وجهها، بينما اقترب هو منها ببطئ شديد حتى اصبحت شفتاه تلمس اذنها فهمس يشاكسها: -بس بردو عايز أعرف إيه اللي غير رأيك فجأة كدة؟ حاولت الرد وإن خرجت حروفها متلعثمة بعض الشيئ: -مفيش، أنا آآ أنا فكرت، وقررت خلال الشهر ده ابتعد قليلاً يقول مشددًا على حروفه وكأنه يؤكد عليها:.
-اسيل؟ ممكن تاخدي وقتك عادي أنا آآ مش هقرب لك أمسكت قميصه من الزر الذي يتركه مفتوح دومًا لتعبث بأصابعها عند الازرار قبل أن تبدأ بفتحها مرددة دون ان تنظر له: -تؤ، أنا عايزاك! لم ينتظر اكثر وهو لم يعطيها الفرصة لترفع رأسها فهجم على شفتاها يسحق رحيقهما الذي طال غيابه على روحًا تلتاع إشتياقًا له...
بينما يداه تضمها له، يجذبها له بكل قوته وكأنه يود ادخالها بين ضلوعه، بينما هي تتشبث برقبته وقد بادلته قبلاته الساخنة لاول مرة! لاول مرة تستشعر الانغماس بين طيات مشاعر اكتسحتها دون مقدمات، لم يبتعد عنها ابدا بل ظل يقبلها بنهم، تكاثرت قبلاته على انحاء وجهها كله ليبتعد عنها لحظة يلتقط انفاسه اللاهثة، ثم خلع قميصه يرميه ارضا، ليحملها وهو يقبلها بتمهل وتوق قاتل كاد يُميته...
وضعها على الفراش وهو معها، لتتطاول قبلاته عند رقبتها وما بعدها.. لينغمسا معًا في عالمهما الخاص، عالم لا يحمل مشاكل يبثها واقعهم المرير!
كان عمر في منزله، كالعادة مُرهق جسديًا بعد البحث عن شهد ومرارة الفشل، ونفسيًا بعد الإنحطاط لمستوى العذاب النفسي في ذاك البُعد الاضطراري! وضع يداه خلف رأسه يتنهد بقوة، حتى ذاك العمل لم يعد يذهب له كما كان... امسك بقطعة ملابس تحمل عطرها تجاوىه منذ ان غادرت... رفعها لأنفه يشمها وهو مغمض العينين يهمس بضياع: -ياااه يا شهدي، اول مرة يجيلك قلب تبعدي عني كل ده!
ظل يملأ رئتيه برائحة عبقها التي اشتاقها حد الجنون، إلى أن وجد دموعه تهبط تلقائيًا على وجنته... وصل به ألمه إلى عدم قدرته على الصراخ حتى! ظل يضم قطعة الملابس وهو يغمغم وسط دموعه: -انا اسف، اسف، اسف اوووي، وحشتيني اووي، وحشتيني لدرجة إني حياتي ضايعة من غيرك! إنتشله صوت جرس الباب لينهض مسرعا وهو يمسح دموعه ثم يخبأ قطعة الملابس، اتجه نحو الباب يفتحه بهدوء ليجد عمار يندفع نحوه: -عمر عمر! سأله عمر بضعف:.
-في إيه يا عمار؟ اية اللي حصل جابك بليل كدة؟! اجابه عمار لاهثًا: -أنا عارف، عرفت مكان شهد، بس أنت لازم تلحقها، إلحقها هي وابنك قبل ما يضيعوا سأله مصدومًا متجمدًا مكانه: -وابني؟! اومأ مؤكدًا وهو يشير له بحروف متقطعة: -ايوة، شهد مراتك حامل، بس لازم تلحقها مفيش وقت!
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر
الخيال لا حدود له، لا يُحطيه مجال معين فيفرض عليك قوانينه، فيه أنت الحاكم، وأنت الظالم، وربما المظلوم ايضًا! وهو سبحت أطياف سعادته بين تلاطم موجات الصدمة، لتنقضي ساكنة كغيرها في النهاية بل ويلمع بها ماسًا كهربائيًا عندما تكتمل! كان يحدق فيه مبهوتًا، تجمدت أطراف سعادته حول باقي حروفه القاتلة! ليهمس وكأنه يحاول إستعادة وعيه: -شهد؟ مالها! حصل إيه يا عمار؟!
ظل يشير بيداه في محاولة لجذب أطراف الحديث المتنافرة، ثم قال: -تقريبا، آآ تقريبا إتخطفت يا عمر من الشقة اللي كانت فيها صَرخ فيه عمر: -ازااااي؟ اجابه مسرعًا بنبرة متوترة: -أنا كنت عارف مكانها وبروح لها كل يومين تلاتة اطمن عليها و أوديلها أكل، لكن النهاردة هي مختفية من الصبح مش لاقيها وتليفونها كمان مقفول ومرمي ف الشقة متكسر! كان يشعر بخلاياه فتيلاً من النيران، نيران الدنيا المُعاكسة...
وكأن شريان الحياة ضاق عليه لأقصى حد، بل وأطبقت جدرانه على نفس لم يكن منتظم من الاساس!؟ ظل يمسح على شعره عدة مرات، يحاول السيطرة على بكاءٍ كاد ينفلت منه عنوة، عضًا على يداه من ذاك الضعف الذي كان رداءًا من يحطيه تتهشم قشرة الحياة الواهية داخله! إلى أن صرخ وهو يدفع عمار بقوة: -أنت إزاي ماتقوليش؟! هه ازاي تخبي عني؟ ضيعتها وجايلي دلوقتي أتصرف في المصيبة! بادله الصراخ وهو يشرح له وسط ذبذبات قلقه:.
-هي كانت عاوزة كدة، أنا مكنتش هعرف اصلا لولا إني شوفتها صدفة لما كنت جايلك وأصريت أراقبها انت عارفني فضولي، لحد ما لقيتها بتقابل اخوها وهي منهارة وطالعين على عمارات للأيجار وفهمت منها بعد زن طويل وحكت لي بأختصار اللي حصل واتصرفت لهم في الشقة احسن ما يلجأوا لحد غريب! وكم دوت إنفجارات إنفعالية حول صدى تلك الكلمة تلجأ لغيره منه !؟ تلجأ ممن كان دومًا يمثل في حياتها مصدر الأشياء وأساس كل شيئ...
حاول عمر ربط أعصابه التالفة وهو يسأله: -عايزك تقولي كل حاجة عرفتها عنها من طأطأ للسلام عليكم! اومأ عمار مسرعًا وهو يخبره: -أنا تقريبًا معرفش حاجة غير انها قعدت ف الشقة اللي جبتهالها واخوها بيجي كل اسبوع يتطمن عليها ويقعد معاها ويرجع عشان مصالحه في البلد، وهي مابتخرجش من البيت غير نادرا جدا، وفي اخر زيارة قالتلي إنها عملت اختبار حمل وعرفت إنها حامل وكانت مضايقة جدا.
همس غير مصدقًا: -مضايقة جدا عشان حامل مني؟ عشان حامل ف إبني! تأفف عمار وهو يضرب مقدمة رأسه مغمغمًا: -لا طبعا، هي ماتكلمتش معايا كتير، بس كانت بتقول ممكن الطفل ده يتبهدل ما بينكم صمت برهه ثم أكمل بحزم: -دلوقتي إحنا لازم نتصرف قبل فوات الأوان! اومأ عمر مؤكدًا، ولكن سرعان ما كان اليأس يتخلل حروفه وهو يهمس بقلة حيلة: -أيوة بس هنبدا منين؟ حتى مفيش نقطة بداية نتصرف على حسبها!
جلسا سويًا، وكلاً منهما يفتش بين ثنايا عالمه الخاص عن خيطًا لربما دُس بالخطأ بين محقات الدنيا! لم يمر وقت طويل حتى وجدوا طرقات سريعة وقوية على الباب، نهض عمر مسرعا يفتح الباب ليجد محسن إندفع للداخل يهتف بصوت عالي مزمجرًا بتساؤل حاد: -فين شهد يا عمر؟ تقوس فمه بابتسامة ساخرة وهو يرد له سؤاله: -انا اللي مفروض اسألك السؤال، يا كبير ياللي مفروض تعقل اختك لكن لا أنت أيدتها وكنت هتساعدها تخرب بيتها.
حاول محسن تمالك نفسه وهو يقول بجدية حادة: -لا طبعا، لما يبقى جوزها خانها يبقى لازم اساعدها تبعد عنك تماما، ثم ان آني ماشجعتهاش ولا حاجة، لو كنت آنا صديتها لما كلمتني وماوجفتش جمبها كانت هتهرب مني انا كمان، وانا معنديش استعداد اخسر خيتي الوحيدة عشانك ابدا! اومأ عمر وهو ينظر حوله مصدوما، وكأن كل شيئ يتآمر ضده، بل وكأن ذاك التمرد يكمن داخله وهو لا يدري؟! دلف محسن ليجد عمار فسرعان ما سأله:.
-فين شهد يا عمار حُصل لها حاجة؟ تليفونها مجفول من الصبح ولما جيت لجيت البيت فاضي تنهد عمار بقوة قبل أن يردف بأسف: -للأسف شهد شكلها إتخطفت يا استاذ محسن صُدم محسن وفي لحظة كان يصرخ بأنفعال حاد: -اتخطفت كييف يعني؟ ومين اللي ممكن يخطُفها وليييية! أشار له عمار بجدية: -أقعد يا استاذ محسن عشان نتصرف بالعقل كدة ونشوف المصيبة دي استطرد محسن بخشونة: -انتم لسة هتفكروا!؟ أنا رايح أبلغ البوليس مش هاستنى.
ولكن فجأة هز عمر رأسه نافيًا وهو يقول بعينا مسافرة لرحلة تفكير عميقة قد تطول وتطول لأبعاد غير محتملة: -لا، محدش هيبلغ البوليس، أنا اللي هارجع شهد، أنا المسؤل عن مراتي وفي اللحظة التالية كان ينهض متجهًا للشركة بأقدام واهية لا يقودها سوى عشق تفوح رائحة رماده لدنيانا القاسية!
دلف أحمد إلى منزله بعد يوم شاق يحمل فوق كتفيه همومًا لا تكفيه وحده بل يمكن أن تبتلع أقوى صابر متمسك بثبوته رغم أعباء الحياة! وجد مها كانت تجلس لجوار طفلها تحتضنه بقوة وتقريبا كانت تبكي، معلومة قصتها عيناها التي أعطاها البكاء الأحمرار المُوجع... وبمجرد أن رأته نهضت مها متجهه له مسرعة وهي تهتف: -احمد، استنى لو سمحت عايزة أتكلم معاك ضروري وقف بهدوء يطالعها بنظرات متوجسة:.
-خير يا مها في حاجة حصلت تاني ولا إيه؟ هزت رأسها نافية، ثم إبتلعت ريقها لتسرع بالقول المتلعثم رغمًا عنها: -أنا آآ، أنا فكرت كتير، بص يا أحمد طلقني وأنا هاخد ابني وهنمشي من هنا واوعدك مش هتشوف وشي تاني، بس بلاش تخليها تعمل قضية وانا هاتظلم فيها والله! كانت نظرته على قيد الولادة، لم يختلط بها تعبير واضح او لغز مفكوك، بل كانت ك طلاسم تفشل الرغبة العادية في فهمها...
بينما أكملت هي وقد بدأت دموعها تتخذ مجراها على وجنتاها: -مش عشاني والله، بس عشان سيف، هو هيتدمر من غيري، وخصوصا لو عرف إن ابوه ساعد ف إن امه تدخل السجن ظلم!
ولأول مرة يشعر احمد أن مها امامه ثوبًا أبيض طاهرًا وناقيًا، كالثوب الأبيض لم يُدنسه نقاط زجها فيه القدر! تنهد بقوة قبل أن يرفع يده يملس على وجنتها ليمسح دموعها هامسًا بحنان: -محدش هيربي سيف غيرك، ولا حتى هتدخلي السجن، أنا أسف لو كنت خليتك على اعصابك الوقت ده، وماتجبيش سيرة الطلاق تاني، طول منا عايش إنتِ هتفضلي مراتي هزت رأسها تسأله بعدم فهم: -مش فاهمة! ازاي حصل إيه يعني؟
سحبها من يدها برفق نحو غرفة رودينا، فبدأ التوتر يشل جوانب عقلها وهي تسأله بقلق: -احمد لو سمحت قولي في إيه بالظبط؟ دلف للغرفة ليجد رودينا تجلس امام المرآة وتمشط شعرها وهي تدندن بعض الاغاني ببرود تام... برود كان ك شاهدٍا على نفاقها الشعوري حول وفاة طفلها المفترضة ! نهضت بمجرد أن رأتهم تهمس: -احمد؟ وسرعان ما كانت تكمل بحماس: -كويس إنك جيت كنت مستنياك، قدمت البلاغ ولا لسة؟!
كانت مقتربة منهم، رآن الصمت يحل بين الجميع كسحابة تحمل خلفها أطيافًا مجهولة... ومن دون مقدمات كان أحمد يصفعها بكل قوته! ذُهلت مها قبلها حتى من صفعة شعرت أنها ترد لها جزءًا من كرامة مبتورة وشعور أماتته هي قهرًا.. بينما صرخت فيه رودينا بحدة: -أنت اتجننت يا احمد ولا إيه؟ أمسكها أحمد من يدها يهزها بكل قوته وهو يزمجر بصوت عالي كاد يهز جدران المنزل:.
-لا بالعكس بقا، ده أنا عقلت، عقلت وبطلت أربي حيه جوة بيتي يا هانم إبتلعت ريقها بتوجس هامسه: -قصدك إيه يا أحمد؟ قال مباشرةً: -قصدي إني عرفت إنك مكنتيش حامل اصلاً عشان تسقطي! شهقت مها مصدومة باختناق: -نعممم؟! تابع أكمل بحدة خالطت أنفاسه المضطربة:.
-روحت للدكتور بعد ما روحتها، كنت عايز منه التقارير وفهمته إني هروح اكشف عليها ف مستشفى تانية عشان احيانا الدكاترة بتغلط وعشان نتأكد إن كان الجنين مات فعلا او يمكن حصلت لخبطة ولسة في أمل على اساس اني يائس يعني، وخصوصا لما عرف إني ظابط ف قلق وحكالي إن حضرتك هددتيه بسلطتي إنك هتقفلي له المستشفى لو مقالش إنك اجهضتي بالاضافة للفلوس اللي ادتيهاله عشان يسكت خالص.
عضت رودينا على شفتاها رعبًا، بينما صفعها احمد مرة اخرى وهو يزمجر بخشونة حادة: -إنتِ طالق يا رودينا، طالق، طالق بالتلاتة!
صباح اليوم التالي... كان جاسر يدلف من باب المنزل إلى الداخل بخطوات هادئة بعدما أنهى مهامه في مساعدة والده.. بينما والدته و عنود كانا يجلسا امام التلفاز وامامهم بعض التسلية... وما إن رأته والدته حتى نهضت متجهة له تسأله بخفوت: -جاسر، استنى يا حبيبي عايزاك إنتبه لها جاسر يسألها بهدوء: -نعم يا امي في حاجة ولا إيه؟! هزت رأسها نافية ثم أردفت بصوت ماجت به نغمات خبث خفية:.
-لا يا حبيبي بس كنت عايزاك اوعى تزعل مني على زعل أسيل قطب جبينه متساءلاً بعدم فهم: -مش فاهم، زعل أسيل إزاي هو إيه اللي حصل بالظبط يا أمي؟ تلعثمت قليلاً وتردد كثيرا في إخباره، لم تكن أسيل قد جذبت قدمها في الوحل ولكن هي بتسرعها ستنغمس فيه بلا عودة! حسمت أمرها لتضمن نفسها وهي تخبره:.
-أصل أسيل سمعتني وانا بسأل عنود مجرد سؤال عابر بقولها تعملي اية لو جاسر ابني اتقدملك، ف اسيل سمعتنا وطلعت على اوضتها على طول فخفتك تزعل مني يعني او كدة؟! ظل يحدق في والدته مصدومًا، الان اصبح بيده فك شفرات تغييرها المفاجئ ليلة أمس! لم تكن تريده، بل كانت تفعل ذلك لتضمن لنفسها ألا تكون زوجة ثانية... خشيت جدية امر زواجه فاضطرت لتدمير شعوره العاجز الذي كاد يستعيد نموه بعد فترة طويلة!
كانت تلعب به كعازفة لا تعزف سوى اوتارًا مميتة من العذاب على حياته... لم يشعر بنفسه سوى وهو يركض نحو غرفتهم متجاهلاً نداء والدته: -جاسر، اسمعني يابني انا كنت بدردش معاها مش اكتر والله طرق الباب بعنف ليفتحه بالمفتاح الذي يحمله دومًا، ودلف ليجدها تنشف شعرها المبلل بهدوء... نظرت له هامسه بخفوت: -جاسر؟ أنت جيت امتى؟! إقترب منها يجذبها له فجأةً وهو يسألهت بحدة:.
-إنتِ سمعتي امي بتتكلم على جوازي من عنود عشان كدة كنتي عايزاني اقرب منك عشان يحصل حمل، صح؟ زحفت جيوش التوتر كاملة على ملامحها قبل أن تهمس بتوتر: -لا أنا آآ بس... قاطعها وهو يهزها بقوة صارخًا بعصبية مخيفة: -إنطقي الصدق يا اسيل صح ولا مش صح؟ اومأت موافقة برعب تحاول شرح الامر له: -ايوة بس هو م آآ قاطعها بصفعة مدوية لأول مرة توجه لها منه هو! لأول مرة تلمسها يده بعنف لا بحنان او اقتراب مُشتاق...
ثم دفعها على الفراش حتى سقطت متأوهه ليكمل هو والنيران الحارقة تشتعل بين جفناه: -كفاية بقا، كفاية لعب بيا! أنا اللي مابقتش عايزك خلاص! ثم تركها ليغادر صافعًا الباب خلفه بقوة أجفلتها، بينما ظلت هي محدقة امامها ببلاهه صادمة، وكأنها تحاول إستيعاب ما حدث بأقل من دقائق معدودة...!
إستفاقت شهد من إغماءها على يد تملس على وجنتاها برقة، وتنزع عنها حجابها ببطئ شديد، تفارقا جفنيها لتتضح الرؤية امامها رويدا رويدا، إنتصب جالسة وهي تصرخ بفزع: -أنا فييين!؟ حدقت به مصدومة، لا تصدق عيناها، بالكاد تحاول التأكد إن كان ما يحدث بخط الواقع ام هو مجرد تسرسب من خيال وهمي؟! همست مصدومة: -حسين؟! اومأ موافقًا بخبث وهو يقترب منها: -ايوة هو يا عيونه إبتلعت ريقها بخوف وهي تتراجع للخلف ببطئ:.
-انا آآ أنت جبتني هنا لية؟ عايز مني إيه!؟ أقترب منها أكثر يربت على خصلاتها التي ظهرت رغمًا النفور الذي بدا عليها، ليقول بصوت ذو مغزى قشعر له بدنها: -عايزك! عايزك من بدري، بدري اووي عضت على شفتاها السفلية وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيها: -لا أنت اكيد مجنون، ايوة استحالة تكون واعي وأنت بتقول الكلام ده لمرات صاحبك أمسك فكها بعنف وهو يهزها صارخًا:.
-إنتِ مش سبتيه، خلاص هايحصل الطلاق قريب وساعتها هتبقي حره، وهاتبقي ليا انا بس ظلت تهز رأسها نافية ببكاء مرتعد كالأطفال الذي تاه ملتقى حياتهم السوية: -لا ابعد عني، أنت مريض، إستحالة تكون بني ادم طبيعي، متوقعتش انك تنزل للمستوى ده ابدا! اقترب منها اكثر حتى اصبحت قريبة منه جدا بل ملتصقة به تربطهم نيران كاوية تتقافز منها، ثم أردف بهمس خبيث ظهرت به طغية الرغبة:.
-تؤ تؤ، لية كدة بس أنا عايزك ومستنيكِ من بدري اوي، وهموت عليكِ اووي اووي اووي صرخت بوجهه مزمجرة: -ابعد عني يا حقييييير قطع سبابها وهو يهجم عليها يحاول تقبيلها وهي تجاهد في إبعاده، بينما هو يستطرد بين قبلاته الراغبة: -حقير بس مش قادر أبعد عنك اكتر من كدة، إنتِ حلوة اوووي، من ساعة ما شوفتك وانا بحلم ب الليلة اللي هتكوني فيها ف حضني.
كانت قد تسطحت على الارض وهي تحاول البُعد وهو فوقها ينزع عنها حجابها تمامًا ويحاول تقبيل رقبتها البيضاء، بينما هي تصرخ بقهر: -عمممممررر! سمعت همهمته التي اخترقت أذنيها كرعد يعلن نهاية الحياة بالنسبة لها: -انسييه، هو ميستاهلكيش وماقدركيش، حد يكون معاه واحدة زيك ويبص بره، لكن انا هعيشك ملكة، بس وانتِ في حضني ظلت تهز رأسها نافية بهيسترية باكية:.
-لا والنبي لاااا، ياااارب لا ياااارب ابني لااا عشان خاطر ربنا سيبني حرام عليك وعند تلك النقطة تحديدا زجتها بعنف فابتعد عنها قليلا، لتنهض مسرعة وهي تمسك بطنها مغمغمة برعب: -ابني، لا انا عايزاه، ابني لاااا ياااااااااااااارب نهض هو ينظر لموضع يدها على بطنها، وتطاير شرًا دفينًا بين جوانب حلكة عيناه قبل أن يقول وكأنه صدم: -ابنك؟! وبلحظة كان يجذبها من خصلاتها مزمجرًا بوجهها:.
-ابنك منه صح؟! ازااااي؟! ازاي حصل حمل وعلاقتكم كانت زي الزفت، ازاي خلتيه يلمسك تاني اصلا! حاولت الابتعاد عنها وهي تبكي: -عشان خاطري سبني، ابوس ايدك سبني وانا مش هقول لحد اي حاجة بدأ يقبلها بهيسترية وكأنه يستغل كل ذرة تصرخ انها بين يداه، ويداه تعبث في ملابسها يحاول نزعها عنها، بينما بدت هي وكأنها تستنجد به وهي تحاول الصراخ بصوت الذي اندرج للوهن:.
-عمممممررر، عمرررر، عممر لااا لااا ماينفعش ابعد عني يا حيووان -اوعدك هخليكِ تجيبي عيل واتنين وتلاتة، بس مني انا مش من عمر! قالها وهو يحاول احكام سيطرته عليها ورغبته بها تزداد كلما نجح في كشف جزءًا من جسدها... لا يرى واقع ولا يرى واجب، فقط الرغبة التي ترسمها شياطينه!
بينما سابقا كان قد إنطلق عمر كالأسد الهائج، كسهمًا ملتهبًا بنار الحقد، لا يرى امامه سوى ظلمات كان أصلها زوجته المفقودة... ظلمات لن ينيرها سوى الانتقام ممن تسبب، سينتقم منها أبشع أنتقام، سيعزف بكل لحنًا يعرفه من العذاب على حياتها البائسة! وجدها تجلس أمام مكتبه بكل برود وأريحية، وكأنها لم تكد تخرب أكبر محرابًا من العشق بألاعيبها... لا ينكر لحظة الضعف تلك التي اجتاحته عندما جاءته..
والتي مقتها بقوة، ولكن العشق يفرض سيطرته أكثر من أكبر شيطان.. أنتشلها من مقعدها يقبض على ذراعها بقوة متفجرة تُشكل غضبه الأعمى الان، ثم صاح فيها: -إنتِ لسة هنا! إيه اللي مقعدك هنا تاني يا حيوانة إنتِ وفين حسين؟ حاولت التملص من قبضته الحديدية والتي مؤكدًا ستترك أثرًا على يدها كما يتمنى أن يترك على روحها، وراحت تقول ببرود ثلجي أغاظه: -وأنا إيه اللي هيمشيني، لسة ماخلصتش شغلي يا أستاذ عمر.
ظل يهزها بقوة صائحًا فيها بغل: -أنا اللي همشيكِ يا زبالة يا * يا خرابة البيوت، امشي بررررة يلا هزت رأسها نفيًا، وقهرًا فيه ظلت تقول: -لأ، أسفة بقا أنا مش همشي إلا لو المدير هو اللي قالي وبالمناسبة هو مشي من بدري جادلها كازًا على أسنانه والغيظ يتعمقه أكثر فأكثر: -أنا مديرك وبقولك غوري في داهية مش عايز أشوف وشك.
أقتربت منه بجرأة، جرأة ستتسبب في إحراقها حتمًا، حاولت الإلتصاق به، ولكنه كان مترقبًا لمحاولة فاشلة كذلك، فأبعدها عنه قبل أن يستمع لهمسها الخبيث: -تؤ تؤ، عيب عليك يا عموري تعامل چودي حبيبتك بالطريقة دي جهر باعتراض خشن وحاد: -حبك برص وعشرة خرص، إنتِ مش حبيبتي ولا عمرك هتكوني كدة رفعت حاجبها الأيسر بغرور لم تتصنعه، هي تدرك جيدًا أنها من الممكن أن تصبح نقطة من بحر حياته ليس إلا..
ولكن المجادلة لأنوثتها المغمورة ارضًا، من أساسيات شخصيتها الخبيثة! فضيقت عيناها قبل أن تهمس له بصوت أنوثي خافت لا يسمعه سواه: -اية ده امال مين اللي كان طبيعي معايا لما جيت له وذكرها للأمر مجددًا كان كالفتيل الذي أشتعل في كومة غضبه... كذكرى لا تفعل سوى حرق احشاؤوه وبقسوة، ذكرته وكأنها لكمته في معدته، يشعر بعشق شهد إهانة له عندما يتذكر!
رمقها نظره حارقة، مشتعلة ولكنها لا توازي نصف ما يشعر به في تلك اللحظة، أقترب منها يقول بصوت قوي أجش: -أوعي تفتكري إنك حاجة، إنتِ أخرك تحركي غزيرة الراجل بجسمك بس، ده لو قدرتِ كمان! تغاضت عن تلك الإهانة بصعوبة وهي تستطرد بجدل مستفز: -بس حركت، وهحرك لسة اكتر صرخ بوجهها منفعلًا من ذاك الإتهام الذي يأبى تركه حرًا: -ده ف احلامك يا قذرة.
أخذت نفسًا عميقًا، على الأقل اثبتت أنها حركت بداخله شعور منفلتلاً من مشاعره المحكمة برابط الحب.. ولا يهم إن كان ذاك الشعور مجرد - شهوة عابرة - لتكمل ضعفه التام! نظرت في عيناه بقوة زائفة حاولت التحلي بها وهي تتحداه: -وصدقني حياتك كلها هتبقى لحظات زي دي معايا ونال الحائط قبضته القوية بدلاً منها وهو يصرخ بوجهها في حدة مفرطة: -بررررة يا زبالة، برررررة، أنا اصلاً مش هسمح لك تبقي قريبة مني تاني.
أمتعض وجهها، وبكل ما يملك العالم من برود إتجهت إلى مقعدها، تضع قدم فوق الاخرى، ثم نظرت ل عمر المشتعل كجمرة لن يذيبها أي ثلوج وقالت: -طب اتفضل أنت يا استاذ عمر، وأنا اول ما اخلص شغلي هروح على طول، مش عايزاك تقلق خالص يعني أغمض عيناه يعد من واحد لثلاثة، تختبر صبره الذي لم يعد يملكه اصلاً! تحاول إستتفاذ كل ذرة لتمالك نفسه وثباته، تُدمر قشرة صلابته وسكونه المعتاد بذاك البرود!
وصدح صوته قويًا رغم إرهاقه من الجدال الفاشل: -أنا بطردك، إنتِ مابتفهميش ولا إيه يا چودي؟! اومأت برأسها مرددة ببساطة لا تليق بها: -لا طبعًا بفهم جاهد نفسه كي لا يخنقها، فابتسم إبتسامة سمجة وهو يأمرها بصوت حاد أخذ احتياطاته لعدم النقاش فيه: -طب يلا زي الشاطرة لمي حاجتك واتكلي على الله من هنا.
مطت شفتيها للأمام، بطريقة مغرية لأي رجل، إلا هو، هو عند تلك النقطة كان من قائمة الاستثتاءات، وسيظل هكذا دومًا، طالما كان يتنفس عشق شهده! ثم أردفت بنعومة ثعبان خبيث: -كان الود ودي أنفذ اللي أنت عايزه، لكن مش هينفع أمشي بدون ما المدير الرئيسي يمشيني، مش أنت يعني ظل يتنفس بصوت عالي، إلى أن قال مختنقًا بزمجرة خشنة: -ماشي، بسيطة أوي أنا هخليه يطردك.
ودون كلمة اخرى كاد يستدير مغادرًا، ساحبًا معه كل ذرة من الهواء الطليق، ليترك خلفه نسمات كهربائية منتشرة في الجو فقط... بينما إتسعت أبتسامة چودي الشيطانية، قبل أن تقول بنبرة ذات مغزى:.
-طب مش تستنى يمكن أساعدك تروح مكان مراتك المخطوفة ولا حاجة؟!