رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر
في غرفةٍ ما، صغيرة يحطيها هالة من الهدوء الساكن الغريب، دلف أحدهم يغلق الباب خلفه وهو يلهث... ولم يتحرك ذلك الجالس إنش واحد وهو يسأله باللكنة الصعيدية: -مالك يا وِلد عما تچري كدِة لية؟ أجابه الاخر لاهثًا وهو يحاول تهدأة قلبه الذي كاد يتوقف: -خوفت حد يشوفني وأنا چاي ويراجبني، ما صدجت آچي اومأ الرجل بلا مبالاة: -أحنا مابيهنماش ايتها حاچة ياض اومأ مؤكدًا بثقة: -طبعا يا آآ، يا باشا طبعا.
صمت برهه ثم سأله بتردد: -ممكن أعرف إيه الخطوة الچاية يا باشا؟ حك طرف ذقنه، وبدا وكأنه يُنافس أسوء الشياطين وهو يخبره بنبرة يتساقط الخبث منها كسيلان الأمطار في ليلة عاصفة: -دلوك انا كدة أثبت لها إني ماسبتهاش خالص، وإني مراجبها دايما، واهو استمتعت بالرعب اللي شوفته بعنيها رغم چوزها الجحش ده كان هايكشفني اومأ الاخر يسأله بفضول: -بس مفهمتش لية روحت لها بنفسك ياريس، كان ممكن أني اروح لها بدالك.
هز رأسه نافيًا، وراح يتشدق بأصرار ب: -لااه، أني كنت هاكشف وشي جدامها، واعورها وامشي، لكن چوزها چه فالوجت الغلط! سأله بهدوء جاد: -والخطوة الچاية إيه بجى؟ ظهر شبح ابتسامة موحشة على ثغره الأسمر وهو يتابع: -لا الخطوة الچاية دي هِنا وبس، المهم أنت عينك ماتغفلش عنها لحظة واحدة حتى! قالها وهو يشير لعقله الخبيث، مقر نصب الخيوط السامة والخطط المُعذبة.. فرشاة رسم إنتقام وهمي سيكمله حتمًا على أكمل وجه!
تململ عمر في نومته، شعور غريب بالأرتياح يفرض هالاته حوله الان! تفارق جفناه ببطئ لينظر حوله، فيجد شهد تتوسط صدره العاري... ظل ينظر لها لدقيقة دون رد فعل واضح، يداه تحيط خصرها بتملك تلقائي، إلى أن إنتفض وهو يهز رأسه نافيًا ليبتعد عنها... فتحت عيونها ببطئ لتجده ينهض ليرتدي ملابسه بسرعة متوترة.. العقل يرسم خطط المستقبل، والقلب يُخطط للمفاجأت الخفية المرغوبة! سألته شهد بخفوت: -مالك يا عمر؟
أجابها مقتضبًا بحدة: -ملكيش دعوة بيا، سيبيني أتنيل بستين نيلة تاخدني أمسكت ذراعه بلين توقفه، لتسأله والكسرة تأخذ منحناها بصوتها: -أنت، أنت متضايق عشان آآ عشان قربت مني؟ لم يرد عليها، بل لا يمتلك تلك الأجابة التي تُرمم تلك الكسرة التي تسببت بها تصرفاته الهوجاء! ليميل صوتها للبكاء وهي تشدد على حروفها وتهزه متسائلة: -رد عليا يا عمر، أنت مش طايق نفسك عشان كدة؟! مكنتش تتمنى أن تحصل حاجة بينا؟
إلتفت لها يصرخ بنفاذ صبر: -اه عشان كدة، مكنتش اتمنى يحصل كدة، مكنش ينفع يحصل كدة اصلا! وصوت صرخاته يتردد صداها بين طيات روحها، شظايا الألم تُغطي صوت دقاتها التي انخفضت! وأذنيها لا تستجيب ل نبذ كاذب... بينما أكمل هو وكأنه يحادث نفسه بصوت مسموع: -ماكنتش عاوز كدة، لا مكنش المفروض يحصل بينا أي حاجة اومأت هي موافقة، لتصرخ فجأة بصوت غلب البكاء عليه:.
-خلااااص، قولتلك ماتقربليش وتيجي تهيني أنا بعدها! لوم نفسك ماتلومنيش، ماتصدقش ناس كذابة وبعدها تيجي تقربلي وترجع تفتكر كلامهم وتهيني، حرام عليك بقا أنا إنسانه! قال بجمود: -أنا ضعفت قدامك مش اكتر! أنا راجل بردو وبضعف نهض متجهًا للمرحاض، بينما قالت هي بصوت صلب رغم الاهتزازة التي سارت فيه: -متقلقش، اوعدك مش هخليك تمس شعرة مني حتى تاني! همس ببرود: -يستحسن برضه.
دلف إلى المرحاض، لينغمس أسفل المياة، علها تنجح في إنارة روحه التي تزداد ظلمتها يومًا بعد يوم! بينما نهضت هي ممسكة بهاتفها، لتتصل ب أحدى - الصيدليات - القريبة فأتاها الرد بعد ثواني: -ايوة -صيدلية (، ) -معاكي يا فندم -لو سمحتي عاوزة دواء منع الحمل -تمام، العنوان يا فندم؟ املتها العنوان سريعا، وإنتهت ثم نهضت لترتدي ملابسها ببطئ، بطئ وتجمد تام كُتب عليها دومًا!
مر بعض الوقت ووصل لها ما طلبته، فأعطته المال ثم صعدت للأعلى... لا تعلم ما تفعله صحيح ام خطأ، يُختم بالواقع الرزين ام لا..! ولكنها تعلم أنها تفعل ما يمليه عليها قلبها، وهذا في حد ذاته خطأ يُحسب لها... جلست على الفراش تمسك بالكوب في يدها التي ترتعش قليلا.. لتفتح الدواء وكادت تبتلعه، إلا أن صوت عمر الذي صدح بحدة: -إنتِ بتعملي إيه؟ سقط الكوب من يدها من الأرتباك، وتلعثمت وهي تخبره:.
-آآ مش بعمل، باخد دواء، وبعدين انت مالك اصلاً؟ ملكش دعوة بيا إقترب منها يمسك بذلك الدواء عنوة، بينما هي قلبها يرتجف بخوف من رد فعله! والذي كان صفعة قوية هبطت على وجنتاها فأسقطتها على الفراش هزيلة.. نهضت مسرعة تقف أمامه، لتستدير وتغادر وما إن خرجت من الغرفة حتى أمسكها من ذراعها مسرعا يسألها بحدة قاسية: -مين سمح لك تاخدي منع الحمل!؟ هه مين سمح لك تحرميني من إبن تاني زي ما حرمتيني من الاولاني؟
أجابته مندفعة بصراخ: -تصرفااااتك، عشان لو ضعفت وقربت لي مايحصلش حمل، عشان مش عايزة أطفال منك طول ما أنت كدة جذبها من خصلاتها بقوة جعلتها تتأوه متألمة بصوت عالي... ليكتم تأوهاتها بشفتاه، يقبلها بغلظة تناقض نعومة لمساته ليلة امس! وهي لم تستجيب، حاولت إبعاده عنها ولكن فشلت وبجدارة... رماها على الفراش ليلهث بقوة، قبل أن يقول بجمود:.
-مش بمزاجك، إنتِ ملكيش أي رأي في اي حاجة، إنتِ هنا بتقضي حق الفلوس اللي مضيت عليها، سلعة يعني! وأنا مش ف إمكانياتي إني اشتري واحدة تاني تجيب لي العيل ولو اني على عيني تكوني امه يعني! استدار ببرود ليغادر، ولكن كلمتها القاتلة إخترقت اذنيه: -صدقني يا عمر قربت توصلني إني أكررهك، ولو كرهتك، مش هاقدر ارجع زي ما كنت! -أحسن بردو، ف داهية! قالها ببرود بينما شيئ ما داخله يشعر بالنيران تنشب فيه...!
صباحًا، خرجت رضوى من المرحاض تسير ببطئ إلى حدًا ما، متجهة نحو غرفتها وطفلتها الوحيدة.. الرابطة التي جمعت قلوبًا كادت تتنافر مؤخرًا! فتحت الباب بهدوء وكادت تدلف ولكن وكأنها اُصيبت بالصم وهي تسمع صوت عبدالرحمن يقول بحدة غريبة: -أنتِ السبب، أنتِ السبب في المصايب اللي هتحصل وإني اتربط بيها للأبد! أقترب منه أكثر والغل يتساقط من نبرته ملوحًا في الأفق:.
-لولاكِ كنت هقدر اخلص منها، لكن جيتِ أنتِ عشان تبوظي كل حاجة، أنتِ لازم تغوري من هنا ثم هز رأسه بهيسترية متابعًا: -لا تغوري من هنا إيه، ده أنتِ لازم تغوري من الدنيا كلها كاد يقترب منها إلا أن صرخة رضوى التي صدحت تُشقق هالة جنونه التي احاطت ابنتها جمدته مكانه: -بنتي لاااا أنت مجنوووون إنتفض كالملسوع يحدق فيها وهي تحتضن أبنتها وتحيطها بيدها من كل جانب، تحميها منه!
من الذي من المفترض أن يكون منبع الحياة والحنان عندما تقسو الحياة.. صرخت فيه منفعلة بصوتًا عالٍ وحاد كسيفًا باردًا بعكس ما يفترض ان يكون: -أنت إيه وصل بيك الحقد للدرجة؟! بتفكر تتخلص من بنتك! كان متبلد صامت برغم أنقباضة عيناه المُخبئة خلف ستار النزاع النفسي... لتجده يقول بنبرة لفحت فيها البرود الثلجي: -إنتِ ماشوفتنيش بحاول أتخلص منها صمت برهه ينظر لمعالمها التي حفرتها الصدمة بسكينها المُجعد ليكمل:.
-ثم إني إيش عرفني إنها بنتي فعلاً! وهنا لم تحتمل، يمكن أن تُفتت أي إتهام عابر، إلا ذاك! إلا نقطة النهاية التي إن صُكت لن يمسحها أي غفران طويل يُناجي الذكريات الواهية.. رفعت يدها لتصفعه إلا أنه كان الأسرع فأمسك بيدها قبل أن تصل له مغمغمًا بأسف مصطنع: -تؤ تؤ، إنتِ للدرجة دي عيارك فلت! عاوزة تمدي إيدك على جوزك زمجرت في وجهه كقطة مُخدشة بالألم: -أنت مش جوزي أنت بني ادم حقير وواطي ماينفعش يكون جوزي أصلاً.
ولم تشعر سوى بالصفعة التي هبطت على وجنتها بقوة عاتية ألجمت حروفها الملتهبة فجعلتها تحدق به بصدمة جلية عليها! وكأن الزمن توقف عند تلك النقطة، لا بل حياتهم سويًا هي التي توقف نموها بالصبر كما كانت مسبقًا بالتأكيد...! سارت حاملة أبنتها معها لتضعها في الغرفة المجاورة وتغلق الباب عليها برفق، ثم اتجهت لدولابها لتبدأ في جمع ملابسها بهدوء وسرعة.. أقترب منها يمسك يدها التي تضع الملابس ليسألها بحدة:.
-إنتِ بتعملي إيه؟ أوعي تكوني مفكرة إني هاسمحلك تتحركِ خطوة واحدة من البيت حتى! صرخت فيه بصوت أعلى: -أبعد عني أصلاً مش بمزاجك يا أستاذ هز رأسه نافيًا بصرامة لاذعة: -لا ده حقي، كلمة مراتي تديني الحق ده دايمًا ضغطت على يدها المكورة بين يداه لتهمس بصوت يكاد يكون مبحوح: -أنت مابقاش ليك الحق ف أي حاجة يا عبدالرحمن! تركها ببطئ ليجلس على الفراش ممسكًا برأسه التي تؤلمه إلى حدًا ما..
بينما إنتهت هي فجمعت حقيبتها واتجهت لتبدل ملابسها بأسرع ما يمكن، لتتجه تحمل أبنتها... وتغادر صافعة الباب خلفها بقوة! غادرت بلا نية في العودة لما كان دائمًا المقر الرئيسي..! بينما هو ضائع بين مواقف حتمية يُزج فيها فجأة، دون إنذار أحمر سابق من العقل المُخدر! وبدا كأنه يحاول إستعادة وعيه للتو..
سمعوا طرقات هادئة على الباب فتركها عمر ليهبط بهدوء للأسفل، فتح الباب ليجد محسن أمامه... رسم إبتسامة هادئة على ثغره تعكس الصخب الذي يعلو بداخله، ليقول بخفوت: -اهلاً وسهلاً أتفضل يا محسن دلف محسن وهو يربت على كتفه مغمغمًا: -كيفك يا ابن العم؟ على لسان حاله كاد يصرخ لستُ بخير، أنا سأموت مشتتًا! ولكنه رد ببهوت بارد: -بخير الحمدلله، أتفضل ادخل سأله محسن مستفسرًا: -امال فين شهد؟
كاد ينطق ولكن قاطعته شهد وهي تندفع تجاه أخيها تحتضنه، تتعلق بين ثنايا حنانه الخفية، وتلقائيًا كانت تذرف الدموع بغزارة! تبكي دون توقف، بينما الأخر الدماء تفور بين أوردته، لا يعرف مصدر الغليان تحديدًا، ولكنه يكاد يشم رائحة الحريق الذي نشب بين احشاؤوه من تلك الرؤية! كز على أسنانه غيظًا وهو يقول: -طب إيه هنفضل واقفين على الباب كدة يعني؟ هز رأسه نافيًا وهو يهمس لشهد: -شوشوو اهدي يا جلبي فيكِ إيه؟
لم ترد عليه، بدأت تلملم شظايا أنهيارها قبل أن ترد بوهن: -لأ مفياش حاجة، أنا بس إفتكرت بابا الله يرحمه لما شوفتك كدة وحضنتك ابتسم محسن بحنو: -ربنا يرحمه يارب جلسوا جميعهم يتبادلون أطراف الحديث، كانت شهد شاردة تمامًا، تتحدث معهم ولكن روحها مغيبة عن مجلسهم الهادئ! بعد مرور بعض الوقت نهضت مرددة بجدية: -هروح احضر الغداء وجاية على طول ثم استدارت لتغادر متجهة للمطبخ، ومن ثم نهض عمر يقول بهدوء متردد:.
-هروح أجيب مياة بسرعة وجاي يا محسن ماشي؟ اومأ محسن موافقاً وهو يمنع ضحكاته من الظهور بصعوبة: -تمام تمام خد راحتك دلف مسرعا إلى المطبخ خلفها ليجدها تعطيه ظهرها وهي تمسح دموعها، كان صوت شهقاتها من أقسى عمليات الذبح البطيئ التي يمارسها المتشفي! أقترب منها ببطئ حتى جذبها من يدها فشهقت عاليًا: -أنت بتعمل إيه! ظل يقترب منها ببطئ وهي تعود للخلف أكثر، حتى شعرت ببرودة الثلاجة من خلفها...
كانت طرقات قلبها أعلى من طبول في حربٍ يُعلن خسارتها! فهمست متلعثمة: -عمر، لو سمحت آآ ابعد شوية رفع يداه يُحطيها بين ذراعيه، وعيناه مثبتة على قهوة عينيها اللامعة بسحرًا بات يكره مفعوله.. ثم صدح صوته يسألها مستنكرًا بقوة: -إيه اللي حصل من شوية ده؟ رفعت كتفيها تبادله السؤال متعجبة: -هو إيه اللي حصل؟ مش فاهمة قصدك بالظبط!
أقترب منها أكثر، حتى بات شبه ملتصقا بها، أنفاسه الحارة تلفح وجهها الذي تداولت الالوان فيه... إلى أن قال بصوت تنشب نيران لم يتم الإقرار بها تمامًا: -ازاي تترمي في حضنه كدة؟ لا وحضناه أووي ومش عايزة تبعدي!؟ مرت لحظة، إثنان، وثلاثة تحاول أستيعاب تلك الغيرة! الإقرار المنتظر والرضا الغائب... حتى تشدقت ب: -ده أخويا! مش عايزني أحضن اخويا كمان ولا إيه؟ أقترب يحاوط خصرها ليقترب من أذنها هامسًا بشيئ من التملك:.
-مش من حق أي حد يحضنك غيري، حضنك ده ملك ليا أنا بس! لو تلك الحروف ترتبت في مسقطها الصحيح، وتغيرت الأوقات وتبدل الشعور، لو كانت سمومه حُلم سخيف لا يرتبط بالواقع تحت مسمى - الواجب - لكانت عانقته تهليلاً! ولكن لو تمنع الحدوث..! دفعته عنها بضعف تخبره بنبرة كعاصفة عاتية هبت على مشاعره المتناقضة: -أبعد عني، أنت مفيش أي حاجة ملكك، أنت مش بتملك حاجة اصلاً غير إهانة الناس بس هز رأسه نافيًا بثقة:.
-تؤ تؤ، ماتنسيش أنا بملك قلبك كمان كادت تصرخ مندفعة بغيظ من عشقًا صار ك ثوبًا لا يرتديه سوى المخطئون!: -لاااا أنا اصلاً بكر... ولكنه كان الأسرع ليمنع تدفق تلك الحروف التي خرجت في مسارًا معاكسًا لمبتغاه، فابتلع باقي حروفها بين شفتاه، فيما حاولت الإبتعاد وهي تعود للخلف فكان هو يتقدم نحوها أكثر دون أن يعطي لشفتاها طلبها بالإبتعاد...!
وصلت - للرخام - دفعها بجسده للخلف فاستندت بمرفقيها على الرخام وهو يميل عليها بالكاد يكون فوقها، لم تتخلى عن مقاومتها! كلماته اقوى واعنف من أي شيئ ترن بأذنها فتُعلن حالة تمرد الروح... كبل يداها برفق ليتعمق في قبلته اكثر، وكأن شفتاها مغناطيسًا قويًا يزيد الجوع الذي ينهش سابرًا اغواره تجاهها! هبط لرقبتها يقبلها ببطئ لا يُصيبه سوى للوصل للاستسلام المتواري خلف شراستها..
واخيرا إستطاعت دفعه بعيدا عنها وهي تضع يدها على صدرها وتلهث من فرط أنفعال مشاعرها.. بينما هو ظل ينظر لها لاهثًا، يلاحظ أثار قبلاته على رقبتها وشفتاه مما يدفعه داخليا لأكمال ما بدأه، لأكل شفتاها التي لا تُمحى دعوتها! بينما هتفت هي بحنق: -مين سمحلك تقرب مني! مش كل حاجة بمزاجك أقترب منها مرة اخرى ليصبح ملتصقا بها وهو يضع اصبعه على شفتاها المنتفخة هامسًا:.
-شفايفك اللي سمحت لي، وبعدين خليكِ مستعدة دايمًا، أصل أنا مُشتاق أووي لعيل من صلبي قال كلمته الاخيرة وهو يغمز لها بطرف عينيه، قبل أن يستدير ويغادر هكذا وببساطة!
كانت أسيل في منزلها، وحيدة كما تركها جاسر كسلعة منبوذة مَلّ من محاولة تصليحها! منذ ذاك الوقت الذي فرت فيه هاربة من بين براثن الإنتقام والأحراج وهي تحبس نفسها بين قوقعتها التي كانت دائمًا تحاول الفرار منها... ولكن كفى، لن ولم ترد على أيًا من إتصالات تلك السيدة مرة اخرى! سترضى بواقع القدر النهائي ولن تحاول بعث إستئناف فاشل قبل بدايته...
نهضت بهدوء مستجيبة لنداء معدتها بالطعام، ترتدي ملابسها سريعا لتشتري أي طعام من الأسفل.. إنتهت ففتحت باب المنزل وغادرت بسلام... وبعد فترة كانت قد إنتهت من الشراء متجهة للمنزل، دلفت إلى مدخل البناية لتجد ذاك الحارس يجلس كما هو في مدخل البناية.. فابتلعت ريقها بازدراء وحاولت الإسراع، ولكن فجأة كادت تسقط على - السلم - صارخة بخوف: -اااه إلحقووني!
أمسكها الحارس من خصرها بقوة يجذبها له في سرعة رهيبة وكأنها فرصة كان ينتظرها منذ آمدٍ طويل.. إنتفضت مسرعة تحاول أن تبعد يده عنها وهي تصيح فيه بحدة: -أبعد إيدك يا أستاذ مسعد رفع حاجبه الأيسر متمتمًا بخبث دفين: -الله! مش بساعدك يا ست أسيل؟ هزت رأسها نافية بضيق: -لا متشكرة كاد يعترض ولكن فجأة شعر بمن يجذبه بالقوة ويلكمه بعنف جعل قواه تخور ويكاد يسقط ارضًا..
صُدمت أسيل من سرعة ما حدث فوضعت يدها على فاهها شاهقة بعنف: -جااسر! ظهوره المفاجئ الذي طَفي فجأة على سطح حياتها الذابلة بدونه جعل دقاتها تزداد بعنف.. وإهتزازه قوية أرجفت جسدها كله برغم القرب المتباعد بينهما! تصارع مع ذاك الرجل وتفوق عليه بالطبع ليرميه ارضًا مزمجرًا فيه كزئير أسد شرس: -ده أنا اخدك اداب فيها يابن الكلب، دي مراااتي! إرتجف قلبها من نداءٍ طال غيابه لإيقاظ مشاعر كادت تخر صريعة نزاع العقل..
بينما قال الرجل ببرود رغم الدماء التي تنزف من وجهه كله: -كنت بساعدها يا باشا بس أمسكه جاسر من ياقة قميصه يخبره بصوت جليدي كمجرم على أتم إستعداد للقتل: -قسمًا بالله لأوديك ورا الشمس، وتتشحطط في الاقسام يا زبالة، ومراتي أنا هعرف ازاي ماخليكش تهوب جمب الشارع اللي هي ماشية فيه حتى تركه يلهث بقوة ليسحب أسيل من ذراعها دون أن يلقي نظرة عليها، فيكفيه ما قابلته عيناه ك مرآى لطبيعة حياتها بدونه!
وما إن دلفا إلى المنزل حتى صفع الباب بقوة وهو يقترب منها ببطئ.. تراجعت للخلف مسرعة وهي تبتلع ريقها مرددة بتوتر كوميدي: -إيه؟ هتعمل إيه!؟ اوعى تتهور يا جاسر كز على أسنانه غيظًا وهو يهتف فيها: -إنتِ كنتي بتعملي إيه تحت وجمب البواب؟! سارعت تهز رأسها نافية تلك التهمة اللاهبة عنها: -اقسم بالله كنت بجيب أكل، وحاجة زحلقتني وهو لحقني بس في لحظة كان ينقض عليها يمسك ذراعيها بقوة مؤلمة وهو ينهرها بعنف:.
-وهو لية يسندك اصلاً؟ وإزاي ماتنفضيش نفسك عنه في ثواني؟! هو في حد بيسند واحدة وبيحط ايده على وسطها؟ قال كلمته الأخيرة وهو يضغط على خصرها الذي احاطته يداه بقوة، وكأنه يُمثل لها شعوره الأجوف بالألم في تلك اللحظات! أن الألم يجمعهما معًا، الألم حتى يجمع الجماد! وهو ذو قلبًا ينبض، ينبض لها بلا توقف! تأوهت بصوت عالٍ بصوت واهن: - جاسر وجعتني!
رفع التيشرت قليلاً عن خصرها ليتحسسه بأصابعه هامسًا بصوت هادئ ولكنه حاد: -وإنتِ بتعملي إيه ف حياتك غير إنك توجعيني كانت هي مغمضة العينين، تحاول إنتشال نفسها من بين جدران ذاك التأثير السافر، بينما أكمل هو قبل أن يجذبها من شعرها أسفل حجابها الصغير بقسوة: -أنا ممكن أستحمل أي حاجة منك، معاملتك الزفت او استهتارك او اي حاجة، لكن لا يمكن أستحمل إن حد غيري يلمسك! سامعة؟
بدأت دموعها تنهمر على وجنتاها وهي ترد مسرعة ب: -سامعة، سامعة هبطت يده ببطئ وقد استشعر ذلك الثقل الذي أصاب موازين قسوته المصطنعة، ليسألها بخشونة: -بتعيطي لية دلوقتي؟ أردفت بصوت مبحوح أختلط ضعفه بالبكاء الرقيق فكونا سطورًا مُكسرة من الانجذاب: -ايدك وجعاني اوي، و، شعري إنتبه ليده التي مازالت تقبض على خصرها بقسوة، فأبعدها مسرعًا وكأنه فُوجئ بفعلة يداه!
وبالفعل كانت يداه قد تركت اثرًا واضحًا احمرًا على خصرها الأبيض متوسط النحافة... غمغم بضيق حقيقي: -أنا، آآ مش قصدي ظلت تتحسس خصرها بهدوء ولا تنقطع وتيرة بكاؤوها وكأنها تبكي بجملة ما مرت به! هبط هو ببطئ ليصبح في مستوى خصرها لينفخ امام ذاك الاحمرار برقة وهو يتحسسه بنعومة تتناسب الالم.. ولم يشعر بنفسه سوى وهو يقترب بشفتاه ليُقبل تلك المنطقة بخفوت ناعم، مُسلب لأي حركة دفاعية، ومُخدر ل رد فعل صادم...
إبتعدت عنه مسرعة وكأن كهرباء صُبت عليها من لمسة شفتاه! ليمسكها من يدها متجهًا لغرفتهم بهدوء، إلى أن أغلق الباب ببطئ واستدار، ليجدها تحدق فيه بغرابة، ومن دون أي حرفًا يتقدم فعلتها التي ألجمته كانت تحتضنه، تدفن رأسها بين دفئ دقاته التي اضطربت تحت سيطرة قربًا مُكهربًا! سحب نفسًا عميقًا، يشعر انه يتنفس عبقها الذي يُعزز مشاعره العميقة بدلاً من الأكسچين... سمعها تقول بصوت هادئ:.
-ماتبعدش تاني، أنا بكون محتاجالك! أجابها مقتضبًا: -أنا غيبت تلات ايام بس! شددت أحتضانها هامسة: -بحس بوحدة رهيبة وأنت بعيد عني، وماتقوليش روحي لأمي او أمك لأنهم مش هيملوا مكانك! ذهول، ذهول ذاك ما طبع خاصيته على الأجواء، وخاصةً على جاسر الذي نحتته الصدمة ببراعة! اما هي، فكانت لا تدري كيف تنطق بذلك أو لمَ حتى... لا تعلم لأي طريق تعبر وإلى أي مرحلة جديدة تنتقل، ولكن تعلم أنها تقر بما يحوم حول نبضاتها فحسب!
شعرت بيداه تحيطها بحنان، ورأسه تُدفن في مكانها المعتاد عند رقبتها، يستنشق عبيرها الفواح.. وتسللت يداه ليحملها برفق ويضعها على الفراش... أغمضت عينيها مستسلمة تمامًا، ولكن خاب ظنها وهي تشعر به يبتعد عنها فهمست بضيق خفيف: -جاسر! أشار لها بهدوء: -هششش متقلقيش، أنا اتعهدت لك إني مش هاقرب لك إلا بأرادتك غاب عن مرمى عينيها للحظات ليأتي بعدها ممسكًا ب - مرهم - ليجلس بجوارها ويدهن لها بصمت تام..
إستسلمت للمساته البطيئة على خصرها العاري... وبداخلها سؤالاً قويًا يتردد مطالبًا بالإجابة - لمَ تشعر بالانزعاج من ذلك الإبتعاد -؟! غريبة أنتِ يا بنت حواء، تُطالبين بشيئ ثم تكرهي إستجابته!؟
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر
بينما مها تتحاشى مصائب تنظها قد تضل طريقها لمجرد أنها اظلمت السبيل! لم تكن تدري أنها تخلق سبيل جديد من نهاية مُسددة، وقدر محتوم! وقد تعتقد ايضًا أنها تسير على الصراط المستقيم، فلن تُصيبها رياح عاتية صُدرت لها فجأة... ولكنها تُفاجئك أنها أنطلقت من الذي كنت تعتقده برًا للأمان! تمامًا كما هي، تحاول بشتى الطرق تحاشي رودينا برغم الحريق الذي لم يطفأه صبرا او حزمًا!
بينما الاخرى نالت فرصتها الأخيرة والوحيدة لتُدس الغيظ بين منابع تحكمات تلك مها أكثر... كان أحمد و رودينا و سيف يجلسوا أمام - سفرة الطعام - ومها في المطبخ تعد الطعام... اليوم هو يومها هي في المطبخ، ذلك اليوم الذي تُماطل رودينا ليصبح يومان وربما ثلاث! والحجة جلد ثعبان خبيث ولكنه شفاف امام عيني مها المترقبة..! وضعت مها الطعام اما كل واحدًا منهم لتجلس وتبدأ بالطعام...
قطع سيف الصمت المخيم على نوايا ومشاعر تُخفى داخل عقلاً خبيثًا وربما مذبذبًا: -بابا، أنت مش هتحضر التكريم في مدرستي؟ نظر له والده وهو يرسم إبتسامة ملائمة ويشاكسه: -ياااه يا سيف ده انا كنت قربت أنسى أنك ممكن تيجي تكلمني يا راجل أصر سيف على سؤاله المُلح: -باباااا، هتيجي التكريم ولا لا لو سمحت؟! إبتلع أحمد الطعام ببطئ وهو ينظر للعيون المترقبة ل رد فعله...
ليجيب بهدوء جاد ومتردد خوفاً على حالة طفله النفسية، وخاصةً بعدما حدث مؤخرا!: -حبيبي أنت عارف إني عندي شغل وقضية مسؤل عنها، يعني مش هابقى فاضي خالص و... قاطعه سيف متذمرًا بحزن: -يووه يا بابا، كل العيال أبوهم هيجي إلا أنا، وأنت بتقعد مع طنط رودينا كتير، عشان هي هتجيب لك نونو صح، وأنا مش هتروح معايا حته زي الأول! ذُهل أحمد من غيرة صغيره، التي وكأنه ورثها عن والدته التي إلتزمت هدوء ما قبل العاصفة!
ليحاول التبرير قائلاً: -لا طبعا يا حبيبي، طنط رودينا ملهاش دعوة بالموضوع ده، وبعدين أنت مين قالك إنها هتجيب نونو؟! غمغم بصوت منخفض: -أنا سمعتكم وأنتم بتتكلموا أشار له أحمد بصرامة: -مفيش واحد كويس بيتصنت على أهله وهما بيتكلموا يا سيف، ماشي؟ إنكمش سيف في مقعده سريعا، وكأن تلك الضربات عاودت شعوره بالتزامن مع صوت احمد العالي قليلاً، فانحسرت الشجاعة في ركن المهملات!
إنتبهوا جميعهم لصرخة رودينا المتعجبة وهي تنظر ل - طبقها - وتسب دون مقدمات: -الله يخربيتك يا مها، تااااني عاوزة تخلصي من إبني حرام عليكِ إتسعت حدقتا مها بذهول من الإتهامات الواهية التي تُلصق في صفحة لامبالاتها دون تردد... ثم همست في عدم تصديق: -انا! لا ده إنتِ إتجننتِ بالحمل ده والله، هو انا عملتلك إيه دلوقتي؟ كادت تبكي وهي تتفحص الطبق، بينما سألها احمد بنزق:.
-في إيه يا رودينا؟ عملت إيه ما احنا قاعدين اهو! أخرجت - قرص دواء - من طبقها لتشير له مرددة في حرقة كاذبة تبدو للناظرين كحرقة بكاء حزين: -بص يا أحمد، حطالي دوا في أكلي لييية هه؟ وأكيد دوا عشان أسقط اللي ف بطني، لما فشلت أول مرة قالت تجرب تاني، أنا تعبت منها بقا بجد وبتلقائية إلتفتت عينا أحمد نحو مها التي أخذت تردد بهيسترية: -لا لا، أقسم بالله كذابة أنا ماحطتش أي حاجة في الأكل.
بدأت رودينا تتلوى وهي تتأوه بافتعال يكاد ينضم لخيوط الواقع الصادق! بينما نهض أحمد يمسك بيدها قبل أن يهتف بصوت قلق إلى حدًا ما: -تعالي بس ريحي وأنا هاتصل بالدكتور وأكيد دي وقعت غلطة مش أكتر أزداد نحيب رودينا بينما نهضت مها هي الأخرى تصيح بانفعال حانق: -هو ده اللي هي عايزاه، تبقى الغلبانة الكويسة وأنا العقربة اللي مش عايزاك تخلف من غيري، وأنت بوتجاز أول ما بتولعك بتولع على طول!
شهقت بعنف وهي تستشعر الوحش الكاسر الذي حررت تسرعه الذي كان يأسره، ليصفعها بقوة تناسب حيرته وقلقه بين دارًا لاخر... وضعت يدها على وجنتها تنظر له بألم، بينما قال هو بقسوة: -أنا كنت بحاول أمسك نفسي عشان ماظلمكيش، لكن الظاهر إنك فعلاً ماتستاهليش ابدا.
ثم إستدار يسير مع رودينا نحو غرفتهما، بينما مها تبكي بعمق على صورةٍ لأم وأب مثاليين كُسرت، بل وتردد صوت شظاياها على هيئة بكاء مها الذي إزداد لجوار إبنها سيف خاصةً وهي ترى رودينا التي إتسعت إبتسامتها دون أن يراها ذاك المغفل!
يُسقطك القدر أخر دمعة يُمكن أن تذرفها توافقًا للشعور الذي يطبق على أنفاسك.. حينها فقط تصبح كحجرًا صلب لا يتأثر لهجر معشوق غير متوقع! كان عبدالرحمن ينتظر أسفل منزل والدة رضوى في سيارته.. ملامحه تكاد تكون تحمل هموم الدنيا وما فيها! ينتظرها حتى ترضى عنه وترضى به، ينتظر ما يكون ضمن قائمة المستحيلات لدى رضوى... بالفعل خلال دقائق كانت رضوى تهبط من البناية، بمعالم لا تقل تشققًا من البُعد الضاهي عنه!
نزل مسرعاً نحوها وما إن رأته حتى كادت تستدير وتذهب.. ولكنه قبض على ذراعها بقوة هامسًا بتوسل: -رضوى، رضوى أستني لو سمحتِ هزت رأسها نافية بقوة: -لو سمحت أنت أبعد من طريقي، أنا مفيش بيني وبينك أي كلام! وبدقيقة كان ذلك اللين يتحول لسلاسل متينة تعرف مهامها في أسر ذاك العند جيدًا، فأمسك بذراعها يجذبها بقوة متجهًا نحو السيارة غير عابئًا بندائتها الغاضبة باستنكار:.
-سيبني أنت بأي حق بتجرني كدة زي الخروف المخطوف وراك؟! إلتفت لها يغمز بعينيه هامسًا: -لما نركب العربية هقولك بأي حق يا زوجتي العزيزة رغمًا عنها تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل، مهما أختلفت الظروف، وترددت الحروف، تبقى كلماته المعسولة سحرًا لا ترياق له بين منابع روحها المتلهفة! وبالفعل جعلها تركب السيارة ليقترب منها ببطئ، وبتلقائية وضعت يدها على وجهها صائحة فيه بصورة كوميدية:.
-لا أحنا في الشارع، يا فضيحتشك يا رضوووى، كانوا بيقولولك شيخة دلوقتي هتبقي منحرفة المنطقة شقت الأبتسامة عبوسه المصطنع، قبل أن يربط لها الحزام بصرامة مشاكسة ويقول: -لأ هو المفروض يتقال يافضيحتشك يا ام رضوى على خلفتك العار، ده أنا جوزك يا هبلة! إبتلعت ريقها بازدراء في محاولة لإستعادة رباطة جأشها، لتتابع بجدية تُعاكس طقس موقف مرح كهذا:.
-طب ياريت تقولي أنت عايز مني إيه، وبسرررعة عشان بنتي مابتقعدش لوحدها كتير، أصلي بخاف عليها من الهوا الطاير، الدنيا مابقاش فيها امان ابدا وبالطبع وصله المغزى الجارح من كلامها، وهل له أن يسد جوارحه عن جرحًا صُوب ولا يقبل الرفض؟! اومأ مسرعا بخفوت متألم: -وأنا برضه بخاف عليها يا رضوى، ما هي بنتي برضه لم تدري بماذا تُجيب تحديدا، تنكر واقع ملموس، أم تقبل بصدمة لم تتردد الأقلام عن ذكرها!؟
أدار المقود ليغادر، لم تلتف له وهي تسأله: -أحنا هنروح فين!؟ حاول الإمساك بيدها مرددًا: -للدرجة دي مش طيقاني ولا طايقة قعدتي؟! برغم تلك الحرارة التي تدفقت أوردتها من الإجابة الحاسمة، وبرغم شبحًا من الشوق المتيم الذي جاهدت لحرقه بنيران الجدية التي تشتعل بين أحشاؤوها، إلا إنها ردا ببرود منعكس: -اه، وجدا كمان، وكويس إنك عارف كدة كويس! ضغط على يدها التي تحاول إبعادها بحزم، ليقول بصرامة محببة:.
-أسمعي بقا، إنك زعلانة مني دلوقتي حاجة، وإنك تسمعي كلامي دي حاجة تانية خالص تأففت عدة مرات، غابات موحشة تشتعل حول روحها فلا تعطيها طاقة للصبر، بل رغبةً في الفرار! بينما رفع هو يدها ببطئ يلثمها، قبل أن يهمس بصوت ذو بحة لا تُنغم إلا لها: -أنا أسف نفذ الصبر، ونفذت الجدية، واُزيلت قشرة الصلابة الواهية، لتتعرى ثناياها المُكسرة وهي تصرخ بهستيرية:.
-سيبني في حاااالي بقااا والنبي، ماقدرش أسكت واعدي، أنت عملت كتير اوووي، كنت بتحلم بواحدة وبتقولي أنا عايزها، ضربتني وهنتني وقربت مني غصب عني، لكن بنتي لااااا، كله إلا ضنايا، مش هأمن عليها وأنا جمبك، أنا اللي أسفة بس ارحمني أنا ليا طاقة في التمثيل، أنا تعبت، حاجة جوايا إتكسرت، ثقتي أن أنت حمايتنا إتحولت ل خوف رهيب إني ممكن أكون نايمة في حضنك وتاني يوم أصحى ألاقيك موت بنتي الوحيدة لمجرد إنها مني! أنا نفسي اصرخ واقول اااااه، قلبي واجعني مش قادرة، بس لا، ده أنا لازم أفوق عشان بنتي، ماهو مش هيبقى ضياع جوزي وكمان بنتي، أنا اسفة، أسفة اوي بس أحنا حياتنا أتدمرت يا عبدالرحمن!
كان ينظر لها، يسمع أنينها الملكوم وهي تناجي الرحمة بوضوح... ورغمًا عنه تهبط الدموع، تأثراً لها ومنها! وفجأة أنتبه لصرختها وهي تنظر أمامها بهلع: -عبدالرحمن اوعى العررررربية! ولكن لحظة غيرت كتابًا كاملاً، كلمة نُقشت بسرعة الواقع المفاجئ غيرت توقعات أملاها عقل راجي! وإصطدمت سيارتهم بأخرى، وقد حدث ما كان، وبالفعل إنتهى الأمر، او بالأحرى إنتهت حياتهم سويًا !
صوت رنين الهاتف أزعج أسيل من نومتها الهنيئة، نومتها التي امتلأ فيها فراغ الوحدة الذي سببه جاسر واخيرًا! حاولت الحراك ولكنها كانت مقيدة في مكانها الطبيعي، بجوار صدره، وكأنها ستحاول الفرار؟! ولكن لا، هي لن تحاول، هي إستسلمت، بل ورضخت للهزيمة مرحبة بها! أبعدت يده قليلاً عنها لتمسك بهاتفها، وكما توقعت كانت والدة عبدالرحمن التي ما إن اجابت الاتصال حتى سمعتها تنعتها على الفور:.
-إيه يا بت يا * إنتِ نسيتِ نفسك ولا إيه؟ بقا أنا مابترديش عليا يابت!؟ تأففت أسيل بضيق قبل أن ترد باختصار حانق: -مكنتش فاضية! -دي حجة كل مرة هه، بس خلاص زهقت منك ومن حججك -يبقى نفضها سيرة بقا، أنا زهقت واتهانت أكتر من 3 مرات ورا بعض واترفضت بأسوء الطرق، مش هاجي على كرامتي اكتر، انا كدة راضية -ههههه ما احنا هنفضها طبعا، بس بعد ما أقول لجوزك المصون واهلك، كُل حااااجة! -أعلى ما في خيلك، أركبيييييه.
ثم أغلقت الهاتف وهي تنظر امامها ببلاهه، تشعر أن ذلك الغضب تتناثر صوره أمام مرآى عيناها! هي تخشاها.. لا بل تخشى الفيضحة التي ستتسبب بها! تخشى النيران التي ستُحيطها من كل جانب ما إن يظهر غاز حارق في حياتها البائسة... هي تخشى أي شيئ، وكل شيئ! وتتظاهر بالقوة، بل ترجوها أن تمن عليها بنذة صغيرة في مقدمة حروفها الواهية! أستفاقت من شرودها على ملمس يد جاسر التي تحسست وجنتها هامسًا: -سرحانة في إيه؟
ظهرت شبح أبتسامة على ثغرها العابس لترد عليه بهدوء متوتر بعض الشيئ: -احم، لا ماتشغلش بالك دي مشكلة مع واحدة صحبتي بس اومأ موافقاً لينهض من جوارها بهدوء، ولكنه عاد على الفور يخبرها بجدية: -صحيح، قومي يلا جهزي شنطنا بسرعة عقدت حاجبيها هامسة بحيرة: -شنطنا! أزاي؟ أجاب مختصرا أميالاً سيغوصاها سوياً وهو يهتف: -أنا وإنتِ هنسافر البلد، أهلي وحشوني أوي وامي عايزة تشوفنا فكرت للحظة او اثنان قبل أن تقول حاسمة امرها:.
-ماشي نهضت من الفراش فجأةً وكادت تسير ولكن ترنجت في مكانها وكادت تسقط ممسكة برأسها، فسارع يمسك بها وهو يردف في هلع إمتد لحواسها: -مالك فيكِ إيه؟ أقعدي أقعدي جلست على الفراش مرة اخرى، وحاولت النطق وإن خرج صوتها واهنًا: -أنا كويسة هي الدوخة دي بتجيلي اول ما أقوم فجأة كدة رفع حاجبه الأيسر ساخرا بغضب: -هي دي حاجة طبيعية يعني ولا إيه؟ أسكتِ أسكتِ جعلها تتمدد على الفراش مرة اخرى بينما هي تراقبه بتفحص...
كان قلقه وخوفه على مرآى ومسمع حتى الجماد..! ذاك القلق الذي لمس الوتر الحساس داخله لا يمكن أن يُصدر بطريقة خاطئة او يضل طريقاً وإن كان مظلمًا حد الوحشة! حاولت الهدوء وهي تخبره: -طب أنا مش عاوزة انام سيبني اقوم احضر الشنط عشان نلحق أشار لها أن تصمت بحزم: -هششش هي كلمة واحدة، إنتِ هتريحي لحد ما نيجي ماشيين، وأنا اللي هحضر الشنط، خلاص!
ثم أستدار ليدلف إلى المرحاض، كانت تنظر لأثره، مُقارنة قوية ومتسعة وقد تكون حادة ايضا تُنشب داخلها! مقارنة بين ذلك وذاك، ولا وجه مقارنة اصلاً للأسف! أنتبهت لخروجه من المرحاض يجفف خصلات شعره السوداء، لتقول دون وعي بصوت بدا غريبا حتى على عقلها: -جاسر؟ نظر لها في المرآة يغمغم: -ها؟ والطلقة كانت أخر إستنفاذ لصبره على غرابة تستحوذ ساحة حياته وهو يسمعها تستطرد بنفس النبرة: -أنا مرتاحة معاك...!
جلست چودي في غرفتها على الكرسي الخشبي، يهتز بقوة كما تهتز الذكريات بعقلها، تنظر أمامها بشرود سام، خبيث كعقلها تمامًا! تدق بأصبعها الرفيع على ذراع الكرسي برفق، مع كل دقة تحوم الذكريات بعقلها أكثر الى ذاك اليوم... ذاك اليوم الذي هي بسببه هنا الان.. كانت تقف أمام والدتها المنفعلة، تأففت بضجر وهي تسمع طلبها الذي تكرره للمرة التي لا تذكر عددها.. فنظرت لها ثم زمجرت فيها منفعلة بنفاذ صبر:.
-مامي لو سمحتي خلاص بقا، قولت لك أنا مُش هنزل مصر تاني أقتربت منها والدتها أكثر، ثم أستخدمت صيغة الأمر في محاولة لإقناعها، ذاك الشيئ صعب المنال: -لأ هتنزلي، لازم تنزلي يا چودي، أحنا مش ادامنا غير الفرصة دي، إنتِ بقالك شهور هنا محدش إعترض ثم صمتت برهه، والخزي يفترش على ملامحها شيئً فشيئ، حتى أكملت: -لكن لو قعدتي تاني هنا هنشحت، لإما هتشتغلي خدامة.
إحتدت نظرة چودي وهي تصيح فيها بغل لم تُخفى خيوطه عن والدتها: -وكل ده بسبب مين؟ مش بسببك إنتِ اللي أمنتي لواحد حقير سرق كل فلوسك ألم، ألم ذلك ما يتسرب لخلاياها بأحتلال لن تقدر على مقاومته يومًا.. هي من دون شيئ تلوم نفسها، تلوم نفسها على ذاك الحنين للشباب والحب الكاذب الذي لم يسحبها سوى لمستنقع مميت أسود! ولكنها أخفته بمهارة وعادت تنظر لچودي مرددة بقوة لا تتحلى بها:.
-أنا كنت غبية إنتِ ماتبقيش زيي، أرجعي ل عمر قبل فوات الأوان، أسترجعي مكانتك عنده، هو مأمن نفسه وأكيد هيأمن حياتك معاه ثم إنتحب صوتها وهي تتابع همسها: -ما أدامكيش غير كدة، وإلا تفضلي معايا هنا تواجههي نفس المصير اللي أنا هواجهه، وهو طبعًا الذل! ذل! چودي الجمال تواجه الذل يومًا؟! نسبةً لها هذا الشيئ خارق لقوانين الطبيعة... وهي لن تسمح بذلك اصلًا، لن ينزل أنفها الشامخ يومًا إلا في قبرها!
لن تسمح لذاك الذل بفرض مقاليده على حياتها المرفهه دومًا... تنهدت تنهيدة طويلة وحارة تحمل في طياتها الكثير والكثير، قبل أن تخبرها بيأس: -أنا خرجت بصعوبة من موضوع البوليس ده، أخاف انزل يدبسوني في قضية تانية يا مامي سارعت الاخرى مبررة: -لأ لأ، التهمة نزلت من عليكِ خلاص، وبعدين إنتِ مش هتعملي حاجة تخليهم يدبسوكِ في قضية ودون تعبير واضح أردفت مفكرة:.
-ثم إن عمر الواضح إنه بيحب مراته ومش هيتخلى عنها بسهولة، ولا نسيتِ محاولتي القديمة عشان أرجعه ليا تلاعبت الابتسامة على حبال ثغرها الذابلة، ثم همست بصوت أشبه لفحيح الافعى: -ما ده بقا بيعتمد على شطارتك إنتِ اومأت موافقة، وحروف والدتها الخبيثة ترتكز على مسام رأسها الشيطاني فهمست بشرود: -اممم، فعلاً تشجعت والدتها من موافقتها المبدئية التي نالتها، فاستطردت بحماس:.
-واهو تبقي مستقرة في بلدك ومتجوزة اللي إنتِ عايزاه وعايشة عيشة مرفهه حلوة جدًا ومبسوطة ماتت حروف الرفض على شفتيها، وحل محله التصميم على النصر، ذاك النصر الذي لم يكن من حقها يومًا! فأومات هاتفة بصلابة لا تليق بخبثًا كالذي تدفن نفسها به: -موافقة، وهنفذ، وهيبقى ليا!
عادت للواقع من شرودها على صوت هاتفها الذي لم يصمت عن الرنين، بالطبع هذا حسين، ذاك الذي يركض خلف رغباته التي كانت كالسراب... وهي، هي عالقة ما بين الامتثال لرغباته وتنفيذ ما أرادته... وبالنهاية هي المنتصرة الخاسرة في آنٍ واحد، هي عملة لوجهتان متضادتان! تأففت قبل أن تفتح الهاتف لتجيب وهي تحاول بث الهدوء في نبرتها: -الوو -أية يا چودي كل ده عشان تردي؟ -سوري يا بيبي كنت باخد شور -امممم طيب ماشي، أنا نفذت.
-وطبعًا دوري جه أنفذ -بالظبط كدة شاطرة -تمام وأنا مستعدة يا سحس -شقتي في الجيزة يوم الأحد الساعة 6 المغرب فاضية، هبعتلك العنوان في رسالة -اوكيه ماشي تمام -تمام، باي -باي أغلقت الهاتف وجملة واحدة فقط تترد في عقلها كصدى لصوت شيطانًا يتولى مهمة دمارها... أعملي أي حاجة يا چودي عشان ترجعيه ليكِ، أي حاجة يا چودي !
بعد مرور ثلاث أسابيع... كانت شهد تجلس في منزلها، ترتدي ملابسها السوداء التي لم تتخلى عنها ولو للحظة منذ وفاة رضوى القشة التي كسرت ظهر الجميع! والفتيل الذي أشعل نيران العذاب... بالأضافة لعمر الذي إقتصرت تعاملاته معها على الجفاء والقسوة والأهانة! وخاصة منذ أن زارت رضوى قبل وفاتها دون إرادته مع محسن ... ألف هم وهم يتزاحموا بين طيات روح تكورت ألمًا وكادت تنفجر مصدرة تردد قوي يكاد يدمر من حوله!
أستفاقت من شرودها على صوت هاتف المنزل وهو يرن مصدرًا صوت ازعجها، فنهضت ببطئ متجهة نحوه لتمسك به وترد هاتفة بصوت واهن: -الووو السلام عليكم..؟ -وعليكو السلام، دِه بيت عمر؟ -ايوة -طب هو فين لو سمحتي؟! -اقوله مين؟ -جوليله آآ جوليله حنان، حنان مراته! سقط الهاتف من يدها، وتجمدت مكانها والكلمة تصلبها بلا رحمة...! مراته، مراته، مراته و...
هب عبدالرحمن من فراش المستشفى منتصباً يصرخ بفزع عاليًا بصوت إخترق مسامع كل الموجودين: -رضووووووووووووووووى إلتف حوله كل الممرضات سريعا ليبدأوا بمعاودة فحصه، فيما حاول هو النهوض صارخًا بهيسترية: -ابعدوا عني، فين رضوى، فين مراتي؟ أنا عايز مراتي نادت الممرضة بصوت عالي تتساءل: -يا جماعة فين والدته كانت لسة هنا؟ هنا دلفت والدته مسرعة تهرول تجاهه مهللة بفرحة:.
-اخيرا، حمدلله ع سلامتك يا ضنايا ان شاء الله اللي يكرهوك كانت عيناه قصة سطورها مُمحاه، مشوهه ومتقلبة، قصة يُبحث فيها عن حروفها، عن مغزاها الضائع! لا يظهر منها سوى اللهفة في نغمات الصوت وهو يسألها مسرعا: -ماما فين رضوى؟ هي كانت معايا!؟ هزت رأسها نافية بضيق: -رضوى إيه دلوقتي أنت بقالك 3 أسابيع في المستشفى ف غيبوبة يا حبيبي! إتسعت عيناه بفزع من مؤشرات الكلام الطبيعي التي تنحدر نحو السلب وقال:.
-يعني إيه؟ فين مراتي يا أمي!؟ حصلها حاجة؟! أطرقت رأسها خزيًا هامسة: -البقاء لله يا حبيبي عطتك عمرها سكون، سكون نتج عن روح نشبت بين طيات الماضي، الماضي الذي كانت هي معه فيه! لا حاضر سالب كاسر ومؤلم، ولا مستقبل مشرق دون شمس تُضيئ عتمته! ظلت يهز رأسه مسرعًا بهستيريا: -لا لا إنتِ بتكذبي عليا عايزة تخضيني عليها بس سارعت تنفي مرددة: -لا والله يا حبيبي، هو الموت فيه هزار؟!
نهض عن الفراش عنوة عن الجميع، وسار ببطئ يهمس وكأنه جُن تمامًا: -لا ده كذب انا متأكد، ماتت إيه بس بعيد الشر عنها يا امي، هي مستحيل تروح من غيري اصلا شهقت والدته تضع يدها على فاهها، الصدمة وكأنها أفقدته الجزء الذي يحمل مهمة التصديق من عقله! بينما صرخ هو فجأة بحرقة: -رضووووى، والنبي لااااااااا يااااارب لا ياااارب خدني معاها لااااااااااااااااااا سقط على الأرض يبكي بعنف صارخًا وهو يدب على الارض:.
-سابتني اااااه سابتني عشان انا حيوان ماستاهلهاش اصلا، كان عندها حق انا حيوان وقذر وخااااين بس ماتسبنييييييش لاااااا ابوس ايدكم قولولي انكم بتكذبوا جلست والدته مسرعة بجواره تحتضنه وهي تردد في حزن حقيقي على حال إبنها الوحيد: -لا يا ضنايا أنت مش حيوان، اهدى يا حبيبي ظل يضرب بقبضته على صدره متابعًا بصوت مبحوح:.
-لا انا حيوووان، أنا اللي قتلتها يا امي، انا اللي ماخدتش بالي، انا اللي يتمت بنتييييييييي يا امي كانت بتقولي انها موجوعة، انها نفسها تصرخ وتقول ااااااااااااااه قلبي بيوجعني.. نهض مسرعا وهو يكمل وبكاؤوه لا يتوقف: -انا هينتها، زعلتها ومديت ايدي عليها كمان! نظر للزجاج بجواره ليضرب بكل قوته الزجاج الذي انكسر ليستمر في الخبط فيه بيده التي بدأت تنزف بغزارة:.
-يارب ايدي اللي اتمدت عليها تتقطع، يارب خدني معااااها يارب انا مقدرش اعيش من غيرها نظر ليده التي تنزف ليضربها في الزجاج عدة مرات اخر: -دي ايدي اللي اتمدت عليها، اهوووو، اهووووو حاول الجميع امساكه او تهدأته، ولكنه كان كالثور الهائج الذي وُضع امامه الخط الاحمر فلم يعد يرى سواه! لم يهدئ سوى عندما اعطته الممرضة - حقنة مهدئة - عنوة عنه..
كان كأسدٍ فقد قدرته على الحياة فلم يعد يفعل سوى إفتراس نفسه قبل أي شيئ!
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر
القلب يصرخ، والعقل يسخر، والواقع يضم كلاهما في قوقعة لا تحتملهم سويًا! قوقعة تُحتم عليهم فوز ايًا منهم، والجسد بين ذلك وذاك يُخشب كالصنم منتظرًا حكمًا حاسمًا في أمر يذوب الحسم فيه! كانت شهد تنظر للهاتف وضحكات قصيرة رنانة تصدر منها تلقائيًا بسخرية، ولا تدري إن كانت سخرية من تلك المعتوهة أم سخرية من صدمات قدر لا ينتظر!؟ وضعت الهاتف مكانه مرة اخرى دون ان ترد على تلك المغفلة...
كانت نبضاتها تعتصرها سلاسل ساخنة، بل ملتهبة تُهدد بالتوقف! كانت تُعافر للتنفس، ضيق، وخنقة فوق المحتمل لطاقة بشر! أنتفضت على لمسة عمر الذي أدارها نحوه يسألها بخشونة: -في إيه مالك متمسمرة في الارض كدة لية؟! ألف صرخة كادت تشق الحاجز الفارق بين دقات عاجزة وواقع قاتل... دفعته بعيدا عنها وهي تصرخ فيه بعنف: -ابعد عني ماتقربلييييش.
ذُهل مما أصابها فجأة، وتردد ألف سؤال وسؤال بعقله، ولكنه لم يُعطى إجابة مقنعة حين سألها بجدية: -مالك يا شهد إيه اللي حصلك أتجننتِ ولا إيه؟! أغمضت عينيها، تحاول النصر في المعركة الناشبة بين جفنيها حول بريق التماسك وشلالات حارقة تهدد بالنزول، بدأت تضحك بهيسترية، حتى أصبحت ضحكات متتالية دون سبب واضح! أمسكها عمر مزمجرًا فيها بحدة: -شهههد، فوقي كدة وكلميني زي ما بكلمك مااااالك فيكِ إيه؟!
عادت للخلف خطوة والثانية، كضربات القلب تلك التي غلفها الضعف القهري، إلى أن اصطدمت بالمنضدة فبدأت تدفعها بعنف وهي تصرخ: -فيااا كل حاجة ممكن تتخيلها، أبعد من وشي مش عايزة أشوووفك أنا بكرهك يا عمر بكررررهك، بكرهك اوووي على قد ما وجعتني وبتوجعني! وسؤالاً منطقي يطرحه جو موقف كهذا، هل يُعدي الألم كالمرض!؟ لمَ يشعر بألمها كالسقم في اعصاؤوه لا شفاء له! ولكنه أقترب منها يصرخ بصوت قوي ومرتعش رغمًا عنه:.
-في دااااهية، إكرهيني ع اساس إني مهتم بحُبك اوي يعني، بس أفهم إيه اللي حصل وفي ثواني يلا صارت ترمي كل ما تطوله يداها، تصرخ بجنون... وبالطبع هكذا هو الحب، عندما تتناثر أشعة وجع فيه ينقلب لحالة تمرد غالبًا تنتهي بفراق كاسر! إستطاع عمر إمساكها اخيرًا وهو يهتف فيها بغيظ: -اهدي بقااا وفهميني طار المتبقي من عقلها لتنتفض مبتعدة عنه وقد بدأت في مرحلة جديدة من أعاصير الألم فانفجرت دموعها وهي تخبره بصوت مبحوح:.
-ابعد عني يا خااااين، أنت واحد خاين مريض وضعيف، حرام عليك أنا عملت لك إيه عشان تكسرني كدة؟! قصرت معاك في إيه عشان تتجوز عليا! زاغ الإتزان، وشُحن الهواء بنسمات تُعد بمقدار السرعة، هربت الحروف، وسقطت الأوشحة عن الأسباب الفارغة! ظل ينظر لها مبهوتًا من معرفتها التي تمنى تأخرها، إلى أن نطق: -إنتِ عرفتي منين؟ إزدادت في تكسير الأشياء التي تُخزن طاقتها السلبية وهي تكمل صراخها:.
-يعني كلامها صح؟ أنت إتجوزت، اااه ياااااربي هز رأسه نافيًا وهو يقترب منها: -لأ إنتِ مش فاهمة حاجة أمسكت بسكين الفاكهة خلفها لتضعها عند يدها وتهتف بصوت مُطلق شرارات حمراء لاهبة حقيقية: -اقسم بالله لو مابعدت عني لهموت نفسي، أخرررررج بررررة بررررررة إبتلع ريقه مغمغمًا بصوت ضعيف وهو يعود للخلف: -شهد إنتِ لازم تسمعيني الأول عشان خاطري؟ ظلت تهز رأسها بهيسترية تزداد مع إكتمال صورة - الخيانة - بين جنبات عقلها!
بينما هو يحدق فيها كالصنم، لا يصدق إلى أي مستوى جعلها تنحدر... تقريبا إلى ما تحت الصفر بمراحل! وهي تقوس فاهها بابتسامة ساخرة شبه ميتة قبل أن تستطرد بحرقة: -أنا مش عايزة أعرف حاجة، كفاية أوي اللي عرفته، ومش عايزة منك حاجة، كل اللي عايزاه منك إنك تمشي من قدامي قبل ما اموتك واموت نفسي أقترب منها فجأةً ليصبح امامها تمامًا فأمسك يدها الممسكة بالسكين ليضعها بالقرب منه، ليهمس بفتور:.
-يلا مستنية إيه!؟ موتيني يلا أنا اهو قدامك صرخت فيه بنفاذ صبر: -قولتلك أبعد عني مش طايقة لمستك إلتصق بها أكثر، وكأن الأمور إختلطت امامه، وتشابكت الأحداث فلم يعد يستوعب أيهما الاصح! لصقها به بقوة ثم هز يدها الممسكة بالسكين لتسقط من يدها، وسرعان ما كان يمسك وجهها بين يديه يقربه منه وهو يقول بحروف مُهتزة: -فعلاً؟ مش طايقة لمستي!؟ لا أنتِ كدابة، بس مسألتيش نفسك أنا إتجوزت لية!؟ أكيد في سبب.
حاولت دفعه وهي ترد من بين أسنانها: -عشان أنت واحد ضعيف ماشي ورا رغباته مش أكتر هجم على شفتيها في قبله طويلة مغموسة بجنون مشاعر هوجاء كُسر طرف بدايتها.. وهي تحاول إبعاده عنها ولكن بدت وكأنها تحاول زحزحت صخرة صلبة خُلقت لتبقي ملتصقة بها! ظل يقبلها بقوة قد تكون عنيفة إلى حد ما بقدر ما هي تخفي تمازج راغب متواري خلفها... إلى أن إبتعد عنها بعدما دفعته هذه المرة ليلتقط أنفاسه اللاهثة..
ليتابع بأعين زائغة وكأنه على وشك فقدان وعيه: -أكيد واحد هاجر مراته أكتر من شهر هيبص بره، بس أنا بصيت بالحلال..! بينما قالت هي بصوت يكاد يسمع على حافة البكاء: -طب روووح، روح لها أنا مش عايزاك أصلاً، أنا كرهتك بقدر كل لحظة كنت بحبك فيها! كاد يرد ولكن قاطعه صوت هاتفه الذي صدح معلنًا إتصال من حسين شتم بصوت خفيض قبل أن يرد: -ايوة يا حسين؟ -عمر أنت لازم تيجي وحالا -في إيه يابني خير؟
-في مصيبة في الشغل، أحنا هنروح في داهية -براحة بس فهمني -تعالى ع الشركة حالاااا -حاضر، حاضر مسافة السكة أغلق الهاتف لينظر لشهد التي لم تسمح لتعبيرًا واحدًا من تعبيرات بحرًا احمر متلاطم الصدمات أن تتناثر أشعتها على أفق ملامحها، فقال بجدية صارمة: -أنا رايح ضروري، بس يا ويلك يا سواد ليلك يا شهد لو رجعت لقيتك عملتي حاجة كدة ولا كدة، سامعاني؟
لم ترد عليه فاستدار ليغادر مسرعا، بينما تحركت هي وببطئ شديد، بطئ تستغرقه أول خطوة نحو الطريق المعاكس للسراب فقط لتهمس بهيسترية: -مستحيل اقعد معاه، قلبي هيقف مش قادرة!
كان يدور يمينًا ويسارًا في كل أنحاء المنزل، ينظر هنا وهناك وكأنه يُطالب بالتأكيد.. هربت من بين يديه ك حُلم سلبه الواقع المرير! مسح على شعره عدة مرات قبل أن يصرخ بصوت عالي شق السكون المخيم على أرجاء المنزل: -شههد! ولكن لا من مجيب، صمت قاتل من تردد صداه في ارجاء المكان.. قطعه حسين الذي تدخل يقول ببرود: -خلاص يا عمر فكك واهدى بقا اهي راحت لحال سبيلها ظل يهز رأسه بهيسترية هامسًا:.
-لاااا، لااا يا شهد إنتِ ملكي وهتفضلي طول عمرك ملكي أنا بس! وقعت عيناه على ورقة موضوعة اعلى المنضدة، ليركض متلهف نحوها يفتحها، ليشعر وكأنما تلقى صفعة قوية على وجهه وجهتها كلماتها القاسية:.
-مبروك عليك يا عمر، ماتحاولش تدور عليا، أنا كنت حلم وأنت فوقتنا منه على الحقيقة المُرة، مش هارجعلك يا عمر، مش هارجعلك ومش هاتشوفني، بس أنا هاشوفك وأنت بتتوجع زي ما وجعتني!، واه ماتنساش ورقة طلاقي، مع السلامة يا، يا طليقي العزيز! -لااااااا صرخ بها وهو يدور في المكان يُكسر كل ما تطوله يداه بعصبية شديدة.. يشعر بشيئ ما ينصهر داخله، شيئ لن يطفئه إلا عودة، مستحيلة!
بينما نظر له حسين بنظرة ذات مغزى، ليصدح صوته بتساؤل خبيثًا: -في إيه يا عمر؟ هي البت عجبتك للدرجة في الشهر ده!؟ إلتفت له يحدق به بنظرة تخترق جسده بحثًا عن نقطة الموت النهائية في حياته! ثم استطرد بحدة تناسب علو صوته وهو يخبره: -حسييين، عجبتني او ماعجبتنش ده شيئ مايخصكش، وياريت تتفضل دلوقتي لأن انا عفاريت الدنيا بتتنطط ادامي! مط حسين شفتيه مغمغمًا بضيق طفيف:.
-خلي بالك أنا كدة هبتدي أشك إن البت دي بتعمل سحر كور عمر قبضته، يحاول كبت الدماء التي تفور ألا تنفجر في وجهه ويُكمل هو لوحة صرعه الحمراء أكيد! ثم قال بخشونة: -اولاً ماسمهاش بت يا حسين، مهما حصل او عملت دي مراتي، ثانيا روح شوف مصيبتك لحد ما احل المصيبة دي واجيلك، وماتنساش إن في حاجات أنا ماضي عليها معاها اومأ حسين موافقًا بتردد: -ماشي يا عمر، هكلمك.
لم يعيره إنتباه وهو ينظر لتلك الورقة، وكأن الزمن توقف عن تلك النقطة بالفعل! لا دقائق تُحسب بعدها، ولا تصرفات تضم حسبانها، ولا حتى تنفس يفترض أن يُحسب حياة! ضم تلك الورقة بقوة، الان فقط لفحه هواء الفقدان، الفقدان مرة اخرى وإن كان طويل المدى، طويل بدرجة تجعله يود البكاء!
بينما على الطرف الاخر.. إنتهى الفلاش باك، وعودة لوقتنا الحالي، الوقت الذي نال أقسى شعورًا كميت لم يتم اسبوعه! ذاك الوقت الذي هربت فيه، انتهت موجة ذكرياتها التي تمثلت على هيئة أسباب ونوايا كانت تُزرع ببطئ... لنعود لصرامة الحدث الذي وقع لتوه! كانت شهد تقف في الشرفة، تنظر امامها بشرود، لم تصدق ما حدث للان! هي بعيدة عنه، لم تصبح تحت - طوعه - كما كانت دومًا! تفككت شباكه عن مرمى السيطرة في حياتها!
طارت خصلات وجهها أمام عينيها البنية التي غامت فيها سحابة سوداء وعميقة تكاد تتآكلها كليًا.. لن تبكيه، ولن تنوح البُعد عنه، يبدو أنها كُتب عليها خسارة كل من يدق لهم القلب!؟ أمسكت بهاتفها لتتصل برقمٍ ما، جاءها الصوت بعد ثواني: -الووو -الووو أنا في الشقة خلاص -تمام، خلي بالك من نفسك -أكيد، شكرا اوووي، شكرا لانك جزء اساسي دايما من حياتي -بطلي هبل يابت، دي حاجة أساسية ابتسمت بضعف هامسة: -طيب، أنا هقفل دلوقتي.
-ماشي حبيبتي، مع السلامة -سلام أغلقت الأتصال، كادت تُغلق الهاتف ولكن صدح صوت إتصال اخر، أتصال بالطبع من عمر ترددت كثيرا في الأجابة ولكنها أجابت بعد دقيقة تقريبا ولكنها صامتة، فيما سمعت صوته المتلهف يصدح: -شهد، شهدي إنتِ فين، روحتي فين وبعدتي عني جالك قلب؟! لم ترد عليه فأكمل هو بصوت واهن يحاول أن يبدو ثابتًا بصعوبة: -شهد، إرجعي، أنا مش هقدر من غيرك، أنا ولا حاجة اصلا من غيرك، إرجعيلي!
أبتسمت بسخرية دون أن تنطق بتت كلمة، فقد جفت الصحف وماتت الحروف مستنزفة كل قواها! فيما أكمل هو بانفعال خفيف: -ردي عليا، سمعيني صوتك حتى، ماتعمليش فيا كدة أنا هتجنن من ساعتها سمع تنهيدتها الحارة قبل أن تقول: -مستنية تطلقني غيابي! صرخ فيها بعصبية: -لااا، مستحيل، مش هتبقي حلال حد غيري طول ما انا عايش يا شهد، إنسي موضوع الطلاق ده خالص، مش قولتلك ماتنطقيش الكلمة دي تاني اصلا؟
-أنا مضطرة أنطقها، مش هقدر اشوف حد بيشاركني في جوزي، مش هقدر كل يوم أحس إن أنت إتجوزت من ورايا عشان أنا مش مالية حياتك، مش هقدر أتخيل إنك في الوقت اللي أنت بعيد عني فيه هتبقى في حضنها! وفي نفس الوقت مش قادرة أتخيل إني هونت عليك تكسرني؟! تقهقر ثباتها في الكلمة الاخيرة وبدت نبرتها على مشارف البكاء، ثم سمع صوت نشيجها يخترق مسام الروح المغللة بالعذاب... فهتف مسرعا:.
-ارجوكِ قوليلي إنتِ فين وأنا هجيلك، هموت وأخدك في حضني، ارجوكِ! حاولت إستعادة نفسها سريعا: -أنا لازم أقفل -شهد، وحياتك عندي ما لمست غيرك، عمري ما اقدر اعملها -عمر أنت كذاب، أنا مقدرش أثق فيك تاني، أنت كسرت حاجة كبيرة جوايا ليك! صمت لم يستطع التفوه بحرف، ثم سمع السخرية التي غُمست بها حروفها وهي تخبره: -أنت مش فاقد الذاكرة يا عمر، ولا عمرك نسيت، أنت بس بقيت شخص جاحد بيحاول يلاقي أسباب لجحوده وقسوته!
إبتلع ريقه بصعوبة هامسًا: -الكلام ده ماينفعش على التليفون يا شهد، قوليلي إنتِ فين وهاجيلك نتكلم بالعقل -هأ! لا عقل ولا قلب، أنا مش عايزاك اصلاً، والحمدلله إن مفيش حاجة بتربطني بيك، لا عيل ولا غيره! كم ألمته تلك الكلمة، هي تُهلل لتفكك تلك الحياة؟! هل وصل بها لمفترق الطرق!، ولكن لا، لا يوجد في حياتهم مفترق اصلاً، كلها طرق تؤدي لنهاية واحدة، لها هي فقط، وحدها دون غيرها! فتابع بتردد:.
-حتى بعد ما عرفتِ إني مش ناسيكِ ولا أقدر أنساكِ.
-ياريتني عرفت منك أنت، لكن للأسف تصرفاتك هي اللي عرفتني، احيانًا تعاملني عادي، واحيانًا كتير زفت، حتى ادام صاحبك ماراعيتش حاجة، احيانًا تقرب لي من غير مقدمات، وبعدها تيجي تقولي مكنش ينفع يحصل بيننا حاجة!؟ احيانًا تحسسني انك بتغيير عليا، واحيانا ألاقيك بتقولي إنتِ سلعة هستغلها إني اجيب عيل من صلبي بدل ما اشتري واحدة تانية! أنت وجعتني كتير اوي يا عمر، وأنتهى صبري معاك لحد الخيانة، كله إلا الخيانة يا عمر، دي اللي مقدرش أصبر او استحملها!
سارع يردد بهمس حازم وحار: -أنا مش ندمان إني لمستك ولا عمري اتراجعت، ولو رجع بيا الزمن وإنت ادامي هقرب لك كل ما اشتاقلك، بس احيانًا مش كل تصرفاتنا بتبقى بمزاجنا كتمت شهقتها بصعوبة وهي تردف: -أنا لازم اقفل -شهد لا، عشان خاطري بلاش -سلام ثم أغلقت الهاتف من دون مقدمات لتنخرط في دوامة بكاء حاد..! هي ايضًا تتعذب تمامًا مثله بل قد يكون أكثر منه، ولكن ألم الشعور يغلب نبضات الشوق بجدارة!
لم تكن مها أفضل حالاً من شهد او عبدالرحمن او والدتها، جميعهم كُسر تماسكهم في هذه الحياة - المأساوية - مع إزدياد إختناقها إزدادت مشاكلها مع تلك الثعبانة رودينا يكاد يصبح الخبث المتنافر يتقافز بين كلاهما! كانت تجلس بجوار طفلها سيف يُشاهد التلفاز وهي تشرد في الأحداث الماضية حتى باتت تكره ذاك الماضي بكل معانيه! حتى أحمد لم يسلم من القهر فغلب الحزن العميق على حاله تأثرًا بموت رضوى.
واسفًا هي متأكدة من أن والدة عبدالرحمن ستأخذ منهم الطفلة - إبنة رضوى - عاجلاً ام آجلاً! إنتبهت للضجة التي تُحدثها تلك في المطبخ، فنهضت متأففة تهمس ل سيف: -خليك مكانك يا حبيبي هروح اشوف في إيه وجاية ع طول اومأ سيف موافقًا بوداعة: -حاضر يا مامي دلفت إلى المطبخ لتجد رودينا تقلب في المطبخ بعشوائية.. اقتربت منها تسألها بحدة: -إنتِ بتعملي إيه يا رودينا؟! رفعت كتفيها بلامبالاة مجيبة:.
-زي ما إنتِ شايفه، بدور على حلة حلوة أعمل فيها أكل فملقتش الحلة اللي جبتها ساعة جوازي ف قلبت المطبخ كله! إحتدت عينا مها من تلك البجاحة التي كانت ك كورات سوداء ترتكز في جانبي عينيها الباردة بلفحة خبث! سحبتها معها للخارج صارخة فيها: -لا بقا ده إنتِ الواحد بيسكت لك بتركبيه! مش ناوية تلمي الدور ولا عشان أنا بسكت لك كتير؟!
إبتعدت عنها رودينا ببرود، لتغادر المطبخ متجهة للخارج، رأت سيف يجلس على الأريكة يشاهد التلفاز ويضع قدمه امامه سارت بجواره لتزج قدمه هاتفه بحنق: -ما تنزل رجلك كدة مش شايفتي بعدي؟ دفعها سيف قليلاً بيداه لتبتعد مرددًا: -ابعدي بقا عايز اتفرج انتِ باردة ولم تدري مها كيف رفعت رودينا يدها وبأقل من الثانية كانت تصفع سيف بكل قواها!
شهقت مها لتركض تجاهها بينما ابتعدت الاخرى تفتح باب المنزل وهي تبتسم بصر على صوت بكاء سيف الذي كان كنقطة نصر تُحسب لها وسط بقعة من الغل... امسكت بها مها تهزها فجأة صارخة فيهت بعنف: -إنتِ مجنونة إزاي تمدي إيدك على ابني؟! حيوووانة كانت رودينا تود دفعها وهي تزمجر فيها: -ابنك قليل الادب ولكن فجأة إختل توازن رودينا فترنجت للخلف وبلحظة كانت تسقط على السلم صارخة وهي تتدحرج حتى إرتكزت في الأسفل فاقدة الوعي!
بينما في بني سويف عند أسيل وجاسر، كانت أسيل تعاني من شوائب بدأت تحتل جزءًا ملحوظًا من حياتها... منذ أن وصلوا و حماتها تبث كلمات عن الانجاب أمامها وامام جاسر... لم تتذكر يومًا أنها شعرت بالضيق يتجانس مع دقات القلب ومركز العقل المذبذب هكذا!
كانوا جميعهم ( اخوته الصغار ووالده ووالدته) يجلسون على منضدة الطعام في منزل والد جاسر الكبير، هبطت هي من الأعلى بعدهم بفترة صغيرة لتجد الجميع بدأ في الطعام، إقتربت منهك متنحنحة بخفوت: -سلام عليكم رد الجميع في نفس واحد: -وعليكم السلام ورحمة الله جلست لجوار جاسر بهدوء، نظر لها جاسر هامسًا بصوت خفيض: -إتأخرتِ كدة لية يا أسيل؟ صدح صوت والدته التي قالت بخبث شابه الضيق: -اكيد ماكنتش فاضية تنزل تقعد معانا.
هز جاسر رأسه نافيًا: -لا أكيد مش كدة يا امي بس هي طبيعة أكلها قليل نظرت أسيل للطبق امامها، تشعر أن تلك السيدة تكن لها ضيق يكاد يخنقها سالبًا منها كل ما يلون حياتها الكئيبة! وفجأة شعرت بيد جاسر التي وضعت على يدها المرتكزة أسفل المنضدة، تخلل أصابعها بحنان استشعرته في لمسته الناعمة، ليتحسس كفها بأصبعه وابتسامة حانية ترتسم على وجهه...
وهي دقات قلبها تثور من لمسته الصغيرة، يُحيي داخلها مشاعرت حجرتها هي على عبدالرحمن فقط... ولكن بدأت تشعر بها تخرج عن أسر سيطرتها، بل وتتكاثر داخلها مُشققة ثباتها الواهي امامه! سمعت صوت والدته تهلل بابتسامة: -اهلا اهلا يا عنود، نورتي البيت يا حبيبتي تقدمت المدعوة ب عنود شابة تُقارب عمر أسيل وجاسر، لم تكن جميلة بمقدار يفوق أسيل، ولكن شيئ ما متواري خلف قدومها أقلق أسيل! أشارت لها والدته أن تجلس قائلة:.
-دي عنود بنت خالت جاسر يا أسيل، هي أرملة ربنا هيعوضها ان شاء الله اومأت أسيل بصمت، تشعر أن نفسها الخبيثة تُزهقها رياح تلك السيدة في ثوانٍ معدودة! بدأت تتحدث والدته تتحدث مع عنود كثيرًا حتى قالت موجهة حديثها لأسيل الصامتة: -دي بقا مطلقة يا أسيل، لكن ماشاء الله مخلفة 4 إتنين توأم كبار وإتنين صغيرين قبل ما جوزها يعطيكِ عمره إبتلعت أسيل ريقها بصمت، وكأنها رأت من مكانها مغزى تلك الزيارة المشؤمه!
تلك السيدة تُمحي سطور حياتها التي لم تبدأ بعد بممسحة الاسباب... بينما أكملت بحروف تقدمها الخبث الضائق: -مش ناوية تفرحينا بعيل من صلب جاسر ولا إيه يا اسيل؟ إشتدت قبضة جاسر عليها وكأنه يحاول ترميم ثباتها الذي فر أدراج الرياح، ليردف بهدوء: -ربنا اللي بيفرح ب عيل يا أمي، مفيش حاجة بأيدينا هنا تدخلت عنود متابعة والابتسامة الخبيثة تتلاعب على ملامحها المرسومة:.
-ايوة بس الست مننا بتكون مشتاقة أوي لعيل وخصوصا لو من الراجل اللي بتحبه يابن خالتي لمح جاسر تقلص ملامح أسيل التي غامها ضيقًا طفى من الأعماق ف بدت لها الدنيا سوداء كحلكة ليل يخاصمه القمر! فأكملت والدته بجدية: -لو أسيل فيها حاجة وأنتم مخبينها قولوا ندور له على واحدة تجيب له عيل من صلبه زي ما كلنا بنتمنى هنا صدح صوته والده يستطرد بحزم: -ام جاسر، الكلام ده مايصحش دلوقتي، ادعيلهم ربنا يرزقهم.
تأففت هي وهي تشيح بيدها متابعة بغيظ: -يعني وهو اللي يصح إننا نقعد سنتين من غير عيل يفرحنا كدة يابو جاسر، هو العمر بيزيد ولا بيقل؟ نهضت أسيل مسرعة لتغادر دون كلمة راكضة للأعلى.. بينما نهض جاسر هو الاخر يتشدق بضيق: -عجبك كدة يا أمي ثم سار مسرعًا نحوها، لينهض الجميع خلفه متأففين بضيق على تصرفات والدته الغير مراعية.. فتبقى هي و عنود التي مطت لها شفتاها وكأنها آسفة على حظ ولدها الأسود!
فيما في الاعلى طرق جاسر باب الغرفة التي اغلقته أسيل عليها، وهو يقول بجدية: -أسيل إفتحي الباب يلااا لم يجد منها رد، وبعد حوالي دقيقتان وجدها تفتح الباب بعينيها الحمراء من كثرة البكاء، إحمرار حاد يجذب عطف من امامه من عمق حزنه وكسرته! وبتلقائية كان يمسك وجهها بين يديه ليمسح دموعها هامسًا: -إنتِ بتعيطي، أمي ماتقصدش حاجة على فكرة بس هي مش بتفكر في كلامها بس.
هزت رأسها نافية وهي تبعد يده عن وجهها قائلة بصوت واهن: -لأ تقصد، خليها تدورلك على واحدة يا جاسر تجيبلك العيل اللي نفسكم فيه، ولا تدور لية ما بنت خالتك موجودة سحبها للداخل وهو يغلق الباب في لحظة، ليضع يده على شفتاها مردفًا بصلابة حازمة: -هششش إياكِ اسمعك بتقولي كدة تاني، مفيش واحدة هتكون مراتي غيرك، ولا العيل اللي نفسي فيه هيكون من واحدة غيرك، عيالي كلهم هيكونوا منك إنتِ بس!
إحتضنته بتلقائية وهي تشهق باكية، في كل مرة ومع كل مرة يثبت لها أنه الأفضل، أنه من ذهب وهي من حديدٍ أكله الصدئ! أن كفة الميزان تميل له دومًا وهي لازالت لا تقر بدوره الراسخ في حياتها... بينما إحتضنها هو يربت على شعرها بحنو، يمنع نفسه من الأقتراب منها وإغداقها في مشاعره التي ثارت في هذا القرب بصعوبة!..
في نهاية اليوم... كان عمر يجلس على الأريكة في منزله، يشعر كما لو أن حياته سوداء مبهمة ومتشابكة كالسراب تمامًا حتى ود لو قطعها وأنهاها... هي حُسبت بالخطأ حياة، لا حياة يغيب الأكسجين عنها كهذه! منذ أن رحلت وهو لم يجلس للحظة، يشعر أن الأرض إنشقت وابتلعتها كما يقولون، او هذا قدرًا يخبأها في جيوبه عنه فينال عقابه على أكمل وجه! يُسطر حياته عنوان يا ليتني يا ليته لم يفعل فكانت بين يداه..!
ولكن ذاك الماضي لا يسترد او يستبدل، ابدًا!؟ أستفاق من شروده على صوت الباب يدق بقوة، للحظة أنار الامل حلكة عيناه البائسة ولكن انطفأت على الفور بمعرفته ل شهد، شهد التي هربت من أهلها عندما ارغموها على حياة سوداء، فمن هو حتى تنتظر معه شاربة جميع انواع الذل والمهانة؟! فتح الباب ليجد چودي تتقدم ببرود، ذُهل قليلاً من وجودها ولكنه سألها سريعا: -إنتِ إيه اللي جابك هنا؟! وجيتي ازاي اصلاً.
مطت شفتاها ببرود وهي تحدق في عيناه هامسة: -أنا جاية ف شغل يا عموري! ضيق عينيه مرددًا بتعجب: -شغل! شغل ازاي يعني؟ رفعت كتفيها تشرح له وهي تقترب منه رويدًا رويدًا: -اصل انا بشتغل السكرتارية بتاعتك من هنا ورايح! ظلت تنظر في عيناه التي تبلدت، لتقترب وببطئ منه تلامس صدره مرددة بمنغمات متلاعبة: -إيه مش هتعملي حاجة اشربها ولا إيه.
قطع حديثها صوت رنين هاتف عمر الذي صدح، ليبتعد عنها كالملسوع إنتفض يخرج هاتفه مجيبًا بضيق مكبوت: -ايوة سمع صوت تلك حنان الذي إخترق أذنه مرددة: -عمر، أنت لازم تيجي أنت مابتردش عليا لية! -مش فاضي -لا لازم تفضى، لازم تيجي وبسرعة، أنا حامل يا عمر!