رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي عشر
صباحًا كانت رضوى تقف بأرهاق في المطبخ، إرهاق نفسي وجسدي ينافس الراحة المنهزمة داخلها.. لجوار إرهاق الحمل الطبيعي، فتختلف الأنواع ويبقى الألم هو الشيئ الأساسي! كانت تعد الإفطار لها ولزوجها الحبيب بنفس راضية، كل الألم يزول من مجرد لمسة حانية منه، وكأن عشقه ذاك ما هو إلا ماسة مخلوقة من ترياق لسموم الزمن! سمعت همهمات عالية تأتي من غرفتهم وبالطبع كانت لعبدالرحمن..
فتركت ما بيدها مسرعة وسارت بخطوات شبه راكضة نحوه، لتجده كما هو على فراشه ولكن الوضع يختلف بشكل ميؤس منه! حيث كان يتعرق بكثرة ويهذي بهيستيرية وكأنه يصارع شيئً ما موحش في منامه... فركضت تجلس نحوه وهي تقترب منه لتحاول سماع ما يهذي به.. وتلقت أول صفعة لاسعة كادت تُميتها في لحظتها: -أسييييل! زوجها يهذي بأسم اخرى!؟
بل وتخطت مرحلة السيطرة فأصبحت في مرحلة الإحتلال الإجباري الذي يجعلها تتبختر في أحلامه فتزعج نومه هانئة! عفوًا تزعج ماذا، الإزعاج لا يلازم التطلب اطلاقًا... بل ليس هناك وجه شبه من الأساس! كانت تنظر له مصدومة، لتجده يكمل وكأنه يتعمد صفعها حد فقدان الوعي للهروب من صدمات متتالية: -أسيل، أسيل أنا عايزك، عايزك ومحتاجك أوي وجدت نفسها تهزه وهي تهمس بصوت سُلبت الحياة منه: -عبدالرحمن، عبدالرحمن قوم.
نجحت في إنتشاله من ذاك الحلم المفعم بالرغبة، ففتح عيناه يهمس بوهن: -رضوى! إستعاد نفسه سريعًا ليقول بهدوء يصاحب ابتسامة ناعمة: -صباح النوور والجمال سألته مقتضبة دون أن تنظر له: -مين أسيل؟ فاجئه سؤالها، بل تلقاه ككهرباء سارت بجسده فجأة فجعلته يتشنج باضطراب.. وقد فاضت ساحة عقله من الأجوبة! ولكنه جاهد لسانه ليسألها بتوتر: -أسيل! وإنتِ مالك بأسيل وتعرفيها منين؟
سألته مرة اخرى وكأنها لا تستقبل سوى الاجابة التي تنتظرها: -ميييين أسيل يا عبدالرحمن؟ حك طرف رأسه عدة مرات، صمت، صمت، صمت، وكأنه أفضل أجابة تهفو ب لا توجد حروف معبرة ! لا توجد حواس مستجيبة، لا يوجد عقل يبحث بين جدرانه! صدمة غريبة شلت اطرافه، وفجأة قال بصوت أجش: -أسيل، حبيبتي، اللي سيبتها! رفعت عيناها اللامعة بالدموع، لتقابل صلابة حادة على قلبها الناعم، فهمست مبهوتة وكأنها لم تسمعه: -حبيبتك؟!
اومأ مؤكدًا ليتابع بجمود: -أيوة حبيبتي، الأولى والاخيرة حتى لو ميلت ليكِ جهر القلب بأعتراض، وإنسحب العقل من معركة يبدو أنه لا مكان له فيها، ليكمل وكأنه لا يأبه بحروفه التي تقطع فيها: -حبيبتي اللي هفضل فاكرها مهما شوفت واعجبت وميلت لحد تاني صرخت فيه بحرقة: -طب وأنا؟! أجابها ببرود وكأنه شيئ بديهي: -إنتِ مراتي.. ثم هبط بنظره لبطنها البارزة ليكمل بابتسامة لأول مرة تلعنها رضوى بكل جوارحها، ليهتف:.
-وأم ابني الجاي إن شاء الله ظلت تشير بيدها وكأنها تحاول وصف شيئً ملموسًا جاد لا يمت لأرض الغرام بصلة، وتغمغم: -طب وآآ، والحب! وآآ إني النور اللي سحبك من الضلمة، وح وحبنا! كل ده إيه كان كذب؟! تقوس فمه بابتسامة ساخرة، وراح يشرح لها اسبابًا واهية هو من خلقها: -واحدة وقفت جمبي، قبلت بيا بكل عيوبي، وعيشتني عيشة جميلة، هقولها لأ أنا بكرهك، أكيد لا، أنا بالفعل أعجبت بشخصيتك.
هبت منتصبة وقد فرغت طاقة الهدوء المصدوم لتغدقها حالة هيستيرية وهي تزمجر فيه بعصبية مفرطة: -أنت اتجننت، أيوة أكيد أنت اتجننت خالص، انا مش خدامة عندك ولا أنا شخصية للأعجاب بس، فاااااهم انا مش مجرد واحدة شخصيتها عجبااااااك في اللحظة التالية كان يسحبها ليسقطها عليه بقوة جعلتها تصرخ متألمة: -آآآه، بطني!
ولكنه لم يأبه وهو يلصقها به عمدًا، لا يرى دموعها ولا يرى كسرتها، وكأنه أصبح حجرًا مهمته القضاء على قلوب ضعيفة به، ليهمس بصوت اشبه لفحيح الأفعى: -إنتِ فعلاً مش كدة، إنتِ حاجة أحلى، إنتِ متعة مجانية إتسعت حدقتاها بفزع، وصار قلبها ينبض بعنف وكأنه سيفر هاربًا من بين ضلوعها.. كلماته ضربتها في منتصف قلبها بقسوة، بسكينًا باردًا صنعته كلماته الحادة! همست خلفه ببلاهه: -متعة! انا مجرد متعة مجانية لك؟!
أومأ مؤكدًا ببساطة: -أيوة، شوفتي طلعتي ليكِ فايدة أكبر من إنك للأعجاب حاولت الإفلات منه لتضربه على صدره صارخة بجنون: -لااااا أنا مكنتش كدة وعمري ما هكون كدة أنت كدااااب، حيوان خااااين وببساطة وسلاسة صفعها! نعم صفعها ولم يحصد تردد عما جناه حتى منذ ثواني ليبتره!.. بينما بقيت هي تطالعه بذهول حقيقي واضعة يدها على وجنتها..
و زاد الطين بلاً كما يقولون، ليخلع التيشرت الخاص به ويبقى عاري الصدر قائلاً بصوت غريب على اذنيها: -أنا مش كداب، وهثبت لك ده حالاً هزت رأسها نافية بسرعة مرتعدة: -لا لا عبدالرحمن لأ أبنك! سكن مكانه لبرهه يحدق بها وكأنه يتأكد أن بالفعل هناك حاجز قوي يود منعه.. لتقترب منه مربتة على خصلاته برجاء حار كاد ينجح في إختراق قسوته: -بالله عليك بلاش، عشان خاطر أبنك لو مش عشاني.
ولكنه بعد دقيقة تقريبًا أكمل ما كاد يبدأه وإن كان رجاؤوها نجح في نيل هدوءه القليل.. وفي اللحظات التالية كان ينزع عنه ملابسه ليسحبها نحوه مكبلاً يداها وكاتمًا صرختها المعترضة بشفتاه الغليظة.. يقبلها بعنف وقسوة وكأنه يعاقبها على شيئ ما ويأخذ منها بالقوة الهادئة ما كان استخدامه دائمًا اللين والنعومة! ليكمل مصطلح الجنون في روحها ايضًا عنه...
في غرفة عمر منذ ان رحل حسين كان يجلس ويضع رأسه بين يداه، ويهز قدماه بعصبية مفرطة.. خيوط هنا وهناك تتشابك حوله وتزداد تعمقاً في عدم إمكانية فكها! عاد بظهره للخلف يستند على الكرسي الخشبي، لتلوح ذكرى ما حدث مع چودي رغمًا عنه في أفق ذاكرته المرهقة ليتذكر يومها..
دلف إلى منزل چودي مع حسين الذي كان يرافقه، والفرحة تكاد تشق عتمة عينيه الفطرية، والسبب مجهولاً خلف اسواراً حصينة من الخبث لا يستطع تخطيها! بمجرد أن فتحت چودي الباب وما إن رأته حتى احتضنته بقوة غريبة تتشبث به وكأنها لم تراه هكذا من دهر.. أستغرق دقيقة تقريبا ليستوعب ما يتوجب عليه فعله امام هجوم تلك المشاعر العنيفة ليبادلها العناق ويغتصب ابتسامة هادئة ارتسمت على ثغره..
ظلت تقبل كل وجنتاه بحرارة لاهبة لا يعرف مبتغاها وهي تردد: -عمر، حبيبي وحشتني فكرت إني مش هاشوفك تاني الا بعدين أبعدها عنه برفق لينظر بطرف عينه لحسين الذي تظاهر بالأنشغال بمفتاحه، ليقول بحزم يليق به: -چودي، احنا مش لوحدنا، لازم تراعي ده كويس! اومأت موافقة بسرعة: -أسفة، من لهفتي عليك ماخدتش بالي خالص اومأ بلا تعبير واضح، ليسمع حسين الذي قال بجدية: -طيب يلا ندخل بقا عشان نعرف نتكلم.
دلفوا جميعهم إلى الداخل وأغلقت چودي الباب بهدوء.. كادت تتجه إلى المطبخ ولكن عمر اوقفها متابعًا بقوة: -خدي يا چودي رايحة فين؟! اجابته بتردد: -رايحة اعملكم حاجة تشربوها هز رأسه نافيًا: -لا اقعدي الاول عايز أفهم كل حاجة وبالفعل أمتثلت لأوامره وراحت تجلس بجواره تكاد تكون ملتصقة به، وكأنها تضمن تأثيرها الذي ينقطع عليه ما إن أبتعدت عنه! بدأ حسين ذاك الحوار وفقًا لمَ يريد، فاستطرد بصوته الأجش:.
-احكي له كل حاجة يا چودي، من البداية خالص اومأت بهدوء، ثم بدت وكأنها تُرتب حروف مكلعكة داخل جوفيها، لتردف بحروف تقطر خبثًا دفينًا:.
-في البداية من ساعة ما كانت علاقتي بيك كويسة يا عمر، كنا تمام وكنا هانتخطب كمان اول ما ارجع من زيارة ماما بعد ما حكيت لها، لكن فجأة أنت قابلت بنت اسمها شهد وفضلت قاعدة معاك، انا في البداية قولت مجرد مساعدة انسانية، لكن اتفاجئت انكم اتجوزتوا في يوم وليلة ومن غير ما تعمل لي اي حساب، انا اتضايقت طبعا وانهارت ولما ضغطت عليك عشان تحكي لي، قولت لي إن آآ سألها متلهفًا بخشونة: -كملي يا چودي قولت لك إيه؟!
اكملت وهي تضع يدها على وجهها تصتنع دموع لم تعرف سبيلها لعينيها يومًا من أجله: -قولتلي إن انت كنت بتصلح غلطتك، وإنك لازم تتجوزها لأنها حامل هتف عمر مندهشًا: -حامل! وغلط معاها كمان؟، كملي كملي رفعت كتفيها كدلالة على قلة الحيلة، ثم تشدقت تكمل نصب خطوطها:.
-انقهرت طبعا بس ماكنش ادامي غير إني اوافق وأسلم بالأمر الواقع، أنت قولتلي أنك اول ما تخلص منهاهاتتجوزني انا، عدت فترة وانت كنت كارهها اووي لانها فرقت بينا، وهي ولدت، أنت كنت مخطط إنك اول ما تولد هتاخد الطفل وتمشي وتطلقها، لكن حصل اللي محدش يتوقعه، حسام أبنك مات شهق هذه المرة تأثراً بعمق، شعر باهتزازة جسده من ضربة تلك الذكرى العنيفة، و بهواً داخل روحه تملأه شرارات الحقد رويدًا رويدًا!
بينما قالت چودي وكأنها متأثرة بما تؤلفه:.
-أنت كنت منهار تمامًا، وكنت هاتطلقها، لكن فجأة لاقيتك اتراجعت، بعدين عرفت إنها مضتك على وصلات امانة ب مليارات عشان ماتقدرش تطلقها، وأنت من غلبك كنت هاتمشي وتسيبها بقا وماترجعلهاش تاني، وانا كنت هحصلك عشان نتجوز، وبالفعل روحت مع حسين اللي كان بيوريك المنطقة اللي فيها الشقق، كانت منطقة مهجورة كدة لحد ما تظبط نفسك، دي اخر حاجة عرفتها لما اتصلت بيك من تليفون حسين.
كان عمر متبلد، مصدوم، لا يدري أحقيقة ذلك ام لا، ماذا يجب عليه فعله؟! يشعر كما لو أنه ينغمس في موال التوهة أكثر فأكثر، أن حياته قاربت على إتمام ساحة المبعثرات! أكمل حسين - الطين بلاً - كما يقولون وهو يستمر في أكاذيب جديدة:.
-ووقعت فقدت الذاكرة واما صحيت اتصدمت انك مش عارفني، واكيد بقا الست مراتك عملت نفسها طايرة من الفرحة لما رجعت بعد ما هجرتها، وخلي بالك انا عرفت من مصادري انها كانت هتبلغ البوليس على اساس انك مخطوف عشان تجبرك تظهر تاني نهض يجر ساقيه بصعوبة، كاد يغادر ولكنه وقف فجأة يسألهم بجدية: -وأنا إيه اللي هايخليني اصدقكم يعني؟ رد حسين برزانة:.
-بغض النظر عن إنك فاكر اني صاحبك من بدري وفاكر اني كنت مسافر بس كنت بكلمك كل فترة، وفاكر إنك كنت ناوي تخطب چودي وانكم مرتبطين، لكن انا معايا تسجيل ليك كنت بتتكلم معايا فيه، ده الحاجة الوحيدة اللي أقدر أأكدلك بيها وكمان لانه اتسجل بالغلط اصلا أخرج من جيبه هاتفه النقال ليبدأ تشغيل التسجيل والذي بالفعل كان عمر يقر فيه بذلك: -أنا زهقت من شهد دي يا حسين أنا هاجيلك زي ما اتفقنا، وهاكلمك اول ما اوصل.
ثم إنقطع، هذا صوته بالفعل! صوته هو وليس شخصا اخر، ماذا يريد أكثر من تلك الدلائل التي دفنت الشك داخله في التو!؟ نهض مسرعًا دون أن يرد عليهم بكلمة ليغادر متجهًا لمنزله...
عاد من ذكرياته على ملمس اصابع يد شهد التي تخللت خصلات شعره السوداء، إنتفض وكأن ثعبان لدغه ليحدق بها بنظرات مغتاظة وشرارات ملتهبة، لو كانت تنضم لواقعنا لكانت سقطت صريعة بسببها! كادت تنطق بهدوء: -عمر أنا عا آآ... إلا انه قاطعها صارخًا في وجهها وهو يدفعها بقوة حتى ترنجت للخلف:.
-إنتِ غبية مش قولت لك ماتظهريش ادامي ولا إنتِ بتحبي تجيبي التهزيق لنفسك، ولا اه هو ده جديد عليكِ ما إنتِ أكيد عملتي كدة برضه عشان تجريني للسكة دي وتخليني اقرب منك وتدبسيني عشان اتجوزك عشان اللي كان في بطنك! كان كلامه أقوى من جرح سيفًا حادًا يغور في جرحًا يزداد إلتهابه دون ادنى شفقة أو رحمة...! لمعت قهوة عينيها البنية ك وجهًا لقهوة إنتهت صلاحيتها تمامًا...
والدموع كانت متحجرة بأعينها رافضة الخضوع تحت خط الضعف والكسرة.. ولكن وجدت نفسها تسخر بصوت مبحوح مُشققة طبقاته: -اه كمل وإيه كمان؟! حلوة التمثيلية دي اوي ناقص كمان تقول ان انا اللي موت ابننا! اومأ مؤكداً بقسوة: -ماهي دي الحقيقة يا خبيثة شعرت بالدنيا تدور من حولها، تمامًا ك تلك الدوامة التي عصفت في حياتها فجأة!
ترنجت وكادت تسقط بالقرب منه ولكن ضغطت على نفسها تقاوم ذلك الدوار، اما هو فكان يراقبها دون أن يسمح لتعبيراته بالإفتراش على ملامحه الحادة.. إستقامت هي ممسكة برأسها لتسمعه يقول متهكمًا: -كفاية تمثيل بقا عشان استحالة اتأثر بواحدة قذرة زيك حاولت النطق بثبات: -عمر بلاش جنان وبعدين مين قالك على الكلام الاهبل ده، كله كذب وتأليف صرخ فيها منفعلاً: -امال حسام فييين فعلا اما هو كذب؟!
ترقرقت دمعاتها التي تحررت من قبضة الصمود وهي تخبره: -ربنا خد امانته، بس مش بسببي، والله ما بسببي هو كان ادام عيني في عربيته وهما اخدوووه وماشفتهمش والله كور قبضته بغل وهو يقترب منها لتعود للخلف مسرعة تلتصق بالدولاب مغمضة عينيها تنتظر تلك القبضة.. ولكن فجأة وجدته يضرب الدولاب بقبضته بكامل قواه وهو ينظر لها صارخًا من أعماق روحه المنثورة: -ااااااااه... لم يعطيها الفرصة ليزمجر فيها غاضبًا:.
-امشيييي يا شهد، اطلعي برررررة وبالفعل ركضت مسرعة من امامه تلهث، وتركت العنان لدموعها الملكومة تنهمر بغزارة وتمسك بقلبها وكأنما سيتوقف من كثرة سكاكين الإهانات المغورة!
دلف أحمد إلى الغرفة بهدوء، كان يعتقد أنها نائمة وطفلها بعدما حدث... ولكن خاب رجاؤوه عندما وجدها وحدها وتجلس على الفراش وبالطبع تنتظره.. اتجه إلى دولابه يخرج ملابسه وبعد دقيقة تقريبا شعر بأصابعها الناعمة تتسلل لتحتضنه من الخلف.. تنهد بصوت عالي قبل أن يسألها بحبور: -في إيه يا مها؟! أستدار لها لتجيبه بهدوء مدلل: -مفيش حاجة هو أنا عملت لك حاجة؟ هز رأسه نافيًا واكمل: -لأ بس أكيد في حاجة ورا الحضن ده.
عضت على شفاهها السفلية بأسنانها اللؤلؤية، قبل أن تقول وهي تقترب منه: -ابدا يا حبيبي، كل الحكاية إنك وحشتني بس رفع حاجبه الأيسر شبه ساخرًا، بدأ يشعر أن العشق ذاك ما هو إلا وسيلة لتنفيذ رغبة متواريه خلف الصمت! بينما قال قبل أن يتنهد بعمق: -أنا تعبان جدا يا مها، نبقى نشوف الموضوع ده بعدين كزت على أسنانها بغيظ مرددة: -يعني بقولك وحشتني تقولي تعبان! لكن فاضي للست رودينا عادي.
في دقيقة كان يلفها نحوه لتصبح ظهرها عند الدولاب ووجهها أمامه تمامًا، نظر لعينيها التي توترت قليلاً، ليهمس امام شفتيها مباشرةً: -لأ طبعًا، إنتِ عارفه إن مش كدة سألته بغنج: -امال إيه اللي أنت بتعمله ده؟! أقترب اكثر حتى أصبح ملتصقًا بها، تحسس بشفتاه الغليظة ثغرها الناعم ببطئ، بطئ اثار جميع حواسها ومشاعرها المبكوتة.. شعرت بسخونة تتفجر بين خلاياها ودقاتها تضطرب بشكل واضح!
هبط بشفتاه عند رقبتها يلثمها بعمق قبل أن يهمس لها بحروف شبه متقطعة: -عرفتي، بعمل إيه! تاهت حروفها وسط ملتقاها الصادم به، وإنعقد لسانها بلجام هجومه الساخن عليها... حاولت تحدي عقدة لسانها تخبره: -أحمد آآ، يعني، ممكن تبعد هز رأسه نافيًا، ليردف مشاكسًا: -أبعد لية؟ قولي اللي كنتِ هتقوليه كملي يلا!؟ حاولت الأبتعاد عنه إلا أنه حصاره كان ضاري ومنغلق فقيد خصرها بيداه وراح يهتف مشددًا على كل حرف:.
-ميهوووو، ماتخليش أي حاجة تأثر فيكِ كدة رمقته بنظرات ذات مغزى، وردت ب: -امممم، أن شاء الله سحبها معه نحو الفراش لتتمدد بتلقائية وكأن عيناه تكفلت بمهمة إخضاعها بهدوء تام... وهج عينيه السوداء بين ظلال إرهاق غازي جعلها مجمدة تحت يداه! اقترب منها ببطئ مطلاً عليها بهيئته الشامخة لتهمس معترضة بكوميدية: -لا يا احمد لااا بلاش كدة رفع حاجبه الأيسر يسألها: -بلاش إيه؟ سارعت تقول ببلاهه:.
-بلاش تقرب مني غصب عني كُله إلا ده! فغر فاهه ذاهلاً من مجرى حديثها! ولكن لا مانع إن غاص معها في ذاك الوحل المُسكر.. فتابع بخبث: -الله! مش من دقيقتين كنتِ بتقولي وحشتني وبتاع؟! هزت رأسها نافية وقد راقت لها تلك - التمثيلية - وقالت: -لأ، ما، ما أنت احرجتني ورجعت ف كلامي أبعد عني بقا أقترب منها اكثر رويدًا رويدًا ثم همس بصوت يكاد يسمع: -هو دخول الحمام زي خروجه ولا إيه!
أغمضت عينيها عن البريق الذي لمع بعينيه لتكمل متقمصة دور المرغمة: -لااا يا احمد لااا، متاتبوظش كل حاجة حلوة بيننا فجأة عدل أحمد الوسادة من أسفلها ليسحب هاتفه ببطئ ثم اعتدل وتمدد لجوارها.. ضيقت هي عينيها مرددة: -إيه؟! سألها بابتسامة سمجة: - طب إيه؟ إعتدلت قليلاً لتهتف في شيئ من الحنق: -إيه مش هتقولي لأ إنتِ ملكي وكدة؟! قهقه بصوت عالي على مظهرها المضحك ليقول بعدها: -يخربيت الأفلام اللي لحست دماغك.
لم يعطيها الفرصة للرد فربت على كتفها بحزم يهمس: -نامي يا مها، نامي يا حبيبتي الله يهديكِ هزت رأسها متأثرة بصورة درامية: -حبيبتك إيه بقا ما أنت مابتحبنيش اصلاً، انا عارفة انك خلاص زهقت مني أولاها ظهره يحاول النوم فيما ظلت تهتف هي: -آآه يا حظك الأسود يا مها، يا نيلتك ف الدنيا يا مها، جوزك مابيحبكيش! بينما هو إرتسمت على ثغره ابتسامة مشاكسة وهادئة وفي خلده يحمد الله أنها لم تسأله عن أي شيئ يخص رودينا..
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني عشر
غفوة مؤلمة، وقاسية كغصة في منتصف حياة كانت وتيرتها هانئة وهادئة معروفة كما يجب أن يكون.. إنتهت وذهبت أدراج الرياح لتسقط على واقع مرير، واقع تبدل من ورود تتساقط هنا وهناك ل أمطار قاسية وثقيلة تطبق على أنفاسهم التي كادت تُزهق! بدأ عبدالرحمن يستعيد نفسه المفقودة رويدًا رويدًا.. يسمع صوت تأوهات مكتومة تأتيه من بعيد، كبرد قارص يشتد على قلبه الحار بلهيب العشق!
نظر بجواره ليجد الفراش فارغ، فهب منتصبًا تلتاع عيناه بحثًا عنها ليجدها تتكور ارضًا وتضع يدها على بطنها المنتفخة وتأن بألم.. إنتفض يركض نحوها ليجلس لجوارها يسألها بجزع: -رضوى مالك؟ أنتِ كويسة! لم ترفع وجهها عن الأرض وهي تصرخ فيه منفعلة: -ملكش دعوة بيا أبعد عني إبتلع ريقه بازدراء وبتلقائية مد يده يجس حراراتها علها تكون سببًا رئيسيًا لنفورها، ولكنها لم تملك الموافقة على الأستنتاج.. فهمس بقلق يسألها:.
-رضوى فيكِ إيه؟ طمنيني طب إنتِ كويسة!؟ حاسه بأية ضحكت بسخرية مريرة مغموسة بألمٍ ظهر بأريحية على ملامحها وهي ترفع وجهها له: -سبحان الله، يقتل القتيل ويمشي في جنازته زمجر بخشونة متعجبة: -أنا! أنا عملت لك إيه؟! تأوهت بصوت عالي وقد داهمها البكاء مرة اخرى بحسرة، وكأن سؤاله قبضة قوية على تماسك هش يختلج بين ضلوعها.. فيما حاول هو أن يحتضنها هامسًا بشيئ من الرهبة في التفكير: -هششش أهدي ارجوكِ وفهميني في إيه!
ظلت تضربه بقبضتها بقوة وهي تصرخ بهيستيرية: -أبعد عني أوعى مش ههدى، أنت حيوان تعمل العملة وتسألني هز رأسه وبدا في محاولة لنفض تلك التهمة الشنيعة التي ألصقتها به ليقول مسرعًا بصوت عال: -اقسم بالله ما فاكر إني ضربتك أو اذيتك عشان تبقي موجوعة! أشتدت مسكتها على بطنها وخرجت حروفها ملكومة بأختناق وهي تخبره: -جسمي كله واجعني ظل يمسح على شعره عدة مرات مرددًا بقلة حيلة: -اعمل اية طب اعمل إيه!
سمع صوتها المنخفض وهي تغمغم: -أتصل بالدكتورة دلوقتي اومأ موافقًا مسرعًا لينهض بخفة ليجلب الهاتف وبالفعل إتصل بالطبيبة الخاصة بها وبعد دقائق كانت رضوى تمسك منه الهاتف لتتحدث بصوت مبهوت وهي تخبر الطبيبة بأختصار عن موضع الألم وتجيب إستفساراتها... إنتهت لتنهض ببطئ فحاول عبدالرحمن مساندتها إلا أنها أبعدته عنها تنهره بقوة: -قولتلك أبعد عني ماتقربش مني.
ولكنه لم يأبه لها هذه المرة، قد يكون مجرم يستحق العقاب، ولكنه لم يعلم أي تٌهمة تلك التي زرعت نفورًا قضى بمهارة على أي عشقًا كان يسري بين بحرا العسل بعينيها! فاقترب منها عنوة يساعدها وهو يجز على أسنانه بغيظ مستطردًا: -رضوى، بغض النظر عن أي حاجة لكن مش وقت عنادك صرخت بوجهه والغيظ يفتك بها: -عناد إيه ما أنت السبب اصلاً، أنت اللي ماراعيتش أي حاجة في رغباتك الحيوانية.
صمت متجمدًا مكانه وقد تكلفت الصدمة بأقسى مهمة ؛ إيصال المعنى المتخفي خلف كلماتها المحترقة... بينما هي حاولت إبعاده وهي تمسك بمكان الألم ليسألها مستنكرًا بصوت يكاد يسمع: -رغباتي الحيوانية! قربي منك بقا كدة بالنسبالك؟ زفرت بحنق متابعة: -إن كنت أنت بنفسك قولت كدة أمبارح، لأ ونفذت كمان أبعدت ذراعه عنها لتسير لتجلب - المسكن - لألامها الجسدية، ولكنها اسفًا لا ولن تجد مسكن لألامها الروحية العميقة!
أنتهت وبعد دقائق كانت تتمدد على الفراش امتثالاً لكلام الطبيبة... أغمضت عينيها بقوة عل تلك الليلة المشؤومة تغادر ذاكرتها الخائنة لها ضدها! ولكن النتيجة عكسية وهي تشعر بعبدالرحمن الذي جاورها الفراش ليقول متلهفًا بقلق حقيقي من نقطة الظهور العلني: -رضوى عشان خاطري براحه واهدي لم ترد عليه وإلتزمت الصمت المتقهقهر، لتسمعه يكمل بإلحاح رهيب: -رضوى أنا من حقي أدافع عن نفسي، حقيقي أنا ماقصدتش أأذيكي خالص.
تقوس فاهها بابتسامة تحمل سخرية تكفي قدرًا للعالم كله، قبل أن تفتح عينيها صارخة بحرقة: -يعني أنت ماقصدتش تأذيني طب مش فاكر بجاحتك وأنت بتقولي أسيل حبيبتي، ولا مش فاكر وأنت بتزعق بعلو صوتك إن انا للمتعة المجانية بس، ولا إنك كنت هتاخدني بالغصب لولا اني حاولت اهديك وحتى ماهنش عليك تفتكر إني حامل لم يرد عليها، فقد كانت الصدمة أكبر شعور يمكن أن يُصيبه بالشلل في تلك اللحظات تحديدًا!
فيما تابعت هي وصوتها يعلو أكثر وكأنها بتلك الطريقة فقط تفرز شحناتها السلبية: -طب بلاش تخاف عليا كنت خاف على أبنك حتى، معندكش أي أحساس بالمسؤلية غير ل حبيبتك الحيوانة بس! بدأ يتهته بحروف شبه متقطعة كسيل لا يقطعه سوى الجفاف الصادم الذي ضربته به: -صدقيني، غصب عني! لم ترد عليه، هي لا تخشى على نفسها، بل على ذاك الطفل الذي لم يصل دنيانا بعد...
على أن يصيبه غضبه وثورته التي لم تصل لمغزاها الحقيقي والذي يتلغم خلف غضب لا يستقبل تساؤلات! فيما أكمل هو بصوت ذو بحة ضعيفة: -أنا ماعرفش إيه اللي حصل لي، بس فاكر إني ما أذتكيش، أو آآ قاطعته بسخرية مغتاظة تردد: -الحمدلله إنك استجبت شوية حتى، وإلا الله اعلم كان إيه اللي حصل نهض عبدالرحمن دون كلمة اخرى، يود الإختلاء بنفسه قليلاً عله يحسرها في منحدر الأسباب فيملك الجواب على تصرفه الغريب...
فيما ظلت رضوى كما هي تنظر للفراغ بشرود، إلى أن همست مصدومة وهي تضع يدها على فاهها بشهقة: -ياربي، معقول رجعت له الشيزوفرينيا تاني!
كانت شهد في غرفتها، منكمشة في نفسها تبكي دون توقف، بل لا قدرة لها على منع سيلان الدموع الملتهبة من الهبوط، كانت تشعر بكل قطرة من داخلها تخرج متشبثه بجزء من الروح حتى كادت تزهق روحها! فتح عمر الباب دون مقدمات لتنكمش هي على نفسها أكثر.. ثم سرعان ما كانت تتمدد وتغطي كامل جسدها، ولكن الأهتزازة النابعة من وسط طلال الدموع كانت كنقطة سوداء واسعة وواضحة...!
أقترب منها يجلس على الفراش لجوارها، فكتمت أنفاسها بصعوبة وكأنها حتى الرغبة في التنفس معه فقدتها! كاد يضع يده على ظهرها ولكن أعادها بسرعة وهو يسألها بخشونة: -نمتِ دلوقتي هزت رأسها دون أن ترد، فاقترب أكثر يقول بحنق: -لما دخلت النوم جالك، وبعدين إنتِ مابتتكلميش لية؟! فقدت الحروف التي غمستها بالغيظ والحنق مسبقًا فما عادت تدري من أين تُكون الرد المناسب! فلم تجد سوى الصمت سبيل تتخذه..
وضع عمر يده على ظهرها يهزها برفق مرددًا: -شهد انا بكلمك على فكرة ردي احسنلك سارت قشعريرة باردة على طول عامودها من تلك اللمسة التي أثارت المشاعر الذابلة من الأبتذال... أبعدت يده ثم هتفت بصوت مبحوح: -عايز إيه اية إلى جابك هنا؟ أدار وجهها له حتى يستطع رؤيته، وصُدم بالأحمرار الذي تشابك وسط خيوط عينيها البنية، فكانت قصة مُميتة ترويها نظراتها اللامعة بدموع القهر! سألها بجدية ثابتة: -بتعيطي!
أعطته ظهرها مرة اخرى ووضعت يدها على شفتاها تمنع ذلك الصوت عن رداء الواقع بصعوبة.. تنهد ثم تمدد على الأريكة، كاد يمد يده على ظهرها، ولكنه دفعها بعنف قائلاً: -قومي تجمدت وهي تهمس بصعوبة: -اقوم فين!؟ كز على أسنانه غيظًا، غيظًا يلكمه أستسلامها والغياهب التي تسقط فيها كل الحين فتزيد غيظه فورانًا! دفعها مرة اخرى حتى نهضت ثم استطرد بغلظة: -روحي نامي في أي حته مش عايزك جمبي.
تجمدت عينيها باتساع كاد يبتلعه صريعاً، ثم زمجرت فيه بحنق: -أنت اللي جيت الاوضة اللي بقعد فيها وكمان تطردني منها، لا كدة اوڤر اووي مط شفتاه بملل: -انا حر، ده بيتي، مش عاجبك أمشي اومأت موافقة وقد لمع وهج بحر عينيها البني المتسع، لتخبره بثقة قاسية: -ماشي يا عمر، بس اتأكد إنك هاتندم على الكلمة دي!
ثم استدارات لتغادر، ولكن فجأة وجدت من يجذبها من يدها بعنف ويطرحها على الفراش، ومن دون أي مقدمة تُناسب المشاعر المتأججة كالنيران تكوي كلاهما كان يقبلها بعنف.. يلتهم شفتاها في قبلات متتالية حتى لم تعد تستقبل أي شعور على وتيرة الألم الساكنة! واخيرًا إستطاعت التحكم في ساعديها الخائنان اللذان استجابا لقسوة قبلاته التي بدأت تذوب..
فدفعته بكامل قوتها حتى أبتعد عنها إلى حدًا ما، ينظر لها ببهوت وكأنه لا يزال يستوعب رفضها! فنهضت مسرعة تتجه للخارج.. نهض عمر خلفها يجذبها من ذراعها برفق، ولكن وقع نظره على نقطة ما.. فاحتدت نظرته وما كان منه إلا أن اقترب اكثر بجسده كله هذه المرة، يقول بنبرة ذات مغزى: -إيه دلوقتي مابقتيش طايقة لمستي!؟ هتفت مؤكدة دون تردد: -فوق ما تتخيل، وماتقربليش تاني، ابدًا.
ضحك بلا مرح، مجرد رسمة سخيفة بشفتاه قبل أن يكمل وكأنه يضع - الملح - على جرحها النازف: -أنا حر برضه اقربلك، ده حقي اولاً، ثانيًا اعتبريني بوفي حق الفلوس اللي مضتيني عليها تخشبت نظراتها كما جسدها تمامًا، شعرت بكلماته السامة تختلق شبحًا شرسًا اخر داخلها، يتصارع مع ذلك القلب الذي لم يمل من وضع المبررات!
جذبها له مرة اخرى حتى أصبحت ملاصقة له، أبعد خصلات شعرها عن رقبتها البيضاء ليقبلها بنعومة، ثم همس وأنفاسه تلفح صفحة وجهها التي شحبت تأثرًا وألمًا: -وأنا بصراحة هموت على واد تاني من صلبي! وفجأة دفعها عنه كما قربها منه بنفس السرعة ليتابع بازدراء: -بس أكيد مش منك! ماتت الحروف صريعة مفاجأته على شفتاها... ولكن الكبرياء الذي كاد يُزهق داخلها هو من رسم خططًا جديدة لكرامة مبتورة، فقالت بحدة:.
-ماشي يا عمر، بس أفتكر كلامك ده وإنك أنت اللي بدأت، والبادي أظلم يا زوجي العزيز! ثم أستدارت تغادر والهواء يتلاطم مع قسمات وجهه المتبلدة مثله.. ينظر على اثرها وقد علم أن رد فعلها سيكون عنيف، عنيف جدًا!
كانت أسيل تجلس وحيدة بين ظلال الليل الذي أسدل ستائره من حولها.. سواد وحلكة ربما هي فقط من تراهم تزامنًا مع الكره الأسود الذي يلتف بين احشائها! وعيناها حمراء تعكس تلك النظرية بتمرد ناري، ووهجها الأحمر المرتكز في عينيها رغم البرود الذي تحاول الإنتماء له عنوة! شعرت بالفراغ داخل روحها هي.. فراغ لا يملؤوه سواه!
هي تحتاجه، تحتاجه يسد فجوات روحها المعمقة بسواد، ولكن بين طيات الظلام، بعيدًا عن نور العقل الساطع الذي يحرق أي إحتياج مكنون... تأففت عدة مرات وهي تتساءل عن سبب تأخره بعكس عادته دومًا أن يأتي باكرًا من اجلها! واخيرا قرر الأشفاق عليها فوجدت الباب يُفتح ببطئ وهو يدلف بعنجهية.. نهضت هي الاخرى تقف أمامه تمامًا لتصيح فيه بحدة: -ايه ده بقا، ممكن أعرف أنت اتأخرت لية؟!
نظر لها بطرف عينيه قبل أن يتخطاها بكل برود! وكأنه شيئ شفاف يعكس بروده ولكنه لا يُرى... اتجهت هي خلفه لتمسك ذراعه في محاولة منها لإيقافه مرددة: -جاااسر حاول التغاضي عن تلك الرعشة التي سارت في جسده من لمستها التي كانت كهرباء صُلتت عليه فجأة... واستدار لها يعقد يداه قائلاً ببرود: -نعم؟ هتفت بحنق وصوتها شبه عالي: -لو سمحت لما اكون بتكلم معاك ماتسبنيش وتمشي كدة!
قبض على ذراعها بقسوة وعيناه مُسلطة على الوهج الناري السحري بعينيها، تجذبه تحت خط الأسر! ليقول بما اشبه الهمس: -لما تكوني بتتكلمي توطي صوتك، سامعة؟! لم تعرف لمَ شعرت بالضيق يعتريها لتجاهله ذاك! ولكنها أكملت بغيظ: -مش من حقك تسيبني طول النهار قاعدة زي قرد قطع كدة وأنت عارف اني مش هاروح في اي حته.
قست عيناه أكثر، لوهلة كان سيندفع ويضع لها الأعذار، ولكن لا، لن يفعل مرة اخرى، إنتهى عهد الخشية على مشاعرها المتحجرة! وود لو صرخ فيها، ولكن شعر بصرخته تتفتت لذبذبات خرجت على هيئة حروف متقطعة وهو يخبرها: -آآ، وأنتِ مش من حقك تسأليني أتأخرت لية، انا حر! لجمها رده وتبلدت مكانها، وتحجر ذاك الأحمرار بعينيها.. وكأنه بذاك الرد وضع النقاط على الحروف فذكرها بمفترق الطرق الذي يقفوا فيه!
اومأت مسرعة تحاول إستعادة نفسها لتهمس: -ايوة صح، انا مليش دعوة، مش من حقي فعلاً استدارت مسرعة وكأنها تهرب منه، لتجده يمسك ذراعها فجأة، أبتسمت بشحوب دون أن تستدير له، ولكن اخترق سؤاله الخشن اذنيها: -رايحة فين؟! أجابت بعدما انطفئ حماسها: -رايحة اتخمد تركها ليقول بجدية شبه حادة: -أنا لسة ماخلصتش كلامي عشان تروحي تأففت بصمت، ثم استدارت تنظر له، لتجده يكمل بامعتاض:.
-ماتقلقيش إنتِ هاتتخمدي لما تشبعي لاني خلاص مش هازعجك إتسع بؤبي عيناها بخوف، وخرجت حروفها محكمة تحت إرتعاشة خفية تصدرتها وهي تسأله: -لية في إيه؟! أجابها دون تعبير واضح: -أنا مسافر في مهمة تبع الشغل، ومش عارف هاقعد فيها اد ايه بقيت تحدق فيه بصمت تام، تعلم أنه يبتعد بقصد، يأس من المحاولات الفاشلة! ولكن هي من أرادت ذلك، أليس كذلك؟! اومأت وهي تبتلع تلك الغصة المريرة، وقالت بصوت صلب ظاهريًا: -ماشي مع السلامة.
ثم أستدارت بسرعة لتركض نحو غرفتها، أصبحت مشاعرها مؤخرا تقلقها جدا... كطوفان يسحبها نحو حافة ترتعد منها! تلك المشاعر التي تُخلق في الظلام، وتقودها سرًا...! بينما هو مسح على شعره عدة مرات قبل أن يتجه لغرفته هو الاخر...
وبعد ساعة تقريبا كان قد انتهى من إعداد ملابسه سريعا ثم خرج من غرفته يجر حقيبته خلفه.. وقعت عيناه أسيرة الحيرة رغمًا عنه، ليجد نفسه يتجه نحو غرفتها ببطئ، رغمًا عنه تنساب قدميه نحوها.. دلف إلى الغرفة يسير على أطراف أصابعه، وجدها تغط في نوم عميق.. لم يعرف لمَ تهيئ له ان ملامحها ممتعضة! مد أصابعه ببطئ يتحسس ملامحها الرقيقة، يتلمسها بحنان مغمض العينين، وإنزلقت أصابعه لرقبتها الظاهرة يتحسسها بشوق...
نظر لشفتاها المنتخفة ليجد نفسه يُلبي نداء خفي ويهبط بشفتاه على شفتاها يقبلها بنعومة ونهم.. فقط قبلة واحدة وسيتبعد على الفور! قالها في قرارة نفسه ولكن وكأن شفتاها تحتفظ بجاذبية خاصة تجعله ينغمس اكثر بدلاً من الأبتعاد.. شعر بها تتجاوب معه! أيعقل أنها تعتقد أنها تحلم، تحلم به لذلك لم تبدي اعتراض! تعمق في قبلته اكثر وهو يمسك رأسها ويميل بجسده عليها أكثر..
كانت يداه تبعد قميصها الخفيف ليتحسس جسدها الناعم، شهقت حينها وكأنها استيقظت من تلك الغفوة الرقيقة، ولكنه لم يعطيها تلك الفرصة لتعطي البُعد مساحة بينهما.. فقبض على شفتيها بتملك اكبر وإبتلع شهقتها بين جوفيه، مرت دقائق تقريبا ثم دفعته قليلاً تلتقط أنفاسها وهي تحدق فيه مبهوتة من ذلك الحلم الذي تسلل لحبال الواقع... فانفض نفسه سريعا ليستدير شبه راكضًا نحو الخارج دون كلمة!
بعد مرور الوقت...
- أيتها المقابر أسرقيني، فقد ماتت الحياة داخلي -! تقريبًا كان وضع شهد يتردد حول تلك الكلمات التي تحمل رجاءًا من نوع اخر.. كانت تقف في الحديقة التي دائمًا وابدًا كانت مآوى للشكوى.. ومقر للتفكير في حلاً عاجلاً! كانت تشعر أن الوقت ليس عاملاً لصالحها، بل عدوًا كبيرًا يزداد في تغير عمر كلما مر عليه.. الهواء لا يلفح وجهها فقط بل يلفح شيئًا ملكومًا داخلها..
لم تنتبه للحركة الغريبة من حولها، بل كانت منغمسة في وحل الذكريات.. حتى ازدادت الحركة بشكل واضح فاستدارت بسرعة صارخة: -ميين! وفجأة من العدم ظهر شخصًا ما يرتدي جلباب - صعيدي - ذو وجه ملثم يقترب منها حاملاً سكينًا حادًا في يده! إرتعدت من ذاك المظهر الذي تسبب في اهتزاز كامل خلاياها خوفًا.. فظلت تسأله برعب: -أنت مين وعايز مني إيه؟! لم يرد عليها فأطلقت صرخة عالية ومهزوزة في آنٍ واحد: -عمررررررر.
وفي نفس اللحظة هجم ذلك الرجل عليها في محاولة لطعنها وحاولت هي الركض فكان هو الأسرع يركض نحوها ليمسكها فزجته بعنف حتى كاد يسقط، وفي نفس اللحظة كان عمر يركض نحوها ليجذبها خلفه ويلكم الرجل بكل قوته.. نهض ودفعه الرجل بقوة فترنج وكاد يسقط ولكنه تمالك نفسه قدر الإمكان ليحيط بشهد فتصبح هي بين أحضانه كليًا ويداه تحيط بها وكان صوت صريخها وبكاؤوها كالموسيقى المرعبة تعلو...
إلتفت مسرعًا للرجل الذي سقط وشاحه في نفس اللحظة و...
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر
تتقازفها دوائر الخوف بل الرعب التي تكونت أثر ما حدث منذ قليل جدًا.. قلبها يلتوي بين أضلعها، وشيىً ما يهتف بذعر إنه هو، جاء لقتلك ! والعقل يضاهيه معاكسًا بقوانينه الطبيعية هو ضمن الأموات لا وجود له وهي بين ذلك وذاك ترتعش ووصلة البكاء لم يقطعها سوى عمر الذي جاء راكضًا يلهث بعنف وهو يسبه: -ملحقتوووش إبن الكلب هرررب سألته بصوت مبحوح يكاد يسمع: -أنت شوفته؟ هز رأسه نافيًا، ليخبرها بأسفٍ حقيقي:.
-لا، اول ما البتاع وقع طلع يجري ملحقتش أشوفه حتى ظلت تهتف بهيسترية تدعو للشفقة على الخوف الذي إحتواها بين احضانه السوداء: -أنا متأكدة إنه مصطفى، هو مصطفى والله أنا قولتلك وأنت ماصدقتنيش صمت قليلاً ليسألها مضيقًا عيناه: -مصطفى ايه ده كمان؟! حاولت كتم شهقاتها التي كانت تُقطع خروج حروفها بانتظام وأردفت: -مصطفى ابن عمي، اللي مكنتش بتطيقه اصلاً يا عمر سحبها من يدها للداخل، ثم أغلق الباب خلفه..
جلسا على الأريكة بهدوء، ليقترب عمر منها، فابتعدت بتلقائية للخلف.. تفاقم جمود عيناه، وتثاقلت دقات قلبه الصاخبة أمام رفضها الضعيف.. ف اُعلنت حرب الشعور! مسك أصابعها برفق هامسًا وكأنه يستعيد غزارة مكانته الحنونه والتي ردمها هو مسبقًا!، : - -شهد، أنا عمر، مش معقول قلقانة مني؟! هزت رأسها نافية بهدوء حمل شيئً من لذعة السخرية: -لأ بس عشان ماتحتاجش تزقني فجأة وتقولي أبعدي عني.
حاولت التقدم على تلك الغصة المريرة التي ألمت حلقه أسير حروف عشقها المتيم، فتابع بأسف: -إنتِ عارفة إنه مش بمزاجي نظرت لعيناه مباشرةً وكأنها تستجديها تلك الروح التي عانقتها يومًا بوعود الإكتمال، ف هتفت بنبرة مهتزة تسبق عاصفة بكاء قوية: -بس أنا تعبت! تعبت من كتر الإهانات ومع ذلك بقول مش بمزاجه ومش بأديه جذبها لأحضانه يُسكنها مقرها المحفوظ وإن كان الإقرار بذلك مدفون..
يُقربها منه اكثر حتى باتت جسدها كله ملتصق به يحتويها بين ذراعيه الضاممتين بحنو لا يملك اختيار فقدانه او محوه! يُقبل خصلاتها المتمردة التي كشفها بيده بتثاقل هامسًا بصوت بدا لها غريبًا عن طبيعته المؤخرة: -هششش إهدي، إهدي يا شهدي دق قلبها بعنف وهاجت دقاته بصخب غير مصدق! لقد نطقها؟! نطق صك ملكيته المعروف! لم تستطع السؤال حيث نهض وهي مازالت بين احضانه متجهًا نحو الاعلى، لتعترض بهدوء: -عمر أنت..!
قاطعها يضع أصبعه على شفتاها: -هششش، متقوليش أي حاجة دلوقتي اومأت بطاعة غريبة: -طيب دلفا إلى غرفته ليغلق الباب خلفه، توترت رغمًا عنها من إهانة بعيدة تُهددها بالأقتراب.. جعلها تتمدد على الفراش برفق ليستقيم وهو يخلع التيشرت الخاص به... فهمست له متلعثمة: -أنت، أنت بتعمل إيه؟! اقترب منها ثم تمدد لجوارها تمامًا دون السماح بالمسافة أن تكمن بينهم، ليضع يداه على خصرها يبادلها الهمس: -هنام يا شهد!
اومأت مسرعة وهي تغمض عينيها، تحاول السيطرة على مشاعر تفور من إقتراب طال غيابه بهذه الحرارة! ولم تشعر أن وضعت يدها على صدره العاري، ومن ثم وضعت رأسها لتشعر بنبضاته التي قابلت نبضاتها المتعثرة في لقاءٍ شاق... وبتلقائية كانت ترفع رأسها لتلثم صدره العاري بعمق كما كانت تفعل دومًا قبل أن تعود لأحضانه مرة اخرى غير مبالية بتجمده من قبلتها تلك!
ويدها تتحس صدره بطرف أصابعها برفق، ضغط على يدها بقوة مغمض العينين.. كادت تبتعد عنه تمامًا ولكن على العكس قربها منه اكثر، ليفتح عينيه وهو يشرف عليها بقامته العريضة... هبط ببطئ لشفتاها يقبلها يأكلها بجوعٍ ينهش قلب عاشق ملكوم! دفعته عنها برفق وهي تبتعد متأوهه بأسمه: -عمررر فانزلقت شفتاه تقبل رقبتها وما أسفلها قبل ان يتابع بحرارة: -مش قادر أبعد عنك اكتر من كدة.
ظل يقبلها بنهم ويداه تتحس منحنيات جسدها، ثم همس وهو يعض طرف اذنها: -إنتِ بتعملي فيا إيه! مابقتش عارف هزت رأسها نافية بصوت منخفض: -لأ بلاش! شعرت بشفتاه تقتل الإعتراض الذي لم تكتمل ولادته على طرف شفتيها، ليبتلع تلك الحروف في عناق محموم... ويداه تعبث في أطراف ذاك الجلباب الذي ترتديه، لينزعه عنها ببطئ ويداه تغوص بين خصلاتها يجذبها له أكثر..
خارت المقاومة ورفرف العشق، واعلنت الروح حالة الإستسلام وهي تستشعر الحرارة في جسدها كله من لمساته الرقيقة! لينتهي بها المطاف خاسرة في مقاومة فشل العقل في تزعمها متذبذبًا من دسائس قلبٍ مُشتاق... أحاطته بذراعيه، لتسمعه يقول بصوت ذو مغزى: -تؤ تؤ، مفيش حاجة أسمها لأ او بلاش، إنتِ بتاعتي! وإنهار كل إعتراض، ليغوصا معًا في رحلةٍ جديدة كانت بعيدة جدا عن مرمى أعينهم الهزيلة!
نهضت رضوى من الفراش متململة تشعر بالكسل تمتد اطرافه لأنحاء جسدها كله، تحسست الفراش بجوارها كعادتها عندما تستيقظ فوجدته فارغ بالطبع.. تنهدت بقوة قبل أن تمد يدها تمسك بهاتفها الموضوع على الكمودين بجوارها، قضبت جبينها وهي تهمس متأففة: -تؤ، مها كلمتني 5 مرات! شكلهم لاقوا سيف! أبعدت الغطاء عنها وما إن تحركت حتى شعرت بشيئ لزج أسفلها..
نظرت اسفلها بعدما نهضت لتشهق مصدومة وهي ترى الفراش اكثر من نصفه مبلل: -يا نهار أسود! أطلقت صرخة عالية شقت السكون من حولها، لتستمر في وصلة صراخها الهيستيري: -يا خرااااشي أنا شكلي بوووولد أمسكت هاتفها مسرعة لتتصل ب عبدالرحمن، ولكن ما من مجيب! كادت تبكِ وهي تسبه بقهر: -الله يخربيتك يا عبدالرحمن هولد على نفسي وخلال دقيقتين تقريبًا كان يرد عليها بهدوء: -ايوة يا رضوى -إلحقني، إلحقني يا عبدالرحمن بسرعة.
-مالك في إيه؟! -بووولد إلحقني أنت لسة هتستفسر -ماشي ماشي مسافة السكة هبقى عندك -بسررررعة بسرررررعة وبالله عليك مش عايزة اولد هناااااا لااا -خلي بالك من نفسك وانا جاي على طول اهوو -طيب، طيب ظلت تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا ثم اتجهت لتبدل ملابسها سريعًا وتجهز الحقيبة التي جهزتها مسبقًا لطفلها لأحتمال ولادتها وخاصةً بعدما حدث بينهم ليلة امس...
دقائق مرت عليها وقد بدأت تتعرق، حتى شعرت بدخول عبدالرحمن الذي ركض نحوها يسندها متجهين نحو الاسفل... ضربته على ظهره مرددة بصوت شبه باكِ: -اتصل ب مامااااا انا عايزة ماما نبييييلة يلااا دلوقتي اومأ مسرعًا بتأكيد: -ورب الكعبة اتصلت بيهم وانا ف الطريق، اهدي بقا عشان وترتيني اكتر منا متوتر عضت على يده التي تسندها بغل، لتصيح فيه بحدة هيستيرية: -ااااه ما انت مش حاسس بيا وانت هتوتر نفسك لية؟!
إلتزم الصمت التي اطبق على لسانه بخلفية الواجب المرير، ليجدها تكمل دون وعي: -ااااه هاتروح من ربنا فيييين، الله يخربيتك يا عبدالرحمن، مسيرك تجرب اللي انا فيه! نظر لها مضيقًا عيناه في حنق: -لا ده إنتِ الولادة لحست عقلك، هاجرب ازاي يابنت المجنونة! ظلت تضرب الأرض بقدمها من الألم الذي عصف بجسدها، لتزمجر فيه بغضب اعمى: -ماعرررررفش وده وقته!
حاول تمالك نفسه قليلاً حتى تنتهي تلك الولادة، فقط حتى تنتهي ويصب حنقه بالكامل عليها!
إلتف الجميع في غرفة المشفى التي تقطن بها رضوى بعدما أنجبت مولودها الأول لهذه الدنيا بسلام.. وتحديدا كان عبدالرحمن يقف لجوارها يدها اليمين ينظر لطفلها في حضنها بحنان ودفئ فطري يتدفق منه.. قطعت مها الصمت بقولها المرح: -ألف ألف مبروووك يا رودي، اخيرا بقاا دخلتي الدايرة يا ام البت ضحكت رضوى بشحوب هامسة: -الله يبارك فيكِ يا مها تابع احمد بعدها بابتسامة: -مبرووووك يا رضوى تتربى في عزكوا إن شاء الله.
بادلته الإبتسامة: -الله يبارك فيك يا احمد تسلم توالت عليها المباركات من جميعهم، فيما أقترب عبدالرحمن منها اكثر يقبل جبينها بحنان استشعرته في لمسته الناعمة، ليهمس لها بجوار اذنها: -ألف مبروووك يا أم سندس، قومي بقا شدي حيلك عشان نخاويها بسرعة زحفت الحمرة تخصب وجنتها البيضاء من غزله الذي لطالما كان يُنبت شعورًا جديدًا ومختلفا في كل مرة من عشقهم المُترب!
نظرت حولها تتأكد أن الجميع منشغل، لتعود تبادله الهمس الحازم: -أنسى خاااالص تنحنح أحمد بصوت عالٍ، ثم قال مشاكسًا: -امممم في إيه يا عبدالرحمن انت كويس؟! ابتعد عبدالرحمن يتنحنح بحرج: -ااه اه كويس جدا رن هاتف عبدالرحمن في نفس اللحظة ليخرجه من جيب بنطاله، وما إن رأى اسم المتصل حتى تلون وجهه تلقائياً للون المصاحب للتوتر الاصفر ! تنحنح بخفوت يقول: -بعد اذنكم يا جماعة، تليفون مهم وراجع على طول.
اومأ الجميع له بهدوء: -اتفضل اتفضل خرج من الغرفة فإتسعت الابتسامة على وجه والدته، ابتسامة ماكرة وكأنها مرسومة بجلد ثعبانًا سام! وسرعان ما كانت الذكرى تموج متلطمة بين جدران عقلها المجعد بالخبث...
اخرجت هاتفها سريعًا بمجرد دلوف رضوى لغرفة العمليات، لتتصل ب أسيل التي اجابت بعد دقيقة تقريبًا بصوت واهن: -الوو -ايه ياست أسيل هاتفضلي تتدلعي كتير -مش بدلع، جوزي كان قاعد في البيت مكنتش عارفة اكلمك او اقابلك -امممم هحاول اصدقك، بس المهم دلوقتي -خير اللهم اجعله خير؟! -خير ياختي، وخير اوي كمان، إنتِ تيجي دلوقتي على مستشفى ، سألتها مستفسرة والحيرة تكاد تتأكلها في محاولة لفهم تلك السيدة ولو لمرة:.
-اجي لية في ايه؟! -عبدالرحمن في المستشفى دي، وهايقدر يشوفك لوحده كمان لأن مراته هتبقى لسة والدة مش هاتقوم، دي فرصتك بقا استغليها -حاضر -معاكِ ساعة ولا حاجة بالكتير -ماشي خلاااص -سلام -باي أغلقت الهاتف تتنهد بارتياح، أدت دورها وصكت ختمها على أول سطرًا في حياة ترغب في تشكيلها...!
عادت من إنتشال ذكرياتها على صوت رضوى تسأل بوهن: -هو عبدالرحمن راح فين؟ اتأخر! أبتسم أحمد ابتسامة حملت ذبذبات واضحة من الخبث وهو يشاكسها: -اتأخر إيه يا رضوى ده مكملش 10 دقايق، هي الولادة بتخلي الست تحب جوزها بزيادة ولا ايه؟! ضحكت رضوى بحرج هامسة: -لا بس اتهيئ لي انه بقاله شوية يعني اومأ احمد بهدوء في حين كان الاخرى تراقبها بعين تكاد تأكلها حية!
بينما في الخارج كان عبدالرحمن يسير متجهًا لأحدى الطوابق الفارغة، ينظر هنا وهناك وكأنه لصًا ما يخشى الفضيحة! وصل للطابق المتفق عليه ليجد أسيل تعطي له ظهرها وتعقد ذراعيها بهدوء رأه من مرماه برود قاتل... ركض لها يجذبها من ذراعها مزمجرًا في وجهها بحدة منخفضة: -إنتِ إيه اللي جابك هنا إنتِ مجنونة! اومأت موافقة لترد وهي تقترب منه تأسره بنظراتها: -عبدالرحمن، وحشتني اووي!
كان مُخشبًا يحدق بها، ترددت تلك الكلمة بأذنيه اكثر من مرة، شعر أنه ينغمس تحت رداءًا قاتل من الأستجابة! تشنج جسده بأكمله وهو يضع يداه على اذنها مرددًا بهيسترية: -لاااا، رضوى، وإنتِ وحشتيني! تجمدت هي الاخرى مصدومة مما يحدث له، لا تدري ما الذي اصابه فجأة.. إن كانت كلمتها مرطبًا لجروح الماضي ام سقم جديد يُنكسه بلا تردد!
ولكنها أمسكت به تحتضنه برفق وكأنها والدته ورأسه تستند على صدرها والتشنجات لم تغادر جسده بعد!.. فهمست له متوجسة: -عبدالرحمن، مالك؟ مرت دقيقتان تقريبا ليبدأ جسده بالأستكانة تدريجيًا، سكنت معه مطارادات عكسية تُحاك داخله... ورد عليها بهدوء تام متبلد: -وإنتِ، أنتِ وحشتيني! لا تكاد تٌصدق عينيها، إنتزعت منه اعتراف لصالحها يُضئ لها العتمة التي صنعها مسبقًا امامها واخيرًا... ولكنه أكمل ووجهه يتلوى:.
-بس آآ لا، رضوى، أنا آآ! وفجأة شعرت بيداه تحتضنها أكثر يضمها له بكامل قواه، ويدس رأسه عند رقبتها يلثمها ببطئ شديد ومثير.. تخدرت كل حواسها الخبيثة وهي تشعر بملمس شفتاه يغزو كل جزءًا ظاهر منها ويداه تغوص بين خصلات شعرها الأسود... أغمضت عينيها تحاول قتل ذاك الشعور الذي يؤنبها بعنجهية! ف زجها هو للخلف بجسده وهو يميل لها يشبع شفتاها تقبيلاً، ويداه تقبض على خصرها بقوة... ولكن تلك القبلات كانت ميتة شعوريًا!
خالية من أي ازدهار لمشاعر مرهفة محتمل أن تُيقظ عشق مسموم بأشواك الطمع... وفجأة أبتعد عنها كالملسوع وكأنه أستعاد سيطرته على مقاليده الواهية.. ينظر لها لاهثًا وكأنه ثلج مُجمد غير مدرك! وبأقل من اللحظة كانا يسمعا صوت أحمد الذي صدح غير مصدقًا: -عبدالرحمن! ثم نظر لأسيل التي كانت حالتها لا تُشكل فرقًا كبيرًا عن حالته المرزية ليهتف: -وإنتِ! إنتِ مين وبتعملي إيه هنا؟!
هزت رأسها نافية تحاول ٱجبار تلك الحروف على الخروج في مسارها المراد: -أنا آآ أنا... ولكن ركضت من امامه مسرعة، هي ستفشل، بل هي فاشلة من الأساس في إحاكة قصة بطلتها نفسها مذبذبة بضعف تجهل مصدره! أمسك احمد عبدالرحمن من كتفيه يهزه وهو يقول مذهولاً: -ايه ده هه؟ رد عليا ايه اللي انا شوفته ده! هز رأسه نافيًا يهمس ببلاهه: -انا آآ، مش آآ مش عارف إيه اللي حصل! أنا كنت حاسس إني مُجبر!، مش بعمل كدة بمزاجي..!
زمجر فيه احمد بعصبية: -ازاي يعني كنت مجبر! كان حد ضربك على إيدك وقالك قرب من الزبالة دي بالغصب!؟ حك رأسه مغمض العينين وقد بدا وكأنه يُصارع شيئ داخله.. يشعر أن ما حدث مشوش داخل ذاكرته، بل ربما لا يذكر نصفه! نظر لأحمد قائلاً بصوت مبحوح: -أنا مش عارف، صدقني مش عارف ولا فاهم في ايه؟! تشدق أحمد بحزم ب:.
-بس انا عارف، عارف إنك طالما مراتك مش مكفية متطلباتك يبقى تتجوز واهو تبقى حلالك أفضل من ما تكون زي اللي بيسرق لذة تدخله جهنم! صار يهز رأسه نافيًا بسرعة: -لا لا يا أحمد، أنا بحب رضوى صدقني وهي مكفية كل متطلباتي، بس اقسم بالله اني مش عارف ازاي حصل اللي حصل سأله احمد مباشرةً: -مين البت دي؟ واجاب هو الاخر بنفس الحسم: -أسيل، دي أسيل شدد على حروفه مستفسرًا بغيظ: -مين أسيل دي يعني وازاي جات هنا اصلاً يعني؟!
هز رأسه نافيًا بحيرة: -دي آآ اللي كانت خطيبتي، بس صدقني مش عارف، أنا لقيتها بتتصل بيا وبتقولي انها هنا واني لازم اقابلها وإلا هي هتدخل جوة! تنهد أحمد بقوة عله يُزيح ذاك الثقل عن عقله فتتم مهمة تفكيره الناضج.. ثم قال بجدية صارمة:.
-اسمع يا عبدالرحمن، رضوى مش مجرد اخت مراتي، انا بأعتبرها أختي الصغيرة، وأنا مش هاسمح لحد يأذي اختي الصغيرة مين ما كان، بس أنا هاسكت واديك فرصة اخيرة لإني حاسس إنك صادق، لكن لو رضوى اشتكت منك او عرفت إنك شوفت البت دي تاني يبقى أنت بتقضي على حياتك بأيدك! اومأ عبدالرحمن مؤكدًا، ليتركه أحمد وينصرف عائدًا للغرفة مرة اخرى.. فيما ظل عبدالرحمن ينظر لنفسه متحسرًا ببهوت لما آل إليه حاله!
صباح اليوم التالي، كان أحمد امام المرآة يهندم ملابسه استعدادًا لعمله.. كان يوم امس شاق، وحمدالله أن رضوى ستغادر المستشفى اليوم لأن ولادتها كانت - طبيعية - بينما كانت مها في الخارج تعد فطورًا لكلاهما بعد أن اطمأنت على سيف في الغرفة الاخرى.. خرجت من المطبخ تحمل الصينية التي عليها كوبان من الشاي المغلي... وكانت رودينا تجلس على الأريكة ببرود، كوحشًا كاسرًا منتظرًا الفرصة التي سيغتنمها بأفضل شكل!
كادت مها تمر من جوارها، ولكن رودينا وضعت قدمها فجأة امامها فكادت مها تسقط، فانقلب الكوبان على رودينا، وقليلاً على مها التي صرخت من الفزع: -يا خبر ابيييض! مش تحاسبي يا رودينا وكانت الاخرى تصرخ من الألم، ولكن الألم الذي أصدرت له اصواتًا مذبوحة لتُلائم خطتها الخبيثة.. فظلت تزمجر في مها: -اااه حرام عليكِ يا مها عايزة تسلخيني، ومن غير ما أكلمك كمان!
إتسعت حدقتا مها في صدمة من تلك التي لا تدري أين ومتى تُنظم تلك الكذبات بشكل يجعلك تنغمس بينهما دون شك.. لتردف حانقة وهي تمسك يدها التي طالتها الأكواب: -لا بقا ده إنتِ اللي مجنونة على الصبح، هو انا كلمتك ولا إنتِ اللي حطيتي رجلك ادامي فجأة قصدًا! إتسعت عينا رودينا في دائرة واهية من الصدمة، ثم سرعان ما كانت تبكي وهي تمسك بقدمها ويدها من الألم الذي صنعته هي لتنال شيئً اخر:.
-ايدي مش قااادرة حرام عليكِ والله يا مها، إتقي الله شوية بقا سألها أحمد بجدية لا تخلو من نقاط شك: -في إيه يا رودينا؟! مالك ومالك إنتِ كمان يا مها كادت مها ترد ولكن قاطعتها شهقات رودينا التي سارعت تتشدق بحرقة: -دلقت عليا الشاي يا احمد، دلقت عليا الشاي من غير ما أعملها أي حاجة تخيل؟ تقوس فمه بابتسامة ساخرة تقدمت كلمته المتهكمة: -فعلاً؟ اومأت مؤكدة لتتابع: -ايوة انا عارفة إنها مش طيقاني من ساعتها.
اغمض احمد عيناه مغمغمًا بقوة علها تتوقف عن ثرثرتها المتلاحقة التي ستسحقهم جميعا!: -رووودينااا، بس! ولكنها لم تتوقف بل أطلقت العنان لتلك الحروف التي تكاد تحرق جوفيها للأنطلاق وإعلان النصر بشكل ابدي! فاستطردت: -رودينا اية، أنت مفكرني هاسكتلها، أنا عارفة إنها عاوزة تموتني من ساعة ما عرفت إني حامل! شهقت مها مصدومة، حامل! تحمل طفلاً آخر من صلبه حتمًا سيُرمم ما هُدم بفعل تغيرات الزمن..
تحمل نبتة اخرى ستُزيد من حقها في تلك الحياة التي زجت نفسها بها!؟ بينما صرخ احمد فيها بعنف: -مها ماتعرفش إنك حامل اصلاً يا استاذة -مستحيل! همست بها وقد تباطئت حماستها في إشعال المزيد والمزيد، حتى إنطفأت وهي ترى الصدمة التي إحتلت قسمات مها.. لتبتلع ريقها بازدراء وبداخلها ألف صوتًا وصوت يسب غبائها وتسرعها! إنكمشت داخل قوقعة الخوف من رد فعل أحمد، بينما قالت مها بنبرة باردة تُعاكس شعورها المُفحم بالقهر:.
-امممم حامل، عشان كدة مامشتيش بقا؟! رفعت كتفيها بخبث متوتر: -أنا آآ أنا فكرتك عارفة يعني توقعت احمد مش هيخبي عنك حاجة زي دي! إزدادت القبضة الفولاذية تعتصر روحها المُرهقة حرفيًا.. قبل أن ترد ساخرة على حالها المنتكس: -لا مهو أحمد مابقاش يحكي حاجة خلاص صمت برهه ثم اكملت بابتسامة ساخرة بلهاء: -بس فيها إيه يعني لو كنتم قولتوا، كنت هاقول ماشي خليها تقعد لحد الولادة ولا خايفين من الحسد لاسمح الله؟!
كز أحمد على أسنانه بغيظ قبل أن يقول بصلابة: -لأ رودينا مش قاعدة عشان الحمل بس، رودينا ده بيتها زي ماهو بيتك وأكيد مُش هاتسيبه همست مصعوقة: -بعد اللي عملته؟! أولاها ظهره يعدل قميصه ثم صدح صوته كالسوط على كرامتها كأنثى وأم: -متهيألي إنها مش هي اللي خطفته، الموضوع عدا خلاص، لازم تنسيه زي ما كلنا هاننساه يا مها ثم إنصرف دون أن يعطيها مساحة لأي إجابة!
فاتسعت ابتسامة رودينا التي وضعت يدها على بطنها تتحسسها بصمت يدفن أسفله الكثير والكثير... بينما شعرت مها أن هناك شيئ قد تحطم داخلها.. شيئ تدوي أصوات شظاياه التي لن تعود كما كانت، ابدًا!