logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 9 من 31 < 1 20 21 22 23 24 25 26 31 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية مواجهة الأسد إستسلام غير معهود
  07-01-2022 04:13 صباحاً   [67]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

كان عمر ينظر ل حسين مصدومًا بحق، لا بل مجروحًا بعمق ينزف حتى الموت!
توقع كل الاشخاص، توقع الغدر، ولكن لم يتوقعه هو يومًا!
لم يتوقع أن اليد التي شاركته الطعام ذات يوم هي من ستطلق السهم بمنتصف صدره لتشقه لنصفين يصعب إلتئامهم!
كان عيناه تخور سوادًا..
ذاك اللون الذي يظهر عادةً كخلفية لغضبًا أشبه بالحمم البركانية!
بينما كان حسين يقف أمامه واضعًا يداه في جيب بنطاله الجينز..

يراقب بعينان أسوء من مُعَذب يتشفى في مُعذِبه بعد مرار!
لدرجة جعلت عمر يحاول إنعاش ذاكرته عله يتذكر أنه قتل له شخصًا غاليًا، ولكن والله لم يفعل...
منذ أن اٌغلقت تلك الصفحة وتكون عليها أتربة التوبة لم يحاول إزالتها ابدًا!
واخيرًا استطاع الهمس وهو يجاهد حروفه للخروج:
-أنت! أنت يا حسين
اومأ حسين وقد بدأت أبتسامة سمجة باردة أشعلت رغبة عمر في كسر فكه ذاك وقال بنبرة تحمل نفس البرود:.

-أيوة انا، حسين بشمحه ولحمه يا عمر باشا
سأله بهمس مبهوت وكأنما يحتاج دليلاً أقوى:
-أزاي! ولية اصلاً؟
اومأ حسين موافقًا وبكل ما يعرف من برود صُب في كلماته وهو يخبره:.

-بما إنك غالي عليا هقولك، من البداية وأنت خطر عليهم، عشان كدة كان لازم انا اجي اقولك ان في شغل مناسب ليك وانت بما انك واثق فيا تيجي تشتغل و ندبسك في حاجة تجبرك على الشغل معانا حتى لو مؤقتا، لكن أنت بوظت كل حاجة لما هددتني تفضحنا، وبالنسبة ليهم مفيش أسهل من دمار حياة الناس، فعشان كدة أنا بعمل اللي بعمله ده بأوامر منهم
وتحرك لسانه بتلقائية يسأله:
-يعني أنت كنت معاهم من البداية؟ مش ضدهم زي ما فهمتني.

إتسعت ابتسامة حسين الخبيثة، حتى كادت تتحول لضحكات تجعل الدماء تغلي بعروق عمر، إلى ان قال:
-أنا مش زيك يا عمر، مابعضش الايد اللي اتمدت لي ابدًا
صرخ فيه عمر منفعلاً:
-أنت كلب، واطي الفلوس هي اللي بتحركك، وجبااان
لم يتخلى حسين عن ابتسامته وكأنه يتلقى مديحًا حارًا، ثم أردف ببرود يكاد يغطي النار التي تشق عينا عمر:
-مقبولة منك، يا صاحبي!
كز عمر على أسنانه بغيظ شديد حتى برزت عروقه وهو يزمجر فيه:.

-لو راجل فكني وماتبقاش جبان
هز رأسه نافيًا وبصوت اشبه لفحيح الافعي اخبره:
-لا لا، أنا هعمل فيك جميل تاني، هديك صنف إنما اية، هيطريلك دماغك
همس عمر وقد ألجمت الصدمة لسانه:
-مخدرات!
اومأ حسين مؤكدًا، ثم قال والخبث يظهر كذئبًا بشريًا بين عيناه:
-ايوة، المخدرات اللي انت طول عمرك كارهها، بعد كدة هتطلبها اكتر من اي حاجة
ثم اشار للرجل بطرف اصبعه، ليتقدم شخصًا وبيده - حقنة - تحمل ذلك السم البطيئ!

بمجرد أن أبتعد عبدالرحمن بالسيارة عن منزل شهد قليلاً، حتى أوقف السيارة فجأةً في شارع جانبي خالي من البشر تقريبًا، ثم أغلق زجاج السيارة!
نظرت له رضوى متفاجأة، لم يكن بطبيعته ابدًا، كان قناعًا غريب لأول مرة يتلبسه يظهر أمامها!
عيناه كانت تغيم بالكثير والكثير وهو ينظر لها محدقًا بها وكأنه يراها لأول مرة...
ولكن شعورًا واحدًا كان في قائمة الاسثناء من الألغاز تلك، الأحتياج!

كان الأحتياج ظاهرًا في عينيه وامامه بريقًا غريبًا...
بريق الضعف الواهن الذي يجعله غير قادرًا على أظهاره حتى!
لم تكاد تسأله:
-مالك يا عبدالرحمن في إيه؟
حتى وجدته يجيبها بأسرع طريقة هو كان في أكبر شوقه لأستعمالها لا غيرها...
أخذ يقبلها بقوة، وضعف، وأحتياج، كم مشاعر متناقضة جعلتها متخبطة بين عنف تلك المشاعر التي اجتاحتها فجأة!

ويداه تُقيد خصرها وكأنه يخشى أن تهرب منه فتتركه شريدًا تائهًا بين ظلماته لا يملك نورها الساطع...
وبتلقائية وجدت نفسها تبادله تلك القبلة وكأنها حتى الان طفلة تتعلم حروف أبجدية العشق!
إلى أن أبتعد عنها قليلاً يلهث بصعوبة، فهمست هي متأوهه بأسمه:
-عبدالرحمن...
ولم يكن يحتاج أكثر لينقض عليها مرة اخرى يشبعها تقبيلاً، دون أن يشعرا بأي دقائق تمر!

واخيرًا حسه ذلك الوضع اجباريًا على الإبتعاد، لينظر لعينيها التي كانت تشمله بنظرة خاصة له فقط!
ويداه تتحس ظهرها طوليًا جعل قشعريرة باردة تسير على طول عمودها..
أبتسم اخيرًا بلا مرح ليهمس لها بصدق:
-كنتِ وحشاني، أوي
أبتسمت برقة تليق بها لترد:
-وأنت أكتر يا حبيبي
ضيق عيناه وهو يحدق بها، ثم قال بنبرة ذات مغزى:
-اممم عشان كدة كنتي مطنشاني خالص، لما أتصل بيكِ حتى تردي؟!

لاحظت اللوم في نبرته، ولكن ما باليد حيلة، المصائب تسقط على رأسها وكأنها سياجٍ طويل وصلب بينها وبينه، فأصبحت مشتت نفسيًا، وجسديًا ايضًا!
حكت جبينها مغمضة العينين ثم صدح صوتها مُرهقًا مما جعله يتريث بها قليلاً:
-أنا مش لاحقه أشرب مايه حتى، جيت مع البت زفته قعدت مع مها وروحت لشهد، المصايب عمالة حاجة ورا التانية تقع على دماغنا
أمسك بيدها يتحسسها بحنان خضعت له كل جوارحها الضعيفة، ليتابع بهدوء:.

-معلش يا حبيبي، فترة وتعدي بأذن الله
اومأت بشبح ابتسامة ثم رددت خلفه:
-بأذن الله
عاد يسألها فجأة وكأنه تذكر لتوه:
-صحيح لاقوا سيف ولا لا؟
تأففت بضيق ثم أجابته، وقد أصبح اليأس جزءًا لا يتجزء من حروفه الساطعة بالأمل دومًا:
-لأ، اصلاً ماما مش بترد عليا ولا حد فيهم، يادوب قالتلي انهم بيدوروا عليه في المنطقة وقفلت.

تنهد بقوة، إن كان هو لم يعد يحتمل كل هذا في آنٍ واحد، فماذا عن كائن خُلق وفي عرفه عنوانًا واحد يشكل حياته الضعف !
وإن كان المشاكل مجرد ريحٍ الصبا، فستنهار حتمًا والله...
نظر لها هاتفًا في محاولة لإختلاق المرح في جو خالٍ من أي ذرة راحة نفسية لكلاهما:
-اممم طب يلا بقا فكي التكشيرة دي، أنا راجل فرفوش ومابحبش جو يحزنون ده
أبتسمت وظلت ملتزمة الصمت، ليملس على وجنتها مردفًا بثقة:.

-ربنا هيفرجها من عنده صدقيني، أنا واثق
عند هذه الجملة ربطتت كل آهٍ وألم داخلها بسلسلة لا تُفك من الإيمان بالله ثم لإيمانه الذي يخترقها فيمدها بطاقة فجائية!
فأومأت مرددة خلفه كطفلاً ينصت لوالده الحبيب:
-يارب، طب يلا بقا عشان أنا جعانة نوووووم
إتسعت حدقتا عيناه بشكل مضحك، ثم زجرها بعصبية مصطنعة:
-نعم يااختي؟ ه إيه؟ قوليها كدة تاني معلش واقع على وداني أنا وصغير
ظلت محتفظة بابتسامتها وهي تهتف ببراءة طفل:.

-هنام يا حبيبي هنام
إلتفت لها فجأة يقول كازًا على أسنانه بغيظ:
-نامت عليكِ حيطة يا حبيبتي، يعني أنا بقالي ساعة بقولك وحشتيني، ومابتسأليش فيا، وقاعد بصبر فيكِ بقالي سنة عشان تقوليلي هنام
لم تستطع كتم ضحكتها التي إنفلتت منها، فحاولت الهتاف بحروف ثابتة وسط موجة الحزن التي كادت تغرقها بها:
-يوه! امال أنت عايز إيه يا بودي؟

غاصت عيناه بعمق في أطيافًا من العبث، مع ازدياد إتساع ابتسامته والتي هي عنوانًا واضحًا لأشتعال الخبث بين مسامه، فقال غامزًا لها:
-لما نروح هقولك كل حاجة وهوريهالك عملي كمان يا قلب بودي
صدح صوت ضحكاتها الخجولة متناسية ما تمر به مؤقتًا، بينما هو يراقبها بحنان...
نجح اخيرًا في رسم أفضل لوحات السعادة على وجهها الذي لا يليق به سوى ذلك..
وإن كانت فراشاته نفسها تعاني من نفس الألم والمرض!

بعد مرور يومان...
دلف جاسر إلى غرفة أسيل، مندفعًا وفي قرارة نفسه يجب أن يصل لحل أوسط، يجب ان يسير عن نصف الطريق المُلك حرفيًا!
ومن دوم مقدمات فتح الباب ليجدها تلف جسدها بالمنشفة...
سقط قلبه ارضًا من روعة مظهرها، قطرات الماء تتساقط على جسدها الرائع وشعرها الذي طالما عشقه مُبلل يحتضن وجهها...
ومن فزعها أسقطت المنشفة، فبقيت امامه عارية تمامًا!

وسرعان ما كانت تسحب المنشفة مرة اخرى، ونظراته كانت كفيلة أن تجعل الاحمرار يزحف لوجهها الابيض..
تسارعت دقاته بشكل مخيف حتى كاد يتوقف عن العمل، وعيناه لا تحيد عن جسدها الابيض الذي يظهر نصفه من المنشفة الصغيرة...
ظل ينظر لها عله يحتفظ بتلك الصورة بين جفونه، لعل وعسى تهدئ نار شوقه المستعرة منها!
ولكن وكأنها زادته اشتعالاً، رؤيتها بهذا المنظر كانت كفيلة أن تمحي دهرًا من القرارات والأسباب عن عقله...

بينما هي كانت وكأنها سقطت في مستنقع الحرج الأحمر، ولسانها شُل تمامًا عن الكلام...
أي كلام ذاك؟!
هي أصبحت تجهل حروف الأبجدية، لا تعلم سوى انها تقف امامه شبه عارية، تخترقها عيناه لتأكلها اكلاً بلا صبر!
واخيرًا استطاعت التغلب على تمرد حواسها وهي تسأله بحنق مُحرج:
-أنت، أنت اية اللي جابك و ازاي تدخل كدة على طول؟
نسى، نسى تمامًا ما أتى إليه!

هربت الحروف من لسانه، وكسر دائرة الصمت وهو يقترب منها مرددًا بخشونة:
-هو حرام أدخل الاوضة ولا إيه!؟
إبتلعت ريقها هامسة:
-لأ بس تخبط حتى قبل ما تدخل
أصبح امامها تمامًا، داخله شيئ ما يحترق بقوة، بداخله وحش كاشر تكونت بنيانه من الشوووق...
الشوق الجارف ذو شعوران متلازمان، الجرف والقسوة، ودوائر يدور داخلها دون نهاية محسوبة!

وضع يداه يحاصرها عند الجدران التي احتضنتها ببرودتها، بينما السخونة تمتد لأطرافها اكثر فأكثر...
إلتصق بها كعادته، ثم دفن وجهه عند رقبتها يشتم رائحتها الفواحة..
بينما هي قشعر بدنها من لمساته، فأغمضت عينيها بقوة، لترتجف وهي ترجوه بضعف:
-جاسر...
كان نطقها لحروف أسمه بهذه الطريقة أكبر ثقابًا زاد من إشتعال ما تبقى من التماسك والسيطرة..
كالنقطة التي ما إن وضعت حتى اكتملت الحجة الباطلة بالأقتراب!

ورغمًا عنها هي خرجت حروفها مترجية بنبرة يأسة، ولكن وكأنها ترجوه أن يكمل!
حملت تلك الكلمة رغبتان متضادتان، وما بين الرغبة والرفض همست هي متابعة:
-أبعد، عني
ولكنه امتثل لطلبها الخفي بالقرب، فازدادت لمساته جرأة، يتلمس كل جزء من مفاتنها والرغبة تزداد لتحرق كلاهما!
إمتدت يده لطرف المنشفة ليبدأ بفكها ببطئ شديد..
بطئ مهمته البائسة الوحيدة هو زيادة توترها، واستسلامها!

ولكنها شهقت مستديرة لتوليه ظهرها قبل أن تهتف بصوت ذو بحة يعرفها جيدًا:
-لااا، ماينفعش
رفع أصابعه يسير بطرف اصبعه على ظهرها العاري، وهي ترتعش تحت ثقب لمساته المترقب لأي تجاوب..
ولكنها انتفضت مبتعدة عنه وهي تهمس بحبور:
-جاسر، ارجووووك
رفع حاجبه الأيسر متساءلاً:
-إيه؟
اجابته مندفعة بتهور لا تعي تلك الحروف التي خرجت في مسارها الخاطئ:
-ماتلعبش على وتر الانثى جوايا!

وهنا إنفجر قلبه مهللاً، دقاته تدق بقوة ك طبول الحرب، والابتسامة الخبيثة تتسلل كشبحًا طال غيابه غيابه على ثغره...
هي تتأثر به، وحاليًا هذا يسد خانة غروره الذكوري!
أقترب اكثر منها يلفها له ثم اغرقها في عناق قوي مستبد...
لم ينكر محاولتها في التملص منه، ولكنه لن يتركها!
هجم على شفتيها يسحق رحيقها برقة تذيب الحجر، ويداه تعزف على مفاتن جسدها ببراعة...

نجح في إزالة تلك المنشفة اللعينة التي تفصله عنها، ليحملها معه ويضعها على الفراش، وهي مغمضة العينين تحاول إبعاده، شيئ ما داخلها ينتفض بقوة رافضًا، وركنًا ما يزداد في الأمتلاء يُسيب أي رفض لها!
وبالنهاية، اُعلن النصر، لبراعة جاسر في أذابة جليد شعورها، وقد نالها وانتهى الامر!

هب أحمد منتصباً أحمد على صرخة اخرى ل مها التي هبت منتصبة من نومتها القصيرة..
لم تكن المرة الاولى ويبدو انها لن تكن الاخيرة التي تستيقظ فيها صارخة بأسم سيف ...
طفلها الغائب، سالب قلبها وروحها معه!
أحتضنها احمد بذراعيه، في محاولة للسيطرة على نوبة الهلع والهيستيرية التي كادت تبتلعها...
ولكنها نفضته عنها وهي تصرخ فزعة:
-لا، أنا عايزة سيييييف، هاتولي أبني حرام عليكوا.

تنهد بيأس، هو ينهار داخليًا ولربما أكثر منها، ولكنه يحزم أطراف الانهيار ذاك داخل روحه..
حتى كاد ينفجر قهرًا، يبحث ويبحث، يلف ويدور حول المدينة كاملة...
ولكن دائمًا يقابل تلك الاجابة التي تحطمه داخليًا دون رحمة غير موجود
ولكنه صامد كجبلاً كثرت المتاعب عليه فصار يهتز داخليًا!
اما هي، هي تخضع لطبيعتها الأنثوية، لا قدرة لها على التحمل..
وليس أي تحمل، تحمل الفقدان المرير!

إلتفت لها يمسك وجهها بين يديه ليهتف بولع:
-اهدي يا مها اهدي عشان خاطري مينفعش الانهيار ده
جنوووون، جنون ذاك ما يحتل أطرافها ويشعلها بلهيبه، عن أي هدوء يتحدث!؟
لا يوجد معنًا للهدوء الان في عرفها..
ثوران، هذيان، صراخ ونحيب فقط ما تعرفه حاليًا!
فصرخت فيه منفعلة بجنون:
-متقوليش اهدي، مش ههدى مش ههدى.

تمنى من داخله لو أبرحها ضربًا على صراخها هذا، لو عاد لطبيعته الهمجية، ولكن حالتها تلك هي من تقيد يداه عن الانقضاض عليها، فقط حالتها!
تنهد بقوة في محاولة منه للتمسك بذاك الثبات الذي كاد يفر هاربًا، ثم قال بصوت يجيش ألمًا لمسته هي في نبرته:.

-مها، أقسم بالله أنا حاسس بيكِ وبوجعك على أبننا، وياريت تحطي مليون خط تحت أبننا دي، يعني أنا بعاني زيك بالظبط واكتر لكن بكتم وبتماسك عشانك انتِ بس، ثم انك شايفاني مش بقعد في البيت اصلاً 24 ساعة بدور عليه، ف المفروض تساعديني مش تضعفيني!
تعلم صحة كلامه، بل تتيقن منه، ولكن ما باليد حيلة، قلبها يرتجف صرعًا بمجرد التفكير في إختفاء نبض قلبها الوحيد..

نظرت له بأعين لامعة بدموع حارقة قبل أن تهمس بصوتها المبحوح:
-غصب عني، أنا بموت في اليوم ألف مرة صدقني، بموت وانا معرفش هو فين، كويس ولا لا، جعان ولا شبعان، بيعيط ولا هادي
احتضنها بقوة علها تنغمس بين طيات حنانه فتهدئ قليلاً...
بينما في الخارج نهضت رودينا على طرقات الباب المسرعة، تأففت بضجر، ألا يكفيها ابتعاد أحمد عنها هذه الأيام، فيأتوا هم ليزعجوها ايضًا!؟
فتحت الباب لتُفاجئ ب رضوى تندفع دون مقدمات..

لا يوجد مقدمات اصلًا لمصيبة كارثية ك تلك التي حلت على رؤوسهم جميعًا!
فصاحت رودينا منزعجة:
-ده اية ده؟! هي وكالة من غير بواب ولا إيه يعني!
بينما اتجهت رضوى تطرق باب الغرفة دون أن تعيرها ادنى اهتمام...
ثم همست ردًا على كلامها البارد والذي لا يتناسب مع طقس موقف كهذا:
-أشوف بس مها وأطمن عليها وحسابك معايا بعدين يا حرباية البقر إنتِ.

فتح لها أحمد الذي كان يعلم وجودها مسبقًا، فأشار لهم نحو الداخل هاتفًا بصوته الهزيل:
-اتفضلي يا رضوى، مامتك جوه بتعمل لمها حاجة تاكلها
سارعت رضوى تهرول نحو مها التي لم يهتز لها جفن، وكأنها اصبحت ثابتة لا تهتز سوى بأمكانية ايجاد سيف أو عدمه!
ظلت تحتضنها وهي تهمس بألم على مظهر مها:
-يا حبيبتي، ربنا يعينك ويرجعهولك بألف سلامة يارب يت مها بحق حرقتك دي.

بينما مها لم تنتبه سوى بالحضن الذي احتواها، بتلامسها الجسدي الذي وكأنه سلب منها شحناتها المتسببة بالهذيان، فاستطردت بصوت يكاد يسمع:
-ابنب خلاص ضاع يا رضوى مش لاقينه خالص
اقتربت منها رضوى تمسح على شعرها بحنان لم تتصنعه
فيما شددت مها من احتضانها فقط، تحتضنها بكل قوتها تحت سيطرة ذاك الصمت القاتل!
وبعد وقت تركتها فانسحبت رضوى بصمت، الشك يوازي الدماء يجري بأوردتها، نفس شك مها تجاه تلك الحربائة رودينا!

خرجت لتجدها تجلس وتشاهد التلفاز بكل برود وكأن شيئًا لم يكن...
فتنحنحت وهي تجلي صوتها قائلة:
-امممم إيه يا رودرود مش تعملي لضيوفك كوباية شاي ولا ساقع ولا كوباية مياة حتى!؟
اجابتها رودينا بسماجة:
-أنتوا جايين تطمنوا على سيف ومها ولا جايين تتضايفوا؟
إبتلعت رضوى تلك الغصة المريرة بحلقها، وتخطتها مسرعة وهي تقول بنبرة ذات مغزى:.

-طب إيه رأيك يا رودرود تيجي تتسوقي معايا، بما ان مها ربنا يتولاها لحد ما أبنها يرجع
عقدت رودينا ما بين حاجبيها متعجبة، كلام رضوى يناقض ذات الخوف الذي يتزعزع بين جوفيها على أختها الوحيدة، ماذا إذن؟!
وكأن خياشيمها الشيطانية اشتمت رائحة فخ تفوح من بين حروف رضوى، فابتسمت ببرود وهي تتشدق ب:
-ماهو معلش أصل، آآ
قاطعها صوت أحمد الذي صدح من خلفهم قائلاً بفتور:.

-روحي يا رودينا لو حابه اتسوقي معاها، ماتشغليش بالك إنتِ
ثم رمق رضوى بنظرة امتنان على إفراغها للساحة قليلاً حتى ينفض رأسه من طلبات ونداءات رودينا الغير عابئة..
اما هي فشعرت انها في مأزق حقيقي، فحاولت التبرير بأحراج:
-لأ طبعا أفرض، أفرض مها احتاجت حاجة وأحمد مش هنا
لاحظا كلاً منهم ابتسامته الساخرة التي إحتلت ثغره قبل أن يجيبها بقوة جادة:.

-لأ، ماهو والدتها قالت جوة إنها هتقعد معاها مش هتقدر تسيبها في الحالة دي لحد ما نلاقي سيف
نظرت رودينا لرضوى لتجدها تنظر لها بانتصار مفعم بالخبث..
فتنهدت مستسلمة تقول:
-ماشي هروح معاكِ...
ولم تعي أنها اعطتها مفتاح حياتها دون أن تدري، لتذقيها من نفس الكأس، قليلاً فقط!

وما أفظع الشعور أن الموت يقترب منك رويدًا رويدًا، ك سفينة بدأت لتوها للغوص في قاع بحرًا وببطئ شديد يثير الذعر مساندًا لرهبة الموت!
كان كذلك شعور عمر في تلك اللحظات والرجل يقترب منه بتلك السموم اللعينة، ود لو يموت في نفس اللحظة ولا يدع نفسه أسيرة رحمتهم يرجوهم أن يشفقوا عليه بتكثيف جرعة العذاب...
وما إن أمسك به كان يشعر كما أن ملك الموت تشتد قبضته على عنقه، فصار يصرخ بجنون فيه:.

-لااااا، أبعد يا كلب، سيبني شيل أيدك عني، لاااااا يا حيووواناااات
ولكن بالطبع ما من مجيب، كانوا أشباحًا تغطي إنسانيتها بغطاء أسود ثقيل، ثقيل جدًا لا يروا منه سوى الأوامر القاتلة!
بدأ عمر يهمس بأسم واحد لاح في سماء عقله الذي بدأ يتخدر ببطئ:
-شههد، شهد!
ولم يعد يشعر سوى بالسموم تنغرز في جسده، تعرف مهمتها جيدًا وتنفذها حرفًا حرفًا، تعذبه ببطئ مثير للشفقة!

حتى غاب عن الوعي تمامًا، هاربًا منهم في ذلك العالم الواهي..
إلتفت أحدهم إلى حسين الذي بدا وكأنه يشاهد فيلمًا عربي حزين، ولكنه لم يكن يسمح لملامحه باظهار تأثره ولو للحظة واحدة!
فسأله بخشونة تليق بقسوة حجر:
-هنديهاله امتى تاني؟
تنهد طويلاً وعيناه لم تغب عن مرمى عمر، إلى أن قال بشرود:
-أنا هبقى اقولكم لما يجي وقت الحقنة التانية
اومأ الأخر موافقًا، ولكنه جادله مفكرًا:
-نديهاله كل 8 ساعات عشان تأثر فيه أسرع؟

لم يشعر بنفسه وهو صارخًا بوجهه بغضب كاد يحرق وجهه من شدة عاصفته:
-اخرررس يا حمار، أنت كدة هتموته مش هتأثر عليه بس!
اومأ مسرعًا وهو يحاول تفادي غضبه:
-خلاص خلاص، أنا كنت بقترح بس
رفع يده في وجهه محذرًا يشدد على كل حرف من حروفه:
-ماتعملش حاجة من غير ما أقولك، وإلا قسمًا بالله هتدفع التمن غالي، جدًا
اومأ الاخر مؤكدًا بقلق:
-طبعا طبعا يا حسين باشا
ثم غادر على الفور، ليترك حسين يحدق بعمر مبهوتًا للحظات...

من ظن أن الجرم فعلة هينة تزول بالنسيان؟!
بل هي ختمًا مؤلمًا وحادًا ينقشه قدرًا كُتب فيه المرارة فقط!
ظل ينظر له هكذا، مظهر عمر بهذا الشكل المخزي لم يجعله سوى طفل الإنسانية بداخله يبكي قهرًا على الرحمة التي ذبح أخر طرف حياة لها الان...
نعم طفل، هو رجل شاب، ولكن الإنسانية بداخله ربما لا تتعدى انسانية طفل حتى!
ولم يشعر بنفسه سوى أنه يهمس:
-أسف يا عمر.

أستدار مسرعًا، لحظة واحدة اخرى إن مرت وحُسبت في عداد حياته، ستنحاز لصفًا من القرارات العادلة بعد فترة غياب طويلة!
وبالطبع هو لا يرغب ذلك، هو لا يرغب الموت غرقًا هكذا فداءًا لصديق أحمق!


look/images/icons/i1.gif رواية مواجهة الأسد إستسلام غير معهود
  07-01-2022 04:13 صباحاً   [68]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس

كانت رضوى تقف امام مرآتها تهندم نفسها استعدادًا لخروجها مع تلك الحربائة التي تدعى رودينا ..
حتى الان خطتها تسير على ما يرام، تدعو الله أن تكتمل على نفس المنوال، لتكون - قرصة ودن - صغيرة جدًا نسبةً لأخطاء مهولة تُطبع بأسم رودينا !
وكان عبدالرحمن مستلقي على فراشه يضع يداه أسفل رأسه..
يكاد يُقسم بصعوبة فهم الأنثى، وخاصةً وهي تُخطط لشيئً ما هكذا!
قطع هالة الصمت المحيطة بهم بسؤاله الهادئ:.

-بردو مش هتقوليلي عايزة تعملي إيه؟
رفعت كتفيها دلالة على انها لا تفهم مقصده، ثم ردت:
-عايزة اعمل إيه ازاي؟! مش عايزة أعمل حاجة أكيد
حك ذقنه وهو ينظر لها متابعًا تساؤلاته:
-عايزة تفهميني إنك فجأة كدة عشقتي درة أختك وهتخرجي معاها؟
هزت رأسها نافية ببساطة:
-لا ابدًا، أنا هعمل شوبينج معاها بس عشان مها مش في حالة تسمح لها إنها تروح معايا وأنت هتقوم تروح شغلك.

إجابتها مقنعة، ولكنه لا يقتنع بأجابة آلية مُجهزة سابقًا بأمرًا من عقلها اللئيم احيانًا...
فنهض يردف بجدية:
-إديكِ اهو قولتي سبب كمان، أختك منهارة ووالدتك باتت معاها عشان تطمن، ف إنتِ عادي هتخرجي تعملي شوبينج في التوتر ده؟!
نهضت متجهة له بابتسامة هادئة ولكنها خبيثة مخيفة في آنٍ واحد، ثم همست بصوت عاديًا ؛
-حبيبي ده مجرد شوبينج بس، مش هتفسح يعني.

رفع يده يتلمس وجنتاها الحمراء قليلا، ليبادلها الهمس الحنون:
-أنا قلقان عليكِ يا رودي
أتسعت ابتسامتها، لترد عليه على الفور محتضناه بقوة:
-مش عايزاك تقلق خالص لإني بعمل الصح يا قلب رودي
اومأ موافقًا ثم أبتسم بهدوء أبتسامته التي تسحرها، وأكمل:
-لما تخلصي ابقي اتصلي بيا هاجي اخدك من هناك
اومأت موافقة، ثم قبلته بنعومة على وجنته وكأنها تختمه بصك ملكيتها ثم قالت مودعة:.

-ماشي يا حبيبي، الفطار برة أبقى افطر قبل ما تنزل، سلااام
ثم غادرت من أمامه بكل هدوء، لينهض هو متجهًا للمرحاض ليغتسل، ولا يدري أي شعور ذلك يرافقه منذ الصباح بالقلق، كظلاً لا يفارقه منذ أن استيقظ!؟
زفر بقوة وهو يستغفر الله بخفوت، ولكن ذاك الثقل لم يختلج من بين جنبات صدره مغادرًا، بل إرتكز أكثر مع مرور الدقائق!

كان سيف يقف كالقط المذعور في الشارع، يراقب بعيناه زينهم وأصدقاؤوه وهم يسرقوا بمهارة أكتسبوها من الممارسة، كان قلبه ينبض بعنف، لازالت الألام تدق جسده وكأن ذلك السوط مفعوله سحري لن يختفي!
لاتزال تلك اللحظات تتردد بعقله الطفولي الصغير كرعد مُعذب..
يشعر وكأن تلك الكرة تُعاد مجددًا، روحه تُسلخ من أسفل جلده بفضل ذاك السوط الحاد بلا رحمة!
سمع صوت زينهم الذي أصبح بالنسبة له الشبح المحذر من العذاب:.

-أنت ياض تعالى هنا
ركض نحوه مسرعًا مطرق الرأس، فيبدو أن ذاك السوط لم يترك أثرًا على جسده فقط بس على شخصيته ايضًا!
فتابع زينهم مشيرًا له على احدى الرجال:
-بص الراجل ده شنطته اللي فيها الفلوس الصغيرة دي معلقها على أيده، هتروح تاخدها وتطلع تجري، سامع؟
إبتلع سيف ريقه بصعوبة، وكاد يعترض وهو ينظر له متوسلاً:
-يا زينهم ه
ولكن نظرته، نظرته فقط كانت كفيلة بذبح أي اعتراض كاد يولد من بين شفتيه...!

فأومأ مطيعًا بكسرة لا تُوصف:
-حاضر، بس ممكن تبقى قريب عشان، عشان هيمسكني، وهيضربني زيكوا
ولم يعرف زينهم كيف تسللت الشفقة لقلبه الميت أصلًا!؟
كيف جمدت أطرافه بمهارة، كيف سمح لوتيرة الرحمة أن تأخذ مكانها بحياته!
منذ متى اساسًا والمشاعر تتخذ مساحة من روحه الملغمة بالأخطاء!
ولكن ربما الذنب لجملته تلك التي كانت كسهمًا يعرف صوابه إنطلق ينشر بخلاياه ذرة واحدة من أي شعورًا للأنسانية..

ولم يدري أيضًا كيف أوقف سيف عند أخر لحظة وهو يناديه:
-أستنى ياض هنا
إلتفت له سيف متلهفًا:
-مش هتخليني أروح صح يا زينهم؟
تنهد بقوة مستسلمًا لذاك المستنقع الذي سقط فيه رغمًا عنه قائلاً:
-أيوة، تعالى معايا أنت هتروح مع العيال اللي بيشحتوا، انت مش هتعرف تعمل غير كدة اصلاً.

ظهر بريقًا مبهوتًا، وإختنقت الكلمات بحلقه من رهبة من أمامه، بالرغم من مقاربة الأثنان، من سيئ لأسوء، ولكن الفارق نقطة، فقط نقطة تُحسب للأفضل!
فقال بصوت طفولي ممنون:
-مش مهم، المهم إني مش هتضرب تاني، شكرًا يا زينهم
أحمق ذلك القلب الذي يدق تعاطفًا مع شخص يسلك نفسه سبيله السابق!
أحمق بالفعل إن ظن أنه بأمكانه الأنقاذ، تلك المهمة لا تُعطى لعبد ضعيف مثله، ابدًا!

صرخ زينهم بتلك الكلمات في خلده، وداخله صراعًا يكاد يحطم عقله الأهوج، صراعًا قويًا كالأمواج والعاصفة كلاً منهم تستخدم مبرراتها...
سار مع زينهم عائدين لنفس الخرابة ليصدح صوته يرسل الرجفة في نفس سيف، صوت - المعلم- كما يلقبونه يقول:
-أنت ياض أنت وهو إيه اللي رجعكم بدري كدة؟!
سحب زينهم نفسًا عميقًا من الهواء ثم زفره ببطئ ليرد بحروفًا حاول إخراجها ثابتة لا تقبل الشك:.

-أنا جيت اجيب الواد ده للمجموعة التانية يا معلمي
سأله بخشونة:
-لية يا زينهم؟ ومن غير ماتقولي كمان!
هز رأسه نفيًا بسرعة، ليبرر:
-لأ طبعًا ماعاش ولا كان يا معلم، بس هو كان هيودينا ف داهية، ف أنا قولت أجي استأذنك اوديه يشحت مع العيال الصغيرة أهو حاجة سهلة يعرف يعملها
اومأ مفكرًا، ثم بدأ يحك ذقنه وبعد صمت دام قليلاً رد موافقًا بصوته الأجش:
-ماشي روح وديه، وتاني مرة ماتعملش حاجة من دماغك يا زينهم هه.

اومأ زينهم مسرعًا:
-طبعًا يا معلمي طبعًا، أنا تحت أمرك
وكان داخله يضحك بانتصار مُهلل، اخيرًا نجح في تحقيق شيئ اراده، شيئ واحد فقط يثبت له مقدرته التي شك بعدمها!
بينما كان سيف مدهوشًا من تعاطف زينهم، الصدمة ألجمت لسانه...
كان يشك إن كان ينتمي للأدمية من الأساس، ولكنه الان وبكل فخر أثبت له ان الانسان المدفون بداخله تحت طيات الدناءة لازال حيًا!

جالسًا هو في احدى الشوارع بملابسه المتسخة، يده مرفوعة بتلقائية نحو المارين، ولسانه يردد بآلية مرتعدة كما أمروه، بينما عيناه، رباه من عيناه همًا اخر لوحدها!
تشكو بصمت قاتل، تصرخ بألم طفولي من كرامة دُنست بعنف، وكبرياء قُتل قبل أن تكتمل ولادته...
ظل على هذا الحال مدة طويلة تحت الشمس الحارق التي أكملت دورة تعذيبه التي يبدو أنها لن تنتهي بسهولة...

حتى لم يعد يشعر بنفسه وهو يسقط مغشيًا عليه من تأثير الشمس التي لم يعترض لها هذه المدة القاسية من قبل!

كانت أسيل تجلس على الفراش متكورة بشكل الجنين، ذاك الفراش الذي شهد وبكل وضوح فقدانها الغالي لشيئ كانت تحاول الاحتفاظ به لحبيبها فقط، فقط هو من يستحق أن يناله!
ولكن ذاك الدخيل الذي يُدعى زوجها، نال ما لم يكن من حقه بكل جبروت...
مارس عليها سحره الرجولي ليخضعها بكل ذل ومهانة، أستقبل خجلها الفطري في ملامسة لأول مرة تحتك بجسدها على وتيرة الرغبة اللعينة!

أي ظلم هذا؟، تبًا له، تبًا لم يترك لها شيئ في حياتها تستقل فيه..
أستولى على كل شيئ، كل شيئ!
لم يترك سوى قلبها، قلبها فقط الذي يحيطه هالة قوية تمنعه من إقتحامه، هالة من العشق المهزوم!
إزداد نحيبها المكتوم بقهر، كلما تذكرت تلك الليلة الملعونة إزداد سخطها على نفسها...
لا تدري كيف روضها هكذا ليجعلها كالخاتم في إصبعه يحركها كيفما يشاء ويتحكم فيها بسهولة!

تشعر وكأنها غازية يملؤوها الخزي من وصمت العار التي لُصقت بروحها عمدًا..
بينما كان جاسر يقف موليها ظهرهه عاري الصدر..
عيناه مصوبة نحو الشرفة وأصابعه تقبض على السيجار يدخن بشراهه...
صوت بكاؤوها والذي هو اكبر دليل على ندمها المحتوم كان كسكين بارد يُقطع نياط قلبه العاشق...
من المفترض أن يكون أسعد الأناس على الأرض، ولكنه أتعس الناس، يلوم نفسه على حقه الشرعي!

مهلاً، اي حق ذلك؟ هي حتى لم تعترف به زوجًا حقيقيًا...
بالكاد يصدق انه نالها، نالها اخيرًا وبعد طول إنتظار كان يحترق فيه شوقًا إليها!
ولكن للأسف جزءًا اساسيًا من سعادته مفقودًا...
أهم شعورًا يكتمل به محيط السعادة، الرضا، مفقود وبألم!
والدوامة البكاء تبتلعها أكثر واكثر حتى باتت شهقاتها تكاد تسحب روحها معها..
لك يحتمل أكثر فصرخ بها دون ان يلتفت لها:
-بسسس كفاية أسكتِ بقاا كفاااااية.

ويصرخ بها؟! يصرخ بها بعد كل هذا!
بعدما دمرها والبرود يكتنفه، ياللعجب، أصبحت هي المتهمة في نهاية المطاف!
نظرت لظهره امامها ثم قالت بصوتها المبحوح:
-لأ مش بس، مش بس ملكش حق اصلاً تقولي بس، حرام عليك بقا والله
شعر بنظراتها تحرقه، كان صوتها كافيًا ليصله الألم الذي تُعانيه، ليشعره كم الغيظ الذي يتشبعها الان تجاهه...
فهمس وكأنه يحادث نفسه في محاولة لإقناعها:.

-حرام عليا عشان بقيتِ ملكي، مراتي قدام ربنا زي مانتِ قدام كل الناس، عشان خدت حقي بس!
قال كلمته الأخيرة وهو يصرخ بأنفعال، يكفيه تضحية حتى الان...
لو كان التاريخ يُسجل لنال جائزة اكثر رجل مضحي بالعالم!
بينما هي بادلته الصراخ الحاد رغم صوتها الذي يكاد يختفي:
-اه حرام عليك، وماتقولش حقي، ده مش حقك طالما أنا ماسمحتلكش بيه
فجأة وجدت يلتفت ليمسك بذراعها يهزها بقسوة واضحة وهو يقول:.

-ماسمحتيش؟ بجد ماسمحتيش، أمال اللي حصل امبارح ده كان إيه هه؟
زمجرت بوجهه بعصبية:
-زي الإغتصاب
ظل ينظر لها للحظات مبهوتًا، إغتصاب!
أي اغتصاب هذا وهي زوجته بحق الله؟!
ألهذه الدرجة وصلت أزدال حقدها، لإتهامه بالإغتصاب علانية لتسد فجوة ضعفها أمام إكتساحه الراغب!
تلك الفجوة فجوة الألم داخل روحه المعذبة تزداد وتزداد، لا قدرة لها على إيقافها او مداوتها حتى، الصدمة كانت كفيلة بهمهمة إسكاته القاسية..

ورغمًا عنه سألها مصدومًا ببلاهه:
-إغتصاب! أنا كأني اغتصبتك؟
لم ترد عليه وإنما ظلت تبكي، فجن جنونه وهو يتخلص من اشباح الصدمة المتمسكة به صارخًا:
-بعد كل الصبر عليكِ لليوم ده تقولي أغتصاب؟ يوم ما ألمسك وبأرادتك تقوليلي أغتصاب؟ إنتِ ايييية!
خرج صوتها كعاصفة عاتية إنتهت ببرود صقيعي:
-أنا بنت، أنثى أنت استغليتها
فغر شفاهه هامسًا:
-استغليتها!؟
اومأت وحنجرتها تختنق أكثر وأكثر:.

-أيوة، أنا بنت، وعمر ما حد قرب مني بالطريقة دي، يعني أنا مش خبرة عشان أقاوم رومانسيتك ورقتك بكل جبروت، أنا مش حجر مش حلووفة أنا بنت زي أي بنت بحس
لم يشعر أنه حقير بمثل تلك الدرجة التي وصفته فيها الان...
ولم يتخيل يومًا أن يصبح حقير في نظر، زوجته!
نهض ملتقطًا التيشرت الخاص به في لحظات، ليس له القدرة على الحديث أكثر، سيختنق حتمًا إن فعل...

فغادر دون كلمة اخرى، تاركًا اياها تنعي حظها الذي أوقعها بين براثن عاشق مثله!

كانت شهد تجلس على الأريكة بجوار محسن، لا لا مهلاً بل داخل حضنه الدافئ والذي افتقدته مؤخرًا، افتقدت ذلك الدفئ كثيرًا، كثيرًا جدًا!
منذ وصوله وتقريبًا لم تفعل سوى الاستسلام داخل حضنه الذي احتواها بصمت...
تلعن ذلك الوقت الذي يجبرها على الإنتظار حتى تتحرك تلك الشرطة الملعونة للبحث!
رفع محسن ذقنها بأصابعه ليقول محاولاً اختلاق المرح:
-لا ده إنتِ شكل حضني عاچبك جوي بجى؟!

أبتسمت شهد بلا روح، ولكن رددت خلفه بتأكيد:
-اوي، كنت محتاجاه أوي يا محسن
صمتت برهه تحاول إيقاف بحر الدموع الذي كاد يتخطى سد القوة الواهية لتتابع بعدها بنفس النبرة:
-كنت محتاجة أحس إن في سند ليا، إني مابقتش لوحدي من غيره، أطمن نفسي بوجود حد جمبي إنه هيرجعلي، هيرجعلي ومش هيوجع قلبي عليه أكتر من كدة.

غامت عيناه بسحابة عميقة من التألم على توأم روحه، يبدو انها تعاني من فجوات لن يستطع أي شخص سدها سوى زوجها الحبيب الغائب، أو المختطف!
أمسك وجهها بين يديه ليقول بحنان:
-أنا جمبك، في أي وجت جمبك، حتى لو مش جمبك بالمكان أنا جمبك في جلبك يا جلب أخوكِ
تنهدت بقوة وهي تحتضن يداه بيدها، لتسمعه يردف مشاكسًا:
-بس أنا جربت ازهج من الجعدة إكده، كنت روحت دورت عليه انا ياخيتي احسن لي
هزت رأسها نافية بجدية:.

-لا، احساسي بيقولي إن اللي خاطفينه مش ساهلين، والبوليس هو اللي هيرجعه بأذن الله، أنا مش ناوية اخاطر بخسارة تانية أنا مش حملها يا محسن الله يخليك
اومأ موافقًا ليحاول طمئنتها:
-ربك معانا ماتجلجيش، وبعدين هو أنا أي حد ولا إيه يابت
هزت رأسها نافية بابتسامة ميتة:
-لا طبعًا يا حبيبي
ثم سرعان ما سألته بلهفة مشتاقة:
-طمني بس الجماعة عاملين إيه في البلد، ومراتك إيه اخبارها؟
اومأ بهدوء قائلاً:.

-كلهم بأحسن حال بفضل الله، كانوا عايزين يسافروا معاي، بس أنا ماضامنش الظروف فجولت لهم خليكم وأنا هفضل معاكِ لحد ما نلاجي عمر ونطمن بأذن الله وبصعوبة وافجوا اخيرا
اومأت شهد مؤيدة:
-ايوة فعلاً، لو كانوا جم ماكنوش هيقدروا يعملوا حاجة اصلاً
وقطع حديثهم صوت هاتفها الذي صدح، فنهضت مسرعة تركض نحوه عله يكون خبرًا جديدًا ينعش قلبها الذي كاد ينسحب من تلك الحياة البائسة كلها...

وربآآه من الصدمة التي تلقتها وهي ترى المتصل وتحملق بالأسم غير مصدقة تلك الحقيقة التي تُكتب امامها كنقطة بيضاء وسط واقع من السواد المهلك!

شهقت والشهقة حفرت روحها، كما حفر ذلك الأسم الذي لطالما خفق له القلب الصدمة في عقلها..!
للحظات هُيئ لها أن عقلها الباطن يخترع بعض الكذبات - البيضة - ليهون عليها ثقل قلبها الملكوم..
أقترب منها محسن متعجبًا من تبلدها مكانها ليسألها بخفوت:
-في إيه يا شهد مين ده اللي بيتصل؟
جملته إلتقطتها من مستنقع صدمة يغلي من التعجب لواقع عفاريته تصرخ فيها بالإسراع للرد!

وبالطبع كانت الأولوية للواقع دومًا كما كان هو المتقدم في الألم قبل الأمل..
ردت ويداها ترتعش لتخرج حروفها بصعوبة:
-عمر!
كادت تُكذب أذنيها عندما سمعت صوته يرن بأذنيها كطرب يحلو لها دائمًا بغض النظر عن كونه مُرهق حد الوجع!
-شهدي..
تأوهت بداخلها لصوته، لم تعتقد أنها اشتاقت له لهذا الحد في يومان فقط..
آآهٍ من نبرته المذبوحة بصمت قاتل، ومن الحروف التي تقر بالموت خلف ستار الصمت!

أغمضت عينيها وهي تعاود الهمس له بلهفة شبه هيستيرية:
-وحشتني أوي يا حبيبي، أنت فين، قولي مكانك وأنا هقول للبوليس
سمعت صوته يقول بوهن:
-أنا مش عارف أنا فين، بس أنا كويس، ماتقلقيش عليا هرجعلك قريب إن شاء الله
ويوعدها بما لا طاقة له ايضًا!؟
بالأساس أخر قشة كُسرت وهو يتصل بها ليظهر ضعفه رغمًا عنه، فأي وعود تلك!
و راحت تهتف بلوع متألم:.

-وحشتني اوي يا عمر وغيابك كسرني، مش هستحمل تقعد أكتر من كدة بعيد عني وأنا مش عارفة أنت فيك إيه!؟
تنهيدته المشقوقة اهتز لها جسدها كله، كانت نامية عن وجع وصل ذروته، وكتمان كاد يصل للأنفجار!
رغمًا عنها أغرورقت عيناها بدموعها الحبيسة منذ غيابه، ثم اخبرته:
-عمر ارجوووك، حاول تعرف أي حاجة نقدر نوصل لك بيها، عشان خاطر ربنا يا عمر، أنا بموت من غيرك والله
أخترقت همسته المختنقة اذنها:
-غصب عني!

هي متيقنة من ذلك، ولكن كل شخص له قدرة على الأحتمال، قدرة تنفذ عاجلاً ام أجلاً، وهي قدرتها نفذت!
بل كادت تسحب معها روحها لتكمل دورة منتهية من الأساس...
فقالت مسرعة:
-عارفة يا حبيبي، عارفة والله، طب طمني عليك أنت كويس؟! بتاكل طيب وبيعملوا فيك إيه؟
ياللسخرية، ماذا يفعلون معه؟!
لا شيئ، فقط يسلخون شخصيته الصلبة ليدمجوا ذاك الجسد الذي هو على حافة الدمار بأخرى ما هي إلا تبعًا وعبودية لأفعالهم الشنيعة!

ماذا يفعلون معه!؟
سؤال يحوي الكثير والكثير بين حروفه المتهالكة تضامنًا مع معناه..
ينحتوا أثارًا جديدة على روحًا لا تُنحت إلا بسنون الموت، الموت روحانيًا والجسد على قيد الحياة!
ترددت داخل الكلمات في خلد عمر الذي نفضها سريعًا وهو يقول بإيجاز غامض:
-ولا حاجة يا شهد، دي أمور تبع الشغل وهتتصفى كلها وهرجع مفيش حاجة بأذن الله
رددت خلفه بآلية:
-بأذن الله يا حبيبي، بأذن الله.

حطم أمالها في البقاء اكثر وهو يغمغم خافتًا:
-أنا، اتطمنت عليكِ. لازم أقفل دلوقتي
لم ترد ولكن شهقاتها وصلته بوضوح، هو يعلم أن قلبها ذاك لن يقتنع بكذبته..
لن تُخفى عنه ذبذبات ألم تجعل من حروفه موسيقى مؤلمة مكروهه!
فاستطرد بصوت خشن متأوهًا:
-خلي بالك من نفسك، بحبك، بحبك ومُش هحب غيرك يا شهد حياتي، مهما كان وجعي منك بسبب خسارة ابننا!
ردت مسرعة وصوت بكاؤوها يعلو:.

-وأنا بحبك أوي والله، ارجعلي بسرعة بقا عشان خاطري!
شعرت بصوته يبتسم بحزم مكملاً:
-صدقيني هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أرجعلك بسرعة يا عيوني
وفي اللحظة التالية كان الخط يُغلق، وأغلق معه اخر احتمالاً للتماسك..
فانهارت باكية في حضن اخيها الذي أستقبلها بصدر رحب...
لتشهق وهي تهمس بصوت يكاد يسمع:
-هموت من غيره والله
ظل محسن يربت على شعرها الهزيل مثلها تمامًا وكأنه يُطبق حسب حالتها المتغيرة، ثم قال:.

-وهو أكيد مش مبسوط، بس ده اختبار من الجدر، فترة وهتعدي والله زي أي فترة في حياتنا، بس احيانًا لازم بعض الاوجات تعدي بوجع، بس هتعدي والله هتعدي
اومأت موافقة على كلامه بصمت، ليسألها بهدوء مفكرًا:
-بس ازاي عمر بيكلمك من تليفونه واصلاً تليفونه معاكِ بعد ما اخدتيه من حارس الامن؟
حاولت التوقف عن النجاح لتخبره بحروف متقطعة:.

-عمر، ع عمر كان دايمًا محتفظ بخط تاني في جيبه عشان وقت ما يحتاجه، ف معنى كدة أنهم هما عطوه تليفون يتكلم منه!
تهللت وجه محسن قليلاً بأمل شبه معدوم وهو يهتف:
-ومعنى أكده بردو إن معاملتهم معاه مش وحشة جوي، وأنه حاچة تبع الشغل زي ما جالك
ضيقت ما بين عينيها وهي تسأله مفكرة:
-وأنت عرفت منين انه قالي كدة يا محسن بقا؟
ظهرت ابتسامة طفيفة وهو يشاكسها:
-العصفورة جالتلي.

وعندما وجدها تحدق به متجهمة بجدية صلبة تنهد ليتشدق ب:
-صوت تليفونك عالي سمعت المكالمة يا حبيبتي
رغمًا عنها ظهرت أبتسامة حانية على ثغرها، كشمس طلت بعد مغيب، مغيب طال وطال حتى كاد يزرع تأكيد بعدم الطلول مجددًا!
فاحتضنها محسن وهو يقول مقلدًا:
-ايوة كدة يا شيخة ابتسمي، لسة في امل، ده حتى الداعية احمد جمال بيجولك ياللي شمس الدنيا تطلع لما تطلع ضحكة منيكي!
ضحكت شهد برقة هامسة:
-احمد جمال بيقول منيكي ؟!

ضربها محسن على رأسها بخفة ليضحكا معًا وهو يعاود بث الأمان لها بذلك الحضن...
وإن كان كل هذا ما هو إلا وقتًا مسروقًا من السعادة الهاربة!


look/images/icons/i1.gif رواية مواجهة الأسد إستسلام غير معهود
  07-01-2022 04:14 صباحاً   [69]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع

مشاعر تائهة، وتساؤلات متشابكة، والعقل مشتت بين ذلك وذاك!
لا يدري هل يشكره ام يمقته، يصرخ فيه بالتوعد ام يهدئ قليلاً فالقدر في ظهره على ما يبدو..
حيرة غريبة تلك كانت تتشكل على هيئة دوائر بعقلك ذلك المسكين عمر ليست لها نهاية، تمامًا كالسراب الأسود!
لأول مرة يعترف أنه جاهل، نعم جاهل في فهم من هم دماؤوهم مختلطة بالخبث الدفين..
تاريخه لم يكن بالسطور الكافية لفهم طلاسم أناس ك حسين !

حتى الان لا يعلم لمَ جعله يحادث شهد، ولكن تُحسب له نقطة بيضاء وسط صفحة سوداء!
والنقطة وسط الكومة لا تُرى!.
وضع ذلك - الخط - في جيبه مرة اخرى مسرعًا ليضع الخط الذي جلبه له حسين في الهاتف مرة اخرى..
ثم نهض ليطرق الباب الذي أغلقوه قبل أن يغادر، ثم قال بصوت عالي:
-أنا خلصت المكالمة يا حسين
سمع صوت المفتاح في الباب فعاد للخلف قليلاً متربصًا لضحيته القادمة!

وما إن دلف الرجل يأخذ منه الهاتف حتى عاجله عمر بقوله والأرهاق المصطنع لا يتفرق عن صدق الحروف:
-ممكن أروح الحمام، أنا مش قادر
أخرج الرجل رأسه قليلاً يُحادث صاحبه، ثم عاد لعمر وكاد ينطق:
-آآ
ليلف له عمر رقبته بحركة كانت الأحب إليه دومًا في السابق..
وبالطبع ما من مانع لأخذ مقتطفات مفيدة من الماضي المنبوذ، الان على الأقل!

كاد الأخر يدلف مسرعًا فعاجله عمر بضرب رأسه في الباب ليترنج الاخر مكانه فسارع عمر يضربه بكل قوته المختزنة..
كل حزنه وقهره على ضعفه الإجباري، كل طاقاته السلبية التي لم يُشحن إلا بها حتى شعر انه كاد يصبح جثة هامدة بين يديه..
فانفض يديه ليبصق متقززًا وهو يهمس بحنق حارق:
-ده أنا محترف قديم يا ولاد الكلب
لينظر هنا وهناك ثم ركض للخارج ينظر حوله متوجسًا..

حتى كاد يصل لشارع عام، فصار يركض أسرع فأسرع، بحثًا عن أي شخص يسأله عن مكانه، او املاً في ايجاد سيارة اجرة ولكن فجأة...!

واخيرًا حلت أشعة الشمس على الكرة الأرضية المظلمة، مظلمة بحلكة قلوب ونوايا، فلم يكن القمر لينجح في مهمة إنارتهم، إطلاقًا!
كان جاسر قد إنطلق إلى عمله مبكرًا قبل إستيقاظ أسيل حتى..
وكأن بعد ذاك الاستسلام - الإرادي - لم يرغب في دفن رماده هكذا وسريعًا دون التحلي ببعض النشوة ولو قصيرة!
نعم رماد، منذ زواجهم وهو يعلم أن عشقه ذاك محروق بجحد قلب لا يطيقه ابدًا ودون سبب معروف حتى الان...

فلم يكن المتبقي سوى رمادٍ تهب عليه عواصفها العنيفة كل حينٍ ومين فتطيره رويدًا، رويدًا!
وكان يجلس في مكتبه يحك ذقنه كل دقيقة كالمدمنين الذين يحتاجون لجرعة مكثفة، مهلاً، ولمَ ك؟!
هو بالفعل مدمن حد الموت لذلك العشق، إستسلامها الهادئ ذاك الذي كان يتمناه منذ شهورًا يظنه قد يطفئ ناره المستعرة، ولكنه خانه ففعل العكس تمامًا!
سمع طرقات هادئة على الباب فأذن للطارق بالدخول بصوته الأجش:
-ادخل يا طه.

دلف العسكري بأحترام ليلقي تحيته العسكرية المعتادة قبل أن يخبره بجدية:
-البت اللي جبتوها امبارح يا جاسر باشا أجيبها لحضرتك من الحجز دلوقتي زي ما قولت ولا؟
اومأ جاسر مستسلمًا للأنغماس من جديد في دورة لا تنتهي من الإرهاق فقط لينسى، او لنقل ليتناسى، فهو لن ينساها لطالما كان يتردد بصدره نفس!
عاد ينظر له ليقول بخشونة صارمة:.

-أيوة هاتهالي، ومش عايز حد يدخل إلا لما أنادي لك يا طه، البت دي جايه في اداب وهتطلع عيني عقبال ما تنطق
اومأ موافقًا بطاعة:
-تحت امرك يا باشا
ثم إنصرف في اللحظات التالية ليترك جاسر يعدل من هندامه ويعود لينسخ قناع الصلابة والجمود الذي يليق بعمله مرة اخرى...
وبالفعل خلال دقائق معدودة كان يدلف طه ومعه تلك الفتاة التي بدت وكأنها تدلف لملهى ليلي وليس قسم شرطة!

بالكاد تستر اجزاء صغيرة جدًا من جسدها المرمري والمغري لأي شخص، عادا هو،
هو الذي لا يغريه الإغراء نفسه ولو تحت تأثير السحر!
هي فقط من تملك تحريك مشاعره الهواء فتشعلهما معًا...
كادت تجلس على الكرسي إلا أن جاسر صرخ فيها بحدة:
-قومي إتنفضي يابت، هو أنا اذنت لك تقعدي يا حيوانة؟!
رفعت الفتاة حاجبها الأيسر وهي تقلب العلكة بفمها، ثم هتفت ببرود مقزز:
-يوه! ما براحة يا باشا الله، مالك حامي حامي عليا كدشة لية؟!

إرتسم على ثغره أسوء أبتسامة ساخرة تقدمت زمجرته العنيفة قبل أن يقترب من الفتاة ببطئ:
-لا يا روح امك، الحكومة مابتعرفش الراحة، بس شكلي هوريهالك مخصوص كمان شوية
إبتلعت ريقها بازدراء من التهديد الواضح بين حروفه، ولكن على عكس ذلك قالت:
-بص يا باشا، دي مش طريشقة حكومة عادلة ابدا، دول حتى بيقولوا الشرطة في خدمة الشعب
أصبح امامها تمامًا وهو يبدأ استجوابها بجمود حاد:.

-يلا يا حيلة امك قولي كل اللي تعرفيه عن الشقة اللي كنتي فيها حالا
مطت شفتيها ببرود يعكس ارتجافتها الداخلية وهي تهمس بعدم فهم مصطنع:
-أعرف إيه يا باشا، أنا معرفش غير إني كنت قاعدة في الشقة أنا وجوزي والبوليس جه خدنا من غير لا احم ولا دستور
أشتدت أحجار القسوة بعيناه وهو يزجرها بقوة متوحشة:
-نعم ياختي؟ جوزك مين يا بنت ال * إيش حال أحنا جايبنكم في قضية اداب ومن شقة مفروشة.

رفعت إصبعها في وجهه مشيرة ببراءة لا تليق لها إطلاقًا وتابعت:
-لا لا يا باشا، ربنا شاهد إنه جوزي عُرفي، اه كله إلا الشرف
وبالفعل هي تتعمد استفزازه، لا بل تتفن بالتسلل لجحيم غضبه دون أن تدري أنه مشتعل من الأساس وسيحرقها بلحظتها!
وأنقض فجأة عليها يمسكها من خصلاتها الخشنة المصبوغة ليزلزل صوته أرجاء المكتب:
-وإنتِ اللي زيك يعرف ربنا منين يا حيوانة، وجوزك قال! سلامات يا جوزها.

حاولت إبعاد يده عنها وهي تتعمد إغاظته حد الجنون، فهي عاجلاً ام اجلاً ستظل في هذا السجن اللعين:
-إيه يا باشا هي الست مراتك مش مظبطاك ولا اية؟!
للحظة كان ينظر لها مذهولاً من نجاحها في كشف نقطة ضعفه الوحيدة دون أن تدري!
ولكن باللحظة التالية كان يصفعها بقوة، إلى هذه النقطة أنهت قرار عقابها، بل موتها بكل سهولة!

صفعته كانت تحمل كل غلاً مكبوتًا داخله يمنعه من الأنفجار بوجه تلك الحبيبة العاصية، حتى نزفت شفتاها، ولكنها عادت لوضعها تستطرد همسها امام شفتاه مباشرةً:
-لو مش مريحاك او مش مكفياك أنا ممكن أعيشك ليلة من ألف ليلة وليلة
ولم تعطيه الفرصة فازدات من اقترابها الشبه حميمي وهي تقول:
-بس أوعى تكون عنيف أوي، أصل أنا رقيقة مش بستحمل وبحب الراجل الحنين وبس..!

لم تتلقى سوى الاجابة التي كانت تتوقعها، صفعات متتالية تحمل قدرًا يُكفي العالم كله تقريبًا من القهر والغضب معًا!
حتى سقطت على الأرض مجهدة بعدما نفذت طاقة كلاهما..
وفجأة إنفتح الباب لتدلف أسيل كالقنبلة التي تفجرت في أجواءًا لا تحمل سوى شرارات غازية حارقة!
وخلفها طه الذي كان يحاول إمساكها مناديًا:
-يا أنسة ماينفعش كدة يا أنسة، حضرتك هتعرضي نفسك لمشاكل انتِ مش ادها.

بينما هي لم ترى سواه، لم تعير إنتباه لتلك الساقطة التي تراقبهم بترقب ضعيف من الأساس...
أنتبه جاسر لتوه لعطيه الذي كان يمسك ذراع أسيل، ليصرخ فيه:
-سيبها حالاً يا طه، واطلع برة وخد البت دي معاك
أطرق طه رأسه مطيعًا يردد:
-اوامرك يا باشا
ثم سحب الاخرى بقوة معه حتى تذمرت متأففة بملل:
-ما براحة الله! هو إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين ولا إيه؟!

سمع طه صوت جاسر الذي صدح كسيفًا محدودًا يقطع من يتجرأ على ممتلكات خاصة دون تردد:
-وبالمناسبة الأنسة تبقى المدام يا طه، يلا اتفضل واياك اشوفك بتمد ايدك عليها بلمسة بسيطة حتى
اومأ الاخر بسرعة معتذرًا:
-طبعًا يا باشا، أسف ماشوفتهاش قبل كدة خالص فمعرفتش إنها مرات حضرتك
وفي اللحظات التالية كانت تقف امامه كما هي، تنظر له بسكون فقط!

وما إن سمعت صوت اغلاق الباب لم تعطيه الفرصة لسؤالها فركضت نحوه تحتضنه بقوة...
تدفن رأسها بصدره الصلب بينما دموعها تزرف بتلقائية، وكأنها وصلت لمصدر الأستقبال الصحيح، الذي سيستقبلها في أي وقتٍ كان على وتيرة حانية وصحيحة!
وفي البداية كان هو اكثر من متفاجئ، في البداية من ظهورها هكذا الذي جعله مشوشًا ما بين جذب الجمود كما كان او الضعف والاشتياق المتناهي لها...

ولكن لم يكن منه سوى أن لف يده حول خصرها المرسوم كباقي جسدها، يضمها له أكثر وأكثر متأوهًا بشوق، إستغلالاً لموقف أخر يُعد نقطة جديدة لصالحه...
نعم استغلال وهو معترف، سيظل يستغلها كما تفعل، فينال المكانة التي تحتلها كما تنال هي عنده!
لم يشعرا بالدقائق التي مرت، حتى شعر جاسر أن دموعها توقفت اخيرًا فأبعدها برفق ينظر لوجهها المحمر وهو يسألها بقلق:
-أسيل، أسيل حبيبتي مالك؟ بتعيطي لية بس.

ولكنها لم تجيب، بل احتضنته مسرعة مرة اخرى وهي تهمس له اخيرًا باختناق:
-ماتسألنيش، خدني في حضنك بس، أحضني أوي وماتسبنيش!
قلبه ينبض بعنف، وسيطرته تخرج عن سياق السيطرة المحددة...
هي بين يداه، وبأرادتها، بل وتطلب إقترابه ايضًا!
هل فعلها الحظ فجعلها تفقد ذاكرتها لتحتاجه وبأرادتها فجأة...
ام انها اكذوبة جديدة من الحياة الخانقة؟!

وعلى أي حال هو لم يأبه لأي أسباب ولا حقائق، فقط نفذ طلبها بطاعة ترضيه دون تردد فشدد من احتضانها اكثر وصوت أنفاسه المضطربة يعلو...
ليغمس رأسه أسفل حجابها الصغير ليقبل رقبتها بنعومة، بنهم لم يُخفى في تلك القبلة التي طالت، وطالت حتى أصبحت قبلات متفرقة تلتهم وجهها ورقبتها التي ظهرت..

واحدى يداه تُقيد خصرها بحركة تملكية، والاخرى تزيل حجابها ليتغلغل خصلاتها الناعمة، فيما هي مستسلمة تمامًا مغمضة العينين عكس طبيعتها بطريقة تثير الشكوك!
أقترب أكثر منها ولم ينتظر اكثر ليلتهم شفتاها، وهي لم تمانع مستسلمة، في البداية فقط!
فرفعت يداها تحيط رقبته لتقترب منه اكثر، وبجهل تبادله قبلته المتطلبة..
أبتعد عنها قليلاً ينظر لها بذهول، ولم يشعر بنفسه وهو يقول مغمغمًا:.

-معقول بتعيطي عشان نمتي في حضني امبارح؟
وضعت إصبعها على شفتاه تسكته، قبل أن تهمس بصوت مبحوح:
-هششش، أوعى تبعد عني، قرب مني، أنا محتاجاك أوي انا محدش عايزني، كل الناس بتكرهني
وبالطبع لم ينتظر اكثر، ماذا ينتظر وقد نطقتها صريحة!
أمسكها من يدها يسحبها معه للخارج بخطى سريعة، دون أن يأبه لأي شخص ليستقلا سيارته دون نطق المزيد..

فما لم ينطقه اللسان، نطقته العيون والمشاعر المدفونة من الأحتياج، للشوق، للرغبة الجامحة!

كان عبدالرحمن يجلس على مقعده الوثير، التفكير هي العملية الوحيدة التي تُحدث ضجة كبيرة في عقله الان!
يشعر كما لو أن المشهد يتكرر امامه كل ثانية...
كما لو أن مؤشرات الطبيعة كلها تتحالف ضده لتجبره على التفكير فيما حدث..
ورغمًا عنه ايضًا سبحت الذكرى في عقله عما حدث منذ قليل...
فلاش باك..
فجأة وجد باب المكتب يُفتح لتدلف أسيل تتظر له بطريقة هيستيرية!
نهض ليسألها متعجبًا من هجومها المفاجئ بعد اخر مرة:.

-إيه ده؟! إيه اللي جابك تاني يا أسيل
رسمت على ثغرها أفضل ابتسامة ساخرة وهي تجيبه:
-جاية اشوفك طبعًا
كز على أسنانه بغيظ وقال بحنق:
-هفهمك لحد امتى؟ هو احنا اللي هنعيده هنزيده وخلاص!
هزت رأسها نافية، ولوهلة لمح الضعف يفترش على ملامحها الهزيلة وهي تخبره:
-أنا مخنوقة ومحتجالك صدقني
تأفف بصوت عالي، ثم قال:
-قولت لك حاجة ماتخصنيش
وفجأة وجدها تقترب منه في أقل من دقيقة لتحتضنه بقوة!

ذهول، ذهول ذاك تشكل على هيئة عاصفة قوية شلت كيانه فجأة عن الحركة وهي بين ذراعيه!
ما تمنى دومًا أن تصبح بين ذراعيه هكذا الان أمنيته تعلقت بين شباك الواقع، ولكن نقطة الفارق...
يشعر بالنفور، نفور شديد يجعله يود لو يسلخ جسده بسبب لمستها تلك!
واخيرًا ملك زمام نفسه فانتفض مبتعدًا عنها ليزجها بعيدًا صارخًا بجزع:
-إنتِ مجنونة!
اومأت وكأنها فعلت تلف عقلها من ذاك العشق الذي تعفن بين جدران عقلها طلبًا للأستجابة:.

-ايوة، مجنونة بحُبك، مجنونة بيك أنت
ولم يكن منه ألا أن صفعها بقوة، نعم صفعها..
صفعها بحق ظنها الخائب أنه أحمق سيقع في نفس الحفرة مرتان؟!
أن ذاك العشق الممحي من حياته سيظلل الاخطاء ويستبيحها له..
نظرت له مبهوتة وعينيها حمراء بلون الدماء لتهمس:
-أنت بتضربني يا عبدالرحمن؟
اومأ مؤكدًا بصلابة قاسية:
-أيوة، وكل ما هتتصرفي بطريقة متخلفة زي كدة هضربك مرة واتنين وتلاتة وعشرة كمان.

هتفت بحرقة مختنقة والحروف تختنق أكثر بين ثنايا روحها:
-طريقة متخلفة عشان بقرب من حبيبي؟ يااه للدرجة دي حبي مابقاش له قيمة عندك؟!
هز رأسه نفيًا وبدا وكأنه يزج الكلمات داخل عقلها اللعين ذاك عنوة:
-أنا مش حبيبك أفهمي بقا
زمجرت بوجهه غاضبة:
-لا حبيبي، من ساعة ما عرفتك لحد دلوقتي وأنت حبيبي
ضرب المكتب بيده وهو يصرخ منفعلاً:
-مابقاش ليكِ الحق ده من يوم ما بعدتي عني واتجوزتي واحد تاني.

هبطت دمعتها مع همستها القصيرة:
-غصب عني!
أولاها ظهره يتنفس بخشونة، قناع بعد قناع يسقط من على وجهه الصلب!
التأثر بذاك الحضن، والصدمة، والصلابة، ليظهر الضعف!
نعم الضعف لذاك الهجوم المفاجئ، قوة هجمتها وكلماتها، واحتضانها، كانت أكبر من قوته ليتصداها هذه المرة!
قال دون أن ينظر لها:
-أمشي يا أسيل
همست متأوهه بأسمه:
-عبدالرحمن!

أغمض عيناه بقوة عل ذاك السحر تخف قدرته قليلاً، ولكن للأسف حدث العكس عندما سمعها تركض للخارج باكية كالمرة السابقة...
ولكن تلك المرة بتأثير مختلف!
و حقًا لا يدري ماذا يحدث له؟!
لمَ يشعر وكأنه ماهو إلا ظلاً لمسيطر اخر!
أصبح بداخله مشاعر متباينة، واحدة تميل نحوها بإنكسار..
والاخرى ترفض الخضوع لذاك الهجوم، وغالبًا الكفة الراجحة ليست في صالحه، ابدًا!

منذ أن دلفا رضوى و رودينا إلى المول، كانت رودينا تتلفت كل ثانية إلى رضوى وكأنها تتأكد من عدم هروبها!
إلى أن هتفت رضوى متأففة بملل:
-يابنتي خلاص مش ههرب منك، الدار أمان أهدي بقا
ولكن رودينا لم تكن بتلك السذاجة التي تجعلها تخيل عليها أي فعله هوجاء، بل كانت كالعقرب السام المتربص لأي هجوم ليقطر سُمه المميت...
فقلبت عيناها وأجابت بنزق مُحذر وحاد ك سيفًا أكثر من مستعد للقطع والدمار:.

-امممم، لا أنا عارفة إنك مش هتقدري تعملي حاجة، لإنك ناصحة مش زي أختك وعارفة إنتِ بتتعاملي مع مين!
ودون أن تدري كانت عينا رضوى تشتد حمرة قاسية متوعدة..
وفي قرارة نفسها قد خرج القسم منها بالعقاب، والقسم كالوعد لن يُخلف، ابدًا!
إنتبهت لسؤال رودينا الفضولي وهي تنظر لها:
-إلا قوليلي يا رضوى، إيه الصندوق اللي في إيدك ده؟

إتسعت أبتسامة رضوى الخبيثة، وإعتلت عيناها نظرة لبوة تسير على خيطًا رفيعًا من الخبث، رفيعًا جدًا ولكنه قد يكون قاتل!
فردت ببساطة غامضة:
-ده صندق صغير في حاجتي كدة باخدها معايا في كل حته، عشان تخدمني وقت اللزوم
وأنهت جملتها بنظرة خاصة لرودينا..
بينما اومأت رودينا بلامبالاة:
-ماشي، ما علينا، مدي بقا عشان نلحق نخلص ونروح بدري
اومأت رضوى مؤكدة، ثم خرج حروفها غريبة رغمًا عنها وهي تخبرها:.

-ماتستعجليش يا رورتي، ماتستعجليش عشان ماتندميش
طرقت طبول الخوف صدر رودينا، طبولاً اصدرت ضجة مرعبة بين طيات صدرها الذي بدأ يضيق...
فسألت رضوى متوجسة بتردد:
-قصدك إيه ب هندم يا رضوى؟
رفعت رضوى كتفيها مرددة بجدية صلبة:
-لا ابدًا ولا حاجة، قصدي ماتستجعليش عشان ماتندميش على الحاجات الحلوة اللي هتشوفيها هنا
اومأت رودينا بعدم اقتناع، لتسمع سؤال رضوى الذي زلزل كيانها من شدته العاتية:.

-تفتكري سيف راح فين يا رودينا؟
إبتلعت ريقها بخوف، ستحاول إقتلاع الحديث من ذاك النحو الذي يتخذه، نحو مهلك بالنسبة لها..
فقالت متلعثمة:
-ما آآ معرفش يا رضوى، وأنا آآ وأنا هعرف منين يعني!
ولكن، حدس الأنثى، وخاصةً عيناها كانت مرصادًا لم يخطئ ذبذبات الكذب التي كانت تضخ من عيناها الخبيثة!
فازداد التوعد الحاد داخلها، استعدادًا لينفجر بوجهها على حين غفلة...

وصلا امام احدى المتاجر للملابس وكان امامه تمامًا مرحاض سيدات..
وفجأة امسكت رضوى بطنها المتكورة لتتأوه بتعب خال متسرسبًا لمنبع صدق رودينا:
-آآه بطني..
سألتها رودينا مسرعة:
-مالها بطنك في إيه؟ حاسه بأية؟
اجابتها بوهن:
-حاسه بمغص في بطني جامد
ثم أشارت نحو المرحاض هاتفة بشيئ من الخبث:
-ممكن تيجي معايا الحمام معلش يا رودينا
اومأت موافقة بامتعاض وهي تقترب منها ممسكة بذراعها:
-ماشي، يلا تعالي.

دلفا إلى المرحاض ولم تتخلى رضوى عن صندوقها، وكأنه أكسجين، وهو كان كذلك بالفعل، اكسجين للأنثى المنتقمة بغيظ داخلها فلن تتخلى عنه!
إتسعت عينا رضوى بانبهار لمحالفة واضحة من القدر، فكان المرحاض خالي تمامًا من البشر، لم تصدق ألهذه الدرجة تلك الفتاة تستحق العقاب؟
نعم، نعم، بالتأكيد تستحق، يد القدر الممدوة لعون رضوى لم تكن واهية بل متينة متصدية!
فقالت رضوى بهمس مناسب لوضعها الكاذب:.

-ممكن تقفلي الباب يا رودينا عشان حاسه اني مش كويسة خالص ومش عايزة حد يشوفني كدة
اومأت رودينا متأففة ثم غمغمت:
-طب يلا ادخلي بقا عشان نمشي
اومأت رضوى مؤكدة، لتدلف بهدوء تام بواسطة ذاك الصندوق..
فصرخا رودينا متعجبة الى حد كبير منها:
-إيه ده هتدخلي بالصندوق ده الحمام كمان؟!
ابتسمت رضوى ابتسامة شيطانية وهي توليها ظهرها، لترد بخفوت:
-اه، اصلي ماقدرش أسيبه بعيد عني ف أي وضع.

وأغلقت الباب خلفها لتتركها ذاهلة من تصرفاتها المتتالية العجيبة!
بينما أمسكت رضوى بالصندق وبدأت تفتحه وهي تتأوه بصوت مسموع تضمن أنه يُقنع رودينا...
وما إن فتحته حتى إتسعت تلك الابتسامة شيئ فشيئ، ليظهر الثعبان رويدًا رويدًا!
فأمسكت به تربت على رأسه برفق حتى لا يخرج صوته، وكأنه طفلها الصغير سيؤدي مهمةً ما!

ولمَ لا، هي منذ يومها تعشق الحيوانات بجميع انواعها ولا تخشاهم، فما المانع إن استغلت ذاك العشق قليلاً؟!
بدأت تصرخ منادية بأسم رودينا:
-رودينا تعالي بسرعة لو سمحتي
سمعت صوتها الحانق تقول:
-اجي ازاي يعني يا رضوى إنتِ اتجننتي؟!؟
وبملامح غاضبة أردفت رضوى:
-متقلقيش يا بنتي انا لابسة، بس ارجوكِ تعالي ساعديني هموت...

وبالفعل بدأت تفتح الباب ببطئ لتدلف رودينا، ولحسن الحظ كان المرحاض صغير بالكاد يسيع شخصًا واحدًا، فلم تلحظ رودينا اختفاء يد رضوى خلفها ظنًا انها تمسك ظهرها..
فسألتها مترقبة بهدوء:
-في إيه يا رضوى مالك؟
وبلحظة كانت رضوى تُلقي بالثعبان على مقعد المرحاض المغلق وتخرج مغلقة الباب خلفها..
فيما تعالت صرخات رودينا المفزوعة وهي تسبها لاعنة:.

-يابنت المجنونة، آآه لاااا طلعيني، تعباااان تعباااان لا والنبي طلعيني طلعييييني حرام عليكِ
وظلت تضرب على الباب بقبضتها وهي ترى الثعبان يقف امامها بصمت ولكنه قد بدأ بالتحرك نحوها ببطئ شديد...
ووسط ذلك اتاها صوت رضوى على هيئة انقاذ تسألها:
-هتقوليلي مكان سيف ولا لا؟
جاءها صوت المستنكر صارخة:
-انا معررررفش مكانه افهمي بقا وطلعيني التعبان هيموتني بالله عليكِ
فزمت رضوى شفتاها قائلة بعبث:.

-خلاص خليكِ جوة اتسلي مع التعبان شوية، وأنا هبقى اجي اخد جثتك، يلا تيكير يا بيبي
وبالطبع كان صراخ رودينا بالهلع حلقة لم يقطعها سوى هتافها المرتعد:
-خلاص، هقولك اللي أعرفه والله هقولك بس خرجيني
ربطت يدها ببرود هامسة:
-قولي حالاً
-كل اللي أعرفه انه اخد فلوس ونزل من البيت، ماعرفش غير كدة والله العظيم
قالتها مسرعة وصوت لاهثها يعلو، بينما تابعت رضوى بحزم:
-كذااابة.

ف ظلت تصرخ وهي تُقسم انها لا تعلم عنه شيئ اخر، ومن يكن الموت على بُعد خطوة واحدة منه، لا يخرج منه الا سيل الصدق، للأسف الشديد!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 9 من 31 < 1 20 21 22 23 24 25 26 31 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، مواجهة ، الأسد ، إستسلام ، معهود ،











الساعة الآن 01:56 AM