logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 9 من 31 < 1 19 20 21 22 23 24 25 31 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية مواجهة الأسد إستسلام غير معهود
  07-01-2022 04:09 صباحاً   [64]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

لحظات مرت وهو ينظر لها ساكنًا، كانت تتسطح أمامه على فراشهم، بدءت تتململ في نومتها، تحركت أهدابها الكثيفة السوداء، لتبدء في فتح جفنيها البيضاويين رويدًا رويدًا، لتظهر عينيها البنية وتشرق معها شمسهم، بدءت الصورة تتضح امامها، عمر يجلس أمامها بهدوء، عقدت حاجبيها بعدم فهم، أخر صورة تتردد بين جنبات عقلها هي صورة وهي تترنج لتقع مغشيةً عليها، خرج صوتها متساءلاً بوهن:
عمر، أية اللي حصل؟

تجاهل سؤالها وكأنه لم يسمعه أو لم يرغب أن يسمعه، ثم تنحنح وهو يسألها في هدوء:
حاسه بأية؟
سارت معه في نفس السبيل، وتجاوبت معه وهي تضع يدها على رأسها متألمة:
حاسه دماغى وجعانى
اومأ موافقًا بهمس:
- هتخف إن شاء الله
أبتسمت نصف أبتسامة، وهي تتمعن فيه متوجسة، تعرفه جيدًا وتحفظ تفاصيله، لا ترى ذاك الغموض بين حلكة عينيه، ولا يصعب عليها قراءة سطور عيناه إلا في حالة الطوارئ...!
سألته مرة أخرى بقلق:.

عمر أية اللي حصل؟
تنهد وهو ينظر للجهة المقابلة، لا يرغب في تمعن عيناه، ولن يعطيها الفرصة التي إن سنحت لها ستعرف كل ما يجيش بصدره على الفور..!
أجابها بصوته الأجش:
مفيش يا شهد محصلش
رباه من كلمته شهد التي تخرج مضطربة في تلك الأوقات، تستشعرها مهزوزة غير مليئة بالثقة كما كانت، وكأن أعضاؤوه لا تسعفه في الكذب عليها..
سألته مرة اخرى، والضيق يتسلل لنبراتها الهادئة ليحتلها:
لأ في، خبى على أى حد إلا أنا يا عمر.

أستطرد منفعلاً بصوت بدء يعلو:
قولت مفيش، بطلى زن بقي
إنفعل، نعم يحق له الإنفعال، إن ظلت تحثه على البوح هكذا ستنهار حصونه، ويقص عليها ما حدث، وساعتها، لن تصمت وسيحتلها الرعب بلا منازع!
كادت تبكيِ وهي تلح عليه متساءلة:
لو سمحت قولى، ماتخبيييش أرجوك
هز رأسه نافيًا وأردف بثقة زائفة:
مش مضطر أكذب عليكِ
مصمصمت شفتاها بغلب ومن ثم قالت بثبات:
بص في عنيا وأنت بتقول محصلش، ومين اللي ضربنى على دماغى.

نظر في عينيها البنية، لهم سحر وتأثير خاص يضعف قوته على المقاومة!
نهض فجأةً وهو يصرخ فيها بنفاذ صبر:
عايزانى أقولك أية، أقولك إن في ناس بالفعل كانت هنا وانا جيت على اخر لحظة!؟
شهقت بصدمة، تخيلت للحظات أن احلامها بمصطفي يعود مرة أخرى ما هي إلا احلام، ولكن، هل تتحق تلك الأحلام لتتجسد أمامها كاملة!
وبصوت حاولت إخراجه هادئًا سألته:
مين هو؟!
مسح على شعره الأسود بقوة، ثم زفر متابعًا بحنق:
ملحقتش أعرف، هرب.

دون أن تنظر له عادت تسأله مرة اخرى:
مصطفى صح؟
رمقها بنظرات مغتاظة بحق، تتجاهل حديثه وكأنها ترى الحقيقة كاملة، وتسعى لتبعد تلك الشوائب وتصل لها!
أقترب منها يزمجر فيها غاضبًا:
معرفش يا شهد معرفش
تنهدت تنهيدة قوية عبرت عن محاولتها القوية للسيطرة على شهقاتها من الخروج، ثم هتفت بصوت متهدج:
لأ أنت عارف بس مش راضى تقولى يا عمر انا اصلاً حاسه انه عايش.

أقترب منها بهدوء حذر، نعم، لقد وصل تأثيرها عليه لمبتغاها، وزاحت الجزء القاسى من امامها كما تزيح أى غطاء، ليرمقه بنظراته الحانية وهو يحتضنها بحارف جارف تحول في ثوانى معدودة، وأخذ يربت على شعرها الذهبي الناعم مرددًا بهدوء حذر:
ثقي فيا، والا من دلوقتي نفضها سيرة يا بنت الناس
اومأت وهي تتابع بصوت مختنق:
لو مكنتش واثقة فيك مكنتش عيشت معاك ده كله.

حاول أن أبتسم نصف أبتسامة متوجسة، وفي خواطره يسأل نفسه سؤال واحد..
إلى متى سأكذب عليكِ يا معشوقتي، أنا غير قادر حتى على حماية نفسي !
أقترب منها أكثر، حتى بات ملتصقًا لها فهمس بهدوء مسرعا يود الهرب:
-أنا ماشي
أمتعضت وقد رسم القلق أفضل لوحاته على وجهها الذي أظلمه الحزن كمراهقة في بداية حياتها!
فقالت متسائلة:
-رايح فين يا عمر؟، لو سمحت آآ..

وفجأة شعرت بشفتاه تغزو شفتاها بنعومة قاتلة لأي اعتراض، لم يستطع مقاومتها اكثر!
فما كان منها إلا أن ترفع يدها لتحيط عنقه وتبادله ما تعلمته على يده برقة تليق بها!
ليرفعها بخفة على الفراش وهو فوقها، بينما هي مغمضة العينين مستسلمة لاجتياح عاشق ولهان باتت تتوق شوقًا له، إنزلقت شفتاه مبتعدة عن شفتاها لثواني يلتقط فيها انفاسه..
ثم عادت لرقبتها يلتهمها بجوع لا يُسد وأشتياق لا يموت..

وصار يقبل كل جزء منها ظاهر...
إلى أن ابتعد، يعدل ثيابه قبل أن يستسلم تمامًا، وساعتها لن يلوم إلا نفسه!
ثم هتف بجمود:
-مش هتعملي لي تحقيق يعني يا شهد، أنتِ عارفة إن وجودك ف حياتي مؤقت!
ثم غادر ببرود صافعًا الباب خلفه...

دوامة، دوامة من الضياع عصفت ب مها الشريدة، وضياع هالك إستحوذ على روحها الثائرة دومًا ليتركها ناعمة بهلاك مؤذي!
ناعمة كجلد ثعبانًا سام، جلست تضم ركبتيها إلى صدرها...
دموعها تتساقط بصمت قاتل، دموعها التي كانت دومًا محبوسة خلف نظرة القوة، والان، الان بعينيها نظرة كشمسًا تُغيب ببهوتًا في كل ثانية تمر!
ذكريات وذكريات تتلاطم داخل خلدها المزدحم بأمر الواقع المرير، طفلها...
طفلها الذي لن تراه!؟

لا، ستراه لطالما كانت على قيد تلك الحياة ستُعافر لتسترد منها ما سلبته، نعم ستعترض على قدرًا ينتشل منها السعادة بعدما وهبها إياها!
لم تشعر بالباب الذي فُتح، ولم تشعر بتلك السامة التي تدلف لجحرها لأول مرة، لم تشعر بها إلا وهي تسألها ببرود لم تصطنعه قط:
-إيه يا مها، هتفضلي حابسه نفسك بتعيطي بس؟! لازم تاكلي ماتنسيش إنك مافطرتيش.

لم ترد، ولكن الأجابة الساخرة كانت تحوم ما بين قلبها الثائر، وعقلها الغاضب، كيف تأكل وهي لا تدري طفلها جعان أم ظمأن ام، ام لم يعد يدري بشيئ؟!
بمجرد وصول تلك الكلمة لمركز العقل لديها صرخت بصورة هيستيرية:
-لا لاااا هو هيبقى كويس وهيرجع لي، أنا متأكدة
مطت رودينا شفتيها بطريقة ساخرة متلذذة بذلك القهر الذي يتلبسها، ثم ردت:
-قومي كلي طيب ده إنتِ شكلك هتتجنني والله
قاطعتها بشراسة:.

-ملكيش دعوة بيا، غوري برررة اوضتي
أشارت لها بيدها تزمجر فيها بغضب حقيقي لا تدعيه هذه المرة:
-يعني أنا خايفة عليكِ وجاية أقولك تاكلي، تقومي تطرديني ياختي
ودون أن تنظر لها اكدت على أمرًا سليمًا تمامًا بصوت عالي:
-أيوة بطردك، ولو عندك دم تمشي
تمالك نفسها قليلاً، فقط قليلاً ليكتمل ما ارداته، وبعدها هي من ستلقيها خارج هذا المنزل بنفسها!
و ببرودًا أضطرت للتماسك بخيوطه الثلجية أخبرتها:.

-ما خلاص يختي قال يعني بتطرديني من الجنة، أنا اساسا ماكنتش هاجي بس أحمد هو اللي وصاني عليكِ قبل ما ينزل عشان يدور على المحروس ابنك
إبتلعت تلك الغصة التي عادت تحيى في حلقها..
شُعلة من الأمل أشتعلت بين عينيها البنية، شعلة تتخفى خلف البريق اللامع على وعدًا منه بلقاء أحسن في الغد...
تتوق للقاء طفلها الحبيب، ترجوا أن يصل طفلها مع زوجها، أن تُعيد كرة الحياة الغدارة مرة اخرى!

نعم غدارة، توهمك وتوهمك أنك في أسمى معاني السعادة...
ولكن الحقيقة أن الحياة خُدعة، تُفاجئك على حين أن حروفها مسمومة يذقيها كل شخص ايًا كان!
وفجأة نهضت تقترب من تلك التي كادت تُقسم أن فقدان طفلها أدى لفقدان عقلها ايضًا ولكن لم تعطيها مها الفرصة لتنقض عليها ممسكة بتلابيبها، فشهقت الأخرى في محاولة لأبعادها عنها:
-انتِ مجنونة، أبعدي كدة.

ولكنها لم تستجيب، لم تستجيب لأي نداء خارجي هادر، كان تسمع لصوت عقلها المنفعل باهتياج يهفو
هي من فعلت بالتأكيد
كادت تخنقها حتى توصلها لأخر مرحلة في حياتها الموت وهي تهتف بصلابة:
-إنتِ اللي عملتِ كدة يا حيوانة، أنتِ خطفتي ابني يا مجرمة
شهقت الأخرى بفزع حقيقي كاد يشل أطرافها صدمةً، ولكنها تمساكت وهي تزجرها بحدة:
-لا طبعاً، إنتِ اللي اتجننتي، إيه اللي هايخليني أخطف أبنك هو انا ناقصة هم!

لم تبالي، لم تبالي بأي دفاعات كاذبة تصدر منها، بل ظلت تخنقها حتى زحفت الحمرة المُميتة لوجه الاخرى وهي تحاول إلتقاط أنفاسها!

كان يُهندم ملابسه أمام المرآة، ذلك الجلباب الغامق الذي يضم جسده الضخم، يضع العمامة البيضاء بإتزان على رأسه، متواعدًا معها أن تحفظ أسرار عقله الشيطاني...
طُرق الباب مرتان قبل أن يدلف أحدهم، نظر له وهو منحني بأحترامًا له..
ثم قال بصوتًا أجش:
-تم يا باشا
تحركت عيناه في برود تام يُناقض إحمرار الغضب الأهوج الذي دائمًا ما يرتكز داخل جزءً فيها، يرمقه بنظرة شبه راضية، قبل أن يخرج صوته الخشن متوجسًا:.

-نفذت زي ما جولت لك؟
اومأ مؤكدًا، وبثقة أجابه:
-طبعًا يا باشا، كل حاجة حصلت زي ما حضرتك عاوز
إبتسمتا شفاهه الغليظة بنصرًا بات يحفظ مكانه في حياته، ولكن ختم سعادته التي لم تكتمل بعد بسؤال الاخر المتعجب:
-بس في حاجة مش فاهمها يا باشا
تساءلت عيناه في صمت، فتابع الأخر بنفس النبرة والتي كانت واقعاً ملموسًا على أن طلاسم الشيطان، لا يفهمها سوى شيطان مثله، بنفس درجة خبثه ومكرة، وبنفس جزاؤوه لاحقًا!

-مش عارف إزاي تخليني أروح وبعد ما تكون ادام عنيا، اسيبها
تقوس فمه بابتسامة شيطانية خبيثة، تزداد أمواج نشوته كلما أستشعر لين النصر...
و راح يردد بصوتًا مبحوحًا دُست به غصة مؤلمة رغمًا غنه:
-عايزة أسويها على نار هادية زي مابيجولوا
صمت برهه وعاد ينثر خيوطه الخبيثة هنا وهناك بين حروفه المتوعدة:
- ماهخليهاش تتهنى بيوم واحد في حياتها، حخليها تجن وبعدين أفكر أجتلها!

إتسع بؤبؤي عينا الرجل، لا يتخيل كم الشر والحقد الذي كان ينبعث من نظراته، بل لا يتخيل أنه هكذا يومًا ما!
ربما يختفي الحقد بين ثنايات روحنا، وعند إعلان حالة الثوران
يبدأ في الظهور دون العلن كالسراب تمامًا!
فيما تساءل الأخر ومازال يتمسك بالتعجب لأظهاره:
-بس هي عملت إيه للدرچة يا باشا؟
إحتدت عيناه بسواد مخيف أكثر،
و ذكرى...

كلمة داعبت مشاعره المكبوتة والتي حجرها بفعل يَداه، حجرها واعدًا إياها بتركها فوضوية تُثير الأنتقام لاحقًا!
زفر بقوة يخرج تلك الشحنات التي أرسلت لأعماق الرجل الخوف الوحشي:
-ملكيش صالح، أنت هنيه بتنفذ بس، صمم بكم عمي، لا بتجول لية ولا ميتى ولا كيف حتى، بتجول حاضر وبس!
ردد الاخر لسانه تلقائيًا من فرط أزدال الهلع:
-حاضر، حاضر يا باشا...

بعد فترة عودتهم من المستشفى..
جلس عبدالرحمن أمام الشرفة، لا زال يتذكر ذاك اللقاء الذي خلد بعقله، لازال يتذكر كل حرفًا يرن بأذنه!
لازال يتذكر وجهها وهي تُبرر بأنفعال لم تصطنعه...
يتذكر قسمات وجهها التي لم يغيرها الزمن سوى أزدياد لمسات الجمال عليها، شفتاها التي كانت تنطق بأسمه كل حينٍ بشغف معشوقة لازالت ترجو أن يكن معشوقها رهن اشارتها!

ولكن هل هو ذلك؟!، لا لا هو لم ولن يكن خائنًا ل، حبيبته، زوجته، وأم طفله القادم، لن يجعلها تذيق مرارة نفس الكأس، مرارة الفراق الذي بقى يُعاني منها لحين ظهورها!
هو يحبها هي فقط، قلبه يدق بشغف لها هي فقط، يرتجف قلبه بعنف من أبتعادها المأسوي هي فقط..

لن يجعل غيرها تتربع على عرش قلبه، لن يجعل سبيل العشق مفتوحًا لغيرها، لن يجعله خالي ومُسالم إلا لها، هي فقط، رضوااه الحبيبة، حبيبته الأولى والأخيرة، وإن لم تكن الأولى في العد، هي الأولى في كل شيئ..
في شعوره المختلف نحوها، في لهيب غيرته الذي يستعر من مجرد إقتراب الجنس الأخر منها..
هي الأولى في السيطرة على تلابيب روحه الثائرة، وستبقى كذلك!
ورغمًا عنه، تُسيطر الذكرى لتحوم في الملأ، ويتذكر...

نظر لها مطولاً، رآن الصمت ينتشر بين النسمات المُكهربة، لا ينكر أن نظراتها التي لم تتغير أربكته، ولكنه أحكم السيطره على تعابيره وهو يسألها ببرود:
-أية اللي جابك هنا يا أسيل؟
وبالطبع كانت تتوقع، كانت تتوقع النفور الذي يأتي في مرحلة متأخرة بعد عذاب الفراق، كعلاج حتمي من القدر!
فلم تتعجب وأخبرته بنفس النبرة:
-جيت عشانك، أنت
تقوس فمه بابتسامة ساخرة تلقائية، لتوها أكتشفت أن تصل تلك العلاقة المُهدمة بينهما؟!

و رد عليها بصلابة بدت لها صعبة بدرجة كبيرة لتتخطاها:
-عشاني! لا ماعتقدش إنك ليكِ حاجة عندي
سارعت تردف بوقاحة علانية:
-لا ليا عندي حُبك، قلبك اللي أتقفل عليا أنا وبس
قهقه بسخرية واضحة وهازئة منها، كيف تعتقده، ساذج ليبكِ على الأطلال التي كانت مُحطمة من الأساس؟!
بالطبع لا، هو ليس كذلك ولن يصبح..
رمقها بنظرات ذات مغزى، قبل أن يباشرها في الحديث الحاد:
-الكلام ده كان قبل شهر، سنة، اتنين، إنما مش دلوقتي خالص.

سألته عن جهل مصطنع بمهارة:
-لية أية اللي اتغير؟
أشار لقلبه الذي ينبض بعشق معشوقته مرددًا:
-ده اللي اتغير، شعوره ومالكته اتغيرت
لم تتأثر وهي تخبره بثقة أغاظته:
-عادي، مسيره ينساها ويرجع لأصله
تعجب، نعم تعجب، بل دُهش من وقاحتها التي وصلت لأقصى حد، لا يكفي أنها عادت بعد أن تركته ببرود، بل تطلب إسترداد حقها الذي تنازلت عنه مسبقًا!
تحاول غرس سمومها بين ثنايات روحه!
همس بذهول:
-أنتِ مجنونة، أكيد مجنونة.

أقتربت منه أكثر تقطع تلك المسافة القاطنة بينهم، تلتصق به علها تؤثر على شيطانه إن لم تؤثر على قلبه...
وهو قلبه يرتجف بعنف، لم يرتجف عشقًا، بل دهشةً من تلك الغريبة!
فيما أكملت هي تحاول ملئ ذاك الفراغ بكلماتها المعسولة و الذي وهبه إياها دون قصد:
-أنا مجنونة بحبك! أنا مُش عارفة أعيش حياتي من غيرك، أنا بعدت عنك غصب عني صدقني
سألها بتهكم صريح:
-وأية اللي غصبك يا ترى؟

سارعت تهتف في شيئ من الحنق الداخلي الذي يُزعزع روحها يومًا بعد يوم:
-بابا، بابا هددني إني لو مابعدتش عنك وأتجوزت العريس اللي متقدملي هيأذيك في شغلك وحياتك لإن، لإن العريس كان جاهز من مجاميعه وآآ، والفلوس زغللت عينه
ولكن، كانت تقص عليه نصف حقيقتها هي، هي من كانت الأموال تُهز بركان العشق الثائر بداخله فتُهدئه كليًا!
الجشع في الرفاهيه هو من قيد قلبها العاشق بالموافقة...

إختلجت ذاك العشق من بين طيات قلبها ملقيه أياه عرض الحائط، لتغتنم فرصة المعيشة العالية! متنازلة عن باقي أساسيات ذاك الزواج...
خنقها، خنقها ذاك الجشع بمرور الأيام، الأيام التي كشفت لها شخصيته الشديدة، والتي لا تناسب شخصيتها بأي شكل!
أصبحت زوجته أمام الناس والقانون، ولكنها لم تقر بذاك يومًا...

كانت تعتقد كل شيئً سهل، ولكنه كان أصعب مما تخيلت، كلما أقترب تشعر بأنقباض قلبها، واضطراب أنفاسها، أختناق، اختناق، شعور موحش يتشبعها داخله!
تحاول الفرار ولكن دون جدوى، كالوحل المُتشدد يسحبها له..
-ياااه، حد قالك إني أهبل ولا حاجة عشان أصدق
أنتشلها من تلك الأفكار والذكريات الهوجاء التي تموج داخلها، فيما تألق الأنكسار مُشققًا بين عيناه وهو يستطرد بعصبية خفيفة:.

-أنا حاولت، حاولت أقابلك، أتكلم معاكِ، أفهم منك الأسباب بس حتى، بس إنتِ كنتِ جبروت، جبروت وإنتِ بتقوليلي أسفة بس أنا اتخطبت، عانيت وبقيت مريض نفسي، واحد منبوذ بين الناس، لحد ما الشمس ظهرت في ضلمة حياتي أخيرًا، تيجي أنتِ بعد ده كله بكل بساطة تقوليلي غصب عني؟!
قال كلمته الأخيرة بعصبية مفرطة، عصبية اختزتت داخله لسنوات، بينما بكت هي بحرقة، الذكريات تحرقها كلما تذكرت، والندم يأكلها كلما قارنت..

والنتيجة واحدة، هي زوجة آخر!
رمقته بنظرات مترجية، متمسكة بعطفًا يحمله الحنين للماضي، وما كان منها إلا أن تعترف بما خبئته عن العالم كله:
-عبدالرحمن أنا مُش بحبه، مش طيقاه ومش قادرة أقبله في حياتي، كلهم شايفين أن هو المناسب بس أنا شيفاه أخر واحد ممكن اتأقلم معاه
رفع كتفيه يرد بجمود لا يتحلى به ألا في تلك الاوقات:
-وأنا مالي، شيئ لا يعنيني، أنا واحد متجوز ومستني أبني الأول وبحب مراتي فوق ما تتخيلي.

ثم عاد خطوتان للخلف، يؤكد لها على تلك المسافة التي أصبحت بين حياتهم، التي فرقت أرواحهم المتجانسة مسبقًا، ليكمل بنفس النبرة:
-ياريت تحلي مشاكلك بعيد عني، بعيد جدًا
تقطع أخر أمل لديها لأشلاء، فكرت وخططت ونفذت، وخاطرت، ولكن النتيجة واحدة!
سحرًا هذا ما فعلته له تلك الفتاة؟!
فقالت متقهقرة بحسرة حاقدة:
-ماشي يا عبدالرحمن، هحلها، اوعدك هحلها بس هسترد كل حاجة.

عاد لواقعه السليم بهزة كتفه من رضوى التي قابلت إلتفاتته بابتسامة متسائلة:
-مالك سرحان في إيه؟
بادلها أبتسامة مؤرقة وهو يخبرها:
-لا ولا حاجة
ثم سألها بجدية صارمة:
-إنتِ إيه اللي قومك من على السرير؟ مش الدكتور قال ماتعمليش أي مجهود إلا ف اخر كام يوم قبل الولادة تتمشي
هزت رأسها نفيًا، ثم تهكمت في غلب من تلك التحكمات، تعلم أنه يخشى عليها من النسمات الشديدة، ولكنها بشر، تمل بالطبع!
:.

- حبيبي هو قالي ماتعمليش مجهود، مش أقعدي على السرير ماتتحركيش زي المشلولة
رغمًا عنه ضحك بمرح، في ثوانٍ معدودة تستعيد روحه المنطلقة، بعيدًا عن تلك التي تمر عليها بهبوب عاصف، ولكن سريع، جدًا!
فقال مشاكسًا لها:
-اممم حبيبي، المهم أنا لحد دلوقتي مش مستوعب ازاي كنتي هتموتي وازاي الدكتور يقول دي من حركة الجنين مش اكتر؟!
تلاعبت بحاجبيها وقد أستحسنت ذاك الحوار الخبيث:.

-حبيبي، وروحي ونور عيوني، ده قضاء وقدر ياسيدي هنعترض!
نهض فجأة، ليحملها خلسةً، فصرخت فيه متذمرة:
-حرام عليك أنا حاسه إني شوال بطاطا كل شوية تشيله تحطه مطرح ما أنت عاوز بس..
قهقه بمرح يجادلها:
-إيزي يا روحي، مش بسهل عليكِ بدل ما تتعبي نفسك
وضعها على الفراش برقة شديدة، وكأنها ماسة بين يديه يخشى أن تُكسر من خشونته!

ظلت نظراته العابثة تحوم قسمات وجهها بحنان، بداية من رأسها العنيد، وصولاً لشفتيها التي دائمًا وابدًا تحمل دعوة صريحة له بالتقبيل...
وما هو إلا عاشق ولهان يُلبي النداء دون ذرة تردد، إلتهم شفتاها في قبلة عميقة، طويلة متطلبة بالمزيد، هالة من رغبة العشاق تحيط بهم من كل جانب، لينغمسا سويًا في عالمها الخاص...!

كانت أسيل تقف في المطبخ في منزلها، الغضب يحتل جزءًا ملحوظًا من عينيها الزيتونية..
مازالت تتذكر لمعان إصراره على رفضها، تتذكر كلامه الذي حُفر بذاكرتها وكأنه قاصدًا تعذيبها!
قلبها ينتفض تأثرًا بتوسع الفجوة بينهم، الحنق يتسرب مسيطرًا على خلايا عقلها الأهوج...
شعرت بيد زوجها تحيط بخصرها من الخلف، فصرخت مفزوعة وكأنما لمسها ثعبانًا سام:
-جاسر، خضتني.

أستدارت له لتنحصر بين حضنه وذراعاه القوية التي اُحكمت حولها، كما انحصرت مسبقًا في حياته التي لم ترغبها يومًا...
قابلت عيناه المزروعة بأعجابًا خالصًا لها لطالما تغاضت عنه، وخطوط وجهه ترسم عشقًا بات يتخذ طريقه في قلبه!
إبتلعت ريقها وهي تلحظ تلك الرغبة التي تلتمع بين شقي عيناه..
تعطي لبياض عيناه بريقًا مخيف وحنون في آنٍ واحد..

تلك الرغبة التي لطالما أحكمها داخله، سيطر عليها وكبتها بكل عنفوان، يمنع حروف التغزل والرغبة من الزلزلة بين شفتيه..
شهورًا وهو يمنع نفسه عن حقه الشرعي، يحاول فيها، يلين ويتحدث ويتقرب، ولكنه في كل مرة يلاقي الفشل جوابًا واضحًا يُدمر سيل مشاعره المتأملة!
عادت لواقعها على لمسة يداه لوجنتاها الناعمة، بجوار همهمته الرقيقة:
-سلامتك من الخضة.

إبتلعت ريقها بازدراء، وباتت وكأنها تحاول ابعاد جبلاً ثقيلاً عنها، ولكنه ينجذب نحوها أكثر بكل قوته مستجيبًا لسحر عيناها التي لا تشفق على جوعه لها...
شعرت بملمس يداه على جسدها الناعم، شهقت بقوة تأثرًا لها، ثم همست:
-جاسر، لا
ولكنه كان مخدرًا من ذلك الأقتراب الذي لا يتحلى به سوى قليلاً على حين غرة..
ملس بأصابعه الخشنة على شفتاها الوردية وعيناه مثبتة عليها، يهمس بصوت عذب:
-وحشتيني.

أغمضت عيناها تبادله الهمس:
-شكراً
ثم حاولت زحزحته وهي ترجوه بصدق:
-ممكن تبعد عشان أخلص الأكل
هز رأسه نافيًا دون تردد، يداه لم تبتعد عن محور شفتاها، يشعر بكل حرف تنطقه، يرغب في إلتقاطه بين شفتاه، ولكن، هل تسمح له بكل هذا!؟
خرج صوته مبحوحًا بنبرة تعرفها جيدًا:
-لأ، أنا مُش عايز أكل، أنا عايزك إنتِ
نظرت له بجدية زائفة مرددة:
-أنت عارف إني آآ...

قاطع إعتراضها الذي حفظه مسبقًا بشفتاه، شفتاه التي كانت تتوق لتلك اللحظة التي يلتهمها فيها بنهم، شهورًا وهو يُمني نفسه بليلة تصبح له فقط، ليلة واحدة تصبح له قلبًا وقالباً...
ولكن تقلباتها باتت المطرقة التي تُدمر ذاك الجرف من رغباته..
أبتعد عنها اخيرًا يلتقط انفاسه الهادرة، لتستغل هي الفرصة وهي تدفعه بقوة مذبذبة:
-أبعد عني بقا
سألها بقوة وهو يضغط على كتفيها:
-لأمتى، لأمتى هبعد عنك.

ولم تستطع إخفاء ذاك الكره بين سطور عيناها وهي تخبره بشراسة:
-لحد ما أموت مش هتقرب لي، إلا وانا جثة بين ايديك...!
ولم يمنع الذهول من الظهور في نبرته وهو يسألها بحرقه:
-إنتِ بتعملي معايا كدة لية؟!
نظرت ارضًا هروبًا من حصار عينيه، ليعاود سؤالها بنبرة أكثر خشونة:
-قوليلي لو حد أجبرك على جوازي منك؟! مالك في إيه!
ولم تستطع الكبح أكثر، فلتت زمام الأمور منها، فصرخت منفعلة:.

-عشان أنا بكرهك، بكرهك أكتر من أي حد في الدنيا دي يا جاسر..
كلامها يحرقه حرفيًا، حروفها الساخنة تُصيبه في مقتل، يشعر بروحه تختلج من أسفل جلده فتتركه جثه هامدة..
وعقله يغيب بالكامل عن عالمًا لا يدير له جانبه الحلو!
رأت هي إشتعال عيناه، رأت نتيجة السهام القاتلة التي ألقتها بين حروفها، أستعدت لصفعه مؤكدة ستتلقاها منه، ولكنه أستدار وذهب!

بكل بساطة رحل ليترك الذهول يتشبع مسامها متبدلاً مع الكره، إنسحب ببساطة كما لم ينسحب من حياتها، ابداً!

أختناق، شعور ما يقرب للموت يحكم ثنايا روح شهد قبل عقلها، لا تستطع الجلوس بهدوء هكذا وهي داخليًا تحترق من ذاك الأبتعاد الاضطراري..
ماذا عساها تفعل؟! كيف تُسكت ضجة المشاعر تلك التي تهيج داخلها...
تشعر بذاك الصراع النفسي بين أشباحًا من المشاعر تختلط بها!
تنهدت أكثر من مرة قبل أن تنهض متجهه لدولابها، لقد عزمت أمرها، ستذهب له لعمله، إن كان يفر هاربًا من بين شباك عشقها..

ستمُدها هي حتى تتمكن منه، تتمكن الانقضاض والسيطرة على تمرده الحانق!
ستفعل وتفعل، لتصل للأستسلام الغير معهود منه، وإن كان بعيدًا، جدًا من زاويتها...
شيئً ما من النصر داعب روحها المُشتاقة، وقد بدأت بارتداء ملابسها في شيئ من السرعة المتلهفة..
وبالفعل خلال دقائق كانت قد انتهت لتتجه نحو الخارج بخطى متلهفة وسريعة ولكن ما إن فتحت الباب حتى تفاجئت برسالة أسفل قدماها!

اتكأت ببطئ مرتبك تمسك بتلك الرسالة لتجد الكلام المدون..
هجيبك لحد عندي، مذلولة ومكسورة تتمني الموت، تترجيني أسيبك بس أنا هدمرك جسديًا، بعد ما ادمرك نفسيًا، ومفيش كلب هيقدر يمنعني !
كورت تلك الورقة بين يديها، نعم نجح في زرع الخوف في حياتها، ولكنها لن تصمت!
ولكن لمن تلجأ؟! أخيها الذي لن يصدقها بالطبع، ام زوجها الذي بات يكره رؤيتها امام عينيه، وكأنها تصيبه بوعكة صحية!

لم تشعر بنفسها سوى وهي تجر اقدامها متجهة نحو الشركة التي يعمل بها عمر...
بعد فترة وصلت بالفعل، تقدمت ببطئ امام الحارس، لتجده يضع يده ليمنعها، فنظرت له بطرف عينيها متسائلة:
-نعم! ممكن أفهم حضرتك بتمنعني لية بقا؟
سألها بجدية هادئة:
-حضرتك طالعة ل أستاذ عمر صح؟
اومأت مؤكدة:
-ايوة، ممكن تسيبني بقا
زفر بقوة، قبل أن يفجر الخبر الذي خدر خلاياها بل وأوقفها تماما عن العمل:.

-للأسف يا مدام، عمر إتخطف لسة من ساعة تقريبا!


look/images/icons/i1.gif رواية مواجهة الأسد إستسلام غير معهود
  07-01-2022 04:10 صباحاً   [65]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

دوامة من الضياع تلك التي عصفت بها، صدمة لم تتوقعها فشعرت انها تلقت أقوى صفعة الان بقسوة!
إختطف زوجها، حبيبها، مؤسس حياتها وعامودها!؟
هي امرأة لا تقوى على العيش في كيان خالي من مالك القلب والروح...
تلك الدقات لا تنتظم إلا في وجوده فقط، كان وجهها جامد، شاحب تمامًا كالأموات، خالٍ من أي روح، تلك الروح التي خضعت تحت رحمة معشوقها فتركتها للظلمات تبتلع جسدها!

دقائق مرت عليها كسنواتٍ من الضياع، إلى أن صرخت صرخة شقت ذاك الصمت القاسي الذي طبق على صدرها:
-لااااااا عممممممررر!
ثم إندرجت لمرحلة جديدة، البكاء العنيف، شيئ ما تستطع التعمق به دون أن يبتلعها فيزهق روحها!
وكأن قناع تختلج فيها كل ألامها وصرخاتها المكبوته، أمسكت بمكان قلبها تشعر بألم رهيب فيه...
صرخات وصرخات، روحًا تُذبح ببُعد مفاجئ ومُميت، قاتل دون رحمة!

ماذا تفعل الان!؟ توقف عقلها عن العمل تمامًا، تضامنًا مع خلاياها التي شُلت تمامًا!
آآهٍ، لم تشعر يومًا أن مرارة الفقدان مؤلمة لهذه الدرجة..
هما لم يخطتفوه هو فقط، بل كادوا يختطفوا روحها المتعلقة بروحه برابط معنوي صلب ضد القطع!
واخيرًا إستطاعت التحرك بسلام لتركض على الفور نحو مكتبه، غير عابئة بالأنقلاب الذي يعم الشركة...
إلى أن رأت حسين يجلس أمام مكتب عمر يضع يده على رأسه يحكها ببطئ..

اقتربت منه صارخة بانفعال:
-فين عمر يا استاذ حسين، فين جوزي؟
برود، برود ذلك ما كان يتبختر بين حروفه وهو يرد عليها:
-زي ما حضرتك شايفه، إتخطف واحنا بنحاول نوصل للخاطف
كزت على أسنانها بغيظ مزمجرة بحرقة:
-ازاي يعني إتخطف؟! هي وكالة من غير بواب؟ ثم ان اكيد في كاميرات هنا، فين الكاميرات فين البوليس
تدخل الحارس في الحوار محاولاً تهدأتها:.

-اهدي ارجوك يا مدام شهد، استاذ عمر كان رايح يركب عربيته والموبايل في ايده، فجأة ناس جت خدرته وبلمح البصر كانوا اخدوه وجريوا، حتى انا ملحقتش اتصرف ولقيت موبايله اللي وقع ده
لم تعد ترى امامها سوى اشباح الجنون، فصارت تصرخ:
-جوزي اتخطف ومعرفش إيه اللي جراله وأنت بتقولي اهدي
اخترقت جملة حسين اذنيها كالرعد وهو يخبرها متقنًا دوره:
-البوليس مش هيتحرك قبل 24 ساعة على الاختفاء يا مدام، اهدي كدة وفكري بعقل.

كادت تجن، كادت تجن فعليًا، يطلبون منها الهدوء بينما داخل ضلوعها روحًا تتلوى من ألم الفراق!
وظلمات تهجم على حياتها البائسة لتعطيها نكهة السواد الحالك، والأبدي!
إشتدت ظلمة عيناها الحادة ثم أردفت بصوت غريب على نفسها هي المسالمة:
-أقسم بالله لو عمر مارجعش، مش هسكت وهقدم بلاغ ضدكوا انتوا، لإنه اتخطف عندكم!
-ياريت تعرفي إنتِ بتتكلمي مع مين يا مدام شهد.

قالها حسين بنبرة لم يُخفى عليها التهديد الذي كان يتراقص أعلى حروفه الباردة..
تهديد لم يزيد سوى لذة إنتقامها من ذاك الخاطف الحقير، ولكن كيف؟!
هي حتى لا تدرك كيف تتمسك بخيوط حياتها فتعيدها بحزم، عمر دائمًا كان ذراعها الأيمن في كل شيئ...
تلك القوة لا تكتمل إلا بدونه، تلك الحياة لا تستمر إلا بدونه، ذاك النبض يخرج عن حده الطبيعي في غيابه!
غيابه سيسبب اضطرابًا واضحًا في صلب حياتها الواهية...

تنهدت بقوة، وحاولت إسترجاع ذكرياتها مع الحبيب علها تمدها بيد العون ثم قالت:
-أنا عارفة أنا بتكلم مع مين، لكن الظاهر انت اللي مش عارف، أنا دلوقتي ولا اعرف صديق ولا عدو، اللي أعرفه اني مش هسكت الا اما جوزي يرجع لي...
ومن دون كلمة اخرى كانت تستدير لتغادر، لتطلق لدموعها العنان..
خلف ذلك التماسك بحورًا من الألم الصارخ بالنجدة، وبالطبع تلك النجدة لا تتمثل سوى في، عودة الحبيب!

بينما إتسعت ابتسامة حسين وبخلده يردد ساخرًا:
-ربنا معاك يا عمور على اللي هتشوفه!

وحاليًا قد تُسمى مها مجنونة، بالفعل هي جنت تمامًا، الفراق بشكل عام يُشكل أسوء فراغ في حياة الأنسان..
فما بالك بفراق قطعة من روحها؟!
ضجة مشاعر واضطراب يسود داخلها، بكاء وعويل مكتوم اُرهقت من اخراجه فكبتته داخلها!
وسرعان ما إنفجر بوجه تلك الشيطانة رودينا ..
الالاف والألاف من الآهات المكتومة تتحشرج بين ثنايا روحها الملكومة اثر ذاك الفراق القاتل...
وماذا عساها تفعل مع كل هذا!

أي قوة تلك التي تحتاجها لتتغلب وتنتصر، بهذه الحالة لن ترى النصر يومًا، إلا في الأحلام!
نظرت ل أحمد الذي كان يصرخ بوجهها، غضبه المكتوم ينفجر بلا هوادة، دلف باللحظة المناسبة لينقذ تلك من بين يديها..
ولا تدري ما مصيرها إن لم يأتي أحمد بالوقت المناسب تمامًا...
دقيقة كانت ستتحكم في مصير كلاهما معًا!
أستفاقت على هزة احمد القوية لكتفيها الهزيلين وهو يتابع صراخه المنفعل:.

-إنتِ مجنونة! وصلت للقتل يا مها؟ عايزة تخشي السجن
نظرت له بهدوء تام بعكس الثوران الذي بعول داخلها، لتهمس:
-أيوة، وصلت للقتل ولو ماكنتش جيت كان زماني خلصت منها
شل الذهول أطرافه، هذه المرة فاقت توقعاته، فاقتها وبجدارة!
قتل، قتل!
ولمَ لا، تفعلها إن فقدت ذرات العقل المتبقية ترتكز داخلها على امال كاذبة..
كز على أسنانه كاملة بغيظ:
-احمدي ربنا إن أنا جيت ولحقت المصيبة، وإلا رد فعلي ماكنش هيعجبك ابدا.

رفعت حاجبها الأيسر تردد متهكمة بصراحة فجة:
-خايف عليها ولا إيه؟! اه طبعا ماهي السنيورة اللي بتقضي رغباتك
صدح صوت تنفسه العالي، دليلاً قوياً على صراعه النفسي مع وحش غضبه، لولا حالتها، لولا طفلهم المفقود فقط، لكان دمر تلك الثقة المختزنة بين سطورها!
حالتها النفسية، كلمة فقط من تقف حائل بينهم، عاد يحاول التحكم بأنفجاراته بوجهها وهو يأمرها:
-روحي على أوضتك يا مها
هزت رأسها نفيًا تعانده:.

-لأ مش هروح أنا حره، أنا مُش واقفة فوق راسك
هنا تدخلت تلك لتزيد من حدة الفجوة بينهما بقولها:
-إيه ده! لا دي فعلًا إتجننت، فوق ما هي بتغلط ف جوزها مابتسمعيش كلامه
قبض على رسغها بقوة ألمتها، ولكنها تجاوزتها دون وعي تزمجر فيه:
-أبعد ايدك عني، سيبني بقاا بطل التخلف بتاعك ده
وبالطبع جوابه كان صفعة، صفعة تردد صداها في الملأ كنهاية لتمردها دون سببًا قويًا...

أصابعه تركت أثرًا على وجنتاها، وعلى روحها الشرسة ايضًا!

تكاد رضوى تتراقص فرحًا وهي ترى والد زوجها حماها قد أتى لاصطحاب تلك الثعبانة من جحرها..
الابتسامة لا تغيب من بين ملامحها الهانئة، اخيرًا ستحظى بحياة هانئة ولو مؤقتًا..
قلبها يرتجف سعادة، راحة، تهليل، ولكن ليس ضيق ك عبدالرحمن الذي أعتاد على وجودها معهم..
فصار يحاول إقناعها بشتى الطرق:
-طب إنتِ عايزة تمشي لية؟! فهميني يمكن احلهالك وتقعدي
ابتسمت نصف أبتسامة وهي تخبره جادة:.

-لازم أرجع بيتي بقا يا حبيبي كفاية كدة لازم تاخدوا راحتكم شوية
سارع بالقول الجاد:
-لا طبعًا، هو إنتِ يعني اللي هتقلي راحتنا يا أمي، أكيد لا، ولا إيه يا رضوى؟!
ورغمًا عنها كانت أبتسامتها امر مفروغ منه فهمست:
-اه طبعًا، خليكِ يا طنط
هنا تدخل والد عبدالرحمن يهتف بشيئ من المرح:
-ما خلاص بقا، كلكم عايزينها وأنا بلاش يعني، وبعدين انا عايزها بردو
إرتياح...

ارتياح كان شعورًا يهجرها منذ أيام، غمرها وبقوة هذه المرة، ارادت احتضان ذاك حماها شكرًا على معروفه لها..
ولكنها اكتفت بقولها الهادئ رغمًا عنها:
-احنا يهمنا راحتكم يا عمي
وشعرت بهم يغادروا، شعرت بالاختناق يبتعد مغادرًا طيات صدرها..
ولم تشعر سوى بنفسها تحتضن عبدالرحمن، تتشبث به بقوة وكأنها اخيرًا اثبتت انه ملكًا لها!
بينما في الاسفل تنظر تلك لزوجها هاتفة بجدية:.

-روح انت يابو عبدالرحمن وأنا هروح مشوار كدة وهحصلك
سألها مباشرةً:
-مشوار إيه؟!
والكذبة الجديدة كانت على حافة لسانها فأجابت مبتسمة بخفوت:
-واحدة كدة معرفة هزورها، هي كانت صحبتي زمان اوي بس سافرت ولسة راجعة
اومأ بهدوء مجيبًا:
-ماشي متتأخريش، هستناكِ
اومأت مؤكدة، ستنهي خطتها سريعًا، ستنفذ ما أرادته دومًا، ستنقذ أبنها من مستنقع الزواج الذي سيخنقه بعد مدة حتمًا!

ولكن ذلك، من وجهة نظرها الخاطئة فقط، من حقدها الفطري الذي فار وازداد بانتصار رضوى الدائم في حياة ولدها!
وصلت بعد فترة الى احدى الحدائق المغلقة، مكان مقابلتهم السري...
جلست باتزان على احدى المقاعد تنتظرها، الزوج الاخر للثعبان، المتحكم الثاني بمقاليد حياة ذاك المسكين، سليطة الحقد واللسان، وبعد دقائق كانت الاخرى تجلس لجوارها، نظرت لها بجدية تسألها مباشرةً دون اي مقدمات تعتبر:.

-مانفذتيش اللي قولنا عليه لية!
رفعت كتفيها، تنظر امامها بشرود وقد عادت كلماته المخلصة لذلك الرباط اللعين ترن بأذنيها كرعد مؤلم..
ثم همست بصوت شاحب كملامحها تمامًا:
-نفذت، بالحرف
سارعت سؤالها بحدة مغتاظة:
-امال رجع على طول لية؟! مافضلش معاكِ ولا حتى اتواصل معاكِ تاني لييية
صرخت فيها الاخرى بنفاذ صبر:
-ماعرفش، ماعرفش، روحي اسألي مراته دي عملاله انهي نوع من السحر
هتفت متهكمة:.

-لأ أنا مش محتاجة اسألها، عملاله سحر كداب اسمه الحب، طوق ملفوف حوالين رقبته مش راضي يتفك ابدًا
رفعت حاجبها الأيسر، وبسخرية مريرة حملت الألم لنفسها قبل ان يكون لها قالت:
-وتتوقعي إن انا بعد كل السنين دي هقدر أفكه بسهولة كدة!؟
اومأت تتابع بصوت أشبه لفحيح الافعى:
-أيوة تقدري، لأنه بيحبك وإنتِ بتحبيه، ورضوى دي مجرد نزوة في حياته.

صوت داخلها يصرخ بجنون ليست مجرد نزوة للأسف، ليست كذلك ابدًا، سيطرتها ستخلد على قلبه، كانت عيناه تضخ بصدق كل حرف نطقه
فهمست يائسة بحق:
-ماعتقدش إني هقدر يا فريدة
كزت على أسنانها بغيظ، لن تستسلم للهزيمة، لن ترحب بها في قاموس حياتها!
ستظل الهزيمة مجرد رياح عاصفة ومؤقته، ستظل تحتل الصدارة في النصر، دائمًا وابدًا!
نظرت لها بحدة قوية، تغمغم بغليان داخلي:.

-أنا مادورتش عليكِ كل الوقت ده وماتعبتش نفسي كل ده عشان تقوليلي مش هقدر، غصب عنك لازم تقدري
تنهدت باستسلام تسألها:
-والمطلوب مني دلوقتي يعني؟
أبتسمت بحقارة تأمرها:
-اهو ده الكلام، ركزي معايا بقا عشان أقولك هتعملي إيه بالظبط
اومأت تنصت لها بأهتمام، ستجازف، ستحاول، عبدالرحمن يستحق ذلك، عشقها الأبدي يستحق ذلك بالتاكيد...!

وقف سيف أمام ذاك الرجل يرتعش بخوف، كفريسة تتوقع إنقضاض الذئب عليها في أي لحظة، كطرفًا من الخيط الطاهر وقع وسط دناسة بالخطأ!
ينظر له نظرة طفولية غاضبة وحانقة، بينما الاخر يتفحصه كسلعة يخشى كونها سيئة!
نظر للأخر وهو يحك ذقنه الأسمر ويهتف بصوته الأجش:
-اممم وده لقيته فين ده يا مرعي؟!
اجابه الاخر بلهفة إتضحت في نبرة صوته:
-لقيته صدفة وأنا مروح وكان مش لاقي اهله ولا عارف عنوان وبيعيط.

اومأ الاخر وبفم متقوس بخشونة أردف:
-مش بطال يالا
عدل مرعي لياقة قميصه وهو يخبره بفخر أعمى:
-عيب عليك يا ريس هو أنا اي حد
إلتفت الاخر لذاك الكتكوت المبلول يسأله بجدية مترقبة:
-أسمك إيه ياض؟
جاهد سيف لتحريك لسانه إعتراضًا على الخوف الذي شل اجزاؤوه:
-س سيف، أسمي سيف أحمد
وسرعان ما سأله ببراءة:
-هتساعدني أرجع للبيت تاني؟!

إتسعت ابتسامته في خبث، ثم مسح على كتفه، وراح يخبره بنبرة يصعب على طفل في عمر سيف أن يفك شفراتها الخبيثة:
-طبعًا يا حبيبي، بس أنا عشان أدور على أبوك وامك محتاج وقت، ف الوقت ده أنت هتقعد هنا مع عيال ف سنك وتعمل اللي هقولك عليه، ماشي؟
اومأ سيف ولم يغمره الاطمئنان للحظه، ولكنه قال باستسلام:
-ماشي
استقام واقفًا يمسم جلبابه الغامق بيده الكبيرة وصدح صوت الرجل ينادي على شخصًا ما بصوته الأجش:.

-واااد يا زينههههم، أنت يا زفت
ركض الأخر نحوه مسرعًا يسأله بخشوع:
-اؤمرني يا معلم فايز؟
عاد صوته يلتمع بالخبث الذي لا يفارق حروفه وهو يأمره:
-خد سيف، ده جديد غيرله هدومه واديله أكل، خليه يتأقلم معاكوا شوية، بعدين هينزل معاكم في النزلة الجاية
سأله الاخر مبهوتًا بتعجب:
-مسرع ما هتنزله يا معلمي كدة! وبعدين ده لسة طفل 6 سنين او 7 بالكتير مش هيفهم الشغل
زجره الأخر بخشونة وملامحه الحادة متشنجة:.

-دول بيبقوا أكتر ناس مناسبين للشغلانة دي، وهنربيه ع طريقتنا عشان أما يكبر هينفعنا جدا
ظل يجادله معترضًا:
-ده هيودينا في داهية يا معلم صدقني
أمسك فايز طرف ملابسه يهزه بعنف صارخًا بوجهه:
-أنت من امتى وأنت بتجادلني في حاجة ياض يابن * شكلي اديتك اكتر من قيمتك، ده انا جبتك من الزبالة ياروح امك فوووووق كدة.

إبتلع الإهانة الجديدة التي اُضيفت لقاموسه، ليس الان فقط، فحياته تقريبًا أصبحت مجرد - حفرة - تبتلع الإهانات على مضض!
فأطرق رأسه خزيًا، ثم همس:
-امرك يا معلم
سار مع سيف يسحبه للداخل، كل خطوه يخطيها سيف للداخل، يُقسم الاخر انها اولى خطوات عذابه على المدى البعيد!
كل خطوه يتقدمها، يفتح فيها بابًا جديدًا من الشقاء على مصرعيه لحياته الهنيئة - مسبقًا -!

وصلا للداخل، رائحة مقززة تخترق أنف سيف كمقدمة لكم القذارة التي نختزنه تلك الغرفة..
أطفال ينامون على كرتون والبعض الاخر على فراشًا صغيرًا من صنع يديهم، ملابسهم ممزقة تكاد تسترهم...
وملامح متسخة تنم عن فقدان أهم شيئ بتلك الحياة، النظافة الفطرية
أشار له زينهم نحو الداخل بشيئ من السخرية يهتف:
-أتفضل، اهلاً بيك في منطقة الجحيم!

وعلى الناحية الاخرى في وقت اخر، كانت شهد تجلس على الأريكة في منزلها الذي اصبحت لا تطيقه منذ أن غادره رفيق العمر...
بكاء، وعويل، صراخ بالإحتياج، وقلب يأن بضعف مكتوم..
فقط مكتوم! لم تُظهر شهد ولو لونًا واحدًا من ألوان ضعفها..
بل كبحت بكاؤوها، وهزمت ضعفها هزيمة ساحقة، وسرعان ما كانت تعود لقناعها الجامد بلا روح!
كانت رضوى تجلس لجوارها كالعادة في المصائب، لم تصدق اذنيها وشهد تخبرها بأختصار ما حدث..

والاخرى تمليها الكارثة التي حلت فوق رأس مها ايضًا، ولم يكن منها إلا أن اتجهت تطمأن على شهد بعد إصرار...
كلاهما تحتاجها، شهد الهشة، ومها المنهارة!
ظلت تربت على كتفها برفق هامسة:
-لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا..
اومأت شهد دون أن تنظر لها:
-ونعم بالله
فرت الحروف هاربة من حلق رضوى، لتتركه جاف كصحراءٍ ترويها المصائب فقط!
لم تدري كيف تُصبرها وهي شخصيًا تكاد تقع صريعة الصدمات...

ولكنها شددت على كتفها تهتف بصوت العقل:
-شهد، عمر هيرجع لك صدقيني، محنة وهتعدي بس لازم تكوني قدها
شهد!
شهد اساسًا تموت ببطئ، تُسلخ تلك الروح منها، تفتقد كل معاني القوة..
ولكن رغم ذلك تتمسك بقناع كاذب يتوارى خلفه ضعفها الغير متناهي!
ولكن لا تستطيع أن ترسم افضل، لقد رسمت أفضل لوحة لفتاة قوية تنتظر عودة زوجها سالمًا...
بينما قلبها ينعتها بالنفاق، النفاق الذي اتخذته مرضخة تحت سلطة العقل!

نالت رضوى منها نظرة تحمل سواد الليل بأسره، لترد عليها بصوتها المبحوح:
-أنا قدها، أنا كويسة!
كاذبة، كاذبة أنتِ يا بنت حواء...
صرخ بها صوتًا داخليًا شريدًا وبعيدًا كثيرًا عن مرمى العقل!
صوتًا وحيدًا مُتيقظ وسط ألالاف الخلايا الميتة اثر الفراق الموجع...
فسمعت صوت رضوى تقول بمرح كاذب:
-هحاول اصدقك واعمل نفسي هبلة
حاولت، حاولت الابتسام ولكن فشلت بجدارة، فأردفت بصوت يكاد يسمع:.

-اطمني انا هبقى كويسة، وطمني خالتو قوليلها مفيش داعي تيجي خليها مع مها هي محتاجاها أكتر
سألتها بريبة:
-متأكدة من كلامك ده يا شهد؟
اومأت مؤكدة دون تردد، هي بالفعل ليست بحاجة أي شخص، سواه هو!
-ايوة متأكدة، أنتم بس اطمنوا على مها ولما سيف يوصل بالسلامة، ووصلي اعتذاري لمها مش هقدر اروحلها من غير عمر
اومأت رضوى متنهدة بصمت، إلا ان شهد أكملت بخفوت أكثر وكأنها تستمد القوة من مجرد السيرة:.

-ومحسن زمانه جاي في الطريق، أنا كلمته من بدري
ظلت رضوى تنظر لها بصمت، إلى أن قطع ذلك الصمت صوت طرقات شديدة الفزع على الباب جعلت قلوبهن تكاد تُشق نصفين تحت إشراف الرعب!


look/images/icons/i1.gif رواية مواجهة الأسد إستسلام غير معهود
  07-01-2022 04:10 صباحاً   [66]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

بمجرد أن دلفت أسيل إلى المنزل وفتحت الأنوار، شعرت وكأنها اضاءت أنوار جهنم حول روحها هي!.
نظرت امامها مبهوتة وهي ترى زوجها المصون جاسر يجلس على الأريكة يضع قدم فوق الاخرى...
وقد تكلفت ملامحه بأرسال رعشة قلقة من مظهره الغاضب، عيناه السوداء التي تتدفق حنانًا دومًا وهي في أسوء حالاتها!
تقدمت منه ببطئ تبتلع ريقها بمرارة خالصة، وفي الحقيقة هي لا طاقة لها بجدال الان...

تلك المواجهة التي ستجريها مع عبدالرحمن قريبًا تستهلك كل طاقاتها في التفكير بحنق من نفسها قبله!
ترددت كثيرًا قبل أن تهتف بهدوء مصطنع بينما داخلها يرتعد خوفًا:
-إيه ده أنت صاحي
إلتوى فاهه بابتسامة ساخرة قاسية كنبرته وهو يرد:
-اه، اصلي رجعت من الشغل لقيت مراتي الحلوة مستنيااني مش عارفة تقعد لحظة من غيري
حاولت استجماع اتزانها وهي تخبره:
-كنت في مشوار ضروري.

كانت تلك كالقشة على البعير تحركه بقوة، فانهض مسرعًا وبلحظة كان يقبض على ذراعها بقسوة يهدر فيها حانقًا:
-والمشوار ده ماكنش ينفع تكلميني تقوليلي عليه، على الاقل ابقى عارف
حاولت الإنفلات منه متأففة بضجر بات ينفذه قواه المسيطرة على نفسه:
-يووه يا جاسر، هو احنا اللي هنعيده هنزيده، قولتلك مابحبش التحكمات دي خالص، من فضلك خليك في حياتك وخليني أنا في حياتي
هز رأسه نفيًا ثم أخبرها بصلابة لاذعة تليق به:.

-لا، ابدًا، احنا حياتنا واحدة، من يوم ما أبوكِ سلمك ليا واحنا حياتنا واحدة ومش هتبقى غير كدة
هزت رأسها نفيًا، غل ذاك ما يغلي بين أوردتها، لهيب التمرد أشتعل حول روحها المستعرة، وحقد الشهور الذي كُتم بداخلها لشهور، تدفق وسط حروفها المسمومة وهي تصرخ فيه:
-مابحبكككككش، بكرهك افهم انا بكرهك مش عايزاااك، مش بطيقك.

كلامها كان كسيف مسموم مميت إنغرز بقلبه المشقق، الحقد الذي يشتد في عينيها كان سهامًا تنطلق لتكسر اي رابط للأمل تكون داخله!
قلبه كان يرتجف داخليًا من الألم، يرجوها أن تتوقف عن تحطيمه، تعذر دقاته الضعيفة التي لا تنبض إلا لها..
ولكنها لم تعيره اهتمام وهي تكمل سيلها القاتل دون رحمة:.

-اتجوزتك غصب عني، حياتنا مش واحدة ولا عمرها هتكون واحدة، انا مابحبكش، ولا عمري هحبك ولا عايزاك، حياتنا طول عمرها مرفوضة بالنسبالي، ياريتك ماشوفتني ولا اتقدمتلي يا شييييخ
ثم اصبحت تضربه بقبضتها على صدره الذي كان يهتز تضامنًا مع قلبه المرتعش بألم وهي تتابع بهيستيريا:.

-دمرتني، دمرت حياتي، كل ده عشان عجبتك، يا شيخ ملعون ابو الجواز اللي غصب ده، أنت اكتر انسان بكرهه في حياتي، وماظنش إني هكره حد اده ابدا، ابدًا!
تخازلت قبضتها لتتركها وهي تكاد تسقط ارضًا بهذيان، حالة غريبة من الثوران للسكون التام كنقطة في عرض البحر!
واخر شيئ همسته:
-أنا موجوعة، أوي.

هنا أمسك بها ويده تقيد خصرها بقوة متملكة وهالكة، يشدها نحوه حتى ألصقها به، ينظر لعيناه التي اشتدت بالقهر الممزوج بالكره، ليحتضنها اكثر مشددًا على حروفه وهو يخبرها بصوت متألم:
-وانا موجووع، أوي أوي، اكتر مما تتخيلي
رفعت رأسها تنظر لها مستفهمة، ليقابل تساؤلها بقبلة عاصفة، كريحًا هبت على شفتاها الباردة ترطبها، يلتهمها فيها بنهم وجوع لطالما كبته داخله...

حاولت التملص من بين ذراعيه، ولكنه قيدها بقوة ليلصقها به اكثر حتى باتت تستشعر سخونة جسده الحارق من اقترابها هكذا ولأول مرة...
ابتعد بعد دقيقة يلتقط انفاسه التي كادت تهرب بين شفتاها، بينما عيناه لم تنحدر عن شفتاها المتورمة قليلاً!
تنهد بصوت عالي، بينما هي حاولت إبعاده وهي تهمس لاهثه بحنق:
-أبعد أنت آآ...

وايضًا إبتلع باقي حروفها بين شفتاه، يحاول أن يروي ظمأه الذي يبدو انه لن ينتهي منها، يتذوق رحيق شفتاها الذي لطالما حلم به...
وفقد سيطرته على نفسه بالكامل!
نسى نفورها ورفضها، تغاضى عن تشنج جسدها تحت لمساته، زال سهم عيناها السام..

وشفتاه تقرع طلبًا للمزيد، وجسده يستعر بنار الشوق للأكثر، رغبته الحارقة فيها تزداد أكثر فأكثر، وهو بات أكثر من ملبيًا للنداء، فاصبحت شفتاه تختم ختمها الثمين على رقبتها البيضاء، وكتفها الذي ظهر ما إن أبعد قميصها عنه، يلتهم كل جزء منها وهو يلصقها به اكثر، بينما هي متبلدة بقهر، يأست من ابعاده فلم تجد سوى الاستسلام المميت لها!
وصلها غمغمته الخشنة بوضوح وهو يكمل التهامها:.

-أنا موجوع، من رفضك، من النار اللي بتقيد جوايا عايزاكي، من ايدي اللي بتموت كل يوم وهي مش قادرة تضمك ليها، من جسمك اللي بيقشعر كل ما ألمسك، موجوع منك أكتر من اي حاجة
أغمضت عيناها لتهبط دمعة يتيمة على وجنتاها فتسقط على شفتاه التي كانت تأكلها اكلاً، ثم زجته برفق وهي تهمهم بصوت مبحوح:
-أبعد عني، مش مستحملة لمستك، مش مستحملة ايدك على جسمي، نار بتاكلني لما بتقرب مني، هموت!

وكان ذلك كفيل أن يجمد شفتاه على أسفل رقبتها، تصلب جسده كله بقسوة، رفع نفسه بصعوبة ينظر لها، ويا ليته لم ينظر فيقابل نظرتها تلك التي ذبحته بكل برود وقسوة!
ابتعد عنها ببطئ شديد رافضًا أي نداء لقلبه، لتغادر هي، بكل بساطة غادرت دون كلمة، وكأنها شعرت بكفايته مما قالت!

حاولت طرد تلك الأفكار السوداء عن عقلها حول هوية الطارق، علها تكون تكملة لباقي الكابوس الذي ستستيقظ منه حتمًا على أصابع حبيبها وهي تملس بنعومة وجنتها المرمرية التي يعشقها..
ولكن ذلك الكابوس أنتهى بصفعة مؤلم من الواقع تؤكد لها انه ليس كابوسًا!
بل واقعًا مريرًا عليها أن تتعايش معه شاءت ام أبت...
نظرت لرضوى التي اتجهت معها لتقول بحزم قاطع:.

-خليكِ مكانك يا رضوى، ده أكيد صاحب السوبر ماركت اللي أحنا متفقين معاه
لا مانع من أضافة كذبة اخرى لعالم القوة الذي تخلقه من شظايا روحها!
بينما هزت رضوى رأسها نافية والطرق يزداد قوة:
-لأ، روحي افتحي وانا وقفالك هنا
اومأت شهد وهي تجبر قدماها على الحركة نحو الباب، وفجأة هدأت الطرقات تمامًا!
سكون قاطع يأتي في اذيال الضجيج المرعب، هكذا ودون مقدمات؟!
فتحت شهد الباب ليلفح الهواء فقط وجهها، فقط الهواء ليس إلا!

نظرت هنا وهناك وهي تنادي متوجسة لأي هجوم:
-مين؟ مين هناك!
ولكن ما من مجيب، دب الرعب في قلبها وأنهى مهمته، ثم غادر هكذا وببساطة دون أن يعلمها بشخصه حتى!
كادت تستدير وتدلف مرة اخرى إلا أنها إنتبهت لورقة أسفل قدماها...
وبالطبع توقعت بسهولة المرسل، فارتجفت أصابعها وهي تلتقطه بهدوء تام، وكأنه هدوء ما قبل العاصفة!
سمعت سؤال رضوى المتعجب:
-ده مين السخيف اللي باعت جواب ده.

هزت رأسها نفيًا وشعرت بصوتها يختفي من كثرة الخوف:
-مع معرفش، هنشوف اهو
داهمتها كلماته بقسوة، كلماته تنحر قلبها المُشقق، والتهديد يتقافز كشبحًا امام بلا حياء!
جوزك معانا، وأنا افضل ماتبلغيش البوليس، لإنك لو بلغتيه هتقرأي على روحه الفاتحة، بس بعد ما يشوف العذاب أشكال وألوان طبعًا !
وماذا تريد أكثر من ذلك لتحترق حية؟!
لتموت في لحظتها وهي تتخيله يتعذب!

حقد ذاك المجهول كرياح عاصفة أبادت حياتهم التي كانت كزهرة في مهب الريح...
تأوهت بصمت قاتل وهي ترى الصمود يخر صريعًا قبلها!
بينما إلتقطت منها رضوى الورقة تقرأ، لتضغط على الورقة بيدها، ثم إشتدت نبرتها وهي تتأفف:
-الله يحرقه مطرح ما كان، حسبي الله وكفى، ده حيوووان عايز إيه ده!
بينما داخل شهد كان عزاءًا في راحة لن تذقها إلا بعد مرارة قاسية...

عيناها تنبض بالأصرار الذي يغطيه غلافًا من الدموع التي احكمتها شهد!
ألف صرخة ودت لو تخرج فتكسر قشرة الجمود تلك، ولكنها كانت أقوى منها فاشتدت قبضتها عليها بقسوة عذبتها هي قبل أي شيئ...
إنتبهت لسؤال رضوى المحتار:
-هتعملي إيه يا شهد؟
ظلت تنظر امامها دون تعبير واضح، إلى أن هتفت دون تردد:
-مش هبلغ البوليس..!
صرخت فيها رضوى منفعلة من ذاك الاستسلام الذي بدأ ينافس الصمود لتوه:.

-لأ طبعا إنتِ مجنونة! هتستسلمي من مجرد تهديد تافه؟
وعندما لم تجد رد منها، أكملت بحنق:
-محدش غير البوليس هيقدر يرجعلك جوزك، إلا لو إنتِ ناوية تقري الفاتحة على روحه فعلاً
تعلم أنها تزيد من رش الملح على جرحها المفتوح، ولكن مهلاً، ليس هناك مانع لعلاج مرير إن كان أخذه اضطراري!
قد تصل الى حافة الانتصار متألمة، متوجعة، مكسورة وهشة، ولكنها في النهاية ستصل!
ستنتهي المركب بمرسى النجاح وإن كانت هالكة، جدًا...!

تغاضت شهد عن قسوة حروف رضوى بصعوبة وهي ترد بجدية:
-ماقدرش اخاطر بحياة عمر يا رضوى، وخصوصا انه شكله مراقبنا وقدر بكل بساطة يدخل الورقة دي
صرخت فيها مزمجرة:
-يبقى استني لما يبعتهولك جثة مفيهاش روح
كلامها صحيح، لا بل أكيد، جعلها تطفو للواقع قليلاً، الواقع الذي بعدت عنه كل البعد على سبيل القوة الواجبة!
لكن، ماذا عساها تفعل، بداخلها صراع قوي من طرفان لا يعرفان معنى الهزيمة، وتشعر أنها ستُمزق بينهم حتمًا..

مهلاً مهلاً، عن أي مستقبل تتحدث؟!
هي مُزقت بالفعل وانتهى الامر، والمعروف أن الماضي دائمًا هو المنتصر في تحقيق الوجع الاكبر!
لم تجد سوى أن تهمس بمرارة العالم كله:
-أنا تعبانة، تعبانة أوي
ثم لم تمهلها فرصة التهوين عليها، فأسرعت تركض بكل ذرة تحيى فيها نحو عالم اللاوعي، والذي أستقبلها بكل ترحاب!

وقف سيف امام الصبيان يراقبهما كيفما اومر، يرتجف داخليًا بقهر...
ويتعلم منهم كيفية السرقة دون ان يدري!
عيناه متسعتين بانبهار طفولي مصدوم، ويراقب حركاتهم، يهتم بتلك اللعبة التي اجبروه عليها، إبتلع ريقه بصعوبة وهو يسمع زينهم يناديه بضجر:
-يلا ياض دورك، ماتقفش تتنح مكانك كدة كتير
هز رأسه نفيًا ثم اخبره:
-لأ أنا مش هعرف أعمل كدة يا زينهم
أقترب منه زينهم يزجره بعنف مرددًا بصوت عالي:.

-نعم يا روح أمك، أحنا اصلًا بنوريك مراعاة لسنك الصغير مش أكتر، مش عشان تقول مش هعرف
ثم صفعه بقوة، فعل ما لم يفعله والداه، نظر لأثر صفعته على وجنتا سيف البيضاء، ثم أكمل ساخرًا:
-احنا مش بنلعب بنك الحظ ياض، ده أكل عيشك من هنا ورايح
ظل سيف ينظر له مبهوتًا، تلك الصفعه كانت بمثابة وصمة عار على روحه التي لم تتعدى مرحلة الطفولة بعظ!

وفجأة إنفجر في البكاء، يبكِ بحرارة وحرقة، الان فقط أستشعر مرارة فقدان والديه، شعر بروحه المهشمة تنزلق بعيدًا عن جسده لتتركه ميتًا...
سحبه زينهم معه حتى كاد سيف يسقط بسبب البنطال الطويل والواسع الذي يرتديه، فصاح فيه منفعلاً:
-أبعد عني، أنا هرجع البيت ابعد سيبني
سمع قهقهات كثيرة من باقي الصبيا، وهمهمات ساخرة صدرت عنهم:
-هو دخول الحمام زي خروجه ولا إيه!؟

وكأن سخريتهم تلك أكتسبونها من المعرفة بخط سير العذاب الذي سيسلكه سيف ..
او ربما يقينهم أنه بعدما اقحموه في ذاك العالم لن يهرب منه، لانه ليس إلا سراااب يتسلل لك أينما هربت!
ظل سيف يبكي بحدة، ثم صرخ فيهم بهيستيرية:
-بس اسكتوووا، ملكوش دعوة بيا سيبووووووووووني
ولكن أي رجاء هذا!؟، كل رجاء صدر منه إنقطع موازيًا مع الصمت الذي حل المكان من قدوم سيدهم...

فعم الصمت لا يقطعه سوى صوت نشيج سيف المتألم، شهقاته تلك التي خرجت مذبوحة بمرارة!
وما إن رآه سيف حتى سارع يتمسك بقدماه وهو يرجوه متوسلاً بحزن أدمى قلبه الصغير:
-عمو خليني أمشي عن العيال دي، و زينهم، زينهم بيضربني
بينما كان وجه الاخر جامدًا متخشبًا، لم يلين برجاء سيف المذيب، بل قال بصلابة قاسية:
-يبقى أكيد أنت ماسمعتش الكلام عشان كدة بيضربك
سارع سيف مبررًا بدهشة نافيًا:.

-لا، ده هو اللي عايزني أسرق من الناس
نظر له باستهانة ثم أبعده عنه بقوة يسأله ساخرًا:
-ماهو ده شغلك من هنا ورايح، امال أنت هتقعد هنا ببلاش
هز سيف رأسه نافيًا، وبشفتاه التي ترتجف خوفًا نطق بصعوبة:
-لأ أنا مش عايز أقعد اصلا، انت قولتلي هتدور على ماما وبابا، أنا عايز أمشي
تأفف ثم زمجر بعصبية خفيفة يأمره:
-روح يا سيف أعمل زي ما بقولك عقبال ما نلاقي امك وابوك
اعترض بقوة واهية:.

-لا انا مش هسرق، ماما قالت لي حرام وعيب دي حاجة مش بتاعتي
وسرعان ما عادت تلك الضحكات الساخرة تصدح مرة اخرى على حديثه الاخلاقي والذي لا يتناسب مع بقعة الفساد التي يقطن بها!
بينما أشار لهم بيده يصيح فيهم حادًا:
-اخرسوا انتوا بتضحكوا على إيه؟! اوعوا تنسوا انكم كنتوا زيه اول ما جيتوا هنا، وهو هياخد وقته ويتأقلم معاكم
لاحظ أعتراض سيف الذي استشعره من تشنج جسده الضئيل...

وإن كان التصميم أسلوبك، فاتخذ العقاب سبيلا!
نظر ل زينهم يخبره بخشونة:
-زينهم، خده على اوضة العقاب، عشان يعرف انه لازم يسمع الكلام بعد كدة
ثم استدار وغادر بكل بساطة!
لم يرتجف قلبه شفقةً على هذا الطفل الذي اقحمه في دائرة مغلقة من العذاب، لم يهتز له رمش، بل غادر بكل برود لا يليق سوى بفاسد متحجر القلب والمشاعر مثله!
بينما شده زينهم وهو يزجره بملل:
-يلا امشي وبلاش مقاومة عشان عقابك مايزدش.

وكان سيف يبكي، يصرخ وينوح، كعصفورًا حبيسًا يختلع ريشه رويدًا رويدًا، اسيرًا تحت رحمة أناس لم تعرف الرحمة يومًا!
إلى أن دلف الى حجرة العقاب تلك، تمثلت له في صورة - جهنم على الأرض - وعيناه تتسع أكثر فأكثر وهو يدرك بصعوبة ان ذاك العقاب لم يكن سوى - ضربًا للأطفال ( بالخرطوم ) -!
يضربوا هكذا أطفالاً لم تتعدى العاشرة من عمرها!
يعذبونهم عذابًا جسديًا يتناسب وبشدة مع ذاك العذاب النفسي؟!

إرتعش جسده ارتعادًا من مظهر طفلان كادا ينزفان متأوهين بألم مكتوم، بينما صرخت عيناه بالنفور، ودموعه اللامعة كزجاجًا يحفر بذاكرته صورة لن ينساها يومًا...
ظل يهذي برعب حقيقي لزينهم الجامد جواره يلاحظ تعبيراته:
-لا والنبي يا زينهم، أنا اسف عشان خاطر ربنا ماتخليهمش يضربوني
هز زينهم رأسه نافيًا، ثم رد بقسوة:
-امر المعلم خرج خلاص، لازم تتحمل نتيجة عصيانك لأمره
ثم بدأ زينهم يخلع عنه التيشرت بقوة...

واللحظات التالية كانت أصعب ما مر به سيف في حياته القصيرة، عذابًا لم يذقه يومًا، مرارة لاذعة الطعم تسيطر على حلقه الذي جف من كثرة الصراخ...
بات لا يشعر بظهره الملون بلون الدماء، عيناه تتشارك نفس اللون من كثرة إنفعاله وصراخه...
لو كان العذاب له قلب ينبض لكان توقف عن اللحاق به، شفقةً منه على هذا الدخيل لذاك العالم الميؤس منه قصرًا!

انتهوا من الدورة التي يتلقاها كل دخيل جديد، ثم فك زينهم الحبال عن يد وقدم سيف، ليرميه على الأرض هزيلاً شاحبًا كالموتى...
مراعيًا في قوانين عذابه، أن يرى الموت ولكن لا يمسه !

كانت رضوى تجلس أمام شهد الصامتة تمام نفذت حروف المواساة فلم تعد تدري ماذا تقول لها!
ورغمًا عنها تذكرت محاولة حماتها الفاشلة لموت جنينها، ###
بعد أن نهضت لتعد العصير، نهضت رضوى بخفة لتجلب - السلة - التي تكمن بجوار المطبخ، امسكت بالسلة وكادت تسير ولكن فجأة لمحتها وهي تضع شيئً ما بالعصير!
لم يكن شيئ بل كان دواءًا!
وترى ماذا ستضع لها دون علمها سوى شيئ ضار لها او لطفلها؟!

شهقت مصدومة وهي تحاول كتم شهقتها ثم ركضت لتعود لمكانها مرة اخرى...
التعامل مع شيطانة كتلك لا يجب أن ينحدر سوى لتعامل خبيث يماثله...
وهذا ما فعلته تماما، ما إن جلبت لها العصير وجلست ثم شردت تتذكر ما فعلته حتى سكبت رضوى العصير في السلة بجوار الاريكة بحذر...
ومرت الدقائق فأطلقت صرختها العالية وكأنها تتألم، وما أكد لها شكها هو برود تلك السيدة وهي تراها تصرخ وتأن بألم...

عادت من شرودها لتتأفف على حالها، وكأنعا تعيش في - فيلم هندي -!

بينما على الطرف الاخر...
وصل عبدالرحمن إلى منزله، مُنهك حرفيًا، منهك جسديًا ونفسيًا، بالكاد يسير على قدميه!
رمى كل شيئ قبل أن يتسطح بهمدان على الفراش، لايزال يتردد صدى بكاؤوها في اذنيه، كرعدًا يزلزل المكان طلبًا للأمطار...
امطار العشق التي جفت للأبد من حياتها البائسة بدونه!
لا يدري لمَ تُعانده ذاكرته فتحتفظ بتلك المقابلة محفورة بعقله...
كل ما يشعر الضيق، الضيق المسيطر على كل خلاياه بلا منافس..!

ترى ماذا فعلت الان؟! وما هي مشكلتها التي كانت تحتاجه لحلها؟!
مهلاً مهلاً، ولماذا يهتم من الأساس!
ألم تكن هي من أغلقت حياتها بسلاسل المصلحة بعدما ألقته خارجها بكل مهانة، ألم يكن يُعاني وحشة الظُلمات حتى ظهرت رضواه فأنارتها بصفائها!
الان يفكر في تلك التي ظهرت في حياته فجأة قاصدة تدميرها؟
لا وألف لا، لن يسمح، لن يعيد كرة الدمار مرة بعد مرة، المؤمن لا يُلدغ من عقرب مرتان!
وهو مؤمن بالقدر، وبشدة،.

نهض جالسًا وهو يمسح على شعره عدة مرات...
الأمر ليس بيده، بات يشعر أنه ليس المتحكم الوحيد في حياته!
وهذا يُعد خطرًا يجب الحظر منه، أو مرضًا مثلاً يجب الخضوع لعلاجه قبل تخطيه لحياته حتى!
ضرب الفراش بقبضته وهو يصرخ:
-كان لازم تفضلي مع شهد!
تأفف متابعًا والألم تشتد قبضته على روحه التي باتت هشة:
-أنا محتاجك أكتر من شهد
ومن دون تفكير كان يمسك هاتفه ليتصل بها، وبعد دقيقة كان يأتيه صوتها المرهق:
-السلام عليكم.

-وعليكم السلام، مالك؟
-مفيش حاسه اني مرهقة شوية بس
-ما إنتِ لازم ترتاحي
-شهد لوحدها ماينفعش أسيبها، والحمدلله ان ماما مع مها، واهم بيدوروا على سيف يارب يلاقوه
-امييين، طب آآ
-قول يا عبدالرحمن من امتى وانت متردد معايا
-انا محتاجك، محتاجك جمبي
-شهد، محسن هيجي بس مش عارفة أمتى بالظبط
-ويعني؟
-هشوف لانه ممكن يوصل بعد شوية وهاجي
-اييييية! لا طبعًا، الساعة داخلة على 10 بليل يا مدام، أنا هاجيلك
-ماشي.

-ماشي، خلي بالك من نفسك، في رعاية الله
-وأنت كمان، مع السلامة
أغلق وهو يتنهد بقوة، وجودها لجواره هو أفضل ترياق لسمًا كاد يسيطر على عروقه كاملة!
ظل هكذا حوالي عشرون دقيقة حتى سمع هاتفه يعلن وصول رسالة تخبره فيها أن يأتي لأصطحابها...
وهو كان اسرع من ملبي للنداء فنهض مسرعًا يحمد الله انه لم يبدل ملابسه..
وصل إليها بعد دقائق، هندم نفسه سريعًا ثم تقدم ليدلف إلى الداخل...

فتحت له رضوى ودلف ببطئ، وما إن رأى شهد حتى هتف بأسف:
-ازمة وتعدي إن شاء الله يا مدام شهد، وإنتِ ادها وادود أنا متأكد
وكان أصعب شيئ حاليًا هو الابتسام وقد تشققت شفاهها تمامًا كروحها المُعذبة، فردت بشحوب:
-إن شاء الله، ومعلش اخرت رضوى عندي
هز رأسه نافيًا بسرعة:
-لا لا، لو عايزاها هتبات معاكِ تمام
هزت رأسها نافية لتخبره بهدوء:
-مانعوزكوش في حاجة وحشة بأذن الله، أخويا في المواصلات زمانه على وصول.

نظرت لها رضوى بطرف عينيها وكأنها تسألها مرة اخرى، فأومأت شهد بابتسامة لم تتعدى شفتيها...
ومر الوقت يحاولوا فيه مواساتها، ولكن بالطبع فشلوا...
وفي الدقائق التالية كانوا يغادروا، لتبقى هي وحيدة، بين براثن تلك الحياة السالبة، الساحقة، والمميتة وحدها!

بدأ عمر يستعيد وعية، لا يدري كم مر عليه وهو نائم هكذا، ولا من فعل ذلك، ولكن ما يفهمه جيدًا أن تلك الدوامة لم تتركه إلا بمقاتلة مميتة!
وبالطبع كما توقع وجد يداه مكبلة كما قدماه وهو يجلس على احدى الكراسي الخشبية...
اخر ما يتردد صداه داخل ذاكرته هو التخدير الذي أثقل قدماه فسقط مغشيًا عليه بين يديهم!
اخذ يزمجر بغضب وهو يبحث بعيناه المشتعلة عن الذي سيُقتل بين يديه حتمًا ما إن يراه:.

-انا فيييين، أنتوا يا كلاااااب
ولكن ما من مجيب، صامت قاتل متوحش من يفرد ستائره على تلك الغرفة اللعينة!
ذهب كل ذلك ادراج الرياح وهو يرتكز بسؤاله المتوجس..
كيف حالها؟ ماذا ستفعل، كيف ستتصرف
هو يدرك جيدًا دوره القوي في حياتها، بل يُيقن وبفخر أنه نقطة وسط كيان، إن زالت يزول الكيان معها!
لتبقى مجرد جسد هش، وهذا ما لن يسمح به، ابدًا!..

ظل ينظر حوله عله يعرف أين هو، ولكن خانته عيناه عندما عادت لمظهره دون أي معرفة...
قلبه ينبض بعنف، بل يثور ويتمرد داخله، يود النجاة من ذاك الوحل الذي غمسوه به! ولكن رغمًا عنه، يجذبه اكثر...
وقد تصل نهايته إلى مطاف مُهلك، لا يصح إلا لنفوس معينة من البشر!
واخيرًا وجد ذلك الباب يُفتح ببطئ، ببطئ شديد وكأنه يتولى مهمة تشويقه، إلى أن رأى الرجل، ويا ليته لم يراه فتكن الطعنة من نصيبه الممتلئ من الألم!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 9 من 31 < 1 19 20 21 22 23 24 25 31 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، مواجهة ، الأسد ، إستسلام ، معهود ،











الساعة الآن 01:56 AM