رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والستون
كان بريق الامل امامه في لحظات، ظهر من بين شفتي حاتم من دون ان يشعر، كان حاتم يفكر بخبث، يضع الخيوط اينما اراد وينصبها وقتما يشاء دون ان يحذر مما يمكن ان يحدث عكس ما يريد، هتف بنبرة اشبه لفحيح الافعي: عمر هو إلى هيساعدنا نخرج عقد فارس حاجبيه ثم سأله بعدم فهم: ازاى يعني عمر! اجابه ببرود وهو يرفع كتفيه: يعني عمر، بس ياريت يطلع زى منا متوقع ميعملش غير كدة تأفف فارس ثم قال بنفاذ صبر:.
ماتعرفني هتعمل اية على طول من غير لف ودوران يا عمى نظر له حاتم ثم تابع بصوته الأجش: عمر من ساعة ماعرفتوا مابينكرش فضل حد عليه، وانا كان ليا فضل عليه كبير كمان، يعني لو اقنعته انى ندمان وتوبت، وطلبت منه، مش هيرفض، وخصوصًا ان انا ليا تأثير كدة عليه.
ضحك فارس بسخرية مريرة، سخرية على الأمل الذي انطفئ لتوه، الان فقط فهم فارس ان عمر كان يعمل معهم لهدف يعلمه هو وحده، وانهم كانوا مجرد وسيلة مؤقته، بينما عقد حاتم حاجبيه متساءلاً بضيق: اية إلى بيضحك كدة! تنهد فارس بقوة، تنهيدة تحمل كل معاني الأسي، تنهيدة لو اخرجها امام احدى الزهور الصغيرة لسقطت من شدتها، ثم رمقه بنظرات متهكمة وتابع بصوت قاتم:.
إلى بيضحك انك لحد الوقتى مفهمتش عمر كان بيعمل كدة ليه، عمر كان عايز ينتقم مننا عشان عرف ان احنا إلى قتلنا هند، وكان بيدبر من بدرى ولما جتله الفرصة نفذ، ده كمان لسة معرفش ان هند كانت ميتة من بدرى واننا كذبنا عليه، امال لما يعرف بقاا رفع حاتم كتفيه بلامبالاة، ثم قال ببرود: عارف، خلاص خلينا ف السجن لحد ما نموت جز فارس على أسنانه بغيظ، ثم هز رأسه نافيًا بأعتراض شديد، واكمل ب: لا مش هاقعد هنا لحد ما اموت.
نظر له حاتم بتساؤل، ليستطرد هو بزافرة قوية اخرج بها كل المشاعر المختلطة المشحونة بداخله: انا هأعترف بكل حاجة، يمكن ساعتها القاضي يراعى ويخفف الحكم إتسعت حدقتا بصدمة جلية، من يراه يعتقد انهم سحبوا منه الأكسجين عنوة، نعم، فأخر شخص كان معه في نفس الدائرة، الان ينسحب بكل هدوء، ليتركه وحده يختنق رويدًا رويدًا.. نظر له بحدة قبل ان يمسكه من ذراعه بقوة، ويقول بتحذير:.
على الله اعرف انك اعترفت يا فارس، هايكون اخر يوم ف عمرك ضحك فارس بسخرية، ثم ابعد يده ونظر له شرزًا، ثم قال متهكمًا: متقدرش، ماتنساش ان محدش هيساعدك ولا هيبص ف خلقتك، الاول كانوا تحت طوعك عشان فلوسك، انما دلوقتى فلوسك بح، يعني هما كمان بح شعر حاتم بحواسه جميعها تشجعه على قتله، توقف عقله عن التفكير وهرب هدوء عيناه السوداء، ليحل محله شرارات غاضبة ساخنة تتطاير منها، همس بجوار اذنه بصوت مسموع:.
وانا مش محتاج حد، ايدى موجودة يا ابو فراس.
في نادى شهير، كانت رودينا تجلس على مقعد امام احدى المنضدات الخشبية الصغيرة، تحت ضوء الشمس الساخنة، ترتدى نظاراتها الشمسية السوداء لتخفي عينيها الخضراء اسفلها، وملابس تثير غرائز من يراها، تهز قدمها بعصبية جلية على ملامحها، وامامها تجلس والدتها التي كانت تجلس ببرود، ممدة ظهرها للخلف بأريحية، تنفث السجائر بلامبالاة، وترتدى بنطال جينز ضيق وتيشيرت اخضر نصف كم، من يراها يظنها في عمر ابنتها، ولما لا فهى مشيرة زهران سيدة الاعمال الشهيرة، تهتم برشاقتها وانوثتها اكثر من اى شيئ، ثم عملها، واخيرًا ابنتها، تأففت رودينا ثم قالت بملل:.
يا مامى انا مش متخيلة انى ممكن اكون زوجة تانية، او حتى his mother لطفل عنده لسة 7 سنين نظرت لها مشيرة بهدوء تام، قبل ان تقول بخفوت: easy يا رودى، انتِ مش بتقولي عايزة احمد، وعشان هيعيشك العيشة إلى انتِ عايزاها، خلاص يبقي هتستحملى عشانه.
زمت شفتيها بعدم رضا، لم تكن هذه الفتاة التي يمكن ان تصبح كالجدار لمنزل صلب لا يتأثر بأى شيئ، بل هي راغبة في اشياء مهمة في حياتها هي ليس إلا، ومن الممكن ان يكون اخر سبب هو اعجابها بأحمد، هو ما يجعلها تنطلق كالسهم من القوس لتتبع كلام والدتها لتجعله كالخاتم في اصابعها كما يقولون.. ابعدت مشيرة السيجار عن فاهها ببرود، ثم نظرت لرودينا وتابعت بصوت رقيق:.
يا حبيبتي احمد مش ال man إلى يتخلي عن ابنه بسهولة، وبعدين فيها اية ماهو قالك ماتجوزهاش نظرت لها رودينا بضيق، ثم قالت بتأفف: maybe mam maybe قالت مشيرة وهي تشير بإصبعها بجدية هذه المرة: انتِ عايزة احمد ولا لا؟ اومأت رودينا بكل تأكيد، لتستطرد مشيرة بصوت آمر انتبهت له جميع حواس رودينا : يبقي تسمعي كلامي وبس، promise you في خلال ايام احمد هيكون ليكِ انتِ وبس حتى لو اتجوز الف واحدة.
وصلوا جميعهم إلى المستشفى التي يقطن بها عمر، بمشاعر متضاربة مختلطة، وافكار مشحونة مختلفة، كلاً منهم يشعر ويفكر بشيئ مختلف، رضوى ومها ونبيلة يجتاحهم شعور بالرهبة والقلق على ابنة خالتهم الوحيدة، اما عن عبدالرحمن فهو يفعل ذاك من باب الرجولة فقط، بما انه لا يعلم من هي شهد من الاساس، اما عن احمد، فكان معهم مثل المجبور، ولما مثل فهو بالفعل مجبور، فجأة وجد نفسه بين دائرة من العائلة تخشي على فرد اخر، تقدم عبدالرحمن ورضوى للأستقبال يسألوا عن غرفة عمر، واتجهوا لغرفته على الفور، وجدوا محسن في طريقه للداخل، هتفت رضوى بصوت هادئ:.
محسن التفت لهم بذهول، لم يتوقع قدومهم جميعًا، من يوم مولده وعلاقتهم مشتتة، الان يأتوا جميعهم ويصلوا الروابط، يضعوا النقاط على الحروب الان! اقتربوا منهم، لم تمهلهم نبيلة الفرصة حيث سألته متلهفة: شهد عاملة اية وجوزها اية اخباره الوقتي يا محسن؟ تنهد محسن تنهيدة طويلة حارة، يحاول استعادة رباط جأشه، ثم اجابها بهدوء حذر:.
الحمدلله يا خالة، خرج من العناية المركزة والدكتور جال انه بقي كويس وهو موجود علشان الجرح بس، وشهد معاه جوة تنهد الجميع بأرتياح، بينما اشار لهم محسن على الكراسي الحديدة الموضوعة امام الغرفة، ثم هتف بصوت اجش: اتفضلوا اجعدوا ارتاحوا من السفر لاحظت رضوى نظراته المريبة حول عبدالرحمن واحمد، فسارعت بالقول مبررة بهدوء حذر: ده عبدالرحمن خطيبي يا محسن، وده احمد جوز مها متهيألي عارفه.
اومئ محسن موافقًا ولم يتفوه بشيئً اخر، في حين تابعت رضوى بشوق: انا عايزة اشوف شهد يا محسن لو سمحت اتجه للداخل وهو يقول بخفوت: هأدخل اشوفهم.
استدار واتجه للداخل، طرق الباب بهدوء ثم دلف ليجد عمر يجلس على الفراش كما هو، وشهد تجلس على طرف الفراش والصينينة المحملة بالطعام بينهم، شهد تطعمه كالطفل الصغير، نظراته محملة بجميع معانى العشق، اما هي فالأبتسامة لم تختفي من على ثغرها ولو للحظة، وكأنها بدلتها بالدموع وللأبد، تقابله بنظرات حانية، حامدة، قطع لحظاتهم الفريدة بنحنحة رجولية هادئة: ولاد خالتك جم من مصر يا شهد وعايزين يشوفوكى.
تهللت أساريرها، ولمعت عينيها البنية ببريق خافت فرح، كلماته انارت وجهها الابيض، كالضوء الخافت الذي وُضع وسط الظلمات فجأة، انفجرت شفتيها بأبتسامة سعيدة ونطقت دون وعيًا منها: بجد يا محسن ولا بتهرج!؟ ضحك محسن بخفة، ثم اومئ مؤكدًا: ايوة والله كُلهم جُم برة، وعمتك نبيلة ثم ضرب جبينه بطرف يديه برفق وعاد يقول بمرح: يووه، لحد الوجيتي مابعرفشي اجول خالتك دى.
ابتسمت شهد ثم نظرت لعمر لتجده ينظر لها بأبتسامة مشرقة، يرى شمسه تظهر رويدً رويدًا من بين الظلام، على كل آمد يكتشف ركنًا ينير ببطئ بداخلها، قالت له بهدوء وابتسامة: هأروح اشوفهم يا عمر اومئ بتأكيد قبل ان يقول بنبرة حانية: اكيد يا حبيبتي روحى، وابقي دخليهم عايز اشوفهم اومأت ثم سارت للخارج بخطى اشبه للركض، ليصيح عمر مشاكسًا: براحة على حزمبل يا ام حزمبل.
ضحكت شهد ومحسن على ذاك اللقب، ليتجهوا للخارج، قابلتهم شهد مقابلة حارة، وخاصة رضوى التي ركضت لاحتضانها على الفور، تشعر بالنصف الناقص بداخلها يكتمل الان، رددوا التحية المحملة بالأشواق والترحاب لأحمد وعبدالرحمن، دعتهم شهد للداخل بهدوء، فأتبعوها ببطئ، ليدلفوا على عمر، وبالفعل لم تخلو الجلسة من التمنيات بالشفاء، حتى قالت لهم شهد بسعادة مشيرة لعمر: ده بقي اهو ياستي عمر، جوزى، وابو ابنى إلى جاى.
قالت الاخيرة وهي تتحسس بطنها بأبتسامة حالمة، لتحدقها رضوى بصدمة، قبل ان تهتف فاغرةً شفتيها: انتِ حامل يا شهد اومأت شهد بتأكيد، لتستطرد رضوى بمرح: جه اليوم يا طفلة إلى هتبقي فيه ام ضحكت شهد بهدوء ثم نهضت متجهه لسيف الذي كان يجلس بسكون بجوار والده ووالدته، ثم داعبت وجنتيه وقالت بحب: حبيبي انت سيف صح اومأ سيف ثم قال بفخر طفولى: ايوة انا ثيف، انتِ خالتو شهد؟
ضحكت شهد على لفظه بأبتسامة، لتسارع مها قولها بأبتسامة: لسانه مش عايز يتعدل ف ال س، وبيتضايق جدًا لما حد يضحك ع الاسم وضعت شهد يدها على فاهها بصدمة مصطنعة، لتنظر له بطرف عينيها معتذرة: معلش يا ثيف مكنتش اعرف انك بتتضايق بقاا انتهت الجلسة القصيرة واستأذنوا ليغادروا بالطبع لمنزل مسعد، وسار معهم محسن ليوصلهم بنفسه، على وعد بأن يجلسوا جميعهم بمجرد شفاء عمر، وعودة شهد ومحسن وعمر معهم لحضور زفاف رضوى..
جلست شهد بجوار عمر، ليحتضنها بين ذراعيه برفق متجاهلاً الالم الطفيف الذي شعر به، فقربها منه هو من يسكن جراحه، كانت تنظر امامها بشرود، تفكر بكل ما هي فيه، تعيش مع من تحب، وتحمل منه طفلاً قادم، ووسط اهلها، ماذا تريد اكثر!؟ لا لا ليست هي هذه الحياة التي شعرت لأيام انها لا تريدني بها، ولكن حقًا الصبر له لذة خاصة..
اقترب منها عمر يسرق قبلة طويلة عميقة على شفتيها المنتكزتين، لتفيق من شرودها وهي تشهق بصدمة وقد صبغت وجنتاها بحمرة الخجل، لتهمس بخفوت: عمر، خضتني ابتسم بنظرات عاشقة على خجلها الذي يجعله يروى عطش ناظريه من حمرته، وراح يقول مداعبًا: سلامتك من الخضة يا قلب عمر ابتسمت بهدوء، وحاولت التملص من بين ذراعيه بخفة ولكن مثبت يده حول خصرها بقوة رغم ضعفه الجسدى، ليتآوه ويقول بألم مصطنع:.
آآه وجعتيني يا ام حزمبل ينفع كدة رمقته شهد بنظرات متلهفة خائفة، ولكن سرعان ما اردفت بغيظ: بطل تقول حزمبل، ده ابنى هسميه حسام مش حزمبل ضحك عمر على غيظها، ثم عاد يقترب منها هاتفًا بخبث: طب اية رأيك عايز اسلم على حزمبل ابتعدت عنه شهد قليلاً لتتنحنح بحرج: عمر، محسن ممكن يجي هز رأسه نافيًا، وراح يقترب اكثر وهو ينظر لها برغبة، ثم استطرد بأبتسامة شيطانية:.
تؤتؤ محسن لسة هيوصلهم ويقعد معاهم شوية ويجي، ومابيدخلش غير ما بيخبط وبعدين انتِ مراتى وقفت الكلمات في حلقها وتحدتها الحروف، ليبتعد هو عنها ثم قال بجدية مصطنعة: ولا اقولك، قومى اقفلي الباب ده بالقفل هزت رأسها نافية بأعتراض شديد، ثم قالت بإصرار: مينفعش، الجرح لسة جديد سحبها بيده بقوة لتسقط عليه، شهقت بصدمة، وشعر هو بالألم، ولكن تحامل على نفسه وشدد قبضته على خصرها، اردفت هي بقلق: عمر سيبني اقوم مينفعش كدة.
لم يرد عليها، وانما اوصلها رده بقبلة عميقة حانية راغبة، يلتهم شفتيها بشوق يكاد يفتك كلاً منهما، بعد قليل ابتعد لشعوره بحاجته للهواء، ثم قال وهو يلهث: عايزة تقومي بردو كادت تجيبه الا انه ابتلع حروفها بين شفتيه يروى عطشه منها، رغبته، عشقه، تسللت يده لأزرار قميصها البني، لتوقفه وهي تحاول الابتعاد بنبرة مصطنعة الجدية: لا، عمر مينفعش احنا ف مستشفى، مينفعش بجد، سيبني اقوم بقا حد هيجي.
ابتعد عنها برفق، يحاول تهدأة نفسه وانفاسه اللاهثة، يروض كم المشاعر المضطربة التي اجتاحته، نظر لها وهو يغمز لها بطرف عينيه قائلاً بتوعد: مسيرى هخرج من هنا، وساعتها هردلك كل إلى بتعمليه فيا ده...!
وفي سجن النساء، كانت مريهان تجلس على احدى الفرش على الارضية الخشنة الباردة، تضم ركبتيها إلى صدرها، جفونها تغطي عينيها السوداء الحمراء، اصبح وجهها الانوثي الصارخ شاحب منذ دخولها السجن يثير الشفقة، جسدها اصبح نحيل، قليلاً ما تأكل او تشرب شيئ، تقريبًا لا تشعر بمن حولها، بعد اعتراف ابراهيم صديق حسن ان حسن كان يقصد مريهان وليس مها، واكتشاف الطب الشرعى لبصماتها على جثمان حسن، وان موته كان قبل طعنه بالسكين، تم جلب مريهان للتحقيق معها، وهي لم تكن خائقة من الاساس، فقد حققت انتقامها منه ولن تهتم بأى شيئ بعد الان، كل ما كان يهمها هو الانتقام لأخيها الذي اعطاه حسن جرعة زائدة من الهيروين فمات في نفس اللحظات، ليمنعه من سجنه بإيصالات الامانة التي تدينه، ولم تكن مريهان بالشخص الهين لتصمت عن موت اخيها الوحيد بهذه الطريقة، حققت انتقامها واعترفت على نفسها بكل شيئ، ليتم الحكم عليها بتحويل اوراقها لفضيلة المفتي، تقبلته بصدر رحب، تسطحت على الفرشة بهدوء، لتنظر امامها بشرود، ثم همست بصوت ظنته في خواطرها:.
جياالك قريب ياخويا صمت برهه ثم ابتسمت بأشتياق مكملة: وحشتنى اوى اوى اغلقت جفونها بإرهاق، تحلم بعائلتها التي تركتها وحيدة في هذه الدنيا، تركتها لتنتقم وتفسد فقط...!
قصص و روايات - قصص رومانسية : رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والستون والأخير
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والستون والأخير
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والستون والأخير
منذ وصولهم رحب بهم مسعد ترحيب حار، وكانت ابتسامته الحانية ترتسم على ثغره، لتظهر مدى سعادته بأجتماع شمل عائلته الغائبة عنه منذ مدة طويلة، يرى احفاده وينتظر الاخر من دون علمه، شعور بالراحة التي لم يعهدها منذ زمن يجتاحها الان، يشعر بهم كالفراشات السعيدة تحلق من حوله، امر على الفور بتحضير غرفة لكلاً من عبدالرحمن والاخرى لرضوى والاخرى لمها واحمد وطفلهم، وغرفة لنبيلة، شقيقته التي طال اشتياقه لها، جلسوا جميعهم بعد فترة في الاسفل ينتاقشوا في شتي امور الحياة، يسألهم مسعد بلهفة عن احوالهم، تقريبًا عن كل ما يخصهم، وبالطبع لم يجلبوا له سيرة عن سجن مها، فلا يريدوا ان يعكروا صفو جلستهم الهادئة، هتف مسعد بأبتسامة:.
نفسي اروح احب على يد جوز بتي ده نظر الجميع له بتعجب وتساؤل، ليكمل بنبرة تحمل السعادة في طياتها: لانه هو السبب في اننا نتجمع دلوجتي ابتسم الجميع بسعادة، ومنهم مجاملة كأحمد الذي تنحنح قائلاً بتعب مصطنع: انا اسف بس عايز ارتاح حاسس انى تعبان اوووى اومأ مسعد بهدوء لينهض متجهًا للأعلي، فنهضت مها تقول بأبتسامة تخفي بها حرجها: معلش يا خالي اصل احمد تعبان اليومين دول والسفر جه فجأة.
هز مسعد رأسه نافيًا ثم تابع بأبتسامة هادئة: ولا يهمك يابنيتي، روحى شوفى جوزك انطلقت مها خلف احمد تعض على شفتيها بغيظ، ترغب في احراقه بالنار التي تشتعل بداخلها الان، دلفوا إلى الغرفة ليشير لها احمد بيده قائلاً بجدية: مها انا فعلاً تعبان ومش قادر اتناقش فوجئت من حدة زكاؤوه، يستطيع بمهارة معرفة ما يدور برأسها بسهولة وكأنها شفافة امامه، زمت شفتيها بأعتراض ومن ثم غمغمت بضيق: ماشي يا احمد ماااشي.
ألقي بجسده على الفراش، ثم غرز اصابعه السمراء بين خصلات شعره الاسود، يتنهد بقوة، تنهيدة حاول اخراج كل ما بداخله فيها ولكن فشل فشلاً زريع، مازال في حيرة من امره، هل يتزوج تلك التي تدعي رودينا ويحصل على سخط وغضب زوجته مها، والادهى انها يمكن ان تطلب الطلاق، يضحي بسعادة طفله الوحيدة ويلقي بكل شيئ في المياة المعكرة، ام تسخط وتغضب عليه والدته، آآه من كل شيئ، يشعر لو انه انتقام، ولكنه سيفعل ما يجب فعله مهما كانت العواقب..
دثرت مها نفسها بالغطاء بجواره، تتأفف كل ثانية بضيق كأنها تنذره انها بجواره، ولكنه يعطيها ظهره، لاحت على شفتيه شبح ابتسامة خبيثة وهو يستدير ليعطيها وجهه، ثم قال متساءلاً بخبث: انتِ زعلانة يا قلبي؟ اومأت مها ثم تمتمت بضيق طفولى: جدًا جدًا جدًا يا احمد قربها منه يحيط خصرها بيديه القوية كالسلاسل تقيدها، شهقت مها بصدمة بينما اكمل هو بهمس خبيث: وانا هأصالحك بطريقتي يا حبيبتي.
هم بتقبيلها وهي مغمضة العينين مستسلمة بين يديه، ولكن فجأة تراجع وابتعد عنها، هب واقفًا اما الفراش، فجأة شعر بإهانة في رجولته تجتاحه لتخنقه، تذكر سبب تركها له، تخيل انها كانت تستلم لذاك الرجل كما تستسلم الان بين يديه، يداعبها مثله، يحتضنها، يقبلها، اقسم انه رُحم والا كان قتله بنفسه، لم يتخيل ان الماضي خاصها سيرافقه دائمًا، اعتقد انه سينسي بسهولة، ولكن الماضي مثل السراب لا نهاية له ولا يستطع الانسان التخلي عنه، كانت الدموع عرفت طريقها لعينين مها المتألمتين، برغم توبتها الا انها ستشفع لها عند الله، ولكن هذا بشر!
تنحنح احمد بصوته الاجش وقال: اعذريني يا مها، مش قادر انسي، بفتكر كل حاجة عرفتها، محتاج وقت انسي اومأت مها ولم تنظر له، كانت دموعها تسقط بكثرة، تشعر بالضعف والكسرة، بالتقزز من جسدها وهي تتذكر كل لمسة لحسن ذاك الملعون، خرج احمد من الغرفة بأختناق تاركًا اياها تجنى ثمار ما حصدته.
بدأت الشمس تختفي رويدًا رويدًا، ليحل محلها القمر بضوءه الذي يبعث الطمأنينة في روح كلاً منهم، تجلس رضوى في الحديقة الخضراء على احدى المقاعد الصغيرة، تنظر للأعلي بشرود، وابتسامتها الهادئة تجذب الانظار دون ارادة منهم لها، تفكر بالغد، تنتظر ذلك اليوم على احر من الجمر، طالعت القمر بسرحان كأنها تحدثه، فجأة سمعت نحنحته الرجولية التي اثارت القشعريرة المرتجفة في جسدها، لتنظر له قائلة بنزق:.
قول احم ولا دستور خضتني يا اخي اقترب منها عبدالرحمن يجلس على بعد مسافة، يطالعها بأبتسامة عاشق ولهان، ثم قال زهو يرفع احدى حاجبيه: لا والله، وانتِ كنتِ عايزانى اسيبك تنفردى بالقمر لوحدك يا خاينة ضحكت رضوى على مزحه، ثم ردت بخوف مصطنع: لا لا اوعى تفهمني صح يا عبدالرحمن انا مقدرش اعمل فيك كدة هز رأسه نافيًا بأسف مصطنع ثم قال: خلاص يا رضوى كل شيئ قسمة ونصيب.
قهقت رضوى على مزاحه، بينما شرد هو في ضحكتها الساحرة، اقترب منها ببطئ من دون وعي منه، حتى اصبح لا يفصلهم سوى بعض السنتيمترات، همس وهو يقترب منها: رضوى، انا، بحبك إبتلعت ريقها بإزدراء، وشعرت بسخونة في وجنتاها تكاد تنفجر من شدتها، بللت شفتيها بطرف لسانها، مما اثار رغبته بها اكثر، نظر على شفتيها بشوق، لاحظت هي نظراته فنهضت مسرعة وقالت بأرتباك: آآ ع عبدالرحمن.
كان كالمغيب عن الوعي، عينيها الساحرة وابتسامتها هم من يقودانه للجنون، تحكمت به مشاعره المشوقة لرضوى، وازاح كل الحدود بينهما، ود لو يحضنتها في هذه اللحظة ويتأكد من انه تخطى كل الحصون التي بنتها هي، مد يده يمسك بيدها، حاولت إفلات يدها ولكن فشلت، ظل يقترب منها ببطئ، دفعته هي عنها بكل قوتها ليترنج للخلف، وظلت تنظر للأرض بخجل واضح، فيما استفاق عبدالرحمن وكأنه استعاد وعيه الان، اغمض عينيه يستعيد نفسه سريعًا ثم قال مسرعًا بتبرير واعتذار:.
رضوى انا اسف بجد مش عارف مالي سارت رضوى متجهة للداخل بسرعة، شعرت لو انها ظلت امامه اكثر لأعترفت هي بحبها له وليحدث ما يحدث، بينما هو شعر بالضيق الشديد، مسح على شعره بغيظ ثم غمغم بغيظ لنفسه: يعني مش قادر تستنى كام يوم، اية الغباء ده.
انتقال سريع، مرت الايام سريعة على البعض وبطيئة جدًا على البعض الاخر، كان كلاً منهم يسير في الطريق الذي اختاره وحدده منذ فترة، بدأ عمر في التعافي بالكامل، وخرج من المستشفى، وقضوا جميعهم ايام ممتعة في منزل مسعد ايام لن تمحوا من ذاكرتهم ابدًا، وبالطبع لا تخلو من بعض المشادات، حاول احمد التأقلم على الوضع مع مها، وبالفعل بدأ في التعامل معها بطبيعته ومع عائلتها ايضًا، يشعر بالسعادة لاجتماعه بطفله، ولكن ما يعكر صفوه احيانًا هو ان رودينا مازالت اسمها بجوار اسمه، خطيبته!
لم ينهي تلك الخطبة، ارضاءً لوالدته الحبيبة، وبالطبع لن يخبر مها بأى شيئ الا في الوقت المناسب، ربما ليس احمد من يعاقبها ولكن ربما الله، أليس كل مخطئ له عقاب، وان كانت تابت ولكنها لا تعلم ما يخبأه لها القدر، اما عن شهد وعمر فكانوا يعيشون اجمل ايام حياتهم بطفلهم القادم، حزمبل كم تثير تلك الكلمة جنون شهد، اما رضوى وعبدالرحمن بالطبع يعيشون بسعادة، وما اجملها سعادة وزفافهم اليوم!
نعم اليوم زفاف كلاً منهم، ستحبس عصافير الحب داخل قفصهم الذي اختاروه، وبالطبع لن يخرجوا منه حتى الممات، سافروا جميعهم إلى القاهرة لاتمام زفاف رضوى، وتم تغيير الاتفاق لان يصبح كتب الكتاب والزفاف في يومًا واحد، وعانى عبدالرحمن بالطبع لاقناع والدته ولكن والده سهل عليه الكثير، كانت رضوى في البيوتي سنتر، بحجابها الابيض وفستان زفافها الاسلامى الرائع، يسر الناظرين، بأكمام طويلة، مزين عند منطقة الصدر، وهادئ من الاسفل، تزيد جماله طرحتها التي تنير وجهها الابيض الملائكي، تقف جوارها مها وشهد، كلاً منهم يجتاحهم شعور بالسعادة لسعادة اختهما، انتهت رضوى ونهضت تطالع نفسها في المرآة، لم تصدق عينيها، اهى حقًا ستزف لحبيبها الوحيد الان؟!
سؤال اجابته شهد دون قصد قائلة بأبتسامة: يلا يا حبيبتي خالو مستني ادام الكوافير عشان عبدالرحمن جه ومستني ابتسمت بسعادة، ثم تقدمت لخالها الذي ردد بأبتسامة بمجرد رؤيتها: بسم الله ماشاء الله، تبارك الخلاق، زى الجمر يا حبيبتي تمتمت رضوى بخجل: ربنا يخليك ليا يا خالو.
تأبطت ذراعه وساروا متجهين للخارجين بخطى هادئة يتبعهم الجميع بالزغاريد، لمعت عينا عبدالرحمن ببريق غير مفهوم للبعض، تنهد تنهيدة طويلة حارة وهو يتمعن النظر لحبيبته بفستانها الابيض، تعالت الزغاريد وانطلقوا جميعًا حيث القاعة التي سيقام بها الزفاف، بعد قليل وصلوا جميعهم ثم جلسوا لكتب الكتاب، فيما كانت نظرات كلاً من رضوى وعبدالرحمن متعلقة ببعضهم، كأنها رسالات عشق صامتة، افاقوا على صوت المأذون وهو يقول بهدوء:.
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخيييييير هنا تراقص قلب عبدالرحمن بسعادة بالغة، من فرط سعادته شعر انه ربما يتخيل، نهض بسرعة ثم وقف امامها يطالع هيئتها الخجولة تلك، ثم احتضنها بحنان، اصدر انينا خافتًا يعبر عما يجيش في صدره، واخيرًا استطاع ان يأخذها بين احضانه يخفي وجهها بيت ضلوعه، يثبت لنفسه انه لم يتخيل وانها بالفعل اصبحت زوجته، اصبحت ملكية خاصة به!
دهش الجميع واولهم رضوى، وسرعان ما شددت من احتضانه، فهى كانت تنتظر ذاك الحضن بفارغ الصبر، تنتظر الاحتواء والحنان، تعالي التصفيق الحار، وبدأ الفرح والرقص الهادئ العفوى، كانت نبيلة تشاهد الجميع بعيون ممتلئة بالدموع، لا ترغب في شيئ اكثر من ذلك، اولادها امامها ومعها ويعيشون بسعادة، ماذا اكثر؟!
كانت شهد تقف في احدى اركان القاعة متأبطة ذراع عمر، تشاهد رضوى وعبدالرحمن بأبتسامة، ولكن عمر يشاهدها هي، يطالعها بشدة ممزوجة بالسعادة، تلمع عيناه بسعادة غريبة، وهو يرى فستانها الذهبي الواسع الطويل الذي يغطيها حتى امحص قدميها، وحجابها المتوسط الذي بعطيها مظهر جذاب اكثر، نعم فالان شهده تقف امامه تغطى كل جزء من جسدها، وتغطى شعرها الذهبي الذي لن يراه غيره بعد الان بكامل ارادتها، استدرك نفسه على صوته الهامس:.
مالك سرحت ف اية؟ اجابها بخفوت وهيام ولو يبعد نظراته عنها: فيكي طبعًا يا حبيبي ابتسمت بهدوء، ليسألها هو بحيرة: الا قوليلي هو مين إلى اقنعك بالحجاب اجابته مبتسمة بفرح: رضوى اتكلمت معايا كتير، وانا اقتنعت وكنت مستغربة ازاى بأعمل كل حاجة حلال ومش محجبة، بس الحمدلله احتضنها بحنان وهو يردد خلفها بخفوت: الحمدلله، يا ام حزمبل.
ضربته شهد بقبضتها الصغيرة برفق، في حين نظر هو على مريم ونادى الذي كان يقفون ويصفقون بسعادة، نعم، فقد وافق عمر على ارتباطهم وتأكد من عدم تآمر مريم او نادى، وانما هما بالفعل يعشقون بعضهم، عشق جمع الشرق والغرب، انتهى الزفاف، وانتهت معه فترة انتظار عبدالرحمن، ليستقلوا سيارتهم وينطلقوا إلى منزلهم وكل شخص إلى منزله، وصلوا امام المنزل، وترجلوا من السيارة، اقترب عبدالرحمن من رضوى ثم حملها فجأة فشهقت هي بصدمة ومن ثم صاحت فيه مفتعلة الجدية:.
عبدالرحمن مينفعش كدة نزلنى ضيق عبدالرحمن عينيه وقال بضيق مصطنع: يووه، هو انتِ قبل الجواز مينفعش وبعد الجواز مينفعش، امال اية إلى ينفع معاكِ ضحكت بخفة على كلامه، فهمس هو بجوار اذنيها بتحذير مصطنع: ليلتك مش فايتة النهاردة، اياكِ اشوفك بتضحكي في الشارع.
انزلها امام غرفتهم، ليدلفوا سويًا، وتبدأ رضوى تفرك اصابعها بتوتر، اتجه عبدالرحمن للمرحاض ليغستل ويبدل ملابسه، وبدأت هي الاخرى بتبديل ملابسها لقميص نوم احمر قصير يصل إلى الركبة، مفتوح من الاعلي، يبرز معالم جسدها بوضوح، خجلت من الظهور امامه هكذا، ارتدت الاسدال الخاص بالصلاة بسرعة، خرج هو فدلفت هي لتتوضئ، انتهت ثم خرجت وبدأ عبدالرحمن يصلي بها ركعتان شكر للمولى، انتهوا فنهض عبدالرحمن وحملها بسرعة متجهًا لغرفتهم، ووضعها على الفراش ثم اشار لها على الاسدال، فتنحنحت بخجل ثم خلعته ببطئ، رأت لمعت عيناه الراغبة والمشتاقة، اقترب منها ليقبلها بشوق، ليبث لها مدى عشقه لها، يخبرها بكل ما اراد اخباره بها ولكن بطريقته الخاصة، تناثرت قبلاته على رقبتها ويدها و..
اخذها في عالمهم الخاص، عالم لا يوجد به سواهم وعشقهم فقط..!
تم الحكم غلي حاتم وفارس بالسجن المؤبد، واعترف فارس على كل ما فعله مع حاتم، قاطعه حاتم لعدم قدرته على قتله، وكان في خالة يرثي لها، ولكن هذا ليس الا جزاءؤوه.. اما احمد فقد تزوج برودينا بالفعل، كانت رودينا تحاول بشتي الطرق جذبه لها فقط، كان يشعر بالاختناق كلما يلحظ تغير مها، ولكن ما باليد حيلة رغم انه ضابط الا ان شخصيته ضعيفة امام والدته، او بمعنى اوضح لا يقدر على عصيانها... بعد مرور تسعة شهور..
في احدى المستشفيات الخاصة بالقاهرة، تحديدًا في غرفة متوسطة تتسطح شهد على الفراش الوتير، يبدو عليه الارهاق، الطرحة الصغيرة موضوعة بأهمال لتخفي شعرها الذهبي ولكن ليس كله، وجهها شاحب بعض الشيئ، فتحت جفنيها بتثاقل، لتجد امامها جميع افراد عائلتها، خالهم واولاد خالها وزوجة خالها، ومها ورضوى وسيف واحمد وعبدالرحمن، وعمر، ومولدها الجديد، حسام، كان عمر يحمل طفله بين يديه المرتعشتين، ينظر لها بعشق دفين، هتفت بوهن:.
عمر هاته، نفسي احضنه اوى اقترب منها ببطئ ثم اعطاه لها، احتضنته بشغف واصبحت تقبل كل جزء فيه، لم تصدق انه بين يديها الان، طفلهم الذي كانت تنتظر بفارغ الصبر، جلس عمر بجوارها ثم احاطها بذراعيه قائلاً بحنان: واخيرًا، حسام عمر مالك، حته منى ومنك، ده إلى هيجمعنا للأبد اومأت شهد بخفوت، تلقلقت دموع الفرحة في عينيها البنية، هنا قال محسن بمرح ليخفف من الجو المشحون بالعواطف: تعبتونا ياخيتي بصراحة من كتر السفر.
ضحكت شهد بخفة، ليكمل عبدالرحمن مصطنعًا الجدية وهو يشير لبطن رضوى المنتفخة: وانا مراتى حامل ومينفعش الحركة والمجهود الكتير ده قال عمر بضحك: معلش كله يهون عشان حسام باشا ابتسمت مها ثم اقتربت منهم قائلة بصوت هادئ: الف مبروك يا شهد مبروك يا عمر ردد كلاً منهم بسعادة: الله يبارك فيكِ نظرت للمرضة التي تمر وقالت برجاء: لو سمحتى ممكن تاخدى الكاميرا دى وتصورينا كلنا.
اومأت الممرضة ثم اخذت منها الكاميرا، واشارت لهم مها ان يقفوا جميعًا، فأعترضت شهد بتعجب: لا مستحيل اتصور وانا كدة والتقطت لهم الممرضة صورة جماعية سعيدة، تعبر عن نهاية سعيدة، بمشاعر يملؤوها السعادة، لا وجود بينهم للحقد او الكره، فقط العشق، وحان وقت الاستسلام الان، فقد فات وقت، مواجهة الاسد. تمت الجزء التالي رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد كاملة
رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد كاملة اقتباس من الرواية
وهناك.. هاربة هي... الوصف المعتاد والدائم لحياتها.. الهرب ذاك الملجئ الذي لا تجد غيره يرحب بها دومًا! وكان دومًا السحابة التي تأتي لها بعد غيمة من القسوة... ولا تعلم أن كانت ستشق الشمس غيوم حياتها الميتة ام لا! ولكن هذه المرة تختلف.. تختلف كثيرًا، هي هربت من حبيبها و زوجها هذه المرة.. هربت من أسدها ومأواها " عمر ".. ورغمًا عنها خضعت لذكرى السبب القاتل والذي نجحت مهمته بمهارة في تفريقهم! وتذكرت...
فلاش باك: كانت ترتجف ارضًا.. صوته العالي القاسي يرن بأذنها كرعد يكاد يصيبها بالصم، نبرته الجامدة تسقط على أذنيها ك صوت حاد يُجرح فيها بلا رحمة! ازدادت من ضغط يدها على تلك القطعة اللعينة التي تمسح بها الأرضية المتسخة بالطعام كما أمرها... أمرها! منذ متى كانت تتلقى الاوامر من " عمر " حبيبها!... ولكن يبدو أنها ستتلقى.. منذ أن توغل الحقد والقسوة ثناياه.. طاردًا أي نوع من الشفقة أو الرحمة...
إزدادت ارتجافتها وهي تسمعه يكمل توبيخه : -حتى الأكل مش عارفه تعمليه زي الناس؟ امال انتِ بتعرفي تعملي إيه غير تفكيرك الشيطاني هزت رأسها نفيًا بهيسترية.. تمنع الدموع بصعوبة من أن تتحرر.. ستصمد.. وتصمت... من أجله هو! فقط من أجله.. بينما أكمل هو بصلابة لاذعة : -هتقومي في ثواني تعملي أكل زي الناس، ويا ويلك يا سواد ليلك لو طول زي اللي قبله، المرة الجاية هدلقه عليكِ إنتِ آآآهٍ.. كفى أرجوك...
روحي تُسلب مني من كثرة الأهانات.. لتترك جسدي يتلقى نصيبه من الذل وحده! وهو لم يعد يحتمل.. سوط كلماتك السامة مزقه أشلاء لا تُسوى! صرخت داخلها في قهر.. داخلها فقط! لن تخرج ابدًا إلى العلن! والسبب ببساطة أنه أعمى عن خيوط الصدق التي تنسدل من كل كلمة منها...
نظرت له بعينيها اللامعة بتلك الطبقة التب تخفي خلفها ازدالاً ساحقة من القهر والمعاناة، ثم قالت بصوت حاولت اخراجه غير مهزوز رغم تلك الرعشة به : -كفاية بقا، أنا مش قادرة، جسمي كله مابقتش حاسه بيه بقى صامتًا تمامًا للحظة لينقض عليها يمسك ذراعها بقوة آلمتها، ثم هتف من بين أسنانه : -ولسة.. طول ما إنتِ بتغلطي مش هتشوفي مني غير المعاملة الزبالة دي إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها.. وبداخلها نار تستعر من كثرة الكتمان، نهضت راكضة نحو غرفتها.. - باك -. فصول رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد الجزء الثاني) رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول
كان يدور يمينًا ويسارًا في كل أنحاء المنزل، ينظر هنا وهناك وكأنه يُطالب بالتأكيد.. هربت من بين يديه ك حُلم سلبه الواقع المرير! مسح على شعره عدة مرات قبل أن يصرخ بصوت عالي شق السكون المخيم على أرجاء المنزل: -شهههههد! ولكن لا من مجيب، صمت قاتل من تردد صداه في ارجاء المكان.. قطعه حسين الذي تدخل يقول ببرود: -خلاص يا عمر فكك واهدى بقا اهي راحت لحال سبيلها ظل يهز رأسه بهيسترية هامسًا:.
-لاااا، لااا يا شهد إنتِ ملكي وهتفضلي طول عمرك ملكي أنا بس! وقعت عيناه على ورقة موضوعة اعلى المنضدة، ليركض متلهف نحوها يفتحها، ليشعر وكأنما تلقى صفعة قوية على وجهه وجهتها كلماتها القاسية:.
-مبروك عليك يا عمر، ماتحاولش تدور عليا، أنا كنت حلم وأنت فوقتنا منه على الحقيقة المُرة، مش هارجعلك يا عمر، مش هارجعلك ومش هاتشوفني، بس أنا هاشوفك وأنت بتتوجع زي ما وجعتني!، واه ماتنساش ورقة طلاقي، مع السلامة يا، يا طليقي العزيز! -لااااااا صرخ بها وهو يدور في المكان يُكسر كل ما تطوله يداه بعصبية شديدة.. يشعر بشيئ ما ينصهر داخله، شيئ لن يطفئه إلا عودة، مستحيلة!
وهناك، هاربة هي... الوصف المعتاد والدائم لحياتها، الهرب ذاك الملجئ الذي لا تجد غيره يرحب بها دومًا! وكان دومًا السحابة التي تأتي لها بعد غيمة من القسوة... ولا تعلم أن كانت ستشق الشمس غيوم حياتها الميتة ام لا! ولكن هذه المرة تختلف، تختلف كثيرًا، هي هربت من حبيبها و زوجها هذه المرة، هربت من أسدها ومأواها عمر .. ورغمًا عنها خضعت لذكرى السبب القاتل والذي نجحت مهمته بمهارة في تفريقهم! وتذكرت...
فلاش باك: كانت ترتجف ارضًا، صوته العالي القاسي يرن بأذنها كرعد يكاد يصيبها بالصم، نبرته الجامدة تسقط على أذنيها ك صوت حاد يُجرح فيها بلا رحمة! ازدادت من ضغط يدها على تلك القطعة اللعينة التي تمسح بها الأرضية المتسخة بالطعام كما أمرها... أمرها! منذ متى كانت تتلقى الاوامر من عمر حبيبها!.. ولكن يبدو أنها ستتلقى، منذ أن توغل الحقد والقسوة ثناياه، طاردًا أي نوع من الشفقة أو الرحمة...
إزدادت ارتجافتها وهي تسمعه يكمل توبيخه: -حتى الأكل مش عارفه تعمليه زي الناس؟ امال انتِ بتعرفي تعملي إيه غير تفكيرك الشيطاني هزت رأسها نفيًا بهيسترية، تمنع الدموع بصعوبة من أن تتحرر، ستصمد، وتصمت، من أجله هو! فقط من أجله.. بينما أكمل هو بصلابة لاذعة: -هتقومي في ثواني تعملي أكل زي الناس، ويا ويلك يا سواد ليلك لو طول زي اللي قبله، المرة الجاية هدلقه عليكِ إنتِ آآآهٍ، كفى أرجوك...
روحي تُسلب مني من كثرة الأهانات، لتترك جسدي يتلقى نصيبه من الذل وحده! وهو لم يعد يحتمل، سوط كلماتك السامة مزقه أشلاء لا تُسوى! صرخت داخلها في قهر، داخلها فقط! لن تخرج ابدًا إلى العلن! والسبب ببساطة أنه أعمى عن خيوط الصدق التي تنسدل من كل كلمة منها... نظرت له بعينيها اللامعة بتلك الطبقة التب تخفي خلفها ازدالاً ساحقة من القهر والمعاناة، ثم قالت بصوت حاولت اخراجه غير مهزوز رغم تلك الرعشة به:.
-كفاية بقا، أنا مش قادرة، جسمي كله مابقتش حاسه بيه بقى صامتًا تمامًا للحظة لينقض عليها يمسك ذراعها بقوة آلمتها، ثم هتف من بين أسنانه: -ولسة، طول ما إنتِ بتغلطي مش هتشوفي مني غير المعاملة الزبالة دي إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها، وبداخلها نار تستعر من كثرة الكتمان، نهضت راكضة نحو غرفتها.. - باك -.
مسحت دمعتها التي فرت هاربة من أسر الصمود.. لنعود بالزمن للخلف قليلاً، مستمتعة بغلال الذكريات السامة لتتُم مهمة صمودها الواهي!
- فلاش باك - كانت حياتها طبيعية، هادئة وناعمة تمامًا كهدوء ما يسبق العاصفة! سعادتها بطفلها الوحيد حسام تطفو على حياتها الزهية... بالطبع لا تخلو من شجار بينهم ولكنه وكأنه يضيف نكهة خاصة على حياتهم.. حتى أشعار قلب حياتهم رأسًا على عقب، جعلها سمومًا تسري بعروقهم.. وموتًا حُسب بالخطئ حياة، وفاة طفلهم الوحيد حسام !
القشة التي كسرت ظهرهم بجبروت، وخاصةً عند علمهم أن من قتله تابعًا ل حاتم وفارس، ك ردًا على سجنهم المؤبد! مرت الأيام، بل والشهور، مؤلمة كسكين يُجرح في كلاهما دون توقف وهم يعانوا من مرارة الفقدان.. وحتى الان، عمر يحمل نفسه ذنب موت طفله الوحيد! وهل يجب أن نتمنى ( قول للزمان إرجع يا زمان ) وبالطبع لن يعود، فقط ليُرينا أن ما صُك بخطى الأمام، لن يسحبه رماد ماضي دُفن منذ زمن!
كانت شهد تنتظره كما اعتادت مؤخرًا، سمعت صوت ضجة في الأسفل فجرت ساقيها بصعوبة لتهبط مسرعة وكما توقعت مظهر عمر وهو لثم سكر يطوح يمينًا ويسارًا... اسرعت تركض نحوه لتمسك به، إلا أنه كان الأسرع لينفض يدها عنه وكأنه يضمن ألا يمسها أتربة ضعفه فتُصيب نقاء روحها المبهر! أغمضت عيناها بقوة علها تزيل تلك الصورة المشوهه عن حبيبها المثالي لتفتح على صوته الأجش الذي صدح: -إيه اللي مصحيكِ لحد دلوقتي؟
أبتلعت ريقها بصعوبة، ثم أجابته مباشرةً: -مستنياك لو الظرف إختلف، والشعور تغير، لو النبرة خرجت دون الإرتعاشة المخفية خلفها، لكان تهلل عشقًا لتلك الكلمة.. ولكن ضمن الواقع، تحت طابع الان وهو يعلم جيدًا أنها تنتظره ليصب غضبه عليها بعمد.. عل صراع النفسي يُصفى قليلاً، ولكن - اسفًا - هي تخلق اشباحًا جديدًا تتصارع داخل روحه المشتتة للدفاع عنها! نظر لها بعينيه الزائغة قبل أن يصيح فيها:.
-كم مرة قولتلك ماتستنينيش، إنتِ مابتفهميش لية؟ هزت رأسها نافية بصلابة: -وأنا قولتلك هستناك ومش هسيبك في وحل بيسحبك كل شوية ليه اكتر رفع كتفيه مرددًا بلامبالاة مذبوحة رغمًا عنه: -ماهو سحبني خلاص.. هزت رأسها نافية وقد إندفعت الدموع لعينيها البنية: -لأ يا عمر، انا محتاجاك، محتاجاك اكتر من أي وقت وكل وقت، أنا بعاني زيك لم ينظر لها وهو يرد بحرقة: -وأنا محتاج نفسي يا شهد!
اقتربت منه لتمسك وجهه بين يديها هامسة بحرارة مختنقة: -قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، صدقني انا بموت من ساعة ما سابنا، بس صدقني انا محتاجاك لاني من غيرك هموت زيه وبتلقائية أقتربت منه اكثر تدفن نفسها بحضنه، حضنه الوحيد الذي لم يتخلى عن صفته، عن جدرانه الحنونه الدفئ ... لتهمس مختنقة:.
-عمر، أنت جوزي وأبني، وحبيبي، أنا اقدر استحملك واستحمل أي حاجة مني لكن ماقدرش أشوفك بتعمل في نفسك كدة وأسكت، خليك جنبي أبعدها عنه ليمسكها من ذراعها يضغط عليها بقوة، ثم تقوس فمه بابتسامة ساخرة ميتة وهو يتشدق ب: -اه أنا فهمت إنتِ محتاجة إيه، معلش مكنتش متفرغ ل حقوقك بشكل يرضيكِ ويرضيني شهقت مصدومة، وظلت تنظر له مبهوتة تكاد لا تصدق أنه عمر، أن ذاك الكلام منه هو!
ولكن لا، هو حاليًا يتلبسه شيطان الجنون الذي يعبث بروحها هي شظايا لا تعود! لم يعطيها الفرصة ليكتم شهقتها بشفتاه القاسية، العنيفة والمتطلبة في آنٍ واحد وكأنه يعاقبها على كلمتها هموت زيه ذاك القلب الضعيف لم يعد يحتمل الفراق، بل الفكرة نفسها مرفوضة في قانونه! أبتعد عنها يخبرها لاهثًا: -الظاهر اني قصرت، لكن ملحوقة.
ثم إنقض على شفتاها التي كادت تتورم من قبلاته العنيفة ليحملها ولم يبتعد بشفاهه عنها والتي تجرأت اكثر في قبلاتها... وهي متبلدة كصنم بين ذراعيه، صنم نحته كلامه الذي أصابها في مقتل! لتتكرر معه معاناتها مع عنفه الذي فننه صراعه النفسي المكبوت...
- رضوى - حياتها متقلبة منعكسة، أحيانًا هادئة مستقرة في الفترة التي لم تأتى لهم والدة عبدالرحمن، واحيانًا كثيرة غير مستقرة تنقلب الأمواج لتُسقط القارب عن عمّد، ولكنها تعشق مرحلة حياتها منذ زواجهم بحلوها ومرهّا، بكل الآمها، حزنها، وكسرتها، كانت في الشهر الأخير من حملها، طفلها الذي تحملت من أجله كل شيئ، تأتى والدة عبدالرحمن كل فترة قصيرة والحُجة كاذبة وغطاء بات مكشوف لهم، أن تطمأن على حفيدها..
تختلق المشاكل وتنفعل لتحصل على شفقتهم، يأست رضوى من تغييرها ولكن بالطبع لسانها مُقيد بسلاسل عشقها، إن تفوهت ستنهى كل شيئ، وبالطبع لا يمكن بعد هذه الحياة وهذا الطفل الذي لم يرَ الدنيا بعد..
استقرا في منزل متوسط المعيشة، ذو اثاث حديث وغالى، منزل هادئ يملؤوه الحب والحنان اللذان حاولت رضوى زرعهما بكل الطرق، وخاصةً بعدما شُفي عبدالرحمن من مرضه النفسي تمامًا، لتنزاح أخر عقبة اعتقدتها رحلت، ولكن من دون ارادةً منهم حلت مكانها عقبة اكبر واصعب، لتتحداهم بلا منازع، وهي عدم رغبة والدته في هذا الزواج..
كانت تجلس أمام التلفاز في الصالة، على الأريكة الكبيرة البنية، وعبدالرحمن بعمله، وهي ووالدته فقط في المنزل، كانا مندمجة مع احدى الافلام المصرية، حتى وجدت والدته تقترب منها بهدوءها المخيف، ثم نظرت لرضوى وقالت بهدوء حذر: بتعملى أية يا حبيبتى؟ أشارت رضوى للتلفاز، واجابتها بلامبالاة: بتفرج على الفيلم ده يا طنط اومأت بهدوء لتجلس مقتربة منها وهي تشير لبطنها المتكورة قائلة بخبث: وحبيب نناه عامل أية؟
ابتسمت رضوى بنصف عين، ثم غمغمت محاولة إفتعال الهدوء: الحمدلله اهوو اومأت والدته وقد طرقت على عقلها فكرة ما ستنفذها بالطبع، عبدالرحمن بالعمل وهي معها بالمنزل بمفردهم، بالطبع فرصة لن تعوض، واخيرًا ستحصد ما زرعته وخططته منذ أشهر.. نهضت وهي تسألها بلطف غير محبب: تشربي معايا عصير يا حبيبتى؟ نظرت رضوى لها بنصف عين، يراودها شعور غير مطمئن، وكأنها تتفحصها لتمحى ذاك الشك الذي يُعكر صفوها دائمًا..
اجابتها بهمس يكاد يسمع: طيب اوكى يا طنط ابتسمت الاخرى ابتسامة لم تترجمها رضوى بالمعنى الذي كان يرتسم داخل تلك السيدة، لكن وصلتها بالمعنى الذي ارادته هي فقط.. كادت تتجه للداخل حتى قاطعتها رضوى بابتسامة صفراء: خليكِ يا طنط أنا هقوم أعمل ارتاحى هزت رأسها نافية بسرعة وكأن ثعبان لدغها وسارعت بالقول: لأ لأ لأ خليكِ أنتِ حامل، لكن أنا لسة بصحتّى!
اومأت رضوى بهدوء، ثم امسكت هاتفها لتتصل بشهد، رفيقتها وابنة خالتها التي لن تبتعد عنها بعد الان، اما هي فاتجهت بهيرة إلى الداخل بخطوات متعجلة، ثم اخرجت كوب زجاج، واخرجت زجاجة العصير البرتقال من الثلاجة ثم صبت جزء في الكوب، ثم إلتفتت تنظر على الخارج، وبترقب شديد أخرجت من جيبها زجاجة صغيرة جدًا، لونها أبيض، زجاجة دواء..
ثم قطرت بضع قطرات في الكوب الخاص برضوى، قلبته بالملعقة وهي تبتسم بشر، ثم اخذت الاثنين وتقدمت للخارج مرة اخرى لتجد رضوى على نفس وضعيتها، مدت يدهت بالكوب لها وهي تقول بابتسامة زائفة: خدى يا حبيبتى اشربى وغزى صحتك اومأت رضوى بهدوء ثم مدت يدها لتأخذ الكوب، ومدت يدها واخذته.. جلست والدة عبدالرحمم بجوارها وعيناها تتقافز حماسًا للقادم غير مبالية برد فعل ابنها او تلك المسكينة مما سيحدث..
جلست بجوار رضوى تتذكر ما فعلته في الصباح.. فلاش باك دلفت الى احدى الصيدليات الصغيرة، تنظر خلفها كل حين ومين، ما إن رأت الطبيب حتى هتفت مسرعة: دكتور لو سمحت نظر لها ومن ثم اجاب بجدية: اؤمرينى يا حاجة؟ ظلت تنظر للأرض بتوتر، تفكر في سببًا مقنع لما ستطلبه، حتى لا تثير شكوك ذاك الطبيب، واخيرًا وجدتها فتابعت بحزن مصطنع: معلش يابنى هطلب منك حاجة وتخليها ف سرك.
اومأ مؤكدًا بأنصات شديد، فتحمست هي واستطرد لتنال على شفقته: عايزة الدوا اللى بيخلى الست تسقط إتسعت حدقتا عينيه مرددًا بصدمة: نعم، أنتِ واعية للى بتطلبيه يا حجة؟ اومأت هي واكملت بأسف اصتنعته بمهارة: اصلى يا حبت عينى، بنتى متجوزة وحامل ف اخر شهر، لكن الدكتور اكتشف ان في خطورة على حياتها ولازم تنزله، وهي راسها وألف سيف مش عايزة تنزله ابدًا.
ظل ينظر لها بنصف عين، الشك ينهشه من الداخل حثًا على عدم تصديقها، والعقل يدفعه نحو حافة اللامبالاة، فهذا شيئً لا يعنيه، في النهاية أستسلم للكفة الراجحة بالنسبة له واومأ ثم اتجه للداخل وجلب ذاك الدواء الذي سيُهلك اسرة كاملة ثم اعطاه لها وهو يقول بتحذير: حطيه لها ف اى مشروب، لكن حذارى تكترى منه لانك كدة هتعرضيها للخطر! اومأت بامتنان حقيقي لمع في عينيها ثم اخذته وغادرت على عقبيها تكاد تطير فرحًا.. باك.
افاقت من شرودها على صوت صريخ رضوى المفاجئ ولكن ليس بالنسبة لها، و...
في اليوم التالي، وصل عمر الى احدى الشركات الكبيرة، سمعتها تسبقها، كبيرة بحد كبير، امام ابوابها حراس مفتولين العضلات، ذات هيبة واضحة، لا يعمل بها اى شخص، ترجل من سيارته بملابسه المهندمة والتي كانت عبارة عن بنطال من اللون الأسود وچاكيت من اللون الأسود أسفله تيشرت احمر، اتجه الى الداخل بخطوات واثقة، ثم اتجه الى المكتب الخاص به، فتح الباب ثم جلس على الكرسي الجلدى بتنهيدة حارة، ينظر امامه بشرود، لم تكن حياته كما توقعها، لم تكن هادئة مستقرة بل تشكلتها مشاكل وشظايا من الماضي تذكره انها مثل السراب لا نهاية لها!
قطع شروده صوت طرقات على الباب، يتبعه دخول شاب يبدو في الثلاثينات من عمره، يرتدى حلة رسمية، ملامحه السمراء صارمة قاسية، لا توحى بشطاطات رحمة مرت بها، صديقه الذي اعتز به، صديق منذ القدم لجأ له بعد إنتقامه من حاتم، جلس على الكرسى الصغير امام المكتب تمامًا، ليصبح مقابلاً لعمر، ثم تنحنح قائلاً بهدوء: اية يا عمر اتأخرت كدة لية؟ تنهد مجيبًا بضيق بدء لتوه في الظهور: عادى مشاكل.
اومأ الاخر متفهمًا ثم سأله فجأة مضيقًا عيناه: أنت قولتلها على شغلك ولا لسة يا عمر؟ هز رأسه نافيًا بسرعة، ليتابع محذرًا: أوعى اعرف انك قولتلها حاجة إرتسم ثغره بابتسامة خبيثة لا يطمئن لها عمر، ثم قال ببرود: ومش ناوى تقولها؟ تأفف مجيبًا بصراخ حاد: عايزنى أقولها يا حبيبتى أنا سبت القتل وأشتغلت ف المخدرات ده غير موت ابننا! صمت برهه يلملم شتات هدوءه المبعثر بفعل خبث ذاك الأبلة ثم اكمل بضيق:.
ده أنت مش معقول يا حسين والله واخيرًا إستطاع حسين معرفة نقاط ضعفه التي كان يتلهف شوقًا لمعرفتها، دائرة عمر المحصنة لم يستطع دخولها إلا من باب واحد حاول جعله مفتوحًا، واخيرًا عرف اهم نقطة، وهي علم زوجته بعمله! نهض يهندم نفسه، ثم ألقي نظرة اخيرة على عمر قبل أن ينصرف وهو يقول بجدية شابتها الخبث:.
في صفقة جديدة لازم أنت اللي تعملها، والسكرتيرة الجديدة جت هبعتهالك مع المعلومات، وهبعتهالك مع مفاجأة مش عارف هتشكرنى عليها ولا لا قطب عمر جبينه بحيرة ثم سأله مستفهمًا: مش فاهم مفاجأة أية دى؟ رفع كتفيه وهو يخرج ببرود وقال: ماتستعجلش هتعرف...!
كانت مها في منزلها والذي لم يعّد منزلها وحدها، الجزء الوحيد الذي كانت تشعر بالراحة فيه جاءت اخرى لتشاركها فيه، منزلها الذي كان مأوى لها ولأبنها سيف وزوجها أحمد، اصبحت الان رودينا تعيش معهم بنفس المنزل، كل يوم والأخر تنشب معركة نسائية كلامية واحيانًا دموية بينهم، بالطبع لم تستقبل مها زواجه بترحاب، بل غضبت وثارت وافتعلت معه العديد من المشاكل، ووصلت أنها طلبت الطلاق!
ولكن تحت ضغط من والدتها قررت أن تستسلم لعقابها على كل ما فعلته سابقًا والذي اتاها على هيئة تلك التي تدعى رودينا والتي حاولت بشتى الطرق إثبات أنها الأفضل من مها، وكسب الجزء الأكبر من قلبه الذي كانت تمتلكه مها مسبقًا..
خيرها أحمد بين أن تعيش رودينا معهم، أو يجلب لها منزل أخر ويصبح يومان عندها وثلاثة عند رودينا، والحجة باطلة بالنسبة لمها وظالمة لحد كبير، وهي أن رودينا مازالت عروس في اوائل زواجها، وفي احدى الأيام التي ستشهد خطط اخرى وجديدة لرودينا..
كانت مها تغط في نومًا عميق، فاليوم هو يوم تأخر أحمد في عمله، على سريرهم الكبير تنام بجوار طفلها الوحيد سيف ، تحتضنه بحنان أصبح يغمره منذ عودة والديه لبعضهم، بدء سيف يتململ في نومته، وفتح جفنيه البيضاوين بتثاقل شديد، وبنعاس طفولى حاول إبعاد يد والدته عنه، ثم نهض بخفة بجسده الصغير، واتجه للخارج، وجد رودينا تجلس امام التلفاز بأنتظار أحمد بأحدى اقمصة النوم الصيفية، تترك شعرها الاصفر ينسدل خلف ظهرها، ما إن رأت سيف حتى تسللت الابتسامة الخبيثة لثغرها، ثم نهضت متجهة له وهي تقول بابتسامة لم يفهمها سيف بسبب صغر سنه:.
حبيبي اية الى صحاك الوقتِ؟ فرك عيناه بقبضة يده الصغيرة، ثم مطت شفتيه مجيبًا بحزن طفولى: أصلى طلبت من ماما نروح دريم بارك، وهي ضحكت عليا ونيمتنى قطبت رودينا حاجبيها، وشيطانها يوسوس لها انها الفرصة المناسبة، امامها عجينة لحياة مها وسترسمها بالشكل الذي تريده الان! نظرت له ثم هتفت بخبث: طب ما تروح أنت يا سيفو، لية تستنى ماما توديك صمتت برهه تستشف رد فعله، فاكملت بتهكم خبيث:.
ولا أنت مش راجل بقا ولازم تاخد ماما معاك؟ ظهر الغضب الطفولى على ملامحه، فاحمرت قسماته لحمم بركانية بالرغم من صغر سنه، وزمجر فيها بغضب: أنا راجل مش طفل، وهاروح لوحدى رفع كتفيها تنظر امامها بلامبالاة مصطنعة: امممم روح نام يا طفل جز على أسنانه بغيظ، ثم ركض للخارج وهو يقول بجدية طفولية: أنا رايح دريم بارك لوحدى عشان أعرفك إنى مش طفل وقولى لماما انى روحت.
اومأت هي بجدية مصطنعة، لتجده اخذ الحقيبة التي بها اموال والدته ثم ركض خارج المنزل تحت انظار تلك الثعبانة التي كانت قطرات السعادة تتقافز بعيناها، ثم همست في خواطرها: ولسة الى جاى احلى يا ست مها!
كان عبدالرحمن يعمل بأحدى المطاعم الشهيرة كمدير للمكان، يعمل بأتقان من أجل طفله القادم وزوجته التي بات يعشقها حد الجنون، لم يغفل لتصرفات والدته بالطبع ولكنه يحاول التغاضى عنها، فهو بين حدين مؤلمين، زوجته ووالدته!
تنهد وهو يجلس في مكتبه الصغير بالمطعم يتذكر المشاكل العديدة التي مروّا بها بسبب والدته، ولكن هذه الكلمة والدته تجعله مقيد غير راضٍ بأى حل يزعجها، أفاق من شروده على صوت طرقات هادئة على الباب، قال بصوت جاد: ادخل دلف احدى العاملين بالطمعم بزيه الرسمى، نظر لعبدالرحمن ثم هتف متنحنحًا: أستاذ عبدالرحمن في واحدة كدة بره طالبة تشوفك سأله عبدالرحمن بحيرة: واحدة مين دى الى عايزة تشوفنى.
رفع كتفيه قائلاً بعدم معرفة: الحقيقة مش عارف، لكن أنا أول مرة أشوفها هنا اومأ عبدالرحمن بهدوء، ثم أردف امرًا: طب روح انت يابنى وانا جاى وراك اومأ الأخر ثم استدار وغادر على عقبيه تاركًا عبدالرحمن يتخبط بأفكاره يمينًا ويسارًا يحاول التذكرة هل أعطى وعدًا لمقابلة سيدةً ما؟! ولكن لنذهب ونرى اذنً..
قال لنفسه هكذا وهو ينهض تاركًا هاتفه على مكتبه وخرج خارج المكتب متجهًا للخارج، لمكان تلك السيدة حتى أصبح امامها فاتسعت حدقتا عينيه بصدمة واضحة، وتوقفت جميع حواسه عن العمل تأثيرًا بتلك الصدمة، فهمس بتعجب واضح كاد يسمع: هو أنتِ!
بعد تحدث شهد مع رضوى أغلقت الهاتف، كانت تشعر بأختناق كبير يجتاحها، ظلت تتأفف عدة مرات وهي تسير ذهابًا وإيابًا في حجرتها، اتجهت لفراش طفلها الفارغ تنظر له بحرمان وإشتياق قاتل، نعم تسللت الأبتسامة الهادئة لثغرها، ولكن لم تستطع محو الألم والأشتياق من جنبات قلبها!
وكأن القدر قرر إعطاؤوها سببًا حقيقيًا لذاك الخوف والحزن فسمعت أصوات غريبة تأتى من الخارج، إبتلعت ريقها بازدراء، وشحب وجهها هلعًا، اتجهت للخارج تتفحص الخارج بنظرات مذعورة، نظرات إن رأها القادم بالطبع ستدب الشجاعة في أوصاله! هتفت بصوت متحشرج: م مين هنا؟!
لم تجد إجابة وانما ازدادت الحركة بالأسفل وتزداد معها ضربات قلبها التي هددت بالوقوف، نجحت بصعوبة في اخراج الحروف من بين شفتاها المرتعشتين، ولكنها لم تنجح بعد في إختلاق بعد الاوامر للتحرك لتتجه للأسفل! وفجأة وجدت من يضربها بقوة على رأسها جعلتها تفقد الوعى بصرخة مذعورة من أعماقها المرتعدة و...