رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والخمسون
تنتظر بكل جوارحها هذه الكلمة التي تطيب خاطرها، تنتظر إخباره انه بخير تمامًا، هي اساسًا لن تسمع سوى هذه الكلمة، أذنيها قبل عقلها لن يسمعوا غير ذلك، وقفت في عرض البحر منتظرة قدوم قارب النجاة، تنهد الطبيب تنهيدة طويلة حارة قبل أن يتابع بجدية:.
احنا شيلنا الرصاصة خلاص، كانت جمب القلب بالظبط وربنا سترها معاه لأنه لما اخد الرصاصة على ما اعتقد كان بيتحرك وده حظه أنه إلى ضربه ماعرفش يجيبها عند القلب بالظبط والا كان هيبقي في كلام تاني تنهدت بأرتياح شديد، وانفرجت اساريرها بسعادة، تشعر كما لو أنه ازاح جبلاً ثقيلاً من على قلبها، واين قلبها اساسًا، قلبها معه هو، ربما رحم جسدها ولو قليلاً لتهدأ وتستريح، همست بسعادة وإمتنان:.
الحمدلله الحمدلله يارب، الحمدلله أبتسم محسن بسعادة، في حين أكمل الطبيب بأكثر جدية: بس في حاجة يا مدام إبتلعت ريقها بصعوبة ومن ثم سألته بتوجس: خير يا دكتور في اية؟ أجابها بهدوء حذر قائلاً: هو دخل في غيبوبة، وف العناية المركزة والمفروض انها غيبوبة مؤقتة، ادعى له بقا يفوق منها بسرعة تقلصت حدقتي عينيها بصدمة، ولكن صدمة عن صدمة تختلف، الغيبوبة تعد أفضل بمراحل عن، الموت!
عاد يضع بعضًا من الحمل الثقيل مرة اخرى، ولكنه عطف عليها هذه المرة وكان أخف قليلاً، انتشل منها سعادتها فجأة، فيما استطرد هو بنفس هدوءه: بس مفيش خطر على حياته، احمدى ربنا انها جت على اد كدة يتلاعب على اوتارها الحساسة ببرود دون أن يشعر، لم تشعر بحياتها يومًا أن مشاعرها متخبطة مثل اليوم، غمغمت بهدوء حذر: الحمدلله ع كل حاجة اومئ الطبيب ثم استدار يغادر على عقبيه مرددًا بصوت اجش: شفاه الله وعفاه.
همس محسن بأمتنان وبعضًا من الحزن: امين، شكرا يا دكتور نظر مسعد لشهد بهدوء ثم ربت على كتفيها وهو يقول مهدئًا: الحمدلله يابنيتي، الضامن ربنا بس دلوجتى احنا اتطمنا انه هيبجي معانا، جضي اخف من جضي اومأت شهد موافقة بأقتناع، ثم استدارت وجلست على الكرسي مرة اخرى بهمدان، ترمى بثقل جسدها وهمومها عليه، أقترب منها محسن، يطالع هيئتها المرزية، وملابسها المليئة بالدماء، زفر بقوة قبل ان يقول بحزم:.
يلا بجا عشان نروحوا تغيرى هدومك هزت رأسها نافية بسرعة وانتفضت كأن سلك كهرباء عارى لمسها، ثم اردفت مسرعة بنفي تام: لا ابدًا، مش هاتحرك من هنا غير مع عمر اجابها بصوت آمر: لا ماهينفعشي، روحى غيرى هدومك وهجيبك تاني نظرت له بأستعطاف كأنها تتوسله ان يتركها، ثم هتفت برجاء وإصرار: محسن لو سمحت سيبني، انا كدة مرتاحة جدًا، لكن مش هابقي مطمنة لو مشيت، ارجووك أمسك وجهها بين كفيه بهدوء، ثم تابع بحنان قائلاً:.
حبيبتي انا حاسس بيكِ وعارف، بس عاجبك منظرك دِه والناس تتفرج عليكي وانتِ جاعدة إكدة بالهدوم إلى فيها دم نظرت لملابسها بحزن، دماؤوه عليها وكأنها وشم وُضع عليها للأبد لا تريده أن يزول، هزت رأسها موافقة على مضض، ثم نهضت متجهة للخارج بجوار محسن بخطي هادئة، بينما أشار له خاله ان يذهب وهو سيظل في المستشفى لحين عودتهم، مع بعض الرجال للحراسة.
كانت رضوى تسعn لإنهاء كل شيئ بسرعة وعلى أكمل وجه، توضب المنزل بسرعة وبجهد، ولم تشعر بالتعب ولو للحظة، لحظات تعبها تذهب في ثوانٍ بمجرد أن تشعر انها قاربت على الانتهاء، انها تفعل ذلك من اجله هو، انتهت من كل شيئ واشترت ما توجب شراؤوه ولم تجلس لثوانٍ، كانت نبيلة تجلس امام التلفاز ببرود، لا تساعدها في حمل كرسي حتى، تعمدت جعلها تفعل كل شيئ لتشفي غليلها منها، ولكن تشعر أنها هبطت لأخر ارض بمجرد ان ترى تلك السعادة التي تشع من أعين رضوى، وفي المساء كانت قد انتهت من كل شيئ، جلست على الأريكة بجوارها، تتنفس الصعداء، بدى عليها الأرهاق، جلست بهمدان تريح جسدها، بينما كانت نبيلة تجلس وقد بدى الحزن على محياها بعض الشيئ، قطبت رضوى جبينها بتعجب، لقد تغير حالها عن منذ ساعات تمامًا، لابد أن هناك شيئً ما ومهم جدًا، هو ما استطاع تغير حالها هكذا، قطعت نبيلة شرودها بصوت قاتم:.
شهد ومحسن وخالك محسن مش جايين جحظت عينيها بصدمة، ثم سألتها ببلاهة: لييية! ضربت على فخذيها بقوة إلى حدًا ما وبغلب، وبدأت الشفقة والعطف يتغلغلوا لنبرتها القاسية ويسيطروا عليها رويدًا رويدًا وهي تجيبها: شهد بنت خالتك يا حبت عيني مابتلحقش تفرح، كل ما تخرج من مشكلة تقع في الاكبر منها بلغ القلق ذروته لدى رضوى التي قطبت جبينها بخوف، ثم عادت تسألها بتوجس: مالها شهد يا طنط ما تقولي ع طول.
زمت نبيلة شفتيها بحزن، ثم اردفت: جوزها يا حبيبتي اتضرب بالنار وف المستشفى في العناية المركزة شهقت رضوى بصدمة، ووضعت يدها على فاهها بحركة مباغته، تحاول السيطرة على شهقاتها التي صدرت بصدمة رغمًا عنها، فهي تحب شهد وبشدة، قضت معها سنين من عمرها قبل ان ينتهوا من تعليمهن، إن كان اى شخص مكانها كانت ستحزن عليها، ما بالك بصديقة طفولتها! استدركت نفسها سريعًا، ثم نهضت وهي تقول لنبيلة متساءلة بجدية:.
ماقالكيش انهي مستشفى وفين رفعت كتفيها بمعنى لا، ثم استطردت بصوت أجش: لا بس هما في البلد، يعني المستشفى في الاقصر ثم نظرت لها بطرف عينيها متساءلة بعدم فهم: ليه بتسألي يعني انتِ؟ تابعت رضوى مسرعة دون تفكير: هنروح لهم اكيد مش هاسيب شهد لوحدها دلوقتي أجفلت نبيلة بتعجب، ثم رفعت حاجبيها بدهشة قائلة: بجد، عايزة تروحى لشهد! اومأت رضوى مؤكدة ببساطة، فيما قالت نبيلة بجدية يشوبها الحزن: تمام يبقي يلا، بس كتب الكتاب!؟
يبدو انها لن تكف عن إدهاشها اليوم، اولاً حزنها على شهد، فقد كانت تعتقد انها مثل الجدار الصلب لا يؤثر به اى شيئ، ولكن اليوم ترى الجدار يحزن ويُشفق ويتساءل عن ما يهمها هي! أبتسمت نصف ابتسامة، ثم اراحت ظهرها للخلف وهي تتشدق ب: لما هأقول لعبدالرحمن اكيد مش هيعارض يعني اومأت نبيلة بخفة، ثم تمتمت بخفوت: ربنا يسعدك يا رضوى لا لا هذه المرة سمعتها بالفعل، تدعو لها!
أتدعو لها حقًا من اعماقها الحنونة، ام ان امنيتها في ذاك الحنان اثرت على اذنيها، شعرت بقلبها يرفرف عاليًا بسعادة، فقالت بأبتسامة حالمة: ياارب يااارب اخلتطت نظرات رضوى السعيدة مع نظرات نبيلة الشاردة، استشعرت فيهم نبيلة مدى خطأها في الحكم على رضوى، بينما نهضت رضوى ومازالت غير مصدقة لما يحدث، ثم استطردت بهدوء حذر: انا هأروح اقول لعبدالرحمن، عقبال ما انتِ تكلمى خالو تقوليلي يحجز لنا.
ثم استدارت لتغادر لغرفتها على عقبيها، تحاول إجبار عقلها على إستيعاب ما حدث، على استيعاب ان جلاده مْل من كثرة تعذيبها وقرر العفوا..
كان الجو مشحون بالتوتر، والخوف سيد الأفق في المطعم الذي سيصبح حتمًا بعد دقائق ساحة لمعركة نسائية دامية، ولكن رد فعل الحاكم بينهم قد تكون ليست عادلة بعض الشيئ نسبةً لمها ، التي اقسمت في هذه اللحظة انها ان امسكت بها لن تتركها إلا بعدما ترفع راية الأستسلام، كان عينيها توحي ببدأ إندلاع ثورة غاضبة تكاد تحرق من امامها، وتشجنت عضلات وجهها وهي تزمجر فيها غاضبة:.
نعمممم يا حبيبتي، زوجته المستقبلية ده اية، روحى لقطي اكل عيشك بعيد كان أحمد يضع رأسه بين يديه، لقد تدمر كل ما كان يفكر به، كل ما بناه هو في اخر الايام، هدمته رودينا بلحظة واحدة، بينما نظرت لها رودينا نظرة ذات مغزى، ثم غمغمت بجزع: ياآآى، You are not polite، بيئة اوى إتسعت حدقتا عينيها وإشتعلت بالغضب، نهضت وهي تصيح فيها بحدة: انا بردو إلى مش مؤدبة يا زبالة، ولا انتِ إلى جاية تحضني جوزى ادامى What!
فغرت شفتاها هي الاخرى بصدمة، بينما كان احمد يدب على رأسه بغلب، بدأ عداد عمره بالعد الان، وإنفجرت القنبلة التي اكملت على تدمير كل شيئ، شعر بخطورة الموقف فنهض الان، ليجد اعينيهم مصوبة نحوه كالمدافع القاتلة، فسارع بالتبرير مهدئًا من روعهم: اهدى بس يا رودى وانا هأفهمك كل حاجة بس روحى دلوقتي رمقته مها بنظرات حارقة حادة، ليكمل مسرعًا: انتِ كمان مش فاهمة حاجة يا مها.
لم يعطى كلاً منهم الفرصة للرد، واقترب من رودينا يمسك يدها ليتجه للخارج بخطوات سريعة وهو يلعن اليوم الذي قرر فيه القدوم لهذا المطعم اللعين.. بينما كانت مها تكاد تأكل اظافرها من الغيظ، احمر وجهها من كثرة احتقانه معلنًا عدم قدرته على تحمل هذا الكم من الغيظ والحقد اكثر من ذلك..
وأحمد في الخارج يركب السيارة الخاصة ب رودينا وهو يحاول ترتيب الكلام الذي سيقوله لكلاهما الان، دبت رودينا بقدمها على ارض السيارة بقوة وهي تقول متزمرة: كنت سيبتني للبنت اللوكال دى نظر لها بنصف عين، نظرة جعلتها تبدو حمراء من الأحراج، نظرة بمعني من كاد يفتك بمن! نظرت للأسفل تحاول إستعادة جديتها وحدتها مرة اخرى، إلا انه لم يمهلها الفرصة حيث قال مسرعًا بتبرير: رودى انتِ عارفة انى كنت متجوز ومخلف صح.
اومأت هي بغيظ مكبوت، في حين اكمل هو كمحاولة ليستعطفها: طلبت اننا نتقابل، واتكلمنا عشان اخد ابني، انا بعدت عن ابنى بما فيه الكفاية يا رودينا، فأتكلمنا وقررنا انى اخد ابنى صمت برهه لينظر لها ليستشف رد فعلها، ليجدها منسجمة مع كلامه الكاذب، ليتابع بأسف مصطنع: والظاهر كدة انها فهمت اننا هانتجوز، لكن انا مش ممكن اتخلي عنك.
بدأت عصبيتها وقلقها يذهبوا ادراج الرياح، استطاع بمهارة إسكاتها، ليمسك بيدها بحنان زائف، ثم قال بأبتسامة: لسة زعلانة يا رودى؟ هزت رأسها نافية وقد بادلته الابتسامة، فشعر هو بالأنتصار، ها هي قد مرت اول مهمة، وما اصعب التالية..! هبطت برأسه يطبع قبله هادئة على يدها واصابعها التي تخللت اصابعه الرجولية السمراء، ثم عاد ينظر لها مثبتًا انظاره في عينيها الزيتونية الخضراء، ثم اردف بصوت اشبه للهمس:.
معلش يا حبيبتي انا مضطر ارجع لها، عشان متشكش بحاجة وترفض تديني ابني بحجة انى هاتجوز مطت شفتيها بأعتراض شديد، ثم اومأت دون تنظر له على مضض، لتتسع ابتسامته تدريجيًا، ثم قال معتذرًا: متزعليش يا رودى، هابقي اكلمك، باى استدار ليغادر بعدما اغلق الباب وإتجه للداخل بسعادة داخلية تغمره، ليجد مها كما تركها بل اصبحت حالتها اسوء، اقترب منها ثم جلس على الكرسي متنحنحًا بحرج:.
مها بجد انا مش عارف اعتذرلك ازاى، بس حقيقي انا اتفاجئت بيها رفعت مها حاجبها الأيسر ثم تابعت قائلة بإستنكار: اتفاجئت بيها! لا والله إرتسم على ثغرها ابتسامة ساخرة، لتكمل بتهكم مرير: اتفاجئت بيها طب من حيث اية، من حيث انها موجودة ولا من حيث انها قالت انها مراتك المستقبلية!؟ إبتلع غصة مريرة في حلقه، ثم نظر له وقال مترجيًا: مها حبيبتي انتِ عارفة إنى كنت هاخطب، ودى رودينا إلى كنت هاخطبها.
لم تُظهر اى رد فعل واكتفت بالنظر للجهة الاخرى، فأكمل هو بنفس النبرة: مكنتش عايزها تفهم اننا اتجوزنا لانها لو فهمت هاتخلي والدتها تفض الشغل إلى مع والداتي لانها بنت صاحبة امى لم تكن مها مثل رودينا بالمعنى الحرفى لتصدقه بهذه البساطة، كانت ترمقه بنظرات مكذبة وحانقة، مما جعله يشعر بالإحباط من إكمال ما اراده، فأستطرد بيأس مصطنع: بردو مش مصدقانى، للدرجة دى مابتثقيش فيا ابدًا.
لم يجد منها استجابة ايضًا، وكأنه يخدش في جدار صلب لا يتأثر، فقرر اخراج اخر فرصة يمكن استسماحها بها، فقال بجدية: مها انتِ سيبتيني عشان سبب كل ما بفتكره بأحس إني عندى نقص، بس كان حبي ليكي اكبر واقوى من اى شيئ، ناس كتير استحالة تسامح ان مراته تتطلق منه عشان تروح لحبيبها، بس انا قولت ربنا بيسامح وبيدى فرص، انا مش هسامح ليه يعني ده انا عبد.
بالفعل سهم حديثه الخبيث اصاب الوتر الحساس الذي اراده، نظرت اليه مها بحزن، ثم زمت شفتيها بضيق طفولي قائلة: خليني وراك لحد مانغرق سوا يا احمد غمز له بطرف عينيه، ثم هتف بخبث دفين: ولسة إلى جاى احلي يا زوجتى العزيزة.
لا لا انا ايقنت ان انا فقرى، او عمر ده محظوظ جدًا كمان.
هتف فارس بهذه الجملة وهو يجلس في الحديقة المجاورة لقصر حاتم الخضراء ذات الزهور المتفتحه، تحت اضواء القمر الذي انار الأرض جميعها، يجلس على كرسي خشبي متوسط وامامه منضدة صغيرة عليها زجاجات من المشروبات واثار السجائر، وعلى الجهة الاخرى يجلس حاتم والسيجار في يده كعادته، ويضع قدم فوق الاخرى بغروره وبروده المعتاد، في حين فارس يشعر ان الشيطان تتراقص امامه على خيط انتقامه السميك، أحتقن وجهه بغضب واضح، وحاتم يستمع له بآذان صاغية مهتمة، قطع الصمت الذي دام لثوانٍ قائلاً ببرود:.
معرفش، بس الظاهر فعلاً انك فقرى يا فارس اومأ فارس بغيظ، ثم كور قبضة يده حتى ظهرت مفاصله تحت يده السمراء، ليردف وعينيه ظهر فيها شعاع غامض حاقد: بس انا وهو والزمن طويل، انا مبزهش رفع حاتم حاجبه الأيسر ثم قال بسخرية: لا ماهو واضح انك مابتزهقش يا فارس ثم صمت لبرهه ينفث الدخان، ليتابع بجدية: انا مش قولتلك ان عمر مش حد سهل، سيبوا بقا وفكك منه.
هز فارس رأسه نافيًا، ثم جز على اسنانه بغيظ، وراح يفكر بخبث، ثم استطرد بنبرة غليظة: انا اصلاً مش عارف انت ازاى سايبه كدة، ده مابيشتغلش بقاله شهرين تقريبا رفع حاتم كتفه بلامبالاة، ونظر امامه وهو يتشدق بغموض: انا سايبه شوية، بريك يعني زفر فارس بقوة، ثم اراح ظهره للخلف قائلاً بنبرة لاذعة: لا لا فعلاً مش فاهم، ده تقريبًا تالت واحد ابعته له وبردو يفشل اجابه حاتم بصوت قاتم: مش ضربه ودخل المستشفى؟
تأفف فارس بضيق، كلما تذكر يجتاحه شعور بالغيظ والحنق، وكأن شخصًا ما يضربه بمطرقة في منتصف رأسه كل دقيقتين، قال بنزق: بس لسة عايش وهايطلع صاغ سليم، وخاله ده حط حراسة عند البيت وعند المستشفى يعني الوضع زاد سوءً قهقه حاتم عاليًا، فبكل مرة يكتشف ان عمر يتفوق بمراحل عن فارس، ثم غمغم بغرور: انا نظرتى ما تخيبش ابدًا قطب فارس جبينه متساءلاً: مش فاهم يعني قصدك اية يا ريس؟
لم يستطع حاتم اجابته حيث سمعوا صوت سيارة الشرطة يدوى، وما لبث ان مرت ثوانٍ فقط حتى وجدوا الشرطة من حولهم، والضابط ينظر لهم بتشفي قائلاً: والله وجه يووومك يا حاتم بيه.
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الستون
إتسعت حدقتا عينيه بصدمة بدت جلية عليه، وسقط قلبه ارضًا من الخوف، هرب الدماء من وجهه ليعطيه مظهر مثير للشفقة، شعر ان الدنيا تدور من حوله، سقطت كل الحصون الباردة الجامدة التي يبنيها دائمًا في حديثه وتعابير وجهه، إنقلب المنضدة عليه كما يقولون واصبح بدلاً من الحاكم المحكوم عليه، تجسد امامه كل الفساد الذي سببه، وكل من قتلهم، وكأنهم يعودوا لينتقموا على هيئة ذاك الضابط، بينما كان فارس قد تبلد جسده مكان، كان كالطفل الذي يصعب عليه إستيعاب قدوم الشرطة والسبب مؤكد ومعروف، هتف الضابط امرًا للعساكر من حوله:.
فتشوا القصر، وانتم اقبضوا عليه افاق حاتم من صدمته سريعًا، ليقول بغضب مصطنع: انت مجنوون، يقبضوا على مين انت مش عارف انا ميين!؟ اومأ الضابط بلامبالاة، ثم اجابه ببرود: ايوة طبعًا عارف، حاتم مهران، اكبر تاجر مخدرات وقتال قتلة في تاريخ البلد حاول الحفاظ على ثباته قدر الإمكان، قبل ان يخدعه ثباته وتنهار حصونه، فتابع بجدية: عندك دليل على كلامك ده؟ اومأ مؤكدًا، ثم استطردت بخبث:.
يووووه، ده انا عندى دلائل مش دليل واحد بس يا حاتم باشا إبتلع حاتم ريقه بإزدراء، قبل أن يقول متساءلاً بتوجس: دلائل اية دى إلى عندك؟ زفر الضابط بضيق مصطنع، بينما هو في الحقيقة يشعر بالتسلية، وكأنه يلعب احدى الالعاب القتالية الشيقة، ثم رفع يده يشير له وهو يقول:.
بص الظاهر ان حبايبك كتيير، حد بلغنا بمكان البضاعة ولاقيناها، ده غير إن لحد دلوقتي اترفع ضدك 3 قضايا، بمجرد ما اتعرف اننا رايحين نقبض عليك، ده غير الفيديوهات إلى اتقدمت ضدك وانت بتأمر رجالة من رجالتك بقتل ناس صمت لبرهه يتفحص ملامحه قبل ان يردف بصوت اشبه لفحيح الأفعي: يعني كدة يا باشا اضمنلك الاعدام وبجدارة.
كان كلاً من حاتم و فارس في عالم اخر، لم يدروا أن كل هذا الشر يحيط بهم كالبحر الغدار، ينتظر غفوة منهم حتى يغرقهم دون رحمة! اقترب بعض العساكر يحيطون بهم ثم اخرجوا السلاسل الحديدية يضعونها في يديهم بهدوء، ثم اتجهوا جميعهم للخارج وسط زهول حراس حاتم، فيما سيطرت حالة من الهلع على فارس الذي اصبح يصيح فيهم بحدة: سيبونى انتم واخدنى ع فين، سيبونى انا مليش دعوة رمقه الضابط بنظرات باردة قبل ان يقول:.
هو انا مقولتلكش ان احنا عرفنا انك دراعه اليمين، يا، يا ابو الفراس هز رأسه نافيًا بسرعة، ثم وجه نظره لحاتم الذي بدى الشرود عليه، وزمجر فيه ولأول مرة غاضبًا: اية ده انت هتسيبهم يا حاتم هتسيبهم ياخدونا كدة لم يكن حاتم ليصمت هكذا إلا انه يعلم أنه لم يعد لديه اى شخص يستند عليه سوى فارس الذي اصطحبته الشرطة معه، و، وعمر، هل من امل في مساندة عمر له!؟ نظر لفارس بحدة ليصمت، إلا انه اكمل بغيظ:.
لا ماهو انا مش هقع لوحدى يا باشا جز حاتم على اسنانه كاملة بغيظ، لا يريده أن يضيع اخر امل في إنقاذهم، ولكن فارس لم يأبه وهو يتابع: انا هأقولهم، ماهو انا مش هروح انا كبش فدى يعني.
وصلت شهد مع محسن إلى المنزل، كانت في حالة يرثي لها، وكأنها تقريبًا لا تشعر بما حولها، تسير كالمصيرة لا مخيرة، تتنفس فقط لتكمل هذه الحياة التي تعاندها دائمًا، لم تتفوه طول الطريق ببت كلمة، كان وجهها الشاحب وعينيها الحمراء كافية للتعبير عن مدى حزنها وكسرتها، بالرغم من انه على قيد الحياة إلا انه لم يصبح معها مثل سابق، تنهدت بيأس وهي تتجه للداخل، ثم اتجهت لغرفتها على الفور، لم تتحدث مع اى شخص، وبالطبع هم لم يجبروها على اى شيئ الان، اغلقت باب الغرفة خلفها بهدوء ثم إرتمت على الفراش تبكي بحدة، تمسك بالوسادة تدسها بجوار انفها لتشتم رائحته التي اشتاقت لها، تشعر ان عينيها جفت من كثرة البكاء، همست بإشتياق:.
وحشتني اوووى يا عمر، اول مرة تقعد يوم كامل بعيد عني اصدرت انينًا خافتًا بألم، ثم وضعت يدها بجوار بطنها تتحسسها بأبتسامة هادئة: كنت متأكدة ان ربنا مش هايخيب ظنى، ومش هيخليك يتيم من قبل ما تيجي.
اومأت بخفة ومن ثم نهضت واتجهت لخزانتها واخرجت منها تيشرت طويل يصل للركبة وبنطال جينز، ثم اتجهت للمرحاض لتغتسل من اثار دماء زوجها الحبيب، وتوضأت لتصلي شكر لله بعد قليل انتهت ثم خرجت مسرعة للعودة مرة اخرى، مرتدية ملابسها ثم جففت شعرها، وعقصته كذيل حصان، ثم اخرجت طرحة صغيرة من خزانتها وبدأت تصلي، تدعو الله بخشوع ان يخرج عمر من محنته سالمًا معافيًا، انتهت من صلاتها ثم خرجت من الغرفة واتجهت للأسفل لتجد محسن يجلس بجوار زوجته بهدوء ينتظرها، وصلت امامهم، لتقول زوجة محسن بعطف:.
معلشي يا حبيبتي، الحمدلله انها جات على كد إكدة، ربنا يجومهولك بالسلامة تمتمت بخفوت مرددة: امين يارب نهض محسن ثم سار بجوارها دون كلمة، حتى وصلوا امام المنزل من الخارج، وقفت شهد متعجبة من تواجد الحرس امام باب المنزل، فعقدت حاجبيها متساءلة بحيرة: ليه الحراس دول، انا وداخلة ماخدتش بالي منهم زفر محسن بضيق، ثم اجابها بهدوء حذر: دول خالك جابهم عشان يحرسوا البيت اومأت ثم قالت ببلاهة:.
منا عارفة بس ليه جابهم يعني!؟ اردف محسن بجدية: نبجي نتكلم بعدين يا شهد مش وجته دلوك هزت رأسها نافيًة بإصرار، واجفلت بتعجب ثم قالت متساءلة ببعضًا من الصدمة: دول عشان الناس إلى ضربوا عمر اومأت محسن دون ان يرد، في استطردت هي بحنق: انتم عارفين مين إلى عمل كدة يا محسن صح؟! تقدم محسن للأمام بخطى سريعة، ثم قال بنبرة غليظة: واحنا هانعرف منين يعني، ده احتياط بس يا شهد.
ركضت خلفه تغمغم ببعض الكلمات الحانقة، ثم ركبوا السيارة سويًا، ليدير محسن المقود، ونظر لها جادًا: هوصلك المستشفى واروح احجز لرضوى بت خالتك وخالتك عشان هيجوا بكرة الصبح اومأت شهد بأبتسامة مشتاقة، اخذها حنينها لذكرى صديقة طفولتها التي لم تعرف عنها شيئ منذ مدة.
كانت رضوى جالسة على فراشها بهدوء، وعينيها توحى بالحزن على الفتاة التي اعتبرتها شقيقتها يومًا، تشعر انها تود احتضانها وبشدة، تنهدت تنهيدة طويلة حارة ثم امسكت بهاتفها الموضوع بجوارها واتصلت بعبدالرحمن، ثم وضعت الهاتف على اذنها منتظرة الرد، وبعد ثوانٍ اتاها صوت عبدالرحمن الفرح قائلاً: يااه، رضوى بتتصل بيا مرة واحدة ضحكت بخفة، ومن ثم اجابته بهدوء: اه عادى يعني لا لا ده احنا نولنا الشرف خلاص.
مش للدرجة يعني هههههه ماشي يا زوجتى العزيزة لسة لسة اية؟ لسة مابقتش زوجتك كلها بكرة بس وتبقي زوجتي وزوجتى ونص كمان ماهو انا متصلة بيك عشان كدة خير يا رضوى في اية احنا مضطرين نأجل كتب الكتاب اية، ليه يا رضوى قلقتيني حصل حاجة عندك ولا اية؟ لا لا بس شهد بنت خالتي وصديقتي الصدوقة، جوزها في المستشفى وتعبان جدًا وكان مضروب بالرصاص، وانا كنت عايزة اروح لها انا وماما اه اكيد تمام شكرًا يا عبدالرحمن.
شكرًا على اية بس، وممكن اجى معاكم كمان عشان متبقوش لوحدكم لا لا مش عايزة اتعبك تتعبيني اية بس، انتِ دلوقتي ف حكم مراتى، وانا بصراحة صعيدى ومابخليش مراتى تروح حته من غيرى احم احم، طب تمام ماشي ماشي يا حبيبتي، انتم حجزتوا؟ ايوة خالو قال هيحجز من هناك، وهنمشي النهاردة بليل خالص يعني تقريبًا الساعة 12 او 1 كدة طيب، هحاول احجز معاكم، او نروح بالعربية بتاعتي شوف إلى يريحك تمام هأكلمك تاني ماشي سلام.
مع السلامة يا ملكتي أغلقت وهي تتنهد من اعماقها، تشعر ان قلبها يكاد يتوقف من كثرة دقاته بسرعة، السعادة والراحة تجتاحها بمجرد الحديث، يذهب حزنها ادراج الرياح بمجرد ان تسمع صوته وكأنهم يهابونه وبشدة..
نهضت متجهة للخارج بخطى ثابتة، لم تجد نبيلة في الخارج ورأت الضوء ينير غرفتها فعلمت انها بها، اتجهت لها ثم طرقت الباب بهدوء لتأذن لها بالدخول، دلفت لتجد الحقيبة الجلدية السوداء، نظرت له قائلة بتعجب من لهفتها: اية ده انتِ خلصتي شنطتك!؟ اومأت نبيلة بهدوء، ثم جلست على الفراش بجوارها، لتتابع بأبتسامة: اصلك متعرفيش انا بحب شهد دى ازاى، دى عندى زى مها واكتر كمان.
شعرت رضوى بغصة في حلقها، شعرت انها هي المنبوذة وسطهم، هي من كانت تكرهها فقط، ابتسمت بحزن رغمًا عنها، وكأن نبيلة شعرت بها لتقترب منها وتربت على كتفها بحنو وهي تقول: وانتِ طبعًا خلاص زى بنتى يا حبيبتي.
من المؤكد ان السعادة تطرق بابها اليوم عن قصد، بعدما قررت اعطاءها بعضًا من هذه السعادة التي لطالما حُرمت منها، عبرت عينيها عن تلك السعادة التي تتقافز داخلها، لتقترب منها نبيلة ببطئ وتحتضنها بحنان، حنان لم يسبق لها ان شعرت به لرضوى، حنان احكمته داخلها بقوة واغلقت عليه منذ زمن، ولكن الان لا تعرف ما يقودها، قد يكون السبب مجهول.
وصلت شهد امام المستشفى، واتجه محسن عائدًا مرة اخرى ليحجز لرضوى و نبيلة بينما كانت شهد تسير بخطوات اشبه للركض، تشعر ان حنينها له هو من يقودها، تلهث اثر انفعالاتها، وصلت امام غرفة العناية المركزة، لتجد خالها ونادى كما تركتهم، تقدمت منهم تسأل مسعد بلهفة واضحة: الدكتور ماقالكوش اى حاجة يا خالي؟ هز رأسه نافيًا ثم اجابها بجدية: لا ماجالشي حاجة تاني.
اومأت بهدوء ثم اقتربت من الباب تستند على الزجاج بحزن، تطالع الهيئته التي كرهتها فيه، تشعر انها تود اختراق كل هذه الحواجز وتطير كالفراشة لتحلق فوقه وتحتضنه بأريحية، تنهدت قبل ان تعود لمكانها مرة اخرى، وتكاد تشعر ان صبرها نفذ، وجدت الممرضة تدلف، ظلت تنظر للباب، وبعد دقائق وجدتها تخرج وهي تنادى بصوتٍ عالٍ: دكتور يا دكتور اصابها الهلع وانقبض قلبها بخوف، نهضت بسرعة واتجهت لها متساءلة بتوجس:.
في اية، عمر حصله حاجة؟ هزت رأسها نافية ثم قالت مسرعة: مش عارفة مش عارفة ثم ركضت بسرعة، تاركة شهد تشعر انها تكاد تختنق من كثرة الخوف، ومن دون تردد دلفت إلى الداخل بسرعة، لتجد الجهاز ينذر بسرعة، وعمر حالته غير مستقرة، اجفلت بخوف، وتلقلقت الدموع في اعينها البنية، لتهمس بألم: عمر دلف الطبيب ثم اشار لها بسرعة قائلاً بصوا امر: اخرجى يا مدام لو سمحتي.
وجدت نادى يسحبها من يدها بهدوء للخارج، ونظراتها متعلقة بعمر الذي بدى كالجثة الهامدة، خرجت فأغلقت الممرضة الباب، ظلت تفرك اصابعها بتوتر وقلق جامح، وهي تسير ذهابًا وايابًا في الممر، دقائق مروا عليها كالدهر، تشعر ان احدًا ما اصابها هي هذه المرة، عاد القلق يجتاحها مرة اخرى بل اصبح مضاعف.. انتهت دقائق الانتظار وخرج الطبيب من الغرفة، لتركض بأتجاهه ثم سألته بخوف: في اية يا دكتور عمر ماله.
هز رأسه نافيًا ثم اجابها بهدوء حذر: متقلقيش دى حالة حصلت له فجاة، لكن هو تقريبًا كدة بيبتدى يستعيد وعيه استردت روحها مرة اخرى، عادت المياة لمجاريها ثانيًا، ارتوت من ظمأها وخوفها، ومن دون وعى سألته: طب ممكن اشوف يا دكتور؟ اشار لها بتردد: ولانى شايفك خايفة جدًا، هدخلك بس خمس دقايق وياريت متعمليش ازعاج ثم اشار للمرضة واكمل بجدية: هي هتديكي اللبس إلى مفروض تلبسيه.
اومأت شهد موافقة بسعادة انارت وجهها الذي شحب، بدى الفارق بوضوح، سارت مع الممرضة وارتدت كل ما يجب ارتداؤوه، ثم اتجهت لغرفة العناية المركزة وهي تكاد تسير على اطراف اصابعها، وقفت تتأمله عن قرب، تشبع عينيها في التطلع لملامحه الرجولية الجذابة، تهدأ كم المشاعر التي اجتاحتها، جلست على الكرسي بجواره، ثم امسكت بكفه، هبطت دموعها دون ارادة منها، كأنها لن تنتظر الاذن بعد الان، فهي اصبحت بجوار معشوقها، غمغمت بحزن تجلجل في نبرتها المختنقة:.
على فكرة انت عمرك مابعدت عنى كدة من ساعة ما عرفتك، ومش متعودة عليك كدة، قوم بقا انا تعبت والله وضعت رأسها على يده برفق تبكي، تبكي بحدة، تحاول اخراج كل الحزن من داخلها على هيئة تلك الدموع، فجأة سمعت صوته الذي اشتاقت له يقول بوهن: انتِ مفكرانى هأسيبك تربي حزمبل لوحدك ولا اية يا شهدى.
كان كلاً من حاتم وفارس يجلسون امام مكتب الضابط، الذي كان يجلس على الكرسي الخاص به على مكتبه ببرود المعتاد منذ ان رآهم، وكأنه يأخذ بثأر كل من اذوهم بجرحه لكرامته، وخاصةً انه يعلم ان حاتم يتكبر ويكره ان يتكبر عليه اى شخص، كان حاتم وجه واجم شارد، يصعب التعبير عن ما يشعر به الان دون ان يبوح به، وفارس اقل ما يقال عنه انه قط خائف مم براثن الاسد، بالفعل هو قط خائف من العدالة والمحاكمة التي تكاد توديه إلى، الموت.
هتف حاتم بصوت هادئ ولكنه غامض: انا من حقي اتصل بالمحامى بتاعي اومأ الضابط بسخرية، ثم اشار على الهاتف قائلاً ببرود ثلجي: ايوة طبعًا، احنا حقانين جدًا ثم اقترب منه ونظر له بطرف عينيه هامسًا بخبث: بس مش لما يكون في حد. برة ينفع يساعدك ابتلع حاتم ريقه بإزدراء ثم سأله بتوتر: قصدك اية يعني مط شفتيه بضيق مصطنع، ثم قال: قصدى ان تقريبًا كدة الدايرة بتاعتك كلها هتلاقيها في التخشيبة معاك جوة.
هنا صاح فارس بأرتباك بدى على محياه: انا ايش دخلنى انا يعني نظر له الضابط بحدة، ثم زمجر فيه غاضبًا: منا قولت لك ان في دليل ضدك انت كمان، اخرسوا بقا عشان هنبدا في التحقيق ان كان سيقع فلن يقع وحده ابدًا ويتركه سعيدًا بعد كل هذا، ان كان رجاله فشلوا في التخلص منه فالشرطة لن تفشل، وبالقانون.. قال فارس لنفسه هكذا، قبل ان يقول موجهًا حديثه للضابط: طب انا عايز اعترف على واحد شريكنا اسمه عمر مالك...!
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والستون
قهقهه الضابط عاليًا وبشدة، كأنه قال له مزحة، مما جعل الدم يتصاعد في عروقهم بغيظ، هدأ قليلاً ونظر لفارس ثم رفع حاجبه الأيسر وقال مصطنعًا الجدية: انت متأكد من كلامك؟ اومأ فارس بتأكيد، ثم تابع بثقة زائفة: ايوة، واكيد لاقيتوا دليل عليه هو كمان هز الضابط رأسه نافيًا، ثم اردف متهكمًا: هو انت متعرفش أن استاذ عمر مالك هو إلى مبلغ اصلاً!؟
جحظت عينيه، لم يتخيل أن الأسد يهدأ في عرينه ويخطط لتلك المواجهة الحاسمة، فكر في الكثير والكثير، ولكنه لم يتخيل أن عمر سيودى بحاتم للتهلكة، حاول إخراج الكلمات من بين شفتيه المرتعشة اثر الصدمة قائلاً: ا آآ ازاى ي يعني! نظر الضابط لحاتم الذي كان يجلس صامت، شارد، ساكن، ولكن هدوءه مخيف، اشبه بهدوء ما قبل العاصفة، ثم قال بتوضيح بارد: بص يا سيدى رغم ان ده مش المفروض تعرفه لكن بما انك غالي عليا هاعرفك.
صمت لبرهه يستعد لقذفهم بما سيصدمهم صدمة العمر، ثم تابع بجدية: عمر مالك يا سيدى الظاهر انه كان بيخطط لده من بدرى جدًا، او يمكن ماكنش بيخطط بس كان بيسجل لكم كل حاجة، تقريبًا كدة عشان لو غدرتوا بيه يبقي مأمن نفسه، في طرف تانى متعاون معاه، لكن مش هاقدر اقولك او اوضح عنه، لكن الظاهر ان حبايب حاتم باشا كتير، ولما إلى ضرب عمر مالك بالنار.
وشدد على جملته الأخيرة بدقة وهو يرمق فارس الذي بدأ يرتبك بنظرات ذات معني، ثم اكمل: الطرف التاني ده راح وسلم كل الدلائل إلى ضدكم والي هي عمر مالك ملهوش يد فيها اصلاً، الفيديوهات بتجمعك انت وحاتم وانتم بتسلموا البضاعة، بتأمروا بقتل حد، كدة يعني انتم ادرى بشغلكم، ده غير القضايا إلى اترفعت ضدكم وبشهادة الشهود، يعني من الاخر انتم كان مجهزلكم الوقعة دى من بدرى.
كان فارس مذهول مما يسمعه، دقات قلبه توحى بالخطر، منذرة انها ستتوقف حتمًا من الخوف، نعم، الخوف من الاعدام! بينما تأفف الضابط وهو يتشدق بتهكم ب: حتى لو كلامك صح وعمر إلى هو اصلا شاهد ملك ف القضية شريكم، يبقي هو سلمكم وطلع منها، والقانون لا يحمي المغفلين هنا نطق حاتم وقد نفذ صبره وقال بحده: ازاى، انا بأعترف على عمر ده انه معانا اجابه الضابط برسمية:.
والله يا فندم الادلة إلى معايا ما بتدينش استاذ عمر مالك ابدًا، بل بالعكس ده شهد عليكم وهو إلى قالنا ع مكان تخزين البضاعة، يعني لو كلامك صح انا عايز ادلة وشهود، القانون مش عواطف أطلق حاتم زافرة قوية وعاد يفكر في حل لهذه المعضلة، ولكنه فشل فشل ذريع في ايجاد اى حل، وجد كل الابواب مغلقة في وجهه، كل نفوذه وسلطاته وامواله لن تنفعه الان! قال الضابط بجدية:.
يعني انتم اعترفتوا انكم فعلا كنتم بتتاجروا ف المخدرات وقتل و، الخ هز فارس رأسه نافيًا بسرعة ثم قال بهلع: لا لا اعترفت اية انا معرفش حاجة تقوس فمه بأبتسامة ساخرة، وهو يقول متساءلاً بتهكم: انت مش لسة من دقيقتين قايل انك بتعترف ع عمر شريككم، يعني بتعترف ع نفسك قبله من دون قصد خبط جبينه بطرف يده بصدمة، بالفعل خانه لسانه واعترف على نفسه، من دون اذنه صرح بما لا يجب ان يصرح به، ذهب لحبل المشنقة بقدمه!
تنحنح الضابط بجدية معتادة موجهًا حديثه للكاتب بجواره: اكتب يابني، قررنا نحن وكيل النيابة / اكمل زهير، بحبس كلا من المتهم حاتم مهران، وفارس كمال مهران 15 يوم على زمة التحقيق مع مراعاة التجديد.
أسدل الليل ستائره، وذهبت الشمس على وعد بأن تشرق مجددًا، وحل القمر مكانها لينير الأجواء بضوءه الساطع، الذي يدوى على جميع المناطق يعطيها مظهر جذاب، انتهت رضوى ونبيلة من اعداد كل شيئ، كانوا يجلسوا في الصالة في انتظار قدوم عبدالرحمن الذي سيأخذهم إلى المحطة ويسافر معهم، ومما ادهش رضوى اكثر ان نبيلة لم تعارض عندما علمت بقدوم عبدالرحمن معهم كعادتها، لم تصيح بها وتنهرها ككل مرة، بل وافقت بصدر رحب، من يراها يعتقد انها تبدلت كليًا، وكأنها أُهلكت من كثرة الصراخ والغضب، وقررت تغيير تعابير وجهها الحادة ولو لفترة قليلاً، ولكنها حقًا لم تشعر يومًا انها اخطأت في الحكم على رضوى، هي شخصيًا حتى الان لم تعرف ما سر تغيير شعورها المفاجئ تجاه رضوى، لم تتخيل يومًا انها يمكن أن تكن لها شيئً سوى الكره، ولكن اليوم، مشاعر جديدة بنظرة مختلفة تطرق بابها لتحل محلها في قلبها تجاه تلك المسكينة، تشعر لو انها تعوضها بدلاً من مها، وآآه من مها التي اشتاقت لها ولكن كبرياؤوها يمنعها وبشدة من زيارتها، زيارتها..!
اى زيارة وهي خرجت من تلك القضية وذهبت مع زوجها دون الرجوع اليها ركضًا، نعم، نبيلة كانت تعلم كل شيئ عن مها، كانت تسأل المحامى الذي وكلته رضوى لمها عما حدث، شعور الأمومة وعطفها لم يسمحوا لها ان تبتعد عنها للابد كما ارادت، تغلبت تلك المشاعر الحانية على غضبها وثوارانها لتغلق عليه جدران متينة صلبة، ولو مؤقتًا لحين الاطمئنان على ابنتها الوحيدة، كانت لا تريد ان تصبح الجلاد والحنونة في آن واحد!.
قطع ذلك الصمت الذي دوى صوت سيف الطفولى وهو يقول بتساؤل رقيق: احنا رايحين فين يا خالتو رضوى استدركت رضوى نفسها سريعًا، ثم مدت يدها تحيط كتفيه برقة، ثم اجابته بهدوء حذر: مسافرين يا حبيبي زم شفتيه بضيق طفولى، ثم زمجر قائلاً: هانروح من غير ماما يعني!؟
صمتت لبرهه، فهي نفسها لا تعرف اجابة ذاك السؤال، السؤال الذي تسأله لنفسها مرارًا وتكرارًا، إلى متى سيذهبوا بدون مها؟!، تشعر ان بداخلها جزء مفقود يجب البحث عنه، وان كان ذاك الجزء يحدث لها صخب وازعاج، وبعض الألم، ولكنه يظل جزء منها، لا تقدر على التخلي عنه دون ارادة منها.. إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها، ورسمت ابتسامة صفراء لتخفي ذاك العبوس الذي كاد يظهر بوضوح على محياها، ثم اردفت بجدية:.
حبيبي ماما مستحيل تسيبك لوحدك، هي بس بتعمل حاجات عشان تيجي تاخد سيف معاها بس كانت نبيلة تتابعهم بأعينها، وكأن عينيها تجبرها على النظر لهم لتؤكد لها ان رضوى لم تكن يومًا سيئة، وانها هي من كانت سيئة معها، من اجل شعور الغيظ بالفطرة من درتها!
سمعوا طرقات هادئة على الباب، لتنهض رضوى وتتجه للخارج بخطى هادئة، ثم فتحت الباب بأبتسامة على اعتقاد منها ان هذا عبدالرحمن، إلا انها اختفت تدريجيًا وهي ترى مها بجوار أحمد، لم تشعر انه حان وقت تلك المواجهة الان! بدت مها مشرقة، ملامحها تشربتها الفرحة، اشبعت شعورها بالأشتياق من اول فرد من تلك العائلة، لأول مرة تشعر انها تحب رضوى بصدق، ابتسمت بسعادة، ثم تنحنحت قائلة بحرج: رضوى، ازيك وحشانى اوووى.
كلماتها كافية لخروج رضوى السريع من صدمتها، جعلتها تستدرك نفسها على شعور الاشتياق لاختها الوحيدة، بدأ الجزء المفقود بداخلها يعود رويدًا رويدًا، لم تمنع مها نفسها من الاقتراب منها، ثم احتضنتها بقوة، طبقت على ظهرها تتأكد انها اصبحت مع اختها الوحيدة، ولم تعارض رضوى على احتضانها، ثم همست بما رد لها روحها المحرجة بجوار اذنيها:.
وانتِ كمان وحشتيني اوى يا اختى، اسفة اوى مكنتش بزورك بس حصلت حاجات كتير منعتنى والله إبتعدت عنها مها بهدوء، كلما تمعنت النظر لها اكتشفت الفارق الشاسع بينها وبين رضوى، فهي مسبقًا لو كانت مكانها لكانت طردتها سريعًا دون اى رحمة، هزت رأسها نافية بأبتسامة حانية: ولا يهمك يا حبيبتي، كفاية المحامى إلى عينتيه لي ابتعدت رضوى عن الباب قليلاً ثم اشارت لهم وقالت بهدوء: طب اتفضلوا ادخلوا سيف وماما جوة.
سيف ، مجرد ذكر اسمه واعطاؤوهم الاذن جعلها تكاد تركض كالأطفال لتلحق بأحدى الهدايا التي جلبها لها والدها، ولكنه حقًا هدية اهداها لها الله يتبعها احمد، وجدوا سيف يجلس على الاريكة بجوار نبيلة، من دون سابق انذار تقدمت بسرعة واحتضنته بلهفة، بادلها هو العناق بفرح طفولى، يشاهدهم احمد بحماس، واخيرًا التم شمل عائلته، فيما كانت نبيلة تتصنع الصدمة، كانت متوقعة زيارتها تلك، ولكن غضبها يمنعها عن ركضها هي واحتضان مها، اخذت مها تحتضن كل جزء فيه بشوق، وتلقلقت الدموع في عينيها، دموع بسبب غباءها اللانهائى على بعدها بإرادتها سابقًا عن ذاك الطفل الملائكى، هنا تنحنحت نبيلة وهي تصيح بغضب:.
اية دة، انتم داخلين فين، وازاى تدخلي كدة من غير احم ولا دستور ابتعدت مها عن سيف بهدوء، ثم اطرقت رأسها ارضًا بخزى، فيما قال احمد بجدية: معلش، حضرتك عارفة اد اية مها كانت مشتاقة لسيف إرتسمت ابتسامة ساخرة على ثغر نبيلة، ثم رفعت حاجبيها قائلة بأستنكار: والله، طب الحمدلله.
لم تتعجب مها ولم تندهش، اكتفت بالصمت، ولكن نظرات احمد الموجهه نحوها ذكرتها بما يجب عليها فعله، رفعت ناظريها لتواجه نظرات نبيلة الحادة، فقالت مسرعة بأسف: ماما انا عارفة انك مستحيل تسامحيني بعد كل إلى عملته، لكن انا عشمانة في حنانك وقلب الام قالت نبيلة بصوت قاتم من دون تفكير:.
عشمانة ع اية ولا اية ولا اية، على ثقتي فيكي إلى ضيعتيها، ولا ثقة احمد فيكي وفي تربيتنا وكونى مش قادرة ارفع عيني فيه، ولا بعدك عن ابنك، ولا خيانتك، ولا محاولة قتلك لحبيب القلب اغمضت مها عينيها بألم، تشعر بحجم الفجوى التي اصبحت بينها وبينهم بسبب كل ما حدث، وهي تعلم جيدًا انها غاضبة وبشدة، ولكن ما كانت لا تعرفه ان تتقبلها رضوى بشوق ووالدتها لا! حاول احمد تخفيف حدة الموقف، فقال بهدوء ورقة:.
احم، ممكن اقول حاجة، مها كان شيطانها مأثر عليها، واتغيرت وعرفت غلطها وتقصيرها في حق كل واحد في حياتها، واتكلمنا انا وهي كتير، وانا الجزء إلى بيحبها جوايا قدر يتغلب على الجزء الغضبان منها، وانا متأكد انك هاتعملي كدة هزت رأسها نافية بسخرية واضحة، ومن ثم تابعت بصوت اجش: انت الزمن قدر يداوى جرحك وغضبك، لكن انا امها، خانت تربيتي وتعبي عليها مش مجرد ثقة، انا المفروض اكون اقرب واحدة لها مش ابعد واحدة.
غمغمت مها بصوت اشبه للبكاء: انا بجد اسفة اوووى اووى، سامحيني ارجوكِ يا امى مطت شفتيها بعدم رضا، ثم قالت بتهكم: كويس انك افتكرتى ان ليكي ام تنهدت مها بقوة، قبل ان تقول بصوت يكاد مسموع: ماما، انا واحمد رجعنا لبعض هزت رأسها بسخرية، ثم استطردت بجزع: بقيت اتوقع منك اى حاجة، بس كويس انه قدر يسامحك هو ع الاقل.
في هذه اللحظة سمعوا صوت طرقات على الباب، فسارت رضوى مسرعة لتفتح، بالطبع وجدت عبدالرحمن فقابلته بوجه واجم، دلف عبدالرحمن لينصدم، ولم يستطع منع نظراته المذهولة من الظهور، تنحنح قائلاً بحرج لنبيلة: خلصتم يا حماتى ولا لسة؟ شعر ان سؤاله احمق بالفعل، ليس هو الوقت او الظرف المناسب، كان يشعر بالتوتر المحمل في الجو، ففضل الصمت، إلا ان نبيلة اجابته بجدية: ايوة يا عبدالرحمن يلا قالت مها متساءلة بلهفة:.
ماما انتم رايحين فين وواخدين سيف! لم ترد نبيلة، فأجابتها رضوى بدلاً منها بهدوء حذر: احنا مسافرين للأقصر عشان شهد سألتها مرة اخرى بتوجس: مالها شهد يا رضوى؟ قصت رضوى عليها كل ما عرفوه، فصُدمت مها للغاية، ولم تعرف ما الذي جعلها تطلب من القدوم معهم دون تردد، تعجبت رضوى إلى حدًا ما، ولكن مع اصرار مها على ان يلحقوا بهم هي وسيف واحمد بسيارة احمد، جعل نبيلة ترد عليها ببرود ظاهرى:.
براحتك مليش فيه اعملي إلى عاوزاه ركضت مها تبدأ بأعداد حقيبتها واحمد قرر الذهاب بالملابس التي يرتديها ويشترى بعضًا من هناك ان اطالوا الاقامة، فأنتهوا جميعهم وأتجهوا معًا إلى الاقصر..
شهقت شهد من الصدمة، وابتعدت عنه بسرعة تنظر له لتتحقق ان كانت تتخيل او ان ما سمعته حقيقي، استعاد وعيه، استعاد وعين بالفعل، ترى غابتها الغامضة الان بين جفونه الثقيلة، ترى ابتسامته التي رسمت الخطوط حول ثغره المتعب، يدوى صوته كالعزف الرومانسي، على اوتار قلبها المشتاقة بهدوء، اختفت الدموع سريعًا، وتقوس فاهها بأبتسامة مصدومة، شعرت وكأن قلبها يدق بصوت عالٍ مسموع محرج، تابع عمر بصوت ضعيف لأول مرة يطرب على اذنيها:.
مالك يا شهدى منهارة كدة ليه زمت شفتيها بضيق طفولي اعطاها مظهر جذاب، ثم قالت بصوت متحشرج: والله يعني مش عارف، اسكت بقا نهضت بسرعة ثم اتجهت للخارج، ونظرت حولها قبل ان تنادى بجدية: دكتوور يا دكتور كان الطبيب بالقرب منهم فتقدم منها سريعًا، وسألها بتوجس: خير حصلت حاجة جوة ولا؟ هزت رأسها نافية، ثم اجابته بأبتسامة زينت وجهها الواجم مسبقًا: لا بس فاق وبيتكلم معايا.
اومئ الطبيب ثم دلف إلى الداخل بسرعة، واشار لها ان تنتظر، فأنتظرت للخارج، وتغيرت ملامحها للغاية، وكأن شفاء عمر له مفعول سحرى عليها، اقتربت منها نادى ومحسن ومسعد بأبتسامة، فربت مسعد على كتفها قائلاً بجدية فرحة: الحمدلله يابنيتي، ربنا ما يجعلنا ندخل المستشفيات دى تانى الا ف الخير رددوا خلفه بهدوء: امين يااارب.
كانت سعادتها لا توصف، من كثرة سعادتها تشعر انها على حافة الموت، نعم، فهي تشعر بقلبها ودقاته لم يعد قادر على التحمل اكثر من ذلك، تشعر بكل ذرة في كيانها تهلل وترقص فرحًا الان بأستعدادة محبوبها، فلم يكن ما مر بالهين.. بعد دقائق خرج الطبيب بهدوء، فأتجهت له شهد ومن دون ان تسأله قال بجدية:.
الحمدلله، رغبته في الحياة خلته ماقعدش في الغيبوبة غير ساعات، وربنا سترها معاه وان شاء الله هيبقي كويس ف اقرب وقت لانها اصبحت مجرد اصابة، لا تمس القلب بأى سوء، وهننقله لأوضة عادية بعد شوية وتقدروا تشوفوه تنهدت بأرتياح شديد يجتاحها، فتمتمت بأمتنان: شكرًا جدًا يا دكتور اومأ الطبيب بأبتسامة هادئة ثم استدار وغادر على عقبيه..
وبعد نصف ساعة تقريبًا تم نقل عمر لاحدى الغرف العادية، وبالطبع كانت شهد ونادى ومحسن ومسعد بجواره، ما ان دلفوا للغرفة، حتى قال مسعد بصوته الاجش لعمر: الحمدلله على سلامتك يا ولدى، كدة تجلجنا عليك ابتسم عمر بخفة، ثم اجابه بخفوت: الله يسلمك يا خال، كنت بأشوف معزتى عندكم بس.
قال كلماته الاخيرة وهو ينظر لشهد التي كانت تقف في اخر الغرفة تتأمله بشرود، وكأنها حتى الان غير مصدقة انه اصبح معها، فيما ردد كلاً من محسن ونادى الامنيات بالشفاء لعمر والحديث العادى على محور الحياة، حتى اردف محسن بجدية ل مسعد: طب يلا يا خال روحوا انتم ارتاحوا كفاية عليك إكدة عشان ماتتعبشي بجا يا خال هز رأسه نافيًا وهو يتشدق ب: لآآه، ماهمشيشي من هنا من غير بتى وجوز بتي هز عمر رأسه ثم اكمل بهدوء:.
لا حضرتك اكيد بقالك كتير وتعبان، روحوا ارتاحوا يلا فقالت شهد متدخلة لتؤيدهم: ايوة يا خالو، الاجهاد غلط على صحتك اومأ مسعد بأستسلام، ثم هتف بتساؤل جاد: مين هايجعد طيب؟ اجابه محسن مسرعًا بهدوء: انى هاجعد مع شهد، والرجالة برة متجلجشي اومأ موافقًا بهدوء ثم إتجه للخارج مع نادى، عائدين للمنزل بخطى مرهقة.. فيما تنحنح محسن لشعوره برغبتهم في الانفراد ببعضهم بهدوء: انا هأروح اجيب اكل اكيد هتاكلوا.
اومأ عمر بهدوء، فأتجه محسن للخارج، وشهد كما هي لا تتحرك، فقط تتأمله تشبع رغبتها في التمعن لقسمات وجهه، فنظر لعينيها، ذاك البحر الذي يذيبه، وهمس بصوت شبه جاد: شهدى، تعالي قربي، عايزك جمبي لم تقدر على تحديد شعورها في هذه اللحظة، شعرت بكم مشاعر متخبطة تجتاحها، الاشتياق لكلماته، والفرح، والحزن على ذاك اليوم الذي كان من اسوء ايام حياتها، والخوف، الخوف من تكرار ما حدث..
اقتربت منه بخطى مرتبكة، جلست على الكرسي المجاور للفراش، ولم تنظر له، فمد يده بصعوبة، تحامل على شعوره بالألم بسبب الاصابة، ومد يده يرفع ذقنها لتنظر له، فشعوره بالأشتياق لها اقوى الان، غمغم بخفوت وهو يهز رأسه نافيًا: لا، تعالي اقعدى هنا ثم اشار بنظره على الفراش بجواره، واكمل بهمس مشتاق: في حضني.
توردت وجنتاها بخجل، ونهضت بخفة تجلس على الفراش بجواره، ليلف يده حول خصرها يحيطه بأبتسامة تملكية سعيدة، فيما كانت شهد مازالت شاردة بعض الشيئ، فشدد على ضمها بخفة وهو يقول مداعبًا: مالك يا حبيبتي، سرحانة ف مين اجابته مسرعة دون وعي: فيك، حاسه انى باحلم وانك لسة في الغيبوبة مش معايا.
وجه نظره لشفتيها المنتكزة الكرزية برغبة واشتياق ونظرات متيمة بعشقها، نظرات اربكتها وجعلتها حمراء كحبه الطماطم، فقال عمر بخبث: ممكن اثبتلك انك مش بتحلمى بس بطريقة تانية لم يعطيها فرصة لتعترض او تسأله او تندهش حتى، وابتلع كلماتها بين شفتيه، يبث لها شوقه لها ورغبته المميتة فيها، يؤكد لها بطريقته الخاصة انه معها! وكانت مستسلمة هي، فهي تشتاق له الضعف..
ابتعد عندما شعر بالألم يزداد بمكان الاصابة، وبحاجتهم للهواء، نظر لها وقال وهو يلهث: لسة مش مصدقة بردو لم تستطع الرد واكتفت بالصمت والنظر للأرضية الرخامية بخجل، مما جعله يبتسم بتسلية ويمتع عينيه بالنظر لها وحدها..!
كان فارس وحاتم يجلسوا في السجن، وسط اناس لم يعرفوهم بحياتهم كثيرًا او يقتربوا منهم لهذا الحد، يقيموا معهم في مكان واحد، غريبة بعض الشيئ ان يجتمع افراد عائلة مهران المعرفة ببعض الاناس اقل ما يقال عنهم انهم بقايا افراد المجتمع، تظهر بعض الندبات على وجههم، روائحهم كريهه مقززة، ملابسة تكاد تكون ممزقة، الارضية نفسها لا تشجعك على الجلوس عليها اطلاقًا، كان فارس يفرك يديه بتوتر وهيستريا، ثم صاح ف حاتم بتساؤل مرتعد:.
هانعمل اييية ها هانعمل اية اطلق حاتم زافرة قوية قبل ان يجيبه بحيرة: مش عارف، عمرى ماحطيت ف حساباتي كل إلى حصل، حتى المحامى اتقبض عليه ف قضية اختلاس جز فارس على اسنانه بغيظ، وعاد يقول بنبرة غليظة: يعني اية يعني هنقضي باقي عمرنا في السجن ولا اية هز حاتم رأسه نافيًا، ثم اردف بشرود: اكيد لا هاتصرف بس سيبني افكر اومأ فارس ثم غمغم بسخرية: فكر يا عمي فكر فكر يلا.
تقوس فم حاتم بشبح ابتسامة شيطانية وهو يقول بصوت اشبه لفحيح الافعي: تقريبًا كدة عرفت بس ياريت ينفع نظر له فارس بلهفة، ثم قال متساءلاً بترقب: اية اية قول بسرعة؟!